الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاشْتِغال
ص:
255 -
إِنْ مَضْمَرُ اسْمٍ سَابِقٍ فِعْلًا شَغَلْ
…
عَنْهُ بِنَصْبِ لَفْظِهِ أَوِ الْمَحَلّ
(1)
256 -
فَالسَّابِقَ انْصِبْهُ بِعِفْلٍ أُضْمِرَا
…
حَتْمًا مُوافِقٍ لِمَا قَدْ أُظْهِرَا
(2)
ش:
الاشتغال: أَن يتقدم اسم، ويتأخر عنهُ فعل متصرف عامل فِي ضمير الاسم المتقدم أَو سببيه.
ومثل الفعل: اسم الفاعل ونحوه، علَى ما سيأتي.
فإِذا تقدم اسم علَى الصّفة المذكورة. . جاز أَن ينصب ذلك الاسم بفعل واجب الحذف:
موافق للفعل الظّاهر فِي اللّفظ؛ كـ (زيدًا ضربته)؛ أَي: (ضربت زيدًا ضربته).
أو في المعنَى؛ كـ (بكر ضربت أخاه)؛ أَي: (أهنت بكرًا ضربت أخاه).
ومن الموافق فِي المعنَى: (خالدًا مررت به)؛ أَي: (جاوزت خالدًا مررت به)؛ لأنَّ المجاوزة بمعنَى المرور.
(1)
إن: شرطية: مضمرُ: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن شغل مضمر، ومضمر مضاف. واسم: مضاف إليه. سابق: نعت لاسم. فعلا: مفعول به لشغل مقدم عليه. شغل: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى مضمر. عنه، بنصب: متعلقان بشغل، ونصب مضاف. ولفظ من لفظه: مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، ولفظ مضاف، والهاء مضاف إليه. أو: حرف عطف. المحل: معطوف على لفظ.
(2)
فالسابق: مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: فانصب السابق. انصبه: انصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، والهاء مفعول به. بفعل: جار ومجرور متعلق بانصب، وجملة أضمر: ونائب الفاعل المستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى فعل، في محل جر نعت لفعل. حتمًا: مفعول مطلق لفعل محذوف، والتقدير: حتم ذلك حتمًا. موافقٍ: نعت ثان لفعلٍ. لما: جار ومجرور متعلق بموافق. قد: حرف تحقيق، وجملة أظهرا: ونائب الفاعل المستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى ما الموصولة: لا محل لها من الإعراب صلة ما المجرورة محلًا باللام.
وهذا الفعل الناصب للاسم السّابق لا يجوز إِظهاره؛ لأنَّ الفعل المذكور عوض منه، ولَا يجمع بَينَ العوض والمعوَّض.
ولَا موضع لهذه الجملة المذكورة؛ لأَنَّها مفسرة للفعل المحذوف.
وقوله: (بنصبِ لفظِهِ أَوِ المَحَلّ) يعني: بنصب الضّمير لفظًا كـ: (زيدًا ضربته)، أَو محلًا كـ (زيدًا مررت به).
وفي الحقيقة: الضّمير فِي (ضربته) منصوب محلًا أيضًا، ولكن لما وصل الفعل إِليه واتصل لفظه به من غير واسطة. . أطلق عليه أنه منصوب لفظًا مجازًا واتساعًا، فعلَى هذا: يكون معنَى الكلام (إن شغل مضمرُ اسمٍ سابق فعلًا عن ذلك الاسم السّابق. . ينصب ذلك الضّمير لفظًا أَو محلًا، فانصب الاسم السّابق بفعل واجب الحذف، موافق للظاهر).
وشمل الموافق فِي اللّفظ أَو فِي المعنَى كما تقدم.
فصدق علَى (زيد) فِي قولك: (زيدًا ضربته) أنه اسم سابق تأخر عنهُ فعل مشتغل بضميره، فالضّمير هو الّذي شغل الفعل عن الاسم السّابق، ولولا الضّمير الشّاغل. . لتسلط الفعل علَى الاسم السّابق، وعمل فيه النّصب كـ (زيدًا ضربت)، وحينئذ. . فالضّمير فِي لفظه عائد علَى قوله:(مضمر).
وشرح ابن قيم الجوؤية علَى هذا، والشّيخ بهاء الدّين بن عقيل.
وكلامه فِي "الكافية" يقتضي أَن الضّمير فِي (لفظه) عائد علَى قوله: (اسم سابق)، والباء في قوله:(بنصب) بمعنَى (عن)، وحينئذ يكون قوله:(بنصب): بدل اشتمال من قوله: (عنهُ) والمعنَى: إن شغل مضمرُ اسم سابق فعلًا عن ذلك الاسم السّابق عن نصبه لفظًا كـ (زيدًا ضربته)، أَو محلا؛ كـ (هذا أكرمته). . فانصب الاسم السّابق بكذا إِلَى آخره.
والحق: أَن هذا الوجه هو الوجه؛ لأنَّ قوله: (أَو المحل). . أريد به علَى الوجه الأول: (زيدًا مررت به)، وهو قَدْ أشار إِليه بقوله:(فصلَ مشغولٍ بخرف جر)، فيلزم التّكرار.
واعلم: أنه يشترط فِي الفعل المشتغل بالضّمير: أَن لا يفصل بينه وبين الاسم السّابق، فَلَا نصب فِي نحو:(زيد أنت تضربه).
قال بعضهم: لأنَّ الفعل المفصول لا يعمل فيما قبله.
ولعله أراد المفصول بأجنبي لجواز النّصب فِي (زيدًا اليوم أكرمته)، وهذا العمل إِنما هو فِي الفعل.
بخلاف الصّفة كما سيأتي؛ نحو: (زيدًا أنت ضاربه)؛ لأنَّ الوصف لا بد لهُ من شيء يعتمد عليه، فـ (أنت ضاربه): فِي تقدير (تضربه).
تنبيه:
أعلم أَن هذا الباب فيه خلاف.
ذهب الكسائي: إِلَى أَن الاسم السّابق منصوب بالفعل المذكور بعده، والضّمير ملغي.
وقال بعضهم: إن الفعل عامل فِي الضّمير والاسم معًا.
ورُدَّ الأول: بأدن الأسماء لا تلغى بعد اتصالها بالعوامل.
والثّاني: بأن العامل الواحد لا يعمل فِي ضمير اسم ومظهره.
ولَا يرد نحو: (اضْربْهُ زيدًا)؛ لأنَّ عامل البدل مقدر علَى المشهور.
والصّحيح: أنه منصوب بفعل واجب الحذف -كما سبق- موافق للفعل الظّاهر فِي اللّفظ؛ كـ (زيدًا ضربته)، أَو فِي المعنَى كـ (زيدًا ضربت أخاه).
واللَّه الموفق
ص:
257 -
والنَّصْبُ حَتْمٌ إِنْ تَلَا السَّابِقُ مَا
…
يَخَتَصُ بِالْفِعْلِ كَإِنْ وَحَيْثُمَا
(1)
ش:
مسائل هذا الباب علَى خمسة أقسام:
1 -
قسم يجب فيه نصب الاسم السّابق.
