الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
[الحديث السابع
325/ 7/ 62 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه ابنته، وليس بينهما صداق" (2).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: هذا الحديث رواه الشيخان من حديث مالك عن نافع، عن ابن عمر باللفظ المذكور، وفي مسلم أن عبيد الله رواه عن نافع عن ابن عمر بمثله، غير أن في حديثه قلت لنافع: ما الشغار؟
وقال الخطيب في كتابه "المدرج"(3): تفسير الشغار ليس من
(1) من هنا ساقط في الأصل.
(2)
البخاري (5112)، ومسلم (1415)، والترمذي (1124)، والنسائي (6/ 100، 112)، وأبو داود (2074)، والدارمي (2/ 136)، وابن ماجه (1883)، والبيهقي (7/ 199، 200)، ومالك (2/ 535)، وأحمد في المسند (2/ 7، 19، 35 ، 62 ، 91) ، والشافعي في الأم (5/ 76، 174).
(3)
الفصل للوصل المدرج في النقل (1/ 385).
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 162، 163): =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قوله (والشغار أن يزوج الرجل ابنته إلخ): قال ابن عبد البر، أي في الاستذكار (24/ 201): ذكر تفسير الشغار جميع رواة مالك عنه. قلت: ولا يرد على إطلاقه أن أبا داود أخرجه عن القعنبي فلم يذكر التفسير، وكذا أخرجه الترمذي من طريق معن بن عيسى لأنهما اختصرا ذلك في تصنيفهما، وإلَّا فقد أخرجه النسائي من طريق معن بالتفسير، وكذا أخرجه الخطيب في "المدرج" من طريق القعنبي، نعم اختلف الرواة عن مالك فيمن ينسب إليه تفسير الشغار، فالأكثر لم ينسبوه لأحد، ولهذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في "المعرفة": لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك، ونسبه محرز بن عون وغيره لمالك. قال الخطيب: تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع، وقد بين ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون، ثم ساقه كذلك عنهم، ورواية محرز بن عون عند الإسماعيلي والدارقطني في "الموطآت"، وأخرجه الدارقطني أيضًا من طريق خالد بن مخلد عن مالك قال: سمعت أن الشغار أن يزوج الرجل إلخ، وهذا دال على أن التفسير من منقول مالك لا من مقوله. ووقع عند المصنف -كما سيأتي في كتاب ترك الحيل- من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع في هذا الحديث تفسير الشغار من قول نافع ولفظه "قال عبيد الله بن عمر، قلت لنافع: ما الشغار؟ فذكره" فلعل مالكًا أيضًا نقله عن نافع، وقال أبو الوليد الباجي: الظاهر أنه من جملة الحديث، وعليه يحمل حتى يتبين أنه من قول الراوي وهو نافع. قلت: قد تبين ذلك، ولكن لا يلزم من كونه لم يرفعه أن لا يكون في نفس الأصل مرفوعًا، فقد ثبت ذلك من غير روايته، فعند مسلم من رواية أبي أسامة وابن نمير عن عبيد الله بن عمر أيضًا عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مثله سواء، قال: وزاد ابن نمير: "والشغار أن يقول الرجل للرجل زوجني =
كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول مالك، وصل بالمتن المرفوع. وقد بين ذلك القعنبي وغيره، ففصلوا كلامه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكذلك روى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام "نهى عن الشغار"، ثم قال عبيد الله: قلتُ لنافع: ما الشغار؟ فقال: مثل قول مالك.
وحكى البيهقي (1) عن الشافعي أنه قال: التفسير في خبر ابن عمر لا أدري هو من النبي صلى الله عليه وسلم أو من ابن عمر أو من نافع أو من مالك. وذكر البيهقي (2) ما ينفيه عن مالك ويثبته لنافع، وقال الباجي (3): الظاهر أنه من جملة الحديث وعليه يُحمل حتى يتبين
= ابنتك وأزوجك ابنتي وزوجني أختك وأزوجك أختي"، وهذا يحتمل أن يكون من كلام عبيد الله بن عمر فيرجع إلى نافع، ويحتمل أن يكون تلقاه عن أبي الزناد، ويؤيد الاحتمال الثاني وروده في حديث أنس وجابر وغيرهما أيضًا، فأخرج عبد الرزاق عن معمر عن ثابت وأبان عن أنس مرفوعًا "لا شغار في الإِسلام، والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته" وروى البيهقي من طريق نافع بن يزيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا "نهى عن الشغار، والشغار أن ينكح هذه بهذه بغير صداق، بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه"، وأخرج أبو الشيخ في كتاب النكاح من حديث أبي ريحانة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المشاغرة، والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر. اهـ.
