المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 212/ 2/ 41 - عن عبد الله بن عمر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٦

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 212/ 2/ 41 - عن عبد الله بن عمر

‌الحديث الثاني

212/ 2/ 41 - عن عبد الله بن عمر [رضي الله عنهما](1)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن"(2).

قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم".

قد قدمنا الكلام على هذا الحديث في الحديث الذي قبله وأن قوله: "يهل" إلى آخره صيغة خبر يراد بها الأمر وهو أبلغ إذ الخبر من حيث موضوعه لا يتصور فيه الخلف بخلاف الأمر [فذكره له بصيغة الخبر توكيد](3).

(1) في ن هـ: ساقطة.

(2)

مالك في الموطأ (1/ 330، 331)، البخاري أطرافه في الفتح (133)، مسلم (1182)، أبو داود (1737)، في المناسك: باب في المواقيت، الترمذي (831)، النسائي (5/ 22)، النسائي في الكبرى (2/ 3201)، ابن ماجه (1914) ، أحمد (2/ 3، 47، 48)، الدارمي (2/ 29، 30)، الطحاوي (2/ 118)، البيهقي (5/ 26)، البغوي (1858).

(3)

في الأصل: فذكر الأمر بصيغة الأمر توكيد. وما أثبت من ن هـ.

ص: 28

وقدم المصنف حديث ابن عباس [عليه](1) لأن فيه التصريح بميقات أهل اليمن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف حديث ابن عمر فإنه لم يحفظه بل بلغه بلاغاً وإن كان ابن عمر أحفظ وأضبط لأحاديث المواقيت والمناسك فإنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم وضبط أماكن نزوله وصلاته [فيها](2) وتتبعها بعده وصلَّى فيها اقتداء وتبركاً (3).

ووقع في "شرح الشيخ تقي الدين"(4) أن ابن عباس ذكر سماعه لميقات اليمن من النبي صلى الله عليه وسلم، وتبعه الفاكهي وغيره، وليس في الحديث دلالة على ذلك فتأمله، بل أحاديثه التي صرح فيها بالسماع قليلة كما ذكرت عدها في باب الاستطابة (5).

فروع: قال بعض المتأخرين من المالكية: اختلف العلماء في الرجل يجاوز ميقاته إلى ميقات آخر أقرب إلى مكة.

فالمنصوص عن مالك وجوب الدم (6).

(1) في ن هـ: ساقطة.

(2)

في ن هـ: ساقطة.

(3)

هذا الفعل وهو التبرك بآثار ومواضع مرور النبي صلى الله عليه وسلم غير مشروع، ولم يأتِ عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بذلك ولم يفعله الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة ولذلك لما سمع عمر رضي الله عنه أن أناساً يرتادون شجرة بيعة الرضوان قطعها خشية الافتتان بها والتبرك بها.

(4)

إحكام الأحكام (3/ 468).

(5)

(1/ 508) من هذا الكتاب المبارك.

(6)

الاستذكار (11/ 83)، وبداية المجتهد (1/ 314).

ص: 29

ولأصحابه: قولان:

وبالوجوب قال الشافعي (1):

وبالسقوط قال أبو حنيفة (2):

والصحيح عندهم في المريض يكون من أهل المدينة أنه يجوز لأن يؤخر إحرامه إلى الجحفة لأنها أقرب إلى مكة وقد قدمنا عنهم أن الشامي إذا مر بالمدينة أن يترك الإِحرام من ذي الحليفة إلى الجحفة وعلله القرطبي في "مفهمه"(3) بأن الجحفة ميقات منصوب نصباً عاماً لا يتبدل.

واختلف العلماء فيمن أفسد حجه من أين يقضيه؟

فعند الحسن بن حي والثوري: من الميقات.

وعند أبي حنيفة وأصحابه: أنه مخير.

وعند الشافعية تفصيل ذكرته في كتب الفروع (4).

خاتمه: لا يشترط أعيان هذه المواقيت بل ما يحاذيها في معناها والأفضل في كل ميقات أن يحرم في طرفه الأبعد من مكة، ولو أحرم من طرفه الآخر جاز.