2 -
وقسم يجب فيه الرّفع.
(1)
والنصب: مبتدأ. حتم: خبر المبتدأ. إن: شرطية. تلا: فعل ماض، فعل الشرط، وجواب الشرط: محذوف، وتقدير الكلام: إن تلا السابق ما يختص بالفعل فالنصب واجب. السابقُ: فاعل لتلا. ما: اسم موصول: مفعول به لتلا. يختص: فعل مضارع، والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى (ما)، والجملة من يختص وفاعله: لا محل لها صلة الموصول. بالفعل: جار ومجرور متعلق بيختص كإن: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وذلك كائن كإن - إلخ. وحيثما: معطوف على إن المجرورة محلًا بالكاف.
3 -
وقسم يجوز فيه الوجهان، ويختار النّصب.
4 -
وقسم يجوز فيه الوجهان، ويختار الرّفع.
5 -
وقسم يستوي فيه الأمران.
فذكر المصنف رحمه الله فِي هذا البيت:
القسم الّذي يجب فيه النّصب، أَن يقع الاسم السّابق بعد أداة لا يليها إلَّا الفعل:
- كأدوات الشّرط؛ نحو. (إنّ زيدًا تلقه فأكرمه).
وعن الأخفش: جواز وقوع المبتدأ بعد إن الشرطية؛ نحو: (إن زيدٌ قام فأكرمه).
والمعتمد خلافه.
ونحو: (حيثما زيدًا لقيته فأكرمه).
- كذا أدوات التّخصيص؛ لأنَّها تختص بالفعل؛ كـ (هلا زبدًا أكرمته).
- وأدوات الاستفهام إِلَّا الهمزة؛ نحو: (متَى زيدًا تكرمه؟)، و (أين زيدًا فارقته؟)، و (هل زيدًا رأيته؟)
ولَا تختص هل بالفعل إِلَّا أَن ذكر؛ لأنك تقول: (هل زيد أخوك؟).
قال تعالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} .
ولهذا لا يقال: (هل زيدًا ضربت؟)، وسبق مبسوطًا فِي أول الكتاب عند قوله:(سِوَاهُما الحَرفُ).
فإِن اشتغل الفعل بضمير. . جاز أَن يليها الاسم معمولًا لمحذوف؛ نحو: (هل زيدًا رأيته؟) كما سبق.
وأَجازَ الكسائي: (هل زيدٌ ضربته؟) بالرّفع.
ونقل الشّيخ عبد اللَّه بن هشام أنه لا يقال فِي النّثر: (حيثما زيدًا لقيته)، ولَا:(إن زيدًا تلقه).
أما إن كانت الأداة (إنْ) أَو (إِذا)، والشّرط ماض. . جاز مطلقًا.
ولَا يضر الشرط المضارع مع (إِذا)؛ نحو: (إِذا زيدًا تلقاه فأكرمه).
وإِذا انفصلت حيث من الحرف فالنّصب أولَى؛ نحو: (حيث زيدًا تلقاه فأكرمه)؛ إِذ الكثير أَن يليها الجملة الفعلية.
وعن أبي الفتح: أَن الفعل المفسِّر بكسر السّين مجزوم بـ (إنْ) محذوفه فِي نحو: (إن زيدًا تلقه فأكرمه)؛ أَي: (إن تلق زيدًا إن تلقه فأكرمه)؛ لكن الجواب مجزوم بـ (إنْ) المذكورة.
تنبيه:
تقدم أَن الاسم السّابق ينصب بعد أداة الشّرط ونحوها، وقد يضمر العرب فعلًا مطاوعًا للفعل الظّاهر، فيرتفع به الاسم السّابق؛ كقوله:
لا تَجْزَعِي إنْ مُنْفِسًا أَهْلَكتُهُ
…
وإِذَا هَلكتُ فعِندَ ذَلكِ فَاجْزَعِي
(1)
(1)
التخريج: البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص 72، وتخليص الشواهد ص 499، وخزانة الأدب 1/ 314، 321، 11/ 36، وسمط اللآلي ص 468، وشرح أبيات سيبويه 1/ 160، وشرح شواهد المغني 1/ 472، 2/ 829، وشرح المفصل 2/ 38، والكتاب 1/ 134، ولسان العرب 6/ 238 نفس، 11/ 211 خلل، والمقاصد النحوية 2/ 535، وبلا نسبة في الأزهية ص 248، والأشباه والنظائر 2/ 151، والجنى الداني ص 72، وجواهر الأدب ص 67، وخزانة الأدب 3/ 32، 6/ 41، 43، 44، والرد على النحاة ص 114، وشرح ابن عقيل ص 264، ومغني اللبيب 1/ 166، 403، والمقتضب 2/ 76.
اللغة: لا تجزعي: لا تخافي. المنفس هنا: المال الكثير. أهلكته: أنفقته. هلكت: مت.
المعنى. يخاطب الشاعر زوجته بقوله: لا تخافي على إنفاقي المال وتبذيره، فإنني ما دمت حيًا لن تحتاجي إلى شيء، وإذا مت. . فعند ذلك اجزعي؛ لأنك لن تجدي من بعدي من يؤمن لك حاجاتك.
الإعراب: لا: ناهية جازمة. تجزعي: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، والياء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. إن: حرف شرط جازم. منفسٌّ: فاعل مرفوع بفعل مضمر يفسره المذكور. والتقدير: إن هلك منفس أهلكته. أهلكته: فعل ماض مبني على السكون، والتاء ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. فإذا: الفاء حرف استئناف، إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. هلكتُ: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. فعند: الفاء رابطة لجواب الشرط، عند: ظرف زمان متعلق بالفعل اجزعي، وهو مضاف. ذلك: اسم إشارة في محل جر بالإضافة. أجزعي: فعل أمر مبني، والياء: ضمير فاعل.
وجملة (لا تجزعي): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (أهلكته): تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة (هلكتُ): في محل جر بالإضافة. وجملة (إذا هلكت): استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة (اجزعي): لا محل لها من الإعراب؛ لأنها جواب شرط غير جازم.
فـ (منفسٌ) مرفوع بـ (هلك) محذوف، وهو مطاوع (أهلك) كما تقول:(أهلكته فهلك)، والتّقدير:(إن هلك منفس أهلكته).
ويروى: (منفسًا) بالنّصب علَى الأصل؛ أَي: أهلكت منفسًا أهلكته، فالرّفع علَى حذف المطاوع، والنّصب علَى حذف الموافق.
واللَّه الموفق
ص:
258 -
وَإِنْ تَلَا السَّابِقُ مَا بِالابْتِدَا
…
يَخْتَصُّ فَالرَّفْعَ الْتَزِمْهُ أَبَدَا
(1)
259 -
كَذَا إِذَا الفِعْلُ تَلَا مَا لَمْ يَرِدْ
…
مَا قَبْلُ مَعْمُولًا لِمَا بَعْدُ وُجِدْ
(2)
= الشاهد: قوله: (إن منفس أهلكته)؛ حيث رفع (منفس) بإضمار فعل دل عليه ما بعده، لأن حرف الشرط يقتضي فعلًا مظهرًا أو مضمرًا.
