الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثالث
334/ 3/ 63 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف، وعليه ردع زعفران، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم؟ فقال: يا رسول الله تزوجت امرأةً، فقال: ما أصدقتها؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: فبارك الله لك، أو لم ولو بشاةٍ" (1).
" [الردع] (2) "(3)، براء ودال وعين مهملات [أثر الزعفران](4).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: "مهيم": تفسيره ما أمرك.
(1) البخاري (2049)، ومسلم (1427)، والترمذي (1094، 1933)، وأبو داود (2109)، وابن ماجه (1907)، والبغوي (2308، 2309، 2310)، والبيهقي (7/ 236)، والنسائي (16/ 119، 120، 137)، وابن الجارود (726)، وأحمد (3/ 190، 204، 205، 274، 277، 278)، والحميدي (1218)، والطيالسي (1978)، والموطأ (2/ 545).
(2)
في إحكام الأحكام: (ردع).
(3)
في ن هـ وإحكام الأحكام زيادة (الزعفران).
(4)
زيادة من هـ.
والنواة: خمسة دراهم.
الثاني: في التعريف براويه، وقد أسلفنا في الباب أنه سبق التعريف به في باب الاستطابة.
وعبد الرحمن بن عوف فيه ترجمته مبسوطة فيما أفردنا في الكلام على رجال الكتاب وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وأحد الذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وكان إسلامه قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، وذكر ابن أبي خيثمة من حديث ابن أبي أوفى أنه عليه الصلاة والسلام آخى بينه وبين عثمان، وهذا الإخاء كان بمكة، والأول كان بالمدينة، وكان تاجرًا، وكان له ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا، وكان يدخر من ذلك قوت أهله منه ، وكان يدعو وهو يطوف بالبيت: اللهم [قني شح نفسي](1)، وروي عنه أنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا. ولما حضرته الوفاة بكى بكاءً شديدًا فسُئِل عن بكائه؟ فقال: مات مصعب بن عمير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان خيرًا مني ولم يكن له ما يكفن فيه، وإن حمزة بن عبد المطلب كان خيرًا مني ولم يجد له كفنًا وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياته الدنيا، وأخشى أن أحبس عن أصحابي بكثرة مالي. مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث وثلاثين، وقد جاوز السبعين.
(1) بياض بالأصل، والزيادة من ن هـ.
الثالث: هذه المرأة التي تزوجها عبد الرحمن، قال أبو عمر (1): هي بنت أنيس بن رافع من الأوس، وولدت له القاسم وأبا عثمان، قيل: اسمه عبد الله، كما قيل في اسم ولده: أبي سلمة، يقال لأحدهما عبد الله الأكبر، وللآخر عبد الله الأصغر، وسبقه إليه الزبير فقال: إنها ابنة أنيس [بن أنس](2) بن رافع بن امرئ القيس.
الوجه الرابع: في ألفاظه:
الأول: "الردع"(3) قد ضبطه المصنف براء ودال وعين مهملات وفسره بالأثر، وهذه اللفظة أعني الردع لم أرها في الصحيحين وإنما رواه البخاري في أول البيوع (4) بلفظ:"وعليه وضر صفرة"، وكذا رواه في باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه (5)، وذكر في أولهما أنه عليه الصلاة والسلام آخى بينه وبين سعد بن الربيع، ورواه في النكاح (6) في باب الصفرة للمتزوج، وفي باب كيف يدعا (7) له بلفظ:"أثر صفرة"، وكذا رواه مسلم، قال النووي
(1) الاستذكار (16/ 340).
(2)
في ن هـ ساقطة. في الفتح (9/ 234)(بنت أبي الحيسر أنس بن رافع)، هكذا نقلًا عن الزبير.
(3)
انظر: فتح الباري (9/ 333).
(4)
البخاري في كتاب البيوع، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} ، (ح 2049).
(5)
الفتح (7/ 270)، (ح 3937).
(6)
الفتح (9/ 221)، برقم (5153).
(7)
الفتح (9/ 221)، برقم (5155).
في "شرح مسلم"(1): "أثر صفرة"، وفي [رواية في] (2) غير كتاب مسلم:"رأى عليه صفرة"، وفي رواية:"ردع من زعفران"، قال: والردع أثر الطيب.
قلت: وكذا الوضر، أيضًا، قال ابن الجوزي في "غريبه" (3): ويكون الوضر من الصفرة والحمرة والطيب.
الثاني: "مهيم" بفتح أوله وإسكان ثانيه وفتح ثالثه، وقد فسرها المصنف بقوله: ما أمرك؟ وهي كلمة يمانية (4).
(1) شرح مسلم (9/ 216).
(2)
هذه الإِضافة من شرح مسلم.
(3)
غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 472).
(4)
المجموع المغيث (3/ 246)، وغريب ابن الجوزي (2/ 279).
