الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
{رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)}
49 - باب الغسل للمحرم
ذكر فيه حديث واحد، وهو:
258/ 1/ 49 - عن عبد الله بن حنين، أن عبد الله بن عباس، والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، [قال] (2): فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهو يُستر بثوب، فسلمت عليه. فقال: من هذا؟ قلت: أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك ابن عباس [يسأل كيف](3) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده على الثوب، فطأطأ، حتى بدأ لي رأسه، ثم قال لإِنسان يصب عليه الماء: أصبب فصب. على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل.
(1) بداية الجزء الثالث من الأصل.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
في ن هـ (يسألن).
وفي رواية: "فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبداً"(1).
القرنان: العمودان اللذان تشد فيهما الخشبة التي تعلق عليها البكرة (2).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: في التعريف: بما وقع فيه من الأسماء (3).
عبد الله بن حنين فهو قرشي هاشمي مولى ابن عباس، وقيل: مولى علي تابعي ثقة، قليل الحديث: قال أسامة: دخلت عليه ليالي استخلف يزيد بن عبد الملك ومات قريباً من ذلك.
وأما أبوه حنين: -فهو بحاء مهملة مضمومة ثم نون ثم [ياء](4) مثناة تحت ثم نون-.
وأما [عبد الله (5) بن عباس وأبو أيوب فتقدما في باب الاستطابة.
وأما المسور: فهو بكسر الميم ثم سين مهملة ساكنة، ثم واو
(1) البخاري (1840)، ومسلم (1215)، ومالك (673)، وأبو داود (1840) في المناسك، باب: المحرم يغتسل، وابن ماجه (2934)، والنسائي (5/ 128، 129)، والبيهقي (5/ 63)، والبغوي (1983)، والحميدي (379)، وابن خزيمة (2650)، والدارقطني (2/ 272، 273)، وابن الجارود (441)، وأحمد (5/ 421)، والدارمي (2/ 30).
(2)
في متن العمدة ساقطة.
(3)
في ن هـ زيادة (أما).
(4)
في ن هـ ساقطة.
(5)
في ن هـ ساقطة.
مخففة مفتوحة، ثم راء، "ابن مخرمة": بميمين مفتوحتين بينهما خاء معجمة [ساكنة ثم راء مفتوحة](1) وآخره تاء تأنيث ابن نوفل بن أُهيب بن عبد مناف ابن زهرة أبو عثمان، وقال ابن حبان: أبو عبد الرحمن [القرشي](2) الزهري بن الشفاء، ويقال: عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف، ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به المدينة في عقب ذي الحجة سنة ثمان عام الفتح، وهو ابن ست سنين. توفي النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين، وسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وصح سماعه منه، وفي سنة مولده ولد مروان بن الحكم روى عشرين حديثاً، وزاد بعضهم آخرين، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بحديث، وروى أيضاً عن أبيه وخالد وغيرهما. وعنه أبو [أمامة سعد](3) بن سهل بن حنيف، وعروة بن الزبير وغيره. أصابه حجر المنجنيق في حصار الشاميين لابن الزبير وهو في الحجر يصلي فمكث خمسة أيام، ومات في ربيع الآخر سنة أربع وسبعين، وقيل: سنة اثنين، وقيل: سنة ثلاث ابن سبعين سنة ذكره ابن حبان، وقال: قد قيل: أقل من هذا وصلَّى عليه ابن الزبير ودفن بالحجون، ثم قتل ابن الزبير بعده يوم الثلاثاء لثلاث عشرة بقيت من جمادي الأولى وقيل: الآخرة. قال ابن طاهر وهو أكبر من المسور بأربعة أشهر قال (4): وكما ماتا في عام واحد [ولدا
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
في ن هـ (أسامة أسعد).
(4)
في ن هـ زيادة (غيره).
في] (1) عام واحد المسور بمكة وابن الزبير بالمدينة.
