الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
216/ 4/ 42 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلَاّ ومعها حُرمة"(1).
وفي لفظ للبخاري: "لا تسافر مسيرة يوم [وليلة] (2) إلَاّ مع ذي محرم"(3).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: الجملة التي هي "تؤمن بالله واليوم الآخر" في موضع خفض صفة "لامرأة" قالوا: ويسمى يوم القيامة [باليوم الآخر](4) لأنه لا ليل بعده، ولا يقال يوم إلَاّ لما تقدمه ليل ولا يتوهم عدم خطاب الكفار (5) بالفروع لأن مثل هذا يأتي في كلام الشارع على أن المعنى
(1) البخاري (1088)، ومسلم (1339)، وأبو داود (1723، 1724)، والترمذي (1170)، والبيهقي (3/ 139)، والموطأ (2/ 979).
(2)
زيادة من ن هـ، وهو موافق للصحيح.
(3)
مسلم (1339).
(4)
زيادة من ن هـ.
(5)
قال في تقريب الوصول (229) ولا خلاف أن الكفار مخاطبون بالإِيمان، واختلف هل هم مخاطبون بفروع الشريعة في حال كفرهم أم لا؟ فقال =
أن المؤمن هو الذي ينقاد لأحكامنا وينزجر عن محرمات شرعنا ويستثمر أحكامه أو يكون ذلك من باب التهييج والإِلهاب وأن مقتضاه أن استحلال هذا المنهى عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر، بل ينافيه حتى لو قيل لا يحل لأحد مطلقاً لم يحصل هذا المعنى، وخطاب التهييج معلوم عند علماء البيان ومنه قوله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)} (1).
ونبه أيضاً صلى الله عليه وسلم بوصف الإِيمان بذلك على العمل بأحكام الشرع والوقوف مع حدوده ظاهراً وباطناً، وأن الحامل على ذلك إنما هو، الإِيمان لا غير فإن من علم أن له ربا يجازي ويعاتب حمله، ذلك على التعبد بفعل المأمور وترك المنهي، وذلك هو المطلوب.
الثاني: هذا اللفظ الذي عزاه المصنف إلى البخاري وحده هو في "صحيح مسلم" أيضاً، وهذا لفظه:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلَاّ مع ذي محرم". فعزوه هذا اللفظ إلى البخاري وحده يوهم انفراده بذلك، وليس كذلك لما علمته فلو حذف العزو واقتصر على قوله. وفي لفظ كان أولى (2).
= قوم: إنهم مكلفون بها إذا بلغتهم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم. وقال قوم: لا يكلفون بالفروع حتى يسلموا مع الاتفاق أنها لا تصح منهم ولا تقبل منهم حتى يؤمنوا، وقال فخر الدين بن الخطيب: ثمرة الخلاف راجعة إلى مضاعفة العذاب في الآخرة. اهـ.
(1)
سورة المائدة: آية 23.
(2)
انظر: تصحيح العمدة للزركشي (106) مجلة الجامعة الإِسلامية عدد (75، 76)، وأيضاً في حاشية الصنعاني (3/ 485).
ثم أعلم بعد ذلك أن هذا الحديث [روي](1) في الصحيح على أوجه:
منها ما في الكتاب.
ومنها: "مسيرة ليلة"(2)
ومنها: "مسيرة ثلاثة أيام"(3).
ومنها: "فوق ثلاث"(4).
ومنها: "ثلاث ليال"(5).
ومنها: "يومين"(6).
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
مسلم (1339)، وأبو داود (1649) في المناسك، باب: في المرأة تحج بغير محرم، والبيهقي (3/ 139)، وابن حبان (1728).
(3)
من رواية ابن عمر عند البخاري (1086، 1087)، ومسلم (1338)، وأحمد (2/ 13، 19، 143)، وأبو داود (1653) في المناسك، باب: المرأة تحج بغير محرم، وابن خزيمة (2521)، والبيهقي (3/ 138)، وابن حبان (2720، 2722، 2729).
(4)
أبو داود (1652) في المناسك، وابن حبان (2733)، ومعاني الآثار (2/ 115)، والبيهقي (5/ 226).
(5)
ابن عمر عند مسلم (1338).
(6)
من رواية أبي سعيد عند البخاري أطرافه في الفتح (586)، ومسلم (827)، وأحمد (3/ 7، 45، 53، 62، 64) وفي بعض الروايات (يومين وليلتين).
ومنها: إطلاق ذكر السفر (1)، وكل هذه الروايات في "صحيح مسلم".
وفي رواية لأبي داود (2)، وابن حبان (3)، والحاكم (4) على شرط مسلم "لا تسافر بريداً" والبريد: نصف يوم.
