المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا - شرح الفارضي على ألفية ابن مالك - جـ ٢

[الفارضي]

الفصل: ‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا

‌المفعول فيه وهو المسمَّى ظرفًا

ص:

303 -

الظَّرْفُ وَقْتٌ أَوْ مَكَانٌ ضُمِّنَا

فِي بِاطِّرَادٍ كَهُنَا امْكُثْ أَزْمُنَا

(1)

ش:

المفعول فيه: اسم (زمان) أَو (مكان)، أو (ما فِي معناه)، منتصب علَى معنَى (فِي)؛ لأنه ظرف، والظّرف ما ضمن معنَى (فِي) باطّرادٍ فِي الاصطلاح.

ولَا يشترط صحة دخولها علَى الظّرف؛ لأنَّ من الظّروف ما لا يجوز ذكر (فِي) معه؛ نحو: (عند) و (مع).

فالأول

(2)

: كـ (اذهب غدًا)، و (امكث أزمنًا).

والثّاني

(3)

: (أمكث هنا)؛ أَي: (فِي غد) و (أمكث فِي هذا المكان).

فخرج:

- ما لم يتضمن (فِي) من اسما الزّمان والمكان، كـ (يومُ الجمعة مباركٌ)، و (هذه دار عمرو).

- وكذا المجرور على الأصح: كـ (جلست فِي الدّار)، و (سرت فِي يوم الجمعة).

- وما كَانَ مفعولًا به؛ فإنه ليس علَى معنَى (فِي)؛ كقوله تعالى: {لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ} .

وقوله: (باطراد): تحرز من اسم المكان المختص المتضمن معنَى (فِي) سماعًا، فَلَا يسمَى ظرفًا؛ كـ (دخلت المسجد)، و (سكنت الدّار)، و (ذهبت الشّام)؛ لأنَّ تضمنه معناها ليس مطردًا، إِذ هو لا ينصب بسائر الأفعال، فَلَا يقال:(جلست المسجد)، ولَا (مكثت الدّار) فَلَا يتضمن معنى (فِي) إِلَّا مع (دخلت) و (سكنت).

(1)

الظرف: مبتدأ. وقت: خبر المبتدأ. أو مكان: معطوف على وقت. ضُمِّنا: فعل ماض مبني للمجهول، وألف الاثنين نائب فاعل، وهو المفعول الأول. في: قصد لفظه: مفعول ثان لضُمِّن. باطراد: جار ومجرور متعلق بضمن. كهنا: الكاف جارة لقول محذوف، هنا: ظرف مكان متعلق بامكث. امكث: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. أزمنا: ظرف زمان متعلق بامكث أيضًا.

(2)

أي اسم الزمان.

(3)

أي اسم المكان.

ص: 206

فإِذا قصد إِيقاع فعل غيرهما فِي شيء من هذه الظّروف. . لزم ذكر (فِي) كـ (جلست فِي المسجد)، و (مكثت فِي الدّار).

وفي هذه الظّروف المختصة السّماعية ثلاثة مذاهب:

• منصوب علَى التّشبيه بالمفعول: وهو المشهور.

• منصوب علَى الظّرف، وصححه ابن الحاجب.

• منصوب علَى المفعول به، وكل من (دخل)، و (سكن)، و (ذهب) متعد بنفسه، وهو للجرمي.

وحكى الفراء: (انطلقت العراق).

* وأما الّذي فِي معنَى الظّرف: فهو الجاري مجراه فِي النّصب علَى الظّرفية؛ نحو: أسماء العدد المميزة بـ:

• اسم (الزّمان)؛ كـ (سرت عشرين يومًا)، و (صمت ثلاثة أيام)، و (كم يومًا سرت).

• أَو باسم (المكان)؛ نحو: (سرت خمسين فرسخًا).

• وكذا ما أُضِيفَ للزمان ودل علَى الكلِّيَّة؛؛ نحو: (مشيت كل العام)، أَو البعضيَّة؛ كـ (سرت نصف اليوم)، و (بعض اليوم).

• وكذا المضاف للمكان؛ كـ (سرت جميع الفرسخ)، و (كل البريد)، و (بعض المِيل).

وكذا اسم الإِشارة الموصوف بالظّرف؛ نحو: (أسيرُ هذا العام)، و (سرت ذلك اليوم).