وأما أبوه مخرمة: فكنيته أبو صفوان، وقيل: أبو المسور وهو ابن عم سعد بن أبي وقاص بن أهيب أحد العشرة، وكان من مسلمي الفتح: ومن المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامه وشهد حنيناً مسلماً، وكان له سر وعلم بأيام الناس وبقريش خاصة، وكان يؤخذ عنه النسب، مات بالمدينة سنة أربع وخمسين وعمره مائة سنة وخمس عشرة سنة، وعمي في آخر عمره وهو أحد من أقام أنصاب الحرم في خلافة الفاروق أرسله هو وأزهر (2) بن عبد عوف وسعيد بن يربوع. وحويطب بن عبد العزي فجددوها.
وأما اسم الذي صب على أبي أيوب فلا أعرفه بعد البحث عنه.
فائدة: "مسور" والد مخرمة يشتبه بمُسَوّر بضم الميم، وفتح السين المهملة وتشديد الواو المفتوحة وهو مسوّر بن يزيد الصحابي، ومسوّر بن عبد الملك اليربوعي عنه معن القزاز.
ومخرمة: يشتبه بمخرفة بالفاء العبدي الصحابي. وقيل: إنه بالميم أيضاً وهو وهم.
الوجه الثاني: في ألفاظه: "الأبواء" بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة، وفتح الواو ومد الألف [بعدها](3) وهو اسم قرية من عمل
(1) في ن هـ (ونزل).
(2)
في ن هـ (أزهر).
(3)
زيادة من ن هـ.
الفرع من المدينة بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثمانية وعشرون ميلاً. قال صاحب "المطالع": قال بعضهم: سميت [بذلك](1) لما فيها من الوباء. ولو كان كما [قال](2) لقيل الأَوْباءُ أو يكون مقلوباً منه والصحيح أنها سميت بذلك لتبوأ السيول بها [قال ابن دحية في "تنويره": وقيل: هو جمع بَوْءِ وهو جلد الحُوار المحشو بالتبن، قال: وقيدته بالهمزة على السهيلي (3). وتعتبر همزه، قال سيبويه: لأنه أدخله في مضاعف الواو كالحُوُة](4) وبه (5) توفيت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والقرنان: تثنية قرن وقد فسرهما المؤلف ولا ينحصر تفسيرها بعمودين بل لو كان عوضهما بناء سميا قرنين كما صرح به صاحب "المطالع" وغيره (6).
وقال الهروي: قال القتيبي: القرنان: قرنا البئر، وهما
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
في ن هـ (قيل).
انظرة معجم البلدان (1/ 79).
(3)
انظر: الروض الآنف (1/ 193).
(4)
زيادة من ن هـ.
(5)
في ن هـ (وبالإِبواء).
(6)
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (11/ 22): وأما قوله: "يغتسل بين القرنين"، فقال ابن وهب: هما العمودان المبنيان اللذان فيهما الساقية على رأس الجحفة، وقال غيره: هما حجران مشرفان أو عمودان على الحوض يقوم عليهما السقاة. اهـ.
منارتان تبنيان من حجارة أو مدر على رأس البئر من جانبيها فإن كانتا من خشب فهما زرنوقان، ويقال: للزرنوق أيضاً القامة والنعامة.
وقال الجوهري (1): "القامة" البكرة بأداتها [وقال](2) أيضاً: "النعامة" الخشبة المعترضة على الزرنوقين.
ومعنى: "لا أماريك أبداً" لا أجادلك ولا أخاصمك.
وأصل المراء في اللغة: الاستخراج مأخوذ من مريت الناقة إذا ضربت ضرعها ليدر ومريت الفرس إذا استخرجت ما عنده من الجري بصوت أو غيره.
وقال ابن الأنباري (3): يقال أمري فلان فلاناً إذا استخرج ما عنده من الكلام فكان كل واحد من المتمارين. وهما المتجادلان يمري ما عند صاحبه أي يستخرجه ويقال مريت حظه إذا حجبته واللائق بالمراء في الحديث حمله على المراء الجنائز الذي قصد به استخراج الحق وظهوره لا قصد المبالغة وجحود الحق بعد ظهوره، فإن ذلك هو اللائق بحال الصحابة فإن المراء يكون بحق أو بغير حق، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:"من ترك المراء وهو محق"(4) الحديث.
(1) الصحاح مادة (قوم).
