المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[الحديث الثامن] (1) 326/ 8/ 62 - عن علي بن أبي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٨

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌[الحديث الثامن] (1) 326/ 8/ 62 - عن علي بن أبي

[الحديث الثامن]

(1)

326/ 8/ 62 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية" (2).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: "خيبر" ناحية مشهورة بينها وبين المدينة نحو أربع مراحل، وهي تشتمل على حصون ومزارع ونخل كثير، ويقال لأراضي خيبر: الخيابر. وكانت غزوتها في صفر سنة سبع، لأنه عليه الصلاة والسلام قدم من الحديبية في ذي الحجة سنة ست، ويقال: خرج لهلال ربيع الأول، وفيها عشرة آلاف مقاتل نص عليه ابن دحية في "تنويره"، ونقل ابن الطلاع (3) عن ابن هشام أنه قال: إنها كانت في صفر سنة ست.

(1) في الأصل (الحديث الخامس)، وما أثبت من ن هـ.

(2)

البخاري (4216)، ومسلم (1407)، والترمذي (1794)، وابن ماجه (1961)، والنسائي (6/ 126)، (7/ 202)، والحميدي (37)، وسعيد بن منصور (848)، والبيهقي (7/ 201)، وأبو يعلى (576).

(3)

أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم (72).

ص: 195

[الوجه](1) الثاني: أصل المتعة في اللغة: الانتفاع.

والمراد بها هنا تزويج المرأة إلى أجل مسمى بذلك، لانتفاعها بما يعطيها، وانتفاعه بها بقضاء شهوته دون قصد التوالد وسائر أعراض النكاح، ورأيت في "اللطيف" لابن خيران (2) من قدماء أصحابنا أن صفة نكاح المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بولي وشهود على صداق معلوم إلى وقت معلوم قال: إذا انقضت المدة فلا سبيل له عليها، وليس هناك طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان ولا ميراث ولا عدة.

الثالث: اضطربت الروايات في وقت تحريمها، ففي الصحيحين أنه كان يوم خيبر كما في الكتاب، وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد أنها حُرِّمت عام الفتح (3)[و](4) روي في غير الصحيح رواية شاذة أنها حرمت عام تبوك (5)، وغلطوا هذه الرواية

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

هو علي بن أحمد بن خيران أبو الحسن، ترجمته في الأسنوي (1/ 470)، وابن قاضي شهبة (1/ 120)، وطبقات ابن الصلاح (599).

(3)

مسلم (1406)، وأبو داود (2072، 2073)،والحميدي (846)، والبيهقي (7/ 207)، وابن الجارود (698)، والدارمي (2/ 140)، وأحمد (2/ 404، 405)، وأبو يعلى (938)، والطبراني في الكبير (6527، 6534)، وابن أبي شيبة (4/ 292)، وعبد الرزاق (14034).

(4)

في هـ ساقطة.

(5)

أخرجه ابن حبان (4149)، قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 154): إسناده حسن.

وأخرجه الحازمي في "الاعتبار في الناسخ والمنسوخ"(179) ومن رواية جابر، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 170): وأما قصة =

ص: 196

فإن راويها إسحاق بن راشد تفرد بذلك عن الزهري ومالك وغيره، رووه عن الزهري وفيه "يوم خيبر" وهو الصحيح.

وروى أبو داود تحريمها من حديث سبرة في "حجة الوداع"(1)، [ثم قال: إنه أصح ما روي في ذلك.

وقد رُوي عن سبرة أيضًا إباحتها في حجة الوداع] (2)، ثم حرمت حينئذٍ إلى [يوم القيامة](3).

= تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة، فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديمًا، ثم وقع التوديع منهم حينئذٍ والنهي، أو كان النهي وقع قديمًا فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة فلذلك قرن النهي بالغضب، لتقدم النهي في ذلك، على أن في حديث أبي هريرة مقالًا، فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل، وعكرمة بن عمار وفي كل منهما مقالًا.

وأما حديث جابر فلا يصح فإنه من طريق عباد بن كثير وهو متروك.

(1)

أبو داود (2073، 2074) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي (177، 178)، والناسخ والمنسوخ لابن شاهين (347، 348)، وتحريم المتعة لأبي نصر المقدسي (45).

(2)

في هـ ساقطة.

(3)

في هـ (مكة).

انظر: تعليق (5) ص 196. قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 171):

وأما حجة الوداع فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجرد إن ثبت الخبر في ذلك، لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم، فلم يكونوا في شدة ولا طول عزوبة، وإلَّا فمخرج حديث سبرة راويه هو من طريق =

ص: 197

ورُوي عن الحسن البصري: أنها ما حلت قط إلَّا في عمرة القضاء (1)، ورُوي هذا عن سبرة أيضًا، ولم يذكر مسلم في روايات حديث سبرة تعيين وقت إلَّا في رواية محمَّد بن سعيد الدارمي وإسحاق بن إبراهيم ويحيى بن يحيى فإنه ذكر فيها يوم فتح مكة، [فقالوا:] (2) وذكر الرواية بإباحتها يوم حجة الوداع خطأ، لأنه لم يكن يومئذٍ ضرورة ولا عزوبة، بل أكثرهم حجوا بنسائهم، والصحيح أن الذي جرى في تجمعهم في حجة الوداع مجرد النهي،

= ابنه الربيع عنه، وقد اختلف عليه في تعيينها، والحديث واحد في قصة واحدة، فتعين الترجيح، والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح، فتعين المصير إليها، والله أعلم. اهـ. وسيأتي كلام المصنف.

