الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
341/ 1/ 66 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن فلان ابن فلان قال: يا رسول الله أرأيت [أن](1) لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك. قال: فسكت النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلم يجبه. فلما كان ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به. فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور (6 - 9): {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن عليه، ووعظه، وذكره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. فقال: لا والذي بعثك بالحق، ما كذبت عليها. ثم دعاها، فوعظها، وأخبرها: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب. فبدأ بالرجل فشهد أربع شهاداتٍ بالله: إنه لمن الصادقين، والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم ثنّى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله: إنه لمن الكاذبين، والخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. ثم فرق بيهما. ثم قال: [إن](2) الله يعلم أن
(1) زيادة من ن هـ وإحكام الأحكام.
(2)
زيادة من إحكام الأحكام.
أحد [كما](1) كاذب، فهل منكما تائب؟ ثلاثًا.
وفي لفظ: "لا سبيل لك عليها. قال: يا رسول الله، مالي؟ قال: لا مال لك. إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها"(2).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا الحديث بهذه السياقة [لمسلم](3)، وللبخاري فيه اللفظ الأخير، وكذا لمسلم أيضًا، وللبخاري: قوله: "ثلاثًا"، وله في رواية أخرى مرتين.
الثاني: قال الخطيب في "مبهماته"(4) الملاعن لهذه المرأة هو هلال بن أمية بن عامر بن قيس بن عبد الأعلى شهد بدرًا.
والرجل الذي رميت به: شريك بن السحماء. والسحماء (5):
(1) في الأصل: "هما"، وما أثبت من ن هـ وإحكام الأحكام.
(2)
البخاري (5311)، ومسلم (1493)، والحميدي (671)، وابن الجارود (753)، وأبو داود (2257)، النسائي (6/ 177)، وأحمد (2/ 11)، والبغوي (2369)، والبيهقي (7/ 401، 404، 409).
(3)
زيادة من هـ.
(4)
كتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة (477).
(5)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 446):
ووقع في رواية مسلم من حديث أنس: "أن شريك بن سحماء كان أخا البراء بن مالك لأمه"، وهو مشكل، فإن أم البراء هي أم أنس بن مالك، وهي أم سليم ولم تكن سحماء ولا تسمى سحماء، فلعل شريكًا كان أخاه من الرضاعة، وقد وقع عند البيهقي في الخلافيات من مرسل محمَّد بن =
أمه، وهي أيضًا أم البراء بن مالك. وأما هو: فشريك بن عبدة بن مُغَيِّثِ (1) بن الجد بن عجلان شهد أبوه عبدة بدرًا. [قال](2) وقد روينا لعويمر العجلاني قريبًا من هذه القصة في اللعان، وإسناد كل واحدة من القصتين صحيح، فلعلهما اتفقا معًا في وقت واحد أو متقاربين. ونزلت آية اللعان في تلك الحال، لاسيما وفي حديث عويمر كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، وهو يدل على أنه كان [قد](3)
= سيرين: "أن شريكًا كان يأوي إلى منزل هلال"، وفي تفسير مقاتل: أن والدة شريك التي يقال لها سحماء كانت حبشية وقيل: كانت يمانية، وعند الحاكم من مرسل ابن سيرين:"كانت أمة سوداء"، واسم والد شريك عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان، وحكى عبد الغني بن سعيد وأبو نعيم في الصحابة أن لفظ شريك صفة لا اسم، وأنه كان شريكًا لرجل يهودي يقال له ابن سحماء، وحكى البيهقي في "المعرفة" عن الشافعي أن شريك بن سحماء كان يهوديًا، وأشار عياض إلى بطلان هذا القول وجزم بذلك النووي تبعًا له وقال: كان صحابيًا، وكذا عده جمع في الصحابة فيجوز أن يكون أسلم بعد ذلك. ويعكر على هذا قول ابن الكلبي: أنه شهد أُحُدًا؛ وكذا قول غيره أن أباه شهد بدرًا وأُحُدًا؛ فالله أعلم. اهـ.
(1)
في المفهم (5/ 2613): "مغيث"، وهو غلط، فليصحح.
(2)
في المبهمات زيادة: "قد".
(3)
زيادة من هـ، قال ابن حجر في الفتح (9/ 448) -رحمنا الله وإياه- بعد كلام سبق: وقد ذكر ابن الكلبي أن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور، وأن اسمها خولة. وقال ابن منده في "كتاب الصحابة": خولة بنت عاصم التي قذفها زوجها فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، لها ذكر ولا تعرف لها رواية -أيضًا ذكر هذا في الإِصابة (8/ 71) - وتبعه أبو نعيم، ولم يذكرا سلفهما في ذلك، وكأنه ابن الكلبي، وذكر مقاتل بن سليمان فيما حكاه القرطبي أنها =
سبق بالمسألة، وأنه عليه الصلاة والسلام سُئل عن ذلك غير مرة، وهذا يصحح القصتين معًا مع ما روينا عن جابر، قال: ما نزلت آية اللعان إلا لكثرة السؤال.
قلت: واسم المرأة خولة بنت قيس (1).
الثالث: كانت قصة اللعان في شعبان سنة تسع من الهجرة منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة حكاه القاضي (2) عن ابن
= خولة بنت قيس، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم، فأخرج من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى:"أن عاصم بن عدي لما نزلت والذين يرمون المحصنات" قال: يا رسول الله أين لأحدنا أربعة شهداء؟ فابتلي به في بنت أخيه"، وفي سنده مع إرساله ضعف.
وأخرج ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان قال: "لما سأل عاصم عن ذلك ابتلي به في أهل بيته، فأتاه ابن عمه تحته ابنة عمه، رماها بابن عمته، المرأة والزوج والحليل ثلاثتهم بنو عم عاصم. اهـ.
(1)
إكمال إكمال المعلم (4/ 139).
(2)
الثقات لابن حبان (2/ 104). قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- (9/ 449): الثاني -أي من التنبيهان- وقع في السيرة لابن حبان في حوادث سنة تسع: "ثم لاعن بين عويمر بن الحارث العجلاني وهو الذي يقال له عاصم، وبين امرأته بعد العصر في المسجد، وقد أنكر بعض شيوخنا -أقول: هو ابن الملقن كما هو هنا- قوله: وهو الذي يقال له عاصم، والذي يظهر لي أنه تحريف. اهـ.
وقال أيضًا في الفتح (9/ 447، 448).