(1)
الشافعي في الأم (5/ 76)، والبيهقي في السنن (7/ 200)، ومعرفة السنن (10/ 166).
(2)
في المرجع السابق.
(3)
المنتقى للباجي (3/ 310).
أنه من قول الراوي، وقال القرطبي في "مفهمه"(1)، جاء تفسير الشغار في حديث ابن عمر من قول نافع، وجاء في حديث أبي هريرة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مساقه وظاهره الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون من تفسير أبي هريرة أو غيره من الرواة أعني في حديث أبي هريرة، وكيف ما كان فهو تفسير صحيح موافق لما حكاه أهل اللسان، فإن كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المقصود، وإن كان من قول صحابي فمقبول، لأنهم أعلم بالمقال واقعد بالحال، وكذا قال الشافعى نقلًا عن الأئمة إن هذا التفسير يجوز أن يكون مرفوعًا وأن يكون من ابن عمر.
الوجه الثاني: الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة (2) وجابر بن عبد الله (3) أيضًا، وهما من أفراده كما نبه عليه عبد الحق، ورواه الترمذي من حديث عمران بن حصين (4) وصححه، ثم قال: وفي الباب عن أنس (5)، وأبي ريحانة، ومعاوية (6) ووائل بن
(1) المفهم للقرطبي (5/ 2366).
(2)
صحيح مسلم (1416)، والنسائي (6/ 112)، وأحمد (2/ 286، 439، 496)، وابن أبي شيبة (4/ 380).
(3)
مسلم (1417)، والبيهقي (7/ 200)، وأحمد (3/ 321، 339).
(4)
الترمذي (1123)، والنسائي (6/ 112)، وأحمد (4/ 429، 439، 441، 443)، والطيالسي (838)، وابن أبي شيبة (4/ 380).
(5)
النسائي (6/ 111)، والبيهقي (7/ 200)، وأحمد (3/ 162، 165)، وابن ماجه (1885)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 265)، وقال: رجاله رجال الصحيح.
(6)
أبو داود (2075)، والبيهقي (7/ 200)، وأحمد (4/ 94).
حجر (1)، ثم ذكر جابرًا وابن عمر وأبا هريرة، وزاد ابن منده في "مستخرجه" عبد الله بن عمرو (2) وعمرو بن عوف.
الوجه الثالث: الشغار، -بكسر الشين وبالغين المعجمة- مصدر شاغر، يشاغر، شغارًا، وهو مفاعلة ولا يكون إلَّا بين اثنين غالبًا، واختلف أهل اللغة في أصله على أقوال:
أقربها: أنه مأخوذ من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول قاله ثعلب، وكأن كل واحد منهما يقول لا ترفع رجل ابنتي ما لم أرفع رجل ابنتك، أو لأن المرأة ترفع رجلها عند الجماع.
وقال ابن قتيبة: كل واحد منهما يشغر عند الجماع، وأصله للكلب إذا رفع رجله ليبول.
وحكى الجاحظ (3): أن شغور الكلب علامة بلوغه وأنه يبلغ بعد ستة أشهر من عمره.
ثانيها: أنه من شغر البلد عن السلطان إذا خلى، لخلوه عن المهر.
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 269)، وقال: رواه البزار وفيه سعيد بن عبد الجبار بن وائل ضعفه النسائي.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 215، 216)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 269)، رجاله رجال الصحيح خلا محمَّد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث.
(3)
هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، أبو عثمان معلم العلم والأدب، له مؤلفات منها: الحيوان، البخلاء، البيان والتبيين.
ثالثها: أنه من البعد ومنه قولهم: بلد شاغر إذا كان بعيدًا من الناصر والسلطان، فكأنه بعد عن طريق الحق، قاله الفراء.
وقال أبو زيد: أشغر الأمر به أي اتسع وعظم. وقال غيره: يقال بلدة شاغرة، أي مفتتنة لا تمتنع من الغارة (1).
الوجه الرابع: كان الشغار من نكاح الجاهلية يقول: شاغرنى وليتي بوليتك أي عاوضني جماعًا بجماع، وصورته: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، ويضع كل واحد منهما صداق الأخرى، فيقول: قبلت. وأجمع العلماء على أنه منهي عنه، لكن اختلفوا هل هو نهي يقتضي إبطال النكاح أو لا؟ فعند الشافعي نعم، وحكاه الخطابي (2) عن أحمد وإسحاق وأبي عبيد، وذكر أصحاب الشافعي في بطلانه من جهة المعنى شيئين:
أحدهما: أن فيه تشريكًا في البضع، لأن كل واحد منهما جعل بضع موليته موردًا للنكاح وصداقًا للأخرى، فأشبه ما لو زَوجَ امرأةٌ من رجلين لا يصح النكاح.
