الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الحادي عشر
329/ 11/ 62 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "من السنة، إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا، [و] (1) قسم. وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا، ثم قسم"(2).
قال أبو قلابة: "ولو شئت لقلت: إن أنسًا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم".
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: هذا اللفظ هو للبخاري، وترجم عليه. "باب: تزوج الثيب على البكر (3). ثم ساقه من حديث أيوب وخالد عن أبي قلابة عن أنس قال: "من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعًا وقسم. وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا إلى آخرها، كما ذكره المصنف، ثم قال: وقال: عبد الرزاق أخبرنا
(1) في متن عمدة الأحكام (ثم).
(2)
البخاري (5213)، ومسلم (1461)، وابن ماجه (1916)، والترمذي (1139)، وأبو داود (2124)، والبيهقي (7/ 301، 302)، والدارمي (2/ 144)، والدارقطي (3/ 283)، وعبد الرزاق (10642، 10643).
(3)
البخاري الفتح (9/ 314)، (ح 5214).
سفيان عن أيوب وخالد [قال خالد](1): ولو شئت [لقلت:](2) رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وترجم عليه قبل ذلك العدل بين النساء (3)، وأخرجه فيه من حديث خالد عن أبي قلابة عن أنس، ولو شئت أن أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن قال "السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا".
وأما مسلم: فرواه من حديث خالد عن أبي قلابة، عن أنس قال: إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا. وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثًا، قال خالد: -يعني الحذاء-، ولو قلت: إنه رفعه لصدقتُ، ولكنه قال: السنة كذلك.
ثم رواه من حديث أيوب وخالد عن أبي قلابة، عن أنس قال: "من السنة أن يقيم عند البكر سبعًا، قال خالد: ولو شئت قلت: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
[ورواه أبو](4) حاتم بن حبان في "صحيحه" مرفوعًا مجزومًا به من حديث سفيان، حدثنا أيوب عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سبع للبكر، وثلاث للثيب". ثم روى بإسناده عن
(1) زيادة من البخاري.
(2)
زيادة من البخاري.
(3)
لم يسق هذا الحديث في هذه الترجمة، ولم يذكره أيضًا، بل اقتصر على الآية والحديث ساقه في الترجمة التي بعده، باب: إذا تزوج البكر على الثيب. الفتح (9/ 313).
(4)
في الأصل (ورواية أبي)، وما أثبت من هـ، تقريب الإِحسان (10/ 8) زيادة (قال).
سفيان أيضًا، قال: حفظناه من حميد، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله رواهما جميعًا عن شيخه ابن خزيمة، عن عبد الجبار، عن سفيان وقال الترمذي في "جامعه" (1):[و](2) رفعه محمَّد بن إسحاق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس (3). [ولم يرفعه بعضهم.
ورواه الدارقطني مرفوعًا من حديث محمَّد بن إسحاق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس] (4) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: للبكر سبعة أيام، وللثيب ثلاث، ثم يعود إلى نسائه.
قال ابن عبد البر في "استذكاره"(5) ولم يرفع حديث خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس في هذا غير أبي عاصم فيما زعموا وأخطأَ فيه. انتهى. وقد أسلفنا رفعه من غير حديث خالد.
الوجه الثاني: في التعريف براويه، وقد سلف في باب الاستطابة.
وأما أبو قلابة: فسلف في باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثالث: إذا قال الصحابي: "من السنة كذا". كان كالمرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأصح عند الأصوليين والفقهاء والمحدثين، لأن الظاهر أنه ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان يحتمل أن
(1) سنن الترمذي (3/ 436).
(2)
في هـ ساقطة، وفي السنن (وقد).
(3)
ما بعد هذا غير موجود في السنن.
(4)
زيادة من هـ.
(5)
الاستذكار (16/ 140). انظر: فتح الباري (9/ 314، 315).
ذلك بناءً على اجتهاد رآه ولكن الأظهر خلافه ويؤيده الرواية السالفة التي أسلفنا فيها الجزم برفعها.