فائدة: ما الحكمة في كون المواقيت المذكورة بعضها أقرب من بعض.

(1) مغني المحتاج (1/ 475).

(2)

بدائع الصنائع (2/ 164)، واللباب (1/ 178).

(3)

(3/ 264).

(4)

الاستذكار (11/ 86).

ص: 30

فالجواب ما ذكره القرافي أنه يروي أن الحجر الأسود كان له نور يصل آخره إلى هذه [المواقيت](1) فمنع الشرع من مجاوزتها لمن أراد النسك تعظيماً لتلك" [الآيات](2) لكن الذي ذكره أصحابنا أن نور الحجر حيث انتهى كان حداً للحرم لا للميقات، فإنه لما أُهبط إلى الأرض أضاء نوره شرقاً وغرباً ويميناً وشمالاً، فكان حد الحرم حيث انتهى نوره.

وسبب تقارب الحرم من البيت وبعده أن آدم عليه الصلاة والسلام لما أُهبط إلى الأرض خاف الشيطان فأنزل الله تعالى ملائكة تحرسه، فحيث وقفت من كل جانب كان ذلك حده منه.

وقيل: أنزلت خيمة من الجنة فضربها ووقفت الملائكة من ورائها تحرسه فالحرم موقف الملائكة (3).

(1) في الأصل الميقات، والتصحيح من ن هـ.

(2)

في ن هـ: آثار

(3)

انظر: أخبار مكة للأزرقي (2/ 127، 128).

ص: 31

42 -

باب ما يلبس [المحرم](1) من الثياب

أي وصفة التلبية، ومنع سفر المرأة إلَاّ بزوج أو محرم كما ذكره في آخره، ومجموع ما ذكره فيه أربعة أحاديث:

[الحديث](2) الأول

213/ 1/ 42 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: "يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال: لا يلبس القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلَاّ أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس (3).

(1) في الأصل (المحرومون)، والتصحيح من ن هـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

البخاري أطرافه الفتح (134)، ومسلم (1177)، وأبو داود (1824) في المناسك، باب: ما يلبس المحرم، والنسائي (5/ 131، 134)، وابن ماجه (2929، 2932)، والحميدي (627)، والطيالسي (1806، 1839)، وابن خزيمة (2599، 2601)، وابن الجارود (461)، والترمذي (833)، والدارقطني (2/ 230)، وأحمد (2/ 29، 32، 77، =

ص: 32

وللبخاري "ولا تنتقب [المرأة]، ولا تلبس القفازين"(1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا [السائل](2) لم أقف على اسمه بعد البحث عنه وفي رواية لأحمد (3)"أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر"، وذكر معناه. وفي رواية للدارقطني (4):"أن رجلاً نادى في المسجد ما يترك المحرم من الثياب".

الثاني: في ألفاظه:

الأول: "الثياب"، وقد قدمنا في باب جامع (5) أن الثوب لغة غير المخيط كالرداء والإِزار وأنه يطلق على المخيط كالقميص وغيره.

[الثاني](6): "القمص": جمع قميص وهو معروف، يقال: تقمصت القميص إذا لبسته وتقمصت الأمر استعارة إذا دخلت فيه.

= 119)، والبيهقي (5/ 49، 50)، والطحاوي (2/ 135)، ومالك (677).

(1)

البخاري (1838). في الفتح (المحرمة)، بدل:(المرأة).

(2)

في الأصل التأويل، والتصحيح من ن هـ.

(3)

المسند (2/ 32).

(4)

الدارقطني (2: 230) ومثله عند أحمد (2/ 29)، ولكن دون (في المسجد).

(5)

(3/ 396).

(6)

الزيادة من ن هـ.

ص: 33

[الثالث](1): "العمائم": جمع عمامة وهو ما يلف به الرأس، سميت: بذلك لأنها تعم جميع الرأس بالتغطية.

الرابع "السراويلات": جميع سراويل وهي مؤنثة عند الجمهور، وقيل: مذكر والجمهور على أنها أعجمية معربة (2).

