المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الثالث عشر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٨

[ابن الملقن]

الفصل: ‌الحديث الثالث عشر

‌الحديث الثالث عشر

331/ 13/ 62 - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت (1).

ولمسلم عن أبي الطاهر عن ابن وهب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحمو" أخو الزوج، وما أشبهه من أقارب الزوج، ابن العم ونحوه.

الكلام عليه من وجوه:

الأول: هذا الحديث ترجم عليه البخاري: الدخول على المغيبة، والترمذي: أيضًا كراهة الدخول أيضًا على المغيبات، ثم قال: وفي الباب عن عمر (2). . . . . . . . .

(1) البخاري (5232)، ومسلم (2172)، والترمذي (1171)، والدارمي (2/ 278)، والبيهقي (7/ 90)، والبغوي (2252)، وأحمد (4/ 149، 153)، والنسائي في الكبرى (5/ 386)، والطبراني (17/ 762 إلى 765)، وابن أبي شيبة (3/ 460)، البغوي في شرح السنة (9/ 26).

(2)

حديث عمر وفيه: "ولا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما"، أخرجه أحمد (1/ 18، 26)، والحميدي (32)، الطيالسي (7)، =

ص: 264

وجابر (1) وعمرو بن العاص (2).

الثاني: في التعريف براويه والأسماء الواقعة فيه.

أما راويه فقد سلف التعريف به في الحديث السادس من هذا الباب.

وأما أبو الطاهر: فاسمه أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح الأموي مولاهم البصري. روى عن ابن عيينة والشافعي وخلق وعنه [م د س ق](3)، وجماعة وثقه النسائي. وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن يونس: كان فقيهًا من

= والترمذي (2165) ، والحاكم (1/ 114، 115)، والنسائي في الكبرى (5/ 387)، وأبو يعلى (143).

(1)

حديث جابر ولفظه: "ألا لا يبيتن رجل عند امرأة في بيت، إلَّا أن يكون ناكحًا أو ذا محرم"، أخرجه مسلم (2171)، والنسائي في الكبرى (5/ 386)، والبيهقي (7/ 98)، وأبو يعلى (1848).

(2)

حديث عمرو بن العاص، ولفظه فيه:"لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلَّا ومعه رجل" أخرجه مسلم (2173)، والنسائي (5/ 386)، والبيهقي (7/ 90)، وأحمد (2/ 171، 186، 213).

وأيضًا جاء من رواية ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب: لا تسافرن امرأة إلَّا بذي محرم، ولا يخلون رجل بامرأة إلَّا بذي محرم" البخاري (1862)، والحميدي (468)، الطيالسي (2732)، وأبو يعلى (2516)، والنسائي (5/ 386).

(3)

رمز م: مسلم، د: أبو داود، س: النسائي، ق: ابن ماجه: انظر: تهذيب التهذيب (1/ 64)، "س" لم تتضح في الأصل وإنما صورة كتابتها في هكذا (بين)، وما أثبت من ن هـ وتهذيب التهذيب.

ص: 265

الصالحين الأثبات توفي في ذي القعدة سنة خمسين ومائتين عن ثمانين سنة، حكاه ابن طاهر، وصلَّى عليه بكار بن قتيبة القاضي.

وأما ابن وهب: فاسمه عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي الفهري مولاهم المصري أبو محمَّد أحد الأئمة الأعلام، ولد سنة خمس وعشرين ومائة وطلب العلم وله سبع عشرة سنة، وجمع بين الفقه والحديث والعبادة، وصنف موطأ. روى عنه شيخه الليث وجماعة، قال بعضهم: عن نحو من أربعمائة رجل، وكان ثقة [حجة](1) حافظًا مجتهدًا، لا يقلد أحدًا [إذا تعبد وتزهد](2) وحدث بمائة ألف حديث، وعرض عليه [القضاء](3) فحبس نفسه ولزم بيته، وكان قسم دهره أثلاثًا: ثلثًا في الرباط، وثلثًا يعلِّم الناس، وثلثًا في الحج، قيل: حجَّ ستّا وثلاثين حجة، وكان مالك يكتب إليه: أبي عبد الله مفتي مصر، ولم يفعل هذا مع غيره، ويقال أيضًا: إنه كتب له كتابًا وعنونه بالفقيه، ولم يكتب بذلك لغيره، وهو في طبقة مالك في الفقه، مات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة.

وأما الليث: فهو ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي مولاهم الأصبهاني الأصل الإِمام الحافظ شيخ الديار المصرية وعالمها ومفتيها ورئيسها، روى عن عطاء بن أبي رباح وخلق، وعنه أمم لا يحصون منهم عبد الله بن صالح كاتبه ولد بقلقشنده قرية على

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

هذه العبارة ليست متسقة بما قبلها.

(3)

زيادة من هـ.

ص: 266

فراسخ من مصر سنة ثلاث أو أربع وتسعين، وحج سنة ثلاث عشرة ومائة، وكان كبير الديار المصرية وعالمها الأصيل حتى إن نائب مصر وقاضيها من تحت أوامره وإذا رابه من أحد منهم أمر كاتب فيه الخليفة [فيعزله](1)، وطلب منه المنصور أن يعمل نيابة الملك فامتنع، وكان يُعد من الأبدال، وكان الشافعي يتأسف على فراقه، وكان يقول: هو أفقه من مالك إلَّا أن أصحابه لم يقوموا به.