"قال سهل بن سعد شهدت المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة سنة" ووقع في نسخة أبي اليمان عن شعيب، عن الزهري، عن سهل بن سعد قال: =
جرير الطبري، وذكره أبو حاتم ابن حبان (1) أيضًا حيث قال: سنة
= "توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة" فهذا يدل على أن قصة اللعان كانت في السنة الأخيرة من زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لكن جزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان بأن اللعان كان في شعبان سنة تسع، وجزم به غير واحد من المتأخرين، ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الدارقطني أن قصة اللعان كانت بمنصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهو قريب من قول الطبري ومن وافقه، لكن في إسناده الواقدي فلابد من تأويل أحد القولين، فإن أمكن وإلَّا فطريق شعيب أصح. ومما يوهن رواية الواقدي ما اتفق عليه أهل السير أن التوجه إلى تبوك كان في رجب، وما ثبت في الصحيحين أن هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وفي قصته أن امرأته استأذنت له النبي صلى الله عليه وسلم أن تخدمه فأذن لها بشرط أن لا يقربها فقالت: إنه لا حراك به وفيه أن ذلك كان بعد أن مضى لهم أربعون يومًا، فكيف تقع قصة اللعان في الشهر الذي انصرفوا فيه من تبوك ويقع لهلال مع كونه فيما ذكر من الشغل بنفسه وهجران الناس له وغير ذلك، وقد ثبت في حديث ابن عباس أن آية اللعان نزلت في حقه، وكذا عند مسلم من حديث أنس أنه أول من لاعن في الإِسلام، ووقع في رواية عباد بن منصور في حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فوجد عند أهله رجلًا الحديث، فهذا يدل على أن قصة اللعان تأخرت عن قصة تبوك والذي يظهر أن القصة كانت متأخرة، ولعلها كانت في شعبان سنة عشر لا تسع، وكانت الوفاة النبوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة باتفاق، فيلتئم حينئذٍ مع حديث سهل بن سعد. ووقع عند مسلم من حديث ابن مسعود "كنا ليلة جمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار فذكر القصة في اللعان باختصار، فعين اليوم لكن لم يعيّن الشهر ولا السنة.
(1)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 449): الأول -أي من =
تسع. ثم قال: ثم لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عويمر بن الحارث بن عجلان -وهو الذي يقال له عاصم- وبين امرأته بعد العصر في مسجده في شعبان. قال: وذلك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! لو أن أحدنا. . . . وساق الحديث بكماله.
وقوله: "وهو الذي يقال له: عاصم" رد عليه وإنما هو ابن عمه، وهو عاصم بن عدي وشريك وخولة وعويمر، كلهم ابن [عم](1) عاصم.
الرابع: اختلف العلماء في نزول آية اللعان (2):
= التنبيهان، وقد تقدم التنبيه الثاني-: تقدم في تفسير سورة النور (8/ 449) أن النووي -أي في مبهماته- نقل عن الواحدي أن عاصمًا أحدُ من لاعن، وتقدم إنكار ذلك، ثم وقفت على مستنده وهو مذكور في "معاني القرآن للفراء"(2/ 246). اهـ. وسيأتي في آخر التعليق الآتي بسط أكثر من هذا.
(1)
في هـ ساقطة.
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (8/ 449، 451):
قوله: (فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل وأنزل عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} كذا في هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية، وفي حديث سعد الماضي أنها نزلت في عويمر، ولفظه: "فجاء عويمر، فقال: يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، فأمرهما بالملاعنة"، وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع: فمنهم من رجح أنها =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال وصادف مجيء عويمر أيضًا، فنزلت في شأنهما معًا في وقت واحد. وقد جنح النووي إلى هذا، وسبقه الخطيب فقال: لعلهما اتفق كونهما جاءا في وقت واحد، ويؤيد التعدد أن القائل في قصة هلال سعد بن عبادة كما أخرجه أبو داود والطبري من طريق عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس مثل رواية هشام بن حسان بزيادة في أوله:"لما نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ. . . .} الآية، قال سعد بن عبادة: لو رأيت لكاعًا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتي بأربعة شهداء، ما كنت لآتي بهم حتى يفرغ من حاجته، قال: فما لبثوا إلَّا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية" الحديث. وعند الطبري من طريق أيوب عن عكرمة مرسلًا فيه نحوه، وزاد:"فلم يلبثوا أن جاء ابن عم له فرمى امرأته" الحديث. والقائل في قصة عويمر عاصم بن عدي كما في حديث سهل بن سعد في الباب الذي قبله، وأخرج الطبري من طريق الشعبي مرسلًا، قال:"لما نزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ. . . .} الآية، قال عاصم بن عدي: إن أنا رأيت فتكلمت جُلدت، وإن سكت سكت على غيظ" الحديث، ولا مانع أن تتعدد القصص ويتَّحد النزول. وروى البزار من طريق زيد بن تبيع عن حذيفة قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لو رأيت مع أم رومان رجلًا ما كنت فاعلًا به؟ قال: كنت فاعلًا به شرًّا. قال: فأنت يا عمر؟ قال: كنت أقول لعن الله الأبعد، قال: فنزلت". ويحتمل أن النزول سبق بسبب هلال، فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم، ولهذا قال في قصة هلال:"فنزل جبريل"، وفي قصة عويمر:"قد أنزل الله فيك، فيؤوَّل قوله: قد أنزل الله فيك، أي: وفيمن كان مثلك"، وبهذا أجاب ابن الصباغ في الشامل قال: نزلت الآية في هلال، وأما قوله لعويمر: "قد نزل فيك وفي =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= صاحبتك"، فمعناه ما نزل في قمة هلال، ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى قال: "أول لعان كان في الإِسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته" الحديث، وجنح القرطبي إلى تجويز نزول الآية مرتين، قال: وهذه الاحتمالات وإن بعدت أولى من تغليط الرواة الحفاظ. وقد أنكر جماعة ذكر هلال فيمن لاعن، قال القرطبي: أنكره أبو عبد الله بن أبي صفرة أخو المهلب، وقال: هو خطأ، والصحيح أنه عويمر. وسبقه إلى نحو ذلك الطبري. وقال ابن العربي: قال الناس: هو وهم من هشام بن حسان، وعليه دار حديث ابن عباس وأنس بذلك. وقال عياض في "المشارق": كذا جاء من رواية هشام بن حسان، ولم يقله غيره، وإنما القصة لعويمر العجلاني، قال: ولكن وقع في "المدونة" في حديث العجلاني ذكر شريك. وقال النووي في مبهماته: اختلفوا في الملاعن علي ثلاثة أقوال: عويمر العجلاني، وهلال بن أمية، وعاصم بن عدي. ثم نقل الواحدي أن أظهر هذه الأقوال أنه عويمر. وكلام الجميع متعقب. أما قول ابن أبي صفرة فدعوة مجردة، وكيف يجزم بخطأ حديث ثابت في الصحيحين مع إمكان الجمع؟ وما نسبه إلى الطبري لم أره في كلامه: وأما قول ابن العربي: إن ذكر هلال دار على هشام بن حسان، وكذا جزم عاض بأنه لم يقله غيره، فمردود، لأن هشام بن حسان لم ينفرد به، فقد وافقه عباد بن منصور كما قدمته، وكذا جرير بن حازم عن أيوب أخرجه الطبري وابن مردويه موصولًا قال: "لما قذف هلال بن أمية امرأته". وأما قول النووي تبعًا للواحدي وجنوحه إلى الترجيع فمرجوح، لأن الجمع مع إمكانه أولى من الترجيح. ثم قوله: "وقيل عاصم بن عدي" فيه نظر، لأنه ليس لعاصم فيه قصة أنه الذي لاعن امرأته، وإنما الذي وقع من عاصم نظير الذي وقع من سعد بن عبادة. ولما روى ابن عبد البر في "التمهيد" طريق جرير بن حازم تعقبه بأن قال: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قد رواه القاسم بن محمَّد عن ابن عباس كما رواه الناس. وهو يوهم أن القاسم سمى الملاعن عويمرًا، والذي في الصحيح:"فأتاه رجل من قومه" أي من قوم عاصم، والنسائي من هذا الوجه:"لاعن بين العجلاني وامرأته"، والعجلاني هو عويمر. اهـ.