وقيل: عربية والجمهور على أنها مفردة وجمعها سراويلات.

وقيل: سراويل جمع سروالة. ويقال: [فيها](3) سراوين بالنون وبعض الأعراب تقول شروال بالشين المعجمة، ويقال: سرولته مسترول أي ألبسته السراويل والأكثرون على أنه لا ينصرف إذا كان نكرة، وقيل: ينصرف.

الخامس: "البرانس": جمع برنس بضم الباء والنون وهو كل ثوب رأسه ملتصق به دراعة أو جبة أو غيرهما.

وقال [ابن زيد](4)، البرنس: بضم الباء نوع من الطيالسة يلبسه العباد وأهل الخير حكاه صاحب "المطالع"، وقال الجوهري (5): هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإِسلام وهو من [البرنس](6) بضم الباء وهو القطن والنون زائدة، وقيل: إنه غير عربي.

(1) الزيادة من ن هـ.

(2)

انظر: المغرب تح أحمد شاكر (196)، والجمهرة لابن دريد (3/ 487).

(3)

في ن هـ (فيه).

(4)

في ن هـ (ابن دريد).

(5)

في التهذيب (93/ 155)، وانظر: لسان العرب (1/ 393).

(6)

في ن هـ (برانس).

ص: 34

السادس: "الخفاف" جمع: خف وتجمع على أخفاف أيضاً ذكره صاحب "المطالع" وهو معروف.

السابع: "الزعفران": نبت يكون باليمن وورد في الحديث ذكره كثير.

الثامن: "الورس": نبت أصفر تصبغ به الثياب معروف، الحديث "ثياب ورسية"، و"ملحفة ورسية"(1) أي مصبوغة به.

وقال ابن العربي: الورس نبات يزرع في اليمن زرعاً ولا يكون بغيره ولا يكون قوياً نباته مثل السمسم [فإذا جف](2) تفتقت خرائطه [فينفض](3) فينتفض منه الورس أحمر يزرع سنة فيقيم بالأرض عشر سنين ينبت وينمو وأَجوده حديثه يقال: أورس فهو وارس وتورس لغة ضعيفة.

وقال أبو حنيفة الدينوري: لا ينبت الورس إلَاّ باليمن، وكذا نقله السهيلي عنه.

وقال ابن البيطار: في "جامعه"(4) يؤتى بالورس من الصين، واليمن، والهند وليس هو بنبات يزرع كما زعم من زعم قال: وهو يشبه زهر العصفر ومنه شيء يشبه نشارة البابونج، ومنه شيء يشبه البنفسج، ويقال: إن الكركم عروقه.

(1) لسان العرب (15/ 270).

(2)

في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.

(3)

الزيادة من لسان العرب (15/ 270).

(4)

(2/ 493، 494).

ص: 35

ووقع في "الجيلي" أن الورس هو العُصفر وهو غلط فإنه غيره.

وعبارة البغوي والرافعي: هو شجر يُخرج شيئاً كالزعفران.

التاسع: "القفاز": بضم القاف وتشديد الفاء تلبسه نساء العرب في أيديهن تغطي الأصابع والكف والساعد من البرد محشي بقطن ويكون له أزرار تزرُّ على الساعدين، وهما قفازان.

وقيل: هو ضرب من الحلى تتخذه المرأة ليديها.

العاشر: معنى: "لا تنتقب المرأة" أي لا تستر وجهها لأجل إحرامها.

والنقاب: شد الخمار على الأنف.

وقيل: على المحجر.

الوجه الثالث: في أحكامه وفوائده:

الأول: الأصل في الجواب المطابقة والزيادة المقيدة عليها حسنة ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)} (1) فهذا هو الجواب المطلق، ثم زاد:{وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} الآية. ومن ذلك قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24)} (2). فقوله: {إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} جاء بعد المطابقة أي إن كنتم موقنين بشيء قط فهذا

(1) سورة طه: آية 17.

(2)

سورة الشعراء: آية 24.