وفي لفظ: إلَّا أنه ضيعه أصحابه، وقال أيضًا: كان أتبع للأثر من مالك، وقال يحيى بن بكير: كان أفقه من مالك إلَّا أن الحظوة كانت لمالك.

قال محمَّد بن رُمْح: كان دخله في السنة ثمانين ألف دينار فما أوجب الله عليه زكاة قط. انتهى. وبعث إلى مالك بألف دينار وأهدى إلى مالك مرة أحمال عصفر، وكان يصله في سنة بمائة دينار، وأعطى ابن لهيعة لما احترق منزله ألف دينار، ووصل منصور الواعظ بألف دينار وجاءته امرأة بسكرجة تطلب عسلًا فأعطاها ظرف عسل، ومناقبه عديدة وهو إمام حجة كتب التصانيف، مات سنة خمس وسبعين ومائة نصف شعبان، وقيل غير ذلك عن إحدى وثمانين سنة.

فائدة: في الرواة الليث بن سعد أربعة:

أحدهم: هذا.

والثاني: مصري أيضًا حدَّث عن عبد الرزاق الإِدريسي.

(1) في هـ (فيصرفه).

ص: 267

والثالث: روى عن ابن وهب.

والرابع: ثقيفي حدَّث عن بكر بن سهل.

الوجه الثالث: فيما فيه من المبهم وهو هذا الرجل من الأنصار ولم أره مسمى بعد البحث عنه.

الوجه الرابع: معنى: "إياكم والدخول على النساء" باعدوا واتقوا الدخول [عليهن](1) وهو [من](2) باب إياك والأسد! وإياك والشر! أي اتق ذلك واحذره. والمنصوبان مفعولان بفعلين مقدرين يدل عليهما المعنى.

و"الحمو" فسَّره الليث بن سعد، ولمَّا كان الحمو يستعمل عند الناس في أبي الزوج وهو محرم من المرأة ولا يمتنع دخوله عليها، فسره الليث بما يزيل هذا الإِشكال، وحمله على من ليس بمحرم، فإنه لا يجوز له الخلوة بالمرأة.

واتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة: كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم.

والأَخْتَان: أقارب زوجة الرجل.

والأصهار: يقع على النوعين.

قال القرطبي (3): وقد جاء الحمو في هذا الحديث مهموزًا،

(1) في ن هـ (عليهم).

(2)

زيادة من ن هـ.

(3)

المفهم (5/ 501).

ص: 268

والهمز أحد لغاته، ويقال فيه: هو بواو مضمومة كدلو، وحما مقصور كعصا، والأشهر فيه أنه من الأسماء الستة المعتلة المضافة التي تعرب في حال إضافتها إلى غير ياء المتكلم بالواو رفعًا، وبالألف نصبًا، وبالياء خفضًا، فتقول: جاءني حموك، ورأيت حماك، ومررت بحميك، وحماة المرأة أم زوجها [لغة في](1) غير هذه.

وقوله: "الحمو الموت" فيه قولان:

أحدهما: أن المعنى فليمت ولا يفعلن ذلك، قاله أبو عبيد.

والثاني: أن لقاء هذا مثل الموت، قاله ابن الأعرابي، حكاها ابن الجوزي في "غريبه"(2)، ثم قال والمراد بالحديث النهي عن الخلوة ولو بالحمو. وقال النووي في "شرح مسلم"(3) معناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكبر لتمكنه من الوصول بالمرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي. قال: والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه. فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته يجوز لهم الخلوة بها، ولا يوصفون بالموت، وإنما المراد الأخ [وابن الأخ والعم](4) وابن العم ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه، ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه، فهذا

(1) في الأصل (بالغة فيها).

(2)

غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 245).

(3)

شرح مسلم (14/ 154).

(4)

زيادة من هـ ومن شرح مسلم.

ص: 269

صواب معنى الحديث. وأما ما ذكره [المازري و](1) حكاه أن المراد بالحمو أبو الزوج. وقال: إذا نهى عن أبي الزوج وهو محرم فكيف بالغريب فهو كلام فاسد مردود، ولا يجوز حمل الحديث عليه، وكذا ما نقله القاضي (2) عن أبي عبيد أن معنى "الحمو الموت" فليمت ولا يفعل [ذلك](3) هو كلام فاسد، والصواب [ما سلف](4)، ثم نقل عن ابن الأعرابي: أنها كلمة تقولها العرب كما تقول: الأسد الموت أي -لقاؤه مثل الموت-.

قال القاضي (5): معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين، فجعله كهلاك الموت، فورد الكلام مورد التغليظ، ونقل المحب في "أحكامه" عن ابن الأثير (6) أنه قال: إنما كان [خلوة الحم](7) أشد من خلوة غيره، [من البعداء](8)، لأنه ربما حسن لها أشياء، وحملها على أمور تثقل على الزوج، من التماس ما

(1) في المخطوطتين (البخاري أو)، وهو خطأ وما أثبت من شرح مسلم.