(1)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 169):

وأما رواية الحسن وهو البصري فأخرجها عبد الرزاق من طريقه وزاد: "ما كانت قبلها ولا بعدها" وهذه الزيادة منكرة من راويها عمرو بن عبيد، وهو ساقط الحديث، وقد أخرجه سعيد بن منصور من طريق صحيحة عن الحسن بدون هذه الزيادة.

وقال أيضًا (9/ 170): وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مراسيل الحسن ومراسيله ضعيفة، لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس سواء. اهـ، وقال في تلخيص الحبير (3/ 155)، بعد سياقه لرواية عبد الرزاق، وشاهده ما رواه ابن حبان في صحيحه (4147)، من حديث سبرة بن معبد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قضينا عمرتنا، قال لنا: استمتعوا من هذه النساء. اهـ.

(2)

في هـ (قالوا).

ص: 198

كما جاء في غير رواية، ويكون ذلك تجديدًا له ليبلغ عنه لكثرة الاجتماع إذن كما قرر غير شيء وبين الحلال والحرام يومئذٍ، [وثبت] (1) تحريم النكاح يومئذٍ بقوله:"إلى يوم القيامة".

الرابع: كان نكاح المتعة جائزًا في أول الإِسلام من غير شك في ذلك ولا مرية، وقد روى [إباحته](2) إذ ذاك من الصحابة ابن مسعود (3) وابن عباس وجابر (4) وسلمة بن الأكوع (5) وسبرة بن معبد الجهني (6) كما أخرج حديثهم في الصحيح، وليس في هذه الأحاديث كلها أنها كانت في الحضر، وإنما كانت في أسفارهم في الغزو عند ضرورتهم وعدم النساء مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل، وقد ذكر مسلم في حديث ابن عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليه كالميتة، وعن ابن عباس نحوه. وذكر مسلم من حديث سلمة بن الأكوع (7) إباحتها يوم أوطاس، ومن حديث سبرة إباحتها يوم الفتح، وهما واحد (8) ثم حرمت يومئذٍ، وقد سلف

(1) في هـ (وبث).

(2)

في الأصل (أبو حنيفة)، وما أثبت من هـ.

(3)

البخاري (4615)، ومسلم (1404)، ابن أبي شيبة (4/ 292)، والبيهقي (7/ 79، 200).

(4)

سيأتي تخريجه في ص 212، ت (5).

(5)

مصنف عبد الرزاق (14023).

(6)

مسلم (1406). انظر: التعليق رقم (3) ص 196.

(7)

مسلم (1404)، والبيهقي (7/ 204).

(8)

غزوة أوطاس هي غزوة حنين، وحنين وأوطاس موضعان في مكان بين مكة والطائف وتسمى غزوة هوازن، لأنهم الذين أتو لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 199

تحريمها يوم خيبر، وهو قبل الفتح، وجمع القاضي عياض بين روايات الإِباحة والتحريم فقال: يحمل ما جاء من التحريم يوم خيبر وعمرة القضاء ويوم الفتح ويوم أوطاس أنه جدد النهي عنها في هذه المواطن، لأن حديث تحريمها يوم خيبر صحيح لا مطعن فيه، بل هو ثابت من رواية الثقات الأثبات لكن في رواية سفيان بن عيينة النهي عنها وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.

وروى الحميدي (1) فيما حكاه البيهقي (2) عنه أن سفيان ذهب

(1) الحميدي (37).

(2)

سنن البيهقي (7/ 201، 202).

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 168، 169):

قوله (زمن خيبر): الظاهر أنه ظرف للأمرين، وحكى البيهقي عن الحميدي أن سفيان بن عيينة كان يقول: قوله: "يوم خيبر"، يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة، قال البيهقي: وما قاله محتمل يعني في روايته هذه، وأما غيره فصرح أن الظرف يتعلق بالمتعة، وقد مضى في غزوة خيبر من كتاب المغازي ويأتي في الذبائح من طريق مالك بلفظ:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية"، وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة أيضًا، وسيأتي في ترك الحيل في رواية عبيد الله بن عمر عن الزهري "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر"، وهذا أخرجه مسلم وزاد من طريقه "فقال: مهلًا يا ابن عباس"، ولأحمد من طريق معمر بسنده أنه "بلغه أن ابن عباس رخص في متعة النساء، فقال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الأهلية"، وأخرجه مسلم من رواية يونس بن يزيد عن الزهري مثل رواية مالك، والدارقطني من طريق ابن وهب عن مالك ويونس وأسامة بن زيد =

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ثلاثتهم عن الزهري كذلك، وذكر السهيلي أن ابن عيينة رواه عن الزهري بلفظ:"نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر، وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم". اهـ.

