المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثاني 320/ 2/ 62 - عن أنس بن مالك رضي - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٨

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث الثاني 320/ 2/ 62 - عن أنس بن مالك رضي

‌الحديث الثاني

320/ 2/ 62 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه وقال: ما بال أقوام قالوا كذا؟ لكني أُصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني (1).

الكلام عليه من وجوه، والتعريف براويه سلف في باب الاستطابة.

الأول: هؤلاء النفر (2) قيل هم أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن

(1) البخاري (5063)، ومسلم (1401) في النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد المؤنة، والنسائي (6/ 60)، والبغوي (96)، وأحمد (3/ 241، 259، 285)، والبيهقي (7/ 77)، وعبد الرزاق مرسلًا عن سعيد بن المسيب (6/ 167).

(2)

جاء في مصنف عبد الرزاق (6/ 167) تسمية علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو مرسلًا عن سعيد بن المسيب.

تنبيه: جاء في الفتح (9/ 104) ذكر عثمان بن مظعون في مرسل سعيد =

ص: 124

مسعود، وابن عمر، وابن عمرو، وأبو ذر، وسالم مولى أبي حذيفة، والمقداد، وسلمان الفارسي، ومعقل بن مقرن، اتفقوا على هذا في بيت عثمان بن مظعون، وقد أسلفنا في الحديث الأول من باب الجمعة أن "النفر" [لغة] (1): عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة ولفظ رواية البخاري في صحيحه (2) لهذا الحديث عن أنس قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: "أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا"، وقال آخر: "أنا أصوم الدهر ولا أفطر"، وقال آخر: "وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم[(3)]، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني

= عند عبد الرزاق ولم يذكر فيه، قال ابن حجر -رحمنا الله وإياه- في الفتح (9/ 104): ووقع في "أسباب النزول" للواحدي بغير إسناد -ثم ساق أسماءهم-، ثم قال: فإن كان هذا محفوظًا احتمل أن يكون الرهط الثلاتة هم الذين باشروا السؤال، فنسب ذلك إليهم بخصوصهم تارةً ونسب تارة للجميع لاشتراكهم في طلبه، ويؤيد أنهم كانوا أكتر من ثلاثة في الجملة ما روى مسلم في صحيحه من طريق سعيد بن هشام أنه قدم المدينة وفيه "فأخبروه أن رهطًا ستة" الحديث.

وقال: فيه وفي عَدِّ عبد الله بن عمرو معهم نظر، لأن عثمان بن مظعون مات قبل أن يهاجر عبد الله فيما أحسب. اهـ.

(1)

ساقطة من هـ.

(2)

انظر: التعليق رقم (1) من هذا الحديث، ص 124.

(3)

في الأصل ون هـ زيادة (إليهم)، وهي غير موجودة في البخاري.

ص: 125

لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"، رواه عن سعيد بن أبي مريم، عن محمَّد بن جعفر، عن حميد الطويل، عن أنس.

وأما مسلم فأخرجه من طريق آخر إلى أنس رواه عن أبي بكر [بن](1) نافع العبدي، عن بهز، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس بلفظ المصنف سواء، وزاد بعد قوله:"قالوا كذا" لفظة "وكذا" فحينئذ لفظ رواية المصنف هو لمسلم خاصة، فتنبه له، ثم رأيت بعد ذلك المصنف نبه على ذلك في "عمدته الكبرى"، فقال بعد أن ساقه: متفق عليه، واللفظ لمسلم، وللبخاري معناه.

ثم اعلم: بعد ذلك أنه وقع في بعض نسخ الكتاب قبل قوله "فحمد الله""فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم" وهي ثابتة في شرح الشيخ تقي الدين (2) دون غيره من الشيوخ.

قال ابن منده في "مستخرجه": وروى أيضًا قوله: من رغب عن سنتي فليس مني" ابن عمر، وعثمان بن مظعون، وعائشة.

