الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
319/ 1/ 62 - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: في التعريف براويه، وقد سلف في الحديث الأول من كتاب الصلاة.
قال ابن منده في "مستخرجه": ورواه مع ابن مسعود، عائشة وجابر بن عبد الله، وأنس.
(1) البخاري أطرافه (1905)، ومسلم (1400)، والترمذي (1081)، وأبو داود في النكاح (2046)، باب: التحريض على النكاح، وابن ماجه (1845)، والنسائي (4/ 169، 170)، (6/ 57)، والدارمي (2/ 132)، وأبو يعلى في مسنده (5110، 5192)، ابن الجارود (672) ، والبيهقي (4/ 296)، (7/ 77، والحميدي (115)، وابن أبي شيبة (4/ 126، 127)، والبغوي (2236)، وأحمد (1/ 424، 432)، والطيالسي (1/ 303)، وعبد الرزاق (6/ 169).
الثاني: في ألفاظه.
الأول: قال أهل اللغة: المعشر: الطائفة الذين يشملهم وصف. فالشباب: معشر، والشيوخ: معشر، والأنبياء: معشر، والنساء: معشر، وكذا ما أشبه ذلك.
الثاني: "الشباب" جمع شاب، ويجمع على شبان وشببة.
قال الأزهري: ولا يجمع فاعل على فعال غيره.
قال "صاحب الجامع": وأصل الشباب الحركة والنشاط، لأن الإِنسان أول عمره أكثر حركة، ونشاطًا منه في آخر عمره، والشباب عند الشافعية من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة، كما نقله النووي في "شرحه لمسلم"(1) عنهم.
وقال الزمخشري: حده من لدن البلوغ إلى اثنتين وثلاثين سنة، وقال ابن شاس (2) من المالكية: الشبان والأحداث لمن بلغ حتى يكمل أربعين سنة.
وحكى القرطبي عن أهل اللغة: أنه يقال له حدث إلى ست عشرة سنة، ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين، ثم كهل في ثلاثة وثلاثين.
(1) شرح مسلم (10/ 173).
(2)
هو الشيخ الإِمام العلامة جلال الدين أبو محمَّد عبد الله بن نجم بن شاس صاحب كتاب "الجواهر الثمينة في فقه أهل المدينة"، مات غازيًا بثغر دمياط في جمادى الآخرة أو في رجب سنة ست عشرة وستمائة. الذخيرة السنية (56)، والديباج لابن فرحون (1/ 443)، وسير أعلام النبلاء (22/ 98).
وقد أسلفت في الكلام على الحديث الرابع من باب الاستطابة عن أبي جعفر النحوي أسماء الإِنسان من حين يخلق في بطن أمه إلى أن يهرم، فراجعه منه، وخص في الحديث الشباب بذلك لأن الغالب وجود قوة الداعي فيهم إلى النكاح بخلاف الشيوخ. والمعنى معتبر إذا وجد في الكهول والشيوخ أيضًا.
الثالث: "الباءة" أصلها في اللغة الجماع، وهي مشتقة من المباءة، وهي المنزل، ومنه مباءة الأرض وهو موطنها، ثم قيل لعقد النكاح باءة لأن من تزوج امرأة فقد بوأها منزلًا، فهو من مجاز الملازمة.
وفي "الباءة"(1) أربع لغات: أفصحها وأشهرها الباءه بالمد والهاء.
وثانيها: بدون مد.
وثالثها: بالمد بلا هاء.
ورابعها: الباهه بهاءين بلا مد، وفي بعض "شروح التنبيه" أنها بالمد: القدرة على مؤن النكاح. وبالقصر: الوطء والنكاح.
واختلف في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد:
(1) انظر: المقصور والممدود للفراء (94)، وتهذيب اللغة (15/ 596)، واللسان مادة (بوه):(17/ 372)، والمقصور والممدود لابن ولاد (17). هكذا: الثانية: الباة، الثالثة: الباء.
أصحهما: أن المراد معناه اللغوي وهو الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم؛ ليدفع شهوته، ويقطع شر منيه، كما يقطعه الوجاء. ووقع الخطاب للشباب لكونهم مظنة الشهوة كما سلف.