وهذا اللفظ الذي ذكره لم أره من رواية ابن عيينة، فقد أخرجه أحمد وابن أبي عمر والحميدي وإسحاق في مسانيدهم عن ابن عيينة باللفظ الذي أخرجه البخاري من طريقه، لكن منهم من زاد لفظ "نكاح" كما بينته، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة وإبراهيم بن موسى والعباس بن الوليد، وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمر وزهير بن حرب جميعًا عن ابن عيينة بمثل لفظ مالك، وهذا أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة، لكن قال:"زمن"، بدل "يوم"، قال السهيلي: ويتصل بهذا الحديث تنبيه على إشكال لأن فيه النهي عن نكاح المتعة يوم خيبر، وهذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر، قال: فالذي يظهر أنه وقع تقديم وتأخير في لفظ الزهري، وهذا الذي قاله سبقه إليه غيره في النقل عن ابن عيينة، فذكر ابن عبد البر من طريق قاسم بن أصبغ أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر، ثم راجعت "مسند الحميدي" من طريق قاسم بن أصبغ عن أبي إسماعيل السلمي عنه فقال بعد سياق الحديث:"قال ابن عيينة: يعني أنه نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، ولا يعني نكاح المتعة"، قال ابن عبد البر: وعلى هذا أكثر الناس، وقال البيهقي: نبه أن يكون كما قال لصحة الحديث في أنه صلى الله عليه وسلم رخص فيها بعد ذلك ثم نهى عنها، فلا يتم احتجاج علي إلَّا إذا وقع النهي أخيرًا لتقوم به الحجة على ابن عباس، وقال أبو عوانة في صحيحه: سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر، وأما المتعة فسكت عنها وإنما =

ص: 201

إلى أن هذا التاريخ يرجع إلى لحوم الحمر الأهلية خاصةً والمعنى: أنه حرم المتعة ولم يتبين متى تحريمها، ثم قال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر فيكون يوم خيبر لتحريم لحوم الحمر خاصةً ولم يتبين وقت تحريم المتعة ليجمع بين الروايات قبل، وهذا هو الأشبه أن تحريم المتعة كان بمكة.

وأما تحريم لحوم الحمر: فبخيبر بلا شك قال القاضي: وهذا حسن لو ساعده سائر الروايات عن غير سفيان، قال: والأولى ما قلناه إنه كرر التحريم، لكن يبقى بعد هذا ما جاء من ذكر إباحته في عمرة القضاء ويوم [الفتح](1) ويوم أوطاس. فيحتمل أنه عليه الصلاة والسلام أباحها لهم للضرورة بعد التحريم، ثم حرمها تحريمًا مؤبدًا، وسقط رواية إباحتها يوم حجة الوداع، لأنها مروية عن سبرة الجهني وإنما روى الثقات الأثبات عنه الإِباحة يوم فتح مكة والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم فيؤخذ من حديثه ما اتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة من النهي عنها يوم

= نهى عنها يوم الفتح. اهـ.

والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار إليه البيهقي، لكن يمكن الانفصال عن ذلك بأن عليًا لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح لوقوع النهي عنها عن قرب كما سيأتي بيانه، ويؤيد ظاهر حديث علي ما أخرجه أبو عوانة وصححه من طريق سالم بن عبد الله "أنَّ رجلًا سأل ابن عمر عن المتعة فقال: حرام، فقال: إن فلانًا يقول فيها، فقال: والله لقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرمها يوم خيبر وما كنا مسافحين". اهـ.

(1)

في هـ (فتح مكة).

ص: 202

الفتح، ويكون تحريمها يوم حجة الوداع تأكيدًا وإشاعة له كما سبق.

وأمَّا قول الحسن: "إنها كانت في عمرة القضاء لا قبلها ولا بعدها" فترده الأحاديث الصحيحة في تحريمها يوم خيبر وهي قبل عمرة القضاء وما جاء في إباحتها يوم فتح مكة ويوم أوطاس مع أن الرواية بهذا إنما جاءت عن سبرة وهو راوي الروايات الأخرى، وهي أصح فيترك ما خالف الصحيح، وقد قال بعضهم هذا مما تداوله التحريم والإباحة والنسخ مرتين أي كما في شأن القبلة، فإنها نسخت مرتين، وكذا في تحريم لحوم الحمر الأهلية، قال: هذا القائل ولا أحفظ لذلك رابعًا:

واختار النووي (1) رحمه الله في الجمع وجهًا آخر، فقال: الصواب والمختار أن التحريم والإِباحة كانا مرتين، فكانت حلالًا قبل خيبر، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم الفتح، وهو يوم أوطاس لاتصالها، ثم حرمت يومئذٍ بعد ثلاثة أيام تحريمًا مؤبدًا إلى يوم القيامة، ولا يجوز أن يقال: الإِباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد وأن الذي كان يوم الفتح مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح، لما اختاره المازري (2) والقاضي (3) لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإِباحة صريحة في

(1) شرح مسلم (9/ 181).

(2)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 131).

(3)

ذكره إكمال إكمال المعلم (4/ 12، 13).

ص: 203

ذلك فلا يجوز إسقاطها ولا مانع يمنع من تكرير الإِباحة (1).

