المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول 322/ 1/ 63 - عن أنس بن مالك رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٨

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول 322/ 1/ 63 - عن أنس بن مالك رضي

‌الحديث الأول

322/ 1/ 63 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها"(1).

الكلام عليه من وجوه:

الأول: في التعريف براويه، وقد سلف في باب الاستطابة، ونبهنا عليه لطول العهد.

وصفية: تقدمت في باب الاعتكاف.

الأول: اختلف أصحابنا في معنى هذا الحديث على أربعة أوجه:

أحدها: أنه أعتقها بشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء بخلاف غيره، وهذا يقتضي إنشاء عقد بعد ذلك.

(1) البخاري (4200)، ومسلم (1365)، والثاني (6/ 114، 115)، والدارمي (2/ 154)، وابن الجارود (721)، وابن ماجه (1957)، والدارقطني (3/ 286)، والبغوي (2273، 2274)، وأحمد (3/ 181، 239، 242، 280، 291)، وأبو يعلى (3351)، والطيالسي (1991)، وأبو داود (2054)، والبيهقي (7/ 28)، وعبد الرزاق (13107)، والمعجم الصغير (386).

ص: 275

ثانيها: أنه جعل نفس العتق صداقًا، وجاز له ذلك بخلاف غيره، وهذا ما أورده الماوردي (1).

ثالثها: أنه أعتقها بلا عوض، وتزوجها بلا مهر، لا في الحال ولا في المآل. وهذا أقرب إلى الحديث، قال النووي في "الروضة" (2): وهذا أصحها وسبقه إلى ذلك ابن الصلاح، فقال في "مشكله" إنه أصح وأقرب إلى الحديث، وحكى عن أبي إسحاق وقطع به البيهقي (3) فقال: أعتقها مطلقًا، قال ابن الصلاح: فيكون معنى قوله: "وجعل عتقها صداقها" أنه لم يجعل لها شيئًا غير العتق، فحل محل الصداق، وإن لم يكن صداقًا، وهو من قبيل قولهم: الجوع زاد من لا زاد له.

رابعها: أنه أعتقها على شرط أن يتزوجها، فوجب له عليها قيمتها فتزوجها به، وهي مجهولة، وليس لغيره أن يتزوج بصداق مجهول. حكاه الغزالي في "وسيطه" نعم لنا وجه في صحة إصداق قيمة الأمة المعتقة المجهولة إذا أعتقها عليه بالنسبة إلينا، وهو يرد على قول الغزالي في "وسيطه" فيه خاصة بالاتفاق إلَّا أن يكون القائل بالصحة في حق غيره غير القائل بالصحة هنا.

وقال أبو محمَّد بن حزم (4): ما وقع في الحديث سنة جائزة

(1) الحاوي الكبير (11/ 42).

(2)

الروضة (7/ 10، 11)، وشرح مسلم (10/ 221).

(3)

سنن البيهقي (7/ 128).

(4)

المحلى (9/ 501، 507).

ص: 276

صحيحة لكل من أراد أن يفعل مثل ذلك إلى يوم القيامة، وكذا قال الترمذي (1): فإنه لما أخرج الحديث السالف قال: حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة وغيرهم، قال: وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وكره بعض أهل العلم أن يجعل عتقها صداقها، حتى يجعل لها مهرًا سوى العتق. قال: والقول الأول أصح.

وترجم البخاري (2) على الحديث، باب: من جعل عتق الأمة صداقًا، وقال أبو حاتم بن حبان من أصحابنا في صحيحه (3).

النوع السادس: فعل فعله عليه الصلاة والسلام لم تقم

(1) سنن الترمذي (3/ 414)، تعقب ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 129)، الترمذي قائلًا: ومن المستغربات -ثم ساق كلامه هنا إلى أن قال- وكذا نقل ابن حزم عن الشافعي، والمعروف عند الشافعية أن ذلك لا يصح، لكن لعل مراد من نقله عنه صورة الاحتمال الأول، ولاسيما نص الشافعي على أن من أعتق أمته على أن يتزوجها فقبلت عتقت ولم يلزمها أن تتزوج به، لكن يلزمها له قيمتها، لأنه لم يرض بعتقها مجانًا فصار كسائر الشروط الفاسدة، فإن رضيت وتزوجته على مهر يتففان عليه كان لها ذلك المسمى وعليها له قيمتها، فإن اتحدا تقاصا، وممن قال بقول أحمد من الشافعية ابن حبان -وسيأتي كلامه- صرَّح بذلك في صحيحه. اهـ، محل المقصود.

(2)

البخاري الفتح (9/ 128)، (ح 5086).

(3)

صحيح ابن حبان -تقريب الإِحسان- برقم (4063، 4091)، ورمز له هكذا [5/ 6]، وهذا يعني أنه من القسم الخامس النوع السادس.

