المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث العاشر 328/ 10/ 62 - عن عائشة رضي الله عنها - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٨

[ابن الملقن]

الفصل: ‌ ‌الحديث العاشر 328/ 10/ 62 - عن عائشة رضي الله عنها

‌الحديث العاشر

328/ 10/ 62 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاءت امرأة رفاعة القرظيِّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة القرظي فطلقني، فَبَتَّ طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزَّبير، وإنما معه مثل هُدبة الثوب، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عُسيلته، ويذوق عسيلتك"، قالت: وأبو بكر عنده، وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له، فنادى: "يا أبا بكر، ألا تسمع [إلى](1) هذه ما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).

الكلام عليه من وجوه:

(1) زيادة من إحكام الأحكام ومتن العمدة.

(2)

البخاري (2639)، ومسلم (1433)، والنسائي (6/ 93، 146، 147، 148)، والترمذي (1118)، وأبو داود (2309)، وابن ماجه (1932)، والدارمي (2/ 161، 162)، والبغوي في التفسير (1/ 208)، وفي السنة (2361)، والطيالسي (1437، 1473، 1560)، وأبو يعلى (4423)، والحميدي (226)، والطبري (4890 - 4893)، وابن الجارود (683)، وأحمد (6/ 34، 37، 96، 193، 226، 229)، والبيهقي (7/ 374)، وسعيد بن منصور (2/ 48)، والموطأ (2/ 531).

ص: 232

أحدها: امرأة رفاعة هذه صحابية وتحصل في اسمها خمسة أقوال:

أحدها: أميمة بنت الحارث.

ثانيها: تميمة -بفتح التاء وضمها- بنت وهب بن عبيد القرظية.

ثالثها: سهيمة.

رابعها: عائشة.

خامسها: نعيمة (1) بنت وهب، وقد ذكرتها معزوة إلى قائليها فيما أفردناه في الكلام على رجال هذا الكتاب في الباب السابع منه في المبهمات، قال الحافظ أبو موسى: اختلف في اسمها فقيل: تميمة، وقيل: سهيمة، وقيل: أميمة، والرميصاء، والغميصاء، قال أبو عمر: لا أعلم لها غير قصتها مع رفاعة ولم يذكر الفاكهي في شرحه غير أنها تميمة -بفتح التاء من غير زيادة، فاستفد ما ذكرناه لك.

فائدة: لما ذكر الترمذي في "جامعه" هذا الحديث من طريق عائشة قال: وفي الباب عن ابن عمر (2)

(1) ذكر محقق ابن حبان (9/ 430)(ح 4121) هكذا: تحرف في الأصل إلى نعيمة. اهـ.

أقول: فإذا كان أحد الأقوال أنها نعيمة فلا يصير تحريفًا.

(2)

النسائي في الكبرى (3/ 353، 354)، والنسائي (6/ 148)، البيهقي (7/ 375)، وأحمد (2/ 25، 62، 85)، وأبو يعلى (4966)، =

ص: 233

وأنس (1) وأبي هريرة والرميصاء [أو](2) الغميصاء (3) وهو دال على أن الرميصاء والغميصاء غير امرأة رفاعة المذكورة في حديث عائشة خلاف ما أسلفناه عن الحافظ أبي موسى.

ثانيها: في الأسماء الواقعة فيه.

أما رفاعة: فهو ابن شموال -بفتح الشين وكسرها-، وفي "ثقات ابن حبان"(4) سموال، وقيل: ابن رفاعة القرظي الأنصاري من

= وابن ماجه (1933)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 343): ورواه الطبراني، وأبو يعلى إلَّا أنه قال: بمثل حديث عائشة، وهو نحو هذا، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. اهـ.

وفيه خلاف ذكره البخاري في تاريخه (4/ 13)، وابن أبي حاتم في العلل (1/ 428)، والبيهقي (7/ 375) في أحد رواته.

(1)

البيهقي (7/ 375)، ومسند البزار (1505)، وأحمد (3/ 284)، وأبو يعلى (4199)، وذكره في مجمع الزوائد (4/ 343)، وقال: رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى إلَّا أنه قال: فمات عنها قبل أن يدخل بها، والطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، خلا محمَّد بن دينار الطاحي وقد وثقه أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن حبان، وفيه كلام لا يضر. اهـ.