قال العلماء (5): اختلاف هذه الالفاظ لاختلاف السائلين، واختلاف المواطن، وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإِباحة اليوم أو الليلة أو البريد.
وقال البيهقي (6): كأنه صلى الله عليه وسلم[سئل](7) عن المرأة تسافر ثلاثاً بغير محرم، فقال: لا. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم، فقال: لا. وسئل عن يوم، فقال: لا، وكذلك البريد. فأدى كل منهم ما سمعه، وما جاء منها مختلفاً عن راو واحد، فسمعه في مواطن فروى تارة هذا وتارة هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يرد -عليه الصلاة
(1) إطلاق السفر ورد من رواية ابن عمر، وأبي سعيد، ومن رواية ابن عباس، وأبي هريرة.
(2)
أبو داود في المناسك (1651)، باب: في المرأة تحج بغير محرم.
(3)
ابن حبان (2727).
(4)
الحاكم (1/ 442)، والبيهقي (3/ 139)، وابن خزيمة (2526).
(5)
انظر: شرح مسلم (9/ 103).
(6)
البيهقي في السنن (3/ 139).
(7)
في ن هـ ساقطة.
والسلام- أقل [تحديد] ما يسمى (1)، سفراً فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو ليلة أو بريداً، أو غير ذلك، والرواية المطلقة تتناول جميع ما يسمى سفراً.
الثالث: المحرم من النساء التي لا يحرم النظر إليها، والخلوة بها والمسافرة معها، ولا ينتقض الوضوء بمسها كل من حرم نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها فخرج "بالتأبيد" أخت المرأة وعمتها وخالتها ونحوهن، وبـ"المباح" أم الموطؤة بشبهة وبنتها فإنهما محرمان على التأبيد، وليسا محرمين لأن وطء الشبهة لا يوصف بالإِباحة لأنه ليس بفعل مكلف، والمراد شبهة الفاعل لا شبهة المحل فإنه حرام، [وكذا الطريق](2) كالوطء بالنكاح، والشراء الفاسدين، فإنه حرام، ولو تزوج الموطوءة بشبهة، ودخل بها فالذي يظهر الحكم على أمها وبناتها بالمحرمية، وحينئذ فيرد على الضابط لأن سبب العقد والدخول لم يحرمهن لأنهن حرمن قبل ذلك ويستحيل تحصيل الحاصل، وخرج بحرمتها الملاعنة، فإنها محرمة على التأبيد بسبب مباح، وليست محرماً لأن تحريمها ليس لحرمتها بل عقوبة وتغليظاً، وهذا الضابط للشافعية.
(1) زيادة من ن هـ، وما يسمى ساقطة من ن هـ، وما أثبت يوافق شرح مسلم (9/ 103).
(2)
لعل مراد المؤلف إجراء حكم النكاح والشراء الفاسدين مجرى الوطء بالشبهة.
قال الفاكهي: ولا أعلم للمالكية ما يخالفه ونقله الشيخ تقي [الدين](1) عن بعض أصحاب الشافعي، وأقره وهو منتقض طرداً بأمهات المؤمنين فإن الحد صادق عليهن، وَلَسن بمحارم كما اقتضاه كلام الرافعي في الظهار، وصرح به غيره.
وقد يجاب: بأن التحريم لحرمته لا لحرمتهن. وعكساً بالموطؤة في الحيض والنفاس والإِحرام والصوم الواجب وبأم الزوجة، إذا عقد على ابنتها عقداً حراماً بأن وقع بعد خطبة الغير ونحو ذلك، وينتقض أيضاً بالعبد [فإنه](2) ليس محرم لها ونكاحها حراماً على التأبيد.
الرابع: ذكر المحرم عام في محرم النسب والرضاع والمصاهرة كأبي زوجها وابن زوجها واستثنى بعضهم (3): ابن زوجها فكره السفر معه لغلبة الفساد في الناس بعد العصر الأول، ولأن كثيراً من الناس لا ينزل زوجة الأب في النفرة عنها منزلة محارم النسب والمرأة فتنة، إلَاّ فيما جبل الله النفوس عليه في النفرة عن محارم النسب والحديث عام.
فإن كانت هذه الكراهة للتحريم مع محرمية ابن الزوج، فهو بعيد مخالف لظاهر الحديث، وإن كان للتنزيه للمعنى المذكور فهو أقرب تشوفاً إليه، ويقويه استثناء السفر مع المحرم فيصير التقدير إلَاّ مع ذي محرم فيحل.
