الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
247/ 7/ 46 - عن عبد الله بن عباس [رضي الله عنهما](1) [قال طاف النبي صلى الله عليه وسلم، (2) في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن (3).
المحجن: عصا محنية [الرأس](4).
الكلام عليه من وجوه:
يقدم عليها أن ابن طاهر قال: أنكر على البخاري ومسلم إخراجهما لهذا الحديث من حديث ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس لأن الليث بن سعد
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
البخاري أطرافه في الفتح (1607)، ومسلم مع النووي (9/ 18)، وأبو داود (1877) في المناسك، باب الطواف الواجب، والنسائي (5/ 233). وابن ماجه (2948) ، والبغوي (1907) ،والبيهقي (5/ 99)، وابن الجارود (463)، وأحمد (1/ 214، 237، 248، 304).
(4)
في ن هـ (الركن).
وأسامة بن زيد وزمعة خالفوا ابن وهب، ورووه عن ابن شهاب بلغه عن ابن عباس، ورواه ابن أخي ابن وهب عن عمه كذلك، قال: والاحتياط يقضي لمن أرسله مع أن بعض الحفاظ حكم بإرساله [
…
] (1) هذا كلامه، وقد علم ما في تعارض الوصل والإِرسال وأن الواصل معه زيادة فقدمت.
الوجه الأول: حجة الوداع كانت سنة عشر من الهجرة.
سميت ذلك: لأنه عليه الصلاة والسلام ودع الناس فيها، ولم يحج بعد الهجرة غيرها، وحج قبلها حجة واحدة فيما ذكره ابن إسحاق، وفي حديث آخر حجتان (2). وكره بعض العلماء
(1) في الأصل زيادة (وعد).
(2)
اختلف العلماء هل حج صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة أم لا، فعند الترمذي على جابر رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام حج ثلاث حجج، حجتين قبل أن يهاجر إلى آخر الحديث، وقال: هذا حديث غريب من حديث سفيان، والبخاري لم يعرفه من حديث الثوري. اهـ. مختصراً. انظر: الترمذي (815)، وابن ماجه (3076)، ومصباح الزجاجة (3/ 211)، والحاكم في المستدرك (1/ 470) على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال صاحب سفر السعادة: قال جماهير العلماء: على أنه صلى الله عليه وسلم حج بعد الهجرة حجة وتلك حجة الوداع، ولا خلاف أنها كانت في السنة العاشرة من الهجرة.
وأما قبل الهجرة فثبت في جامع الترمذي أنه حج حجتين. ونقل صاحب المحلى أنه زاد على ثلاث أو أربع لكن لم يحفظ العدد. اهـ.
وقال ابن الأثير: يحج كل سنة قبل أن يهاجر، وقال ابن الجوزي: حج حججاً لا يعلم عددها إلَاّ الله، وهكذا نقل الحافظان ابن حجر والعيني، والقسطلاني في المواهب وشارحه الزرقاني وشارح سفر السعادة. اهـ.
أن يقال لها حجة الوداع، وهو غلط، والصواب جوازه لهذا الحديث وغيره من الأحاديث (1). ولم يزل السلف والخلف على جوازه واستعماله.
الثاني: "المحجن" بكسر الميم، وسكون الحاء وفتح الجيم، وقد فسره المصنف زاد النووي في "شرح مسلم"(2) يتناول بها الراكب ما يسقط منه، ويحرك بها بعيرة للمشي.
الثالث: العلة في طوافه عليه الصلاة والسلام راكباً لكي يراه الناس مشرفاً فيسألوه ويتعلموا أفعاله ليقتدوا بها كما صرحت به الأحاديث منها حديث جابر في مسلم (3)، وفيه عن عائشة قالت:"طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس". على أنه يحتمل أن يكون الضمير في "عنه" يرجع إلى الركن. وروى أبو داود (4) في "سننه" من حديث ابن
(1) المجموع شرح المهذب (8/ 281).
(2)
شرح مسلم (9/ 18)، وأبو داود (1880)، باب: الطواف الواجب، والنسائي (5/ 173)، والكبرى له (2/ 396)، والمعرفة للبيهقي (6/ 259).