(1) قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 169، 171):

قال السهيلي: وقد اختلف في وقت تحريم نكاح المتعة فأغرب ما روى في ذلك رواية من قال في غزوة تبوك، ثم رواية الحسن أن ذلك كان في عمرة القضاء، والمشهور في تحريمها أن ذلك كان في غزوة الفتح كما أخرجه مسلم من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه، وفي رواية عن الربيع أخرجها أبو داود أنه كان في حجة الوداع، قال: ومن قال من الرواة كان في غزوة أوطاس فهو موافق لمن قال عام الفتح. اهـ.

فتحصل مما أشار إليه ستة مواطن: خيبر، ثم عمرة القضاء، ثم الفتح، ثم أوطاس، ثم تبوك، ثم حجة الوداع، وبقي عليه حنين لأنها وقعت في رواية قد نبهت عليها قبل، فأما أن يكون ذهل عنها أو تركها عمدًا لخطأ رواتها، أو لكون غزوة أوطاس وحنين واحدة. فأما رواية تبوك فأخرجها إسحاق بن راهويه وابن حبان من طريقه من حديث أبي هريرة:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل بثنية الوداع رأى مصابيح وسمع نساء يبكين، فقال: ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله، نساء كانوا تمتعوا منهن، فقال: هدم المتعة النكاح والطلاق والميراث"، وأخرجه الحازمي من حديث جابر قال:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جاءت نسوة قد كنا تمتعنا بهن يطفن برحالنا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، قال: فغضب وقام خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذٍ فسميت ثنية الوداع". وأما رواية الحسن وهو البصري فأخرجها عبد الرزاق من طريقه وزاد: "ما كانت قبلها ولا بعدها"، وهذه الزيادة منكرة من راويها عمرو بن عبيد، وهو ساقط الحديث، وقد أخرجه سعيد بن منصور من طريق صحيحة عن الحسن بدون هذه الزيادة. وأما غزوة الفتح فثبتت في صحيح مسلم كما قال: وأما أوطاس فثبتت في مسلم أيضًا من حديث سلمة بن الأكوع. وأما =

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= حجة الوداع فوقع عند أبي داود من حديث الربيع بن سبرة عن أبيه. وأما قوله لا مخالفة بين أوطاس والفتح ففيه نظر، لأن الفتح كان في رمضان ثم خرجوا إلى أوطاس في شوال، وفي سياق مسلم أنهم لم يخرجوا من مكة حتى حرمت، ولفظه "أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتح، فأذن لنا في متعة النساء، فخرجت أنا ورجل من قومي -فذكر قصة المرأة، إلى أن قال- ثم استمتعت منها، فلم أخرج حتى حرمها"، وفي لفظ له:"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا بين الركن والباب وهو يقول بمثل حديث ابن نمير وكان تقدم في حديث ابن نمير أنه قال: "يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وأن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة"، وفي رواية: "أمرنا بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها"، وفي رواية له: "أمر أصحابه بالتمتع من النساء -فذكر القصة قال-: فكن معنا ثلاثًا، ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بفراقهن"، وفي لفظ: "فقال إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة"، فأما أوطاس فلفظ مسلم: "رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثًا، ثم نهى عنها"، وظاهر الحديثين المغايرة، لكن يحتمل أن يكون أطلق على عام الفتح عام أوطاس لتقاربهما، ولو وقع في سياقه أنهم تمتعوا من النساء في غزوة أوطاس لما حسن هذا الجمع، نعم ويبعد أن يقع الإذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح قبلها في غزوة الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة، إذا تقرر ذلك فلا يصح عن الروايات شئ بغير علة إلَّا غزوة الفتح. وأما غزوة خيبر وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة ففيها من كلام أهل العلم ما تقدم. وأما عمرة القضاء فلا يصح الأثر فيها لكونه من مرسل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد، وعلى تقدير ثبوته، فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس سواء. وأما قصة تبوك فليس في حديث أبي هريرة التصريح =

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة، فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديمًا ثم وقع التوديع منهن حينذٍ والنهي، أو كان النهي وقع قديمًا فلم يبلغ بعضهم فاستمر على الرخصة، فلذلك قرن النهي بالغضب لتقدم النهي في ذلك، على أن في حديث أبي هريرة مقالًا، فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار وفي كل منهما مقال. وأما حديث جابر فلا يصح، فإنه من طريق عباد بن كثير وهو متروك. وأما حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة، والرواية عنه بأنها في الفتح أصح وأشهر، فإن كان حفظه فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك. فلم يبقَ من المواطن كما قلنا صحيحًا صريحًا سوى غزوة خيبر وغزوة الفتح، وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم، وزاد ابن القيم في "الهدي" أن الصحابة لم يكونوا يستمتعون باليهوديات، يعني فيقوى أن النهي يقع يوم خيبر أو لم يقع هناك نكاح متعة، لكن يمكن أن يجاب بأن يهود خيبر كانوا يصاهرون الأوس والخزرج قبل الإِسلام فيجوز أن يكون هناك من نسائهم من وقع التمتع بهن فلا ينهض الاستدلال بما قال، قال الماوردي في "الحاوي": في تعيين موضع تحريم المتعة وجهان:

أحدهما: أن التحريم تكرر ليكون أظهر وأنشر حتى يعلمه من لم يكن علمه لأنه قد يحضر في بعض المواطن من لا يحضر في غيرها.

والثاني: أنها أبيحت مرارًا.