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 234):
"فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: مهيم"؟ ومعناه ما شأنك أو ما هذا؟ وهي كلمة استفهام مبنية على السكون، وهل هي بسيطة أو مركبة؟ قولان لأهل اللغة، وقال ابن مالك: هي اسم فعل بمعنى أخبر، ووقع في رواية للطبراني في الأوسط "فقال له مهيم؟ وكانت كلمته إذا أراد أن يسأل عن الشيء"، ووقع في رواية ابن السكن "مهين" بنون آخره بدل الميم، والأول هو المعروف، ووقع في رواية حماد بن زيد عن ثابت عند المصنف، وكذا في رواية عبد العزيز بن صهيب عند أبي عوانة:"قال ما هذا"، وقال في جوابه:"تزوجت امرأة من الأنصار"، وللطبراني في "الأوسط" من حديث أبي هريرة بسند فيه ضعف "إن عبد الرحمن بن عوف أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خضب بالصفرة فقال: ما هذا الخضاب؟ أعرست؟ قال: نعم. اهـ.
قال بعضهم: ويشبه أن تكون مركبة واستبعد بأنه لا يكاد يوجد اسم مركب على أربعة أحرف.
وقال إمام الحرمين: إنها كلمة تستعمل في التهاني، رآها البصريون من الأصول: كصه، ومه.
وقال الكوفيون: معناه ما هذه؟ فإنه يستعمل في السؤال.
الثالث: قوله: "وزن نواة" فيه قولان:
أحدهما: أن المراد نواة من نوى التمر وهو مرجوح، ولا يتحرر الوزن فيه لاختلاف نوى التمر في المقدار.
والثاني: أنه عبارة عن مقدار معلوم عندهم، وهو وزن خمسة دراهم، وبه جزم المصنف كما سلف عنه، ثم في المعنى وجهان:
أحدهما: أن يكون المصْدَق ذهبًا وزنه خمسة دراهم.
والثاني: أن يكون المصدق دراهم وزن نواة من ذهب، وعلى الأول يتعلق قوله:"من ذهب"، بلفظ:"وزن"، وعلى الثاني يتعلق "بنواة"، ذكره كله الشيخ تقي الدين (1)، وقال ابن الجوزي في "غريبه" (2) في المراد بالنواة هنا قولان:
(1) إحكام الأحكام (4/ 221).
(2)
غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 442).
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 234، 235):
قوله (كم أصدقتها): كذا في رواية حماد بن سلمة ومعمر عن ثابت، وفي رواية الطبراني:"على كم"، وفي رواية الثوري وزهير:"ما سقت إليها"، وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه، وفي رواية مالك:"كم سقت إليها". =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قوله (وزن نواة): بنصب النون على تقدير فعل أي أصدقتها، ويجوز الرفع على تقدير مبتدأ أي الذي أصدقتها هو.
قوله (من ذهب): كذا وقع الجزم به في رواية ابن عيينة والثوري، وكذا في رواية حماد بن سلمة عن ثابت وحميد، وفي رواية زهير وابن علية:"نواة من ذهب أو وزن نواة من ذهب"، وكذا في رواية عبد الرحمن نفسه بالشك، وفي رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب:"على وزن نواة"، وعن قتادة:"على وزن نواة من ذهب"، ومثل الأخير في رواية حماد بن زيد عن ثابت، وكذا أخرجه مسلم من طريق أبي عوانة عن قتادة، ولمسلم من رواية شعبة عن أبي حمزة عن أنس:"على وزن نواة. قال: فقال رجل من ولد عبد الرحمن: من ذهب"، ورجح الداودي رواية من قال:"على نواة من ذهب، واستنكر رواية من روى: "وزن نواة"، واستنكاره هو المنكر، لأن الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ، قال عياض: لا وهم في الرواية لأنها إن كانت نواة تمر أو غيره أو كان للنواة قدر معلوم صلح أن يقال في كل ذلك وزن نواة، واختلف في المراد بقوله: "نواة"، فقيل: المراد واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذٍ كانت خمسة دراهم، وقيل: كان قدرها يومئذٍ ربع دينار، ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارًا لما يوزن به؟ وقيل: لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق، وجزم به الخطابي واختاره الأزهري، ونقله عياض عن أكثر العلماء، ويؤيده أن في رواية للبيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة "وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم"، وقيل: وزنها من الذهب خمسة دراهم، حكاه ابن قتيبة وجزم به ابن فارس، وجعله البيضاوي الظاهر، واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل ونصفًا. ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند =
أحدهما: إنها وزن خمسة دراهم.
والثاني: أن قيمتها خمسة دراهم، وعزاهما إلى ابن قتيبة وأن الأزهري (1) اختار الثاني.
