المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثالث 343/ 3 / 66 - عن أبي هريرة رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٨

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثالث 343/ 3 / 66 - عن أبي هريرة رضي

‌الحديث الثالث

343/ 3 / 66 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل من بني فِزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقًا. قال: فأنَّى أتاها ذلك؟ قال: عسى أن يكون نزعه عرق. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق" (1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: اسم هذا الرجل ضمضم بن قتادة، ذكره عبد الغني في "غوامضه" (2) وقال: فيه ولد مولود أسود من امرأة من بني عجل، وفيه أيضًا: فقدم عجائز بني عجل فأخبرن أنه كان للمرأة جدة سوداء.

قلت: وأما اسم المرأة وابنها فلم أره بعد البحث عنه.

(1) البخاري (5305)، ومسلم (1500)، وأبو داود (2260، 2261)، والترمذي (2128)، وابن ماجه (2002)، والنسائي (6/ 178)، والأم (5/ 132)، ومعرفة السنن والآثار (11/ 169)، وأحمد برقم (7189، 7190، 7263).

(2)

انظر غوامض الأسماء المبهمة (1/ 282)، وإيضاح الإِشكال (107).

ص: 452

الثاني: "الأورق" هو الذي فيه سواد وليس بصافٍ، قاله النووي في "شرحه"(1).

وعبارة المازري (2): هو الأسمر. وزاد القرطبي (3): الذي يميل إلى الغبرة.

وقال الأصمعي (4): هو من الإِبل الذي في لونه بياض إلى سواد، وهو أطيب الإِبل لحمًا وليس بمحمود عند العرب في عمله وسيره. ومنه قيل للرماد أورق وللحمامة ورقاء وجمعه ورق بضم الواو وإسكان الراء كأحمر وحمر. وقال أبو زيد: هو الذي يضرب لونه إلى خضرة.

وقال ابن الأعرابي: وغيره هو لون بين السواد والغبرة رمادي، وهو ما قاله النووي أولًا.

والمراد بالعرق هنا: الأصل من النسب تشبيهًا بعرق الثمرة، ومنه: فلان معرق في الحسب والنسب واللؤم والكرم.

ومعنى: "نزعه عرق" أشبهه، واجتذبه إليه، وأظهر لونه عليه، وأصل النزع الجذب، فكأنه جذبه بشبهه له. يقال: منه نزع الولد لأبيه وإلى أبيه، ونزعه أبوه ونزعه إليه.

(1) شرح مسلم (10/ 133).

(2)

المعلم (2/ 217).

(3)

المفهم (5/ 2621).

(4)

الإِبل للأصمعي (127، 150)، والمنتخب (350)؛ وانظر: كنز الحفاظ (430 ، 431)، وغريب الحديث (9812)(4/ 81)، ولسان العرب (15/ 282).

ص: 453

الثالث: في فوائده:

الأولى: حُسن [تأنى](1) المستفتي وتثبته وعدم تصريحه، فإنه عرض بنفي الولد، وفي الصحيح:"هو حينئذ يعرض بأن ينفيه"، وفيه:"أن امرأتي ولدت غلامًا أسود، وإني أنكرته"، ومعناها استغربت أنه مني لا أنه نفاه عن نفسه.

الثانية: أن التعريض بنفيه في محل الاستفتاء والضرورة لا يوجب حدًّا ولا تعزيرًا (2).

(1) في هـ (تثبت).

(2)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 443): ويؤخذ منه أن التعريض بالقذف ليس قذفًا وبه قال الجمهور، واستدل الشافعي بهذا الحديث لذلك، وعن المالكية يجب به الحد إذا كان مفهومًا.

وأجابوا: عن الحديث -بما سيأتي في آخر شرحه- وقال ابن دقيق العيد: في الاستدلال نظر، لأن المستفتي لا يجب عليه حد ولا تعزير. قلت: وفي هذا الإطلاق نظر، لأنه قد يستفتي بلفظ لا يقتضي القذف وبلفظ يقتضيه، فمن الأول أن يقول مثلًا إذا كان زوج المرأة أبيض فأتت بولد أسود فما الحكم؟ ومن الثاني: أن يقول مثلًا: إن امرأتي أتت بولد أسود وأنا أبيض فيكون تعريضًا، أو يزيد فيه مثلًا زنت فيكون تصريحًا، والذي ورد في حديث الباب هو الثاني فيتم الاستدلال، وقد نبه الخطابي على عكس هذا فقال: لا يلزم الزوج إذا صرح بأن الولد الذي وضعته امرأته ليس فيه حد قذف لجواز أن يريد أنها وطئت بشبهة أو وضعته من الزوج الذي قبله إذا كان ممكنًا. اهـ. إلى أن قال: ص 444.

