الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الرابع
322/ 4/ 62 - عن أم حبيبة بنت أبي سفيان أنها قالت: "يا رسول الله انكح أختي ابنة أبي سفيان، فقال: أو تحبين ذلك؟ فقلت: نعم لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي، قالت: إنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: بنت أم سلمة؟ قلت: نعم، قال: إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري، ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة، فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن، قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، كان أبو لهب أعتقها، فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب رآه بعض أهله بشر حيبة، قال له: ماذا لقيت؟ قال له أبو لهب: لم ألقَ بعدكم خيرًا غير أني سُقِيتُ في هذه بعتاقتي ثويبة"(1).
الحيبة: الحالة بكسر الحاء.
(1) البخاري (5106)، ومسلم (1449)، والحميدي (307)، وابن ماجه (1939)، والنسائي (6/ 94، 95)، وأبو داود (2056)، وابن الجارود (680)، والبغوي (2282)، والبيهقي (7/ 453)، وأحمد (1/ 291)، (6/ 428)، وعبد الرزاق (7/ 475)، وابن أبي شيبة (3/ 387).
الكلام عليه من وجوه، واعلم قبلها أن قوله: وقال عروة: إلى آخره ليس في مسلم وإنما هو في البخاري، خاصة، وقد نبه على ذلك عبد الحق أيضًا في "جمعه":
أحدها: في التعريف براويه، وقد أسلفت في الجنائز أن اسم أم حبيبة رملة على المشهور، وقيل: هند.
واسم أبيها: صخر بن حرب بن أمية، وهي إحدى أمهات المؤمنين والسابقين إلى الإسلام، هاجرت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فتنصر هناك ومات نصرانيًّا، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي هناك سنة ست، وقيل: سنة سبع، وكانت شقيقة حنظلة بن أبي سفيان الذي قتله عليٌّ رضي الله عنه يوم بدر كافرًا وأميمة بنت أبي سفيان، أمهم صفية بنت أبي العاص عمة عثمان بن عفان.
رُوي لها عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة وستون [حديثًا](1) اتفقا على حديثين، ولمسلم مثلهما، روى عنها أخواها: معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عنبسة بن أبي سفيان، وجماعة كثيرة من التابعين منهم ذكوان السمان وغيره، وذكر ابن سعد أنه لما تنصر زوجها عبيد الله، قالت أم حبيبة. رأيت في النوم كأن آتيًا يقول: يا أم المؤمنين، ففزعت فأولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني. فتزوجها سنة سبع، ولما قدم بها المدينة كانت بنت بضع وثلاثين سنة.
واختلف في الذي زوجها منه صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقوال:
(1) زيادة من هـ.
أحدها: عثمان. ثانيها: خالد بن سعيد بن العاصي. ثالثها: النجاشي، ولعل أحدهما [(1)] أوجب، والآخر: قبل عنه صلى الله عليه وسلم.
واختلف في الصداق الذي أصدقها النجاشي على أقوال: أحدها: أنه كان أربعة آلاف. ثانيها: أربعمائة. ثالثها: مائتان. رابعها: أربعون أوقية، حكاه الصيرفيني.
واختلف في موضع العقد على قولين أصحهما: بأرض الحبشة. ثانيهما: بالمدينة بعد رجوعها من الحبشة، ووقع في "صحيح مسلم"(2) من حديث النضر بن محمَّد عن عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ثلاث أعطنيهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن نساء العرب وأجملهن أُم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها؟ قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم". وهو حديث مشهور بالإِشكال معروف بالإعضال، ووجه الإِشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة، وكان الفتح سنة ثمان قطعًا، وكان صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمن طويل، قال خليفة والجمهور: تزوجها سنة ست، ودخل بها سنة سبع. وقيل تزوجها سنة سبع كما قدمناه وقيل: سنة خمس ومن عظم هذا الإِشكال طعن جماعة في هذا الحديث فتوسط القاضي
(1) في المخطوطتين زيادة (ولا)، ولا معنى لها هنا.
(2)
صحيح مسلم (2501)، والطبراني في المعجم الكبير (23/ 220).
عياض فقال في "إكماله"(1) تزويج أبي سفيان لها في مسلم غريب جدًّا وخبرها مع أبي سفيان حين ورد بالمدينة في حال كفره مشهور (2)، وأفصح ابن حزم الظاهري فقال: هذا حديث موضوع لا شك في وضعه، قال: والآفة فيه من عكرمة (3)، قال: ولا يختلف اثنان من أهل المعرفة بالأخبار في أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج أم حبيبة إلَّا قبل الفتح بدهر، وهي بأرض الحبشة (4)،
(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (6/ 340، 341).
(2)
في قصة قدومه للمدينة لتمديد الهدنة وتجديدها فقالت له: "إنك مشرك" ومنعته من الجلوس عليه. انظر: طبقات ابن سعد (8/ 99)، وسيأتي بعد هذا.
(3)
في رسالة له "جزء فيه ذكر حديثين: أحدهما: في "صحيح البخاري" وثانيها: في "صحيح مسلم" طبعت في مجلة "عالم الكتب".
(4)
قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في جلاء الأفهام (359، 363) وقالت طائفة: يتفق أهل النقل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة رضي الله عنها وهي بأرض الحبشة، بل قد ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، حكاه أبو محمَّد المنذري، وهذا أضعف الأجوبة؛ لوجوه:
أحدها: أن هذا القول لا يعرف به أثر صحيح ولا حسن، ولا حكاه أحد ممن يعتمد على نقله.
الثاني: أن قصة أم حبيبة رضي الله عنها وهي بأرض الحبشة قد جرت مجرى التواتر، كتزويجه صلى الله عليه وسلم خديجة بمكة، وعائشة بمكة، وبنائه بعائشة بالمدينة، وتزويجه حفصة بالمدينة، وصفية عام خيبر، وميمونة في عمرة القضية -[رضي الله عنهن]-، ومثل هذه الوقائع شهرتها عند أهل العلم موجبة لقطعهم بها، فلو جاء سند ظاهر الصحة يخالفها؛ عدوه غلطًا، ولم يلتفتوا إليه، ولا يمكنهم مكابرة نفوسهم في ذلك. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الثالث: أنه من المعلوم عند أهل العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحواله؛ أنه لم يتأخر نكاحه أم حبيبة إلى بعد فتح مكة، ولا يقع ذلك في وهم أحد منهم أصلًا.
الرابع: أن أبا سفيان لما قدم المدينة دخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ طوته عنه؛ فقال:
- يا بنية! ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: [والله] بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر! وهذا مشهور عند أهل المغازي والسير، وذكره ابن إسحاق وغيره في قصة قدوم أبي سفيان المدينة لتجديد الصلح.
الخامس: أن أم حبيبة رضي الله عنها كانت من مهاجرات الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، ثم تنصر زوجها، وهلك بأرض الحبشة، ثم قدمت هي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحبشة، وكانت عنده، ولم تكن عند أبيها. وهذا مما لا يشك فيه أحد من أهل النقل، ومن المعلوم أن أباها لم يسلم إلَّا عام الفتح، فكيف يقول:"عندي أجمل العرب أزوجك إياها"؟! وهل كانت عنده بعد هجرتها وإسلامها قط؟! فإن كان قال له هذا القول قبل إسلامه؛ فهو محال! فإنها لم تكن عنده، ولم يكن (له) ولاية عليها أصلًا، وإن كان قاله بعد إسلامه فمحال! -أيضًا-؛ لأن نكاحها لم يتأخر إلى ما بعد الفتح.