ولهذا قال في المرة الأخيرة: "إلى يوم القيامة"، إشارةً إلى أن التحريم الماضي كان مؤذنًا بأن الإِباحة تعقبه، بخلاف هذا فإنه تحريم مؤبد لا تعقبه إباحة أصلًا، وهذا الثاني هو المعتمد، ويرد الأول التصريح بالإِذن فيها في الموطن المتأخر عن الموطن الذي وقع التصريح فيه بتحريمها كما في غزوة خيبر، ثم الفتح. وقال النووي: الصواب أن =

ص: 206

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تحريمها وإباحتها وقعا مرتين فكانت مباحة قبل خيبر، ثم حرمت فيها ثم أبيحت عام الفتح وهو عام أوطاس، ثم حرمت تحريمًا مؤبدًا، قال: ولا مانع من تكرير الإِباحة، ونقل غيره عن الشافعي أن المتعة نسخت مرتين، وقد تقدم في أوائل النكاح حديث ابن مسعود في سبب الإِذن في نكاح المتعة وأنهم كانوا إذا غزوا اشتدت عليهم العزبة فأذن لهم فى الاستمتاع، فلعل النهي كان يتكرر في كل موطن بعد الإِذن، فلما وقع في المرة الأخيرة أنها حرمت إلى يوم القيامة لم يقع بعد ذلك إذن، والله أعلم.

والحكمة في جمع على بين النهي عن الحمر والمتعة أن ابن عباس كان يرخص في الأمرين معًا، وسيأتي النقل عنه في الرخصة في الحمر الأهلية في أوائل كتاب الأطعمة، فرد عليه علي في الأمرين معًا وأن ذلك يوم خيبر، فأما أن يكون على ظاهره وأن النهي عنهما وقع في زمن واحد، وإما أن يكون الإذن الذي وقع عام الفتح لم يبلغ عليًا لقصر مدة الإِذن وهو ثلاثة أيام كما تقدم. والحديث في قصة تبوك على نسخ الجواز في السفر لأنه نهى عنها في أوائل إنشاء السفر مع أنه كان سفرًا بعيدًا والمشقة فيه شديدة كما صرح به في الحديث في توبة كعب، وكان علة الإِباحة وهي الحاجة الشديدة انتهت من بعد فتح خيبر ومكة بعدها، والله أعلم.

والجواب عن قول السهيلي أنه لم يكن في خيبر نساء يستمتع بهن ظاهر مما بينته من الجواب عن قول ابن القيم لم تكن الصحابة يتمتعون باليهوديات، وأيضًا فيقال كما تقدم لم يقع في الحديث التصريح بأنهم استمتعوا في خيبر، وإنما فيه مجرد النهي، فيؤخذ منه أن التمتع من النساء كان حلالًا، وسبب تحليله ما تقدم في حديث ابن مسعود حيث قال:"كنا نغزو وليس لنا شيء -ثم قال-: فرخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب"، فأشار إلى سبب ذلك وهو الحاجة مع قلة الشيء، وكذا في حديث سهل بن سعد الذي أخرجه ابن عبد البر بلفظ: "إنما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في =

ص: 207

تتمات تتعلق بنكاح المتعة:

قال القاضي عياض (1): اتفق العلماء على أن هذه المتعة كانت نكاحًا إلى أجل لا ميراث فيه، وفراقها يحصل بانقضاء الأجل من غير طلاق ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلَّا الروافض، وكان ابن عباس يقول بإباحتها وروي عنه أنه رجع عنه، وجزم به الترمذي في "جامعه"(2) في حكايته عنه، ثم رُوي عنه أنها

= المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى عنها"، فلما فتحت خيبر وسع عليهم من المال ومن السبي فناسب النهي عن المتعة لارتفاع سبب الإِباحة، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعة بعد الضيق، أو كانت الإباحة إنما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة، وخيبر بخلاف ذلك لأنها بقرب المدينة، فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدم إذن فيها، ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة وهي غزاة الفتح وشقت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة، لكن مقيدًا بثلاثة أيام فقط دفعًا للحاجة، ثم نهاهم بعد انقضائها عنها كما سيأتي من رواية سلمة، وهكذا يجاب عن كل سفرة ثبت فيها النهي بعد الإِذن.

وأما حجة الوداع، فالذي يظهر أنه وقع فيها النهي مجردًا إن ثبت الخبر في ذلك، لأن الصحابة حجوا فيها بنسائهم بعد أن وسع عليهم فلم يكونوا في شدة ولا طول عزبة، وإلَّا فمخرج حديث سبرة راويه هو من طريق ابنه الربيع عنه، وقد اختلف عليه في تعيينها؛ والحديث واحد في قصة واحدة فتعين الترجيح، والطريق التي أخرجها مسلم مصرحة بأنها في زمن الفتح أرجح فتعين المصير إليها، والله أعلم. اهـ.

(1)

ذكره في المرجع السابق.

(2)

سنن الترمذي (1122)، ورُوي هذا عن عائشة، القاسم بن محمَّد وغيرهما. سنن البيهقي (7/ 206)، والاستذكار (16/ 297).

ص: 208

نسخت بقوله -تعالى-: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم} (1)، وقال: فكل فرج سوى هذين فهو حرام.

