الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
315/ 1/ 61 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأوْلى رجل ذكر".
وفي رواية: "أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله، فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر"(1).
الكلام عليه من وجوه:
[وهذه الرواية الثانية من أفراد مسلم كما نبه عليه عبد الحق في جمعه](2).
الأول: معنى "ألحقوا الفرائض بأهلها": أعطوا كل ذي فرض فرضه المسمى له في الكتاب أو السنة أو بإجماع الأمة، وكأن استعمال الأهل هنا مجاز.
(1) البخاري أطرافه (6732)، ومسلم (1615)، والدارمي (2/ 368)، والترمذي (2098) في الفرائض، وابن ماجه (2740)، والدارقطني (4/ 70، 71)، وأبو داود (2898) في الفرائض، باب: ميراث العصبة، وابن الجارود (955)، وأبو يعلى (2371)، والبغوي (2216)، والبيهقي (6/ 234، 239)، (10/ 306)، وسعيد بن منصور في السنن (288، 289)، والحاكم (4/ 338)، وابن أبي شيبة (11/ 265، 266).
(2)
في ن هـ ساقطة.
الثاني: معنى "أولى" هنا: أقرب مأخوذ من الولي بإسكان اللام، وهو القرب، وليس المراد هنا: أحق، كما في قولهم: الرجل أولى بماله. لئلا يخلو الكلام عن الفائدة [لأنا](1) لا ندري من هو الأحق.
ووقع عند ابن الحذاء، عن ابن ماهان:"فلأدنى"(2) بدل "فلأولى" وهو تفسير "لأولى"، أي: أقرب إلى الميت.
الثالث: إن قلت: ما فائدة وصف الرجل بالذكورة وهو لا يكون إلَّا ذكرًا، وقد أسقطه أبو داود في روايته وقال:"فَلأَوْلى ذكر؟ " فالجواب عنه من أوجه:
أحدها: أنه احتراز عن الخنثى، واستضعف.
ثانيها: وعليه اقتصر النووي في شرحه (3): أنه ذكر للتنبيه على سبب الاستحقاق بالعصوبة، وسبب الترجيح في الإِرث، ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وحكمته: أن الرجال [تلحقهم](4) مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضيفان، وإرفاد القاصدين، ومواساة السائلين، وتحمل الغرامات، وغير ذلك.
فإن قلت: الحديث دال على اشتراط الذكورة في العصبة لاستحقاق باقي التركة، وقد تقرر أن الأخوات مع البنات عصبة؟
(1) في ن هـ (لأنها)، وما أثبت يوافق شرح مسلم (11/ 53)، والمعلم (2/ 337).
(2)
ذكره في إكمال إكمال المعلم (5/ 318)، وفتح الباري (12/ 11).
(3)
شرح مسلم (11/ 53).
(4)
في هـ ساقطة.
فالجواب: ما ذكره [(1)] الشيخ تقي الدين (2): إن هذا من طريق المفهوم، وأقصى درجاته أن يكون له عموم، فيخص بالحديث الدال على الحكم المذكور، من كون "الأخوات" مع "البنات" عصبة.
ثالثها: أنه ذكر لبيان ترتب الحكم على الذكورية دون الرجولية؛ ليدخل فيه الصبي فإنه ذكر ولا يسمى رجل، فعلى هذا يكون قوله "ذكر" "بدلًا" لا "صفة" وكأنه قال:"فلأولى رجل" وذكر أن الحكم ليس منوطًا بالرجولية، بل بالذكورة التي هي أعم، فقال:"ذكر" فكأنه قال أولًا: "فلأولى ذكر" فاستشكل هذا بأن الصفة تابعة للموصوف، والموصوف رجل، فمقتضاه اختصاص الميراث بالبالغ.
وأما السهيلي رحمه الله: فإنه أبدع في كلامه عليه بما لم يسبق إليه، فقال: هذا الحديث أصل في الفرائض، وفيه إشكال، وتلقاه الناس أو أكثرهم على وجه لا يصح إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أُوتي جوامع [الكلم](3) واختُصر له الكلام اختصارًا، والذي تأوله الناس أن قوله:"ذكر" نعتًا "لرجل" ولا يصح من ثلاثة أوجه:
أحدها: عدم الفائدة في وصف "رجل" بذكر، فإنه لا يتصور
(1) في الأصل زيادة (به).
(2)
إحكام الأحكام (4/ 164).