(فإن قيل): بل يتعين أن يكون نكاحها بعد الفتح؛ لأن الحديث الذي رواه مسلم صحيح، إسناده ثقات حفاظ، وحديث نكاحها وهي بأرض الحبشة من رواية محمَّد بن إسحاق مرسلًا، والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيد ابن إسحاق، فكيف بمراسيله؟! فكيف بها إذا خالفت المسانيد الثابتة؟! وهذه طريقة لبعض المتأخرين في تصحيح حديث ابن عباس هذا، فالجواب من وجوه: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أحدها: أن ما ذكره هذا القائل إنما يمكن عند تساوي النقلين؛ فيرجح بما ذكره، وأما مع تحقيق بطلان أحد النقلين وتيقنه؛ فلا يلتفت إليه. فإنه لا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي وأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكاح أم حبيبة لم يتأخر إلى [ما] بعد الفتح، ولم يقله أحد منهم قط، ولو قاله قائل؛ لعلموا بطلان قوله، ولم يشكوا فيه.
الثاني: أن قوله: "إن مراسيل ابن إسحاق لا تقاوم الصحيح المسند ولا تعارضه"، فجوابه: أنَّ الاعتماد في هذا ليس على رواية ابن إسحاق وحده لا متصلة ولا مرسلة، بل على النقل المتواتر عند أهل المغازي والسير:[أن أم حبيبة رضي الله عنها هاجرت مع زوجها، وأنه هلك نصرانيًا بأرض الحبشة، وأن النجاشي زوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمهرها من عنده، وقصتها في كتب المغازي والسير]، وذكرها أئمة العلم.
واحتجوا بها على جواز الوكالة في النكاح.
قال الشافعي في رواية الربيع:
- "في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا [أ] نكح الوليان فالأول أحق" قال: "فيه دلالة على أن الوكالة في النكاح جائزة. . . ." مع:
"توكيل النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها".
وقال الشافعي في كتابه "الكبير"(أيضًا -رواية الربيع-): "ولا يكون الكافر وليًا لمسلمة وإن كانت بنته، قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأبو سفيان حي؛ لأنها كانت مسلمة، وابن سعيد مسلم، ولا أعلم مسلمًا أقرب بها منه، ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية؛ لأن الله قطع الولاية بين المسلمين والمشركين، والمواريث والعقل، وغير ذلك". اهـ.
وأبوها أبو سفيان يومئذٍ كافر، قال: ومثل هذا لا يكون خطأ أصلًا، ولا يكون إلَّا قصدًا نعوذ بالله من البلاء. هذا لفظه برمته.
وتبعه على ذلك ابن دحية، فقال في كتابه "التنوير في مولد السراج المنير"، هذا حديث موضوع دس في مسلم وركب له إسناد من الموضوعات على الثقات، وكذا ابن الجوزي فقال في "جامع المسانيد"(1)، انفرد مسلم إخراج هذا الحديث، وهو وهم من بعض الرواة بلا شك، [وقد اتهموا]، (2) بذلك الوهم عكرمة، وقد ضعف أحاديثه يحيى بن سعيد (3)، وقال: ليست بصحاح. وكذا أحمد (4) حيث قال: هي ضعاف، ولذلك لم يخرج عنه البخاري وإنما أخرج عنه مسلم، لأن يحيى بن معين قال هو ثقة، قال؛ وإنما قلنا هذا وهم لأن الرواة أجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النجاشي ليخطب له أم حبيبة، وكانت قد هاجرت إلى الحبشة وذلك في سنة سبع، وتزوجها وبعثت إليه وأسلم أبو سفيان شيبة ثمان وأنكر الأئمة على ابن حزم ما قاله صونًا للصحيح عن ذلك ورميه عكرمة بالوضع من أفراده، وقد أسلفنا احتجاج مسلم به، وقد استشهد به البخاري أيضًا وروى عنه من الأئمة: شعبة وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم، وهم الأئمة المقتدى بهم، وقال يحيى بن معين: ثقة كما أسلفناه عنه،
(1) انظر: العلل المتناهية (717).
(2)
في هـ (اتهم).
(3)
انظر: الكامل لابن عدي (5/ 1911)، وتاريخ بغداد (12/ 260).
(4)
المراجع السابقة.
وفي رواية: ثبت، وفي رواية: صدوق ليس به بأس، وفي رواية: كان أمينًا حافظًا، وقال علي بن المديني: كان عند أصحابنا ثقة ثلاثًا، وقال الدارقطني: هو ثقة، وقال علي بن عاصم: هو مستجاب الدعوة ولا شك في كون الرجوع إلى قول هؤلاء الأئمة الأثبات في تعديله أولى من الرجوع إلى خرقها.
قال الحافظ أبو الفضل ابن طاهر المقدسي: هذا كلام رجل مجازف هتك فيه حرمة كتاب مسلم، ونسبه إلى الغفلة عما اطلع هو عليه قال: ثم إن هذا الرجل لم يزل به وثوبه على الأئمة المتقدمين مثل مالك بن أنس، ومن بعده من أئمة الحديث حتى مات مهجورًا من سائر الفرق بعد الموات العظيم والحبس الشديد، وأنكر أيضًا الشيخ تقي الدين بن الصلاح هذا على ابن حزم، وتابع في الشناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته فإنه كان هجومًا على تخطئة الأئمة الكبار، وإطلاق اللسان فيهم، قال: ولا نعلم أحدًا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما، وكان مستجاب الدعوة، وكذا قال المنذري: عكرمة وإن تكلم فيه كثير واحد فلم ينسبه أحد فيما علمناه إلى الوضع.
قلت: وهذه عادة ابن حزم في عكرمة، قال أيضًا في حقه في باب الغسل من محلاه (1) في حديث ذكره عن عائشة: عكرمة هذا ساقط، وقد وجدنا عنه حديثًا موضوعًا في نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) المحلى (2/ 32).
لأم حبيبة بعد فتح مكة، وما أحسن قول ابن مفوز [الحافظ](1) في جزئه الذي ذكر فيه مواضع من كلامه وأبان فيه عن عواره مثله كالمتطبب بلا طب، المتكلف بلا علم، المتسلط بلا فهم، الهاجم بلا [درية](2) المستحب بلا تجربة، المصنف بغير هداية، المتهور بلا دلالة، ليس له عقل ينظر به في عاقبة ولا دين يفكر من أجله في معاد، فصوابه خطأ، وعلمه جهل، واجتهاده وبال، واهتداؤه ضلال، فكم من نفس قتل، وعضو خبل، فهو ضامن لما جنى، مأخوذ بما أتى، ظلوم على ما يكلف، مذموم كيف تصرف، فهل يستويان مثلًا أو يتقاربان مثلًا.
قلت: ولم ينفرد عكرمة بذلك بل توبع عليه فانتفى أن تكون الآفة منه كما ادعاه، قال الطبراني في "معجمه" (3): ثنا محمَّد بن محعد الجُذُعي (4)، ثنا العباس بن عبد العظيم (5)، ثنا النضر بن
(1) زيادة من هـ.
(2)
في ن هـ بالهامش لعله دليل.
(3)
المعجم الكبير (12/ 199، 200).