قال أيضًا في (9/ 450):
قوله: (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك)، ظاهر هذا السياق أنه كان تقدم منه إشارة إلى خصوص ما وقع له مع امرأته، فيترجح أحد الاحتمالات التي أشار إليها ابن العربي، لكن ظهر لي من بقية الطرق أن في السياق اختصارًا، ويوضح ذلك ما وقع في حديث ابن عمر في قصة العجلاني بعد قوله:"إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتُليت به، فدل على أنه يذكر امرأته إلَّا بعد أن انصرف ثم عاد. ووقع في حديث ابن مسعود: "إن الرجل لما قال: وإن سكت لمكت على غيظ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان" وهذا ظاهره أن الآية نزلت عقب السؤال، لكن يحتمل أن يتخلل بين الدعاء والنزول زمن بحيث يذهب عاصم ويعود عويمر، وهذا كله ظاهر جدًا في أن القصة نزلت بسبب عويمر، ويعارضه ما تقدم في تفسير النور من حديث ابن عباس: "أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: البينة أو حدّ في ظهرك. فقال هلال: والذي بعثك بالحق إنني لصادق، ولينزلن فيّ ما يبرىء ظهري من الحد، فنزل جبريل فأنزل عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} الحديث. وفي رواية عباد بن منصور عن عكرمة، عن ابن عباس في هذا الحديث عند أبي داود:"فقال هلال: وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجًا. قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك إذ نزل عليه الوحي". وفي حديث أنس عند مسلم: =
هل هو بسب عويمر العجلاني أم بسبب هلال بن أمية؟ على قولين، وكل منهما ثابت في الصحيح، كما أوضحته في "تخريجي لأحاديث وسيط الغزالي". لكن الجمهور على الثاني، وقد ثبت في صحيح مسلم بأنه أول من لاعن في الإِسلام، وأوّل ابن الصباغ من أصحابنا قوله عليه الصلاة والسلام لعويمر:"إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك" بأن معناه: ما نزل في قصة هلال، لأن ذلك حكم لجميع الناس، وخالف أبو عبد الله أخو المهلب ابن أبي صفرة، فقال: الصحيح أن القاذف لزوجته هو عويمر. وهلال بن أمية خطأ، ونحوًا منه قال: الطبري، وقال: إنما. . . . هو عويمر.
وجمع النووي (1) بين القولين فقال: يحتمل أنها نزلت فيهما
= "إن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء، وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإِسلام"، فهذا يدل على أن الآية نزلت بسبب هلال، وقد قدمت اختلاف أهل العلم في الراجح من ذلك، وبينت كيفية الجمع بينهما في تفسير سورة النور بأن يكون هلال سأل أولًا ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معًا، وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل قبل النزول ثم جاء هلال بعده فنزلت عند سؤاله، فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها: "إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فوجد الآية نزلت في شأن هلال، فأعلمه صلى الله عليه وسلم بأنها نزلت فيه، يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك، لأن ذلك لا يختص بهلال. وكذا يجاب على سياق حديث ابن مسعود يحتمل أنه لما شرع يدعو بعد توجه العجلاني جاء هلال فذكر قصته فنزلت، فجاء عويمر فقال: قد نزل فيك وفي صاحبتك. اهـ.
(1)
شرح مسلم (10/ 120).
جميعًا، فلعلهما سألا في وقتين متقاربين، فنزلت الآية فيهما، وسبق هلال باللعان، فيصدق أنها نزلت في ذا وفي ذاك، وأن هلالًا أول من لاعن، وسبقه إلى ذلك الخطيب، كما سلف، والقاضي فقال: قيل لهما قصتان. قال: ويحتمل أنهما متقاربتان فنزل القرآن. والسهيلي أيضًا، فقال في "التعريف والإِعلام"(1) الحديث في كل واحد منها صحيح، فيحتمل أن تكونا قصتين، نزل القرآن في إحداهما، وحكم في الأخرى بما حكم في الأولى.
ثم ذكر مقالة أخي ابن أبي صفرة السالفة، ويحتمل كما قال القرطبي (2): إن الآية تكرر نزولها، كما قيل في الفاتحة، وهذان الاحتمالان وإن بَعُدا فهما أولى من أن يتطرق الوهم للرواة الأئمة الحفاظ.
الخامس: في ألفاظه ومعانيه:
فـ "فلان": كناية عن الأعلام، كما سلف في الحديث الأول من باب التيمم، وقد أسلفنا لك تسميته.
و"الفاحشة": هنا الزنا.
