الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادسة عشرة:
وأمَّا الاستدلال بالفور، واقتضاء الأمر له، فالمختار خلافُه عند الشَّافعية (1)، وربما قال بعضُهم: إنَّ الأمر على الفور ما لم تقترنْ به قرينة، وها هنا قرينة، هي الإجماع، فإنَّه لو توضَّأ فغسل وجهَه، وبقي ساعةً بحيث لا تنشف أعضاؤه، فإن وضوءَه صحيحٌ، وإن لم يكن فيه فور، وهذا ليس بالقوي، فإن الخصمَ لا يجعل التفريقَ اليسيرَ منافياً للموالاة، والله أعلم.
السابعة عشرة:
يُدَّعى أنَّ لهذا الحديث مُعارِضٌ من حديث آخر، يَسْتَدِل به من لا يرى وجوبَ الموالاة، وهو ما رُوي من حديث سالم، عن ابن عمر، عن أبي بكر وعمر (2)، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: جاء رجلٌ قَدْ توضَّأَ، وبقي على ظهْرِ قدمِهِ مِثْلُ ظُفْرِ إبهامِهِ، لم يَمَسَّهُ الماءُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"ارِجعْ، فأتمَّ وضُوْءَك" ففعل.
أخرجه الدارقطني، والحديث من رواية المغيرة بن سقْلاب، عن الوازِع بِن نافعٌ، عن سالم.
قال الدارقطني: الوازعُ بن نافعٍ ضعيفُ الحديث (3).
(1) انظر: "المحصول" للرازي (2/ 189).
(2)
في الأصل و "ت": "أبي بكر بن عمر"، وجاء فوقها في "ت":"كذا"، والتصويب من "سنن الدارقطني".
(3)
انظر: "سنن الدارقطني"(1/ 109). وانظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (1/ 95).
قلت: ولم يخْلُ المغيرةُ من مسٍّ أيضاً (1). على إمكانِ المنازعةِ في دلالة: "أتمَّ وضوءَك"، على الاكتفاء بغَسْل المكان، وقد ذكر بعضُ الشافعيَّةِ في الاستدلال: أنَّه رُوِي: أنَّ رجلًا توضَّأ وتركَ لَمْعَةً في عَقِبِهِ، فلمَّا كان بعد ذلك، أمرَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بغَسْل ذلك الموضع، قال: ولم يأمره بالاستئناف، ولم يَسْأَله عن المُدَّة الفاصلة (2).
ودلالة قوله: "أمره بغَسْل ذلك الموضعِ" على عدمِ الموالاةِ أقوى من دلالة "أتم وضوءك" على ذلك (3)، فإذا أرادَ الاستدلال، فلا بد من إثبات هذا اللفظِ الزائدِ في القوة، [و] (4) لا يمكن أن يقال: إنَّه من باب الرواية بالمعنى، فإن مِنْ شَرْطِهِ عندهم اتّحادُ الدلالة بين اللَّفظين، ولا اتحادَ مع وجود التفاوت.
وأمَّا الحديثُ الذي فيه: "ارجع، فأحسِنْ وضوءَك" فقد ذكرنا الكلامَ فيه، وما قاله الخطابي، وليس يتبيَّن أنَّ الإحسان بماذا، أهو بالابتداء، أم بالإكمال؟ وقد روى ليث - وهو ابن أبي سليم -، ثنا عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة، أو عن أخي أبي أمامة قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً على أعقاب أحدهم مثل موضع الدرهم، أو
(1) قال العقيلي في "الضعفاء"(4/ 182) بعد أن أورد الحديث في ترجمة المغيرة بن سقلاب: لا يتابعه إلَّا من هو نحوه.
(2)
انظر: "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي (1/ 439).
(3)
نقله الحافظ في "التلخيص الحبير"(1/ 95) عن المؤلف رحمه الله.
(4)
زيادة من "ت".
مثل موضع الظُّفْرِ لم يصبه الماء، قال: فجعل يقول: "وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ" قال: فكان أحدُهم ينظر، فإن رأى موضعًا لم يمسَّه الماء، أعاد الوضوء (1). والله أعلم.
* * *
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 108)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 84)، وإسناده ضعيف؛ ليث بن أبي سليم معروف باختلاطه. قال البيهقي: وهذا إن صح، فشيء اختاروه لأنفسهم، وقد يحتمل أن يريد به إعادة وضوء ذلك الموضع فقط.