قال المازري (2): وتعلقت طائفة من المبتدعة بالأحاديث الواردة بإباحتها، وقد أسلفنا نسخها [و] (3) بقوله -تعالى-:{فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} ، وفي قراءة ابن مسعود (4) "وإلى أجل" قال: وهي شاذة لا يحتج بها قرآنًا ولا خبرًا، ولا يلزم العمل بها.

قال القاضي (5): وأجمعوا على أنه متى وقع نكاح المتعة الآن حكم ببطلانه، سواء كان قبل الدخول أو بعده إلَّا ما حكي عن زفر (6) من قوله "من نكح نكاح متعة تأبد نكاحه"، وكأنه جعل ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح فإنها تلغى ويفسخ النكاح، قال: ويرده قوله عليه الصلاة والسلام: "فمن كان عنده شيء منهن فليخل سبيلها"(7).

(1) سورة المؤمنون: آية 6.

(2)

المعلم بفوائد مسلم (2/ 131)، ساقه بمعناه.

(3)

في هـ ساقطة.

(4)

وأيضًا قراءة ابن عباس ذكرها ابن شاهين -رحمنا الله وإياه- في الناسخ والمنسوخ (366)، ومصنف عبد الرزاق (7/ 498)، والاستذكار (16/ 295)، والجامع لأحكام القرآن (5/ 130).

(5)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 13).

(6)

انظر: الاستذكار (16/ 301).

(7)

من حديث سبرة بن معبد، أخرجه مسلم (1406)، وابن ماجه (1962)، =

ص: 209

وقال الشيخ تقي الدين (1): وما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز فهو خطأ قطعًا، وقال أكثر الفقهاء على الاقتصار في التحريم على العقد المؤقت، وعدّاه مالك بالمعنى إلى توقيت الحل، وإن لم يكن في عقد كما إذا علق طلاق امرأته بوقت لابدَّ من مجيئه وقع عليه الطلاق الآن، وعلله أصحابه بأن ذلك تأقيت للحل، وجعلوه في معنى نكاح المتعة.

واختلف أصحاب مالك هل يحد الواطىء في نكاح المتعة، ولكن يعزر ويعاقب (2).

ومذهب الشافعي: أنه لا يحد لشبهة العقد [و](3) الخلاف فيه ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين (4) في أن الإجماع هل يرفع الخلاف وتصير المسألة مجمعًا عليها، والأصح عند أصحابنا كما

= وابن الجارود (699)، والحميدي (847)، والدارمي (2/ 140)، وأحمد (3/ 404، 405)، وعبد الرزاق (14041)، والبيهقي (7/ 203)، والطبراني (6515، 6520). انظر: زيادة في التخريج ص 196، ت (3).

(1)

إحكام الأحكام (4/ 195).

(2)

العبارة هكذا في المفهم (4/ 93)، واختلف أصحابنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يحد ولا يلحق به الولد؟ أو يدفع الحدُّ بالشبهة ويلحق الولد على قولين، ولكن يعزَّر ويعاقب. اهـ. محل المقصود منه.

(3)

في شرح مسلم زيادة (شبهة).

(4)

المحصول (4/ 190، 191) ، والإِحكام للآمدي (1/ 278)، وتمهيد الأسنوي (139)، والبحر المحيط (4/ 528، 530)، والمستصفى (1/ 205)، والمنتقى للباجي (3/ 336).

ص: 210

نقله عنهم النووي في "شرحه لمسلم"(1) أنه لا يرفعه، بل يدوم الخلاف ولا تصير المسألة بعد ذلك مجمعًا عليها أبدًا، قال: وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني.

قلت: وهو مذهب الصيرفي (2) أيضًا، واختار ابن الحاجب أنه يرفعه ويحتج به، ونقله في "البرهان" عن معظم الأصوليين.

وحكى القرطبي (3): خلافًا عن المالكية في لحوق هذا الولد أيضًا.

قال القاضي (4): وأجمعوا على أن من نكح نكاحًا مطلقًا ونيته أن لا يمكث معها إلَّا مدة نواها فنكاحه صحيح وحلال وليس نكاح متعة وإنما نكاح المتعة ما وقع بالشرط المذكور، ولكن قال مالك: ليس هذا من أخلاق الناس.

وشذ الأوزاعي (5) فقال: هو نكاح متعة ولا خير فيه.

ولو تزوجها على أن لا يأتيها نهارًا أو لا يأتيها ليلًا، فروى محمَّد عن ابن القاسم عن مالك أنه مكروه ولا أحرمه،

(1) شرح مسلم.

(2)

قال الزركشي في البحر المحيط (4/ 528 ، 530)، أنه لم يرَ قول الصيرفي في المنسوب إليه في كتابه، بل الظاهر كلامه يشعر بالوفاق في مسألة عدم استقرار الخلاف. اهـ.

(3)

المفهم (5/ 2338).

(4)

إكمال إكمال المعلم (4/ 114).

(5)

انظر: الاستذكار (16/ 301).

ص: 211

قال ابن القاسم: ويفسخ قبل البناء ويثبت بعده (1)[صداق](2)[المثل](3)، وقال ابن الجلاب: يفسخ بعده ويجب فيه المسمى، وبه قال محمَّد [منهم](4).