وأما قول أبي قلابة: "ولو شئت لقلت إن أنسًا رفعه"، معناه أن هذه اللفظة وهي قوله:"من السنة"، كذا صريحة في رفعه، فلو شئت أن أقوله بناءً على الرواية بالمعنى لقلته، ولو قلته كنت صادقًا، كذا قرره النووي [رحمه الله](1) في "شرح مسلم"(2)، وقد قاله في الرواية التي أسلفناها، وقد أسلفنا مثل قول أبي [قلابة خالد الحذاء](3)، وأسلفنا من رواية البخاري من رواية أبي قلابة عن أنس، ولو شئت أن أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولكن قال السنة فذكره، وفي الترمذي من حديث أبي قلابة عن أنس قال: لو شئت أن أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكنه قال: "السنة"، فذكره.
وقال الشيخ تقي الدين (4): قول أبي قلابة يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون ظن [رفعه](5) من أنس لفظًا فتحرز [عنه](6) تورعًا.
والثاني: أن يكون رأى أن قول أنس "من السنة" في حكم المرفوع، فلو شاء لعبر عنه بأنه مرفوع، على حسب اعتقاده؛ أنه في
(1) زيادة من هـ.
(2)
شرح مسلم (11/ 46).
(3)
في هـ ساقطة.
(4)
إحكام الأحكام (4/ 203).
(5)
في المرجع السابق: (ذلك مرفوعًا لفظًا).
(6)
في المرجع السابق (عن ذلك).
حكم المرفوع، قال والأول أقرب، لأن قوله:"من السنة" يقتضي أن يكون مرفوعًا بطريق اجتهادي محتمل، وقوله:"إنه رفعه" نص في رفعه، وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص غير محتمل.
قلت: قوله: "من السنة" نص في رفعه أيضًا بمنزلة قوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأصح كما سلف فتعادلا إذًا.
فائدة: المرفوع في الاصطلاح هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة لا يقع مطلقه على غيره متصلًا كان أو منقطعًا أو مرسلًا.
وقال الخطيب: هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قوله فخصه بالصحابة فيخرج مرسل التابعي.
فائدة ثانية: السُّنَّة: أصلها في اللغة الطريقة، ومنه سنن الطريق الذي يمشي فيه غير أنها في عرف الاستعمال صارت موضوعة لطريقته عليه الصلاة والسلام في الشريعة.
وهي في الاصطلاح: ما حمد فاعله ولم يذم تاركه. ويسمى مندوبًا ونافلةً ويخرج ذلك.
الوجه الرابع: الحديث يقتضي أن هذا الحق في البكر والثيب إنما هو إذا كانا متجددتين على نكاح امرأة قبلها، ولا يقتضي أنه ثابت لكل متجددة وإن لم يكن قبلها غيرها، وقد استمر عمل الناس على هذا وإن لم يكن قبلها امرأة في النكاح، والحديث لا يقتضيه.
وقد اختلف العلماء في هذا الحق للجديدة هل هو للزوج أو للمرأة أو لهما؟
فذهب الشافعي والجمهور: إلى أنه حق للمرأة على زوجها لإِيناسها [وإزالة](1)[الحشمة](2) عنها لتجددها.
وقال بعض المالكية: هو حق للزوج على جميع نسائه.
وقال ابن عبد البر (3): جمهور العلماء على أنه حق لها بسبب الزفاف، سواء كانت عنده زوجة أم لا لعموم الحديث السالف عن رواية مسلم ["إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا"](4) ولم يخص من له زوجة.
وحكى ابن القصار من المالكية: أنه حق لهما جميعًا (5).