(3)
في الأصل (المعلم)، وما أثبت من ن هـ، وأيضًا في فتح الباري (12/ 13).
أن يكون "الرجل" إلَّا "ذكرًا" ويجل كلامه عليه الصلاة والسلام عما هو حشوًا لا فائدة فيه، ولا تحته فقه، ولا يتعلق به حكم.
الثاني: أنه لو كان كما تأولوه؛ لنقص فقه الحديث، ولم يكن فيه بيان حكم الطفل الذي ليس برجل، وقد علم أن الميراث يجب له، وإن كان ابن ساعة، ولا يقال في اللغة "رجل" إلَّا للبالغ فما فائدة تخصيصه بالبالغ دون الصغير؟
الثالث: أن الحديث إنما ورد لبيان من يستحق الميراث من القرابة بعد أصحاب السهام، ولو كان كما تأولوه لم يكن فيه بيان لقرابة الأم، والتفرقة بينهم وبين قرابة الأب فبقي الحديث مجملًا لا يفيد بيانًا، وإنما بعث عليه الصلاة والسلام ليبين للناس ما نزل إليهم، فإذا ثبت هذا؛ فلنذكر معنى الحديث وننعطف على موضع الإِشكال منه، ومنشأ الغلط فيه بعون الله تعالى فنقول:
قوله عليه الصلاة والسلام: "أولى رجل ذكر" يريد القريب في النسب الذي قرابته من قبل رجل وصلب، لا من قبل بطن ورحم، فالأولى هنا: ولي الميت، فهو مضاف إليه في المعنى دون اللفظ إضافة النسب، وهو في اللفظ مضاف إلى النسب، وهو الصلب وعبر عن الصلب بقوله:"أولى رجل"؛ لأن الصلب لا يكون والدًا ولا نسبًا، حتى يكون رجلًا.
فأفاد بقوله: "لأولى رجل ذكر" نفي الميراث عن الأولى الذي هو من قبل الأم، كالخال؛ لأن الخال أولى للميت ولاية بطن، لا ولاية صلب، فأفاد بقوله:"ذكر" نفي الميراث [عن
النساء] (1) وإن كن من الأولين إلى الميت من قبل صلب؛ [لأنهن إناث](2) فـ "ذكر" نعتٌ "لأولى" ولما كان مخفوضًا في اللفظ ظن أنه نعتًا "لرجل".
ولو قلت: من يرث هذا الميت بعد ذوي السهام؟ لوجب أن يقال لك: يرثه أولى رجل ذكر بالرفع؛ لأنه نعت [لفاعل](3). [ولو قلت: من يعطى المال؟ لقيل: أعطِهِ أولى رجل "ذكرًا" بالنصب؛ لأنه نعت "لأولى"](4)، فمن هنا دخل الإِشكال.
ومن وجه آخر: وهو أن "أولى" على وزن أفعل، وهذا المثال إذا أريد به التفضيل كان بعض ما يضاف إليه.
فإذا قلت: هو أحسن رجل، فمعناه: أحسن الرجال، وكذلك إذا قلت: أعلم إنسان، فمعناه: أعلم الناس. فيتوهم أن قوله: "أولى رجل" أولى الرجال، وليس كذلك، وإنما هو أولى الميت بإضافة النسب، وأولى صلب بإضافته، كما تقول: هو أخوك أخو الرخاء لا أخو البلاء، وهم أقاربك أقارب الطمع، لا أقارب [الضرر](5)، والناس يقولون: هم إخواني، ولكن إخوان الضحك. وكذلك يقول: مولاي مولى عتق.
(1) زيادة من ن هـ، وفتح الباري (12/ 13).
(2)
في هـ (لأنه أناس).
(3)
في ن هـ (الأولى).
(4)
في ن هـ ساقطة.
(5)
في ن هـ ساقطة.