(2)

في المخطوطتين (واو)، وما أثبت من الترمذي.

(3)

من رواية عبد الله بن عباس عند النسائي (6/ 148)، والنسائي في الكبرى (3/ 354)، وسعيد بن منصور (2/ 47)، وفيه بدل الرميصاء، الرميضاء. وجاء عند أبي يعلى (12/ 85)، من رواية عبيد الله والفضل بن عباس، وأحمد (1/ 214)، وذكره في مجمع الزوائد (4/ 343)، وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. اهـ.

(4)

(3/ 125).

ص: 234

بني قريظة، وهو خال صفية بنت حيي، روى عنه قال: نزلت هذه الآية: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} الآية فيّ، وفي عشرة من أصحابي.

و"القرظي" -بضم القاف وفتح الراء ثم ظاء معجمة ثم ياء النسب- نسبةً إلى قريظة، وهو اسم رجل نزل أولاده حصنًا بقرب المدينة فنسب إليهم، و"قريظة" و"النضر" أخوان من أولاد هارون عليه السلام.

وأما عبد الرحمن بن الزبير: فهو صحابي وأبوه الزبير -بفتح الزاي وكسر الباء- بلا خلاف قتله الزبير بن العوام يوم بني قريظة كافرًا [ووالد الزبير](1) باطا بلا مد ولا همز، و [(2)] يقال: باطيا (3)، حكاه صاحب "المطالع"، ولعبد الرحمن ولد يقال له الزبير أيضًا بضم الزاء عند البخاري وغيره وبعضهم فتحه (4)، وزعم ابن منده وأبو نعيم في كتابيهما "معرفة الصحابة"(5) أن الذي تزوج امرأة

(1) زيادة من ن هـ.

(2)

في هـ زيادة (لا).

(3)

ذكره في إكمال إكمال المعلم (4/ 56)، ومشارق الأنوار (1/ 315).

(4)

قال ابن عبد البر في التمهيد (13/ 221)، والاستذكار (16/ 154)، والزّبير بن عبد الرحمن بن الزَّبير، بفتح الزاي فيهما جميعًا، إلى أن قال:"وروي عن أبي بكير أن الأول مضموم وروى عنه الفتح فيهما كسائر الرواة عن مالك في ذلك، وهو الصحيح، فيهما جميعًا بفتح الزاي، وهم زبيريون بالفتح، في بني قريظة معروفون". اهـ. انظر: مشارق الأنوار (1/ 315)، والإكمال لابن ماكولا (4/ 166)، والمشتبه للذهبي (333)، ومشتبه النسبة (63)، وتهذيب التهذيب (3/ 316).

(5)

انظر: مشارق الأنوار (1/ 315).

ص: 235

رفاعة إنما هو عبد الرحمن بن الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك الأوس بن الخزرج والذي ذكره أبو عمر والمحققون ما أسلفناه من أنه عبد الرحمن بن الزبير بن باطا. قال النووي (1): وهو الصواب.

وأما خالد بن سعيد بن العاص: فهو أبو سعيد خالد بن سعيد بن العاص بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي، أمه أم خالد بنت حيان بن عبد ياليل من خزاعة أسلم قديمًا لرؤيا رآها، قيل: إنه أسلم قبل الصديق حكاه "ابن حبان"(2) وهو من مهاجري الحبشة قدم في السفينة من الحبشة عام خيبر وترجمته مبسوطة في الكتاب السالف الذكر الذي أشرنا إلى إفراده بالأسماء الواقعة في هذا الكتاب، قتل بمرج الصفر، وقيل: بأجنادين، قال ابن زبر (3): استشهد بها هو وأخواه أبان وعمرو سنة ثلاث عشرة، قال ابن حبان: واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على صدقات بني زبيد وهو أول من كتب بسم الله الرحمن الرحيم.

الوجه الثالث: في ألفاظه:

الأول: معنى "بَتَّ طلاقي"، أي طلقني ثلاثًا، وعلى هذا اقتصر النووي في "شرح مسلم"(4)، وقال الشيخ تقي الدين (5):

(1) شرح مسلم (11/ 2).

(2)

الثقات لابن حبان (3/ 103).

(3)

تاريخ مولد العلماء ووفياتهم (1/ 94، 95).

