الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث التاسع
327/ 9/ 62 - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت" (1).
الكلام عليه من وجوه:
وهو حديث عظيم أصل من أصول الأحكام:
أحدها: المراد [(2)]"بالأيم"[هنا](3) الثيب خاصة، فإنها جعلت مقابلة للبكر وجمع الأيم أيامى، وأصله أيائم فنقلت (4)
(1) البخاري (5136)، ومسلم (1419)، والنسائي (6/ 85)، والسنن الكبرى له (3/ 281، 282)، وأبو داود (2092)، والترمذي (1107)، وابن ماجه (1871)، والدارمي (2/ 138)، وعبد الرزاق (6/ 143)، وأحمد (2/ 250، 279، 425، 434)، والبيهقي (7/ 119، 122)، والدارقطني (3/ 238)، وابن الجارود (707)، وسعيد بن منصور (544).
(2)
في الأصل زيادة (بها).
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
في المصباح المنير (33) زيادة (الميم إلى موضع الهمزة ثم قلبت الهمزة ألفًا وفتحت الميم تخفيفًا).
والأيمة في اللغة: العزوبة ورجل: أيم، وامرأة: أيم، وحكى أبو عبيدة: أيمة، وأيم في الرجال، كالمستعار من النساء فإنه أكثر ما يكون فيهن، و [أمَت](1) المرأة من زوجها تئميم أيّمًا وأيْمَةً وأْيُومًا (2)، وقد أمت هي وأمْتُ أنا، وفي الحديث:"كان يتعوذ من الأيمة" -وهي طول العزوبة-، و"العَيْمة" -وهي شدة الشهوة للبن-، و"الغَيْمَة" -وهي شدة العطش (3) -، ومن كلامهم "الغزو مأيمة" أي بقتل الرجال فتصير النساء أيامى، وللأيم معانٍ أُخر: منها بتشديد الياء وتخفيفها الحية (4).
ونقل القاضي عياض (5): اتفاق أهل اللغة على أنه يطلق على كل امرأة لا زوج لها صغيرة كانت أو كبيرة بكرًا أو ثيبًا، ونقله عن إبراهيم الحربي وإسماعيل القاضي وغيرهما (6).
(1) في ن هـ (أمة).
(2)
في لسان العرب زيادة (1/ 290)(وإِيمة، وتأيَّمَتْ زمانًا وأْتامَتْ وأْتَيَمْتها).
(3)
الحديث ذكره في النهاية (1/ 86)، وغريب ابن الجوزي (1/ 49)، والغريبين للهروي (1/ 200)، وعمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ (34).
(4)
انظر: المراجع السابقة. لسان العرب (1/ 290)، والفائق (1/ 239، 249)، وغريب الخطابي (3/ 47).
(5)
مشارق الأنوار (1/ 55، 56)، وإكمال إكمال المعلم (4/ 28، 29)، بدون ذكر الاتفاق، وذكره أيضًا ابن قتيبة في غريب الحديث (1/ 315).
(6)
الاستذكار (16/ 27).
وحكى الماوردي (1) قولين لأهل اللغة في الأيم: أحدهما: هذا، وثانيهما: أنه لا يقال أيم إلَّا إذا نكحت ثم حلت بموت أو طلاق بكرًا كانت أو ثيبًا.
ثم اختلف الفقهاء في المراد بها هنا على قولين:
أحدهما: أنها الثيب، قاله علماء الحجاز والفقهاء [كافة](2) وهو أكثر استعمالها في اللغة أيضًا (3).
وثانيهما: أنها كل امرأة لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا، قاله الكوفيون وزفر، قالوا: فكل امرأة بلغت فهي أحق بنفسها من وليها، وعقدها النكاح على نفسها صحيح، وبه قال الشعبي والزهري: قالوا: وليس الولي من أركان صحة النكاح وإنما هو من تمامه.
وقال الأوزاعي و [(4)] أبو يوسف ومحمد بن الحسن: يتوقف صحة النكاح على إجازة الولي.