(2)

إكمال إكمال المعلم (5/ 440).

(3)

زيادة من غريب الحديث، لأبي عبيد (3/ 353).

(4)

زيادة من ن هـ، والمراد به هنا النووي فإنه نقله منه. انظر: شرح مسلم (14/ 154). وانظر: ابن حجر في فتح الباري (9/ 331، 332).

(5)

إكمال إكمال المعلم (5/ 440).

(6)

في جامع الأصول (6/ 657)، ولله دره حيث إنه لما لم يطلع عليه لم يعزه إلى ابن الأثير مباشرة، وإنما نسبه إلى من دكره عنه. فهذا غاية في الأمانة ودقة في البحث فجزاه الله خيرًا.

(7)

في المخطوطتين (خلو لحم)، وما أثبت من جامع الأصول.

(8)

زيادة من جامع الأصول.

ص: 270

ليس في وسعه، أو سوء عشرة أو غير ذلك [فلهذا قال: هو الموت] (1)، ولأن الزوج [قد] (2) لا يؤثر أن يطلع [الحم] (3) على باطن حاله. ثم قال: -أعني المحب- ويحتمل أن الكراهة إنما كانت لمكان إدلاله على الزوج، فربما تبسط في بيته بما يكره من أخذه ما لا يسهل عليه أخذه ونحو ذلك مما يعز عليه، ولا ينبغي أن يحمل على أمر مكروه، فإن الأجنبي أقرب إلى ذلك منه. وقال البغوي في "شرح السنة" (4) معناه: احذروا الحمو كما تحذروا الموت، وقال الشيخ تقي الدين القشيري (5): إن تأويله بحسب اختلاف الحمو، فإن حُمل على محرم المرأة، -كأبي زوجها- فيحتمل أن يكون المعنى أنه لابدَّ من إباحة دخوله، كما أنه لابدَّ من الموت، وإن حُمل على من ليس بمحرم فيحتمل أن يكون هذا الكلام خرج مخرج التغليظ والدعاء، لأنه فهم من قائله طلب الترخيص بدخول هؤلاء الذين ليسوا بمحارم. فغلَّظ عليه لأجل هذا القصد المذموم، بأن جعل دخول الموت عوضًا [من](6) دخوله، زجرًا عن هذا الترخيص، على سبيل التفاؤل، أو الدعاء، كأنه يقال: من قصد ذلك فليكن الموت في دخوله عوضًا

(1) زيادة من جامع الأصول.

(2)

زيادة من جامع الأصول.

(3)

في المخطوطتين (الحمو)، وما أثبت من جامع الأصول.

(4)

شرح السنة (9/ 27).

(5)

إحكام الأحكام (4/ 207، 208).

(6)

في هـ (عن).

ص: 271

[من](1) دخول الحمو الذي قَصَد دخوله، قال: ويجوز أن يكون شبهه بالموت، باعتبار كراهته لدخوله، وشبه ذلك بكراهة دخول الموت.

الوجه الخامس: الحديث دال على تحريم الخلوة بالأجانب وقوله: "وإياكم والدخول على النساء" مخصوص بغير المحارم، وعام بالنسبة إلى غيرهن، ولابدَّ من اعتبار أمر آخر، وهو أن يكون الدخول مقتضيًا للخلوة، أما إذا لم تقتضيه فلا يمتنع (2)، كالدخول للتعليم ونحوه (3) وعموم النساء يدخل تحته الشابة والعجوز، وذكر البيهقي (4) عن ابن عباس أنه -تعالى- استثنى [من ذلك وال](5) قواعد [من النساء](6)[اللاتي لا يرجون نكاحًا](7) أن يضعن ثيابهن الجلباب، و"أن يستعففن" بلبس جلابيبهن "خير لهنّ"، وذهب أنس مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم أيمن وبعده انطلق إليها الصديق (8)، ولعل من هذا دخول سفيان على رابعة رضي الله عنها.

(1) في هـ (عن).

(2)

إلى هنا ساقه من إحكام الأحكام (4/ 207).

(3)

أقول: لا يجوز الخلوة بالمرأة مطلقًا لا للتعليم ولا غيره، وهذا باب يجب إغلاقه.

(4)

السنن الكبرى (7/ 93)، وسياقه هنا بتصرف.

(5)

زيادة من السنن.

(6)

في هـ ساقطة.

(7)

زيادة من سياق الآية.

(8)

مسلم (2453، 2454)، وابن ماجه (1635)، والبيهقي (7/ 93).

ص: 272

وفي معنى الخلوة بالنساء الخلوة بالأمرد الحسن الذي يفتتن به، بل الخلوة به أشد.

الوجه السادس: يؤخذ من الحديث السؤال عما يلزم أن يكون داخلًا في العموم فإن قوله: "إياكم والدخول على النساء" يعم الحمو وغيره، فسأل عنه. ويؤخذ منه أيضًا الجواب بأمر يلزم فيه التغليظ في النهي والتحذير من ارتكابه.

ص: 273