(1) في ن هـ ساقطة. انظر: إحكام الأحكام (3/ 489).
(2)
في الأصل (فإنها)، وما أثبت من ن هـ.
(3)
ذكره النووي عن مالك في شرح مسلم (9/ 105).
قال الشيخ تقي الدين (1): ويبقى النظر في قولنا "يحل" هل يتناول المكروه أم لا؟ بناء على أن لفظ "يحل" تقتضي الإِباحة المستوية الطرفين، فإن قلنا: لا يتناول المكروه، فالأمر قريب مما قاله، إلَاّ أنه تخصيص يحتاج إلى دليل شرعي عليه، وإن قلنا: يتناوله، فهو أقرب، لأن ما قاله لا يكون حينئذ منافياً لما دل عليه اللفظ.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل لامرأة" هو عام في كل امرأة سواء الشابة والعجوز، وحكى القاضي عياض (2) عن الباجي (3): أنه خصه بالشابة فأما الكبيرة فتسافر حيث شاءت كل الأسفار بلا زوج ولا محرم"، قال النووي (4). ولا نوافق عليه لأن المرأة مظنة الطمع فيها والشهوة ولو كانت كبيرة، وقد قالوا: لكل ساقطة لاقطة. ويجتمع في الأسفار من سفهاء [الناس](5) وسقطهم، ما لا يرتفع عن الفاحشة بالعجوز وغيرها لغلبة شهوته وقلة دينه ومرؤته وكثرة خيانته، ونحو ذلك.
قال الشيخ تقي الدين (6): بعد أن نقل هذا الاعتراض عن بعض المتأخرين من الشافعية، والظاهر أنه أراد به النووي الذي قاله الباجي
(1) إحكام الأحكام (3/ 489).
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 436).
(3)
المنتقى (7/ 304).
(4)
شرح مسلم (9/ 105).
(5)
في ن هـ (الإِسفار).
(6)
إحكام الأحكام (3/ 487).
تخصيص للعموم بالنظر إلى المعنى، قال: وقد اختار هذا الشافعي (1) أن المرأة تسافر في الأمن ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة. وهذا مخالف لظاهر الحديث.
قلت: وهذا وجه في المذهب حكاه الماوردي (2) وقيده بما إذا أمنت خلوة الرجال بها، وحكاه غيره قولاً واختاره جماعة، ولم يجيزه النووي (3) إن كانت الإِشارة بقول الشيخ تقي الدين. إن هذا اختاره الشافعي له.
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "أن تسافر" هو مطلق في كل سفر طويلاً كان أو قصيراً، كما أسلفناه، وهل هو عام في [كل سفر](4) طاعة أو مخصص؟
أما سفر الهجرة من دار الحرب إلى دار [الإِسلام](5) فاتفق العلماء على وجوبه وإن لم يكن معها أحد من محارمها.
وأما سفر الحج والعمرة فإن كانا واجبين وهي [تستطيعه](6)، كالرجل فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها، وبه قال عطاء وسعيد بن جبير، وابن سيرين، ومالك والأوزاعي.
(1) ذكره عنه في الاستذكار (11/ 368).
(2)
الحاوي (5/ 477).
(3)
شرح مسلم ((9/ 104)، والمجموع (8/ 341).
(4)
في الأصل (سفر كل)، وما أثبت من ن هـ.
(5)
في الأصل (السلام)، وما أثبت من ن هـ.
(6)
في ن هـ (مستطيعة).
قال أصحاب الشافعي: ويحصل الأمن: بزوج، أو محرم، أو نسوة ثقات ولا يلزمها الحج إلَاّ بأحد هذه الأشياء وللشافعي قول إن المرأة الواحدة كافية.
واشترط أبو حنيفة: المحرم لوجوب الحج عليها إلَاّ أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاثة مراحل ووافقه جماعة من أصحاب الحديث والرأي.
وحكي أيضاً عن الحسن البصري [والنخعي](1)، والشعبي والحسن بن حي [
…
] (2).
قال ابن بزيزة: بعد أن حكى [هذا](3) عنهم وقد وقع لمالك أنها إذا لم تجد سبيلاً إلَاّ في البحر، فلا يلزمها جملة من غير تفصيل، قال: لأنها عورة.
وقال ابن القاسم: إذا لم تجد ما تركب وقدرت على المشي لم يلزمها الحج إلَاّ أن يكون الموضع قريباً جداً كأهل مكة [ومن في عملهم](4)، وقد قيل: إن الحج لازم لها إذا قدرت على المشي، أو على ركوب البحر مع أمان غالب.