(4)
هو محمَّد بن محمد بن إسماعيل بن شداد أبو عبد الله المتوفى سنة (291)، قال الخطيب: كان ثقة. تاريخ بغداد (3/ 206).
(5)
هو العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل العنبري، أبو الفضل البصري الحافظ المتوفى سنة (246)، قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: ثقة مأمون، وقال سلمة: ثقة. تاريخ البخاري (7/ 6)، والجرح والتعديل (6/ 216).
محمَّد، ثنا عكرمة بن عَمار (1)، ثنا أبو زميل (2)، حدثني ابن عباس الحديث ثم قال: ثنا علي بن سعيد الرازي (3)، ثنا عمرو بن حليف (4) بن إسحاق بن مرسال الخثعمي، قال حدثني عمي
(1) عكرمة بن عمار العجلي، أبو عمار المتوفى سنة (159)، قال أحمد والبخاري: مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير، وقال أبو داود: ثقة، في حديثه عن يحيى اضطراب، وقال ابن حجر: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى اضطراب ولم يكن له كتاب. التاريخ الكبير (7/ 50)، والجرح والتعديل (7/ 10)، وطبقات ابن سعد (5/ 555)، قال في ميزان الاعتدال (3/ 93)، وسير أعلام النبلاء (7/ 137)، وفي صحيح مسلم قد ساق له أصلًا منكرًا عن سماك الحنفي، عن ابن عباس في الثلاثة التي طلبها أبو سفيان. اهـ.
(2)
هو سماك بن الوليد أبو زميل الحنفي اليمامي، قال ابن أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن سماك أبي زميل الحنفي فقال: توفي، أصله في اليمامة، قال ابن طاهر في الجمع بين رجال الصحيحين (1/ 203)، روى عنه عكرمة بن عمار أحاديث منها حديث أنكر على مسلم إخراجه في الصحيح وهو قصة أبي سفيان وأن أبا سفيان عقد نكاح أم حبيبة. تهذيب التهذيب (4/ 235)، والتقريب (1/ 332).
(3)
علي بن سعيد الرازي الحافظ المتوفى سنة (299) رحَّال جوَّال، قال ابن يونس: تكلموا فيه وكان من المحدثين الأجلاء، وكان يصحب السلطان ويلي بعض العمالات، وقال سلمة: كان ثقة عالمًا بالحديث، حدثني عنه غير واحد. انظر: تذكرة الحفاظ (750)، ولسان الميزان (4/ 231)، وميزان الاعتدال (3/ 131).
(4)
عمرو بن خليف أبو صالح، قال ابن عدي في الضعفاء: بعد أن ذكر له حديثًا ولعمرو بن خليف غير ما ذكرت موضوعات فكان يتهم بوضعها. =
إسماعيل بن مرسال عن أبي زميل الحنفي، قال: حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يفاتحونه، فقال: يا رسول الله! ثلاث أعطنيهن. . . ." الحديث، فهذا إسماعيل بن مرسال تابع عكرمة (1)، وقد أخرج الدارقطني (2) بهذا السند حديث جابر: تكلف لك أخوك، وصنع، ثم تقول: إني صائم. كل وصم يومًا مكانه. ولم يتكلم عليه بشيء، أفاد هذه المتابعة شيخنا الحافظ عبد الكريم الحلبي في كلامه على أحاديث المحلى، لكن عمرو بن حليف مجروح متهم بالوضع، قال ابن عدي: يروي الموضوعات، هو المتهم بوضعها. فهذه المتابعة لا يرويها علي بن حزم. نعم أجاب العلماء عن الإِشكال المذكور بأجوبة:
أولها: أن أبا سفيان لما أسلم عام الفتح أراد بهذا القول تجديد النكاح، لأنه إذ ذاك كان مشركًا، فلما أسلم ظن أن النكاح
= المجروحين (2/ 80)، وميزان الاعتدال (3/ 258).
(1)
قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في جلاء الأفهام (367).
فهذا إسماعيل بن مرسال قد رواه عن أبي زميل، كما رواه عنه عكرمة بن عمار، فبرىء عكرمة من عهدة التفرد.
قيل: هذه المتابعة لا تفيده قوة، فإن هؤلاء مجاهيل لا يعرفون بنقل العلم، ولا هم ممن يحتج بهم، فضلًا عن أن تقدم روايتهم على النقل المستفيض المعلوم عند خاصة أهل العلم وعامتهم، فهذه المتابعة إن لم تزده وهنًا؛ لم تزده قوة، وبالله التوفيق. اهـ.
(2)
سنن الدارقطني (2/ 178).
يتجدد بإسلام الولي، وخفي ذلك عليه، وقد خفي على أمير المؤمنين علي الحكم في المذي مع تقدم صحبته وفقهه وعلمه حتى أرسل وسأل عنه، وخفي على ابن عمر الحكم في طلاق الحائض. ولهذا نظائر لا تخفى على أهل النقل. قاله ابن طاهر وابن الصلاح (1) والمنذري.
ثانيها: لعله عليه الصلاة والسلام أراد بقوله "نعم" إن مقصودك يحصل وإن لم يمكن تحقيقه بعقد، ويوضح هذا أنه ليس في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام جدد العقد، ولا أنه قال لأبي سفيان إنه يحتاج إلى تجديده. قاله النووي (2) في شرحه.
ثالثها: إنه يحتمل أن تكون مسألته الأولى إياه في تزويج أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه. فجمع الراوي بين المسائل الثلاث ذكره البيهقي ثم المنذري (3).
(1) انظر: شرح مسلم (16/ 63)، والسيرة لابن كثير (3/ 276، 277). واختاره الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 222).
(2)
شرح مسلم (16/ 63).
(3)
قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في جلاء الأفهام (367، 368) عن هذا الجواب ما يأتي.
وقالت طائفة: منهم البيهقي والمنذري -رحمهما الله تعالى-: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة، وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض =
رابعها: ذكره شيخ شيوخنا الحافظ شرف الدين الدمياطي، فقال: القول في كتاب مسلم حديث موضوع فيه نظر وتأويل "أزوجكها" أرضى بزواجك بها. فإنه كان على رغم مني ودون اختياري، وإن كان زواجك صحيحًا، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل لما فيه من تأليف القلوب. قال: أو يقول إن إجابته عليه الصلاة والسلام "بنعم" كانت تأنيسًا له، ثم أخبر بصحة العقد بأنه لا يشترط رضاك، ولا ولاية لك عليها لاختلاف دينكما حالة العقد،
= الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعها الراوي، وهذا أيضًا ضعيف جدًا، فإن أبا سفيان إنما قدم المدينة آمنًا بعد الهجرة في زمن الهدنة قبيل الفتح، وكانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلَّا مع الأحزاب عام الخندق، ولولا الهدنة والصلح الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدم المدينة، حتى قدم، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة! فهذا غلط ظاهر.
وأيضًا؛ فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره؛ إذ لا ولاية عليها، ولا تأخّر ذلك إلى ما بعد إسلامه، لما تقدم، فعلى التقديرين لا يصح قوله:"أزوجك أم حبيبة".