الوجه الثاني: أصل الاستئمار طلب الأمر. وأصل الاستئذان طلب الإِذن، فمعنى "حتى تستأمر" يطلب الأمر منها "وحتى تستأذن" يطلب الإِذن منها.
(1) تفسير الماوردي (4/ 97).
(2)
زيادة من ن هـ.
(3)
الاستذكار (16/ 20، 21).
(4)
في هـ زيادة (قال).
وقوله: "وكيف إذنها؟ " راجع إلى البكر، وفيه تعليم كيفية استئذان البكر، وإنما سألوا عن الإِذن دون الأمر لتردد الإِذن بين القول والسكوت بخلاف الأمر، فإنه صريح في القول، وإنما جعل السكوت إذنًا في حقها لأنها قد تستحي أن تفصح به، فتظهر رغبتها في النكاح وأبدى بعض المالكية لاستئذان الأب لابنته البكر فائدة، وهي تطييب قلبها واستعلام حالها فقد تكون موصوفة بما يخفى على الأب مما يمنع النكاح فإذا استأذنها أعلمته.
قال القاضي عياض (1): وحمل مالك البكر في هذا الحديث على اليتيمة، لأنها التي تستأذن في نفسها، وحمله غيره على ظاهره على الندب في ذات الأب، وعلى الوجوب في اليتيمة.
الوجه الثالث: الحديث دال على أن إذن البكر سكوتها، وهو عام بالنسبة إلى لفظ البكر ولفظ النهي في قوله:"لا تنكح" إن حمل على الكراهة دون التحريم كان دليلًا على استحباب الاستئذان، وهو خاص عند الشافعي بالبكر البالغة إذا كان الولي أبًا أو جدًا، فإن كان غيرهما فلابدَّ من إذنها، ويكفي السكوت على الأصح كما سيأتي، ووافقه ابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق وغيرهم.
وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين: يجب الاستئذان في كل بكر بالغة وإن حمل على التحريم تعين أحد الأمرين إما أن يكون المراد بها من عدا الصغيرة فعلى هذا لا تخبر البكر البالغ وهو مذهب أبي حنيفة، وحكاه الترمذي في
(1) إكمال إكمال المعلم (4/ 29).
"جامعه"(1) عن أكثر أهل العلم وتمسكه بالحديث قوي، كما قاله الشيخ تقي الدين (2) لأنه أقرب إلى العموم في لفظ:"البكر"، وربما يزاد على ذلك بأن يقال: الاستئذان إنما يكون في حق من له إذن، ولا إذن للصغيرة، فلا تكون داخلة تحت الإرادة، ويختص الحديث بالبوالغ، فيكون أقرب إلى التأويل، وقد ترجم البخاري (3) على هذا الحديث باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلَّا برضاهما.
وإما أن يكون المراد اليتيمة، وقد اختلف قول أصحاب الشافعي فيها هل يكتفى فيها بالسكوت أم لا؟ والحديث يقتضي الاكتفاء [منه](4) وهو الأصح، وقد ورد مصرحًا في حديث آخر صحيح "ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها"، رواه أبو داود (5)[والنسائي](6) من حديث ابن عباس، وقال البيهقي في "خلافياته": رواته ثقات.
وفي الترمذي [و](7) قال: [حديث](8) [حسن، من حديث
(1) سنن الترمذي (3/ 406).
(2)
إحكام الأحكام (4/ 197).
(3)
الفتح (9/ 191)، (ح 5136).
(4)
في هـ ساقطة.
(5)
أبو داود (2100)، والنسائي (6/ 84، 85)، والدارقطني (3/ 238، 239)، والبيهقي (7/ 118)، وأحمد (1/ 261)، وعبد الرزاق (10299)، وابن حبان (4089)، والاستذكار (16/ 47).
(6)
في هـ ساقطة.
(7)
في هـ ساقطة.
(8)
زيادة من هـ.
أبي هريرة] (1): "اليتيمة تستأمر في نفسها، فإن صمتت فهو إذنها، وإن أبت، فلا جواز عليها"(2)، يعني إذا أدركت فردت، وجعل الشيخ تقي الدين في الشرح (3) هذا الخلاف للشافعي نفسه لا لأصحابه، وقال: مال إلى ترجيح [الاكتفاء به](4) من يميل إلى الحديث من أصحابه، وغيرهم من أهل الفقه يرجح الآخر.