وقال كثير من أهل [العلم](5): إن كان لها زوج ففرض عليه
(1) في ن هـ (طاووس).
(2)
في الأصل عن طاووس.
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
في ن هـ ساقطة.
(5)
في ن هـ ساقطة.
أن يحج معها فإن لم يفعل عصى وعليها الحج دونه وليس له منعها من الفرض دون التطوع. وأما من لا زوج لها ولا ذو محرم فالحج واجب عليها.
وقال سفيان: إن كانت من مكة على أقل من ثلاث ليال فلها أن تحج مع غير ذي محرم، أو زوج وإن كانت على ثلاث فصاعداً، فلا. قال: والذي عليه جمهور أهل العلم أن الرفقة المأمونة من [المسلمين](1) تنزل منزلة الزوج أو ذي المحرم، وذكر عن عائشة رضي الله عنها أن المرأة لا تسافر إلَاّ مع ذي محرم، وقالت: ليس كل النساء تجد محرماً.
هذا كله في سفر الحج والعمرة الواجبين، فإن كانا تطوعين أو سفر زيارة أو تجارة، ونحوها من الأسفار التي ليست واجبة.
فقال الجمهور: لا تجوز إلَاّ مع زوج أو محرم.
وقال بعضهم: يجوز لها الخروج مع نسوة ثقات لحجة الإِسلام.
وفي مذهب مالك ثلاثة أقوال عند عدم الولي.
أحدها: أنها تسافر مع الرفقة المأمونة تقديماً لفريضة الحج.
ثانيها: لا.
ثالثها: نعم في الفرض دون التطوع.
وفرّق سفيان بين المسافة البعيدة والقريبة، فلا تسافر في
(1) في ن هـ (المسافرين).
الأولى إلَاّ مع زوج أو محرم، وفي الثانية: مع الرفقة، قال ابن بزيزة: والصحيح عندنا أن فريضة الله لازمة والمؤمنون إخوة، وطاعة الله واجبة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"لا تمنعوا إماء الله مساجد الله"، والمسجد الحرام أجل المساجد فكان داخلاً تحت مقتضى هذا الخبر.
قال القاضي عياض: واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلَاّ مع ذي محرم إلَاّ الهجرة من دار الحرب، قال: والفرق أن إقامتها في دار الحرب حرام، إذا لم تستطع إظهار الدين وتخشى على دينها ونفسها وليس كذلك التأخر عن الحج كيف وهو مختلف في أنه على الفور أم التراخي؟
وأعلم أن الذين اشترطوا المحرم للوجوب، واستدلوا بهذا الحديث، فإن سفرها للحج من جملة الأسفار الداخلة تحته فيمنع إلَاّ مع المحرم، والذين لم يشترطوه قالوا: المشترط الأمن على نفسها مع رفقة مأمونين رجالاً أو نساء كما تقدم.
قال الشيخ تقي الدين: وهذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا (1)، وكان كل واحد منها عاماً من وجه، خاصاً من وجه،
(1) قال في الإِيضاح لابن الجوزي (306): الأول: عامان، فإن كان معلومين فالمتأخر ناسخ إن علم التاريخ، وإلَاّ فهما متعارضان، وإن كان مظنونين فهما كالمعلومين، وإن كان أحدهما معلوماً والآخر مظنوناً: فالعمل بالمعلوم مطلقاً، لكن لا يحمل على نسخ المظنون إلَاّ: إن علم تأخره عنه. اهـ.
بيانه أن قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1). يدخل تحته الرجال والنساء فيقتضي ذلك أنه إذا وجدت الاستطاعة المتفق عليها أنه يجب عليها الحج، وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا يحل لامرأة" الحديث خاص بالنساء، عام في الأسفار.
فإذا قيل به: وأخرج عنه سفر الحج، بقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} .
قال المخالف: بل نعمل بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} فتدخل المرأة، ويخرج سفر الحج عن النهي، فيقوم في كل واحد من النصين عموم وخصوص، ويحتاج إلى الترجيح من خارج. وذكر بعض أهل الظاهر أنه يذهب إلى دليل من خارج، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله"(2). ولا يتجه ذلك لكونه عاماً في المساجد، فيمكن أن يخرج عنه المسجد الذي يحتاج إلى السفر في الخروج إليه بحديث النهي.
السابع: لم يتعرض المصنف في هاتين الروايتين للزوج، وهو موجود في رواية أخرى في الصحيح، ولا بد من إلحاقه في الحكم بالمحرم في جواز السفر معه اللهم [إلَاّ](3) أن يستعملوا لفظة الحرمة في إحدى الروايتين في معنى غير المحرمية استعمالاً لغوياً فيما
(1) سورة آل عمران: آية 97.