وأيضًا؛ فإن ظاهر الحديث يدل على إن المسائل الثلاث وقعت منه في وقت واحد، وأنه قال: ثلاث أعطنيهن (الحديث)، ومعلوم أن سؤاله تأميره، واتخاذ معاوية كاتبًا إنما يتصور بعد إسلامه، فكيف يقال بل سأل بعض ذلك في حال كفره وبعضه وهو مسلم! وسياق الحديث يرده! ورده أيضًا في "زاد المعاد" ص 1/ 111 قائلًا: والتعسف والتكلف الشديد الذي في هذا الكلام يغني عن رده. اهـ
قال: وهذا مما لا يمكن رفع احتماله (1).
(1) قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في جلاء الأفهام (368، 369) في الإجابة عن هذا الوجه.
وقالت طائفة: بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعًا؛ إذ القول بأن في "صحيح مسلم" حديثًا موضوعًا مما ليس يسهل، قال: ووجهه: أن يكون معنى "أزوجكها": أرضى بزواجك بها، فإنه كان على رغم مني، وبدون اختياري، وإن كان نكاحك صحيحًا، لكن هذا أجمل، وأحسن، وأكمل؛ لما فيه من تأليف القلوب، قال: وتكون إجابة النبي صلى الله عليه وسلم بنعم؛ كانت تأنيسًا له، ثم أخبره بعد بصحة العقد، فإنه لا يشترط رضاك ولا ولاية لك عليها؛ لاختلاف دينكما حالة العقد، قال: وهذا مما لا يمكن دفع احتماله، وهذا لا يقوى أيضًا.
ولا يخفى شدّة بُعْد هذا التأويل من اللفظ، وعدم فهمه منه؛ فإن قوله:"عندي أجمل العرب أزوجكها" لا يفهم منه أحد أن زوجتك التي هي في عصمة نكاحك أرضى زواجك بها ، ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي صلى الله عليه وسلم:"نعم"، فإنه إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا تكون الإِجابة إليه من جهته صلى الله عليه وسلم، فأما رضاه بزواجه بها؛ فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم!!
ولو قيل: طلب منه أن يقره على نكاحه إياها، وسمى إقراره نكاحًا؛ لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ، وكل هذه تأويلات مستنكرة في غاية المنافرة لِلَّفْظِ، ولمقصود الكلام. اهـ.
وقال أيضًا في "زاد المعاد"(1/ 111) في هذا التأويل: "وهذا وأمثاله لو لم يكن قد سُوِّدَتْ به الأوراق، وصنفت فيه الكتب، وحمله الناس؛ لكان الأولى بنا الرّغبة عنه، لضيق الزمان عن كتابته، وسماعه، والاشتغال به؛ فإنه من رُبد الصُّدور لا من زُبدها". اهـ.
خامسها: ذكر البيهقي أن أبا سفيان كان يخرج إلى المدينة، فيحتمل أن يكون جاءها وهو كافرٌ أو بعد إسلامه حين كان عليه الصلاة والسلام آلى من نسائه شهرًا واعتزلهن، فتوهم أن ذلك طلاق، كما توهم عمر بن الخطاب. فقال أبو سفيان هذا القول، ووصف ابنته بما وصفها متعرضًا ومتلطفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه صلى الله عليه وسلم بنعم على تقدير إن وقع طلاق ولم يقع شيء من ذلك. قاله شيخنا قطب الدين عبد الكريم الحلبي رحمه الله (1) -.
سادسها: أن الحديث على ظاهره، وأنه -عليه الصلاة
(1) قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في المرجع السابق.
وقالت طائفة: كان أبو سفيان يخرج إلى المدينة كثيرًا، فيحتمل أن يكون جاءها وهو كافر، أو بعد إسلامه حين كان النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرًا واعتزلهن، فتوهم أن ذلك الإِيلاء طلاق كما توهمه عمر رضي الله عنه، فظن وقوع الفرقة به، فقال هذا القول للنبي صلى الله عليه وسلم، متعطفًا له، ومتعرضًا، لعله يراجعها، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بنعم، على تقدير: إن امتدَّ الإيلاءُ، أو وقع طلاق، فلم يقع شيء من ذلك.
وهذا أيضًا في الضعف من جنس ما قبله، ولا يخفى أن قوله:"عندي أجمل العرب وأحسنهنَّ أزوجك إياها" أنه لا يفهم منه ما ذكر من شأن الإيلاء، ووقع الفرقة به، ولا يصح أن يجاب بنعم، ولا كان أبو سفيان حاضرًا وقت الإيلاء أصلًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعتزل في مَشْرُبَةٍ له، وحلف أن لا يدخل على نسائه شهرًا، وجاء عمر بن الخطاب فاستأذن عليه صلى الله عليه وسلم (في الدخول) مرارًا، فأذن له في الثالثة، فقال:"أطلقت نساءك؟ فقال: لا، فقال عمر: الله أكبر"، واشتهر عند الناس أنه لم يطلق نساءه، وأين كان أبو سفيان حينئذٍ. اهـ.
والسلام- تزوجها بمسألة أبيها لما أسلم ويقدم على تزويجها بأرض الحبشة، فإن تزويجها بأرض الحبشة جاء من رواية محمَّد بن إسحاق صاحب "المغازي" مرسلًا والناس مختلفون في الاحتجاج بمسانيده فكيف بمراسيله ومن رواية معلى بن منصور، وقد رمي بالكذب وفي هذا الجواب انظر.
كما قال المنذري: فإن تزويجه عليه الصلاة والسلام لم يختلف أهل المغازي أنه كان قبل رجوع جعفر وأصحابه من أرض الحبشة، ورجوعهم كان زمن خيبر، وإسلام أبي سفيان كان زمن الفتح بعد نكاحها بسنتين أو ثلاث فكيف يصح أن يكون تزويجها بمسألته.
قال المنذري: وقول ابن حزم لم يختلف اثنان من أهل المعرفة بالأخبار في أنه عليه الصلاة والسلام لم يتزوج أم حبيبة إلَّا قبل الفتح بدهر، وهي بأرض الحبشة، وهم ظاهر فقد ذكر بعضهم أنه عليه الصلاة والسلام تزوج بها بعد قدومها من الحبشة على أن المشهور هو الأول، وكذا نقله القاضي في "إكماله" عن بعضهم، ثم قال: وقال الجمهور: بأرض الحبشة واعترض علماء الحديث المعاصرين على ما نقله شيخنا قطب الدين على هذا الحديث بأمر آخر فقال: قال أبو حاتم: عكرمة هذا صدوق، وربما وهم، وربما دلس. فقال: لعله دلس عن رجل ضعيف. قال: والنضر بن محمَّد وإن كان ثقة من رجال الصحيحين، فقد ذكر ابن حبان أنه ربما انفرد ثم ذكر أن الظاهر أن أبا سفيان أراد أن يزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الأخرى وهي عزة أخت أم حبيبة وأنه يشهد لهذا حديث أم حبيبة أنها قالت:
يا رسول الله انكح أختي ابنة أبي سفيان فقال: "أو تحبين ذلك؟! فقالت: نعم، أحب من شركني في خير أختي، وفي بعض طرق مسلم "أختي عزة" وكان أبا سفيان اعتقد حل ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأختها أم حبيبة لتساعده على ذلك (1).
وأجاب شيخنا عن هذا فقال: أما ما ذكر من التدلس فإنه ينتفي بما تقدم من رواية الطبراني من قول عكرمة ثنا أبو زميل فأتى بتصريح التحديث. وأمَّا انفراد النضر مع ثقته فهذا انفراد بجملة الحديث، ولم يأت له مخالف بمنعه ورده، وقد انفرد جماعة دون النضر بأحاديث فلم ترد وقبلت منهم. وقد نقل الخطيب إجماع العلماء على قبول تفرد الثقة بجملة الحديث.