وقال الخطابي (2): النواة اسم لمقدار معروف فسروها بخمسة دراهم من ذهب، ونقله القاضي عياض (3) عن تفسير أكثر العلماء، وكذا قال صاحب الاستذكار (4) أن أكثر أهل العلم يقولون: وزنها خمسة دراهم، ويؤيده أن في بعض طرق الحديث وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم، [رواها](5) البيهقي (6) وليس في سندها غير
= البيهقي: "قومت ثلاثة دراهم وثلثًا"، وإسناده ضعيف، ولكن جزم به أحمد، وقيل: ثلاثة ونصف، وقيل: ثلاثة وربع، وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار، ويؤيد هذا ما وقع عبد الطبراني في الأوسط في آخر حديث، قال أنس: جاء وزنها ربع دينار، وقد قال الشافعي: النواة ربع النش، والنش نصف أوقية، والأوقية أربعون درهمًا فيكون خمسة دراهم، وكذا قال أبو عبيد: إن عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم، وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية، وبه جزم أبو عوانة وآخرون.
(1)
تهذيب اللغة (11/ 282)، وغريب الحديث لأبي عبيد (2/ 189)، وغريب الحديث للحربي (2/ 879).
(2)
معالم السنن (3/ 47).
(3)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 45).
(4)
الاستذكار (16/ 340، 341).
(5)
في هـ (ووهاها) وهو تصحيف.
(6)
معرفة السنن والآثار (10/ 211، 212)، والسنن الكبرى (7/ 237).
سعيد بن بشير صاحب قتادة وهو صدوق، وثقه شعبة وغيره، وقال البخاري: يتكلمون في حفظه، وأما ابن حبان فقال: إنه فاحش الخطأ وفيها قول آخر: إنها ثلاثة دراهم وثلث. قاله الإِمام أحمد: ويؤيده رواية البيهقي (1) عن حجاج، عن قتادة، عن أنس قال: قومت -يعني النواة- ثلاثة دراهم وثلث (2)، وحجاج هو ابن أرطأة: ضعيف (3)، وقتادة مدلس وقد عنعن لا جرم، قال ابن عبد البر (4): هذا حديث لا تقوم به الحجة لضعف إسناده، وفيها أقوال أخر: أنها ثلاثة دراهم وربع، وقيل: ونصف، وقيل: ثلاثة، وقيل: خمسة ونصف.
وقال بعض المالكية: إنها ربع دينار عند أهل المدينة، وظاهر كلام أبي عبيد، كما نقله عنه القاضي (5) ثم النووي (6)، بل هو نص كلامه أنه دفع خمسة دراهم، قال: ولم يكن [هناك](7) ذهب إنما هي خمسة دراهم تسمى نواة، كما تسمى الأربعون أوقية. وضعف البغوي في "شرح السنة" (8) قول من قال: إن النواة من الذهب قيمتها
(1) السنن الكبرى (7/ 237).
(2)
وقيل: وربع كما ذكره في الاستذكار (16/ 341).
(3)
وضعفه ابن حجر في الفتح (9/ 334، 335) وقال: ولكن جزم به أحمد.
(4)
التمهيد (2/ 186).
(5)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 45).
(6)
شرح مسلم (9/ 216).
(7)
في هـ ساقطة.
(8)
شرح مسلم (9/ 134).
خمسة دراهم، فقال: إنه ليس بصحيح لكن الرواية التي أسلفناها من عند البيهقي تشهد له، [قال] (1) البغوي:[فقال الشافعي](2): إنها ربع النش، والنش نصف الأوقية، قال: وهو كما قال: فهو اسم معروف لمقدار معلوم، فهي كالأوقية: اسمٌ لأربعين [درهمًا](3) والنش لعشرين درهمًا.
الرابع: "الوليمة" مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان، قاله الأزهري (4) وغيره.
قال ابن الأعرابي: أصلها تمام الشيء واجتماعه والفعل منها أو لم وهي الطعام المتخذ للعرس وهو من المطلوب شرعًا ومن فوائده مع مكارم الأخلاق اشتهار النكاح به، وسنذكر آخر الكلام على الحديث أنواع الضيافات إن شاء الله.
الخامس: قوله: "ولو بشاة" الواو للتعليل وليست "لو" الذي تقتضي امتناع الشيء لوجود غيره، وقال بعضهم: هي التي تقتضي معنى التمني.
[السادس: معنى قوله "أولِم": اصنع الوليمة.
والبركة: زيادة الخير] (5).
(1) في هـ ساقطة.
(2)
في هـ (قال الشافعي).
(3)
زيادة من شرح السنة.
(4)
الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (209).
(5)
في هـ ساقطة.
الوجه [السابع](1): في فوائده وأحكامه:
الأولى: أنه يستحب للإمام والفاضل تفقد أصحابه والسؤال عما يختلف من أحوالهم، وليس ذلك من كثرة السؤال المنهي عنه (2).
الثانية: اختلف العلماء في عدم إنكاره عليه الصلاة والسلام[التزعفر](3) على عبد الرحمن بن عوف على أقوال:
أصحها: وهو ما اختاره القاضي (4) والمحققون أنه تعلق به من طيب العروس ولم يقصده ولا تعمد التزعفر [فقد](5) ثبت في الصحيح النهي عن [التزعفر](6) للرجال، وكذا نهى الرجال عن الخلوق (7)، لأنه شعار النساء،
(1) في هـ (الرابع).