قال القرطبي: كل فحشاء في القرآن زنا، إلا قوله تعالى:{وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} (3)، فالمراد به البخل ومنع الزكاة.
(1) التعريف والإِعلام (120).
(2)
المفهم (5/ 2612).
(3)
سورة البقرة: آية 268.
وأما سؤاله فيحتمل أن يكون عن أمرٍ لم يقع، ويحتمل أنه وقع، لكن أراد إبهامه استحياء من إظهاره، فعلى الأول: قوله: "إن الذي سألتك عنه قد ابتُليت به" ظاهر لإِخفائه (1).
وعلى الثاني: يحتمل أن الحكم المسؤول عنه إنما تأخر جوابه عليه الصلاة والسلام عنه لتبين ضرورة السائل إلى معرفة الحكم عند
(1) قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 455):
قوله: (فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي) تقدم بيان المراد من ذلك، لأن عويمر بن عمرو كانت تحته بنت عاصم، أو بنت أخيه، فلذلك أضاف ذلك إلى نفسه بقوله:"ما ابتليت"، وقوله:"إلَّا بقولي"، أي بسؤالي عما لم يقع، كأنه قال: فعوقبت بوقوع ذلك في آل بيتي، وزعم الداودي أن معناه أنه قال مثلًا: لو وجدت أحدًا يفعل ذلك لقتلته، أو عير أحدًا بذلك فابتلي به، وكلامه أيضًا بمعزل عن الواقع، فقد وقع في مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم، "فقال عاصم: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا والله بسؤالي عن هذا الأمر بين الناس فابتليت به"، والذي قال: "لو رأيته لضربته بالسيف"، هو سعد بن عبادة كما تقدم في "باب الغيرة"، وقد أورد الطبري من طريق أيوب عن عكرمة مرسلًا، ووصله ابن مردويه بذكر ابن عباس قال: "لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} قال سعد بن عبادة: إن أنا رأيت لكاع يفجر بها رجل"، فذكر القصة. وفيه: "فوالله ما لبثوا إلَّا يسيرًا حتى جاء هلال بن أمية فذكر قصة، وهو عند أبي داود في رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس، فوضح أن قول عاصم كان في قصة عويمر وقول سعد بن عبادة كان في قصة هلال، فالكلامان مختلفان، وهو مما يؤيد تعدد القصة، ويؤيد التعدد أيضًا أنه وقع في آخر حديث ابن عباس عند الحاكم:"قال ابن عباس: فما كان بالمدينة أكثر غاشية منه".
وقوعه، فإن البيان إنما يجب عند الحاجة.
ويحتمل أنه تأخر لأنه لم يكن عنده علم منه، فلما نزل القرآن به تلاه عليه وعرفه الحكم والعمل بمقتضاه، ويكون قوله:"قد ابتُليت به" إخبارًا عما كان وقع وقت سؤاله أولًا.
ويحتمل أنه كان قد رفع له أمارات، فسأل عن حكمه، ثم تحققه بعد وعلمه.
وقوله: "فأنزل الله تعالى هذه الآيات" مقتضاه أن سؤاله سبب نزولها، وقد أسلفنا من نزلت فيه (1).
والوعظ: هو النصح والتذكير بالعواقب، كما قاله الجوهري (2)[فقوله](3)"وذكره" هو [ذكر](4) لبعض أفرادها ويسن للقاضي وعظها، ويبالغ عند الخامسة.
وقال الشيخ تقي الدين (5): ذكر الفقهاء استحبابها عندما تريد
(1) انظر: الوجه الرابع.
(2)
انظر: مختار الصحاح (303).
(3)
في ن هـ (وقوله).
(4)
في هـ ساقطة.
(5)
إحكام الأحكام (4/ 260).
أقول: قد جاء في حديث ابن عباس من طريق عاصم بن كليب عن أبيه، عنه، عند أبي داود والنسائي وابن أبي حاتم:"فدعا الرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فأمر به فأمسك على فيه، فوعظه فقال: كل شيء أهون عليك من لعنة الله، ثم أرسله فقال: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، وقال في المرأة نحو ذلك".
المرأة أن تتلفّظ بالغضب. قال: [وظاهر](1) هذه الرواية أنه لا يختص بالمرأة، فإنه ذكره فيها وفي الرجل، قال: فلعل هذه الموعظة عامة.
قلت: قد صرح أصحابنا بأنه يسن وعظهما، وأنه يبالغ عند الخامسة، كما قدمته.
و"بدأ" مهموز، لأنه بمعنى شرع، بخلاف ما إذا كان بمعنى ظهر، فإنه لا يهمز. وبدأ به عليه الصلاة والسلام للتأسِّي بالقرآن، قال تعالى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} (2)، والدرء يقتضي [وجود](3) سبب العذاب عليها، وذلك بلعان الزوج.
وقوله: "إن أحدكما كاذب" هو مما غلب فيه المذكر على المؤنث. قال القاضي (4): وفيه رد على من قال من النحاة إلى أن أحدًا لا تستعمل إلا في النفي، وعلى من قال: منهم لا تستعمل إلا في الوصف، وأنها لا توضع موضع واجب، ولا توقع موقع واحد، وأجاز هذا المبرد، وقد جاء في هذا الحديث في غير وصف ولا نفي، وبمعنى واحد، وقد قال تعالى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} (5)، وأقرّه النووي (6) على ذلك، ورده الفاكهي، وقال: إنه من أغرب
(1) في هـ فظاهر.
(2)
سورة النور: آية 8.
(3)
في هـ وجوب.
(4)
إكمال المعلم (5/ 86).
(5)
سورة النور: آية 6.
(6)
شرح مسلم (10/ 126).
وأعجب ما يسمع من القاضي مع براعته وحذقه، فإن الذي قاله النحاة في "أحد" التي للعموم، نحو: ما في الدار من أحد. وما جاءني من أحدٍ، ونحوهما. أما "أحد" بمعنى "واحد"، فلا خلاف في استعمالها في الإِيجاب، نحو قوله:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (1)، و {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} (2)، وهذا الحديث. وقد جمع الشاعر بين "أحد" التي للعموم والأخرى فقال:
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد
…
إلا على أحد لا يعرف القمر
فاستعمل الأولى لعمومها في النفي، والثانية: التي هي بمعنى "واحد" في الإِيجاب.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "فهل منكما تائب؟ "، يحتمل أنه إرشاد إلى التوبة بينهما وبين الله تعالى، فإنه لم يحصل اعتراف منهما أو من أحدهما.