(2)
سبق تخريجه في كتاب الصلاة.
(3)
في الأصل (إم)، وما أثبت من ن هـ.
يقتضي الإِحرام فيدخل فيه الزوج لفظاً، ويكون ذلك وجه العدول في إحدى الروايتين عن قوله:"ذي محرم" إلى قوله: "ومعها حرمة"، لعموم هذه وخصوص تلك.
خاتمة: قام الإِجماع على تحريم خلوة الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما، ومع وجوده إذا كان ممن لا يستحى منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك، وكذا على اجتماع رجال بأجنبية بخلاف اجتماع رجل بنسوة أجانب فإن الصحيح جوازه لضعف التهمة هنا بخلاف الأول.
والمختار تحريم الخلوة بالأمرد والأجنبي الحسن، ولا فرق في تحريم الخلوة بين أن يكون في الصلاة وغيرها قاله أصحابنا وتستثنى مواضع الضرورة بأن يجد امرأة أجنبية منقطعة في الطريق أو نحو ذلك فيباح له استصحابها بل يلزمه إذا خاف عليها لو تركها وشاهد ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الأفك (1).
…
(1) ذكره النووي في شرح مسلم (9/ 109).
43 -
باب (1) الفدية
قال الجوهري (2): الفِدْيَةُ: والفِدَى والفِداءُ كُلُّهُ بمعنىً واحد انتهى. وكأنها بمعنى البدل عن ما نقص من المناسك.
وذكر المصنف في الباب حديثاً واحداً وهو:
217/ 1/ 43 - حديث عبد الله بن معقل، قال: جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية؟ فقال: نزلت فيّ خاصة، وهي لكم عامة! حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال:"ما كنت أُرى الوجع بلغ بك ما أرى -أو ما كنت أُرى الجهد بلغ بك ما أرى- أتجد شاة؟ " فقلت: لا، قال:"فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع".
وفي رواية: فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين، أو يهدي شاة، أو يصوم ثلاثة أيام"(3).
(1) في ن هـ زيادة (لزوم).
(2)
مختار الصحاح (209).
(3)
البخاري أطرافه في الفتح (1814)، ومسلم (1201)، والترمذي (953، 2973)، وابن ماجه (3089)، وأبو داود (1861) في المناسك، باب: =
الكلام عليه من وجوه:
الأول: في التعريف بما وقع فيه من الأسماء.
أما عبد الله بن معقل: فهو تابعي كوفي ثقة من خيار التابعين وأغرب ابن فيحون فذكر في جملة الصحابة، كنيته: أبو الوليد وهو أخو عبد الرحمن بن معقل مات عبد الله سنة ثلاث وثمانين، قاله ابن قانع.
وقال ابن حبان: في "ثقاته" مات سنة بضع وثمانين بالبصرة، ثم روى عن أبي إسحاق أن عبد الله بن معقل صلى بالناس في شهر رمضان، فلما كان يوم الفطر أرسل إليه عبيد الله بن زياد بحلة وخمس مائة درهم فردها عليه، وقال: إنا لا نأخذ على القرآن أجراً.
واعلم أن عبد الله بن معقل هذا يشاركه في اسمه واسم أبيه عبد الله بن معقل المحاربي الكوفي يروي عن عائشة وعن أشعب بن سليم نبه على ذلك الحافظ عبد القادر الرهاوي في "أربعينه"(1).
= في الفدية، والنسائي (5/ 194، 195)، وأحمد (4/ 242)، والطيالسي (1062)، والطبراني (19/ 215) وغيرها، والطبري (3343، 3345)، والدارقطني (2/ 298، 299)، وابن الجارود (450)، ومالك (1/ 417، 418)، والبيهقي (5/ 242)، وابن خزيمة (2677)، والحميدي (709)، والنسائي في الكبرى (2/ 377)(2/ 299).
(1)
زاد ابن حجر في الفتح (4/ 17) قوله: والآخر يروي عن أنس في المسح على العمامة وحديثه عند أبي داود، والثالث: أصغر منهما أخرج له ابن ماجه. اهـ.
وأما والده: معقل فهو -بفتح الميم ثم عين مهملة ساكنة ثم قاف مكسورة- له صحبة، وجده مُقرِّن -بضم أوله وقع ثانيه وكسر ثالثه مشدداً-، ثم تنبّه لأمور.