(2)
في ن هـ ساقطة أي في الصحاح مادة (نعم).
(3)
الزاهر (1/ 350).
(4)
الحديث أخرجه أبو داود (4800)، والدولابي (2/ 133، 192)، والطبراني في معجمه الصغير (2/ 16)، والكبير (2/ 110)، وذكره =
ثم اعلم أن اختلاف ابن عباس لم يكن في جواز أصل غسل الرأس لأنه من المعلوم عندهما أنه يغتسل من الجنابة إن أصابته ولدخول مكة وللوقوف بعرفة، وإنما كان الاختلاف بينهما في كيفيته، هل يدلكه أم لا؟ لأنه يخاف منه قتل الهوام، وانتاف الشعر فمنع المسور من ذلك. وخالفه ابن عباس لأنه إذا ترفق أمن من ذلك، وقد كان ابن عباس علم ذلك من حديث أبي أيوب، ولذلك أحال عليه وأرسل إليه.
والبكرة: في كلام المصنف يجوز أن تكون بفتح الكاف وإسكانها، وهما لغتان.
الوجه الثالث: في أحكامه.
الأول: جواز التناظر في مسائل الاجتهاد والاختلاف فيها إذا غلب على ظن كل واحد من المتناظرين فيها على حكم.
الثاني: الرجوع إلى من يظن أن عنده علماً فيما اختلف فيه.
الثالث: قبول خبر الواحد، وأن العمل به سائغ بين الصحابة لأن ابن عباس أرسل إلى أبي أيوب عند اختلافه هو، والمسور ليستعلم منه حكم المسألة برسول واحد، وهو ابن حنين، ومن ضرورته قبول خبره عن أبي أيوب فيما أُرْسل فيه.
= الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 157)، ومجمع البحرين (1/ 228)، ومن رواية ابن عمر عند الطبراني في الأوسط، انظر مجمع الزوائد (1/ 157)، وقال: وفيه عقبة بن علي وهو ضعيف مجمع البحرين (1/ 229)، ومن رواية ابن عباس عند الطبراني في الكبير (11/ 110)، ومن رواية معاذ في المعجم الصغير (1/ 166)، والكبير (20/ 139).
الرابع: أخذ الصحابي عن الصحابي بواسطة التابعي.
الخامس: الرجوع إلى النص عند الاجتهاد والاختلاف.
السادس: ترك الاجتهاد والقياس عند وجود النص وهو إجماع.
السابع: التستر عند الغسل.
الثامن: جواز الاستعانة للمتطهر بمن يستره أو يصب عليه، وقد ثبتت الاستعانة بأحاديث صحيحة، وما ورد في تركها لا يقابلها في الصحة.
التاسع: جواز الكلام في حال الطهارة.
العاشر: جواز السلام على المتطهر في الوضوء والغسل للحاجة بخلاف الجالس على الحدث ونحوه.
الحادي عشر: جواز تحريك اليد على الرأس حال الغسل للمحرم إذا لم يؤد إلى نتف الشعر.
الثاني عشر: أن الإِنسان إذا كان عنده علم من الشيء ووقع فيه اختلاف لا بأس أن يراجع غيره فيه ممن عنده علم به لأن سؤال ابن عباس عن كيفية غسل النبي صلى الله عليه وسلم يشعر بأنه كان عنده علم به إذ لا يحسن السؤال عن كيفية الشيء إلَاّ بعد العلم بأصله، وكأن غسل البدن عنده متقرر الجواز في الإِحرام كما مضى إذ لم يسأل عنه، وإنما سأل عن كيفية [غسل](1) الرأس (2).
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
انظر: الاستذكار (11/ 18).
ويحتمل أن يكون خص الرأس بالسؤال لأنها موضع الإِشكال في المسألة إذ الشعر عليها وتحريك اليد عليها يخاف منه نتف الشعر بخلاف البدن.
الثالث عشر: جوار اغتسال المحرم في [رأسه وجسده](1)، وهو مجمع عليه إذا كان الغسل واجباً من جنابة أو حيض ونحوهما.
وأما إذا كان لمجرد التبرد فمذهب الشافعي والجمهور: جوازه من غير كراهة.