(4)

شرح مسلم (11/ 2).

(5)

إحكام الأحكام (4/ 200، 201).

ص: 236

تطليقه إياها بالبتات من حيث اللفظ، يحتمل أن يكون بإرسال الطلقات الثلاث، ويحتمل أن يكون بإيقاع آخر طلقة، ويحتمل أن يكون بإحدى الكنايات التي تُحمل على البينونة عند جماعة من الفقهاء، وليس في اللفظ عموم ، ولا إشعار بأحد هذه المعاني، وإنما يؤخذ ذلك من أحاديث أخر تبين المراد، ومن احتج على شيء من هذه الاحتمالات بالحديث فلم يصب لأنه إنما دل على مطلق البت، والدال على المطلق لا يدل على أحد قيديه بعينه.

قلت: قد جاء في رواية لمسلم: "أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات" فيترجح الاحتمال الثاني، وفي الموطأ:"إنه طلقها ثلاثًا"، وهو يؤيد الاحتمال الأول، وأدخل [هذا الحديث](1) في باب من أجاز طلاق الثلاث (2)، وادعى القرطبي في "مفهمه" (3) أن ظاهر قولها "بتَّ طلاقي" قال لها: أنت طالق البتة، وأن فيه حجة لمالك على أن البتة محمولة على الثلاث: في المدخول بها، وليس بجيِّد منه.

الثاني: "الهُدبة" -بضم الهاء وإسكان الدال-، قال الجوهري في "صحاحه": وضم الدال لغة وهو طرفه الذي ينسج وجاء في رواية لمسلم: "لما قالت ذلك أخذت بهدبة من جلبابها"، شبهوها بهدبة العين وهو شعر جفنها، فيحتمل أن يكون شبهته لصغره أو لاسترخائه، وعدم انتشاره، وهو الظاهر، وبه جزم ابن

(1) زيادة من هـ.

(2)

البخاري (ح 5260).

(3)

المفهم (5/ 2421).

ص: 237

الجوزي في "غريبه"(1)، لأنه يبعد أن يبلغ من الصغر إلى حد لا تغيب منه الحشفة أو مقدارها الذي يحصل به التعليل، وفي رواية للبخاري (2):"وكانت معه مثل هُدْبَة الثوب فلم يصل منه إلى شيء يريده"، وفيه:"ولم تكن معه إلَّا مثل الهدبة، فلم يقربني إلَّا هنة واحدة، ولم يصل مني إلى شيء"(3).

وفي رواية له في كتاب اللباس في باب الثياب الخضر (4)، "فجاء ومعه ابنان له من غيرها، قالت: والله ما لي إليه من ذنب إلَّا أن ما معه ليس بأغنى غني من هذه -وأخذت هُدْبة من ثوبها-

(1) غريب الحديث لابن الجوزي (2/ 492).

(2)

البخاري الفتح (9/ 371)، (ح 5265)، وكلمة هنة بفتح الهاء وتخفيف النون، وحكى الهروي تشديدها وقد أنكره الأزهري قبله، وقال الخليل: هي كلمة يكنى بها عن الشيء يستحيا من ذكره باسمه.

(3)

قال ابن التين: معناه لم يطأني إلَّا مرة واحدة، يقال: هنَّ امرأته إذا غشيها، ونقل الكرماني أنه في أكثر النسخ بموحدة ثقيلة أي مرة. اهـ من الفتح.

وذكره في مشارق الأنوار (2/ 264) إن الذي رواه بالموحدة هو ابن السكن قال: وعند الكافة بالنون ومعناها: هبة: الوقعة يقال: احذر هبة السيف أي وقعته، فهو من هذا، وقيل: هو كناية عن الجماع من هباب الجمل أو التيس إذا اهتاج للجماع، وهما بمعنى متقارب وهب التيس يهب هبيبًا إذا صاح عند الضراب، قال ابن عبد الحكم: مرة. اهـ.

وقال في موضع آخر (2/ 271) على رواية من رواه بالنون أي مرة واحدة يقال: ذهبت فهنت كناية من هن. اهـ.

(4)

الفتح (10/ 281)، (ح 5825).

