الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
253/ 1/ 48 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فتلت قلائد هدى [رسول] (1) الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها (2)، ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة فما حرم عليه شيء كان له حلاً"(3).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: "القلائد": حبال ونحوها تكون في حلق البعير أو البقرة أو الغنم كما سلف في الباب (4) قبله. وجاء في رواية لمسلم أن تلك الفلائد "من عهن" وهو الصوف مطلقاً.
وقيل: الصوف المصبوغ ألواناً، كذا حكاه النووي في
(1) في ن هـ (النبي).
(2)
في ن هـ زيادة (أو قلدتها).
(3)
البخاري أطرافه في (1696)، ومسلم (1321)، والنسائي (5/ 171، 175)، وأبو داود (1758) في المناسك، باب: بعث بهديه وأقام، وابن ماجه (3094)، ومالك (1/ 340، 341)، والبغوي (1891)، وأبو يعلى (4853، 659)، والبيهقي (5/ 634)، وأحمد (6/ 78، 85، 216)، والحميدي (209)، والترمذي (908)، وابن الجارود (423).
(4)
ص 262.
"شرحه"(1) هنا، وعبارته في إيراده في باب صوم عاشوراء (2).
وقيل: الصوف المصبوغ، ولم يذكر بعده شيئاً، وجزم القرطبي في "مفهمه"(3) في صيام عاشوراء بأنه الصوف الأحمر، ثم حكى الخلاف السالف هنا، وتقلد الإِبل والبقر: بالنعال التي تلبس في حال الإِحرام، والغنم بخرب القرب أي عراها ونحوها من الخيوط المفتولة لضعفها عنها.
ويستحب أن تكون لها قيمة ويتصدق بها إذا ذبح الهدى، وكره بعض المالكية التقليد بالنعال، [والأوتار](4)، وأجاز مالك أن يكون نعلاً واحداً، قال: والنعلان أحب إلينا (5).
الثاني: "الإِشعار": شق صفحة السنام بحديده، ونحوها طولاً، وسلت الدم عنه واصله من الإِعلام والعلامة، فالإِشعار للهدى علامة له، وتكون باركة مستقبلة (6) القبلة.
واختلف الفقهاء. هل يكون الإِشعار في الصفحة اليمنى
(1) شرح مسلم (9/ 71).
(2)
شرح مسلم (8/ 14).
(3)
المفهم (3/ 197).
(4)
في فتح الباري (الأوبار).
(5)
من حديث ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ببدنه، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن ثم سلت الدم عنها وقلدها بنعلين". مسلم (1243)، وأبو داود (1752، 1753)، والترمذي (906)، والنسائي (5/ 170)، والبيهقي (5/ 232)، وابن ما حه (3097).
(6)
انظر: الاستذكار (12/ 296، 267).
أو اليسرى؟ فذهب الشافعي (1): إلى الأول وهو قول جمهور الخلف والسلف.
وذهب مالك: إلى الثاني، قال: ولا بأس بالأيمن والسنَّة قاضية عليه (2).
فرع: قال: أكثر الأصحاب الأفضل تقديم الإِشعار على التقليد [وظاهر](3) حديث ابن عباس في "صحيح مسلم"(4)، لكن المنصوص عكسه وصح ذلك من فعل ابن عمر.
فرع: يسمى الله عند الإِشعار، قالت المالكية: ويكبر، ورواه مالك في الموطأ (5) عن ابن عمر.
ثالثها: الظاهر أن هذا البعث كان في السنة التاسعة ويؤيده رواية البخاري ومسلم (6) عن عائشة، "ثم بعث بها مع أبي".
رابعها: في الحديث استحباب فتل القلائد للهدى.
(1) الأم (2/ 216).
(2)
انظر: الموطأ (394)، وسنن البيهقي (5/ 232)، والمغني (3/ 549)، والمجموع (8/ 271)، وشرح السنة (7/ 95)، (10/ 31).
(3)
في ن هـ (الظاهر).
(4)
مسلم (1243)، وأبو داود (1752، 1753) في المناسك، باب: في الإِشعار، والنسائي (5/ 170، 171)، وابن الجارود (424)، والبغوي (1893)، وأحمد (1/ 216، 254، 280)، والدارمي (2/ 65، 66)، والطيالسي (2696)، وابن الجعد في مسنده (1011).
(5)
الموطأ (1/ 379).
(6)
البخاري (1700)، ومسلم (1321).