وجوّز أصحاب الشافعي (2) الغسل بالسدر والخطمي بحيث لا ينتف شعراً ولا فدية عليه لأن ذلك لإِزالة الأوساخ بخلاف الدهن ذاته، نعم الأولى أن لا يفعل. بل حكى [الحناطي](3) كراهته عن القديم.
وقال مالك وأبو حنيفة (4): هو حرام -أعني غسل رأسه بالخطمي وما في معناه-، وعليه فدية لأنه ترفه إلَاّ أن يكون له وفرة
(1) تقديم وتأخير من الأصل ون هـ.
(2)
الاستذكار (11/ 19)، المجموع (7/ 354)، والحاوي الكبير (5/ 157، 158).
(3)
في الأصل (الحنابلي)، وما أثبت من هـ.
هو الحسين بن محمد بن الحسين أبو عبد الله بن أبي جعفر الطبري الحناطي قال السبكي في طبقاته، ووفاة الحناطي فيما يظهر بعد الأربعمائة بقليل ترجمته في طبقات ابن شهبة (1/ 179)، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3/ 160)، وتاريخ بغداد (8/ 103).
(4)
الاستذكار (11/ 19).
فالأمر فيه خفيف، كما قالت المالكية فإن استدل بالحديث على هذا المختلف فيه، فلا يقوي كما قاله الشيخ تقي الدين (1) لأن المذكور حكاية حال لا عموم فيه وحكاية الحال تحتمل المختلف فيه ويحتمل غيره، ومع الاحتمال لا تقوم الحجة.
فروع: من مذهب مالك.
قال مالك (2): لا يغمس رأسه في الماء خشية قتل الدواب، يريد من كانت له وفرة فإن لم تكن وعلم أنه لا شيء برأسه فلا بأس.
وقال أيضاً في كتاب ابن المواز: لا يدخل الحمام (3)، فإن فعل فليفتد إذا أنقى وسخه وتدلك فإن لم يبالغ في ذلك فلا شيء عليه.
قال اللخمي: وأرى أن يفتدى وإن لم يتدلك لأن الشأن فيمن دخل الحمام ثم اغتسل أن يزول الشعث عنه وإن لم يتدلك.
قال الأبهري: وإنما كره للمحرم دخول الحمام خيفة أن يقتل الدواب من رأسه أو جسده وهو ممنوع من ذلك لأنه لا يجوز له أن يميط الأذى عنه حتى يرمي جمرة العقبة فمتى فعل ذلك كانت عليه الفدية، وأما الواجب فلا يلزمه إلَاّ فيما تيقن.
(1) إحكام الأحكام (3/ 564).
(2)
الاستذكار (11/ 18)، وقد جاء عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما جواز ذلك. انظر: سنن البيهقي (5/ 63).
(3)
روى عن ابن عباس أنه دخل حمام الجُحفة وهو محرم. السنن الكبرى (5/ 63)، والأم (2/ 146)، ومعرفة السنن (7/ 9717). وأيضاً عن جابر في معرفة السنن والآثار (7/ 9722) والقول بالجواز هو رأي عامة العلماء.
الرابع عشر: قوله: "ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر" يدل لابن عباس على صحة ما ذهب إليه من أن المحرم يغتسل ويغسل رأسه ويدلكه، وعليه الجمهور كما سلف.
الخامس عشر: قال القرطبي (1): فيه دلالة لمالك على اشتراط التدلك في الغسل لأنه لو جاز الغسل بدون تدلك لكان المحرم أحق بأن يجاز له تركه، قال: وفيه دليل على أن حقيقة الغسل لغة لا يكفي فيها صب الماء فقط بل لا بد من التدلك وما ينزل منزلته.
قلت: ممنوع أعني أن الصب لا يسمى غسلاً وكذا الأول فإن الدلك [هنا](2) سيق لبيان محل المختلف فيه.
السادس عشر: أنه لا يكره أن يقول "أنا" إذا أضاف إليه الاسم بخلاف ما إذا أفرد "أنا".
…
(1) المفهم (3/ 292).
(2)
في ن هـ (هناك).