ص: 238

فقال: كَذَبَتْ يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز، تريد رفاعة، فقال صلى الله عليه وسلم: فإن كان ذلك لم تحلين له أو لم تصلحين له حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، قال: فأبصر معه ابنين فقال: أبنوك هؤلاء؟ قال: نعم، قال: هذا الذي تزعمين ما تزعمين؟ فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب".

الثالث: تبسمه عليه الصلاة والسلام تعجب من جهرها وتصريحها بأمر تستحي النساء من ذكره عادةً أو لرغبتها في زوجها الأول وكراهة الثاني.

ومعنى قوله: "تريدين أن ترجعي إلى رفاعة" لأنه إن كان الأمر كما ذكرت من الكناية المذكورة فلا ترجعي إلى رفاعة حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك؛ فإنه عليه الصلاة والسلام فهم عنها إرادة فراقه والرجوع إلى رفاعة.

و"العسيلة": -بضم العين وفتح السين- تصغير عسلة، وهو كناية عن الجماع تشبيه لذته بلذة العسل وحلاوته، وقال الماوردي (1): اختلف في العسيلة فذهب أبو عبيد القاسم بن سلَّام إلى أنها لذة الجماع، أي لأن العرب يسمون كل شيء يستحلونه عَسَلًا.

وذهب آخرون: إلى أنها الإِنزال.

وذهب الشافعي وأكثر الفقهاء: إلى أنها الجماع، لأن اللذة

(1) الحاوي الكبير (13/ 213).

ص: 239

زيادة [و](1) الإِنزال [غاية](2)، وقد روى عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة مرفوعًا أن "العسيلة (3) هي الجماع".

فإن قلت: لم أنثه فقال عُسيلة؟

قلت: عنه أربعة أجوبة (4):

أحدها: أن العسل يذكر ويؤنث فمن أنثه، قال: في تصغيره عسيلة.

ثانيها: أنثه على معنى النطفة وهو ضعيف، لأن الإِنزال لا يشترط.

ثالثها: على نية اللذة.

رابعها: أنه أراد قطعة من العسل. واستعمال لفظ العسيلة في كل ذلك مجاز: إما [من](5) اللذة كما سلف، وإما من مظنتها وهو الإِيلاج على مذهب جمهور الفقهاء الذين يكتفون بتغييب الحشفة، قال بعضهم: وفي تصغير العسيلة دلالة على أن الوطأة الواحدة كافية في إباحتها لمطلقها.

(1) زيادة من الحاوي.

(2)

زيادة من الحاوي.

(3)

أحمد (6/ 62)، وأبو يعلى (4813، 4881)، والدارقطني (3/ 252)، وذكره في مجمع الزوائد (4/ 343)، وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى وفيه أبو عبد الملك المكي ولم أعرفه بغير هذا الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح.

(4)

انظر: إكمال إكمال المعلم (4/ 58).

(5)

في هـ (في).

ص: 240

[خامسها](1): معنى "ترفع" تجهر برفع صوتها. وفي غير "صحيح مسلم"" [تهجر] (2) " من الهجر وهو الفحش من القول.

الوجه الرابع في أحكامه:

الأول: تحريم المبتوتة بالطلاق الثلاث على مطلقها حتى تنكح زوجًا غيره، وهو صريح القرآن أيضًا.

الثاني: أن المراد بنكاح الثاني عقده ووطئه، وهو قول جميع العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وانفرد سعيد بن المسيب فلم يشترط الوطء واكتفى بالعقد، لقوله -تعالى-:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (3)، والنكاح: حقيقة في العقد على الصحيح.

وأجاب الجمهور: بأن هذا الحديث مخصص لعموم الآية ومبين للمراد بهذا، ولعل سعيد لم يبلغه الحديث، ولم يقل أحد من العلماء بقوله إلَّا طائفة من الخوارج، كذا قال، وعزا بعضهم إلى "شرح الرسالة" للقاضي عبد الوهاب؛ أن سعيد بن جبير وطائفة من السلف قالوا به أيضًا.

واتفق العلماء: على أن تغييب الحشفة في قبلها كافٍ في ذلك من غير إنزال المني.

وشذ الحسن البصري: فشرط الإِنزال، وجعله حقيقة العسيلة.

وأجاب الجمهور: بأن إدخال الحشفة يحصل اللذة

(1) في هـ (رابعها).

(2)

في الأصل (تجهر)، وما أثبت من ن هـ.