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 44) عن القاضي عياض.
(3)
في هـ (المزعفر).
(4)
إكمال إكمال المعلم (4/ 44).
(5)
في هـ (وقد).
(6)
في هـ (المزعفر).
من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن التزعفر". البخاري (5846)، مسلم (2101)، وأبو داود (4179)، والنسائي (8/ 189)، والترمذي (2815)، وأحمد (3/ 101)، والطيالسي (2063)، والبيهقي (5/ 36)، والبغوي (3160).
قال الترمذي: "معنى كراهية التزعفر للرجل أن يتطيب به". اهـ.
(7)
من حديث يعلي بن مرة رضي الله عنه، مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متخلق بالزعفران، فقال لي: يا يعلى! ألك امرأة؟ قلت: لا، قال: اذهب فاغسله". أخرجه أبو داود (4178)، وأحمد (4/ 403). =
وقد نهوا عن التشبه [بهن](1).
وثانيها: أنه يرخص فيه للرجل العروس وقد جاء ذلك في أثر، ذكره أبو عبيد أنهم كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه.
ثالثها: أنه لعله كان يسيرًا فلم ينكر، ويؤيده تفسيره بالأثر.
رابعها: كان في أول الإِسلام من تزوج لبس ثوبًا مصبوغًا علامة لسروره وزواجه، قال القاضي (2): وهذا غير معروف على أن
= ومن رواية عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير، ولا المتضمخ بخلوق، ولا الجنب". أخرجه أبو داود (4176)، وأحمد (4/ 320).
(1)
في الأصل (بهم)، وهـ ساقطة، وما أثبت من المحقق.
من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المذكرات من النساء، والمخنثين من الرجال". أخرجه البخاري (5885)، وأبو داود (4097، 4930)، والترمذي (2784، 2785)، وابن ماجه (1904)، وأحمد (1/ 225، 227، 237، 254، 330، 365)، والدرامي (2/ 278)، والبيهقي (8/ 224).
(2)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 236) بعد سياقه الأثر عن أبي عبيد: قال: وقيل: كان في أول الإسلام من تزوج لبس ثوبًا مصبوغًا علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه، قال: وهذا غير معروف، قلت: وفي استفهام النبي صلى الله عليه وسلم له عن ذلك دلالة على أنه لا يختص بالتزويج، لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة عن حميد بلفظ:"فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأى علي بشاشة العرس فقال: "أتزوجت؟ قلت: تزوجت امرأة من الأنصار"، فقد يتمسك بهذا السياق للمدعي، ولكن القصة واحدة، وفي أكثر الروايات أنه قال له: "مهيم أو ما هذا" فهو المعتمد، وبشاشة العرس أثره وحسنه أو فرحه وسروره. اهـ.
بعضهم جعله أولى ما قيل في هذا.
خامسها (1): أنه يحتمل أنه كان في ثيابه دون بدنه ومذهب مالك وأصحابه جواز لبس الثياب المزعفرة، وحكاه مالك عن علماء المدينة (2)، وهو مذهب ابن عمر (3) وغيره.
وقال الشافعي وأبو حنيفة (4): لا يجوز ذلك للرجل لا في الثوب ولا في اللحية، وحكى ابن شعبان المالكي (5) عن أصحابهم كراهته في اللحية (6)، قال الباجي (7): وروى الداروردي أن ابن عمر كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلىء ثيابه منها، [وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها ولم يكن شيء أحب إليه
(1) ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 45)، وشرح مسلم (9/ 216).
(2)
انظر: الاستذكار (16/ 342).
(3)
المرجع السابق من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه أن ابن عمر كان يصبغ ثيابه بالزعفران، فقيل له في ذلك، فقال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ به، ورأيته أحب الطيب إليه". أخرجه البخاري (5851)، ومسلم (1187)، وأبو داود (4064)، والنسائى (5085).
(4)
مستدلين بحديث أنس نهى عن التزعفر، سبق تخريجه.
(5)
هو أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان بن محمد بن ربيعة العماري، له مؤلفات كثيرة، "الزاهي" في الفقه المالكي، و"أحكام القرآن" و "مناقب القرآن" و"مناقب مالك"، مات في جمادى الأولى سنة خمسٍ وخمسين وثلائمائة، ترجمته في "ترتيب المدارك"(3/ 293، 294)، والديباج المذهب (2/ 194، 195).
(6)
ذكره في الاستذكار (16/ 343)، وإكمال إكمال المعلم (4/ 45).
(7)
المنتقى للباجي (3/ 347).
منها] (1)، وأنه كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى العمامة. قال الباجي: وهذا في الزعفران وأما بغيره مما ليس بطيب ولا ينتقض على الجسد كالصفرة [وغيره](2) فلا خلاف في جوازه.
