الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رواية](1) عمرو بن شمر، عن الأعمش أيضاً، وعمروُ هذا متروكٌ عندهم (2)، والله أعلم.
الثانية والعشرون:
المشهورُ عند الأصوليين والفقهاءِ: أنَّ الاستثناءَ من النفيِ إثباتٌ، والدليلُ عليه: الاتّفاقُ والإجماعُ على الاكتفاء بهذه الكلمة في إثباتِ التوحيد، قال عليه الصلاة والسلام:"أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ النَّاسَ، حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلا اللهُ، فإذا قالُوها، عَصَمُوا منِّي دماءَهم وأموالَهم، إلا بحقِّها"(3)، والعلمُ ضروريٌّ حاصلٌ بالاكتفاء بهذه الكلمةِ في التوحيدِ، من غير حاجةٍ إلى زيادةٍ، ولا سؤالٍ عن أمرٍ آخرَ، ومن هذا القبيلِ: هذا الحديث الذي رتب فيه الثواب الأخروي على الكلمة دون التوقُّف على زيادة أخرى (4).
وخالفَ بعضُ الناسِ في هذا، أعني: في أنَّ الاستثناءَ من النفي إثباتٌ، وشغَّب في تقريره بعض المتكلمين من وجهين:
الأول: أنَّ الاستثناءَ مأخوذٌ من قولِكَ: ثَنَيْتُ الشيءَ عن جهتِهِ،
(1) سقط من "ت".
(2)
انظر: "الإمام" للمؤلف (2/ 96).
(3)
رواه البخاري (25)، كتاب: الإيمان، باب:{تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، ومسلم (22)، كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
انظر: "المحصول" للرازي (3/ 56)، و "الإحكام" للآمدي (2/ 331)، و"البحر المحيط" للزركشي (4/ 403).
أي: صرفْتَه عنها، فإذا قلتَ: لا عالمَ إلا زيدٌ، فهاهنا أمرانِ: أحدُهما هذا الحكمُ، والثاني نفسُ هذا العَدَمِ، فقولُك إلا زيدٌ: يَحْتَمِلُ أن يكونَ عائداً إلى الأول، وحينئذ لا يلزمُ تحقُّقُ الثبوتِ؛ إذ (1) الاستثناءُ إنَّما يُزيلُ الحكمَ بالعَدَمِ، فبقي المستثنى مَسْكوتًا عنه، غيرَ محكومٍ عليه لا بالنّفيِ، ولا بالإثباتِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ عائداً إلى الثاني، فحينئذٍ يلزم تحقُّق الثبوتِ؛ لأنَّ عندَ ارتفاعِ العدمِ يحصلُ الوجودُ لا محالةَ، لكنَّ عودَ الاستثناءِ إلى الأولِ أولى، إذِ الألفاظُ وضعتْ دالة على الأحكام الذهنيَّةِ، لا على الأعيانِ الخارجيَّةِ، فإنَّك إذا قلتَ: العالمُ قديمٌ، فإنه لا يدلُّ على كونه قديماً في نفسه، ولأنَّ عدَمَ الشيءِ في نفسه، ووجودَه في نفسِهِ، لا يقيّد تصرفَ الغيرِ، فثبتَ أنَّ عود الاستثناء إلى الأول أولى.
الثاني: ما جاء من وَضْعِ هذا الاستثناء من غير أن يكونَ الإثبات: "لا نكاح إلا بولي"(2)، "لا صلاةَ إلا بطهورٍ"(3)، لا مُلْكَ إلا بالرجالِ، لا رجالَ إلا بالمالِ، والمرادُ في الكلِّ: مجرَّدُ الاشتراطِ.
وتمَّم هذا التشغيب: بأنَّ الصورَ التي دلَّتْ فيها على الإثبات، يجوزُ أن يكون مستفاداً من اللفظِ، بل بدليل منفصلٍ.
وفي كلامِ بعض المتكلمين ما يقتضي تقويةَ هذا المذهبِ، فإنَّه
(1) في الأصل: "إذا"، والمثبت من "ت".
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
التجأَ إلى أن يجيبَ بأنَّ هذه (1) الكلمة، وإن كانت لا تفيد الإثباتَ بالوضعِ اللغويِّ، لكنَّها تفيدُ بالوضعِ الشرعيِّ.
وبوجه آخرَ حاصلُه: أنَّ المقصودَ من هذا الكلام نفيُ الشريكِ، وأما إثباتُ الإلهيةِ لله تعالى فمتَّفَق عليه على ما عُرِفَ، كأنَّه يشير إلى قوله تعالى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]، ولِمَا جُبِلَتِ الفِطَرُ عليه.
وهذا عندي كلُّه تشغيب، ومراوغات جدليَّةٌ، والشرعُ خاطَبَ الناس بهذه الكلمةِ، وأمرَهم بها؛ لإثباتِ مقصودِ التوحيدِ، وحَصَلَ الفهمُ لذلك منهم، والقبولُ له، منهم صلى الله عليه وسلم، من غير زيادةٍ ولا احتياجٍ إلى أمر آخر، ولو كان وضعُ اللفظِ لا يقتضي التوحيدَ، لكان أهمَّ المهمات تعليمُ اللفظِ الذي يقتضيه؛ لأنَّه المقصودُ الأعظم. والاكتفاءُ الذي ذكرناه عندنا في محلِّ القطع بالظَّنِّ، لكنْ هل هو لمدلول اللفظ، أو لقرائن (2) احتفَّت به لا تبلغ إلى القطع؟ (3)
نعم، ادعاءُ الاحتياج إلى أمر آَخرَ في تحصيل مقصودِ التوحيدِ لا يصِحّ، وأما المُثُلُ الذي ذكروها، فيُقابَلون فيها بالمثل، فإذا قالوا: هذه المواضع لا تُدلُّ فيها على الإثباتِ، والمواضع التي تدل عليه،
(1) في الأصل: "بهذه"، والمثبت من "ت".
(2)
"ت": "القرائن".
(3)
من أول المسألة إلى هنا: نقله الزركشي في "البحر المحيط"(4/ 404) باختصار.