المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث السادس 264/ 6/ 50 - عن عبد الرحمن بن يزيد - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث السادس 264/ 6/ 50 - عن عبد الرحمن بن يزيد

‌الحديث السادس

264/ 6/ 50 - عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، أنه حج مع ابن مسعود، فرآه يرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، ثم قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه [سورة](1) البقرة صلى الله عليه وسلم" (2).

الكلام عليه من وجوه:

أحدها (3): في التعريف براويه.

وأما ابن مسعود: فتقدم [الكلام عليه](4) في باب المواقيت.

وأما عبد الرحمن: هذا فهو كوفي تابعي ثقة وهو أخو الأسود سمع عثمان وابن مسعود وغيرهما، وعنه ابنه محمد وأبو إسحاق الهمداني وغيرهما، في وفاته قولان:

(1) زيادة من ن هـ (والبخاري).

(2)

البخاري في أطرافه (1747)، ومسلم (1296)، والنسائي (5/ 273)، وأبو داود (1974) في المناسك، باب: في رمي الجمار، والترمذي (901)، وابن ماجه (3030)، والطيالسي (319، 320)، وابن خزيمة (2880)، وابن الجارود (475)، وأحمد (1/ 415)، والبيهقي في معرفة السنن (7/ 50/ 10).

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

زيادة من ن هـ.

ص: 354

أحدهما: سنة ثلاث وسبعين، قاله يحيى بن بكير.

والثاني: سنة ثلاث وثمانين في الجماجم، قاله الفلاس.

والنخعي: -بفتح النون والخاء، ثم عين مهملة- نسبة إلى النخع وهي قبيلة كبيرة من مذحج.

اسم النخع: جسر بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد، وقيل له النخع، لأنه انتخع من قومه أي بعد عنهم، نزل بيشة ونزلوا في الإِسلام الكوفة. ينسب إليهم من العلماء الجم الغفير، منهم عبد الرحمن هذا وأخوه علقمة وإبراهيم.

الثاني: المراد "بالجمرة الكبرى": جمرة العقبة، وليست من منى، بل هي حد منى من الجانب الغربي جهة مكة وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الإِسلام والهجرة.

والجمرة: اسم لمجتمع الحصى، لا ما سال منه، ولماذا سميت [جمرة] (1) فيه أقوال:

أحدها: لاجتماع الناس بها يقال: تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا ومنه نهيه عليه الصلاة والسلام عن التجمر أي اجتماع الرجال والنساء في الغزوات (2).

ثانيها: أن إبراهيم، وقيل: آدم لما عرض له إبليس هناك

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

ورد في النهاية عن عمر رضي الله عنه بلفظ: "لا تجمروا الجيش، فتفتنوهم" تجمير الجيش: جمعهم في الثغور وحبسهم عن أهليهم. اهـ.

(1/ 292)، ولسان العرب (2/ 351).

ص: 355

فحصبه جمر بين يديه -أي أسرع (1).

ثالثها: [لأنها تجمر](2) بالحصى والعرب تسمى الحصى الصغار جماراً فيكون من باب تسمية الشيء بلازمه كالغائط، والراوية.

رابعها: في الحديث إثبات رمي جمرة العقبة، وقد أجمعوا على أن الحاج يرميها يوم النحر، وهو واجب يجبر بدم وسماه المالكية سنة مؤكدة.

وقال عبد الملك منهم: إنه ركن، فإن تركه بطل حجه كسائر الأركان.

وحكى ابن جرير: عن بعض الناس أن رمي الجمار إنما شرع حفظاً للتكبير، فإن تركه وكبر أجزأه، ونحوه عن عائشة وهو خلاف شاذ.

تنبيهات:

أحدها: رمي جمرة العقبة أحد أسباب التحلل وهي ثلاثة:

أحدها: رميها يوم النحر.

ثانيها: طواف الإِفاضة مع سعيه إن لم يكن سعى.

ثالثها: الحلق إذا قلنا أنه نسك وهو الصحيح عندنا.

ثانيها: يدخل وقت رمي جمرة العقبة بنصف الليل ويبقى إلى

(1) انظر: النهاية (1/ 292)، ولسان العرب (2/ 351).

(2)

في ن هـ (لا تجمر).

ص: 356

آخر يوم النحر وفي امتداده تلك الليلة وجهان أصحهما في الرافعي و"الروضة"(1) لا لعدم وروده.