(1)
وإن: شرطية. تلا: فعل ماض، فعل الشرط. السابق: فاعل تلا. ما: اسم موصول: مفعول به لتلا. بالابتدا: جار ومجرور متعلق بيختص الآتي. يختص: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة. . فالرفعَ: الفاء لربط الجواب بالشرط، الرفع: مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: فالتزمِ الرفع التزمه، والجملة في محل جزم جواب الشرط. التزمه: التزم: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، والهاء مفعول به. أبدا: منصوب على الظرفية، والجملة من فعل الأمر وفاعله المستتر فيه: لا محل لها مفسرة.
(2)
كذا: جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع نعتًا لمصدر محذوف منصوب على المفعولية المطلقة بفعل مدلول عليه بالسابق، والتقدير: والتزم الرفع التزامًا مشابهًا لذلك الالتزام إذا تلا الفعل. . . إلخ. إذا: ظرف تضمن معنى الشرط. الفعلُ: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إذا تلا الفعل. تلا: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى الفعل، والجملة: لا محل لها من الإعراب تفسيرية. ما: اسم موصول مفعول به لتلا. لم يرد: مضارع مجزوم بلم. ما: اسم موصول فاعل يرد، والجملة لا محل لها صلة (ما) الواقع مفعولًا به لتلا. قبل: ظرف متعلق بمحذوف صلة (ما) الواقع فاعلًا. معمولا: حال من فاعل يرد. لما: جار ومجرور متعلق بمعمول. بعد: ظرف متعلق بوجد. وُجِد: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى ما الموصولة المجرورة محلًا باللام، والجملة: لا محل لها صلة ما المجرورة محلًا باللام.
ش:
أخذ يذكر القسم الّذي يجب فيه الرّفع، فيجيب رفع الاسم السّابق إِذا تلا ما يختص بالابتداء:
-كـ (إِذا الفجائية)؛ نحو: (خرجت فإِذا زيد يضربه عمرو).
وأَجازَ بعضهم نصبه، وَلَم يعتمد.
وبعضهم لا يعد ذلك من باب الاشتغال؛ محتجًا بأن الضّمير لو حذف. . لنُصب الاسم السّابق؛ نحو: (زيدًا ضربت).
وإِذا الفجائية لا يتأتَى معها ذلك؛ إِذ الفعل لا يليها علَى المشهور.
وسأل ابن جني أبا الحسن الزّعفراني: هل يجوز: (إِذا زيدًا ضربته) يعني علَى كونها فجائية؟
قال: نعم.
وعلل ذلك بأن الفعل فِي هذا الباب لازم الحذف، فاغتفر ذلك؛ إِذ يغتفر فِي المقدر ما لا يغتفر فِي الملفوظ به.
وأشار بقوله: (كذا إِذَا الفِعلُ تَلا):إِلَى أنه يجب رفع الاسم السّابق أيضًا:
- إِذا وقع بينه وبين الفعل أداة، لايعمل ما بعدهما فيما قبلها، وهو المراد بقوله:(ما لم يَرِد مَا قبلُ مَعمُولًا لِمَا وُجِدَ بعدَهُ):
كأدوات الشّرط، وما النّافية، وأدوات الاستفهام إِلَّا الهمزة، فتقول:(زيدٌ إن جاءك فاضربه)، و (زيدٌ ما رأيته)، و (زيدٌ هل ضربته؟)، أَو (كم ضربته؟) بالرّفع لا غير؛ لأنَّ هذه الأدوات لها صدر الكلام، فَلَا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وما لا يعمل: لا يفسر عاملًا.
لكن أَجازَ الكسائي أَن يعمل ما بعد (إن) الشّرطية فيما قبلها؛ نحو: (زيدًا إن لقيت فأكرمه)، فالظّاهر: جواز النّصب عنده علَى الاشتغال فِي نحو: (إن زيدٌ لقيته فأكرمه)؛ لأنَّ ما صح أَن يعمل. . صح أَن يفسر.
- وكذا: يجب الرّفع إذا وقع الفعل بعد ما التّعجبية؛ نحو: (زيد ما أحسنه).
- أَو كَانَ صلة؛ كـ (زيد الّذي ضربته).
- أو مضافًا إِليه؛ كـ (زيدٌ يوم تراه فافرح).
- أَو صفة؛ نحو: (كلُّ رجل صحبته أكرمني) برفع (كلُّ) وجوبًا، ومنه قوله تعالى:{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} .
- أَو كَانَ الفعل بعد أداة التحضيض؛ نحو: (زيدٌ هلا ضربته).
- أَو بعد حرف ناسخ؛ نحو: (زيد إنك تحبه).
- لأنَّ ما بعد ما التّعجبية، والموصول، والمضاف إِليه، والصّفة، وأداة التّخصيص، والحرف النّاسخ. . لا يعمل فيما قبله أيضًا، فَلَا يفسر عاملًا.
- كذا لام الابتداء و (إِلا) فِي الاستثناء.
وندر عمل ما بعد (ما النّافية) فيما قبلها؛ كقوله:
. . . . . . . . . . .
…
وَنَحْنُ عَن فَضلِكَ ما استَغنَينا
(1)
ويمكن تعلقه بمحذوف، أَو توسع فِي المجرور.
ومتَى كَانَ النّافي (لا). . جازَ الوجهان فِي الاسم السّابق؛ نحو: (زيد لا أضربه).
وقيل: هي مثل (ما).
وبعضهم: التّحقيق: أنه لا يجب الرّفع إِلَّا إِذا ذكر القسم؛ نحو: (زيدٌ واللَّه لا أضربه)؛ إِذ لا يلزم تصدير (لا) إِلَّا فِي جواب القسم كما سبق فِي الفاعل، وفي باب ظننت.
وابن الطّراوة وتلميذه السّهيلي: أَن ما بعد حرف التّنفيس لا يعمل فيما قبله كما سبق فِي الفاعل؛ فعلَى هذا: لا يجوز (زيدًا سأضربه) بالنّصب؛ لأنَّ ما لا يعمل. . لا يفسر، وقد استثنوا مسألة: يعمل فيها المضاف إِليه فِي المتقدم علَى المضاف، وستأتي فِي آخر الإِضافة.
تنبيه:
اختلف فِي إِذا الفجائية السّابق ذكرها:
فالأخفش: حرف.
(1)
تقدم إعرابه وشرحه.
الشاهد فيه هنا قوله: (عن فضلك ما استغنينا)؛ حيث عمل ما قبل ما النافية فيما قبلها على ندرة من ذلك.
والمبرد والفارسي: ظرف مكان.
والزّجاج وابن خروف والزّمخشري والشلوبين: ظرف زمان.
فإِذا قلت: (خرجت فإِذا زيدٌ). . صح كونها خبرًا عن (زيد) إن قدرت ظرف مكان، والتّقدير:(خرجت فبالحضرة زيدٌ)؛ فظرف الزّمان لا يخبر به عن الجثة.