فرع: لو قال نكحتها متعة فوجهان لأصحابنا وجه الصحة أن المصحح وهو لفظ النكاح قد وجد، وقوله:"متعة"، يحتمل أنه يريد به هذه المتعة المعنى اللغوي وهو الاستمتاع الذي هو [قصد](5) العقد فنزل الإطلاق عليه.

تنبيه: قول جابر في "صحيح مسلم"(6): "استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر" محمول على أنه لم يبلغه النسخ.

وقوله فيه: "حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث" يعني حين بلغه النسخ.

[الوجه الرابع](7): من الكلام على الحديث فيه أيضًا تحريم لحم الحمر الأهلية وهو مذهب الشافعي والعلماء كافةً إلَّا طائفة يسيرة

(1) ذكره الباجي في المنتقى (3/ 335)، وأيضًا ذكره في مبحث نكاح المتعة في التفريع (2/ 49).

(2)

غير موجودة في المرجع السابق زيادة من النسخ.

(3)

زيادة من ن هـ وغير موجودة في المرجع السابق.

(4)

في هـ ساقطة.

(5)

في الأصل (قضية)، وما أثبت من ن هـ.

(6)

صحيح مسلم (1407)، والناسخ والمنسوخ لابن شاهين (365) ومصنف عبد الرزاق (14021).

(7)

في هـ (الوجه الخامس).

ص: 212

من السلف، فعن ابن عباس وعائشة وبعض السلف: الإباحة والتحريم.

وروي عن مالك: الكراهة والتحريم والأظهر أنها مغلظة الكراهة جدًّا، والثاني: أنها محرمة بالسنة، أي بهذا الحديث وغيره.

ووقع بين الصحابة اضطراب في علة التحريم، هل حرمت لعينها، أو لأنها لم تخمس، أو لأنها ظهر فكره أن تذهب حمولة الناس، [أو لأنها محرمة بالسنة -أي بهذا الحديث وغيره- أو لإِنها](1) جِوالة بالقرية، أي تأكل الجَلة -بفتح الجيم- فهذا منشأ الخلاف المذكور لأرباب هذه [العلل](2)، مذهب التحريم وما عدا التعليل الأول ذكره البخاري في صحيحه (3) في باب غزوة خيبر فذكر عقب حديث ابن أبي أوفى:"لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئًا"، قال ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس ثم قال: وقال بعضهم: نهى عنها البتة لأنها كانت تأكل العذرة ثم ذكر بعده بأسطر عن ابن عباس مسندًا "لا أدري أنهى عنه من أجل أنه كان حمولة الناس، فكره أن تذهب حمولتهم"(4).

(1) في هـ ساقطة.

(2)

في هـ (العلة).

(3)

البخاري فتح (7/ 481، 482).

(4)

قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (8/ 655، 656):

قوله (ولكن أبى ذلك البحر ابن عباس): و"أبى" من الإِباء أي امتنع، والبحر صفة لابن عباس قيل له لسعة علمه، وهو من تقديم الصفة على الموصوت بالغة في تعظيم الموصوف كأنه صار علمًا عليه، وإنما ذكر لشهرته بعد ذلك لاحتمال خفائه على بعض الناس، ووقع في رواية ابن =

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= جريج: "وأبى ذلك البحر يريد ابن عباس"، وهذا يشعر بأن في رواية ابن عيينة إدراجًا.

قوله: (وقرأ قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرمًا) في رواية ابن مردويه وصححه الحاكم من طريق محمَّد بن شريك عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، قال:"كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرًا"، فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحلَّ حلاله وحرَّم حرامه، فما أحل فيه فهو حلال، وما حرم فيه فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا هذه:"قل لا أجد إلى آخرها"، والاستدلال بهذا للحل إنما يتم فيما لم يأتِ فيه نص عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه، وقد تواردت الأخبار بذلك والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس، وقد تقدم في المغازي عن ابن عباس أنه توقف في النهي عن الحمر: هل كان لمعنى خاص، أو للتأبيد؟ ففيه عن الشعبي عنه أنه قال: لا أدري أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم، أو حرمها البتة يوم خيبر؟ وهذا التردد أصح من الخبر الذي جاء عنه بالجزم بالعلة المذكورة، وكذا فيما أخرجه الطبراني وابن ماجه من طريق شقيق بن سلمة عن ابن عباس قال:"إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر"، وسنده ضعيف، وتقدم في المغازي في حديث ابن أبي أوفى: فتحدثنا أنه إنما نهى عنها لأنها لم تخمس"، وقال بعضهم: نهى عنها لأنها كانت تأكل العذرة، قلت: وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو كانت انتهبت حديث أنس المذكور قبل هذا حيث جاء فيه "فإنها رجس"، وكذا الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة، قال القرطبي: قوله: "فإنها رجس" ظاهر في عود الضمير على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها، وهذا حكم المتنجس، فيستفاد منه تحريم أكلها، =