ص: 36

أولى ما توقنون به لظهوره وإثارة دليله وهذا السائل سأل عما يلبس فأجابه عليه الصلاة والسلام بما لا يلبس وهو من بديع الكلام وجزله فإن المسؤول عنه غير منحصر إذ الأصل الإِباحة، فأجاب بالمنحصر الذي كان من حق السؤال أن يقع به على أن سفيان رواه مرة عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يترك المحرم من الثياب، فقال: الحديث كما رواه الإِمام أحمد (1) في مسنده [وأبو داود والدارقطني في سننه] فجاء على الأصل.

الثاني: الألف واللام في "المحرم" للجنس، ولذلك جمع عليه الصلاة والسلام القمص وما بعدها، ولو أريد المحرم الواحد لقيل: ولا يلبس قميصاً ولا عمامة، ونحو ذلك بالإِفراد وإن كان في بعض الروايات إفراد القميص.

الثالث: الإِجماع قائم على أن ما ذكر لا يلبسه المحرم وعداه القياسيون إلى ما وراه في معناه وأنه عليه الصلاة والسلام[نبه](2) بكل واحد من المذكورات على ما في معناه، فنبه بالقميص والسراويل على كل مخيط أو مخيطة معمول على قدر البدن أو عضو منه كالجوشن والتبان وغيرهما، ونبه بالعمائم والبرانس على كل ساتر الرأس مخيطاً [كان](3) أو غيره حتى العصابة فإنها حرام، فإن

(1) أحمد (2/ 4، 8)، وأبو داود (1749) في المناسك، باب: ما يلبس المحرم، والدارقطني (2/ 232)؛ ما بين القوسين زيادة من ن هـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

(3)

في ن هـ ساقطة.

ص: 37

احتاج إليها لصداع أو شجة ونحوها شدها ولزمته الفدية، ونبه بالخفاف على كل ساتر من مداس وجورب وغيرهما ونبه بالزعفران والورس على كل طيب فيحرم على كل محرم رجلاً كان أو امرأة جميع أنواع الطيب الذي يقصد له [أما](1) ما لا يقصد له كالأترج والتفاح وأزهار البراري كالقيصوم ونحوه فليس بحرام لأنه لا يقصد للطيب.

أما المرأة: فإنه يباح لها ستر جميع البدن بكل ساتر إلَاّ وجهها وكفيها بغير القفازين وكذا بها في أظهر القولين عن الشافعي لرواية البخاري المذكورة.

وعن أبي حنيفة: جوازه بهما لأن سعد بن أبي وقاص كان يأمر بناته بلبسهما في الإِحرام.

الرابع: السر في تحريم هذه المذكورات على المحرم ما فيها من الترفه والتزين ليتصف بصفة الخاشع الذليل، وليتذكر أنه محرم في كل وقت، فيكون أقرب إلى كثرة أذكاره، وأبلغ في مراقبته وصيانته لعبادته وامتناعه من ارتكاب المحظورات، وليتذكر به الموت والأكفان والبعث حفاة عراة مهطعين إلى الداعي.

الخامس: لفظ: "المحرم" يتناول من أحرم بالحج والعمرة معاً أو بأحدهما، والإِحرام الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعمالهما، قال الشيخ تقي [الدين] (2): وقد كان شيخنا العلامة

(1) الزيادة من ن هـ.

(2)

في ن هـ ساقطة.

ص: 38

أبو محمد بن عبد السلام رحمه الله يستشكل معرفة حقيقة الإِحرام (1) جداً ولبحث فيه كثيراً، وإذا قيل له أنه النية اعترض عليه بأن النية شرط الحج الذي الإِحرام ركنه وشرط الشيء غيره ويعترض عليه أنه التلبية بأنها ليست بركن والإِحرام ركن هذا أو قريب منه، وكأنه [يحرم](2) على [تعيين](3) فعل تتعلق به النية في الابتداء.

السادس: في الحديث تنبيه على عظم عبادة الحج والعمرة باعتبار مشروعية ما فيهما من الشرائط والأركان والواجبات والسنن والآداب والخروج عن العادة المألوفة.