وتقول: (خرجت فإِذا زيد قائمًا) فـ (زيد): مبتدأ، وما قبله: خبر كما ذكر؛ أَي: (فبالحضرة زيد قائمًا)، و (قائمًا): حال، وعامله:(إِذا)، وصاحب الحال ضمير فِي الطّرف المذكور.
ويجوز رفع (قائمٌ) خبرًا عن (زيد)، هنا تفصيل:
- فإِن قدرت (إِذا) ظرف مكان. . فالعامل فيها (قائم)، وليست مضافة للجملة بعدها؛ إِذ لا يضاف للجمل من الظّروف المكانية إلا (حيث).
- وإِن قدرت ظرف زمان. . فهي مضافة للجملة، والعامل فيها:(قائم) أيضًا.
قيل: والأَولَى: أَن تكونَ (إِذا الفجائية) حرفًا، ويؤيده:(خرجت فإِذا إنَّ زيدًا بالباب)؛ لأنَّ (إنَّ) لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، والظّروف لا بد لها من عامل، والمفاجأة: حضور الشيء مع الإِنسان فِي وصف من أوصافه، والمعنَى: خرجت فإِذا حضور زيد معي فِي صفة خروجي.
وقد تشاركها إِذ فِي المفاجأة؛ كقولهِ:
. . . . . . . . . . .
…
فبَيْنَمَا العُسْرُ إِذْ دَارَتْ ميَاسِيرُ
(1)
والفاء مع (إِذا الفجائية): زائدة لازمة.
ومحمد أبو بكر مبرمان تلميذ المبرد: إنها عاطفة لجملة المفاجأة علَى ما قبلها.
(1)
التخريج: عجز سما من البسيط، وصدره: استْقَدِرِ اللَّهَ خيرًا وأرضينَّ به
وهو لعثمان بن لبيد العذري، أو عثير بن لبيد، انظر: الكتاب 3/ 528. وفي شرح الشذور وشرح شواهده نسبه إلى عنبر بن لبيد، والظاهر: أنه تصحيف. وهذا البيت من قصيدة مطلعها:
يا قلب إنك من أسماء مغرور .... فاذكر وهل ينفعنْك اليومَ تذكيرُ
انظر: شرح شذور الذهب ص 144. وشرح شواهد الشذور ص 94 والتي بعدها.
الشاهد: قوله: (فبينما العسر إذ دارت)؛ حيث جاءت (إذ) للمفاجأة بعد بينما.
وإِبراهيم أبو إِسحاق الزّجاج: إنها للسببية المحضة.
وبعضهم: يجعل واو الحال كـ (إِذا الفجائية) فِي وجوب رفع الاسم بعدها؛ نحو: (جاء زيد وهندٌ يضربها عمرو) برفع (هند)، ولهذا عدها ابن بابشاذ من أحرف الابتداء.
ويؤيده: رفع النّكرة بعدها علَى الابتداء كما سبق فِي محله.
وعد أيضًا من ذلك: (إِنَّما) بكسر الهمزة وفتحها و (ليتما)، و (لعلما)، و (كأنما)، و (لكنما)، و (أمَّا التّفصيلية)، و (لولا الامتناعية)، و (أمَا، وألا الاستفتاحيين)، و (حتَّى) فِي أحد أقسامها.
قال: وسميت بذلك لكثرة وقوع الابتداء بعدها.
و (السّابقُ) فاعل، و (مَا): مفعول، و (مَا لَمْ يَرِد): مفعول بـ (تَلا)، و (مَا قَبلُ): فاعل بـ (يَرِدْ)، (مَعمُولا): حال من هذا الفاعل، و (قَبلُ وبَعْدُد) فِي البيت: مبنيان علَى الضّم.
واللَّه الموفق
ص:
260 -
وَاخْتِيرَ نَصْبٌ قَبْلَ فِعْلٍ ذِي طَلَبْ
…
وَبَعْدَ مَا إِيَلاؤُهُ الْفِعْلَ غَلَبْ
(1)
261 -
وَبَعْدَ عَطِفٍ بِلَا فَصْلٍ عَلَى
…
مَعْمُوْلِ فِعْلٍ مُسْتَقِرٍّ أَوَّلَا
(2)
ش:
هو القسم الثّالث الذي يجوز فيه الوجهان، ويُختَارُ النّصب، فمنه:
• إِذا وقع الاسم قبل فعل طلب؛ كـ (زيدًا اضربه)، أو (امرر به).
(1)
واختير: فعل ماض مبني للمجهول. نصبٌ: نائب فاعل لاختير. قبل: ظرف متعلق باختير، وقبل مضاف. وفعل: مضاف إليه. ذي طلب: نعت لفعل، ومضاف إليه. وبعد: معطوف على قبل، وبعد: مضاف. وما: اسم موصول مضاف إليه. إيلاؤه: إيلاء: مبتدأ، وإيلاء: مضاف، والهاء: مضاف إليه من إضافة المصدر لأحد مفعوليه. الفعلَ: مفعول ثان للمصدر. غلب: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى إيلاء، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره: لا محل لها، صلة (ما) المجرورة محلًا بالإضافة.
(2)
وبعد: معطوف على بعد في البيت السابق، وبعد مضاف. وعاطفٍ: مضاف إليه. بلا فصل: جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لعاطف. على معمولِ: متعلق بعاطف، ومعمول مضاف. وفعلٍ: مضاف إليه. مستقرٍّ: نعت لفعل. أوَّلا: ظرف متعلق بمستقر.
• منه: ما قبل (لا النّاهية)؛ كـ (زيدًا لا تضربه).
• ولام الأمر؛ كـ (زيدًا ليضربه بكر).
• وفعل الدّعاء؛ نحو (يا اللَّه ذنوبنا اغفرها)، وكذا: (زيدًا رحمه الله؛ لأنه فِي معنَى الطّلب.
وليس منه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وإِن كَانَ يفهم أنه من قبيل (زيدًا اضرب أخاه)؛ فـ (السّارق): مبتدأ علَى حذف مضاف، والخبر محذوف؛ أَي:(ومما يتلَى عليكم حكم السّارق والسّارقة)، وأما (فاقطعوا): فجواب محذوف؛ أَي: (وإِذا كَانَ كذلك فاقطعوا أيديهما).
وقيل: الخبر (فاقطعوا)؛ لأنَّ الفاء تدخل فِي خبر الموصول كما سبق ذكره مفصلًا فِي الابتداء عند قوله: (أَو كَانَ مُسَندًا).
وقرأ عيسَى بالنّصب.
وفصل ابنا السّيد وبابشاذ: فِي الواقع قبل الطّلب، فيُختار الرّفع في العموم كالآية، والنّصب فِي الخصوص؛ كـ (زيدًا اضربه).
ونازع فيه ابن خروف بأن النّصب مختار فِي: (كل رجل يأتيني فاضربه)، وفيه معنَى العموم والإِبهام.