ص: 214

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وهو دال على تحريمها لعينها لا لمعنى خارج. وقال ابن دقيق العيد: الأمر بإكفاء القدر ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر، وقد وردت علل أخرى إن صح رفع شيء منها وجب المصير إليه، لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة، وحديث أبي ثعلبة صريح في التحريم فلا معدل عنه، وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل، فإن في حديث جابر النهي عن الحمر والإِذن في الخيل مقرونًا، فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزتها وشدة حاجتهم إليها. والجواب عن آية الأنعام أنها مكية وخبر التحريم متأخر جدًا فهو مقدم، وأيضًا فنص الآية خبر عن الحكم الموجود عند نزولها، فإنه حينئذٍ لم يكن نزل في تحريم المأكول إلَّا ما ذكر فيها، وليس فيها ما يمنع أن ينزل بعد ذلك غير ما فيها، وقد نزل بعدها في المدينة أحكام بتحريم أشياء غير ما ذكر فيها كالخمر في آية المائدة، وفيها أيضًا تحريم ما أهل لغير الله به والمنخنقة إلى آخره، وكتحريم السباع والحشرات، قال النووي: قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم، ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافًا لهم إلَّا عن ابن عباس، وعند المالكية ثلاث روايات، ثالثها الكراهة، وأما الحديث الذي أخرجه أبو داود عن غالب بن الحر قال:"أصابتنا سنة، فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلَّا سمان حمر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة، قال: أطعم أهلك من سمين حمرك، فإنما حرمتها من أجل جوالي القرية"، يعني الجلالة، وإسناده ضعيف، والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، فالاعتماد عليها. وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية:" أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر الأهلية فقال: أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر؟ قال: نعم، قال: فأصب من لحومها"، =

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة قال: "سألت" فذكر نحوه، ففي السندين مقال، ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم. قال الطحاوي: لو تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها لأن كل ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيًا كالخنزير، وقد أجمع العلماء على حل الحمار الوحشي فكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي.

قلت: ما ادعاه من الإِجماع مردود، فإن كثيرا من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره من الحيوان الوحشي كالهر. اهـ. -ساق ابن حجر -رحمنا الله وإياه- على الحديث فوائد منها-.

وفي الحديث أن الذكاة لا تطهر ما لا يحل أكله، وأن كل شيء تنجس بملاقاة النجاسة يكفي غسله مرة واحدة لإطلاق الأمر بالغسل فإنه يصدق بالامتثال بالمرة، والأصل أن لا زيادة عليها، وأن الأصل في الأشياء الإِباحة لكون الصحابة أقدموا على ذبحها وطبخها كسائر الحيوان من قبل أن يستأمروا مع توفر دواعيهم على السؤال عما يشكل، وأنه ينبغي لأمير الجيش تفقد أحوال رعيته، ومن رآه فعل ما لا يسوغ في الشرع أشاع منعه إما بنفسه كأن يخاطبهم وإما بغيره بأن يأمر مناديًا فينادي لئلا يغتر به من رآه فبظنه جائزًا. اهـ.

وقد اختلف في سبب النهي عن الحمر على أربعة أقوال، وهي في الصحيح:

أحدها: لأنها كانت جوال القرية، كما في حديث غالب هذا، وهذا قد جاء في بعض طرق حديث عبد الله بن أبي أوفى: "أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية، فانتحرناها، فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أكفئوا القدور، ولا تأكلوا من =

ص: 216

وحكى الماوردي (1): من أصحابنا وجهين في أنها حرمت بالنص أو باستخباث العرب لها، وأما حديث "أطعم أهلك من سمين حمرك" أخرجه أبو داود (2) فاتفق الحفاظ على تضعيفه كما قاله النووي في "شرح (3) المهذب"، ثم لو صحَّ يحمل على حال

= لحوم الحمر شيئًا"، فقال أناس: إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس، وقال آخرون: نهى عنها البتة.

وقال البخاري في بعض طرقه: "نهى عنها البتة، لأنها كانت تأكل العذرة"، فهاتان علتان.

العلة الثالثة: حاجتهم إليها، فنهاهم عنها إبقاءً لها، كما فى حديث ابن عمر المتفق عليه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية"، زاد في طريق أخرى "وكان الناس قد احتاجوا إليها".

العلة الرابعة: أنه إنما حرمها لأنها رجس في نفسها، وهذه أصح العلل، فإنَّها هي التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه، كما في الصحيحين عن أنس قال:"لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصبنا حمرًا خارجة من القرية، وطبخناها، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إنَّ الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنها رجس من عمل الشيطان"، فهذا نص في سبب التحريم، وما عدا هذه من العلل فإنما هي حدس وظن ممن قاله. اهـ.

(1)

الحاوي الكبير (19/ 167).

(2)

أبو داود (3809)، والعلل للرازي (1491)، والبيهقي (9/ 332)، وابن سعد (6/ 31)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 656): وإسناده ضعيف، والمتن شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، فالاعتماد عليها. اهـ. وضعفه النووي في شرح مسلم (13/ 92)، والقرطبي في المفهم (5/ 224).

(3)

المجموع شرح المهذب (9/ 6). =

ص: 217

الاضطرار.

وتقييد الحديث "بالأهلية" وفي رواية "بالإِنسية" يخرج الوحشية فإنها من الطيبات ولا خلاف في حلها.

= وقد ساق ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في تهذيب السنن: الأحاديث الواردة في تحريم الحمر الأهلية (5/ 317، 324).

ص: 218