والثاني: أن المراد بالباءة هنا مؤن النكاح، [و](1) سميت [باسم](2) ما يلازمها، فالتقدير: من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطعها فليصم، ليدفع شهوته، والذي حمل القائلين بهذا على هذا أنهم قالوا: قوله عليه الصلاة والسلام: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم"، قالوا: والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن.
وأجاب الأولون: بما قدمناه في القول الأول، وهو أن تقديره: ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤونة وهو محتاج إلى الجماع، فعليه بالصوم (3).
الرابع: معنى "أغض" أمنع.
و"أحصن" مأخوذ من الحصين الذي يمنع به من العدو.
و"الوجاء": بكسر الواو وبالمد رض الخصيتين، وقال القاضي (4): أصله الغمز، يقال: وجىء في عنق فلان إذا غمز عنقه
(1) في هـ ساقطة.
(2)
في هـ ساقطة.
(3)
انظر شرح مسلم (10/ 173).
(4)
انظر: مشارق الأنوار (2/ 279)، وذكره في إكمال إ كمال المعلم (4/ 6، 7).
ودفع، ومنه: وَجأه بالخنجر وشبهه، وجاء ساكن الجيم إذا نخسه به وطعنه، والوجْأ المصدر ساكن الجيم وهو أيضًا اللزق، ومنه الوجيئة: تمر يحل باللبن أو السمن ويرض حتى يلتزق بعضه ببعض، ومنه أخذ الوجاء وهو غمز الأنثيين أو رضهما بحجر أو نحوه.
قال أبو عبيد: وقد قال بعض أهل العلم وجأ بفتح الواو ومقصور [من](1) الحفاء، وقال: والأول أجود في المعنى، وقال أبو زيد: لا يقولون وجاء إلَّا فيما لم يبرأ وكان قريب عهده. وفي "صحيح ابن حبان"(2) بعد قوله: "فإنه له وجاء، وهو الإِخصاء"، ولا أدري هذه الزيادة ممن.
والمراد على الرواية المشهورة: وهي رواية المدّ: أن الصوم يقطع الشهوة وشر المني، كما يفعل الوجاء كما سلف، وهو من مجاز المشابهه.
وعلى رواية القصر: يكون شبه الصوم في باب النكاح بالنعت في باب المثنى.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنه أغض للبصر
(1) في غريب الحديث (2/ 74)(يريد).
(2)
الإِحسان بتقريب صحيح ابن حبان (4026)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 110): وهي زيادة مدرجة في الخبر لم تقع إلَّا في طريق زيد بن أبي أنيسة هذه، وتفسير الوجاء بالإِخصاء فيه نظر، فإن الوجاء رض الأنثيين والإِخصاء سلهما، وإطلاق الوجاء على الصيام من مجاز المشابهة. اهـ.
وأحصن للفرج" يحتمل كما قال الشيخ تقي الدين (1): أن تكون "أفعل" فيه لغير المبالغة، بل إخبار عن الواقع، ويحتمل أن تكون على بابها، [فإن التقوى بالتزوج سبب لها]، وهو أبلغ من غضه وتحصينه بمجرد الصوم.
السادس: قوله عليه الصلاة والسلام: "فعليه بالصوم"(2)
(1) إحكام الأحكام (4/ 172). وعبارة ما بين القوسين [فإن التقوى سبب لغض البصر].