ولَا يجوز النّصب قبل الطّلب ما فِي نحو: (زيدٌ اضربنه).
قال الرّضي: لأنَّ الفعل المؤكد بالنّون لا يعمل فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر.
ويشكل عليه: جعل الشّيخ خالد قول المصنف فِي الحكاية والعلم (احيكنَّه) أنه من الاشتغال، وكذا:(والمُضمَرَ احذِفنَّه) فِي نوني التّوكيد، ونحو ذلك.
ولا نصب في: (زيدٌ أحسن به)؛ لأن معناه الخبر وإن كان على صورة الأمر، ولأن المجرور في محل رفع على الفاعلية.
ومن قال إنه أمر. . فلا يمتنع.
• ومنه إِذا وقع الفعل بعد أداةٍ يغلب أَن يليها الفعل؛ كهمزة الاستفهام؛ نحو: (أزيدًا ضربته؟)، ومنه فِي القرآن:{أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} .
وقد لا يليها الفعل للتشاكل؛ لقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ، فتقدير
الفعل بعد الهمزة هنا: فيه عطف اسمية علَى فعلية.
فإِن فصلت الهمزة. . اختير الرّفع نحو: (أأنت زيدٌ تضربه؟).
ويغتفر الظّرف؛ نحو: (أفِي الدّار زيدًا تضربه؟).
وابن الطّراوة: إن كَانَ الاستفهام عن الفعل. . فكما سبق، وإِن كَانَ عن الاسم. . وجب الرّفع؛ نحو:(أزيد ضربته أم عمرو؟).
وكالهمزة فِي اختيار النّصب: (حيث)، و (ما ولَا وإنْ النّافيات)؛ كـ (حيث زيدًا رأيته، وما زيدًا ضربته).
• منه إِذا وقع الاسم بعد عاطف سبق بجعلة فعلية بشرط عدم الفصل بَينَ العاطف والاسم كما قال: (وبعد عاطف. . .) إِلَى آخر البيت؛ نحو: (جاء زيد وعمرًا أكرمته).
• وكذا شبه العاطف؛ نحو: (ما أكرمت زيدًا؛ لكن عمروًا أكرمته)، و (أكرمتهم حتَّى زيدًا أكرمته).
وإِنما قالوا: (شبه العاطف)؛ لأنَّ هذين لا يعطفان الجمل، فكلاهما حرف ابتداء.
والمقصود بِحَتَّى: (الابتدائية) ونحوها أَن يكونَ فِي ابتداء الكلام، سواء تلاها مبتدأ أَو فعل، ولهذا هي عند بعضهم حرف ابتداء أبدًا.
قال ابن الخباز فِي "شرح لمع ابن جني": وإِذا كانت حرف ابتداء. . وقع بعدها الجملتان الاسمية والفعلية.
وقال القواس فِي "شرح ألفية بن معطي": علامة الابتدائية: أَن يكون بعدها الجملة الاسمية.
ويجب الرفع فِي: (أكرمت القوم؛ لكن زيدٌ أهنته)، و (أكرمت زيدًا حتَّى خالد أكرمته)؛ لعدم الشّبه بالعاطف؛ إِذ لا يعطف بـ (لكن) فِي الإِيجاب، ولَا بـ (حتَّى) إِلَّا بعضٌ علَى كلٍّ كما سيأتي.
وإِنما اختير النّصب فِي نحو: (جاء زيد وعمروًا أكرمته) يعني فِي حالة العطف بلَا فصل علَى معمول الفعل؛ لأنَّ فيه عطف فعلية علَى مثلها، ولهذا كَانَ تقدير النّصب أولَى فِي:(الموتَى) من قوله تعالَى: {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} للتشاكل كما ذكر.
فإِن فصل بَينَ العاطف والاسم. . كانَ الاسم السّابق كما لو لم يقدمه شيء؛ كـ (جاء زيد وأما عمرٌو فأكرمتُه)؛ لأن الكلام بعد (أما): مستأنف مقطوع عما قبله، ما لم يوجد طلب؛ نحو:(أما زيدًا فاضربه).
ويُختَارُ النّصب أيضًا إِذا أوهمت الجملة أَن تكون صفة؛ كقولِهِ تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ؛ لأنَّ الرّفع يوهم أَن يكونَ (خلقناه): صفة لـ (شيء) والمجرور خبر. . فَلَا يدل ذلك علَى عموم الخلق.
وقرأ أبو السّماك بالرّفع.
فالأولَى أَن يكونَ {خَلَقْنَاهُ} خبرًا.
- ويختار النّصب أيضًا فِي جواب الاستفهام؛ كـ (زيدًا ضربته) فِي جواب: (أيهم؟) للمطابقة.
وتقول: (صمت الأيام حتَّى يوم الخميس صمته).
بالنّصب: علَى الاشتغال، أَو عطفًا علَى (الأيام)، و (صمته): توكيد.
وبالرفع: مبتدأ، و (صمته): خبر.
بالجر: علَى أَن (حتَّى) حرف جر، و (صمته): توكيد.
تنبيه:
سبق أنه يختار النّصب فِي: (أما زيدًا فاضربه) لأنه قبل الطّلب، والنّاصب هنا محذوف فسره المذكور وإِن كَانَ بعد الفاء؛ لأنَّ الفاء يعمل ما بعدها فيما قبلها إِذا وقعت فِي غير موضعها؛ نحو:(أما زيدًا فاضرب)، وإِذا عمل. . جاز أَن يفسر فِي نحو:(أما زيدًا فاضربه).
والدّليل علَى أنها وقعت فِي غير موضعها: أَن الأصل: (مهما يكن من شيء فزيدًا اضرب)، فحذف (مهما يكن من شيء) برمته، وجيء بـ (أما)، فحصل:(أما فزيدًا اضرب)، فزحلقت الفاء عن موضعها لإِصلاح اللّفظ، فحصل:(أما زيدًا فاضرب)، فعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لذلك.
أَو: لأنَّ الحاجة تدعو للفصل بَينَ (أمّا) والفعل؛ إِذ الفعل لا يليها، ففصل بمعمول الفعل.
والحاصل: أَن الاسم فِي نحو: (أما زيدًا فاضربه): منصوب بمحذوف بعده، والتّقدير:(أما زيدًا فاضرب اضربه) فحذف المفسَّر بفتح السّين وهو الناصب لـ (زيدًا)، ثم زحلقت الفاء منه إِلَى المفسِّر بكسر السّين، فحصل:(أما زيدًا فاضربه).
وكذا قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} ، بنصب (ثمود) نقلًا عن عاصم والأعمش.
وظاهر كلام مكي: أَن الفعل مقدر قبل (ثمود)، وأن (أما) يليها الفعل؛ لأَنَّها نائبة عنهُ، قال: وتقدير النّصب: (مهما يكن من شيء فهدينا ثمود هديناهم).
والظّاهر: أنه لا يلزم من كونها نائبة عن الفعل: أَن يليها الفعل:
فيقال: (مهما يكن من شيء فاضرب زيدًا).