ويحتمل أنه إرشاد للزوج، فإنه لو راجع وأكذب نفسه كان توبة. قال القاضي (3): وظاهر الحديث أنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان. والمراد بيان أنه يلزم الكاذب التوبة. [قال](4): وقال الداودي: أنه قال قبل اللعان تحذيرًا لهما منه. قال: والأول أظهر وأولى [بسياق](5) الكلام.
(1) سورة الصمد: آية 1.
(2)
سورة النور: آية 6.
(3)
انظر: إكمال إكمال المعلم (4/ 145)، وفتح الباري (9/ 458).
(4)
في هـ ساقطة.
(5)
في هـ لسياق.
وقوله: "لا سبيل لك عليها" يحتمل [رجوعه](1) إلى [التفريق](2) بعد اللعان، لعموم دخوله في عدم السبيل، ويحتمل رجوعه إلى المال.
الوجه السادس: في فوائده:
الأولى (3): الاستعداد للوقائع بعلم أحكامها قبل وقوعها إذا قلنا إن سؤاله عن أمر لم يقع، وعليه استمر عمل الفقهاء فيما فرّعوه وقرّروه من النوازل قبل وقوعها، وقد كان في السلف من يكره الحديث في الشيء قبل أن يقع، ويراه من باب التكلف. وفي الصحيح (4) من حديث سهل بن سعد أنه عليه الصلاة والسلام:"كره المسائل وعابها"، والمراد المسائل التي لا تحتاج إليها، لاسيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو مسلمة أو إشاعة فاحشة أو شناعة. قال العلماء: إذا كانت المسألة مما يحتاج إليها في أمور الدين، وقد وقعت فلا كراهة فيها ، وليس هو المراد في هذا الحديث. وقد كان المسلمون يسألون رسول الله عن الأحكام الواقعة فيجيبهم، ولا يكرهها، وإنما كره المسائل هنا وعابها لأنها لم تقع بعد، ولم يحتج إليها، وفيها شناعة على المسلمين والمسلمات وتسليط اليهود والمنافقين ونحوهم على الكلام في أعراض المسلمين وفي الإِسلام، ولأن من المسائل ما يقتضي جوابه تضييقًا. وفي الحديث الآخر:
(1) في الأصل (وقوعه)، وما أثبت من ن هـ.
(2)
في هـ التفرق.
(3)
انظر: الفتح (9/ 449، 450 - 462).
(4)
البخاري (5308)، ومسلم (1492).
"أعظم الناس جرمًا من سأل عما لم يحرم فحُرِّمَ من أجل مسألته"(1).
الثانية: الرجوع إلى الله ورسوله فيما نزل بالشخص والتثبت في أحكام الشرع.
الثالثة: وعظ المستفتي والمدعي، وذكر الدليل له، وتذكيره بالله تعالى وبالآخرة وعذابها، وتفخيم أمر الآخرة، وكذلك المستفتى عليه والمدعى عليه.
الرابعة: أجراء الأحكام على الظاهر، والله يتولى السرائر.
الخامسة: عرض التوبة على المذنبين.
السادسة: أن الزوج إذا أكذب نفسه كانت توبة.
السابعة: البداءة في الزوج في اللعان. ونقل القاضي (2) عياض وغيره فيه الإِجماع، فلو لاعنت قبله لم يصح لعانها، وصححه أبو حنيفة وطائفة، ونقله الفاكهي عن مشهور مذهبهم.
الثامنة: أن ألفاظ اللعان هي التي ذكرها الله ورسوله وهو إجماع.
واختلف أصحابنا فيما إذا أبدل لفظ الشهادة بالحلف (3) ونحوه
(1) البخاري (7289)، ومسلم (2358)، وأبو داود (4610)، والحميدي (67)، وأحمد (1/ 176، 179)، والبغوي (144)؛ ولفظه في مسلم:" [إن] أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا، من سأل عن شيء [أمرٍ] لم يحرم على المسلمين، فحُرِّم عليهم [على الناس] من أجل مسألته".
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 144).
(3)
انظر: إحكام الأحكام (4/ 261).
أو الغضب باللعن وعكسه، والأصح عدم الصحة فيه. وفي "شرح الشيخ تقي الدين"(1) أن محل الخلاف في إبدال الغضب باللعنة في جانب الرجل. أما جانبها فلا يكتفى به، وهذه طريقة "صاحب التنبيه"، والأصح جريان الخلاف في جانبها أيضًا كما أطلقت أولًا.
التاسعة: أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما حدًّا ولا تعزيرًا وإن علمنا كذب أحدهما على الإِبهام.
العاشرة: أن اللعان يكون بحضرة الإِمام أو القاضي، وأنه يلاعن بينهما.
الحادية عشرة: وقوع الفرقة بينهما بعد لعانهما.
الثانية عشرة (2): أن التفريق بينهما لا يقع بنفس التلاعن، بل
(1) إحكام الأحكام (4/ 263).