(3)

سورة البقرة: آية 230.

ص: 241

والعسيلة (1).

الثالث: اشتراط الانتشار في التحليل من حيث إنه يرجع حمل قولها: "إنما معه مثل هدبة الثوب" على الاسترخاء وعدم الانتشار

(1) قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في الاستذكار (16/ 156، 157): ومعنى ذوق العسيلة هو الوطء.

وعلى هذا جماعة العلماء، إلَّا سعيد بن المسيب، فإنه قال: جائز أن ترجع إلى الأول إذا طلقها الثاني، وإن لم يمسها، وأظنُّه لم يبلغه حديث العسيلة، وأخذ بظاهر القرآن:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، فإن طلقها -أعني الثاني- فلا جناح عليهما أن يتراجعا، وقد طلقها.

وليس في القرآن ذكر مسيس في هذا الموضع، وغابت عنه السنة في ذلك، ولذلك لم يعرج على قوله أحد من العلماء بعده.

وانفرد أيضًا الحسن البصري، فقال: لا تحل لأول حتى يطأها الثاني وطأ فيه إنزال، وقال: معنى العسيلة "الإِنزال".

وخالفه سائر الفقهاء، وقالوا: التقاء الختانين يحللها لزوجها.

قال أبو عمر: ما يوجب الحد، ويفسد الصوم، والحج، يحل المطلقة، ويحصن الزوجين، ويوجب كمال الصداق.

وعلى هذا مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وجمهور الفقهاء.

وقال مالك، وابن القاسم: لا يحل المطلقة إلَّا الوطء المباح، فإن وقع الوطء في صوم، أو اعتكاف، أو حج، أو حيض، أو نفاس لم يحل المطلقة، ولا يحل الذمية عندهم وطء زوج ذمي لمسلم، ولا وطء من لم يكن بالغًا.

وقال أبو حنيفة، والشافعي وأصحابهما، والثوري، والأوزاعي، والحسن بن حيّ: يحلها التقاء الختانين، ووطء كل زوج بعد وطئه وطأ، وإن لم يحتلم إذا كان مراهقًا. اهـ.

ص: 242

لاستبعاد أن يكون الصغر قد بلغ إلى حد لا تغيب فيه الحشفة أو مقدارها الذي يحصل به التحليل، كما أسلفته.

والمشهور عند الشافعية: أنه إذا لم يكن انتشار أصلًا لتعنن أو شلل أو غيرهما لا يحصل التعليل خلافًا للجويني والغزالي فإنهما قالا بحصوله لحصول صورة الوطء وأحكامه.

والأصح عندهم أيضًا: أنه لابدَّ من صحة النكاح وفي كونه ممن يمكن جماعه لا طفلًا (1) لا يتأتى منه ولا يخفى أنه لابدَّ من حلها، للأول من انقضاء عدتها من الثاني وأنه لا يحل للثاني نكاحها حتى تنقضي عدتها من الأول وكان ابن المنذر (2) يقول: في الحديث دلالة على أن الزوج الثاني لو واقعها وهي نائمة، أو مغمى عليها لا تحس باللذة أنها لا تحل للأول، لأن الذواق أن تحس بها، كذا نقله البغوي عنه في "شرح السنة"(3)، ثم قال: وعامة أهل العلم على أنها (4) تحل، وقال القرطبي في "مفهمه" (5): إنه حجة لأحد القولين

(1) قال ابن عبد البر في الاستذكار (16/ 157، 158).

وليس وطء الطفل عند الجمع بشيء، قال الشافعي: إذا أصابها بنكاح صحيح، وغيب الحشفة في فرجها، فقد ذاق العسيلة، وسواء في ذلك قوي النكاح وضعيفه، قال: والصبي الذي يطأ مثله، والمراهق، والمجنون، والخصي الذي قد بقي معه ما يغيبه في الفرج يحلون المطلقة لزوجها. اهـ.

(2)

انظر: معالم السنن (3/ 205).

(3)

ساقه من المعالم بمعناه (9/ 234).

(4)

في الأصل زيادة (لا)، وما أثبت من شرح السنة ون هـ.

(5)

المفهم (5/ 2423).

