الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: دلالته على أن لا وقت بالنسبة إلى الزيادة، ظاهرٌ؛ لأنَّه لو كان الواجبُ أمراً زائداً على هذا المقدار، لما اكتفى بهذا المقدار.
وأمَّا دلالتُه على أن لا وقت، فيما دون هذا المقدارِ إلَّا كَمَالُه، ففيه نظر، وسيأتي في المسألة بعدها ما يشير إليه.
والذي يدلّ على عدم التحديد مطلقاً: هي الظواهُر التي اقتضت تعليقَ الحكمِ بمسمَّى الغسل، أو بمسمى الإفاضة.
الثالثة:
حكي عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال: لا يمكن المُغْتَسِل أن يَعُمَّ جسدَه [بأقلَّ من صاع، ولا المتوضئ أن يسبغ أعضاء وضوئه](1) بأقلَّ من مُدٍّ.
قال بعض الشارحين المتأخرين: وفي هذا نظر: فإنَّه قد رُوِيَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "أنه توضأ بثلثي مد".
قلت: هذا النظر الذي ذكره، يحتاج إلى تحقيق، فإن هذا الذي ذكر فيه ثلثا المد مذكور في حديث الرُّبيِّعِ بنتِ معوِّذ:"أنه صلى الله عليه وسلم أُتيَ بماءٍ قَدْرَ ثلثي المُدّ"(2)، فحمله هذا الشارح على مُدّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، وبه يتمُّ ردُّه
(1) ما بين معكوفتين سقط من الأصل و "ت"، وأثبته من كلام المؤلف رحمه الله الآتي في هذه الفائدة.
(2)
رواه أبو داود (94)، كتاب: الطهارة، باب: ما يجزئ من الماء في الوضوء، والنَّسائيُّ (74)، كتاب: الطهارة، باب: القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء، لكن من حديث أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها، ولم أقف على رواية الرَّبيع رضي الله عنها في هذا الباب، فلا أدري إن كان هناك سبق قلم، أو أنها مروية لكنني لم أهتد إليها، والله أعلم.
ونظره، لكن المد مدان: مُدُّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، ومُدّ هشامِ بن إسماعيل، وهو أَزْيَدُ من المُدِّ الأول، قيل: بثلث، وقيل: بنصف (1)، فإذا كان كذلك، وكان الإخبار عنه، لم ينقُصِ الذي توضأ به النَّبيّ صلى الله عليه وسلم عن مُدِّه، لكنَّ ذلك يتوقف على تاريخ موتِ الرُّبيِّعِ، ومدة ولايةِ إسماعيل، وهل أدركَتْ زمن هشام بن إسماعيل، أو لا؟
فإن كان يمكن اجتماعُهما، فلا دلالةَ، لجواز أن تكونَ أرادت مُدَّ هشام، ولا تتوهمنَّ أنَّ قولها:"فأُتِيَ بماءٍ قَدْرَ ثلثي المد" يتعين لِئَن يكونَ بمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّها إذا أدركت مد هشام، جازَ أن يعين ما كان أولاً عند المقدار بثلثي المقدار الحاضر عند إخبارها.
والمنقولُ عن ابنِ شعبان وهو المالكي القُرْطي (2)، بضم القاف، وسكون الراء، والطاء المهملة، كأنه نسبةٌ إلى قُرْطة (3)، الموضع الذي بين النَّوبة وأسوان، نقل عنه: أنه قال: لا يُجْزِئُ في الغُسْل أقلُّ من صاعٍ، ولا في الوضوء أقلّ من مُدَّ (4).
(1) انظر: "الأم" للإمام الشَّافعي (2/ 187).
(2)
هو الإمام العلامة شيخ المالكية أبو إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان العماري المصري المعروف بابن القرطي، له تصانيف بديعة منها كتاب:"الزاهي" في الفقه، و"أحكام القرآن"، و"مناقب مالك"، توفي سنة (355 هـ).
انظر: "ترتيب المدارك" للقاضي عياض (3/ 293)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (16/ 78).
(3)
وقال الذهبي في "السير"(16/ 78): نسبة إلى بيع القرط.
(4)
انظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (2/ 162).