والثاني: نعم تشبيهاً بالوقوف، وصححه النووي في "مناسكه الكبرى" في الكلام على رمي أيام التشريق.

ووقع في الرافعي: نقلاً عن الأئمة أن وقته إلى الزوال، وينبغي أن يحمل على الفضيلة وبه صرح الماوردي (2). ولو تركه ففي تداركه في أيام التشريق.

[طريقان أصحهما: نعم ولو تركه حتى فاتت أيام التشريق](3) فعليه دم.

واتفقوا (4): على أنه بخروج أيام التشريق يفوت الرمي. إلَاّ ما قاله أبو مصعب أنه يرمي متى ما ذكر كمن نسي صلاة يصليها متى ذكرها.

وقال مالك وأبو حنيفة: لا يدخل وقت الرمي إلَاّ بطلوع الفجر ووافقهما أحمد.

ثالثها: جمرة العقبة تمتاز عن غيرها بأربعة أشياء:

[الأول](5): ترمي قبل زوال الضحى.

(1) روضة الطالبين (3/ 108).

(2)

الحاوي (5/ 259).

(3)

في ن هـ ساقطة.

(4)

الاستذكار (13/ 223).

(5)

في ن هـ (أنها).

ص: 357

الثاني: أنها ترمى من أسفلها استحباباً ويجزىء من أعلاها وأوسطها وما عداها فمن أعلاها.

الثالث: أنه لا يرمي يوم النحر غيرها.

الرابع: أنه لا يوقف عندها للدعاء.

الوجه الرابع: من الكلام على الحديث فيه أيضاً أن الرمي بسبع حصيات، وهو إجماع، فإن رماها بأقل وفاته جبر ذلك وكان عليه دم عند مالك والأوزاعي، وعزى إلى الجمهور أيضاً.

وذهب الشافعي وأبو ثور: إلى أن على تارك حصاة مد من طعام، وفي اثنين مدين، وفي ثلاثة فأكثر دم.

وقال أبو حنيفة [وصاحباه](1): إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث، ففي كل حصاة نصف صاع وإن كان أكثر من نصفها فعليه دم.

وقال مالك: إن نسي جمرة [العقبة](2) تامة أو الجمار كلها فعليه بدنة فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة.

وقال البصريون: على ناسي الجمرة والجمرتين دم.

وقال عطاء: فيمن رمى خمس، ومجاهد فيمن رمى بست لا شيء عليه (3).

(1) في ن هـ (وصباه).

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

انظر: الاستذكار (13/ 223).

ص: 358

[فرع: يجزىء الرمي بكل ما يسمى حجراً فلا يجزىء اللؤلؤ وما ليس بحجر من طبقات الأرض كالنورة والزرنيخ ونحوهما](1).

فرع: السنة أن يكبر مع كل حصاة رافعاً صوته بالتكبير وهو مذكور في الصحيحين (2) في حديث ابن مسعود هذا وبه أخذ مالك والشافعي وعمل الأئمة كما نقله القاضي عياض، قال: وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه.

الخامس: "منى" سلف الكلام عليها في الباب وغيره وهي بين جبلين [أحدها](3) ثبير. والآخر: الصائغ.

وليست جمرة العقبة منها كما تقدم ولا الوادي أيضاً، وذرع ما بين الجمرة والوادي سبعة آلاف ذراع ومئتا ذراع وعرضها من مؤخر المسجد الذي يلي الجبال إلى الجبل الذي بحذائه ألف ذراع وئلاثمائة ذراع ومن جمرة العقبة إلى الوسطى إلى الجمرة التي تلي المسجد ثلاثمائة ذراع وخمسة أذرع، قاله القاضي نجم الدين القمولي، في "البحر المحيط"(4).

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

مضى تخريجه.

(3)

زيادة من ن هـ.

(4)

الكتاب هو شرح "للوسيط" مطولاً. قال الإسنوي عنه في طبقاته (389)، لا أعلم كتاباً في المذهب أكثر مسائل منه. واسمه "البحر المحيط في شرح الوسيط".

ص: 359

قال النووي في "منسكه": حد منى ما بين وادي محسر وجمرة العقبة ومِنى شعب طوله ميلين وعرضه يسير والجبال المحيطة ما أقبل منها عليه فهو من منى وما أدبر فليس من منى وجمرة العقبة في آخرها.

السادس: في الحديث أيضاً استحباب كون الرمي من بطن الوادي فيقف تحتها في بطن الوادي ويجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل الجمرة ويرمي، وهذا أصح الأوجه عند الشافعية كما نقله النووي (1) عنهم وعزاه إلى جمهور العلماء أيضاً.