أحدها: وهم بعض من علق على هذا الكتاب فظن أن عبد الله بن معقل هذا هو السالف في الطهارة، فقال فيما رأيته بخطه: عبد الله بن معقل: تقدمت ترجمته في أول الكتاب في حديث ولوغ الكلب وهذا مغفل فذاك بالعين المعجمة والفاء وهذا بالمهملة والقاف وذاك صحابي، وذا تابعي فتصحف عليه.
ثانيها: ادعى الحافظ عبد القادر الرهاوي في "أربعينه" أنه ليس لعبد الله بن معقل هذا في الصحيحين غير حديث "اتقوا النار ولو بشق تمرة"(1) وهو عجيب منه فحديث الباب الذي ذكره المصنف هو في الصحيحين أيضاً، وقد سبق [في الاعتراض](2) عليه النووي، فقال هذه الدعوى غلط، ففي"صحيح البخاري" في كتاب الحج (3): في باب إطعام المحصَر في الفدية بنصف صاع عن عبد الله بن معقل المزني هذا عن كعب بن عجرة حديث، وهو كما قال لكنه في مسلم أيضاً وبه يتم الرد على الحافظ عبد القادر.
(1) الحديث من رواية عدي بن حاتم، أخرجه البخاري (1413) في الزكاة، ومسلم (1016) في الزكاة، وأحمد (4/ 256، 258، 259، 377)، والطيالسي (1036).
(2)
في ن هـ (بالاعتراض).
(3)
فتح الباري (4/ 16).
ثالثها: وقع في "شرح الفاكهي" تخليط في ترجمة عبد الله بن معقل بترجمة كعب بن عجرة فإنه ذكر في آخرها مات سنة ثلاث وخمسين بالمدينة عن خمس وسبعين سنة كذا رايته [في نسختين منه](1) وهذا ليس تاريخ وفاة عبد الله بن معقل وإنما هو تاريخ وفاة كعب بن عجرة، كذا ذكره الشيخ تقي الدين في "شرحه"(2)، لكنه قال: سنة "اثنين وخمسين" بدل "ثلاث"، ولعل السبب الموقع له في ذلك أن الشيخ تقي الدين لم يفرد ترجمة عبد الله وحدها بعقد وترجمة كعب وحدها بآخر، بل ذكرهما في عقد واحد فظنهما واحداً والله أعلم.
رابعها: "معقل" هذا يشتبه بثلاثة أشياء أسلفتها في كتاب الطهارة فراجعها من ثم (3).
وأما كعب بن عجرة: فقد سلف التعريف به في الحديث الثاني من باب التشهد (4).
الوجه الثاني: فيما يتعلق بألفاظه من ضبط وإعراب قوله: "نزلت فيّ" يعني آية الفدية وهي قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا
…
} (5) الآية.
وقوله "خاصة" أي اختصاص بسبب النزول بي، فإن لفظ الآية
(1) زيادة من ن هـ.
(2)
إحكام الأحكام (3/ 492).
(3)
(1/ 291).
(4)
(3/ 449) من هذا الكتاب المبارك.
(5)
سورة البقرة: آية 196.
عام، وهذه الآية نزلت عام الحديبية كما ثبت في الصحيح (1).
وقوله: "والقمل يتناثر على وجهي" هي جملة حالية من التاء في "حُملت"، وفي صحيح مسلم "قمل رأسه ولحيته"(2).
و"أُرى" الأولى، والثالثة، بضم الهمزة أي أظن، والثانية، والرابعة بفتحها أي أشاهد ببصري فهو من رؤية العين وحذف مفعوله للدلالة عليه أي أراه.
وقوله "الوجع أو الجهد" هو شك من الراوي هل قال: الأول أو الثاني.
"والجهد" بفتح الجيم المشقة وبضمها الطاقة قاله صاحب "العين"، وغيره ولا معنى للطاقة هنا، بل المعنى على المشقة اللاحقة بسبب الوجع.
قال الشيخ تقي الدين: إلَاّ أن تكون الصيغتان يعني الفتح والضم بمعنى واحد.
قلت: لما حكى القاضي عياض في "إكماله" عن صاحب "العين" أن الجهد بالضم الطاقة وبالفتح المشقة نقل عن الشعبي أنه بالضم في العيش وبالفتح في العمل ثم قال:
وقال ابن دريد: هما لغتان صحيحتان بلغ جَهده وجُهده، وقال
(1) البخاري (4190)، ومسلم.
(2)
مسلم (1201).
النووي: في "تحريره"(1) في كلامه على الجهد في دعاء الاستسقاء أنه بفتح الجيم، وقيل: يجوز ضمها وهو المشقة وسوء الحال.
قلت: فظهر بهذا أنه يجوز قراءة الجهد هنا بالضم أيضاً وأنه لغة.