وأما ما ذكر: من أن الظاهر قلب اسم "عزة" إلى "أم حبيبة" فهو حسن، لكن الأصل عدمه، فهذا موضع وعر أوضحناه وأزلنا إشكاله، فلا تسأم من طوله، فإنه من المهمات التي يُرحلُ إليها (2)،
(1) انظر: الفتح (9/ 142، 143)، وسيرة ابن كثير (3/ 276، 277).
(2)
انظر: السيرة النبوية لابن كثير (3/ 276، 277).
قال ابن القيم وقالت طائفة: ليس الحديث بباطل، وإنما سأل أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه ابنته الأخرى عزة أخت أم حبيبة. قالوا: ولا يبعد أن يخفى هذا على أبي سفيان؛ لحداثة عهده بالإِسلام. وقد خفي هذا على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فقال:"إنها لا تحل لي"، فأراد أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الأخرى، فاشتبه على الراوي، وذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة، وهذه التسمية من غلط بعض الرواة لا من قول أبي سفيان، لكن يرد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نعم"، وأجابه إلى ما =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سأل، فلو كان المسؤول أن يزوجه أختها؛ لقال: إنها لا تحل لي، كما قال ذلك لأم حبيبة، ولولا هذا؛ لكان التأويل في الحديث من أحسن التأويلات. اهـ.
إلى أن قال: ورأيت للشيخ محب الدين الطبري كلامًا على هذا الحديث، قال في جملته: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك كلَّه قبل إسلامه بمدة تتقدم على تاريخ النكاح، كالمشترط ذلك في إسلامه، ويكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطنيهنَّ: أم حبيبة أزوجكها، ومعاوية يسلم فيكون كاتبًا بين يديك، وتؤمِّرني بعد إسلامي فأقاتل الكفار، كما كنت أقاتل المسلمين.
وهذا باطل أيضًا من وجوه:
أحدها: قوله: "كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه، فقال: يا نبي الله! ثلاث أعطنيهن" فيا سبحان الله! هذا يكون قد صدر منه، وهو بمكة قبل الهجرة، أو بعد الهجرة وهو مجمع الأحزاب لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو وقت قدومه المدينة وأم حبيبة عند النبي صلى الله عليه وسلم لا عنده!! فما هذا التكلف البارد!! وكيف يقول وهو كافر:"حتى أقاتل المشركين، كما كنت أقاتل المسلمين"! وكيف ينكر جفوة المسلمين له وهو جاهد في قتالهم، وحربهم، وإطفاء نور الله سبحانه وتعالى! وهذه قصة إسلام أبي سفيان معروفة لا اشتراط فيها، ولا تعرض لشيء من هذا.
وبالجملة؛ فهذه الوجوه وأمثالها مما يعلم بطلانها، واستكراهها، وغثاثتها، ولا تفيد الناظر فيها علمًا، بل النظر فيها والتعرض لإِبطالها من منارات العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
فالصواب: أن الحديث غير محفوظ، بل وقع فيه تخليط، والله أعلم.
وهي رضي الله عنها التي أكرمت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس عليه =
وفي وفاة أم حبيبة أربعة أقوال:
أحدها: سنة أربع وأربعين وادعى أبو عمر الاتفاق عليه، وفي هذه السنة ادعى معاوية زيادًا.
ثانيها: قبل معاوية بسنة ومعاوية توفي سنة ستين.
ثالثها: سنة اثنتين وأربعين، قاله ابن حبان وغيره.
رابعها: سنة ستين في رجب حكاه ابن عساكر قال: وقبرها بدمشق، والصحيح أنه بالمدينة.
الوجه الثاني: فيما فيه من المبهمات قولها: "انكح أختي ابنة أبي سفيان" هي عَزَّة بفتح العين وتشديد الزاي، كذا جاءت مسماة في رواية لمسلم، قال القاضي (1): ولا نعلم هذه في بنات أبي سفيان إلَّا من هذا الحديث، وقيل: إنها حمنة، وقيل: درة حكاه المنذري (2).
وقولها: "فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة" هي
= أبوها لما قدم المدينة، وقالت:"إنك مشرك"، ومنعته من الجلوس عليه. اهـ.
للاطلاع على كلام أهل العلم، فقد قال العلائي في "التنبيهات المجملة على الأحاديث المشكلة ص 67، 68، "فردَّ الحديث بالوهم أولى من تأويله بالمستكره من الوجوه". اهـ.
انظر: جامع الأصول (1/ 109).
(1)
انظر: إكمال إكمال المعلم (4/ 72).
(2)
انظر: اختلاف الروايات في الفتح (9/ 142، 143).
درة بالدال المهملة المضمومة، ووهم من جعلها معجمة مفتوحة وهي درة بنت أبي سلمة بن عبد الأسد القرشية المخزومية ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم بنت امرأته أم سلمة أم المؤمنين وهي معروفة بالسنن والحديث، وأبوها أخو النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، وذكر بعضهم في كلامه على رجال هذا الكتاب أنها زينب بنت أبي سلمة التي كان اسمها برة فغيره النبي صلى الله عليه وسلم إلى زينب (1) وهو وهم، نعم هي أختها، وقول: عروة (2)"أريه بعض أهله"، قال السهيلي (3): في غير البخاري أن الذي رآه من أهله هو أخوه العباس، قال: مكثت حولًا بعد أبي لهب لا أراه في نوم، ثم رأيته في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة إلَّا أن العذاب يخفف عني كل يوم اثنين، ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة قد بشرته بمولده، فقالت له: أشعرت أن آمنة ولدت غلامًا لأخيك عبد الله؟ فقال: اذهبي، فأنت حرة، فنفعه ذلك وهو في النار كما نفع أخاه أبا طالب ذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أهون أهل النار عذابًا.
قلت: ومذهب المحققين أن الكافر لا يخفف عنه العذاب بسبب حسناته في الدنيا، بل يوسع عليه فيها، في دنياه، وهذا التخفيف خاص بهذا وبمن ورد النص فيه أيضًا (4).
(1) وقد تقدم تخريج حديث تغييره اسمها.
(2)
هو موصول بالإِسناد المذكور، لكنه مرسل، فإن عروة أرسله، فلم يذكر من حدثه به. انظر: الفتح (9/ 124، 125).
(3)
الروض الأنف (3/ 67).
(4)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- (9/ 142)، وفي الحديث دلالة على =
وقوله: "غير أني سقيت في هذه"، أي في النقير التي بين الإِبهام والتي تليها من الأصابع، كذا رواه البيهقي في "دلائله"(1)، وقال في آخره: رواه البخاري في الصحيح، وكذا قال البغوي (2) في "شرح السنة"، قيل: أراد الوقبة التي بين الإِبهام والسبابة، وكذا ذكره المحب الطبري في "أحكامه"، وقال القرطبي في "مفهمه" (3): سُقِي أبو لهب قطعة من ماء في جهنم لإِرضاع ثويبة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وذلك أنه جاء في الصحيح أنه رُؤي في النوم، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: سقيت في مثل هذه وأشار إلى [ظفر](4) إبهامه.