والوجه الثاني: أنه يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة، وبه جزم الرافعي.

والثالث: يستقبل الكعبة ويجعل الجمرة عن يمينه.

وأجمعوا: على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو رماها من فوقها أو أسفلها أو وقف في وسطها ورماها، فأما رمي باقي الجمرات فيستحب من فوقها.

السابع: قوله: "مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة"، أي مكان قيامه عليه الصلاة والسلام فهو اسم المصدر الذي هو للقيام، والسورة تقدم الكلام عليها في الحديث الثاني من باب وجوب القراءة في الصلاة (2).

(1) في شرح مسلم (9/ 42) ذكر جميع الأقوال.

(2)

(3/ 203) من هذا الكتاب المبارك.

ص: 360

الثامن: في الحديث دلالة على جواز قوله سورة كذا، وخالف الحجاج بن يوسف في ذلك كما نقله عنه البخاري ومسلم في صحيحهما (1)، وقال: قال الأعمش: فلقيت إبراهيم فأخبرته بقول الحجاج فسبَّه ورد عليه بهذا الحديث، وقد تقدم الرد على من قال بهذا أيضاً في الحديث الثالث من باب وجوب القراءة في الصلاة (2).

التاسع: إنما خص سورة البقرة لأن معظم أحكام الحج فيها مذكور فكأنه قال هذا مقام الذي أنزلت عليه المناسك وأخذت عنه الأحكام [فاعتمدوه](3) أراد بذلك التنبيه على أن أفعال الحج توقيفية ليس للاجتهاد فيها مدخل فلا يفعل أحد شيئاً من المناسك برأيه.

وقيل: خصها بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما تحتويه من الأحكام، وقد خصها صلى الله عليه وسلم بعجز البطلة عن حفظها (4)، وقوله للعباس في يوم حنين: نادي أصحاب السمرة أصحاب البقرة (5)، يمكن أن يكون خصها بالذكر حين فرارهم لأن فيها: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ

(1) سبق تخريجه.

(2)

(3/ 203) من هذا الكتاب المبارك.

(3)

في ن هـ (فاعتمده).

(4)

مسلم (804)، وأحمد (5/ 249، 254، 255، 257)، ولفظه:"اقرأوا القرآن فإنه شافع يوم القيامة".

(5)

مسلم (1775)، وعبد الرزاق (7941)، والمسند (1/ 207)، والبغوي في تفسيره (2/ 287، 288)، والحميدي (459)، والسيوطي في الدر المنثور (4/ 160).

ص: 361

غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً (1)، وفيها {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} (2)، أو لأن فيها {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} (3)، وفيها {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} (4).

العاشر: في الحديث أيضاً دلالة على مراعاة كل شيء في هيئة الحج التي وقعت من الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال ابن مسعود: هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة قاصداً بذلك الإِعلام [به](5) ليفعل.

الحادي عشر: فيه أيضاً التعلم بالرؤية من غير قول (6) وتبليغه.

خاتمة: قيل إن مشروعية الرمي أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين هرب منه الكبش المفدى به الذبيح عليه الصلاة والسلام عند الجمرة رماه بسبع حصيات حتى أخذه.

[وروى](7) أنه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده.

وروى أنه لما ذبحه قال جبريل: الله أكبر الله أكبر، فقال

(1) سورة البقرة: آية 249.

(2)

سورة البقرة: آية 251.

(3)

سورة البقرة: آية 40.

(4)

سورة البقرة: آية 207.

(5)

في ن هـ ساقطة.

(6)

في ن هـ زيادة (والأخذ به من قول).

(7)

في ن هـ (قيل).

ص: 362

الذبيح لا إله إلَاّ الله والله أكبر، فقال إبراهيم: الله أكبر ولله الحمد، فبقي ذلك سنة (1).

(1) ذكر ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (13/ 224) بإسناده: ومن أحسن ما قيل في قلة الجمار بمنى مع كثرة الرمي بها هناك. عن أبي سعيد الخدري قال: الحصا قربان فما تقبل من الحصا رفع.

وأيضاً عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: رميت الجمار في الجاهلية، والإِسلام فكيف لا تسد الطريق؟ فقال: ما تقبل منها رفع، ولولا ذلك لكان أعظم من ثبير. اهـ.

ص: 363