الوجه الثاني: معنى قوله -عليه الصلاة السلام-: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" تركها إعراضًا عنها، غير معتقد لها على ما هي عليه، أما من ترك النكاح على الصفة التي يستحب له تركها كما سبق، أو ترك النوم على الفراش لعجزه عنه أو لاشتغاله بعبادة مأذون فيها ونحو ذلك فلا يتناوله هذا الذم، وكان جماعة من السلف

(1) زيادة من مسلم بشرح الأبي (4/ 7).

(2)

إحكام الأحكام (4/ 174).

ص: 126

يمسكون عن تأويل هذا وأمثاله، لأنه أبلغ في الردع عن مخالفة السنة.

الوجه الثالث في أحكامه:

الأول: يستدل به من رجح النكاح على التخلي لنوافل العبادات، فإن هؤلاء القوم قصدوا هذا المقصد فرده عليه الصلاة والسلام عليهم، وأكد ذلك بأن خلافه رغبة عن السنة، قال الشيخ تقي الدين (1): ويحتمل أن تكون هذه الكراهة للتنطع والغلو في الدين، وقد يختلف ذلك باختلاف المقاصد: فإن من ترك أكل اللحم -مثلًا- يختلف حكمه بالنسبة إلى مقصوده، فإن كان من باب الغلو والتنطع، والدخول في الرهبانية فهو ممنوع، مخالف للشرع، وإن كان لغير ذلك من المقاصد المحمودة كمن تركه تورعًا لقيام شبهة في ذلك الوقت في اللحوم، أو عجزًا أو لمقصود صحيح غير ما تقدم، لم يكن ممنوعًا، وظاهر الحديث ما ذكرناه من تقديم النكاح، كما يقوله أبو حنيفة، ومن وافقه قال: ولا شك أن الترجيح يتبع المصالح، ومقاديرها مختلفة، وصاحب الشرع أعلم بتلك المقادير، فإذا لم يعلم المكلف حقيقة تلك المصالح، ولم يستحضر أعدادها فالأولى اتباع اللفظ الوارد في الشرع.

وقال القاضي عياض: لا حجة في هذا الحديث لمن يوجب النكاح لأنه ذكر معه غيره فرد الكلام إلى النكاح وحده دون قرينة لا يلتفت إليه.

(1) إحكام الأحكام (4/ 175).

ص: 127

الثاني: فيه تتبع آثاره صلى الله عليه وسلم فإنهم لما تتبعوا أحواله الجهرية بحثوا عن السرية، ثم ظنوا أنما عزموا عليه من آثاره فرد عليهم أحسن رد، ولم يعين قائل ذلك لحصول المقصود بدونه من غير شناعة عليه، وقد سلف مثل ذلك في حديث بريرة في البيع، وهذه عادته صلى الله عليه وسلم في خطبه، وهو من جزيل مكارم أخلاقه.

الثالث: فيه أيضًا التوصل إلى العلم من النساء إذا تعذر أخذه من أصل محله.

الرابع: فيه أيضًا أنه ينبغي للإِنسان أن يذكر ما عزم عليه من الأعمال الشاقة التي يظن أنها طاعة ليتبين أمرها، ويرجع عنها إلى السنة فيها.

الخامس: فيه استحباب الخطبة لأمور المسلمين الحادثة العامة النفع، والثناء على الله فيها، وبيان الأحكام ليتبعوها، وتحذير مخالفيها.

السادس: فيه أيضًا أن ملاذ النفس والبدن إذا فعلت لامتثال الشرع فيما امتن به وأباحه تصير طاعات مثابًا عليها، وإذا تركت لغير مقصود شرعي عنادًا تصير كفرًا.

السابع: فيه تنبيه على قاعدة أصولية وهي: أن الدوام وعدم الزوال ثابت لله -تعالى-، والتغيير وعدم الديمومة ثابت لما سواه. وشاهد ذلك تنقل المخلوقات من حال إلى حال، فلهذا قال عليه الصلاة والسلام:"لكني أصلي وأنام" الحديث.