ولَا يقال: (أما فاضرب زيدًا).
بَلْ يشرع فِي عمل آخر، وهو تقديم (زيدًا) علَى (اضرب)؛ نحو:(أما زيدًا فاضرب) علَى ما سبق ذكره.
لكن يجوز أَن يقال: إنَّه قَدْ يليها الفعل؛ لأنه ملتزم الحذف، وهم يغتفرون فِي المقدر ما لا يغتفرون فِي الملفوظ به، كما عُلم.
وسبق كلام ابن هشام فِي الفاعل فِي قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} ، وأنه فِي معنَى:(مهما يكن من شيء فربك كبر).
ولَا يجوز: (أما زيدًا فإِني ضارب)؛ لأنَّ ما بعد (إِنَّ) لا يعمل فيما قبلها، خلافًا للمبرد.
وتعمل (أما) فِي الظّرف؛ نحو: (أما اليوم فإِني ذاهب)؛ لأنَّ فيها معنَى الفعل الّتي نابت عنهُ.
وتوسع الفراء: فجعل العامل فيها (ذاهب)؛ لأنه ظرف؛ كما جعل بعضهم اللّام فِي قوله تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} متعلقة بـ {فَلْيَعْبُدُوا} ، والحال: أنه بعد الفاء مع غير (أما) ونحوها، والتّقدير:(فليعبدوا لإِيلافهم)؛ أَي: من أجل إلفِهِم.
والزّجاج: أنها متعلقة بـ {فَجَعَلَهُمْ} من سورة الفيل؛ لأنهما فِي مصحف أبيٍّ رضي اللَّه تعالَى عنهُ سورة واحدة بِلَا فصل.
والأخفش: متعلقة بـ (اعجبوا) محذوفًا.
واللَّه الموفق
ص:
262 -
وَإِنْ تَلَا الْمَعْطُوْفُ فِعْلًا مُخْبَرَا
…
بِهِ عَنِ اسْمٍ فَاعْطِفَنْ مُخَيَّرَا
(1)
]
ش:
هو القسم الخامس الّذي يستوي فيه الرّفع والنّصب، وهو أَن يقع الاسم بعد جملة ذات وجهين، وهي ما صدرها مبتدأ غير ما التّعجبية، وعجزها فعل رافع لضمير ذلك المبتدأ؛ كـ (زيد خرج وعمرو أكرمته) برفع (عمرو) ونصبه علَى السّواء.
فالرّفع: مراعاة لصدر الجملة، فيعطف مبتدأ وخبر علَى مثله.
والنّصب: مراعاة لعجزها، فكأنه عطف جملة فعلية علَى مثلها.
ورجح الأخفش: الرّفع.
وقيل: اسم الفاعل بمعنَى الحال أَو الاستقبال كذلك؛ كـ (زيد ضارب عمرًا وسعدٌ ضربته) برفع (سعد) ونصبه علَى السّواء.
ومثله: (زيد شروبُ العسل وسعد أكرمته).
وشرط بعضهم فِي هذا القسم الخامس: أَن يكونَ فِي الجملة الثّانية ضمير يعود علَى الاسم السّابق؛ كـ (زيد خرج وعمرًا أكرمته فِي داره).
أَو يكون العطف بالفاء؛ لسدها مسد الضّمير؛ نحو: (زيد خرج فعمرًا أكرمته).
وَلَم يشترطه الأكثرون.
فلو كَانَ المبتدأ ما التّعجبية؛ نحو: (ما أحسن زيدًا وسعدٌ ضربته). . كَانَ (سعد) كما لو لم يتقدمه شيء؛ لأنَّ العطف هنا لا أثر لهُ، فيرفع سعد علَى الابتداء مستأنفًا، لا علَى أنه معطوف علَى (ما)، أَو ينصب بمحذوف لا بالعطف علَى (أحسن).
واللَّه الموفق
(1)
إن: شرطية. تلا: فعل ماض، فعل الشرط. المعطوفُ: فاعل لتلا. فعلا: مفعول به لتلا. مخبرا: نعت لفعل. به، عن اسم: متعلقان بمخبر. فاعطفن: الفاء لربط الجواب بالشرط، اعطف: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. مخيرًا: حال من الضمير المستتر في اعطفن.
ص:
263 -
وَالرَّفْعُ فِي غَيْرِ الَّذِي مَرَّ رَجَحْ
…
فَمَا أُبِيْحَ افْعَلْ وَدَعْ مَا لَمْ يُبَحْ
(1)
ش:
هو القسم الرّبع الّذي يجوز فيه الوجهان ويختار الرّفع؛ كـ (زيدٌ ضربته) برفع زيد.
- فلم يجب النّصب؛ لأنه لم يقع بعد أداة شرط.
- وَلَم يجب الرّفع؛ لأنه لم يقع بعد إِذا الفجائية ونحوها.
- وَلَم يترجح النّصب؛ لأنه لم يقع قبل طلب.
- وَلَم يستو الأمران؛ لأنه لم يقع بعد فعل مخبر به عن اسم.
فالرّفع أولَى كما ذكر؛ لأنَّ النّصب فيه تقدير فعل، وعدم التّقدير أرجح، بَلْ منع بعضهم النّصب؛ لكلفة التَّقدير، وهو محجوج بقراءة عيسَى بالنّصب فِي:(سورةً أنزلناها)، {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ} ، {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} .
وقول الشّاعر:
فَارِسًا مَا غَادَرُوهُ مُلْحَمَا
…
غيرَ زُمَّيْل ولَا نِكْسٍ وَكِلْ
(2)
(1)
والرفع. مبتدأ. في غير. جار ومجرور متعلق برجح الآتي. وغير: مضاف. والذي. اسم موصول: مضاف إليه. مر: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى الذي، والجملة من مر وفاعله لا محل لها صلة. رجح: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى الرفع الواقع مبتدأ، والجملة من رجح وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ. فما: الفاء للتفريع، وما: اسم موصول به مقدم لافعل. أبيح: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى ما الموصولة، والجملة من أبيح ونائب فاعله: لا محل لها صلة. أفعل: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. ودع: مثله. ما: اسم موصول مفعول به لدع. لم يبح: مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة الموصول.
(2)
التخريج: البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص 133، وله أو لامرأة من بني الحارث في شرح شواهد المغني 2/ 664، والمقاصد النحوية 2/ 539، ولامرأة من بني الحارث في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1107، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص 501، ومغني اللبيب 2/ 577.
اللغة. غادروه: تركوه في مكانه.
المعنى: يقول: تركوا فارسًا مغوارًا في حومة الوغى، طعمة لكواسر الوحوش وجوارح الطير.
فنصب (فارسًا) بمحذوف، و (ما): زائدة؛ أَي: (غادروا فاوسًا غادروه).
و (ملحمًا) بفتح الحاء المهملة: من ألحمه غيرُه فِي الحرب فَلَا خلاص لهُ، ويروَى بالجيم.
و (زمَّيل) بالميم المشددة قبل ياء ساكنة؛ أَي: جبان.