قال أبو عمر (3): ووجه كراهة الزعفران نهيه عليه الصلاة والسلام عنه وأمره يعلي بن مرة بغسله (4)، وقوله:"لا تقرب الملائكة جنازة كافر ولا جنبًا ولا متضمخًا بخلوق"(5)، قال القرطبي (6): ويحتمل أن عبد الرحمن قصد استعماله لاحتياجه إلى التطيب لأجل العرس واستباح القليل منه، لأجل عدم غيره كما قال عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة:"ويمس من الطيب ما قدر عليه"، وفي لفظ:"ولو من طيب المرأة"(7).
الثالث: فيه استحباب تسمية الصداق إما قبل العقد أو في نفسه فإنه عليه الصلاة والسلام سأله عما أصدقها بما دون (هل؟).
الرابع: فيه ما كانت الصحابة عليه من عدم التغالي في صدقات النساء مع أن عبد الرحمن بن عوف كان من مياسير الصحابة وأغنيائهم وعمل بالسنة في قلة المهر، ولهذا قال -عليه الصلاة
(1) في هـ ساقطة.
(2)
في هـ (وغيرها).
(3)
الاستذكار (16/ 343)، والتمهيد (2/ 182).
(4)
سبق تخريجه ت (7)، ص 319.
(5)
سبق تخريجه ت (7)، ص 319، 320.
(6)
المفهم (5/ 2391، 2392).
(7)
مسلم (846)، وأبو داود (344).
والسلام-: "خير النكاح أيسره"(1)، فلو وقعت المغالاة فلا كراهة خلافًا للغزالي في (الإِحياء).
وقال القرطبي (2): يكره لما فيه من السرف والمباهاة.
الخامس: استحباب الدعاء للمتزوج بقوله: "بارك الله لك"(3)
(1) من رواية عقبة بن عامر عند أبي داود (2117)، رالبهقي (7/ 232)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي (2/ 181، 182).
(2)
المفهم (5/ 2392).
(3)
قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 221، 222): على قول البخاري رحمه الله: باب: كيف يدعى للمتزوج ذكر فيه قصة تزويج عبد الرحمن بن عوف مختصرة من طريق ثابت عن أنس وفيه: "قال بارك الله لك"، قال ابن بطال: إنما أراد بهذا الباب، والله أعلم رد قول العامة عند العروس بالرفاء والبنين.
فكأنه أشار إلى تضعيفه ، ونحو ذلك كحديث معاذ بن جبل أنه شهد أملاك رجل من الأنصار فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكح الأنصاري وقال:"على الألفة والخير والبركة والطير الميمون والسعة في الرزق"، الحديث أخرجه الطبراني في "الكبير" بسند ضعيف، وأخرجه في "الأوسط" بسند أضعف منه، وأخرجه أبو عمرو البرقاني في كتاب معاشرة الأهلين من حديث وأنس، وزاد فيه:"والرفاء والبنين"، وفي سنده أبان العبدي وهو ضعيف، وأقوى من ذلك ما أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ إنسانًا قال: بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير"، وقوله:"رفأ" بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له في موضع قولهم بالرفاء والبنين، وكانت كلمة تقولها أهل الجاهلية، فورد النهي عنها كما روى بقي بن مخلد من طريق غالب عن الحسن، عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= رجل من بني تميم قال: "كنا نقول في الجاهلية بالرفاء والبنين"، فلما جاء الإِسلام علمنا نبينا قال:"قولوا بارك الله لكم وبارك فيكم وبارك عليكم"، وأخرج النسائي والطبراني من طريق أخرى عن الحسن، عن عقيل بن أبي طالب أنه "قدم البصرة فتزوج امرأة فقالوا له: بالرفاء والبنين، فقال: لا تقولوا هكذا، وقولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك لهم وبارك عليهم"، ورجاله ثقات إلَّا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال. ودلَّ حديث أبي هريرة على أن اللفظ كان مشهورًا عندهم غالبًا حتى سمّي كل دعاء للمتزوج ترفئة، واختلف في علة النهي عن ذلك فقيل: لأنه لا حمد فيه ولا ثناء ولا ذكر لله، وقيل: لما فيه من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنين بالذكر، وأما الرفاء فمعناه الالتئام من رفأت الثوب ورفوته رفوًا ورفاءً وهو دعاء للمتزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه، وقال ابن المنير: الذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلًا لا دعاءً، فيظهر أنه لو قيل للمتزوج بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول: اللهم ألِّف بينهما وارزقهما بنين صالحين مثلًا، أو ألف الله بينكما ورزقكما ولدًا ذكرًا ونحو ذلك. وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق عمر بن قيس الماضي قال: "شهدت شريحًا وأتاه رجل من أهل الشام فقال: إني تزوجت امرأة، فقال بالرفاء والبنين" الحديث، وأخرجه عبد الرزاق من طريق عدي بن أرطأة قال: "حدثت شريحًا أني تزوجت امرأة فقال: بالرفاء والبنين"، فهو محمول على أن شريحًا لم يبلغه النهي عن ذلك، ودلَّ صنيع المؤلف على أن الدعاء للمتزوج بالبركة هو المشروع، ولاشك أنها لفظة جامعة يدخل فيها كل مقصود من ولد وغيره، ويؤيد ذلك ما تقدم من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له تزوجت بكرًا أو ثيبًا: "قال له: بارك الله لك"، والأحاديث في ذلك معروفة.