"فالأولى" في الحديث كالولي، ثم قال:
فإن قيل: كيف يضاف إلى الواحد وليس بجزء منه؟
قلنا: إذا كان معناه الأقرب في النسب، جازت إضافته، وإن لم يكن جزءًا منه، قال عليه الصلاة والسلام:"أمك ثم أمك [ثم أمك]، ثم أباك ثم أدناك فأدناك"(1)، ولو أراد دنو المكان؛ لم يجز أن يقول:[أدناك](2)، كما لم يجز أن يقول: هو أفهمك وأعلمك، فهذا جائز في الأدنى والأولى والأقرب إذا أردت به معنى النسب والقرابة، قال تعالى:{مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ} (3)، ولولا الألف واللام؛ لأضاف وقال: أوليانا، وإنما جاز هذا لمراعاة المعنى، إذْ معنى: أولاك وأدناك، كمعنى قريبك ونسيبك وأخيك، ثم إذا أردت أن تبين كيف هو نسيبك أو قريبك، قلت: قرابة صلب لا قرابة بطن، وكذلك تقول: هو أولاك، وأولى المرأة المتوفاة أولى رجل، وهذه المرأة هي أولياؤه، وجمعها أوليات. والأولى فإن شئت النسب قلت: هي أولى الميت، ولاية رجل أو ولاية صلب، وإن شئت، قلت: هي أولاه، كما تقول: هو أولاه، ثم تبين النسب فتقول: هي أولى نسبًا، أي. قرابتها من قبل رجل، ولولا قوله عليه الصلاة والسلام:"ذكر" لورثته هذه المرأة بهذه الولاية، ولولا قوله:"أولى رجل" لورث الخال؛ لأنه أولى بهذا التفسير، والشواهد عليه وما يقتضيه لفظ الرسول عليه الصلاة والسلام،
(1) سبق تخريجه، وما بين القوسين ساقطة من ن هـ.
(2)
في ن هـ ساقطة.
(3)
سورة المائدة: آية 107.
إذا تأمل، من المتانة والإِيجاز مع كثرة المعاني على هذا يقتضي أن غيره من التأويل ساقط.
لأنه يُخرج لفظه عليه الصلاة والسلام عن البلاغة ويجعله من اللفظ المسترذل وحاشى لله من ذلك، والحمد لله الذي وفق لهذه الفائدة وأعان عليها بعد قرع طويل لبابها. انتهى كلامه.
وهو جليل حفيل، لكن جاء في رواية للدارقطني (1):"فلأولى رحم ذكر" وهو وارد على ما قرره، إلَّا أن يردها إلى رواية "رجل".
الوجه الرابع في أحكامه:
الأول: البداءة بأهل السهام قبل العصبة، والحكمة فيه أنه لو ابتدىء بالعصبة لاستغرقوا المال، وسقط أصحاب الفروض.
الثاني: إرث العاصب ما بقي عنهم.
الثالث: تقديم الأقرب فالأقرب منهم، فلا يرث عاصب بعيد مع وجود قريب، ومحل الخوض في ترتيبهم كتب الفقه، فإنه أليق به، وكذا الخوض في بيان العصبة بنفسه، وبغيره، ومع غيره.
الرابع: الرجوع في قسمة الفرائض وأنصبائها إلى كتاب الله تعالى، وقد أكد تعالى [. .](2)، ذلك بقوله:{فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} ، كما أكد قسم الصدقات، وفي تولي الباري تعالى قسمة ذلك بنفسه، وكذا قسمته الغنيمة والفيء إشارة إلى شدة تعظيم الأموال وحرمتها، وقطع المنازعة بسببها.
(1) الدارقطني (4/ 70، 71).
(2)
في ن هـ زيادة (سبحانه).
الخامس: فيه دلالة لمذهب ابن عباس في إسقاط الأخت الشقيقة بالأخ للأب مع البنت؛ لأنه لم يبق "ذكر" بعد "البنت" غيره، وجمهور العلماء على إسقاطه، فإن الله تعالى فرض للأخت النصف كما فرضه للبنت فلم يبق بعد إلحاق الفرائض بأهلها شيء فلم يكن له شيء.
[السادس](1): أورد إمام الحرمين والغزالي، هذا الحديث بلفظ:"عصبة" بدل "رجل" ولم أقف عليها في رواية بعد الفحص التام عنها، وادّعى الرافعي شهرتها.
وقال ابن الجوزي (2): لا يُحفظ.
وقال ابن الصلاح (3): فيها نظر وبعد عن الصحة من حيث الرواية [ومن حيث اللغة](4)، فإن العصبة في اللغة اسم للجمع، وإطلاقها على الواحد من كلام العامة وأشباههم من الخاصة.
وفي حد العاصب: اضطراب ذكرته في "شرح المنهاج" فراجعه منه.
(1) في ن هـ (خاتمة).
(2)
التحقيق في أحاديث الخلاف (2/ 248).
(3)
ذكره في فتح الباري (12/ 12).
(4)
زيادة من ن هـ.