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 109، 110): قوله (ومن لم يستطع فعليه بالصوم): وفي رواية مغيرة عن إبراهيم عند الطبراني "ومن لم يقدر على ذلك فعليه بالصوم"، قال المازري: فيه إغراء بالغائب، ومن أصول النحويين أن لا يغرى بالغائب، وقد جاء شاذًا قول بعضهم: عليه رَجُلًا ليسنى، على جهة الإِغراء، وتعقبه عياض بأن هذا الكلام موجود لابن قتيبة والزجاجي، ولكن فيه غلط عن وجه: أما أولًا: فمن التعبير بقوله لا إغراء بالغائب، والصواب: فيه [لا يجوز] إغراء الغائب، فأما الإغراء بالغائب فجائز، ونص سيبويه أنه لا يجوز دونه زيدًا، ولا يجوز: عليه زيدًا عند إرادة غير المخاطب، وإنما جاز للحاضر لما فيه من دلالة الحال، بخلاف الغائب فلا يجوز لعدم حضوره ومعرفته بالحالة الدالة على المراد، وأما ثانيًا فإن المثال ما فيه حقيقة الإغراء وإن كانت صورته، فلم يرد القائل تبليغ الغائب وإنما أراد الإِخبار عن نفسه بأنه قليل المبالاة بالغائب، ومثله قولهم: إليك عني، أي اجعل شغلك بنفسك، ولم يرد أن يغريه به وإنما مراده دعني وكن كمن شغل عني، وأما ثالثًا فليس في الحديث إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذين خاطبهم أولًا بقوله:"من استطاع منكم"، فالهاء في قوله:"فعليه"، ليست لغائب وإنما هي للحاضر المبهم، إذ لا يصح خطابه بالكاف، ونظير هذا قوله: (كتب =
ليس إغراء الغائب، لأن الهاء في "عليه" لمن خصه من الحاضرين بعدم الاستطاعة، لتعذر خطابه بكاف الخطاب، كما نبَّه عليه القاضي عياض وأوضحه، ورد به على من قال: إن في الحديث دلالة على الإِغراء بالغائب، وأن النحاة منعوه.
الوجه الثالث: من الكلام على الحديث في أحكامه.
الأول: الأمر بالنكاح لمن استطاع وتاقت نفسه وهو إجماع، لكنه عند الجمهور أمر ندب لا إيجاب فلا يلزم التزوج ولا التسري سواء خاف العنت أم لا؟
وقال داود ومن وافقه من أهل الظاهر: يجب أحدهما على الخائف من العنت مرة واحدة في العمر. وهي رواية عن أحمد، ولم
= عليكم القصاص في القتلى، إلى أن قال: فمن عفى له من أخيه شيء)، ومثله لو قلت لاثنين من قام منكما فله درهم، فالهاء للمبهم من المخاطبين لا لغائب. اهـ. ملخصًا، وقد استحسنه القرطبي، وهو حسن بالغ، وقد تفطَّن له الطيبي فقال: قال أبو عبيد: قوله: فعليه بالصوم إغراء غائب، ولا تكاد العرب تغري إلَّا الشاهد، تقول: عليك زيدًا، ولا تقول عليه زيدًا إلَّا في هذا الحديث، قال: وجوابه أنه لما كان الضمير الغائب راجعًا إلى لفظة "من"، وهي عبارة عن المخاطبين في قوله:"يا معشر الشباب" وبيان لقوله: "منكم" جاز قوله: "عليه"، لأنه بمنزلة الخطاب، وقد أجاب بعضهم بأن إيراد هذا اللفظ في مثال إغراء الغائب هو باعتبار اللفظ، وجواب عياض باعتبار المعنى، وأكثر كلام العرب اعتبار اللفظ، كذا قال، والحق مع عياض، فإن الألفاظ توابع للمعاني، ولا معنى لاعتبار اللفظ مجردًا هنا. اهـ.
وانظر: المفهم (5/ 2328)، وشرح الأبي على مسلم (4/ 5).
يحكِ ابن هبيرة عن أحمد [سواها](1)، وهو مذهب مالك أيضًا، كما حكاه [المازري](2) ووجه عندنا ولم يشترط [ذلك](3) بعضهم خوف العنت والواجب عندهم العقد لا الدخول لمجرد الأمر بالتزويج في هذا الحديث وغيره، فإنه ظاهر في الوجوب مع قوله -تعالى-:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (4)، وغير ذلك من الآيات.
وقال المازري (5): هذه الآية حجة للجمهور لأنه سبحانه وتعالى خيره في آخر الآية بين النكاح والتسري، [قال: ولا يجب التسري بالاتفاق، فلو كان النكاح واجبًا لما خيره بينه وبين التسري] (6)، لأنه لا يصح عند الأصوليين التخيير بين [واجب](7) وغيره، لأنه يؤدي إلى إبطال حقيقة الواجب، وأن تاركه لا يكون آثمًا، كذا قرره وفيه نظر، لأنهم يقولون بوجوب النكاح أو التسري، فدعواه الاتفاق على عدم وجوب التسري ليس بجيِّد، وقرره صاحب "البيان" وغيره من أصحابنا بوجه آخر، وهو أنه -تعالى- علقه بالاستطاعة، والواجب ليس كذلك، وفيه نظر أيضًا.