أو نحوه ويكره أن يقال له: بالرفاء والبنين.
السادس: مشروعية الوليمة للعرس.
واختلف العلماء، هل الأمر بها للوجوب أو الندب.
والأصح عند الشافعية: الثاني، وحملوا الأمر عليه، وهو قول مالك وغيره.
وأوجبها: داود، وغيره.
واختلف في وقت فعلها عند المالكية: قال القاضي (1): والأصح عند مالك وغيره استحبابها بعد الدخول.
وعند جماعة منهم: عند العقد.
وعن ابن حبيب: عنده، وعند الدخول، قال: واستحبها بعض شيوخنا قبل البناء فيكون الدخول بها.
ولم أرَ عند الشافعية نقلًا عن ذلك، نعم البيهقي ترجم في "سننه"(2)، باب: وقت الوليمة، وذكر فيه بإسناده إلى أنس رضي الله عنه أنه قال:"بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة فأرسلني فدعوت رجالًا إلى الطعام"(3)، ولم يذكر فيه غيره وظاهره أنها بعد الدخول، لأن البناء عبارة عن الدخول، وذكر الوليمة بعده بفاء التعقيب، لقوله "فأرسلني".
(1) ذكره في شرح مسلم (9/ 217)، وإكمال إكمال المعلم (4/ 46).
(2)
السنن الكبرى (7/ 260)، ومعرفة السنن (10/ 251).
(3)
الحديث أصله في البخاري (5170)، والترمذي (3219).
السابع: أنه يستحب للموسر أن لا يولم بأقل من شاة، ونقل القاضي عياض (1): الإِجماع على أنه لا حد لقدرها المجزى، بل بأي شيء أولم من الطعام حصلت الوليمة، وقد أولم على صفية بسويق وتمر (2)، وعلى زينب بخبز ولحم (3)، وهذا كله جائز تحصل الوليمة به، لكن يستحب أن يكون على قدر حال الزوج.
فرع: اختلف السلف في تكرارها أكثر من يومين: فكرهه طائفة ولم تكرهه أخرى واستحب أصحاب مالك أن يكون أسبوعًا للموسر. قال بعضهم: وذلك إذا دعا في كل حال من لم يدع قبله، ولم يكرر عليهم وكرهوا فيها المباهاة والسمعة (4) وأولم ابن سيرين ثمانية أيام (5).
(1) إكمال إكمال المعلم (4/ 46).
(2)
البخاري (5169)، ومسلم: النووي، باب: فضيلة إعتاقه أمته ثم يتزوجها (9/ 218).
(3)
البخاري (5168)، ومسلم (1428)، والنسائي (6/ 79)، وأبو داود (3743)، وابن ماجه (1908)، وأحمد (3/ 195).
(4)
إكمال إكمال المعلم (4/ 46).
(5)
السنن الكبرى (7/ 261)، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 242، 243):
قوله (ومن أولم سبعة أيام ونحوه): يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت: "لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام، فلما كان يوم الأنصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائمًا فلما طعموا دعا أبي وأثنى". وأخرجه البيهقي من وجه آخر أتم سياقًا منه، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر إلى حفصة، وقال فيه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ثمانية أيام، وإليه أشار المصنف بقوله:"ونحوه"، لأن القصة واحدة وهذا وإن لم يذكره المصنف لكنه جنح إلى ترجيحه لإطلاق الأمر بإجابة الدعوة بغير تقييد كما سيظهر من كلامه الذي سأذكره، وقد نبَّه على ذلك ابن المنير.
قوله (ولم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم يومًا ولا يومين): أي لم يجعل للوليمة وقتًا معينًا يختص به الإيجاب أو الاستحباب وأخذ ذلك من الإطلاق، وقد أفصح بمراده في تاريخه فإنه أورد في ترجمة زهير بن عثمان الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق قتادة عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف كان يثني عليه إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه، يقوله قتادة قال:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوليمة أول يوم حق، والثاني معروف، والثالث رياء وسمعة"، قال البخاري: لا يصح إسناده ولا يصح له صحبة يعني لزهير، قال: وقال ابن عمر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليجب"، ولم يخص ثلاثة أيام ولا غيرها وهذا أصح، قال: وقال ابن سيرين عن أبيه: "إنه لما بنى بأهله أولم سبعة أيام فدعا في ذلك أبي بن كعب فأجابه". اهـ.
