الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أم لا، فالمذهب الأول (1)، يعني: أن الواجبَ استيعابُ اليدين إلى المِرفقين.
السابعة والعشرون:
فيه دليل على الاكتفاء بضربة لقوله: "وضرب بكفه [ضربةً على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه] (2)، ثم مسح بها وجهَه" قال القاضي عياض رحمه الله: في ظاهره حجةٌ لمن يَرى الفرضَ ضربةً، وهو قولُ بعض أصحابنا، ودليل قول مالك، وأنه لا إعادة على من فعله، أو يعيد في الوقت، وأن الضربةَ الثَّانية سُنَّةٌ، قال: وجمهور العلماء على أنه لا تُجزئه إلَّا ضربتان، وهو قول بعض أصحابنا، وجعله بعضهم قولَ مالك (3).
قال الرافعي الشَّافعي: واعلم أنه قد تكرَّرَ لفظُ الضربتين في الأخبار، فجرى طائفة من الأصحاب على الظاهر، وقالوا: لا يجوز أن ينقُصَ منهما، ويجوز أن يزيد، فإنَّه قد لا يتأتى له الاستيعابُ بالضربتين، وقال آخرون: الواجب إيصالُ التراب إلى الوجه واليدين، سواء كان بضربة، أو أكثر، قال: وهذا أصح (4).
الثامنة والعشرون:
أما الاكتفاء بالكفين عن المسح إلى المرفقين،
(1) انظر: "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي (2/ 329).
(2)
زيادة من "ت".
(3)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 222).
(4)
انظر: "فتح العزيز" للرافعي (2/ 329).
فدلالة الحديث عليه قوية جداً، بل ربما يُدَّعى أنها نصٌّ على طريقة الفقهاء، والذين خالفوا يحتاجون إلى الاعتذارِ عن المخالفة، والذي اقتضاه كلامُ بعضِ الأكابر منهم الاعتذارُ بوجوه:
أحدها: المعارضاتُ برواياتٍ أخرَ تقتضي المسحَ إلى المرفقين، فذكر: أنه روى جابر، وابن عباس، وابن عمر، وأبو أُمامة: أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: "التَّيمم ضربتان: ضربةٌ للوجه، وضربةٌ لليدين إلى المرفقين"، وذكر أيضاً في الجواب عن احتجاج خصومه: أنه قد رُوي عن عمار: أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: "التَّيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المِرْفقين".
والثاني: أن يقالَ: تتعارضُ الروايتان، أعني (1): عن عمار في الكفين والمرفقين، وتبقى الروايات التي تمسك بها.
وثالثها: الترجيح، بأنَّ يقول: خبرُنا أَزيدُ، فكان أولى و (2) أحوط، وأشار إلى ترجيح آخر لم يُفصح به؛ لأنَّه قال: أو يرجح بما ذكرنا، وكان ذكر أمرين:
أحدهما: القياسُ بأنه بدلٌ، يؤتَى به في محل مُبْدَله، فوجب استيعابُه أصلَه مسح الوجه.
وثانيهما: ذكر وجهين فيما يتعلق بالآية:
أحدهما: أن المطلق يُحمل على ما هو من جنسه، أولى من
(1)"ت": "أي".
(2)
"ت": "أو".
حمله على غير جنسه، وفي الوضوء يجب إلى المرفقين، وكذلك (1) في التَّيمم.
الثَّاني: قال: لأنَّ الآية حجةٌ لنا؛ لأنَّ إطلاق اليد يقتضي إلى المناكب، وأجمع المسلمون على استثناء العضُد، فيبقى على ظاهره، وكذلك كان المقتضى في قطعِ السارق، إلَّا أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع من الكوع، فتركنا مقتضاه الظاهر، وصرنا إلى ما فعله صلى الله عليه وسلم.
ورابعها (2): التأويل؛ لأنَّه ذَكر الكفين، وعبَّر بهما عن الذراع؛ لأنَّ العرب تسمي الشيء بما هو من جنسه.
ولخصومهم أن يقولوا: أمَّا الروايات المذكورة في المعارضة فلابدَّ من معرفة مخارجها، وعدالةِ رواتها، وانتفاء العلل عنها، وحديث ابن عمر منها أخرجه الدارقطني من حديث عليّ بن ظُبْيان، عن عُبيد الله بن عمر، عن نافعٌ، عن ابن عمر، عن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال:"التيممُ ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين".