السابع: فيه أيضاً جميع ما يلبس فيهما لمقاصد الآخرة، والأعراض عن مقاصد الدنيا وملاذها وترفهها.

الثامن: فيه أيضاً اعتقاد ما منع الشرع من إتلافه بسببهما وهو قطع الخف أسفل من الكعبين إذا لم يجد نعلين مع نهيه عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال.

وجوزت الحنابلة جواز لبسه له من غير قطعه لأن حديث ابن عباس الآتي لم يذكر فيه قطعه [وكذا حديث جابر في مسلم كأنهم يزعمون نسخ حديث ابن عمر هذا وأن قطعه إضاعة مال وخالفهم الإِئمة الثلاثة في ذلك.

(1) قال ابن حجر في الفتح يعني على مذهب الشافعية، ثم قال: والذي يظهر أنه مجموع الصفة الحاصلة من تجرد وتلبية ونحو ذلك. اهـ.

(2)

في ن هـ (يحوم)، وأيضاً في عون المعبود نقلاً عن الفتح (5: 269).

(3)

في هـ ساقطة.

ص: 39

وجمهور العلماء قالوا: لا يجوز لبسه إلَاّ بعد قطعه أسفل من الكعبين] (1)، والنسخ لا يصار إليه إلَاّ بتعيين تاريخ متأخر، كيف وحديث ابن عباس وجابر مطلق وحديث ابن عمر مقيد، والمطلق يحمل على المقيد والزيادة من الثقة مقبولة.

وقولهم: إنه إضاعة مال لا يقبل فإن الإِضاعة إنما تكون فيما نهى عنه لا فيما أذن فيه، بل هو حق يجب الإِذعان إليه.

قال الخطابي (2): والعجب من أحمد في هذا فإنه لا يكاد يخالف سنة تبلغه، وقلَّت سنة لم تبلغه، ويشبه أن يكون إنما ذهب إلى حديث ابن عباس، وليست هذه الزيادة فيه، وإنما رواها ابن عمر إلَاّ أن الزيادات مقبولة، قال: وقول عطاء أن قطعها فساد يشتبه أن يكون لم يبلغه حديث ابن عمر، وإنما الفساد أن يفعل ما نهت عنه الشريعة، فأما [ما أذن فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فليس بفساد](3).

وأعل ابن الجوزي في "تحقيقه"(4) حديث ابن عمر بالوقف فقال: احتجوا بهذا الحديث، والجواب: أن رواته اختلفوا، قال:

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

معالم السنن (2/ 344).

(3)

العبارة في الأصل "ما أذنت فيه بفساد"، وفي ن هـ "فأما ما أذنت فيه فليس بفساد"، وما أثبت في معالم السنن (2/ 345).

(4)

التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 133).

ص: 40

أبو داود رواه موسى بن عقبة، وعبيد الله بن عمر، ومالك، وأيوب [موقوفاً](1)، على ابن عمر، والجواب: عن هذا أن الرافع معه زيادة علم فقدمت روايته. وقد أجاب هو في غير ما موضع بهذا، وإنما فعل هذا هنا نصرة لمذهبه وصرح صاحب "المنتقى"(2) منهم بالنسخ، فقال: لما روى حديث ابن عباس الآتي، وفي رواية، عن عمرو بن دينار: أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من لم يجد أزاراً ووجد سراويل فليلبسهما، ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما"، قلت: ولم يقل ليقطعهما؟ قال: لا. رواه أحمد (3)، وهذا بظاهره ناسخ لحديث ابن

(1) في الأصل مرفوعاً، وما أثبت في ن هـ، وسنن أبي داود (1808) مع عون المعبود.

(2)

(2/ 241).

(3)

أحمد في المسند (1/ 215، 228، 285)، والبخاري (1841، 1843)، ومسلم (1178)، أبو داود (1829)، والترمذي (834)، والنسائي (5/ 132، 133)، وفي الكبرى له (3651، 3652)، ابن ماجه (2931)، والحميدي (469)، والبغوي (1977)، والدارمي (2/ 31)، والدارقطني (2/ 228)، والطحاوي (2/ 133)، والبيهقي (5/ 50).