وقالت طائفة: الحديث إنما هو فيمن له زوجة أو زوجات غير هذه، لأن من لا زوجة له هو مقيم عندها كل دهره، مؤنس لها، يتمتع بها، مستمتعة به بلا قاطع بخلاف من له زوجات، فإن جعلت هذه الأيام للجديدة تأنيسًا لها متصلًا لتستقر عشرتها وتذهب حشمتها منه ووحشتها، ويقضي كل واحد منهما لذته من صاحبه، ولا ينقطع بالدوران على غيرها. وقد يفهم ذلك من قوله:"ثم قسم" إذ القسمة لا تكون في زوجة واحدة، وجزم به من أصحابنا البغوي في "فتاويه" فقال: هذا الحق إنما يثبت للجديدة إذا كان في نكاحه أخرى، فإن
(1) في هـ (وزوال).
(2)
لعله (الوحشة).
(3)
التمهيد (17/ 243، 244)، والاستذكار (16/ 137، 142).
(4)
في هـ ساقطة.
(5)
المنتقى (3/ 294).
لم يكن أو كانت ولا يبيت عندها لم يثبت للجديدة حق الزفاف، كما لا يلزمه أن يبيت عند زوجته أو زوجاته ابتداءً قال النووي في "شرح مسلم"(1) والمختار الأقوى الأول، لعموم الحديث.
قلت: وبه قال من المالكية (2) ابن عبد الحكم فيما رواه أبو الفرج عنه، وقال ابن حبيب: بالثاني.
ثم اختلف العلماء في هذا المقام عند البكر والثيب إذا كان له زوجة أخرى هل [هو](3) واجب أو مستحب؟ فمذهب الشافعي وأصحابه وموافقيهم أنه واجب، وهي رواية ابن القاسم (4) عن مالك.
وروى عنه ابن عبد الحكم: أنه على الاستحباب، وهو قول الشافعي أيضًا (5).
تتمات:
الأولى: نقل الخطابي (6) عن أصحاب الرأي أن البكر والثيب في القسم سواء، وهو قول الحكم وحماد، وعن الأوزاعي إذا تزوج البكر على الثيب مكث ثلاثًا وإذا عكس أقام يومين. وحكاه
(1) شرح مسلم (10/ 44).
(2)
المنتقى (3/ 294).
(3)
زيادة من ن هـ.
(4)
انظر: الاستذكار (16/ 138).
(5)
المرجع السابق.
(6)
معالم السنن (3/ 57).
الترمذي (1) عن بعض أهل العلم، وهما مصادمان للأحاديث "الصحيحة" وأما حديث عائشة رفعته:"للبكر إذا نكحها وله نساء ثلاث ليال، وللثيب ليلتان"، فضعيف رواه الدارقطني (2)، وفي سنده أم سليم ومحمد بن ضمرة، وهما مجهولان، كما قال ابن القطان والواقدي، وحالته معلومة، وإنما خصت البكر بالزيادة لأن حياءها أكثر.
الثانية: تجب الموالاة في الثلاث، وفي السبع حتى لو فرقها لا يحسب على الأصح، لأن الحشمة لا تزول [به](3).
الثالثة: إذا وفَّى الثلاث أو السبع لم يقض للباقيات، نعم، يستحب تخيير الثيب عن ثلاث بلا قضاء وسبع بقضاء فإن اختارت السبع فأجابها قضى السبع للباقيات، وإن أقام بغير اختيارها لم يقض إلَّا الأربع الزائدة على الأصح، هذا مذهب الشافعي وموافقيه، ومِمَّن قال به مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وابن جرير والجمهور.
وقال أبو حنيفة والحكم وحماد: يجب قضاء الجميع في الثيب والبكر، واستدل بالظواهر الواردة بالعدل بين الزوجات.
وحجة الجمهور: الأحاديث الصحيحة فيه وهي مخصصة للظواهر العامة.
(1) سنن الترمذي (3/ 437).
(2)
سنن الدارقطني (3/ 284)، وضعفه ابن حجر في الفتح (9/ 315).
(3)
في هـ ساقطة.
ونقل أبو عمر (1) عن مالك وأصحابه أنهم لا يقولون بتخيير الثيب وتركوا حديث أم سلمة بحديث أنس.