(3)
مسلم مع النووي (9/ 18)، وأبو داود (1885)، باب: في الرمل، والسنن الكبرى (5/ 110)، والمعرفة (6/ 258).
(4)
أبو داود (1801) في المناسك، باب: الطواف الواجب، قال المنذري: في إسناده يزيد بن أبي زياد، ولا يحتج به. وقال البيهقي (5/ 100)، وفي حديث يزيد بن أبي زياد لفظة: لم يوافق عليها، وهي قوله:"وهو يشتكي". انظر: الفتح (3/ 410).
عباس أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام: "إنما طاف راكباً لشكوى عرضت له". وإلى هذا أشار البخاري (1) في صحيحه وترجم عليه في "باب: المريض يطوف راكباً". وذكره من حديث عكرمة عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام: "طاف بالبيت وهو على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر". لكن حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو داود ضعيف لأنه من رواية يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
قال البيهقي (2): وهذه الرواية تفرد بها يزيد هذا.
قلت: وقال الإِمام الشافعي (3) رضي الله عنه: لا أعلمه في تلك الحجة اشتكى.
وقيل: إنما طاف راكباً لبيان الجواز.
قال النووي: ويحتمل أنه طاف راكباً لهذه الأمور كلها.
قلت: احتمال كونه ضعيفاً فيه بعد لما بيناه. قال أبو عمر (4): لم يقل أن طوافه لعذر من يوثق بنقله.
الرابع: هذا الطواف يحتمل أن يكون طواف الوداع، وأن يكون طواف القدوم لكن في مسلم من حديث جابر أنه عليه الصلاة والسلام طاف راجلاً فليحمل على القدوم. وحديث ابن عباس
(1) الفتح (3/ 410).
(2)
السنن الكبرى (5/ 100).
(3)
الأم (2/ 174).
(4)
الاستذكار (12/ 188).
على طواف الوداع (1)، روى ابن حبان (2)، في "صحيحه" من حديث ابن عمر: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصواء يوم الفتح واستلم الركن بمحجنه"، فهذه واقعة أخرى وروى الشافعي في "الأم" أنه عليه الصلاة والسلام: "طاف طواف القدوم على عقبيه" وهذا يقوى ما أسلفناه.
الخامس: اعترض ابن القطان في كتاب "الوهم والإِيهام"(3) على عبد الحق في "أحكامه"، فقال: ذكر "البعير" وقع في "أبي داود" دون "مسلم"، وهذا عجيب فهو في "صحيح مسلم" كما عزاه إليه عبد الحق وفي "صحيح البخاري" أيضاً.
السادس: في الحديث دلالة على جواز الطواف راكباً وهو إجماع. قال مالك: في المريض يطاف به محمولاً ثم يفيق أحب إلى أن يعيد. نقله أبو عمر (4) عنه.
وهل يكره لغير عذر؟
ونقل ابن الرفعة عن الماوردي (5) وغيره نعم.
(1) سبق تخريجهما.
(2)
ابن حبان (3828)، والترمذي (3270)، وابن خزيمة مختصراً (2781)، وأحمد (2/ 361، 523)، وأبو داود (5116)، في الأداب، باب: في التفاخر بالأحساب.
(3)
بيان الوهم والإِيهام حديث رقم (120، 121).
(4)
الاستذكار (12/ 186).
(5)
الحاوي الكبير (5/ 201).
ونقل الرافعي عن الأصحاب عدمها ثم قال: وقال الإِمام في القلب من إدخال البهيمة المسجد ولا يؤمن تلويثها شيء فإن أمكن الاستياق فذاك، وإلَاّ فإدخال البهائم المسجد مكروه، ومقتضى ما ذكره في الشهادات التحريم عند غلبة التنجيس والكراهة عند عدمها.
وقال [القرطبي](1): أجار قوم طواف من لا عذر له، منهم ابن المنذر أخذاً بطوافه عليه الصلاة والسلام راكباً، والجمهور على كراهة ذلك ومنعه، متمسكين بظاهر قوله تعالى:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)} (2)، وهذا طيف به، ولم يطف، وبأن الصحابة اعتذروا عن طوافه عليه الصلاة والسلام راكباً، وبينوا عذره في ذلك، فكان دليلاً: على أن مشروعية الطواف عندهم أن لا يكون راكباً.