الوجه الثالث فيما وقع فيه من الأسماء:
فأما أبو سلمة، فاسمه عبد الله بن عبد الأسد بن هلال
= أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة لكنه مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} وأجيب أولأ: بأن الخبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدثه به وعلى تقدير أن يكون موصولًا فالذي في الخبر رؤيا منام فلا حجة فيه، ولعل الذي رآها لم يكن إذ ذاك أسلم بعد فلا يحتج، وثانيًا: على تقدير القبول فيحتمل أن يكون ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوصًا من ذلك، بدليل قصة أبي طالب كما تقدم أنه خفف عه فنقل من الغمرات إلى الضحضاح. اهـ. محل المقصود.
(1)
دلائل النبوة للبيهقي (1/ 148، 149).
(2)
شرح السنة للبغوي (9/ 76).
(3)
المفهم (5/ 2462).
(4)
غير موجودة في المفهم.
المخزومي أحد السابقين، قال ابن إسحاق (1): أسلم بعد عشرة أنفس، أمه برة (2) بنت عند المطلب وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أيامًا قبل أن تأخذه حليمة السعدية من ابن لها يقال له مسروح، قيل: أرضعته ثلاثة أيام وأرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأرضعت بعده أبا سلمة هذا. هاجر الهجرتين وشهد بدرًا ثم توفي بعدها قال العسكري في "معرفة الصحابة": مات بالمدينة في السنة الرابعة من الهجرة ومنصرف النبي صلى الله عليه وسلم من أحد انتقض به جرح كان أصابه بأحد فمات منه وأغمضه صلى الله عليه وسلم. وفي "أنساب القرشيين"(3) لابن قدامة أنه جرح يوم أحد جُرحًا اندمل، ثم انتقض، فمات منه لثلاث مضين من جمادى الآخرة سنة ثلاث، وفي "تهذيب" النووي نقلًا عن ابن سعد أنه روى عن عمر بن أبي سلمة قال: جرح يوم أحد فرماه أبو [أسامة](4) الجشمي في عضده بسهم، فمكث شهرًا يداوي جرحه، ثم برأ جرحه، ثم بعثه، فغاب تسعة وعشرين، ثم رجع فدخل المدينة لثلاث خلون من صفر سنة أربع، والجرح منتقض فمات منه لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع، ووقع في "شرح ابن العطار" أنه جرح يوم بدر بدل أحد وهو غريب. قال
(1) سيرة ابن إسحاق (156).
(2)
المرجع السابق (158).
(3)
التبيين في أنساب القرشيين لابن قدامة (341).
(4)
في المخطوطتين (أبو سعد)، وما أثبت من الطبقات لابن سعد (3/ 240)، والذي ذكره المصنف هنا مختصرًا من الطبقات.
مصعب: وهو أول من هاجر إلى أرض الحبشة، وفيه نزلت:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه} (1)، وفي أخيه الأسود نزلت:{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِه} .
وأما أم سلمة: فتقدم التعريف بها في باب الجنابة وأن اسمها هند، وقيل: رملة.
وأما ثويبه: بثاء مثلثة ثم واو ثم مثناة تحت ثم باء موحدة ثم هاء تصغير ثوبه، وهي المرة الواحدة من ثاب إذا رجع، وثويبه: هذه. مولاة أبي لهب كما سلف، وكان عليه الصلاة والسلام يكرمها، وكانت تدخل عليه بعد أن تزوج خديجة ويصلها من المدينة حتى ماتت بعد فتح خيبر، وكانت خديجة تكرمها، قال أبو نعيم: ولا أعلم أحدًا أثبت إسلامها غير ابن منده.
وأما عروة: فتقدم التعريف به في باب فسخ الحج إلى العمرة.
وأما أبو لهب: فاسمه عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، أدرك الإِسلام ولم يسلم كُنِّي بأبي لهب لحسنه وإشراق وجهه، ويقال: لهب بفتح الهاء وإسكانها وهما قراءتان في السبعة، واتفقوا على أن "ذات لهب" بالفتح لوفاق الفواصل أنزل الله فيه وفي امرأته سورة تبَّت، وسبب نزولها مشهور في الصحيح (2)، مات بعد غزوة بدر بسبعة أيام ميتة شنعة بداء يقال له: العدسة.
(1) سورة الحاقة: آية 19.
(2)
البخاري (4770).
الواجه الرابع في ضبط ألفاظه ومعانيه:
سبب الاستفهام في قوله "أو تحبين ذلك؟! " التعجب من حيث إن العادة قاضية بكراهة النساء لذلك، فلما فهمت عنه ذلك ذكرت السبب وهو قولها:"لست لك بمخلية"، أي لست أخلى بلا ضرة.
و"مخلية" بضم الميم وسكون الخاء وكسر اللام، ثم مثناة تحت، ثم هاء، اسم فاعل من أخلى يخلي، أي لست بمنفردة بك، ولا خالية من ضرة، يقال: خلوت به إذا انفردت به، وليس هو من قولهم: امرأة مخلية إذا تخلت من الزوج.
وقولها: "وأحب من شاركني" هو لفظ البخاري. ولفظ مسلم "شركني" بفتح الشين المعجمة وكسر الراء أي شاركني في صحبتك والانتفاع بك في مصالح الدين والدنيا، وهذا هو المراد بالخير هنا وأي خيرٍ أعظم منه، وإنما عرضت ذلك عليه لاحتمال اعتقادها بخصوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك. وقد قال به بعض أصحابنا في حقه عليه الصلاة والسلام كما سيأتي، ولهذا اعترضت بنكاح درة بنت أبي سلمة، فكأنها تقول كما جاز نكاح درة مع تناول الآية لها فليجز الجمع بين الأختين مع تناول الآية لها للإِجماع في الخصوصية. [أما](1) إذا لم تكن عالمة بمقتضى الآية فلا يلزم من كونه أخبر بتحريم نكاح الأخت على الأخت أن يرد على ذلك تجويز نكاح الربيبة لزومًا ظاهرًا لأنهما إنما يشتركان حينئذٍ في أمرٍ أعم.
(1) في هـ ساقطة.
أما إذا كانت عالمة بمقتضاها فيكون اشتراكهما في أمرٍ خاص، وهو التحريم العام واعتقاد التحليل الخاص.
وقوله: "إن ذلك لا يحل لي" أي على وجه الجمع بينك وبينها.
وقولها "فإنا نحدث" هو بضم النون وفتح الحاء والدال على ما لم يسم فاعله.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "بنت أم سلمة؟ " استثبات ونفي إرادة غيرها، قاله النووي في "شرحه لمسلم"(1).
وقال الشيخ تقي الدين (2): يحتمل أيضًا أن يكون لإِظهار جهة الإنكار عليها، أو على من قال ذلك.
[و](3)"الربيبة" بنت الزوجة من غيره، والذكر: ربيب مشتق من "الرب" وهو الإِصلاح لأنه يَرُبُّها، ويقوم بأمورها وإصلاح حالها، ومن ظن من الفقهاء أنه مشتق من التربية، فهو غلط، لأن من شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية والاشتراك، فإن آخر "رب" باء موحدة وآخر "ربَّى" ياء مثناة تحت (4).
وعبارة ابن عطية (5) سميت: ربيبة لأنه يربيها في حجره، فهي فعيلة بمعنى مفعولة.
(1) شرح مسلم (10/ 25).
(2)
إحكام الأحكام (4/ 185).
(3)
في هـ ساقطة.
(4)
ساقه من إحكام الأحكام (4/ 185).
(5)
المحرر الوجيز (4/ 71).