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 458) على قول البخاري: "باب التفربق بين المتلاعنين". قوله بأن: التفريق بين المتلاعنين. ثبتت هذه الترجمة للمستملى وذكرها للإسماعيلي، وتليت عند النسفي "باب" بلا ترجمة، وسقط ذلك للباقين، والأول أنسب وفيه حديث ابن عمر من طريق عبيد الله بن عمر العمري عن نافع من وجهين، ولفظ الأول "فرق بين رجل وامرأة قذفها فأحلفهما" ولفظ الثاني "لاعن بين رجل وامرأة فأحلفهما" ويؤخذ منه أن إطلاق يحيى بن معين وغيره تخطئة الرواية بلفظ "فرق بين المتلاعنين" إنما المراد به في حديث سهل بن سعد بخصوصه، فقد أخرجه أبو داود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عنه بهذا اللفظ وقال بعده "لم يتابع ابن عيينة على ذلك أحد" ثم أخرج من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير، عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ابن عمر "فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوى بني العجلان" قال ابن عبد البر: لعل ابن عيينة دخل عليه حديث في حديث. وذكر ابن أبي خيثمة أن يحيى بن معين سئل عن الحديث فقال: إنه غلط. قال ابن عبد البر: إن أراد من حديث سهل فسهل، وإلَّا فهو مردود. قلت: تقدم أيضًا في حديث سهل من طريق ابن جريج "فكانت سنة في المتلاعنين لا يجتمعان أبدًا" ولكن ظاهر سياقه أنه من كلام الزهري فيكون مرسلًا، وقد بينت من وصله وأرسله في "باب اللعان ومن طلق"، وعلى تقدير ذلك فقد ثبت هذا اللفظ من هذا الوجه فتمسك به من قال إن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم، ورواية ابن جريج المذكورة تؤيدان الفرفة تقع بنفس اللعان، وعلى تقدير إرسالها فقد جاء عن ابن عمر بلفظه عند الدارقطني، ويتأيد بذلك قول من حل التفريق في حديث الباب على أنه بيان حكم لا إيقاع فرقة، واحتجوا أيضًا بقوله في الرواية الأخرى "لا سبيل لك عليها" وتعقب بأن ذلك وقع جوابًا لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه، وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن، ويقتضي نفي تسليطه عليها بوجه من الوجوه. ووقع في آخر حديث ابن عباس عند أبي داود "وقضى أن ليس عليه نفقة ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها" وهو ظاهر في الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان، ويستفاد منه أن قوله في حديث سهل "فطلقها ثلاثًا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقها" أن الرجل إنما طلقها قبل أن يعلم أن الفرقة تقع بنفس اللعان فبادر إلى تطليقها لشدة نفرته منها، واستدل بقوله:"لا يجتمعان أبدًا" على أن فرفة اللعان على التأبيد "وأن الملاعن لو أكذب نفسه لم يحل له أن يتزوجها بعد، وقال بعضهم: يجوز له أن يتزوجها، وإنما يقع باللعان طلقة واحدة بائنة، هذا قول حماد وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن، وصح عن سعيد بن المسيب، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قالوا: ويكون الملاعن إذا أكذب نفسه خاطبًا من الخطاب، وعن الشعبي والضحاك: إذا أكذب نفسه ردت إليه امرأته. قال ابن عبد البر: هذا عندي قول ثابث، قلت: ويحتمل أن يكون معى قوله "ردت إليه" أي بعد العقد الجديد فيوافق الذي قبله، قال ابن السمعاني: لم أقف على دليل لتأبيد الفرقة من حيث النظر، وإنما المتبع في ذلك النص، وقال ابن عبد البر أبدى بعض أصحابنا له فائدة وهو أن لا يجتمع ملعون مع غير ملعون، لأن أحدهما ملعون في الجملة بخلاف ما إذا تزوجت المرأة غير الملاعن فإنه لا يتحقق. ونعقب بأنه لو كان كذلك لامتنع عليهما معًا التزويج لأنه يتحقق أن أحدهما ملعون، ويمكن أن يجاب بأن في هذه الصورة افترقا في الجملة. قال السمعاني: وقد أورد بعض الحنفية أن قوله: "المتلاعنان" يقتضي أن فرفة التأبيد يشترط لها أن يقع التلاعن من الزوجين، والشافعية يكتفون في التأبيد بلعان الزوج فقط كما تقدم، وأجاب بأنه لما كان لعانه بسب لعانها وصريح لفظ اللعن يوجد في جانبه دونها سمى الموجود منه ملاعنة، ولأن لعانه سبب في إثبات الزنا عليها فيستلزم انتفاء نسب الولدية فينتفي الفراش فإذا انتفى الفراش انقطع النكاح، فإن قيل إذا كذب الملاعن نفسه يلزم ارتفاع الملاعنة حكمًا وإذا ارتفعت صارت المرأة محل استمتاع، قلنا: اللعان عندكم شهادة، والشاهد إذا رجع بعد الحكم، وأما عندنا فهو يمين واليمين إذا صارت حجة وتعلق بها الحكم لا ترتفع، فإذا أكذب نفسه فقد زعم أنه لم يوجد منه ما يسقط الحد عنه فيجب عليه الحد ولا يرتفع موجب اللعان. اهـ. وفي كتاب الفقه الإِسلامي تفصيل لهذا المبحث (7/ 580، 582) للإِطلاع.
وقال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في زاد المعاد (5/ 390، 394): فصل: الحكم الثاني: أن فرقة اللعان فسخ، وليست بطلاق، وإلى هذا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ذهب الشافعيُّ وأحمد، ومن قال بقولهما، واحتجوا بأنها فرقة توجب تحريمًا مؤبّدًا، فكانت فسخًا كفُرقة الرضاع، واحتجوا بأن اللعان ليس صريحًا في الطلاق، ولا نوى الزوج به الطلاق، فلا يقع الطلاق، قالوا: ولو كان اللعان صريحًا في الطلاق، أو كناية فيه، لوقع بمجرد لعان الزوج، ولم يتوفف على لعان المرأة، قالوا: ولأنه لو كان طلاقًا، فهو طلاق من مدخول بها بغير عوض لم ينو به الثلاث، فكان يكون رجعيًا. قالوا: ولأن الطلاق بيد الزوج، إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، وهذا الفسخ حاصل بالشرع وبغير اختياره، قالوا: وإذا ثبت بالسنة وأقوال الصحابة، ودلالة القرآن، أن فرقة الخُلع ليس بطلاق، بل هي فسخ مع كونها بتراضيهما، فكيف تكون فرقة اللعان طلاقًا؟
فصل: الحكم الثالث: أن هذه الفرقة توجب تحريمًا مؤبدًا لا يجتمعان بعدها أبدًا. قال الأوزاعي: حدثنا الزبيدي، حدثنا من الزهري، عن سهل بن سعد، فذكر قصة المتلاعنين، وقال: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال: لا يجتمعان أبدًا.
وذكر البيهقي من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدًا.
قال: وروينا عن علي، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، قالا: مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعا أبدًا. قال: وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدًا، وإلى هذا ذهب أحمد، والشافعي، ومالك، والثوري، وأبو عبيد، وأبو يوسف.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه إن أكذب نفسه، حلَّت له، وعاد فراشه بحاله، وهي رواية شاذة شذَّ بها حنبل عنه. قال أبو بكر: لا نعلم أحدًا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رواها غيره، وقال صاحب "المغني": وينبغي أن تُحمل هذه الرواية على ما إذا لم يفرق بينهما. فأما مع تفريق الحاكم بينهما، فلا وجه لبقاء النكاح بحاله.
قلت: الرواية مطلقة، ولا أثر لتفريق الحاكم في دوام التحريم، فإن الفُرقة الواقعة بنفس اللعان أقوى من الفرقة الحاصلة بتفريق الحاكم، فإذا كان إكذاب نفسه مؤثرًا في تلك الفرقة القوية، رافعًا للتحريم الناشىء منها، فلأن يؤثر في الفرقة التي هي دونها، ويرفع تحريمها أولى.