الرابعة: الحرة والأمة في ذلك سواء على الأصح عندنا، وبه صرح ابن القصار من المالكية (2)، لأن المراد زوال الوحشة. والأمة كالحرة فيه.
وقيل: هي على النصف من الحرة، ويكمل المنكسر.
وقيل: لا.
الخامسة: إذا قلنا: إن الحق السالف للزوجة فهل يقضي به أم لا؟ فيه خلاف عند المالكية، قال محمد بن عبد الحكم: نعم، وقال محمَّد عن أصبغ لا كالمتعة (3).
السادسة: قال الشافعي في "المختصر"(4): لا أُحب أي لمن زفت له امرأة أن لا يتخلف عن صلاة ولا شهود جنازة ولا برٍّ كان يفعله ولا إجابة دعوة. ونصَّ على نحوه في "الأم"(5)، قال الرافعي: هذا في النهار. أما الليل فقد قال الأصحاب: لا يخرج لأن هذه مندوبات والمقام عندها واجب وقالوا في دوام القسم ينبغي أن يسوي بينهن في الخروج إلى الجماعات وأعمال البر وأن يخرج في
(1) الاستذكار (16/ 139)، والتمهيد (17/ 234، 244).
(2)
المنتقى (3/ 292).
(3)
انظر: المنتقى (3/ 394).
(4)
مختصر المزني (185).
(5)
الأم (5/ 110 - 192).
ليلة الجميع أو لا يخرج أصلًا، فلو خرج في ليلة بعضهن فقط فحرام.
قال الماوردي (1): وإذا كانت عادته التطوع في هذه الأيام بالصوم فالأولى به الفطر؛ لأنها أيام بعال، كما قال عليه الصلاة والسلام في أيام التشريق، وقال ابن القاسم عن مالك: لا يتخلف عن الجماعة والجمعة.
قال سحنون (2): قال بعض الناس: لا يخرج وذلك لها بالسنة.
وقال الشيخ تقي الدين (3): أفرط بعض الفقهاء من المالكية فجعل مقامه عندها عذرًا في إسقاط الجمعة إذا جاءت في أثناء المدة [وهو](4) ساقط، منافٍ للقواعد، فإن مثل هذا من الآداب [و](5) السنن لا يترك له الواجب، ولما شعر بهذا بعض المتأخرين، وأنه لا يصلح أن يكون عذرًا توهم أن قائله يرى [أن](6) الجمعة فرض كفاية، وهو فاسد جدًّا، لأن قول هذا القائل متردد، محتمل أن يكون جعله عذرًا [أو](7) أخطأ في ذلك، وتخطئته في هذا أولى من تخطئته فيما دلت عليه النصوص وعمل الأمة من وجوب الجمعة على الأعيان.
(1) الحاوي الكبير (12/ 231).
(2)
أشار إليه في المنتقي عنه (3/ 295).
(3)
إحكام الأحكام (4/ 204، 205)، وانظر: المنتقى (3/ 295).
(4)
في المرجع السابق (وهذا).
(5)
في المرجع السابق (أو).
(6)
زيادة من المرجع السابق.
(7)
في المرجع السابق (واو).
قلت: هذه المقالة التي ضعفها الشيخ هي قياس من يقول [بوجوب](1) المقام معها، ويقوى بأنه حق آدمي وهو أضيق والجمعة لها بدل، ويجعل هذا من الأعذار المسقطة، [السابعة] (2): قال ابن المواز من المالكية (3): ويبدأ بعد فراغ هذه المدة بأيهما أحب، وأحب أن يبدأ بالقديمة.
خاتمة: في الحديث أحكام: منها العدل بين الزوجات، ومنها أن حق الزفاف بالإِقامة عند المزفوفة ثابت، وأنها تقدم به على غيرها. ومنها التفرقة بين البكر والثيب فيه.
(1) في الأصل (يوجب)، وما أثبت من ن هـ.
(2)
في الأصل (أما السادسة)، وما أثبت من هـ.
(3)
ذكره عنه في المنتقى (3/ 295).