قال ابن حجر في الفتح (4/ 57) نقلاً عن القرطبي: أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد، فأجاز لبس الخف والسراويل للمحرم الذي لا يجد النعلين والإِزار على حالهما، واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل، فلو لبس شيئاً منهما على حاله لزمته الفدية، والدليل لهم قوله:"في حديث ابن عمر: وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين" فيحمل المطلق على المقيد، ويلحق النظير بالنظير لاستوائهما في الحكم. اهـ. =

ص: 41

عمر بقطع الخفين لأنه قال بعرفات في وقت الحاجة: وحديث ابن عمر كان بالمدينة كما سبق هذا لفظه وجوابه ما سلف، ثم إنما يتم له استدلاله أيضاً أنه لو كان السؤال بالمدينة قبل وقوفه عليه الصلاة والسلام بعرفات من الجائز كون السؤال بعد ذلك.

وقال القرطبي (1): حديث ابن عمر رَاد، وقال القاضي: الزيادة التي حفظها ابن عمر تحكم على حديث ابن عباس وجائز على من قال: إنه إضاعة مال، قال: وهذا من هذا القائل حكم بالعموم على الخصوص وهو عكس ما يجب إذ هو إعمال المرجوح وإسقاط الراجح، وهو فاسد بالإِجماع.

فرع: إذا وجد النعلين غاليين فله لبس الخفين المقطوعين صرح به من المالكية ابن الجلاب (2)، وهو ظاهر كما في نظيره من التيمم.

فرع: إذ لبس الخف المقطوع لضرر بقدميه مع وجود النعل افتدى كما قاله ابن القاسم المالكي معللاً بأن لباسه كالدواء.

التاسع: لابس الخفين لعدم النعلين يجب عليه الفدية عند أبي حنيفة وأصحابه كما إذا احتاج إلى الحلق يحلق ويفتدي.

وقال مالك والشافعي ومن وافقهما: لا شيء عليه لأنه

= وقال ابن قدامة في المغني (3/ 302): الأولى قطعهما عملاً بالحديث الصحيح، وخروجاً من الخلاف. اهـ.

(1)

المفهم (3/ 257).

(2)

التفريع (1/ 323).

ص: 42

لو وجبت فدية لبينها صلى الله عليه وسلم.كذا فرض الخلاف النووي في "شرح مسلم"(1) ولم يتعرض للقطع، وحكاه القاضي في حالة القطع، وكذا القرطبي (2) قال:[وقول مالك، أولى ولو لزمته لبينها للسائل حين سأله إذ ذلك محل البيان ووقته ولا يجوز تأخير البيان عند وقت الحاجة بالإِجماع. قال: وأيضاً فحينئذ يكون الخف لا معنى له إذ الفدية لازمة بلباسه غير مقطوع](3)، وجزم الفاكهي بوجوب الفدية في حالة القطع، وفيه مخالفة لما حكاه القاضي والقرطبي عن مالك.

العاشر: لو لبس الخفين المقطوعين مع وجود النعال لزمته الفدية بلبسهما، فإن الشارع إنما أباح له لبسهما مقطوعين بشرط عدم النعلين فلبسهما كذلك غير جائز، هذا قول مالك والليث:

واختلف فيه قول الشافعي كما حكاه عنه القاضي والقرطبي والذي نعرفه أن الشافعي نص على التحريم ولأصحابه فيه وجه بالجواز.

ونقل القاضي عن أبي حنيفة أنه لا فدية وهو غريب منه، حيث يقول: بعدم الفدية في هذه الحالة وبوجوبها عند عدم النعلين.

وقال ابن حبيب: إنما رخص في قطع الخفين لقلة النعال وقد كثرت فلا رخصة ومن فعل افتدى.

(1)(8/ 75).

(2)

المفهم (3/ 257).

(3)

زيادة من ن هـ.

ص: 43

وقال ابن الماجشون: الصواب أن لا فدية على من لم يجد نعلين، وقول ابن حبيب، خلاف مالك.