واستدل بعضهم على عدم الوجوب: بقوله -تعالى-
(1) في الأصل (سواهما)، وما أثبت من هـ.
(2)
في هـ (الماوردي)، المعلم بفوائد مسلم (2/ 128).
(3)
في هـ ساقطة.
(4)
سورة النساء: آية 3.
(5)
المعلم بفوائد مسلم (2/ 128).
(6)
في هـ ساقطة.
(7)
في هـ (الواجب).
{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)} (1)، فإنه لا يقال في الواجب أنت غير ملوم إن فعلته.
وإيجاب الظاهرية: العقد دون الوطء، لا يحصل معه ما ذكر في الحديث من تحصين الفرج وغض البصر (2).
وقسم أصحابنا الناس في [النكاح](3) أربعة أقسام:
أحدها: تائق إليه وآخذ أهبته فهو مستحب في حقه.
ثانيها: عكسه فهو مكروه في حقه.
ثالثها: لا يتوق ويجد الأهبة فترك النكاح والتخلي للعبادة أفضل على الأصح، ولا يقال فعله مكروه.
وقال أبو حنيفة وبعض الشافعية والمالكية: النكاح له أفضل.
رابعها: عكسه فيكره له ويؤمر بالصوم لتوقانه إليه.
وعند المالكية: أن النكاح يختلف باختلاف حال الشخص، فيجب في حق من لا ينكف عن الزنا إلَّا به، ويحرم إذا كان يخل بحق الزوجة في وطء أو إنفاق، ويكره في حق من لا يكون مشتهيًا له، وينقطع بسببه عن فعل الخير.
وقيل: يكره إذا كان حاله في العزبة أجمع منه في التزويج، وهو يرجع إلى الأول.
(1) سورة المعارج: آية 30.
(2)
المعلم بفوائد مسلم (2/ 128).
(3)
في الأصل (الناس)، وما أثبت من ن هـ.
وأما من لا يشتهيه ولا ينقطع بسببه عن فعل الخير: فقد يختلف فيه، فيقال: بالندب للظواهر الواردة في الترغيب فيه، وقد يكون في حقه مباحًا.
قال القاضي: وهو مندوب في [حق](1) كل من يُرجى منه النسل ممن لا يخشى العنت وإن لم يكن له في الوطء شهوة، لقوله عليه الصلاة والسلام:"فإني مكاثر بكم"(2)، ولظواهر الحض على النكاح والأمر به، قال: وكذلك في حق من له رغبة في نوع الاستمتاع بالنساء، وإن كان ممنوعًا عن الوطء، لكن النكاح يغض بصره.
وأما في حق من لم ينسل ولا أرب له في النساء جملة ولا مذهب له في الاستمتاع بشيء منهن، فهذا الذي يقال في حقه إنه مباح إذا علمت المرأة بحاله، وقد يقال حتى الَآن إنه مندوب لعموم الأوامر بالتزويج، ولقوله عليه الصلاة والسلام:"لا رهبانية في الإِسلام"(3).
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
أبو داود في النكاح (2050)، باب: النهى عن تزويج من لم يلد من النساء، والحاكم (2/ 162)، والنسائي (6/ 65، 66)، والبيهقي (7/ 81)، والطبراني في الكبير (20/ 508)، وجاء من رواية عبد الله بن عمرو عند أحمد (2/ 171، 172)، وأن بن مالك عند أحمد (3/ 158، 245) ، والبيهقي (7/ 81، 82) ، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 252، 258): إسناده حسن.
(3)
ضعفه في كشف الخفاء (2/ 528)، وتذكرة الموضوعات لابن القيسراني (989).
وقسم بعض الفقهاء النكاح إلى الأحكام الخمسة: وجعل الوجوب فيما إذا خاف العنت وقدر على النكاح إلَّا أنه لا يتعين واجبًا، بل إما هو، وإما التسري، فإن تعذر التسري تعين النكاح حينئذٍ للوجود، لا لأصل الشرعية.