ونقل ابن عبد البر (5) عن مالك: أن سكوت البكر اليتيمة قبل إذنها وتفويضها لا يكون رضى منها بخلاف ما إذا كان تفويضها إلى وليها.
وفرق بعض الشافعية بين الأب والجد وغيرهما، فالنفي بالسكوت بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأنها تستحي منهما أكثر من غيرهما، والصحيح الذي عليه الجمهور أن السكوت كاف في جميع الأولياء لعموم الحديث.
فرع: مذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا يشترط إعلام البكر بأن
(1) العبارة في سنن الترمذي (3/ 409)، حديث أبي هريرة حديث حسن.
(2)
أبو داود (2093، 2094)، والترمذي (1109)، والبيهقي (7/ 120، 122)، وأحمد (2/ 259، 475)، وعبد الرزاق (10297)، وابن أبي شيبة (4/ 138).
(3)
إحكام الأحكام (4/ 198).
(4)
غير موجودة في المرجع السابق.
(5)
الاستذكار (16/ 60).
سكوتها كافٍ، [وشرطه](1) بعض المالكية (2)، واتفق أصحاب مالك على استحبابه، وقال ابن شعبان منهم: يقال لها ذلك ثلاث مرات إن رضيت فاصمتي وإن كرهت فانطقي، قال عبد الملك: ويطال المقام عندها لئلا تخجل فيمنعها ذلك من المسارعة إلى الإِنكار، وروى محمَّد عن مالك أن إنكارها بالقول لا بالصمت، وقال ابن الجلاب: إن نفرت أو بكت أو قامت أو ظهر منها ما يدل على [الكراهة لم](3) تنكح [(4)].
وعند الشافعية: يحصل الغرض ضحكت أو بكت إلَّا إذا بكت مع الصياح وضرب الخد فإنه لا يكون رضا.
الوجه الرابع: الحديث دال أيضًا على اشتراط استئمار الثيب في نكاحها وهو بالنطق، وعن الحسن (5) أن للأب إجبارها وهو شاذ فإن كانت صغيرة لم تزوج عند الشافعية لأن عبارتها ملغاة خلافًا للحنفية.
وعند المالكية ثلاثة أقوال في افتقار أبيها إلى إذنها. ثالثها: يفتقر ما لم تبلغ فتسقط، وسواء زالت البكارة بوطىء حلال أو حرام أو شبهة ولا أثر لزوالها بلا وطء لسقطة أو أصبع أو طول
(1) في هـ (وشرط).
(2)
انظر: المنتقى (3/ 267).
(3)
في المرجع السابق (كراهية النكاح فلا) التفريع (2/ 34).
(4)
في المرجع السابق زيادة (مع ذلك).
(5)
انظر: المحلى (11/ 36 - 42)، والمجموع (16/ 165، 172).
تعنيس -وهو الكبر- على الأصح عندهم وفيه نظر [لأنها لم تمارس الرجال وهي على بكارتها وحيائها وكذا في الوطىء في الدبر](1).
الخامس: الحديث دال أيضًا على اشتراط الولي في النكاح وفي المسألة مذاهب:
أحدها: يشترط وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين، وعن مالك أنها إن كانت دنيئة زوجت نفسها وإن كانت شريفة فلابدَّ من الولي.
ثانيها: لا، مطلقًا بل لها أن تزوج نفسها بغير إذنه وهو قول أبي حنيفة.
ثالثها: يجوز أن تزوج نفسها بإذن وليها ولا يجوز بغير إذنه، قاله أبو ثور.
رابعها: أنه يتوقف صحته على إجازته، قاله الأوزاعي وأبو يوسف ومحمد بن الحسن.
خامسها: يشترط في تزويج البكر دون الثيب، احتج الأولون بقوله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (2)، قال الشافعي (3): وهي أصرح دليل على اعتباره وإلَّا لما كان لعضله معنى، والحديث
(1) زيادة من هـ.