و (النِّكس) بكسر النّون: الضّعيف.
و (الوكِل) بكسر الكاف: الّذي يكل أمره إِلَى غيره.
واللَّه الموفق
ص:
264 -
وَفَصْلُ مَشْغُوْلٍ بِحَرْفِ جَرِّ
…
أَوْ بِإِضَافَةٍ كَوَصْلٍ يَجْرِي
(1)
ش:
الفعل المشغول بالضمير فِي هذا الباب:
• تارة يتصل إِلَى الضّمير بنفسه؛ كـ (زيد ضربته).
• وتارة يفصل بينهما بحرف جر؛ كـ (زيد مررت به)، ومنه قوله تعالَى:{وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ} ؛ أَي: (أنذرنا كلًّا ضربنا لهُ الأمثال)، فهو منصوب بفعل موافق للظاهر فِي المعنَى كما علم.
وكذا قوله تعالَى: {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} ؛ أَي: ويعذب الظّالمين، أَو وأهان
= الإعراب: فارسًا: مفعول به لفعل حذوف يفسره ما بعده، تقديره: غادروا فارسًا. ما: زائدة للتفخيم. غادروه: فعل ماض، والواو ضمير في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير في محل نصب مفعول به. ملحما: حال منصوب. غيرَ: حال ثان منصوب، وهو مضاف. زمَّيل: مضاف إليه مجرور. ولا: الواو حرف عطف، لا: حرف لتأكيد النفي. نكسٍ: معطوف على زميل مجرور. وَكِل: نعت نكس.
الشاهد قوله: (فارسًا ما غادروه) حيث نصب الاسم السابق بفعل محذوف يفسره ما بعده.
(1)
وفصلُ: مبتدأ، وفصل مضاف. ومشغول: مضاف إليه. بحرفِ: جار ومجرور متعلق بفصل، وحرف مضاف. وجر: مضاف إليه. أو. عاطفة. بإضافةٍ. جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق. كوصلٍ: جار ومجرور متعلق بيجري الآتي. يجري: فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود على فصل الواقع مبتدأ في أول البيت، والجملة من يجري وفاعله: في محل رفع خبر المبتدأ.
الظّالمين.
وقرئ: (والظّالمون) علَى الابتداء.
• وتارة يفصل بينهما بمضاف؛ كـ (زيد ضربت أخاه).
• وتارة بحرف الجر والمضاف؛ كـ (زيد أحسنت لأخيه).
والحاصل:
أَن الفعل المشغول بحرف جر، أَو بإِضافة، أَو بهما معًا. . يجري مجرى الفعل المتصل بلفظ الضّمير فِي جميع ما تقدم.
- فكما يجب النّصب فِي: (إِن زيدًا ضربته). . يجب أيضًا في المشغول بحرف جر؛ نحو: (إن عمرًا مررت به أكرمك) أَي: (جاوزت عمرًا مررت به أكرمك).
وكذا: المشغول بالإِضافة؛ نحو: (إن بشرًا ضربت أخاه أكرمك)؛ أَي: (أهنت بشرًا).
وكذا: المشغول بحرف الجر والإِضافة؛ نحو: (إن خالدًا أحسنت لأخيه أكرمك)؛ أَي: (فرَّحت خالدًا).
- وكما يجب الرّفع فِي: (خرجت فإِذا زيد يضربه عمرو). . يجب أيضًا فِي المشغول عنهُ بحرف الجر أَو بالإِضافة أَو بهما معًا كما سبق.
- وكما يختار النّصب فِي: (أزيدًا ضربته؟)، و (ما زيدًا لقيته). . يختار النّصب أيضًا فِي هذه.
- وكما يختار الرّفع فِي: (زيد ضربته).
ويستوي الأمران فِي نحو: (زيد قام وبكرًا أكرمته). . يكون كذلك أيضًا إِلَى آخره.
تنبيه:
إِذا قلت: (زيد ذُهِبَ به) بالبناء للمفعول. . لا يجوز فِي (زيدٌ) إِلَّا الرّفع؛ لأنَّ الجار والمجرور فِي محل رفع (يُذهَب)، و (ذُهِب) لا يفسر إِلَّا فعلًا رافعًا مثله، فَلَا يجوز نصب الاسم السّابق، خلافًا لابن السّراج والسّيرافي، وَلَم يوافقهما المصنف فِي "الكافية".
ووجه النّصب عندهما: أنهما يجعلان نائب الفاعل فِي (ذُهب) ضميرًا يعود علَى المصدر الّذي هو الذّهاب، فيصير الجار والمجرور فِي محل نصب علَى المفعولية؛ فإِذا انتصب الاسم السّابق. . ينتصب بفعل محذوف عامل فِي ضمير يعود علَى المصدر كما كَانَ ذلك فِي الفعل المذكور، فينصب (زيدًا) علَى المفعولية كما كَانَ ذلك فِي الجار والمجرور.
واللَّه الموفق
ص:
265 -
وَسَوِّ فِي ذَا الْبَابِ وَصْفًا ذَا عَمَلْ
…
بِالْفِعلِ إِنْ لَمْ يَكُ مَانِعٌ حَصَلْ
(1)
ش:
تقدم أَن الوصف العامل يجري مجرَى الفعل فِي هذا الباب فِي جميع ما تقدم.
والمراد بالوصف العامل هنا: اسم الفاعل، واسم المفعول، لا نحو الصّفة المشبهة وأفعل التّفضيل وأفعل التّعجب؛ فإِن ذلك لا يعمل فيما قبله، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا.
فقوله: (وصفًا) يحترز به ممَّا يعمل عمل الفعل وليس وصفًا؛ كاسم الفعل؛ فإِنه لا يعمل فيما قبله علَى الصّحيح، فَلَا يفسر عاملًا، فَلَا تقول:(زيدًا عليكه)؛ أَي: ألزمه.
وأَجازَ الكسائي: تقديم معمول اسم الفعل عليه، فتجوز عنده المسألة.
وكالمصدر النّائب مناب فعله؛ نحو: (زيدًا ضربًا أخاه)، علَى القول بعدم تقديم معمول المصدر عليه.
وعلَى القول بالجواز -وهو مذهب المبرد والسّيرافي والمصنف- لا تمتنع المسألة، والتّقدير:(أهن زيدًا ضربًا أخاه).
(1)
وسو: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. في ذا: جار ومجرور متعلق بسو. الباب: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان عليه، أو نعت له. وصفًا: مفعول به لسو. ذا: بمعنى صاحب: نعت لوصف، وذا مضاف. وعمل: مضاف إليه. بالفعل: جار ومجرور متعلق بسو. إن شرطية. لم: نافية جازمة. يك. فعل مضارع تام مجزوم بلم، فعل الشرط، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف. مانعٌ: فاعل يك. حصل: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى مانع، والجملة في محل رفع نعت لمانع، وجواب الشرط محذوف، وتقديره: إن لم يكن مانع حاصل وموجود. . فسوِّ وصفًا ذا عمل بالفعل.