قلت: ويجب أيضًا في صورة ثانية على أحد الوجهين، وهي ما إذا نذره حيث كان مستحبًّا، كذا ذكرها ابن الرفعة في "مطلبه" في أثناء باب القسم قبيل الفصل الخامس في المسافرة، ثم قال بعضهم: استثنى حالة خوف العنت إذا لم يقدر على التسري، ولم يذكر زيادة على ذلك.
تنبيه: [(1)] وقع في كلام النووي في "شرح مسلم"(2) عن العلماء كافة عدم وجوب النكاح أو التسري وإن خشي العنت غير الظاهرية ورواية عن أحمد، وقد علمت أنه مذهب مالك أيضًا ووقع في كلام القاضي أنه إن صح ذلك عن الظاهرية فهو غير مخالف للكافة. انتهى، وهو غير جيد فإن الكافة لا يوجبونه كما سلف الحكم.
الثاني: الأمر بالصوم للعاجز عن القيام بمأمورات النكاح وإنما أحاله على الصوم لما فيه من كسر الشهوة، فإن شهوة النكاح تابعة لشهوة الأكل، تقوى بقوتها، وتضعف لضعفها.
(1) في هـ زيادة (واو).
(2)
شرح مسلم (10/ 173).
الثالث: تنصيصه على الصوم ومخرج للكافور ونحوه فإنه نوع من الخصي في "شرح السنة"(1) للبغوي أن هذا الحديث فيه دلالة على أن من لا يجد أهبة النكاح يجوز له المعالجة لقطع الباءة بالأدوية، فإن لم ينقطع شدة توقانه بالصوم لشدة غلمته. وحكاه القاضي (2) عن الخطابي (3) أيضًا، حيث قال: حكاية عنه فيه دلالة على جواز معاناة قطع الباءة بالأدوية، وينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة دون ما يقطعها أصالة:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)} (4).
الرابع: يؤخذ منه أن مقصود النكاح الوطء، ووجوب الخيار في العنت، وبه صرح الخطابي (5) أيضًا.
الخامس: قد يؤخذ منه أيضًا أن النكاح أفضل من التخلي لنوافل العبادات، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
السادس: يؤخذ منه أيضًا الحث على غض البصر، وقد أمر الله -تعالى- به ورسوله.
السابع: يؤخذ منه أيضًا الحث على تحصين الفرج بكل طريق أمر الشرع به.
الثامن: يؤخذ منه أيضًا عدم التكليف بغير المستطاع.
(1) شرح السنة للبغوي (9/ 6).
(2)
ساقه الأبي في شرح مسلم عنه (4/ 7).
(3)
انظر: معالم السنن (3/ 3).
(4)
سورة الانشراح: آية 5.
(5)
انظر: معالم السنن (3/ 3).
التاسع: يؤخذ منه أيضًا مراعاة الشهوات وحظوظ النفوس بحيث لا تقدم على أحكام الشرع، بل دائرة معه.
العاشر: يؤخذ منه أيضًا شرعية تعليل الحكم، فإنه عليه الصلاة والسلام علل الحكمة في الأمر بالصوم له بقوله عليه الصلاة والسلام:"فإنه له وجاء"، أي قاطع لمشقة المكابدة لشهوة النكاح.
الحادي عشر: استنبط القرافي من قوله "ومن لم يستطع فعليه بالصوم" أن التشريك في العبادات لا يقدح بخلاف الرياء، فإنه [عليه الصلاة والسلام أمر](1) بالصوم الذي هو طاعة وقربة [يحصل](2) به غض البصر وكف الفرج عن الوقوع في المحرم، وليس ذلك بقادح، وفيما ذكره من كونه تشريكًا نظر.
الثاني عشر: يؤخذ من تنصيصه عليه الصلاة والسلام تحريم الاستمناء، وهو المشهور.
وسئل (3) مالك عنه [و](4) عن المرأة تجعل في نفسها تستعف به، فتلا قوله -تعالى- {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)} (5) إلى قوله:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} ، حكاه الزناتي عنه في "شرح الرسالة".
(1) في ن هـ ساقطة.
(2)
في ن هـ (ليحصل).
(3)
انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1310)، وتفسير القرطبي (12/ 105).
(4)
زيادة من هـ.