وإنما قلنا: إن الفرقة بنفس اللعان أقوى من الفرقة بتفريق الحاكم، لأن فرقة اللعان تستند إلى حكم الله ورسوله، سواء رضي الحاكم والمتلاعنان التفريق أو أَبَوه، فهي فرقة من الشارع بغير رضي أحد منهم ولا اختياره، بخلاف ما إذا فرقة الحاكم، فإنه إنما يفرق باختياره.
وأيضًا فإن اللعان يكون قد اقتضى بنفسه التفريق لقوته وسلطانه عليه، بخلاف ما إذا توقف على تفريق الحاكم، فإنه لم يقو بنفسه على اقتضاء الفرقة، ولا كان له سلطان عليها، وهذه الرواية هي مذهبُ سعيد بن المسيب، قال: فإن أكذب نفسَه، فهو خاطب من الخطَّاب، ومذهب أبي حنيفة ومحمد، وهذا على أصله أطرد، لأن فرقة اللعان عنده طلاق. وقال سعيد بن جبير: إن أكذب نفسه، رُدَّت إليه ما دامت في العدة.
والصحيح: القول الأول الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، وهو الذي تقتضيه حكمة اللعان، ولا تقتضي سواه، فإن لعنة الله تعالى وغضبه قد حلَّ بأحدهما لا محالة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عند الخامسة:"إنها الموجبة"، أي الموجبة لهذا الوعيد، ونحن لا نعلم عين من حلَّت به يقينًا، ففرق بينهما خشية أن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يكون هو الملعون الذي قد وجبت عليه لعنة الله وباء بها، فيعلو امرأة غير ملعونة، وحكمة الشرع تأبى هذا، كما أبت أن يعلو الكافر مسلمة والزاني عفيفة.
فإن قيل: فهذا فواجب ألا يتزوج غيرها لما ذكرتم بعينه؟
قيل: لا يوجب ذلك، لأنا لم نتحقق أنه هو الملعون، وإنما تحققنا أن أحدهما كذلك، وشككنا في عينه، فإذا اجتمعا، لزمه أحد الأمرين ولابد، إما هذا وإما إمساكه ملعونة مغضوبًا عليها قد وجب عليها غضبُ الله، وباءت به، فأما إذا تزوجت بغيره، أو تزوج بغيرها، لم تتحقق هذه المفسدة فيهما.
وأيضًا فإن النفرة الحاصلة من إساءة كل واحد منهما إلى صاحبه لا تزول أبدًا، فإن الرجل إن كان صادقًا عليها، فقد أشاع فاحشتها، وفضحها على رؤوس الأشهاد، وأقامها مقام الخزي، وحقق عليها الخزي والغضب، وقطع نسب ولدها، وإن كان كاذبًا، فقد أضاف إلى ذلك بهتَها بهذه الفرية العظيمة، وإحراق قلبها بها، والمرأة إن كانت صادقة فقد أكذبته على رؤوس الأشهاد، وأوجبت عليه لعنة الله. وإن كانت كاذبة، فقد أفسدت فراشه وخانته في نفسها، وألزمته العار والفضيحة، وأحوجته إلى هذا المقام المخزي، فحصل لكل واحد منهما من صاحبه من النُّفرة والوحشة، وسوء الظن ما لا يكاد يلتئم معه شملهما أبدًا، فاقتضت حكمة من شرعه كله حكمة ومصلحة وعدل ورحمة تحتم الفرقة بينهما، وقطع الصحبة المتمحضة مفسدة.
وأيضًا فإنه إذا كان كاذبًا عليها، فلا ينبغي أن يسلَّط على إمساكها مع ما صنع من القبيح إليها، وإن كان صادقًا، فلا ينبغي أن يمسكها مع علمه بحالها، ويرضى لنفسه أن يكون زوج بغي.
فإن قيل: فما تقولون: لو كانت أمة ثم اشتراها، هل يحل له وطؤها =
لابد من تفريق الحاكم بينهما، لقوله:"ثم فرّق بينهما"، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك والشافعي والجمهور: تقع الفرقة بينهما بنفس اللعان، وتحرم على التأبيد، لكن قال الشافعي وبعض المالكية: تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده، ولا يتوقف على لعانها.
وقال بعض المالكية: [لا تحصل الفرقة بلعان الزوج، وهذا لا](1) يتوقف على لعانها، قالوا: ولا يفتقر إلى قضاء القاضي، لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا سبيل لك عليها"، وفي رواية لمسلم من حديث سهل بن سعد:"ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم"، فقال عليه الصلاة والسلام:"ذلكم التفريق بين كل متلاعنين".
وقال عثمان: لا أثر للعان في الفرقة، ولا يقع به فراق أصلًا. وحكاه الطبري عن جابر بن زيد، وهو مردود بالنصوص، ومثل هذا في الشذوذ من ادعى أنه ثلاث.
ثم اختلف القائلون بتأبيد التحريم فيما إذا كذب نفسه بعد ذلك.
= بملك اليمين؟ قلنا: لا تحل له لأنه تحريم مؤبَّد، فحرمت على مشتريها كالرضاع، ولأن المطلَّق ثلاثًا إذا اشترى مطلقته لم تحل له قبل زوج وإصابة، فهاهنا أولى، لأن هذا التحريم مؤبد، وتحريم الطلاق غير مؤبَّد. اهـ.
وسيأتي الكلام على الحكم الرابع من إحكام اللعان التي ذكرها ابن القيم في ص 120 ت (2) وهو عدم سقوط الصداق. . . . إلخ.
(1)
في هـ ساقطة.
فقال أبو حنيفة: يحل له لزوال المعنى المحرم.
وقال مالك والشافعي: لا تحل له أبدًا، لعموم قوله:"لا سبيل لك عليها".
الثالثة عشرة: أن الفرقة لا تقع بلعانهما إلَّا بالإِتيان بجميع ألفاظه المذكورة في الحديث، فلو أتى ببعضها لا يتعلق به حكم اللعان، وهو مذهب العلماء كافة، واعتبر أبو حنيفة الأكثر.