ص: 243

عندهم في أنه لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم تحل، وعند ابن القاسم إن وطئ المجنون يحلها، [وخالفه أشهب وعندهما وعند ابن وهب وابن عبد الحكم وأصبغ إن وطئها حائضًا لا يحلها](1)، وخالف ابن الماجشون وعند المالكية خلاف فيما إذا وطئها بعد أن رأت القصة البيضاء ولم تغتسل، وكذا فيما إذا وطئها وهي صائمة. ومحل الخوض في ذلك كتب الفروع فإنه أليق به (2).

الرابع: استنبط القاضي عياض (3) من شكواها وأن الذي معه كالهدبة على التطليق لعدم الجماع، وانه من حقوق الزوجة قال: وهو قول كافة العلماء بعد ضرب الأجل سنة للاختبار إذا رجىء زوال ما به. أما المجبوب والخصي فإنه يطلق عليه ولا يؤجل.

وقال بعض السلف: يؤجل عشرة أشهر.

وخالف داود: الكافة، ورأى أنه لا يطلق بالعنَّة، ولم يقل به أحد من السلف إلَّا ابن عُليَّة والحكم والإِجماع يرد قولهم.

وحجتهم: ظاهر الحديث أنه عليه الصلاة والسلام لم يطلق عليه ولم يؤجله، وليس لهما فيه حجة، بل عليهما لقوله عليه الصلاة والسلام:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة"، فإن دليل شكواها يوجب الفراق، ولأنه قد ناكرها، وفي الموطأ (4) "أنه

(1) في هـ ساقطة.

(2)

انظر: إكمال إكمال المعلم (4/ 58، 59).

(3)

انظر: المرجع السابق (4/ 57).

(4)

الموطأ (ح 1078)، بلفظ:"فلم يستطع أن يمسها، ففارقها".

ص: 244

طلقها"، وذلك إخبار عن مآل الحال بعد هذا المجلس.

الخامس: استنبط ابن عبد البر (1) من قوله عليه الصلاة والسلام: "أتُريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ " أن إرادة المرأة الرجوع إلى [الأول](2) لا يضر وذلك لأن الطلاق ليس بيدها، وقصد المطلق أحرى أن لا يراعى.

وأما نية المحلل فقال داود: لا أبعد أن يكون مأجورًا عليه إذا لم يُشترط عليه، لأنه قصد إرفاق أخيه وإدخال السرور عليه، وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد أنه مأجور، وقاله سالم والقاسم إذا لم يعلم الزوجان.

قال ابن عبد البر (3): لا معنى لعلمهما فلم يبقَ إلَّا إرادة الناكح، فإن كان ذلك بالشرط دخل تحت اللعنة في الأحاديث الواردة فيه، وكان حكمه حكم نكاح المتعة، كما قال الشافعي: وفسد نكاحه وإن كان بالنية فقولان (4) عنده: القديم كذلك، كما هو مذهب مالك والجديد الصحة، وهو قول داود عن ابن أبي ليلى إبطال الشرط وصحة العقد.

وقال أبو حنيفة: هو جائز، وله أن يقيم عليه، قال مرة: ولا يحلها له، وقال مرة: يحلها.

(1) الاستذكار (16/ 155).

(2)

في الاستذكار: زوجها.

(3)

في المرجع السابق (16/ 160، 162).

(4)

أي للشافعي.

ص: 245

وقال زفر: إذا شرط عليه تحليلها فالنكاح جائز، والشرط باطل.

وقال أبو يوسف: يفسد بالشرط، ولها مهر المثل (1).

السادس: يؤخذ من [هذا](2) الحديث أن مثل هذا الواقع من هذه الصحابية [إذا صدر](3) من مدعيته لا ينكر عليها ولا يوبخ بسببه، فإنه في معرض المطالبة بالحقوق، ويدل على ذلك أيضًا عدم إنكار الصديق وإن كان خالد قد حركه للإِنكار، وحضه عليه.

ويؤخذ منه إظهار ما في النفس ليعرف حكمه. والتبسم أيضًا تعجبا، والأدب عند العلماء والحكام بعدم رفع الصوت بين أيديهم، وعند سؤالهم خصوصًا من النساء فإن رفع صوتهن أقبح من رفع صوت الرجال.

(1) انظر هذا المبحث في الاستذكار (16/ 158، 163).

(2)

زيادة من هـ.

(3)

زيادة من ن هـ.

ص: 246