خامسها: فيه أيضاً استحباب التقليد، وقد تقدم في الحديث الثالث من الباب قبله أنه سنة مؤكدة في الإِبل والبقر، وكذا في الغنم عند الجمهور خلافاً لمالك وأبي حنيفة.
سادسها: فيه أيضاً استحساب الإِشعار وهو قول جمهور الخلف والسلف.
وقال أبو حنيفة: إنه بدعة لأنه مثلة (1) وهو مخالف للأحاديث الصحيحة، وليس هو مثلة، بل هو كالفصد والحجامة والختان والوشم، وهذا مخصوص بالنهي عن المثلة.
وأجاب الشيخ أبو حامد: بأنها منسوخة. وفيه نظر، وهذا في الإِبل والبقر.
واتفقوا على أن الغنم لا يشعر لضعفها عن الجرح، ولأنه يستتر بالصفوف (2).
(1) قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (12/ 269): وكان أبو حنيفة ينكر الإِشعار ويكرهه، ويقول إنما كان ذلك قبل النهي عن المثلة، وهذا الحكم لا دليل عليه إلَاّ التوهم والظن، ولا تترك السنن بالظنون. اهـ.
(2)
قال ابن حجر في الفتح -رحمنا الله وإياه- (3/ 543): وأبعد من منع الإِشعار، واعتل باحتمال أنه كان مشروعاً قبل النهي عن المثلة، فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال، بل وقع الإِشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان.
قال الخطابي -رحمنا الله وإياه- في معالم السنن (2/ 290): وفيه بيان أن الإِشعار ليس من جملة ما نهى عنه من المثلة، ولا أعلم أحداً من أهل =
سابعها: فيه أيضاً إستحباب بعث الهدى من البلاد، وإن لم يكن معه صاحبه.
ثامنها: فيه أيضاً استحباب إشعاره عند بعثه بخلاف ما إذا سافر صاحبه معه، فإنه لا يستحب إشعاره إلَاّ عند الإِحرام.
تاسعها: فيه أيضاً أنه لا يحرم على من بعث الهدى شيء من محظورات الإِحرام، وهو قول الجمهور، ونقل فيه خلاف عن بعض المتقدمين وهو مشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروى أيضاً عن ابن عمر وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير (1)، وحكاه الخطابي (2) عن أهل الرأي أيضاً: أنه إذا فعله لزمه اجتناب ما يجتنبه المحرم، ولا يصير محرماً من غير نية الإِحرام.
عاشرها: فيه أيضاً إعانة أهل الطاعات بما أمكن من المعونات، وإعانة الزوجة زوجها والاستعانة بالغير على العبادة.
= العلم أنكر الإِشعار، غير أبي حنيفة، وخالفه صاحباه، وقالا في ذلك بقول عامة أهل العلم، وإنما المثلة أن يقطع عضو من البهيمة يراد به التعذيب، أو تُبانَ قطعة منها لأكل -إلى أن قال- وكيف يجوز أن يكون الإِشعار من باب المثلة؟ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة متقدماً، وأشعر بدنه عام حج، وهو متأخر
…
إلخ كلامه، وانظر أيضاً: الفتح (3/ 544).
(1)
انظر: سياق الخلاف مفصلاً في فتح الباري (3/ 546). الاستذكار (11/ 174، 176).
(2)
معالم السنن (2/ 293)، قال ابن حجر في الفتح (3/ 546): ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عليهم، فالطحاوي أعلم بهم منه، ولعل الخطابي ظن التسوية بين المسألتين. اهـ.
وأعلم أنه وقع في شرح الشيخ تقي الدين (1) في إيراد هذا الحديث "ثم أشعرتها"، والصواب "ثم أشعرها" كما أورده، وكذا هو في الصحيحين، وذكر الشيخ أيضاً في إيراده للحديث "وقلدها""أو قلدتها"، وتبعه الشراح وهو بلفظ رواية البخاري ولعله من الراوي وهو عائشة رضي الله عنها، لكنها صرحت في باقي روايات البخاري وروايات مسلم كلها أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي قلدها.
فرع: يتعلق بما سبق من كون الإِشعار في الصفحة اليمنى لو أهدى بعيرين مقرونين في حبل.
قال البندنبجي والروياني: يشعر أحدهما في الصفحة اليمنى والآخر في اليسرى ليشاهدا.
…
(1) إحكام الأحكام (3/ 552).