وقوله: "أتجد شاة" هو الصواب ووقع في رواية ابن ماهان "أتجد شيئاً" وهو وهم.
والصاع: تقدم الكلام عليه في الحديث الثامن من باب الجنابة.
والفرق بفتح الراء، وقد تسكن وهو ستة عشر رطلاً كما قاله الخطابي (2): وهو ثلاثة آصع كما [فسر](3) في الروايتين بقوله في الأولى "لكل مسكين نصف صاع".
وبقوله: "في هذه بين ستة" ووقع في رواية العدوي "لكل مسكين صاع" وهو وهم وجوابه رواية غيره "لكل مسكينين" على التثنية (4).
(1) تحرير ألفاظ التنبيه (93).
(2)
معالم السنن (1/ 162).
(3)
في ن هـ ساقطة، وانظر: تحديد مقداره في الفتح (4/ 16).
(4)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (4/ 18): وقد وقع في صحيح مسلم (لكل مسكينين صاع. اهـ) إلخ. أقول: غير موجود في شرح مسلم للنووي ولا المجرد من الشرح وإنما ذكره الأبيّ في شرحه لمسلم (3/ 317) في المتن المشروح.
وقوله: "أو يهدي" أي يهدى هو -بفتح الياء وضمها- لأنه يقال: هدى الهدي وأهدى الهدي نقلهما صاحب "المطالع"، لكن عبارته: يقال من أهدى هديت الهدى وهديت المرأة إلى زوجها، وقيل: أُهديت.
الوجه الثالث: في فوائده وأحكامه.
الأولى: فيه الجلوس لمذاكرة العلم ومدارسته.
الثانية: فيه أيضاً الاعتناء بسبب النزول وما يترتب عليه من الحكم وأن التفسير المتعلق بسبب النزول من الصحابي مرفوع إذا لم يضفه إليه لقوله: "نزلت فيّ خاصة وهي لكم عامة".
الثالثة: فيه دلالة على تحريم الحلق من غير ضرر للمحرم.
الرابعة: فيه أيضاً دلالة على جوازه لأذى القمل وقاسوا عليه ما في معناه من الضرر كالمرض.
[الخامس](1): فيه أيضاً دلالة على أنه إذا حلق لغير عذر أن الفدية تلزمه من باب التنبيه لأنه إذا وجبت في الضرر فالترفه أولى نعم يفترقان في الاسم.
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "أتجد شاة؟ قال: لا. وفي الثانية "أو يهدي شاة" (2)، قال: لا"، فأمره بالصوم،
(1) في هـ الخامسة إلى آخر الفوائد.
(2)
هذا هو النسك المجمل في الآية السالفة ويؤخذ منه أن السنة مبينة لمجمل القرآن وليس المراد بقوله: "أتجد شاة؟ ".
أو الإطعام أن كل واحد منهما لا يجزىء إلَاّ عند عدم الهدي، بل هو محمول على أن سؤاله عن وجدانه، فإن وجده أخبره عليه الصلاة والسلام بأنه مخيّر بينه وبين الصيام والإِطعام وإن عدمه فهو مخيّر بين الصيام والإِطعام ولا شك أن لفظ الآية والحديث معاً يقتضي التخيير بين الخصال الثلاث المذكورة لأن "أو" هنا للتخيير لكنها مجملة في الآية مبينة في الحديث كما قدمناه، فالصيام مبين بثلاثة أيام وأبعد من قال من المتقدمين أنه عشرة أيام فإنه مخالف للحديث، والصدقة بثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، وأبعد من قال من المتقدمين أنه يطعم عشرة مساكين لمخالفة الحديث وعزاه القاضي (1) فيهما إلى الحسن البصري وبعض السلف وكأنهم قاسوه على كفارة اليمين ولعل الحديث لم يبلغهم.
والنسك: في الآية واحدته نسيكة وهي الذبيحة وأعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة بصفة الأضحية أي ما شاء ذبح فهذه الفدية مخيرة مقدرة.
فرع: كل هدي أو إطعام يلزم المحرم يكون بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم إلَاّ الهدي يلزم المحصر فإنه يذبحه حيث أُحصر.
وأما الصوم: فإنه يصوم حيث شاء.
وعند المالكية: أن له أن يذبح حيث شاء من البلاد إلَاّ إن شاء أن يجعلها هدياً فيوقفها بعرفة وينحرها بمنحره فذلك له لا عليه،
(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 315).
وكذلك كل شاة تجب عن إلقاء التفث وإزالة الشعر وطلب الرفاهية بالترخص في فعل ما يمنع المحرم منه.
