الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
324/ 6/ 62 - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج"(1).
الكلام عليه من وجوه:
واعلم قبل الخوض فيها أن لفظ البخاري "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"، كذا ذكره هنا، وترجم عليه الشروط في النكاح (2).
ولفظ مسلم: "إن أحق الشروط"، وفي رواية:"أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج".
أحدها: في التعريف براويه وهو أبو حماد على الأشهر
(1) البخاري أطرافه (2721)، ومسلم (1418)، والترمذي (1127)، وأبو داود (2139)، والنسائي (6/ 92، 93)، والدارمي (2/ 143)، وابن ماجه (1954)، والبغوي (2270)، وعبد الرزاق (10613)، وأحمد (4/ 144، 150، 152).
(2)
البخاري (5151)، والفتح (9/ 217).
عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة بن مودوعة بن عدي بن غنم بن الربعة بن [رشدان](1) بن قيس بن جهينة الجهني، وجهينة هو ابن زيد بن ليث بن سُود بن أسلم بن الحافي بن قُضاعة روى عنه خلق منهم كثير بن مرة وجبير بن نفير ولي إمرة مصر لمعاوية شيبة أربع وأربعين ثم صرفه بمسلمة بن مخلد وولي غزوة البحر سنة أربع وأربعين، وكان له بدمشق دار مشهورة بناحية باب توما، وله بمصر دار أخرى، وقيل: حضر صفين مع معاوية، رُوِي له عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة وخمسون حديثًا اتفقا على سبعة، وللبخاري حديث، ولمسلم تسعة، وكان من الرماة، وكان يخضب بالسواد ويقول: نسود أعلاها وتأبى أصولها، وكان عالمًا بكتاب الله تعالى وبالفرائض، فصيحًا شاعرًا مفوّهًا له هجرة وسابقة، وكان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، مات بمصر ودفن بالمقطم سنة ثمان وخمسين، وقبره مشهور هناك، زرته غير مرة (2).
وقيل: قتل يوم النهروان شهيدًا سنة ثمان وثلاثين وهو غلط. ونقل الكلاباذي عن الهيثم بن عدي، أنه توفي بالشام في آخر خلافة معاوية، وفي كتاب "الزيادات" لعلي بن أبي بكر الهروي، أن قبره بالقرافة، وأن الصحيح أن قبره بالبصرة (3).
(1) في هـ (رشد).
(2)
لعل مقصود المؤلف رحمه الله الزيارة المسنونة بدون شد رحل، ويحتمل أنه مر عليه في طريقه فسلم عليه.
(3)
انظر: الإصابة (4/ 250، 251).
الوجه الثاني: هذا الحديث حمله الشافعي وأكثر العلماء على شروط لا تنافي مقتضى النكاح، بل يكون من مقتضياته ومقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف والإِنفاق عليها، وكسوتها وسكناها بالمعروف، وأنه لا [تقصير](1) في شيء من حقها، ويقسم لها كغيرها، و [أنها](2) لا تخرج من بيته إلَّا بإذنه، ولا تنشز عليه، ولا تصوم تطوعًا بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إلَّا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلَّا برضاه، ويجوز ذلك.
فإما شرط ينافي مقتضاه كشرط أن لا يقسم [لها](3) ولا يتسرى عليها، ولا ينفق عليها ونحو ذلك، فلا يجب الوفاء به، بل يلغوا الشرط، ويصح النكاح بمهر المثل، لقوله عليه الصلاة والسلام:"كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل"(4) وللشافعي قول: إن النكاح يبطل. ولأصحابه وجه أن الشرط لا يؤثر في النكاح.
وقال أبو حنيفة: ولها إن لم يفِ الأكثر في التسمية ومهر المثل.
وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشرط مطلقًا لهذا الحديث، وحملوا "أحق" على الوجوب. والأولون حملوه على
(1) في هـ (يقصر).
(2)
في هـ (أنه).
(3)
في هـ ساقطة.
(4)
تقدم تخريجه من حديث بريدة في كتاب البيوع وفي كتاب الفرائض.