قال الدارقطني: كذا رواية عليّ بن ظُبيان، مرفوعاً، ووقفه يَحْيَى القطَّان، وهشيم، وغيرهما، وهو الصواب (3).
ثم أخرج الدارقطني رواية يَحْيَى بن سعيد، ورواية هُشَيم، عن
(1)"ت": "فكذلك".
(2)
في الأصل: "وأربعها"، والمثبت من "ت".
(3)
رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 180).
عبيد الله بن عمر، ويونس، عن نافعٌ، عن ابن عمر، بالوقف (1).
ورواية مالك، عن نافعٌ: أن ابن عمر كان يتيمم إلى المرفقين (2).
وأمَّا رواية جابر، فأخرجها الدارقطني من حديث عَزْرة بن ثابتٍ، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال:"التَّيمم ضربة للوجه، وضربة للذراعين إلى المرفقين"(3).
وفي كلام بعضهم احتجاجُهم بحديث ابن الصِّمَّة قال: مررت على النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه، فلم يرد [عليَّ](4)، حتَّى قام إلى جدارٍ، فحتَّه بعصاً كانت معه، ثم وضع يده على الجدار، فمسح وجهه وذراعيه (5).
قال البغوي: هذا حديث حسن، وفيه فوائد:
(1) رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 180).
(2)
جاء في الأصل و "ت" زيادة: "مرفوعاً". وانظر: "السنن" للدارقطني (1/ 181).
(3)
رواه الدارقطني في "سننه"(1/ 181)، وقال: رجاله كلهم ثقات، والصواب مرقوف.
(4)
زيادة من "ت".
(5)
رواه الإمام الشَّافعي في "مسنده"(ص: 12)، وفي "الأم"(1/ 51)، وفي "اختلاف الحديث" (ص: 496)، ومن طريقه: البيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 205)، وقال: هذا منقطع؛ عبد الرحمن بن هرمز الأعرج لم يسمعه من ابن الصمة، إنَّما سمعه من عمير مولى ابن عباس، عن ابن الصمة، وإبراهيم بن محمد بن أبي يَحْيَى الأسلمي وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قد اختلف الحفاظ في عدالتهما.
منها: وجوبُ مسح اليدين إلى المرفقين، قال: وهذا أشبه بالأصول، والأولى أصح في الرواية، وهو مسح الوجه على الكفين.
ومنها: أن التَّيمم لا يصِحُّ ما [لم](1) يعلق بالوجه غبار التراب؛ لأنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حثَّ الجدار بالعصا، ولو كان مجرد الضرب كافياً، لكان لا يحتُّه.
ومنها: استحبابُ الطهارةِ لذكرِ الله تعالى (2).
قلت: أما قوله هذا حديث حسن، فعجيب! فإنَّه من رواية إبراهيم بن محمد، عن أبي الحويرث، عن الأعرج، عن ابن الصمة، وإبراهيم بن أبي يَحْيَى الذي خرج الحديث من جهته، قد أكثروا عليه القول من جهات، وأفْظَعَ فيه النَّسائى القولَ جداً (3)، ولعله قربَ أمرَه لرواية الشَّافعي رحمه الله عنه، واعتقاده صدقه على ما روي عنه.
وأمَّا أبو الحويرث عبد الرحمن بن محمد، فقد (4) روى مسلم في مقدمة كتابه "الصحيح" عن أبي جعفر الدَّارميُّ، عن بشر بن عمر، سألت مالكَ بن أنسٍ عن أبي الحويرث، فقال: ليس بثقة (5).
وأمَّا استدلالُه به على وجوب المسح إلى المرفقين، وعلي أن التَّيمم لا يصح ما لم يعلقْ بالكف غبارٌ، فلخصمه أن يقول: الحديث
(1) زيادة من "ت".
(2)
انظر: "شرح السنة" للبغوي (2/ 115).
(3)
انظر: "ميزان الاعتدال" للذهبي (1/ 182).
(4)
في الأصل "وقد"، والمثبت من "ت".
(5)
انظر: "صحيح مسلم"(1/ 26).