وفيه أن التعريض بالقذف لا يثبت حكم القذف حتى يقع التصريح خلافًا للمالكية، وأجاب بعض المالكية أن التعريض الذي يجب به القذف =

ص: 454

[الثالثة](1): أن الولد ملحق بأبيه وإن خالف لونُه لونَه، سواء كانت المخالفة من سواد إلى بياض أو عكسه في الزوجين أو أحدهما، لعموم احتمال أنه نزعه عرق من أسلافه، وخالف في ذلك بعض أصحابنا عند وجود الريبة وهو غلط، وفي الصحيح:"فلم يرخص له في الانتفاء منه".

الرابعة: الاحتياط للأنساب وإلحاقها بمجرد الإِمكان والاحتمال.

الخامسة: إثبات القياس والاعتبار بالأشباه، وضرب الأمثال تقريبًا للأفهام، وعرض الغامض المشكل على الظاهر البين، فيرجع الخصم إليه، فإنه عليه الصلاة والسلام شبّه ولد هذا المخالف للونه بولد الإِبل المخالفة لألوانها، والعلة الجامعة هي نزع العرق، إلَّا أنه تشبيهه في أمر وجودي، والذي حصلت المنازعة فيه هو التشبيه في الأحكام الشرعية، لكن الحجة في كونه عليه الصلاة والسلام أقر العمل به في الشرعيات، ومن تراجم البخاري (2) على هذا الحديث

= عندهم هو ما يفهم منه القذف كما يفهم من التصريح، وهذا الحديث لا حجة فيه لدفع ذلك، فإن الرجل لم يرد قذفًا، بل جاء سائلًا مستفتيًا عن الحكم لما وقع له من الريبة، فلما ضرب له المثل أذعن، وقال المهلب: التعريض إذا كان على سبيل السؤال لا حدَّ فيه، وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة والمشاتمة. وقال ابن المنير: الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة، والزوج قد يعذر لصيانة النسبة. والله أعلم. اهـ.

(1)

في الأصل (الرابعة) وما أثبت من ن هـ إلى آخر المسائل.

(2)

الفتح (13/ 296).

ص: 455

باب: من شبه أصلًا معلومًا بأصل مبين، قد بين [النبي صلى الله عليه وسلم] (1) حكمهما ليفهم السائل. وذكر معه حديث:"أرأيت لو كان على أمك دين"(2).

السادسة: أن التعريض بنفي الولد ليس نفيًا، وأن التعريض بالقذف ليس قذفًا، وهو مذهب الشافعي وموافقيه (3). قاله النووي في "شرحه" (4). واعترض الشيخ تقي الدين (5) [فقال] (6):[كما](7) قيل وأشار به إليه، وفيه نظر؛ لأنه جاء على سبيل الاستفتاء، والضرورة داعية إلى ذكره وإلى عدم ترتيب الحد أو التعزير على المستفتين. وسبقه إلى ذلك القرطبي، فقال في "مفهمه"(8) في الحديث أن التعريض اللطيف إذا لم يقصد به العيب، وكان على جهة الشكوى أو الاستفتاء لم يكن فيه حد، قال: وقد استدل به من لا يرى الحد في التعريض، وهو الشافعي، ولا حجة فيه، لما ذكرنا.

وقال الخطابي (9): فيه دلالة على نفي الحد على من قال: هذا الولد ليس مني.

(1) في المخطوط (الله) وما أثبت من البخاري.

(2)

البخاري (7315).

(3)

الأم (5/ 132)، ومعرفة السنن والآثار (11/ 171).

(4)

شرح مسلم (10/ 134).

(5)

إحكام الأحكام (4/ 265).

(6)

في الأصل مكررة.

(7)

في الأصل ون هـ (كذا)، وما أثبت من إحكام الأحكام.

(8)

المفهم (5/ 2622).

(9)

انظر: سنن أبي داود (2260).

ص: 456

قال القاضي (1) ولا حجة فيه له إذ ليس فيه إلَّا إنكاره لون ولده لا إنكار الولد. ونفيه.

قلت: هو يرجع إليه.

السادسة: فيه كما قال القرطبي (2): تنبيه على استحالة التسلسل العقلي، وأن الحوادث لابد أن تستند إلى أول ليس بحادث كما يعرف في الأصول الكلامية.

(1) إكمال إكمال المعلم (4/ 152).

(2)

المفهم (5/ 2622).

ص: 457