وقد خالف يونس بن عبيد قتادة في إسناده فرواه عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا أو معضلًا لم يذكر عبد الله بن عثمان ولا زهيرًا أخرجه النسائي ورجحه على الموصول، وأشار أبو حاتم إلى ترجيحه، ثم أخرج النسائي عقبه حديث أنس:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام على صفية ثلاثة أيام حتى أعرس بها"، فأشار إلى تضعيفه أو إلى تخصيصه، وأصرح من ذلك ما أخرجه أبو يعلى بسند حسن عن أنس قال:"تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام" الحديث. وقد وجدنا لحديث زهير بن عثمان شواهد، منها عن أبي هريرة مثله أخرجه ابن ماجه وفيه عبد الملك بن حسين وهو ضعيف جدًا، وله طريق أخرى عن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= أبي هريرة أشرت إليها في "باب الوليمة حق"، وعن أنس مثله أخرجه ابن عدي والبيهقي وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف، وله طريق أخرى ذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن حديث رواه مروان بن معاوية عن عوف، عن الحسن، عن أنس نحوه، فقال: إنما هو عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وعن ابن مسعود أخرجه الترمذي بلفظ:"طعام أول يوم حق، وطعام يوم الثاني سنة، وطعام يوم الثالث سمعة، ومن سمّع سمع الله به"، وقال: لا نعرفه إلَّا من حديث زياد بن عبد الله البكائي وهو كثير الغرائب والمناكير.
قلت: وشيخه فيه عطاء بن السائب وسماع زياد منه بعد اختلاطه فهذه علته. وعن ابن عباس رفعه: "طعام في العرس يوم سنة، وطعام يومين فضل، وطعام ثلاثة أيام رياء وسمعة". أخرجه الطبراني بسند ضعيف، وهذه الأحاديث وإن كان كل منها لا يخلو عن مقال فمجموعها يدل على أن للحديث أصلًا، وقد وقع في رواية أبي داود والدارمي في آخر حديث زهير بن عثمان:"قال قتادة: بلغني عن سعيد بن المسيب أنه دعي أول يوم وأجاب، ودعي ثاني يوم فأجاب، ودعي ثالث يوم فلم يجب وقال: أهل رياء وسمعة. فكأنه بلغه الحديث فعمل بظاهره أن ثبت ذلك عنه، وقد عمل به الشافعية والحنابلة، قال النووي إذا أولم ثلاثًا فالإِجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي الثاني لا تجب قطعًا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول، وقد حكى صاحب "التعجيز" في وجوبها في اليوم الثاني وجهين، وقال في شرحه: أصحهما الوجوب، وبه قطع الجرجاني لوصفه بأنه معروف أو سنة، واعتبر الحنابلة الوجوب في اليوم الأول، وأما الثاني فقالوا سنة تمسكًا بظاهر لفظ حديث ابن مسعود وفيه بحث، وأما الكراهة في اليوم الثالث فأطلقه بعضهم لظاهر الخبر، وقال العمراني: إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول، =
تنبيه: ترجم المحب الطبري في "إحكامه"، الوليمة على الأخوة، ثم روى عن أنس قال: قدم علينا عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أولم ولو بشاة"، ثم قال: رواه البخاري، قال: وسياق لفظ الحديث يدل على الترجمة، قال: وإضمار ما تقدم في أمثاله محتمل وتكون الوليمة للعرس المضمر لا للإِخاء.
قلت: بل رواية البخاري مصرحة بذلك فإن فيها ذكر الزواج بعد الإخاء وأنه عليه الصلاة والسلام قال له: "بارك الله لك أولم ولو بشاة"(1).
فائدة: الضيافات زائدة على العشرة، الوليمة للعرس، والخُرُس -بضم الخاء المعجمة وبالسين المهملة، ويقال بالصاد
= وكذا صوره الروياني واستبعده بعض المتأخرين وليس ببعيد لأن إطلاق كونه رياء وسمعة يشعر بأن ذلك صنع للمباهاة وإذا كثر الناس فدعا في كل يوم فرقة لم يكن في ذلك مباهاة غالبًا، وإلى ما جنح إليه البخاري ذهب المالكية، قال عياض: استحب أصحابنا لأهل السعة كونها أسبوعًا، قال: وقال بعضهم محله إذا دعا في كل يوم من لم يدع قبله، ولم يكرر عليهم، وهذا شبيه بما تقدم عن الروياني، إذا حملنا الأمر في كراهة الثالث على ما إذا كان هناك رياء وسمعة ومباهاة كان الرابع وما بعده كذلك فيمكن حمل ما وقع من السلف من الزيادة على اليومين عند الأمن من ذلك وإنما أطلق ذلك على الثالث لكونه الغالب والله أعلم. اهـ.
(1)
ذكره في فتح الباري (9/ 237).