الأخذ به واستضعف الشيخ تقي الدين (1): الأول، فقال: في حمل الحديث على ما هو من مقتضيات العقد ضعيف؛ لأنها أمور لا تؤثر الشروط في إيجابها، فلا تشتد الحاجة إلى تعليق الحكم بالاشتراط فيها. ومقتضى الحديث: أن لفظة "أحق الشروط" تقتضي أن يكون بعض الشروط يقتضي الوفاء، وبعضها أشد اقتضاء له. والشروط التي هي مقتضى العقود مستوية في وجوب الوفاء، ويترجح عليها الشروط المتعلقة بالنكاح من جهة حرمة الأبضاع وتأكيد استحلالها.
الوجه الثالث: ترجم المحب الطبري في "أحكامه"، على هذا الحديث: استحباب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول (2) فقال: وبالعقد يستحل الفرج. وكان الشافعي يقول في القديم: إن لم يسم لها مهرًا كرهت أن يطأها قبل أن يسمه أو يعطيها شيئًا. وقال الثوري قريبًا من هذا، ورخص في ذلك جماعة:[(3)] ابن المسيب والنخعي وأحمد وإسحاق.
خاتمة: قد عرفت مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد في [الشرط في](4) النكاح. وفصَّل أبو عبد الله بن زرقون المالكي الشروط فيه على ثلاثة أَضْرُب:
(1) إحكام الأحكام (4/ 1901).
(2)
قال ابن حجر في الفتح (9/ 219): وفي انتزاعه من هذا الحديث غموض، والله أعلم. اهـ.
(3)
لعله يكون (منهم).
(4)
في هـ (شرط).
الأول: ما يكره ابتداؤه كأن لا يخرجها من بلدها، ولا يتسرى ولا يتزوج عليها بغير يمين (1)، فإن النكاح يجوز، ويبطل الشرط عند مالك، ويستحب له الوفاء وألزمه ابن شهاب والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز عملًا بهذا الحديث.
الثاني: أن يشرطه باليمين فكرهه مالك وابن القاسم وفسخ به سحنون قبل البناء، وأثبت بعده المسمى [فإن كان تفويضًا لم يفسخ قطعًا، وله أيضًا إجارته ابتداءً. قال عبد الملك: وكذا إذا شرط أنه إن أبق كان أمرها بيدها لزمه، وهذا كله فيما فعله أو تركه بيد الزوج.
الثالث: أن يكون الشرط ليس سببه بيد الزوج، ومثله قول السيد لعبده: إن بعتك أو بعتها. أو يكون سببه بيد الزوج ويشترط تصديقها فيه مثل أن يصدقها في الضرر ففيه أربعة أقوال:
أحدها: الأصح جائز بلا كراهة.
ثانيها: لا يجوز ويفسخ به قبل البناء، ويثبت بعده، وهو قول محمَّد وأحد أقوال سحنون.
ثالثها: يكره.
رابعها: أنه من قبيل عقود الشروط فإن قلنا بالثالث، فقيل مضى شرط بالعقد قاله مالك، وقيل: يفسخ قبل البناء ويثبت بعده. وقيل: يثبت الشرط وهو قول سحنون. وله أيضًا إبطال الشرط وإن قلنا بالرابع فقيل: يثبت العقد ويبطل الشرط قبل البناء وبعده وهو
(1) لعل المراد أن يكون الوفاء بالشرط بغير يمين من الزوج.
قول عبد الملك، وعن مالك في مثل هذا أن المشترط يخير قبل البناء وبعده، فإن أسقطه جاز وإلَّا فسخ النكاح، وعنه أيضًا يخير قبل البناء ويسقط الشرط بعده] (1).
(1) زيادة من ن هـ، حيث يوافق أول لوحة (117/ أ /أ) أول لوحة ن هـ (121/ هـ/ أ) مبتدئة (وحديث الشغار) ساقطة من الأصل وأول الموجود (وجماعة) بداية لوحة (117/ أ/أ).