(2)
سورة البقرة: آية 232.
(3)
انظر: الاستذكار (16/ 39 - 44).
الصحيح المشهور: "لا نكاح إلَّا بولي"(1)، حسنه الترمذي وصححه البخاري وابن المديني وهو مقتضٍ لنفي الصحة وبالحديث الآخر الصحيح. "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل" ثلاث مرات (2)، حسنه الترمذي وصححه ابن حبان (3) والحاكم (4)، وقال: على شرط الشيخين، وقال ابن معين: إنه أصح ما في الباب.
قلت: وهو حديث كثير الفوائد استنبط الشافعي منه خمسة وثلاثين حكمًا ذكرها أصحابنا عنه في تعاليقهم.
واحتج داود: بحديث ابن عباس الثابت في "صحيح مسلم" أنه عليه الصلاة والسلام قال: "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها سكوتها"(5).
(1) الترمذي (1101)، والدارمي (2/ 137)، والبيهقي (7/ 107 - 108)، وأبو داود (2085)، وأحمد (4/ 394)، والدارقطني (3/ 218)، والحاكم (2/ 170)، وابن الجارود (702).
(2)
الترمذي (1102)، وأبو داود (2083)، وابن ماجه (1879)، والدارمي (2/ 137)، والبيهقي (7/ 105)، ومعرفة السنن والآثار (10/ 29)، والأم (5/ 13)، وأحمد (6/ 47، 165)، وعبد الرزاق (10472)، وابن أبي شيبة (4/ 128)، والدارقطني (3/ 221، 225).
(3)
ابن حبان (4074).
(4)
الحاكم (2/ 168).
(5)
من رواية ابن عباس، مسلم (1421)، والترمذي (1108)، وأبو داود (2098)، والنسائي (6/ 84)، وابن ماجه (1870)، والدارقطني (3/ 239)، والبيهقي (7/ 118، 122)، وابن الجارود (709)، والبغوي =
وأجاب أصحابنا [عنه](1): بأنها "أحق" أي شريكة في الحق بمعنى أنها لا تجبر وهي أيضًا "أحق" في تعيين الزوج، وناقض أيضًا مذهبه في تفرقته المذكورة فإنه إحداث قول ثالث في مسألة مختلف فيها لم يسبق إليه ومذهبه أنه لا يجوّز إحداث مثل هذا (2).
= (2254)، والموطأ (2/ 524)، والدارمي (2/ 138)، وسعيد بن منصور (556)، وأحمد (1/ 219، 241، 274، 355).
(1)
في هـ ساقطة.
(2)
قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (16/ 48):
قال أبو عمر: (ليس للولي مع البنت أمر واليتيمة تستأمر).
خالف داود أصله في هذه المسألة، وقال فيها بالمجمل والمفسر، وهو لا يقول بذلك، فجعل قوله:"لا نكاح إلَّا بولي" مجملًا، وقوله:"الأيّم أحق بنفسها من وليها" مفسرًا، وهما في الظاهر متضادَّان وأصله في الخبرين المتضادين أن يسقطا جميعًا، كأنهما لم يجبا ويرجعا، ويرجع إلى الأصل فيهما، ولو كان الناس عليه، كقوله في استقبال القبلة بالبول والغائط، أسقط فيهما الحدثين، ولم يجعلهما مجملًا مفسرًا، وقال بحديث الإباحة مع ضعفه عنده، لشهادة أصله له، فخالف أصله في هذه المسألة، وخالف أصلًا له آخر.
وذلك أنَّه كان يقول: إذا اجتمع في مسألة على قولين، فليس لأحد أن يخترع قولًا ثالثًا، والنَّاس، في هذه المسألة، مع اختلافهم لم يفرقوا بين البكر والثيِّب (من قال أنَّه: لا نكاح للأول، ومن أجاز النكاح بغير ولي كلُّهم لم يفرق بين البكر والثيب) في مذهبه، وجاء داود يقول يفرض بينهما، (بقول) لم يتقدم إليهم.