للولادة-، وقال العراقي (1) شارح [المهذب] (2): يقال له الخرسة، وقال صاحب المستعذب (3): والخُرْسة ما تطعمه النفساء، قال في الفائق (4): كأنه سمى خُرْسًا، لأنها تصنع عند وضعها وانقطاع صرختها، وفي أمثالهم: تَخَرَّس لا مُخَرِّسَةَ لَكِ، أي اصنعي لكِ، فإنه لا صانع لَكِ، ويقال: التمر خُرْسَةُ "مريم" عليها السلام، لقوله -تعالي-:{تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)} (5).
والإِعذار: -بكسر الهمزة اسم عين مهملة ثم ذال معجمة- للختان، ويقال: العَزبرَةُ أيضًا (6).
والوكيرة: للبناء.
والنقيعة: لقدوم المسافر مأخوذة من النقع وهو الغبار، ثم قيل إن المسافر يصنعه كما نقله الأزهري (7) عن الفراء.
(1) هو إبراهيم بن منصور بن المسلم، ولد بمصر سنة عشرة وخمسمائة، شرح المهذب في نحو خمسة عشر جزءًا متوسطة، توفي في جمادى الأولى سنة ست وتسعين وخمسمائة عن خمس وثمانين سنة، ترجمته طبقات ابن قاضي شهبة (2/ 23)، ومرآة الجنان (3/ 484)، وحسن المحاضرة (1/ 229).
(2)
في ن هـ (الرسالة).
(3)
المستعذب (2/ 148، 149).
(4)
الفائق (1/ 366).
(5)
سورة مريم: آية 25.
(6)
في هـ حاشية، جمع الشاعر بعضها فقال كل الطعام يشتهي ربيعه. الخرس والإِعذار والنقيعة.
(7)
الزاهر (209).
وقيل: يصنعه غير له، وقال أبو زيد (1): النقيعة: طعام الأملاك، وقال ابن العربي في "شرح الترمذي"، التحفة: طعام القادم. والعقيقة: يوم سابع الولادة.
والوضيمة: -بفتح الواو وكسر [الضاد](2) المعجمة- الطعام عند المصيبة، نقله الجوهري (3) عن الفراء.
والمأدبة" -بضم الدال وفتحها- الطعام المتخذ ضيافة بلا سبب، كذا قاله القاضي والرافعي، وقال الأزهري (4): كل طعام يصنع لدعوة فهو مأدبة، ولعل مراد الأولين أنه لا اسم غير المأدبة.
الحذاق -بحاء مهملة مكسورة ثم ذال معجمة ثم ألف ثم قاف-: طعام حذق الصبي، ذكره صاحب "الشامل" من أصحابنا، قال ابن الرفعة في "مطلبه": وأشار به والله أعلم إلى الطعام المتخذ عند ختم الصبي.
قلت: وروي عن الإِمام أحمد أن بعض أولاده حَذق أي حفظ جملة من القرآن والعلم فقسم على الصبيان الجوز.
(1) الذي في الزاهر (209)، والمستعذب (2/ 149)، عن أبي زيد: النقيعة: طعام الإملاك، والإملاك: التزويج، وفي حديث تزويج خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو خديجة وقد ذبحوا بقرة عند ذلك: ما هذه النقيعة؟
(2)
في الأصل (الدال)، وما أثبت من هـ.
(3)
تهذيب اللغة (12/ 93).
(4)
الزاهر (209).
والشُنْدَخيُّ -بضم الشين المعجمة ثم نون ساكنة ثم دال معجمة مهملة مفتوحة ومضمومة ثم خاء معجمة -بعدها ياء- كذا قيده ابن الرفعة في "كفايته" و"مطلبه": طعام الأملاك، مشتق من قولهم: فرس شُنْدَخ، وهو الذي يتقدم الخيل سمي بذلك، لأنه يتقدم العرس ويقال: لهذا الطعام ملاك وإملاك، قال ابن داود: من أصحابنا وسمي باسم وقته.
وزاد صاحب "الرونق" العتيرة، قال: وهي ذبيحة تذبحها العرب أول يوم من رجب، و"النقرى"، قال: وهي التي تخص قوم دون قوم، والجفلى قال: وهي التي يعم بدعوته سائر الناس (1).
خاتمة: قال البيهقي (2): قال الشافعي: لم أعلمه أمر بذلك قال: أظنه قال: أحدًا غيره يعني غير عبد الرحمن بن عوف قال: ولا أعلم أنه عليه الصلاة والسلام ترك الوليمة على عرس ولم أعلمه أولم على غيره.
تنبيه: أنكر القاضي عياض (3) على من احتج بتفسير النواة بثلاثة دراهم وربع على أنه أقلّ المهر لأنه قال: من ذهب وذلك يزيد على دينارين، بل هو حجة على من يقول إنه لا يكون أقل من عشرة دراهم.
(1) انظر فتح الباري (9/ 241، 242).
(2)
معرفة السنن والآثار (10/ 250).
(3)
ذكره في إكمال إكمال المعلم عنه (4/ 45).
كتاب الطلاق