(5)
سورة المعارج: آية 29.
قال: وسئل الشافعي (1) فكرهها من غير تحريم، وما نقله عنه خلاف مشهور مذهبه.
قال: وسئل عنها ابن حنبل (2) فقال: لا بأس بها.
وقال ابن حزم في "مراتب الإِجماع"(3): اتفقوا على أن [(4)] سحاق المرأة للمرأة حرام.
واختلف في الاستمناء أحرام هو أم مكروه أم مباح" (5)؟ [والله
(1) قال الشافعي -رحمنا الله وإياه- في الأم (5/ 101، 102)، قال -تعالى-:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} ، قرأ إلى {الْعَادُونَ (31)} ، قال فكان بينًا في ذكر حفظهم لفروجهم إلَّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم تحريم ما سوى الأزواج وما ملكت الأيمان، وبين أن الأزواج وملك اليمين من الآدميات دون البهائم، ثم أكدها فقال عز وجل:{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)} ، فلا يحل العمل بالذكر إلَّا في الزوجة أو في ملك اليمين ولا يحل الاستمناء، والله أعلم. اهـ.
(2)
انظر: تفسير القرطبي (12/ 105)، والمحرر للمجد ابن تيمية (2/ 154) انظر: تعليق (5)، ص 121 فإنه وجه الرواية عن الإِمام أحمد بجواز الاستمناء -وهو لمن خشي العنت من زنا أو لواط-، والصحيح أن الاستمناء محرم كما في آية المعارج {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} ، فمن عمل بالذكر في غير هذين الصنفين فإن الله وصفه بأنه عادي.
(3)
مراتب الإِجماع (133).
(4)
في الأصل زيادة (من).
(5)
قال شيخ الإِسلام -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (10/ 573 ، 575): "وكذلك من أباح "الاستمناء" عند الضرورة فالصبر عن الاستمناء أفضل، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فقد روي عن ابن عباس: أن نكاح الإِماء خير منه، وهو خير من الزنا، فإذا كان الصبر عن نكاح الإِماء أفضل، فعن الاستمناء بطريق الأولى أفضل.
لاسيما وكثير من العلماء أو أكثرهم يجزمون بتحريمه مطلقًا، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد واختاره ابن عقيل في "المفردات"، والمشهور عنه -يعني عن أحمد- أنه محرم إلَّا إذا خشي العنت، والثالث أنه مكروه إلَّا إذا خشي العنت، فإذا كان الله قد قال في نكاح الإماء:{وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ، ففيه أولى، وذلك يدل على أن الصبر عن كلاهما ممكن.
فإذا كان قد أباح ما يمكن الصبر عنه، فذلك لتسهيل التكليف كما قال -تعالى-:{يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} .
و"الاستمناء" لا يباح عند أكثر العلماء سلفًا وخلفًا، سواء خشي العنت أو لم يخشَ ذلك، وكلام ابن عباس وما روي عن أحمد فيه إنما هو لمن خشي "العنت" وهو الزنا واللواط خشية شديدة خاف على نفسه من الوقوع في ذلك، فأبيح له ذلك لتكسير شدة عنته وشهوته.
وأما من فعل ذلك تلذذًا أو تذكرًا أو عادة؛ بأن يتذكر في حال استمنائه صورة كأنه يجامعها، فهذا كله محرم لا يقول به أحمد ولا غيره، وقد أوجب فيه بعضهم الحد!، والصبر عن هذا من (الواجبات) لا من المستحبات.
وأما الصبر عن المحرمات فواجب، وإن كانت النفس تشتهيها وتهواها، قال -تعالى-:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، و"الاستعفاف" هو ترك المنهي عنه، كما في الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر".
"فالمستغني" لا يستشرف بقلبه، و"المستعف" هو الذي لا يسأل الناس =
أعلم] (1).
= بلسانه، و"المتصبر" هو الذي لا يتكلف الصبر، فأخبر أنه من يتصبر يصبره الله، وهكذا كأنه في سياق الصبر على الفاقة، بأن يصبر على مرارة الحاجة، لا يجزع مما ابتلي به من الفقر، وهو الصبر في البأساء والضراء، قال -تعالى-:{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} . انتهى.
(1)
في هـ ساقطة.