الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
347/ 7/ 66 - عن جابر رضي الله عنه قال: "كنا نعزل والقرآن ينزل ولو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن"(1).
(1) البخاري (5207)، ومسلم (1440)، وأبو داود (2173)، والترمذي (1137)، والحميدي (1257)، وأحمد (3/ 309، 377، 380)، والبيهقي (7/ 228)، عبد الرزاق (12566)، وأبو يعلى (2193، 2255)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في فتح الباري (9/ 305، 306).
قوله: (كنا نعزل والقرآن ينزل، وعن عمرو عن عطاء، عن جابر كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل) وقع في رواية الكشميهني "كان يعزل" بضم أوله وفتح الزاي على البناء للمجهول، وكأن ابن عيينة حدث به مرتين: فمرة ذكر فيها الأخبار والسماع، فلم يقل فيها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرة ذكره بالعنعنة فذكرها. وقد أخرجه الإسماعيلي من طرق عن سفيان صرح فيها بالتحديث قال:"حدثنا عمرو بن دينار"، وزاد ابن أبي عمر في روايته عن سفيان:"على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وزاد إبراهيم بن موسى في روايته عن سفيان أنه قال حين روى هذا الحديث:"أي لو كان حرامًا لنزل فيه"، وقد أخرج مسلم هذه الزيادة عن إسحاق بن راهويه عن سفيان فساقه بلفظ:"كنا نعزل والقرآن ينزل"، قال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= سفيان: لو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن، فهذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطًا، وأوهم كلام صاحب "العمدة" ومن تبعه أن هذه الزيادة من نفس الحديث فأدرجها، وليس الأمر كذلك فإني تتبعته من المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة، وشرحه ابن دقيق العيد على ما وقع في "العمدة" فقال: استدلال جابر بالتقرير من الله غريب، ويمكن أن يكون استدل بتقرير الرسول لكنه مشروط بعلمه بذلك انتهى. ويكفي في علمه به قول الصحابي إنه فعله في عهده، والمسألة مشهورة في الأصول وفي علم الحديث وهي أن الصحابي إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع عند الأكثر، لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام، وإذا لم يضفه فله حكم الرفع عند صوم، وهذا من الأول فإن جابرًا صرح بوقوعه في عهده صلى الله عليه وسلم، وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك، والذي يظهر لي أن الذي استنبط ذلك سواء كان هو جابرًا أو سفيان أراد بنزول القرآن ما يقرأ، أعم من المتعبد بتلاوته أو غيره مما يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه يقول: فعلناه في زمن التشريع ولو كان حرامًا لم نقر عليه، وإلى ذلك يشير قول ابن عمر:"كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شيء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا" أخرجه البخاري. وقد أخرجه مسلم أيضًا من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا"، ومن وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر:"أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل، فقال: اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها. فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، قال: قد أخبرتك"، ووقعت هذه القصة عنده من طريق سفيان بن عيينة بإسناد له آخر إلى جابر. وفي آخر:
الكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا الحديث رواه مسلم بلفظين.
أحدهما: من حديث عطاء عن جابر: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا".
الثاني: عن أبي الزبير عن جابر "كنا نعزل والقرآن ينزل". زاد إسحاق ابن إبراهيم أحد رواته، قال سفيان: فلو كان شيئًا يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن".
ورواه البخاري من حديث عطاء عن جابر بلفظ: "كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي لفظ:"والقرآن ينزل" وفي لفظ: "كنا نعزل والقرآن ينزل".
الثاني: قد أسلفنا الكلام على حكم العزل في الحديث قبله، والخلاف فيه عندنا وعند السلف، وهذا الحديث دال على جوازه مطلقًا، وما عارضه محمول على كراهة التنزيه والأحاديث الواردة بالإِذن دالة على عدم التحريم لا على نفي الكراهة. واستدل جابر رضي الله عنه بالتقرير من الله تعالى على الجواز.
قال الشيخ تقي الدين: وهو استدلال غريب (1)، وكان يحتمل
= "فقال أنا عبد الله ورسوله"، وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه، ففي هذه الطرق ما أغنى عن الاستنباط، فإن في إحداها التصريح باطلاعه صلى الله عليه وسلم، وفي الأخرى أذنه في ذلك وإن كان السياق يشعر بأنه خلاف الأولى كما سأذكر البحث فيه.
(1)
قال في الصنعاني في حاشية إحكام الأحكام (4/ 279) على قوله "وهو =
أن يكون الاستدلال بتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه مشروط بعلمه بذلك، ولفظ الحديث لا يقتضي إلَّا الاستدلال بتقرير الله تعالى.
قلت: الرواية الأولى التي نقلناها عن مسلم دالة على أنه عليه الصلاة والسلام[. .](1) اطلع عليه وقرره ولعله خص القرآن بالذكر في الرواية الأخرى لشرفه.
الثالث: في الحديث أيضًا دلالة لما كانت الصحابة -رضوان الله عليهم- من التمسك بالكتاب في كل شيء حتى في العزل عن النساء.
= استدلال غريب". كأن غرابته من حيث إنه لا يستدل بتقريراته تعالى أفعال عباده في هذه الدار، لأنه لم يجعلها دارًا للجزاء بل دار تخلية، وإلَّا لزم أن يقال: الله تعالى قد أقر العصاة بعدم معاجلتهم بالعقوبة، هذا أقرب ما تعلل به الغرابة، وأما قول القائل، لو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن يريد أن زمان النبوة لا يقر الله المؤمنين على منهى عنه فإنه تعالى نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى وفي نعله قذر وهذا بالأولى، إلَّا أنه قد يقال إن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم على أنك قد عرفت مما سقناه أنه ليس من قول جابر. اهـ.
(1)
في هـ زيادة (بريد).