والثاني: عن القفال أن سبب الفساد التعليق كأنه يقول: لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك. وكان للعرب
(1) انظر: لسان العرب (7/ 144، 145)، والفائق (1/ 17)، والعين (4/ 358)، وجمهرة اللغة (2/ 344)، والنهاية (2/ 482)، والنظم المستعذب (2/ 138، 139)، والحاوي (11/ 443)، والمعلم (2/ 140).
(2)
معالم السنن (3/ 20)، والاستذكار (16/ 202، 204).
أنفة وحمية جاهلية فلا يرضون بأن يزوجوا حتى يزوجوا، وبنوا على ذلك ما لو لم يجعلا البضع صداقًا بأن قال: زوجني ابنتك على أن [أزوجك ابنتي](1)، وصححوا الصحة لعدم التشريك في البضع، وما لو سميا مالًا مع جعل البضع صداقًا، والأصح البطلان لقيام معنى التشريك. وقال مالك (2): يفسخ قبل الدخول وبعده، والفسخ يقتضي صحته، وفي رواية عنه قبله ولا بعده. واختلفت المالكية إذا فسخ هل هو طلاق أو بغيره، والذي رجع إليه ابن القاسم الأول، وعند مالك أنه إذا سمى صداقًا يكون من باب الشغار لا من صريحه.
وقال] (3) جماعة: يصح بمهر المثل، وهو مذهب أبي حنيفة (4)، وحُكِي عن عطاء والزهري والليث، وهو رواية عن أحمد وإسحاق، وبه قال أبو ثور وابن جرير، وحكى [القاضي] (5) عن أحمد أنه إذا سمى صداقًا فليس بشغار قال: وهو قول الكوفيين قالوا: ولها ما سمى، وهو قول بعض المالكية أيضًا، وفرقت المالكية أيضًا بين صريح الشغار ووجه الشغار. والثاني: كزوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتي بمائة أو بخمسين. فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده ويكون لها مهر المثل إلَّا أن تكون أقل من المسمى فلا ينتقص منه شيء فإن كانت إحداهما بصداق مسمى والأخرى بغير
(1) في هـ (تزوجني ابنتك)، وهو خطأ.
(2)
الاستذكار (16/ 202).
(3)
نهاية سقط في الأصل.
(4)
الاستذكار (16/ 203).
(5)
زيادة من هـ.
صداق كان حكم المسمى لها حكم وجه الشغار والأخرى لها حكم صريحه.
الوجه الخامس: أجمعوا على أن الحكم لا يختص بمن ذكر في الحديث بل غير البنات من الأخوات وبنات الأخ والعمات وبنات الأعمام والإماء كالبنات، وقد ذكر مسلم الأختين في حديث أبي هريرة (1).
السادس: قوله: "وليس بينهما صداق" فيه إشعار بأن جهة الفساد ذلك، وإن كان يحتمل أن يكون ذكر ذلك لملازمته لجهة الفساد نبه عليه الشيخ تقي الدين (2)، ثم قال: وعلى الجملة ففيه إشعار بأن عدم الصداق له مدخل في النهي. وعدمه مفسد عند مالك.
[السابع](3): اقتصر البغوي في "شرح السنة"(4) في الحكاية عن مالك على البطلان قال: وشبهه أبو علي بن أبي هريرة برجل زوج ابنته، واستثنى عضوًا من أعضائها، لأن كل واحد زوج وليته، واستثنى بضعها، حيث جعله صداقًا لصاحبتها، ثم حكي عن الشافعي أنه لو سُمَّي لهما أو لأحدهما صداق، فليس بالشغار المنهي عنه، والنكاح ثابت والمهر فاسد، ولكل واحد منهما مهر مثلها،
(1) مسلم (1416).
(2)
إحكام الأحكام (4/ 192).
(3)
في هـ (تنبيه).
(4)
(9/ 98، 99).
وهذا وجه عندنا وهو ظاهر نصه في "المختصر"(1)، وصحح الرافعى البطلان أيضًا وهو ما قدمناه وهو ما نص عليه في "الأم"(2)، واقتصر عليه الترمذي (3) في حكايته عنه حيث قال: وقال بعض أهل العلم: نكاح الشغار منسوخ ولا يحل، وإن جعل لهما صداقًا، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق.
(1) مختصر المزني (174).
(2)
الأم (5/ 74).
(3)
سنن الترمذي (3/ 423).