الرابعة عشرة (1): أن اللعان لا يجوز إلا بين [حرين
(1) قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في زاد المعاد (5/ 358، 360): فصل: واستُفيد من هذا الحكم النبوي عدة أحكام:
الحكم الأول: أن اللعان يصح من كل زوجين سواء كانا مسلمين أو كافرين، عدلين أو فاسقين محدودين في قذف، أو غير محدودين، أو أحدهما كذلك. قال الإِمام أحمد في رواية إسحاق بن منصور: جميع الأزواج يلتعنون، الحر من الحرة والأمة إذا كانت زوجة، والعبد من الحرة والأمة إذا كانت زوجة، والمسلم من اليهودية والنصرانية، وهذا قول مالك وإسحاق وقول سعيد بن المسيب، والحسن، وربيعة، وسليمان بن يسار.
وذهب أهل الرأي، والأوزاعي، والثوري، وجماعة إلى أن اللِّعان لا يكون إلا بين زوجين مسلمين عدلين حرين غير محدودين في قذف، وهو رواية عن أحمد.
ومأخذ القولين، أن اللعان يجمع وصفين: اليمين والشهادة، وقد سماه الله سبحانه شهادة، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينًا حيث يقول:"لولا الأيمان، لكان لي ولها شأن"، فمن غلَّب عليه حكم الأيمان قال: يصحُّ من كل من يصح يمينه. قالوا: ولعموم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أَزْوَاجَهُمْ}، قالوا: وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينًا. قالوا: ولأنه مفتقِر إلى اسم الله، وإلى ذكر القسم المؤكد وجوابه. قالوا: ولأنه يستوي فيه الذكر والأنثى، بخلاف الشهادة. قالوا: ولو كان شهادة، لما تكرَّر لفظه، بخلاف اليمين، فإنه قد يشرع فيها التكرار، كأيمان القسامة. قالوا: ولأن حاجة الزوج التي لا تصح منه الشهادة إلى اللعان ونفي الولد، كحاجة من تصح شهادته سواء، والأمر الذي ينزل به مما يدعو إلى اللعان، كالذي ينزل بالعدل الحر، والشريعة لا ترفع ضرر أحد النوعين، وتجعل له فرجًا ومخرجًا مما نزل به، وتدع النوع الآخر في الآصار والأغلال، لا فرج له مما نزل به، ولا مخرج، بل يستغيث فلا يُغاث، ويستجير فلا يُجار، إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثله، قد ضاقت عنه الرحمة التي وسعت من تصح شهادته، وهذا تأباه الشريعة الواسعة الحنيفية السمحة.
قال الآخرون: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} ، وفي الآية دليل ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه سبحانه استثنى أنفسهم من الشهداء، وهذا استثناء متصل قطعًا، ولهذا جاء مرفوعًا.
والثاني: أنه صرح بأن التعانهم شهادة، ثم زاد سبحانه هذا بيانًا، فقال:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8)} .
والثالث: أنه جعله بدلًا من الشهود، وقائمًا مقامهم عند عدمهم.
قالوا: وقد روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا لعان بين مملوكين ولا كافرين" ذكره أبو عمر بن عبد البر في "التمهيد".
وذكر الدارقطني من حديثه أيضًا، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: "أربعة ليس بينهم لعان: ليس بين الحر والأمة لعان، وليس بين الحرة والعبد لعان، =
مسلمين] (1) غير محدودين، فإن الواقعة كانت كذلك، فلو كان الزوجان أو أحدهما رقيقًا أو ذميًّا أو محدودًا في قذف فلا لعان بينهما. وبه قال الزهري والأوزاعي، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
نعم ظاهر القرآن حجة للجمهور، منهم: سعيد بن المسيب، وسلمان بن يسار، والحسن [و] ربيعة (2)، ومالك، والشافعي في صحة اللعان بين الأحرار والعبيد والمسلمين وأهل الذمة وجريانه بينهم، فإنه تعالى أطلق الأزواج ولم يفصل.
الخامسة عشرة (3): ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها،
= وليس بين المسلم واليهودية لعان، وليس بين المسلم والنصرانية لعان".
وذكر عبد الرزاق في "مصنفه"، عن ابن شهاب، قال: من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعتاب بن أسيد: أن لا لعان بين أربع، فذكر معناه.
(1)
تقديم وتأخير في هـ.
(2)
في الأصل (بن) وما أثبت من ن هـ.
(3)
قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في زاد المعاد (5/ 394، 395): فصل: الحكم الرابع: أنها لا يسقط صداقها بعد الدخول، فلا يرجع به عليها، فإنه إن كان صادقًا، ففد استحلَّ من فرجها عوض الصداق، وإن كان كاذبًا فأولى وأحرى.
فإن قيل: فما تقولون: لو وقع اللعان قبل الدخول، هل تحكمون عليه بنصف المهر، أو تقولون: يسقط جملة؟
قيل: في ذلك قولان للعلماء، وهما روايتان عن أحمد مأخذهما: أن الفرقة إذا كانت بسبب من الزوجين كلعانهما أو منهما ومن أجنبي، كشرائها لزوجها قبل الدخول، فهل يسقط الصداقُ تغليبًا لجانبها كما لو =
واستقرار جميعه لها، وهو إجماع، واختلف في غيرها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن لها نصفه كغيرها، قاله فقهاء الأمصار.
ثانيها: لا شيء لها أصلًا، لأنه فسخ، قاله الزهري وحُكي عن مالك.
ثالثها: لها جميعه إذ ليس بطلاق، قاله الحكم وحماد وأبو الزناد، وهو بعيدٌ جدًا.
السادسة عشرة: أن الملاعنة لو أكذبت نفسها لم يسقط شيء من مهرها لوجود العلة، وهي أنه مقابل لما استحل من فرجها.
= كانت مستقلة بسبب الفُرقة، أو نصفه تغليبًا لجانبه، وأنه هو المشارك في سبب الإِسقاط، والسيد الذي باعه متسبب في إسقاطه ببيعه إياها؟ فهذا الأصل فيه قولان. وكل فرقة جاءت من قبل الزوج نصَّفت الصداق كطلاقه، وإلا فسخه لعيبها، أو فوات شرط شرطه، فإنه يسقط كله، وإن كان هو الذي فسخ، لأن سبب الفسخ منها وهي الحاملة له عليه. ولو كانت الفرفة بإسلامه، فهل يسقط عنه، أو تُنصفه؟ على روايتين. فوجه إسقاطه، أنه فعل الواجب عليه، وهي الممتنعة من فعل ما يجب عليها، فهي المتسببة إلى إسقاط صداقها بامتناعها من الإِسلام، ووجه التنصيف أن سبب الفسخ من جهته. اهـ محل المقصود منه.