واحترز بقوله: (ذا عمل) من اسم الفاعل بمعنَى الماضي، فَلَا يجوز النّصب فِي نحو:(زيد أنا ضاربه أمس)؛ لأنَّ اسم الفاعل لا يعمل إِذا كَانَ ماضيًا علَى الصّحيح، وما لا يعمل لا يفسر عاملًا.
وتجوز المسألة أيضًا عند الكسائي وابن مضاء؛ لأنَّ اسم الفاعل يعمل ماضيًا عندهما.
واحترز بقوله: (إنْ لَم يكُ مانعٌ حَصَل) من اسم الفاعل المقرون بأل الموصولة، فَلَا يجوز النّصب فِي نحو:(زيد أنا الضّاربه)؛ لأنَّ ما بعد الموصول لا يعمل فيما قبله فَلَا يفسر عاملًا، فحصل فيه المانع، واستوَى حينئذ بالصّفة وأفعل التّفضيل فِي عدم الإعمال كما سبق.
فمثال اسم الفاعل العامل: (خالدًا أنا ضاربه الآن أَو غدًا).
ومثال اسم المفعول: (الدّرهم أنت معطاه الآن أَو غدًا)، فيجوز فِي:(خالد)، و (الدّرهم) الرّفع والنصب.
فالرّفع: علَى أنه مبتدأ، وما بعده: خبر.
والنّصب: علَى تقدير (أنا ضارب خالدًا ضاربه الآن)، و (أنت معطى الدّرهم أنت معطاه الآن). . فينصب الاسم السّابق بالمضمر كما تقدم فِي (زيدًا ضربته).
واللَّه الموفق
ص:
266 -
وَعُلْقَةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ
…
كَعُلْقَةٍ بِنَفْسِ الاسْمِ الْوَاقِعِ
(1)
ش:
سبق أَن الفعل المتصل بلفظ الضّمير؛ كـ (زيد ضربته).
(1)
وعلقة: مبتدأ. حاصلةٌ: نعت لعلقة. بتابع: جار ومجرور متعلق بحاصلة. كعُلقةٍ: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ. بنفس. جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعُلقة المجرور بالكاف، ونفس مضاف. والاسم: مضاف إليه. الواقع: نعت للاسم.
يساوى به ما فصل بحرف جر؛ كـ (زيد مررت به).
أَو بإِضافة؛ كـ (زيد ضربت غلامه).
أَو بالحرفِ والإِضافة؛ كـ (زيد أحسنت لأخيه).
وذكر الشّيخ هنا: أَن العلقة الحاصلة بتابع شاغل كالعلقة الحاصلة بنفس الشاغل.
العلقة: هي الضّمير العائد علَى الاسم السّابق.
فإِذا قلت: (زيد ضربت أخاه). . كَانَ (أخاه) شاغلًا للفعل عن الاسم السّابق، والعلقة هنا: حاصلة بنفس الاسم الواقع شاغلًا؛ بمعنَى: أنها ملابسة لهُ.
ومثال العلقة الحاصلة بتابع الشّاغل: (زيد ضربت رجلًا يحبه)، فـ (رجلًا) هو الشّاغل للفعل، وجملة (يحبه): نعت لـ (رجل)، وهي تابع الشّاغل؛ لأنَّ النّعت تابع للمنعوت، فالعلقة هنا: حصلت بتابع الشّاغل؛ يعني: أنها ملابسة للتابع.
والحاصل: أنك تنزل (زيدًا ضربت رجلًا تحبه) منزلة (زيدًا ضربت أخاه).
فقوله: (وعُلقَةٌ حَاصلةٌ بِتَابِعِ) مثاله: (زيد ضربت رجلًا يحبه)، وقوله:(كعُلقَةٍ بِنَفسِ الوَاقِعِ) شاغلًا، مثاله:(زيد ضربت أخاه).
والمراد بالتّابع هنا:
- النّعت كما سبق.
- وعطف البيان؛ نحو: (زيدًا ضربت عمرًا أخاه)؛ فإِن قدرت (أخاه) بدلًا. . لم يجز النّصب؛ لأنَّ العامل فِي البدل غير العامل فِي المبدل منه علَى المشهور، فتبطل المسألة كما ذكر؛ لأنَّ (عمرًا) منصوب بـ (ضربت) المذكور، و (أخاه): منصوب بـ (ضربت) محذوفًا، فالكلام حينئذ تقديرُهُ:(زيدٌ ضربت عمرًا ضربت أخاه)، وهذا فيه خلو الجملة الأولَى من الرّابط بَينَ المبتدأ والخبر.
وعلَى القول بأن العامل فِي البدل والمبدل منه واحد: يجوز الوجهان فِي الاسم السّابق.
- وكذا عطف النّسق بالواو خاصة؛ لأَنَّها تقتضي الجمع؛ نحو: (خالدًا ضربت عمرًا وأخاه)، والهاء تعود علَى (خالد).
فلو قلت: (ثم أخاه)، ورفعت (خالدًا) مثلًا علَى الابتداء. . خلت الجملة الواقعة
خبرًا عنهُ من الضّمير الرّابط؛ لأنك عطفت بـ (ثم).
وهي تجعل الثّاني بعد الأول بمهلة، بخلاف:(زيد ضربت عمرًا وأخاه)، فكأنك قلت:(مع أخيه).
وقد علم من هذا كله:
أنك تُنزَّل (زيد ضربت رجلًا يحبه)، و (زيد ضربت عمرًا أخاه)، و (زيد ضربت عمرًا وأخاه) منزلةَ (زيد ضربت أخاه) فِي جواز رفع الاسم السّابق ونصبه.
فـ (بكرًا ضربت رجلًا يحبه) تقديرُهُ: (أهنت بكرًا)، و (خالدًا ضربت رجلًا يكرهه) تقديرُهُ:(نَصَرتُ خالدًا)، فيقدر فِي كل محل ما يناسبه.
وقال بعضهم: لا يضر وجود العُلقة فِي الصّلة؛ نحو: (زيدٌ أكرمت الّذي يحبه) برفع زيد ونصبه علَى تقدير: (نصرت زيدًا، أكرمت الّذي يحبه).
تنبيه:
يجوز حذف الضّمير فِي هذا الباب؛ قرأ بعض السّلف: (أفحكمُ الجاهليَّةِ يَبغون) بالرَّفع علَى الابتداء، و (يبغون): خبر علَى إِرادة الهاء؛ أَي: يبغونه، ونسبت لابن وثاب والنّخعي والسّلمي.
وقال الشّاعر:
. . . . . . . . . . .
…
فثَوْبٌ لَبِستُ وثَوْبٌ أَجُرّ
(1)
وسبق فيه شاهد آخر.
وفي "شرح المفصل" للفخر الرّازي: (زيدٌ ضربته) علَى إِرادة الهاء.
واللَّه الموفق
* * *
(1)
تقدم إعرابه وشرحه.
والشاهد هنا: قوله: (لبست)، وقوله:(أجرّ)؛ حيث حذف الضمير في الفعلين، وذلك جائز في باب الاشتغال.