ثم اختلفوا بعد ذلك فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه يعيد ما دام قريباً من ذلك فإن بعد إلى مثل الكوفة ففيه دم (3)، ولم ير الشافعي فيه شيئاً.
ونقل الباجي (4): عن القاضي عبد الوهاب (5) الكراهة في غير المعذور فقط.
(1) في ن هـ (الطبري). انظر: المفهم (3/ 379) بتصرف من المؤلف.
(2)
سورة الحج: آية 29.
(3)
انظر: التمهيد (2/ 95).
(4)
المنتقى (2/ 295).
(5)
الإِشراف على نكت مسائل الخلاف (1/ 477).
وقال الماوردي (1): الإِجماع على جواز الطواف راكباً بغير عذر، لكن أبو حنيفة ومالك يوجب الدم والحالة هذه.
ولم يزد الشيخ تقي الدين (2) في "شرحه" على قوله، وقيل: إن الأفضل المشي وإنما طاف عليه الصلاة والسلام راكباً لتظهر أفعاله فيقتدى بها، قال: وهذا يؤخذ منه أصل كبير، وهو أن المشي قد يكون راجحاً بالنظر إلى محله من حيث [هو](3) فإذا عارضه أمر [خارج](4) أرجح منه قدم على الأول من غير أن تزول تلك الفضيلة الأولى حتى إذا زال ذلك العارض الراجح عاد [ترجح](5) الأول من حيث هو هو، وهذا إنما يقوي إذا قام الدليل على أن ترك الأول إنما هو لأجل المعارض الراجح، وقد يؤخذ ذلك بقرائن ومناسبات وقد يضعف، وقد يقوى بحسب اختلاف المواضع، وههنا يصطدم أهل الظاهر مع المتتبعين للمعاني.
فرع: قال الماوردي (6): لو طاف محمولاً على أكتاف الرجال من غير عذر فهو مكروه، قال: وركوب الإِبل أيسر حالاً من ركوب البغال والحمير.
(1) الحاوي (5/ 200)، ولكن بدون ذكر الإِجماع.
(2)
إحكام الأحكام (3/ 534).
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
في إحكام الأحكام (آخر).
(5)
في إحكام الأحكام (الحكم).
(6)
الحاوي (5/ 201).
السابع: فيه أيضاً جواز استلام الحجر بعود ونحوه إذا عجز عن استلامه بيده وليس في الحديث تعرض لتقبيله وعدمه، وفي صحيح مسلم (1) من حديث أبي الطفيل أنه عليه الصلاة والسلام قبله.
قال القاضي عياض (2): وانفرد مالك عن الجمهور، فقال: في أحد قوليه لا يقبل، ونقل عن أحمد أيضاً، وعن أبي حنيفة أنه لا يستلم.
وأصح الأوجه عند الشافعية أن التقبيل بعد الاستلام.
وثانيها: قبله وكأنه ينقل القبلة إليه حكاه في "الكفاية".
وثالثها: يتخير.
الثامن: فيه أيضاً طهارة البعير ونجوه وعرقه وهو إجماع.
التاسع: فيه أيضاً جواز إدخاله المسجد للحاجة إلى ذلك وقد أسلفت ما فيه.
العاشر: استدل به من قال: بطهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه، وهو مذهب مالك وأحمد لأنه لا يؤمن البول والروث منه، ولو كان نجساً لما عرض المسجد للنجاسة، وقد منع لتعظيم المساجد ما هو أخف من هذا.
وأجاب القائل بالنجاسة، وهو أبو حنيفة والشافعي: بأنه
(1) مسلم (1272).
(2)
إكمال إكمال المعلم (3/ 388).
لا يلزم من دخوله أن يبول أو يورث في حال الطواف، وإنما هو محتمل، وعلى تقدير حصوله ينظف المسجد منه، وقد أقر عليه الصلاة والسلام دخول الصبيان ونحوهم المساجد ومعلوم أنه لا يؤمن من بولهم وغائطهم فيها بل قد يوجد ذلك، ولو كان ذلك محققاً لنزه المسجد من دخولهم إليه، سواء كان ما يؤذي به المسجد من الأقذار طاهراً أو نجساً.
***