واختلف قول أبي حنيفة فقال: مرة بقول الشافعي وهو الاختصاص، وقال: مرة إنما ذلك في الدم دون الإِطعام وهو قول أصحابه وقول عطاء.
السابع: اتفق العلماء على القول بظاهر هذا الحديث لكن وقع الخلاف في الإِطعام هل يتعين من الحنطة مقداراً وعيناً؟ يحكى عن أبي حنيفة والثوري أن نصف الصاع لكل مسكين إنما هو في الحنطة فأما التمر وغيره فيجب صاع لكل مسكين وهذا خلاف نصه لرواية مسلم ثلاثة آصع من تمر، وذكر مثله في الزبيب في كتاب أبي داود (1).
وعن أحمد رواية: "لكل مسكين مد حنطة أو نصف صاع من غيرها".
وللشافعية وجه: أنه لا يتقدر ما يعطى لكل مسكين.
[فرع](2) ينعطف على ما مضى الحالق لغير عذر يتخير في الفدية أيضاً خلافاً لمن قال عليه الدم فقط حكاه المازري (3) وحكاه الخطابي في "معالمه"(4) عن أبي حنيفة والشافعي وهذا لا يحضرني
(1) أبي داود (1781) في المناسك، باب: في الفدية.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
في المعلم (2/ 78).
(4)
معالم السنن (2/ 366).
عن الشافعي وقد صرح النووي في "شرح المهذب"(1) بأن مذهبنا أنه لا فرق بين الحلق للأذى أو لغيره ونقل هذا عن أبي حنيفة [وحده وحكاه القاضي عن أبي حنيفة](2) وأبي ثور، [وقال:] (3)، قال القاضي (4): ومعظم العلماء على وجوب الدم على الناسي.
وقال الشافعي: في أحد قوليه وإسحق وداود لا دم عليه، قال: وحكم الطيب واللباس في هذا سواء عندهم على ما تقدم من التخيير والخلاف في وجوبه.
الثامنة: يؤخذ من الحديث أنه يشرع لكبير القوم أو عالمهم إذا رأى ببعض أتباعه ضرراً أن يسأله عنه وأن يرشده إلى المخرج منه إن كان عنده مخرج.
التاسعة: ورد في رواية في "صحيح مسلم": "أحلق رأسك ثم اذبح نسكاً"، وهو حجة لما عليه جماعة من العلماء من أن الفدية إنما تكون بعد فعل موجبها حكاه القاضي عنهم.
العاشرة: جاء في رواية في "صحيح مسلم" ما يدل على أن نزول هذه الآية قبل الحكم، ورواية أخرى فيه تدل على أن نزولها بعده، فيحتمل كما قال القاضي عياض أنه عليه الصلاة والسلام قضى فيها بوحي ثم نزل فيها قرآن يتلى.
(1) المجموع شرح المهذب (7/ 376).
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
في ن هـ ساقطة.
(4)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (3/ 415).
خاتمة: رأيت في "صحيح أبي حاتم ابن حبان" أنه عليه الصلاة والسلام: "أمره بصيام أو صدقة أو نسك أو ما تيسر"(1) وهذا غريب وصوابه، والله أعلم، "أو نسك ما تيسر"، وقد أخرجه مسلم في صحيحه كذلك في بعض رواياته.
استدراك: هل الفدية المذكورة مرتبة، على قتل القمل فقط أو على إزالة الشعر؟ فيه خلاف للمالكية، قال بعض البغداديين: منهم بالثاني، وقال عبد الحق: بالأول، قالوا: وهو الأظهر لقوله عليه الصلاة والسلام: "أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم، قال فاحلق
…
" الحديث، قالوا: وفائدة الخلاف تظهر في المحرم إذا حلق رأس حلال ولم يقتل فيه قملاً.
قال ابن القاسم: ليس عليه فدية، ويتصدق بشيء من طعام.
وقال مالك: عليه الفدية كاملة.
وعند الشافعية (2): أنه يكره للمحرم أن يفلي رأسه ولحيته فإن فعل فأخرج قملة فقتلها فنص الشافعي على أنه يتصدق ولو بلقمة فقال بعض أصحابه: بوجوب ذلك لما فيه من إزالة الأذى، وقال جمهورهم: باستحبابه.
…
(1) لفظه في صحيح ابن حبان (3982): "فأمرني بصيام أو صدقة أو نسك أيما تيسر" وقد مضى تخريجه في مسلم، وفي لفظ له (أو انسك ما تيسر)، والطبراني (19/ 112)، والطبري في تفسيره (3342)، والبيهقي (5/ 169).
(2)
المجموع (7/ 352).