الثامن: استدل به بعض الشراح على قبول خبر الواحد لأنه ما

ص: 128

عدا المتواتر. قال: ولم يثبت في الحديث أن النفر السائلين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم المسؤولات بلغوا حد التواتر، ثم شرع يتكلم في التواتر واختلاف الناس في حده، وفيه نظر.

التاسع: قال الطبري: فيه رد على من منع من استعمال الحلال والمباحات من الأطعمة الطيبة والملابس اللينة وآثر عليها غليظ الطعام وخشن الثياب من الصوف وغيره، وأن صرف فضلها في وجوه البر والقربات، فإن حياطة جسم الإنسان وصيانة صحته بذلك آكد وأولى، واحتج بقوله -تعالى-:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} (1) الآية، وقوله -تعالى-:{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (2)، قال القاضي: وهذا الباب مما اختلف فيه السلف كثيرًا، فمنهم من آثر ما قاله الطبري، ومنهم من آثر ما أنكره، واحتج هؤلاء بقوله -تعالى- في ذم أقوام:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} (3)،

(1) سورة الأعراف: آية 32.

(2)

سورة المائدة: آية 87.

(3)

سورة الأحقاف: آية 20.

قال الشنقيطي -رحمنا الله وإياه- في أضواء البيان (7/ 393، 395): واعلم أن للعلماء كلامًا كثيرًا في هذه الآية قائلين إنها تدل على أنه ينبغي التقشف والإقلال من التمتع بالمآكل والمشارب والملابس ونحو ذلك. وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك خوفًا منه، أن يدخل في عموم من يقال لهم يوم القيامة:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية، والمفسرون يذكرون هنا آثارًا كثيرة في ذلك، وأحوال أهل الصفة وما لاقوه من شدة العيش.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: =

ص: 129

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية هو أنها في الكفار وليست في المؤمنين اللذين يتمتعون باللذات التي أباحها الله لهم، لأنه -تعالى- ما أباحها لهم ليذهب بها حسناتهم.

وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق، لأن الكتاب والسنة الصحيحة دالان عليه والله -تعالى- يقول:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية.

أما كون الآية في الكفار، فقد صرَّح الله -تعالى- به في قوله:{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} الآية.

والقرآن والسنَّة الصحيحة قد دلا على أن الكافر إن عمل عملًا صالحًا مطابقًا للشرع، مخلصًا فيه لله، كالكافر الذي يبر والديه، ويصل الرحم ويقري الضيف، وينفس عن المكروب، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق والعافية، ونحو ذلك ولا نصيب له في الآخرة.

فمن الآيات الدالة على ذلك قوله -تعالى-: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، وقوله -تعالى-:{وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)} .

وقد قيد -تعالى- هذا الثواب الدنيوي المذكور في الآيات بمشيئته وإرادته في قوله -تعالى-: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)} .

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها" هذا لفظ مسلم في صحيحه. =

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وفي لفظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدّخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته". اهـ.

فهذا الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه التصريح بأن الكافر يجازى بحسناته في الدنيا فقط، وأن المؤمن يجازى بحسناته في الدنيا والآخرة معًا، وبمقتضى ذلك، يتعين تعيينًا لا محيص عنه، أن الذي أذهب طيباته في الدنيا واستمتع بها هو الكافر، لأنه لا يجزى بحسناته إلَّا في الدنيا خاصة.

وأما المؤمن الذي يجزى بحسناته في الدنيا والآخرة معًا، فلم يذهب طيباته في الدنيا، لأن حسناته مدخرة له في الآخرة مع أن الله -تعالى- يثيبه بها في الدنيا كما قال -تعالى-:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} فجعل المخرج من الضيق له ورزقه من حيث لا يحتسب ثوابًا في الدنيا وليس ينقص أجر تقواه في الآخرة.

والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة، وعلى كل حال فالله -جلَّ وعلا- أباح لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الطيبات في الحياة الدنيا، وأجاز لهم التمتع بها، ومع ذلك جعلها خاصة بهم في الآخرة، كما قال -تعالى-:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .

فدل هذا النص القرآني أن تمتع المؤمنين بالزينة والطيبات من الرزق في الحياة الدنيا لم يمنعهم من اختصاصهم بالتنعم بذلك يوم القيامة، وهو صريح في أنهم لم يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا.

ولا ينافي هذا أن من كان يعاني شدة الفقر في الدنيا كأصحاب الصفة، يكون لهم أجر زائد على ذلك، لأن المؤمنين يؤجرون، بما يصيبهم في الدنيا من المصائب والشدائد، كما هو معلوم. =

ص: 131

وقد احتج عمر بن الخطاب بذلك وحجة [الآخر](1) عليهم أن الآية نزلت في الكفار بدليل أول الآية وآخرها والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بالأمرين وشارك في الوجهين فلبس مرة الصوف والشملة الحسنة، ومرة البرد والرداء الحضرمي، وتارةً أكل القثاء بالرطب وطيب الطعام إذا وجد، ومرة لزم أكل الحواري ومختلف الطعام، كل ذلك ليدل على الرخصة بالجواز مرة، والزهد في الدنيا وملاذها أخرى. وكان يحب الحلوى والعسل ويقول:"حبب إليَّ من دنياكم ثلاث، الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة"(2).

= والنصوص الدالة على أن الكافر هو الذي يذهب طيباته في الحياة الدنيا، لأنه يجزى في الدنيا فقط كالآيات المذكورة، وحديث أنس المذكور عند مسلم، قد قدمناها موضحة في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله -تعالى-:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)} ، وذكرنا هناك أسانيد الحديث المذكور وألفاظه. انظر:(3/ 493) من أضواء البيان.

(1)

لعلها (الآخرين).

(2)

النسائي (7/ 61)، ومسند أحمد (3/ 128، 199 ، 285)، والبيهقي في السنن (7/ 87)، والحاكم في المستدرك (2/ 160)، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وكذا قال الذهبي، قال المناوي في فيض القدير (3/ 371) نقلًا عن العراقي قوله: إسناده جيد، وعن ابن حجر: إنه حسن. اهـ. أيضًا وهم المناوي والسيوطي في نسبة الحديث إلى مسند الإِمام أحمد وأنه ما أخرجه إلَّا في الزهد والصواب أن الإِمام أحمد أخرجه في المسند.

تنبيه: كلمة "ثلاث" غالبًا ما تذكر بعد هذه الجمل وهي غير صحيحة =

ص: 132

تنبيه: قال القرافي: اختلف العلماء في أول الدهر الذي أدركته هل يدخل الورع والزهد في المباحات أم لا؟ فادعى ذلك بعضهم ومنعه بعضهم، وصنف بعضهم على بعض فيه، وممن قال: إنه لا ورع في المباح الأنباري في كتاب "الورع" له، وممن قال: بمقابله بهاء الدين الحميدي (1)، وهذا الحديث يشهد للأول.

قال القرافي: والجمع بين القولين أن يقال: الاستكثار من المباحات يقع الورع فيه فإنه يجر إلى كثرة الاكتساب والوقوع في المتشابهات. وأما المباح من حيث هو مباح فلا ورع في تركه.

= ولم ترد في الحديث لإفسادها المعنى. انظر: فيض القدير (3/ 371) للاطلاع على كلام أهل العلم.

(1)

هو علي بن هبة الله بن سلامة مسند الديار المصرية بهاء الدين أبو الحسن المعروف بابن الجميزي ولد يوم عيد الأضحى سنة تسع، -بتقديم التاء- وخمسين وخمسمائة بمصر. ترجمته في النجوم الزاهرة (7/ 24)، وطبقات الشافعية للأسنوي (133).

ص: 133