و"الحجر" بفتح الحاء أفصح من كسرها، وقد أسلفت في باب في المذي وغيره حكاية اللغتين أيضًا، وزدت هنا أن الفتح أفصح، وهو مقدم ثوب الإِنسان وما بين يديه عنه في حال اللبس، ثم استعملت اللفظة في الحفظ والستر، قال ابن عطية (1): لأن اللابس إنما يحفظ طفلًا أو ما أشبهه بذلك الموضع من الثوب.
ومعنى قوله: "إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي" إلى آخره: أنها حرام عليه بسببين: كونها ربيبة، وكونها بنت أخ، فلو فقد أحد من السببين حرمت بالآخر.
وقوله: "فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن" هذا إشارة إلى أم حبيبة وأختها وبنت أم سلمة، زاد ابن حبان (2):"ولا عماتكن ولا خالاتكن ولا أمهاتكن".
وأتى بلفظ الجمع وإن كانتا اثنتين ردعًا وزجرًا أن تعود له بمثل ذلك.
وقوله: "بشرحيبة"، قد فسرها المصنف بالحالة وأن الحاء مكسورة، وزاد الفاكهي في إيراد عبارة الشيخ أنها مهملة أيضًا، وكذا نقله عنه ابن العطار في شرحه حيث قال: قد ضبطها المصنف بكسر الحاء المهملة وفسرها بالحالة فكأنه قال بشر حال والحيبَة والحَوْبَة: الهم والحزن والحِيبة: الحاجة والمسكنة (3).
(1) المحرر الوجيز (4/ 71).
(2)
ابن حبان (4110).
(3)
انظر: لسان العرب (3/ 374، 375).
وقال البغوي في "شرح السنة"(1)، قوله:"بشرحيبة" بالحاء أي بشر حال، يقال: فلان بشر حيبة أي: بحال سوء، بفتح الباء، قال: والحيبة اسم الهم والحاجة بكسرها، ثم رأيت في "المطالع" لابن قرقول أنه للمستملي والحموي (2)"بشرحيبة"، ومعناه سوء الحال قال: ويقال فيه أيضًا الحوبة، قال ولغيرهما "بشرخيبة"(3).
الوجه الخامس في أحكامه:
الأول: تحريم الجمع بين الأختين (4)، سواء كانتا في عقد واحد أو عقدين، وهو إجماع، وحكمته أنه يفضي إلى قطع الرحم بينهما، وأما بملك اليمين فهو كذلك عند علماء الأمصار، وعن بعض الناس فيه خلاف، ووقع الاتفاق بعده على خلاف ذلك من أهل السنة، غير أن تحريم الجمع بينهما إنما هو في وطئهما لا في
(1) شرح السنة (9/ 76، 77).
(2)
انظر: مشارق الأنوار (1/ 219)، وفتح الباري (9/ 145).
(3)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 145): قال ابن الجوزي: هو تصحيف، وقال القرطبي: يروى بالمعجمة، ووجدته في نسخة معتمدة بكسر المهملة وهو المعروف، ونقل عن المشارق (1/ 219)، عن رواية المستملي بالجيم ولا أظنه إلَّا تصحيفًا، وهو تصحيف كما قال. اهـ. أقول: الذي رأيته في المشارق (1/ 219) بخيبة بخاء معجمة مفتوحة وهو تصحيف. اهـ.
(4)
انظر: بدائع الصنائع (2/ 262، 263)، والمهذب (2/ 43)، وكشاف القناع (5/ 80)، والمغني (6/ 574)، ومغني المحتاج (3/ 108)، وبداية المجتهد (2/ 40، 42)، والباب (3/ 6)، والقوانين الفقهية (209).
ملكهما غير [ممتنع](1) اتفاقًا، وإن نقل عن داود أنه خالف فيه.
وقيل: إنه رواية عن ابن عباس (2)، قال الماوردي (3): وربما أضيف إلى عثمان (4)، قال أصحابنا: فلو وطئ إحداهما لم يطأ الأخرى حتى تحرم الأولى ببيع أو نكاح أو كتابة أو عتق، لئلا يكون مستبيحًا لفرجيهما معًا لا حيض وإحرام وردة وعدة شبهة، لأنها أسباب عارضة لم تزل الملك ولا الاستحقاق، وفي الرهن وجهان أصحهما عدم الاكتفاء به.
وأغرب بعض أصحابنا: فجوَّز للنبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين نكاح الأختين وبين الأم والبنت بناء على أن المخاطب لا يدخل في عموم خطابه (5)، وهو منابذ. . . . . . . . . .
(1) في هـ (البضع).
(2)
عبد الرزاق (12736)، وجاء عنه خلافه (12737) عن عمرو: أن ابن عباس كان يعجب من قول علي في الأختين يُجمع بينهما: حرمتهما آية، وأحلتهما آية أخرى، ويقول:"إلَّا ما ملكت أيمانكم" هي مرسلة. اهـ.
(3)
الحاوي الكبير (11/ 276).
(4)
وجاء عن علي بن أبي طالب: أخرجه الشافعي في الأم (5/ 3)، والبيهقي (7/ 163، 164)، وابن أبي شيبة (3/ 306)، ومالك في الموطأ (2/ 539)، والدارقطني (3/ 281)، وعبد الرزاق (12728، 12730، 12732).
(5)
قال في المحصول (1/ 3/ 199) المسألة الخامسة: كونه مخاطبًا هل يقتضي خروجه عن الخطاب العام؟
أما في الخبر فلا، لقوله تعالى:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)} ؛ لأن اللفظ عام، ولا مانع من الدخول وأما في الأمر الذي جعل جزءًا كقوله تعالى: "من =
[للنص](1).
الثاني: تحريم نكاح الربيبة، وهو منصوص عليها في كتاب الله -تعالى- أيضًا، ويحتمل أن تكون أم حبيبة لم يبلغها هذا الحكم فإن لفظ الرسول يشعر بتقدم نزول الآية بقوله:"لو لم تكن ربيبتي في حجري [ما حلت لي"، وقد يحتج بقوله في حجري] (2) من يرى اختصاص تحريم الربيبة بكونها في الحجر، وهو داود الظاهري (3) قال: فإن لم تكن في حجره فهي حلال له، وجمهور العلماء على التحريم مطلقًا، وحملوا التخصيص على أنه خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، إذن فلا يقصر الحكم عليه كما في قوله -تعالى-:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} (4)، ومعلوم أنه يحرم قتلهم مطلقًا، لكنه قيد بالإِملاق لأنه الغالب، ومثله قوله:{وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} (5) وغير ذلك.
قال الشيخ تقي الدين (6): وعندي نظر في أن هذا الجواب
= دخل داري فأكرمه"، فيشبه أن يكون كونُهُ أمرًا. قرينة مخصصة والله أعلم. اهـ.
انظر المنخول (143)، حيث اختار دخول المخاطب في اللفظ العام.
(1)
في هـ ساقطة.
(2)
في هـ ساقطة.
(3)
انظر: إحكام الأحكام (4/ 185، 186).
(4)
سورة الأنعام: آية 151.
(5)
سورة النور: آية 33.
(6)
إحكام الأحكام (4/ 186).
المذكور في الآية أعني الجواب عن مفهومها أنه خرج مخرج الغالب: هل [يأتي](1) في الحديث أم لا؟ انتهى. والظاهر إتيانه، ولعله صلى الله عليه وسلم تبرك بلفظ القرآن كما في غير هذا الموضع.