الحادي عشر: اللبس هنا محمول عند الفقهاء على اللبس المعتاد في كل شيء مما ذكر فلو ارتدى بالقميص لم يمنع منه لأنه غير المعتاد في القميص.

واختلف في القباء إذا لبس من غير إدخال اليدين في الكمين.

فمذهب مالك: وجوب الفدية، والحالة هذه وإن لم يزره لأن ذلك [من](1) المعتاد فيه أحياناً.

وقال بعضهم: لا فدية عليه، وحكى ابن القاسم عن مالك: كراهة إدخال المحرم منكبيه في القباء إن لم يدخل يديه في كميه، ونقل أبو عمر (2) عن أبي حنيفة، وأبي ثور: أنه لا بأس بذلك.

والأصح عند الشافعية: وجوب الفدية إذا لبسه من غير إدخال اليدين في الكمين، وسواء في ذلك جميع الأقبية [وقد](3) حكاه الماوردي (4) وغيره أنه إن كان من أقبية خراسان ضيق الأكمام قصير الذيل وجبت الفدية، وإن لم يدخل يده في كمه، وإن كان من أقبية العراق واسع الكم طويل الذيل لم يجب حتى يدخل يديه [في](5) كميه، وهذا الوجه غريب ضعيف.

(1) في ن هـ ساقطة.

(2)

الاستذكار (11/ 35).

(3)

في ن هـ (ومنه وجه).

(4)

الحاوي (5/ 126).

(5)

زيادة من ن هـ.

ص: 44

ولو القى على بدنه قباء أو فرجيه وهو مضطجع.

قال إمام الحرمين: إن صار على بدنه بحيث لو قام عد لابسه لزمته الفدية، وإن كان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلَاّ بمزيد أمر فلا فدية، وروى عن مالك كراهة الارتداء بالسراويل، ولعله لقبحه، قال أبو عمر: وكره ابن عمر أن يلقي عليه برنس أو ثوب مخيط وهو مريض محرم وهو ورَع منه (1).

الثاني عشر: المنع من الزعفران والورس دليل على المنع من أنوع الطيب والحكمة في تحريمه أنه داعية إلى الجماع وأنه ينافي حال المحرم فإنه أشعث أغبر وسواء في تحريم ذلك الرجل والمرأة، وما اختلفوا في استعماله فاختلافهم بناء على أنه من الطيب أم لا فلو تطيب ناسياً فلا فدية عليه عند [الثوري والشافعي](2) وأحمد وإسحاق، وخالف أبو حنيفة ومالك.

ولا يحرم على المحرم لبس المعصفر عند الشافعي ومالك.

وخالف الثوري وأبو حنيفة: وجعلاه طيباً كالمزعفر وأوجبا فيه الفدية.

قلت: ويكره عندنا للمحرم لبس الثياب المصبوغة بغير طيب ولا يحرم، وكره مالك (3) المفدم منه أي المشبع بالحمرة كما قاله الجوهري.

(1) انظر: أبو داود (1752)، قال المنذري: وأخرجه البخاري والنسائي المسند منه بنحوه أتم منه. انظر: الاستذكار (11/ 34).

(2)

في ن هـ (مالك والشافعي).

(3)

انظر: التمهيد (2/ 185).

ص: 45

قال القاضي (1): واختلف عنه هل على لابسه فدية؟ واختلف أصحابه فيه أيضاً، قال: وأجاز مالك سائر الثياب المصبغة بغير هذا، وكرهها بعضهم لمن يقتدى به، فيظن به جواز لباس كل مصبوغ.

وقال الباجي (2): المعصفر على ضربين: مفدم ومورد.

فأما المفدم: ممنوع للرجال والنساء لأنه لا يتخذ غالباً إلَاّ للتجمل، ولأنه يتعلق منه بالجسد ما يشبه ردع (3) الزعفران.

وأما المورد: والمصبوغ بالمغرة.