ص: 277

الدلالة على أنه خص باستعماله دون أمته مباح لهم استعمال ذلك الفعل لعدم وجود تخصيصه فيه، ثم ساق الحديث المذكور، وجمهور العلماء على أنه إذا أعتق أمته على أن يتزوج بها يكون عتقها صداقها، لا يلزمها أن تتزوج به، ولا يصح هذا الشرط، وممن قاله مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن وزفر. قال الشافعي: فإن أعتقها على هذا الشرط فقبلت عتقت ولا يلزمها أن تتزوج به، بل له عليها قيمتها، لأنه لم يرض بعتقها مجانًا، وصار ذلك كسائر الشروط الباطلة، فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه كان لها ذلك المسمى، وعليها له قيمتها، وإن تزوجها على قيمتها، فإن كانت معلومة له أو لها صح الصداق ولا يبقى له عليها قيمة ولا لها عليه صداق، وإن كانت مجهولة فوجهان لأصحابنا:

أحدهما: يصح الصداق كما لو كانت معلومة، لأن هذا العقد فيه ضرب من المسامحة والتخفيف وأصحهما، وبه قال الجمهور، منهم: أنه لا يصح الصداق، بل يصح النكاح ويجب لها مهر المثل، وما حكاه الترمذي فيما سلف عن أحمد وإسحاق، قاله سعيد بن المسيب أيضًا والحسن والنخعي [والزهري](1) والثوري والأوزاعي وأبو يوسف وظاهر الحديث معهم، لكن الجمهور يؤولونه كما سلف: إن عتقها قام مقام الصداق وإنه سماه باسمه.

(1) في هـ ساقطة.

ص: 278

قال الشيخ تقي الدين القشيري (1): والظاهر مع أحمد ومن وافقه إلَّا أن القياس مع الآخرين، فيتردد الحال من ظن نشأ من قياس، وظن نشأ من ظاهر الحديث، مع احتمال الواقعة الخصوصية، وهي وإن كانت على خلاف الأصل إلَّا أنه يُتأنس في ذلك بكثرة خصائص الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام- في النكاح لاسيما هذه الخصوصية لقوله -تعالى-:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً. . . .} (2) الآية.

تنبيه: في البخاري (3) في باب اتخاذ السراري، ومن أعتق جارية ثم تزوجها من حديث أبي موسى أنه عليه الصلاة والسلام:"أعتقها ثم أصدقها"، وذلك يدل على تجديد العقد بصداق غير العتق.

وقال البيهقي (4): روي من حديث ضعيف أنه أمهرها ثم ذكره، وفي رواية من حديث ابن عمر أن جويرية وقع لها مثل ذلك، لكن أعلها ابن حزم (5) بيعقوب بن حميد بن كاسب وهو مختلف فيه

(1) إحكام الأحكام (4/ 210).

(2)

سورة الأحزاب: آية 50.

(3)

البخاري الفتح (9/ 126)، (ح 5083).

(4)

سنن البيهقي (7/ 128، 129)، قال ابن حجر في الفتح (9/ 129) -بعد أن ذكر الحديث-: وهذا لا تقوم به حجة لضعف إسناده، ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت:"أعتقني النبي صلى الله عليه وسلم وجعل عتقي صداقي". اهـ محل المقصود.

(5)

المحلى (9/ 504).

ص: 279

لا كما جزم بضعفه.

تنبيه [آخر](1): جعل القاضي عياض قوله: "وجعل عتقها صداقها" من قول أنس لم يسنده. قال: ولعله تأويل منه إذا لم يسم لها صداقًا، وبما قاله نظر لا يخفى، فإنه أخبر بما حضره وعلمه وأي إسناد أكثر من هذا (2).

(1) في هـ ساقطة.

(2)

قال القرطبي -رحمنا الله وإياه- في المفهم (2398): اعتذر أصحابنا عن قول أنس بشتى أوجه:

أحدها: إن قوله، موقوف عليه، والحجة في قول النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 129): ناسبًا عن بعض العلماء بأنه قول أنس، قاله ظنًا من قبل نفسه ولم يرفعه، وربما تأيد ذلك عندهم بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة -وفيه:"وأمهرها رزينة"، سبق تخريجه في -ما قبل السابق-، إلى قوله:"وجعل عتقي صداقي"، وهذا موافق لحديث أنس، وفيه رد على من قال: إن أنسًا قال: ذلك بناء على ما ظنه.

وثانيها: أن ظاهر قوله: أعتقها وتزوجها أنه كان قد أعتقها ثم تزوجها، وهذا على ما قدمناه في قوله -تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} ، وقوله صلى الله عليه وسلم: أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا.

وثالثها: أن قوله: "أصدقها نفسها"، يحتمل أن يكون أن لم يرَ صداقًا، وسُئل عنه قال ذلك. ويعني به: أنه لم يصدقها شيئًا، ويكون هذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.

ورابعها: إنه لو سلم كونه مرفوعًا نصًّا فحينئذٍ يكون من خصائصه صلى الله عليه وسلم في باب النكاح، وقد ظهرت له فيه خصائص كثيرة، والله أعلم. اهـ.

ص: 280

الثالث: قد يؤخذ من الحديث استحباب عتق الأمة وتزوجها، وقد صح التصريح به والحث عليه من حديث آخر في الصحيح من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي يعتق جاريته ثم يتزوجها له أجران (1).

(1) البخاري أطرافه (97)، ومسلم في كتاب النكاح، باب: فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها (154)، والترمذي (2384)، وأحمد (4/ 415).

ص: 281