وقال الزمخشري (2): فائدة التعليل للتحريم وأنهن لاحتضانكم لهن، ولكونهن بصدد احتضانكم وفي حكم التقلب في حجوركم إذا دخلتم بأمهاتهن وتمكن بدخولكم حكم الزواج، وثبتت الخلطة والألفة، وجعل الله بينكم المودة والرحمة، وكانت الحال خليقة بأن تجروا أولادهن مجرى أولادكم كأنكم في العقد على بناتهن عاقدون على بناتكم.
قال ابن المنذر: و [قد](3) أجمع كل من ذكرنا وكل من لم نذكره من علماء الأمصار على خلاف قول داود، وقد احتج [بعضهم] (4) على عدم اشتراط الحجر بقوله عليه الصلاة والسلام:"فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن" ولم يقل اللاتي في حجري.
الثالث: تحريم الرضاع وهو منصوص [عليه](5) في كتاب الله -تعالى- أيضًا.
(1) في إحكام الأحكام (4/ 186) يرد. انظر: الحاشية.
(2)
الكشاف (1/ 260، 261).
(3)
في هـ ساقطة.
(4)
زيادة من هـ.
(5)
في ن هـ (على).
الرابع: أن لبن الفحل يحرم، وهو مذهب الجمهور من الصحابة وغيرها (1). قال القاضي عياض: ولم يقل أحد إنه لا يحرم إلَّا أهل الظاهر وابن علية.
قلت: قد قال به أيضًا ابن عمر وعائشة وغيرهما، كما حكاه المازري (2)، وحكاه البغوي في "شرح السنة"(3) عن عروة بن الزبير
(1) انظر: مغني المحتاج (3/ 418)، والمغني (6/ 572)، والقوانين الفقهية (206)، واللباب (3/ 32).
(2)
في هـ (الماوردي) المعلم بفوائد مسلم (2/ 162).
(3)
شرح السنة (9/ 78)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 151):
وفي الحديث أن لبن الفحل يحرم فتنتشر الحرمة لمن ارتضع الصغير بلبنه، قلا تحل له بنت زوج المرأة التي أرضعته من غيرها مثلًا، وفيه خلاف قديم حكي عن ابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وغيرهم، ونقله ابن بطال عن عائشة وفيه نظر، ومن التابعين عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة والقاسم وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي وإبراهيم النخعي وأبي قلابة وإياس بن معاوية أخرجها ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسعيد ومحمد بن منصور وابن المنذر، وعن ابن سيرين:"نبئت أن ناسًا من أهل المدينة اختلفوا فيه"، وعن زينب بنت أبي سلمة أنها سألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئًا، وقال به من الفقهاء ربيعة الرأي وإبراهيم بن علية وابن بنت الشافعي وداود وأتباعه، وأغرب عياض ومن تبعه في تخصيصهم ذلك بداود وإبراهيم مع وجود الرواية عمن ذكرنا بذلك، وحجتهم في ذلك قوله -تعالى-:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ، ولم يذكر العمة ولا البنت كما ذكرهما في النسب، وأجيبوا =
وعبد الله بن الزبير وبعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويروى أيضًا عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار
= بأن تخصيص الشئ بالذكر لا يدل على نفي الحكم عما عداه، ولاسيما وقد جاءت الأحاديث الصحيحة، واحتج بعضهم من حيث النظر بأن اللبن لا ينفصل من الرجل وإنما ينفصل من المرأة فكيف تنتشر الحرمة إلى الرجل؟ والجواب أنه قياس في مقابلة النص فلا يلتفت إليه، وأيضًا فإن سبب اللبن هو ماء الرجل والمرأة معًا فوجب أن يكون الرضاع منهما كالجد لما كان سبب الولد أوجب تحريم ولد الولد به لتعلقه بولده، وإلى هذا أشار ابن عباس بقوله في هذه المسألة "اللقاح واحد" أخرجه ابن أبي شيبة، وأيضًا فإن الوطء يدر اللبن فللفحل فيه نصيب. وذهب الجمهور من الصحابة والتابعبن وفقهاء الأمصار كالأوزاعي في أهل الشام والثوري وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وابن جريج في أهل مكة ومالك في أهل المدينة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأتباعهم إلى أن لبن الفحل يحرم وحجتهم هذا الحديث الصحيح، وألزم الشافعي المالكية في هذه المسألة برد أصلهم بتقديم عمل أهل المدينة ولو خالف الحديث الصحيح إذا كان من الآحاد ولما رواه عن عبد العزيز بن محمَّد عن ربيعة من أن لبن الفحل لا يحرم، قال عبد العزيز بن محمَّد: وهذا رأي فقهائنا إلَّا الزهري، فقال الشافعي: لا نعلم شيئًا من علم الخاصة أولى بأن يكون عامًا ظاهرًا من هذا، وقد تركوه للخبر الوارد، فليزمهم على هذا إما أن يردوا هذا الخبر وهم لم يردوه، أو يردوا ما خالف الخبر وعلى كل حال هو المطلوب، قال القاضي عند الوهاب: يتصور تجريد لبن الفحل برجل له امرأتان فرضع إحداهما صبيًا والأخرى صبية، فالجمهور قالوا يحرم على الصبي تزوج الصبية، وقال من خالفهم: يجوز. اهـ.
وإبراهيم وسيكون لنا عودة إلى هذا في الرضاع إن شاء الله ذلك وقدره.
الخامس: فيه تنبيه على جواز تعليل الحكم بعلتين، فإنه علل تحريمها بأنها ربيبة وابنة أخ، والصحيح عند أهل الأصول جوز ذلك لهذا الحديث وغيره (1).
السادس: فيه أيضًا أن للزوجة [و](2) غيرها من الألزام الفكر في مصلحة أقاربها ومراجعة ما فكرت فيه للعلماء وعرضه عليهم وتنبيه على المسؤول، والجواب بأنه لا يحل لي أو لك.
السابع: في هذه الروايات دلالة على اختلاف أحوال المعذبين في النار من الكفار.
خاتمة: ترجم البخاري على هذا الحديث عرض الإِنسان ابنته أو أخته على أهل الخير (3)، وترجم عليه أيضًا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (4)، وذكره أيضًا في باب ما يحل من
(1) اختلف أهل الأصول في تعليل الحكم بعلتين على قولين:
أحدهما: يجوز تعليل الحكم بعلتين منصوصتين.
الثاني: أنه لا يجوز تعليل الحكم الواحد بعلتين.
انظر مباحث هذا: فتاوى ابن تيمية (18/ 273، 274)، (20/ 167)، والمنخول (392)، والمستصفى (2/ 342)، ومسودة آل تيمية (316)، وشفاء العليل (514)، وإحكام الآمدي (3/ 236).
(2)
في هـ ساقطة.
(3)
البخاري (ح 5123)، (9/ 176).
(4)
البخاري (ح 5101)، (9/ 139).
النساء وما يحرم (1)، وذكره أيضًا في باب المراضع من المواليات وغيرهن (2).
(1) في هذا الباب لم يذكر الحديث. الفتح (9/ 153).
(2)
البخاري (5372)، (9/ 516)، وذكره في باب {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} (ح 5106)، (9/ 158).
وأيضًا في باب وأن تجمعوا بين الأختين إلَّا ما قد سلف، (ح 5107)، (9/ 159).