قال ابن المواز: والأصفر بغير ورس ولا زعفران فليس بممنوع لأنه لا يفعل غالباً إلَاّ إبقاء على الثوب، ويكره لمن يقتدى به، رواه محمد بن أشهب (4)، وروى ابن حبيب: عن مالك لا بأس أن تلبس المحرمة المعصفر المفدم ما لم ينتفض (5) عليها شيء [منه](6)، وروى ابن عبدوس عن أشهب كراهة المعصفر لمن يقتدى به، وإن كان لا ينتفض، فإن غسل المزعفر حتى ذهب ريحه فلا بأس به عند

(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 293).

(2)

في المنتقى شرح موطأ مالك (2/ 197) في الباجي (بالفاء).

(3)

الردع بالمهملة أي تلطخ يقال ردع إذا تلطخ، وهو أثر الطيب، ويروى بالغين المعجمة والردغ: بالمعجمة أثر الطين.

(4)

انظر: النص كاملاً مع ما فيه من الزيادة في المرجع.

(5)

في المنتقى زيادة (منه).

(6)

غير موجودة في المنتقى، ويكتفي بأحدهما لسياقه، مع الاطلاع على النص كاملاً فيه.

ص: 46

جميعهم وروى ابن القاسم عن مالك كراهته ما بقي لونه شيء فإن لم يجد غيره صبغه بالممشق وهو المدر.

الثالث عشر: قال الخطابي: المحرم منهى عن الطيب في بدنه وفي لباسه، وفي معناه الطيب في طعامه، لأن بغية الناس في تطييب الطعام، كبغيتهم في تطييب اللباس (1).

قلت: ولا يحرم عندنا إذا ظهر لونه وحده على الأظهر، ويحرم إذا ظهرت الرائحة وحدها، وكذا الطعم وحده على الأظهر.

وعند المالكية: أنه لا شيء عليه في أكل الخبيص المزعفر.

وقيل: إن صبغ الفم ففيه الفدية وما خلط بالطيب من غير طبخ، ففي إيجاب الفدية به روايتان لهم، قالوا: ولو بطلت رائحة الطيب (2) لم يبح استعماله.

الرابع عشر: في الحديث دلالة على تحريم لباس السراويل على المحرم مطلقاً، وبه قال مالك: وجوّزه الشافعي وأحمد والجمهور إذا لم يجد إزاراً من غير قطعه لحديثي ابن عباس، وجابر في إباحته عند عدم الأزار، وكونه لم يذكر في حديث ابن عمر هذا، لأنه ذكر حالة وجود الأزار، فلا منافاة بين الحديثين حينئذ، وهذا أولى من فعل ابن الجوزي في "تحقيقه" حيث أعمل حديث ابن عمر بالوقف كما سلف.

(1) اهـ. من معالم السنن (2/ 344).

(2)

في ن هـ زيادة "من غير طبخ ففي إيجاب الفدية روايتان لهم".

ص: 47

فرع: إذا لبس السراويل عند عدم الأزار ثم وجد الأزار وجب نزعه عند من جوز لبسه فإن (أصرعصى)(1)، ووجبت الفدية.

الخامس عشر: فيه دلالة أيضاً على تحريم لبس القفازين [على المحرمة وهو الصحيح](2) من قولي الشافعي كما سبق، والخلاف ثابت، والمعروف عندهم التحريم ووجوب الفدية لأن إحرام المرأة في وجهها وكفيها كما هو مفهوم من هذا الحديث، ولا خلاف عندنا، وعندهم في تحريمه على الرجل. نعم، لو اتخذ الرجل لساعده، أو لعضو آخر شيئاً مخيطاً فهو ملحق بالقفازين على الأصح عند الشافعية، ويحرم عليها أيضاً النقاب. قال الفاكهي: وكذا اللثام فإن فعلت من ذلك شيئاً افتدت.

السادس عشر: فيه رجوع الناس إلى علمائهم عند الحوادث، وقد سئل عليه صلى الله عليه وسلم في الحج أسئلة كثيرة متفرقة في الأحاديث.

(1) في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.

(2)

في الأصل بياض، والإِضافة من ن هـ.

ص: 48