قال أبو عمر: قوله صلى الله عليه وسلم: "الأيم أحق بنفسها من وليها"، يحتمل أنه يكون أحق بنفسها ولا حق لغيرها معها، كما زعم داود. اهـ.
واحتج أبو حنيفة بالقياس على البيع وغيره فإنها تستقل فيه بلا ولي (1)،
(1) الولي شرط لصحة عقد النكاح عند جمهور العلماء مستدلين بقوله -تعالى-: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} ، قال الشافعي: هي أصرح آية في اعتبار الولي، وإلَّا لما كان لعضله معنى، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:"لا نكاح إلَّا بولي"، وهو لنفي الحقيقة الشرعية، إذ لا يصح حمل هذا الحديث على نفي الكمال، لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية أي لا نكاح شرعي أو موجود في الشرع إلَّا بولي.
وبحديث عائشة رضي الله عنها: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له"، ولا يفهم من الحديث صحة الزواج بإذن الولي، لأنه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لأن الغالب أن المرأة لا تزوج نفسها بغير إذن وليها.
وجاء ما يؤيد ذلك ويؤكده من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها"، فإنه يدل على أن المرأة ليس لها ولاية في الأنكاح لنفسها ولا لغيرها، فلا عبارة لها في النكاح إيجابًا ولا قبولًا، فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا غيرها ولا تزوج غيرها بولاية ولا وكالة، ولا تقبل النكاح بولاية ولا وكالة، ويقابل هذا القول رأي أبي حنيفة وأصحابه حيث يقولون:
ينعقد نكاح الحرة العاقلة البالغة برضاها وإن لم يعقد عليها ولي، بكرًا كانت أم ثيبًا، والولاية مندوبة مستحبة فقط عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-، أما عند محمَّد بن الحسن فينعقد موقوفًا. انظر: فتح القدير (2/ 391)، وبدائع الصنائع (2/ 237، 247) مستدلين بما يأتي: من القرآن:
أن الله -تعالى- أسند النكاح إلى المرأة في ثلاث آيات في القرآن، قال -تعالى-:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، وقال: =
وحمل الأحاديث المذكورة في اشتراط الولي على الصغيرة، وخص عمومها بهذا القياس وتخصيص العموم بالقياس جائز عند كثير من أهل الأصول (1).
= {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} فالخطاب للأزواج لا للأولياء، كما قال الجمهور وآية:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، فهذه الآيات صريحة في أن الزواج يصدر عن المرأة.
دليلهم من الحديث "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها" وفي رواية: "لا تنكح الأيم -حتى تستأمر- ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت، وهذه الأحاديث صريحة في جعل الحق للمرأة الثيب في زواجها والبكر مثلها.
رد عليهم: أن هذا ليس المقصود به ولاية العقد وإنما المقصود به الاختيار فقط، والراجح في هذا هو رأي الجمهور لأن المرأة ليست كاملة الأهلية في تصرفاتها وحفظًا للفروج فلابدَّ من إشراف وليها عليها، ولذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم السلطان ولي للمرأة عند فقد أوليائها.
(1)
مجمل الأقوال في المسألة، قال الرازي في المحصول (1/ 3/ 148) المسألة الثانية: يجوز تخصيص عموم الكتاب والسنَّة المتواترة بالقياس، وهو: قول الشافعي وأبي حنيفة، ومالك، وأبي الحسين البصري، والأشعري، وأبي هاشم أخيرًا.
ومنهم: من منع منه مطلقًا وهو قول الجبائي، وأبي هاشم أولًا. ومنهم: من فصل ثم ذكر فيه وجوهًا أربعة. اهـ. ثم فصل هذه الوجوه بأدلتها مع ذكر الاعتراضات على الأدلة.
واحتج أبو ثور (1) بالحديث السالف: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل"، ولأن الولي إنما يراد به ليختار كفؤًا ولدفع العار، وذلك يحصل بإذنه.
ورد مذهبه: بأن إذن الولي لا يصح إلَّا لمن ينوب عنه، والمرأة لا يصح أن تكون نائبة عنه، لأن الحق عليها كالوكيل لا يجوز أن يبيع من نفسه.
(1) انظر: المهذب (2/ 35).