• ومنه أيضًا (كلم)، والنّاصب لها الفعل الّذي هو جوابها فِي المعنَى؛ مثل قالوا فِي قوله تعالى:{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا} ، {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} ، ومنه قولهم:(أحقًا أنك ذاهب)، فـ (حقًا): منصوب علَى الظرفية خبرًا مقدمًا، وما بعده مبتدأ؛ والتّقدير:(أفي حق ذهابك) وقد صرح بالحرفِ فِي قول الشّاعر:

أَفِي حَقٍّ مُوَاسَاتِي أَخَاكُمْ

. . . . . . . . . . .

(1)

(1)

التخريج: هذا صدر بيت من الوافر، وعجزه: بمالي ثم يَظْلِمُني السَّريسُ

ص: 207

• ومثله: (غير شكٍ أنك قائم) بالنّصب علَى الظّرفية؛ ونحو: (ظنًّا مني أنك كريم)؛ أَي: (فِي غير شك قيامك) و (في ظن مني كرمُك)؛ ونحو: (لقيته ذات مرة)، و (ذا صباح).

• و (إذ) فِي؛ نحو: (جئتك إِذ قمت)؛ أَي: (فِي وقت قيامك)، بخلاف ما إِذا كانت مفعولًا به؛ كقولِهِ تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ، أَو يضاف إِليها نحو:{يَوْمَئِذٍ} و {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} .

وممن جعلها مفعولا به: الزّمخشري فِي: {إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} ، وتعقبه أبو حيان فِي "النّهر" قال: ليس بجيد؛ لأنَّ (إِذ) من الظّروف الّتي لا تتصرف فَلَا تكون مبتدأ، ولَا فاعلةً ولَا مفعوله. انتهَى.

• ومنه (زِنة)، و (وزن)، قاله أبو حيان فِي "شرح التّسهيل".

ولهذا قال السّيوطي: الكلمات الأربع منصوبة علَى الظّرفية فِي: (سبحان اللَّه وبحمده، عدد خلقه، ورضَى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).

وأما (سبحان). . فمصدر علَى أحد الأقوال مضاف لمفعوله، وسيأتي فِي باب الإِضافة.

وقيل: إن (عدد) صفة لـ (سبحان)، والكلمات الثّلاث معطوفة عليه.

وقيل: حال من (سبحان)

وقيل غير ذلك.

واللَّه الموفق

= وهو لأبي زبيد الطائي. وهو في: التذييل (3/ 280)، وخلق الإنسان للأصمعي (ص 232)، وابن القواس (ص 701)، والخزانة (4/ 309)، والتصريح (1/ 221، 339)، ويروى البيت برواية (السريس) بالسين المهملة.

اللغة: السريس: هو الذي لا يأتي النساء، وقيل: الذي لا يولد له، وقيل: السريس معناه: الضعيف، أو الرجل الذي لم تكتمل رجولته، وفسره بعضهم: بالعنين.

المعنى: يعاتب أخواله بني تغلب الذين ظلموه ولم يردوا إليه ما أخذوه منه.

الشاهد: قوله: (أفي حق)؛ حيث دخلت (في) على (حق) وصرح بها، مما يدل على ظرفيتها حين تنصب.

ص: 208

ص:

304 -

فَانْصِبْهُ بِالوَاقِعِ فِيهِ مُظْهَرَا

كَنَ وَإِلَّا فَانْوِهِ مُقَدَّرَا

(1)

ش:

يجب نصب الظّرف المضمن معنَى (فِي)(زمانيًا) أَو (مكانيًا).

والنّاصب لهُ: ما وقع فيه من فعل أَو صفة أَو مصدر.

فالأول: (سرت يوم الجمعة فرسخين أمام الرّكب).

والثّاني: (أنا ضارب زيدًا يوم الجمعة عند بكر).

والثّالث: (أعجبني سيرك يوم الخميس فرسخًا).

ويكون النّاصب ظاهرًا كما فِي الأمثلة، ومقدرًا.

وتحته قسمان:

• قسم يجب فيه حذف النّاصب.

• وقسم يجوز.

* فالأول: إِذا وقع الظّرف:

- خبرًا، كـ (زيد عندك)؛ ولو مع ناسخ كـ (ظننت زيدًا عندك).

- أَو حالًا؛ كـ (مررت بزيد عندك)، و (رأيت الهلال بَينَ السّحاب).

- أَو صفة؛ كـ (مررت برجل عندك)، أَو (تحت شجرة).

- أَو صلة؛ كـ (رأيت الّذي عندك)؛ والتّقدير: مستقر (عندك)، أَو (استقر بَينَ السّحاب)، ويقدر فِي الصّلة (استقر)؛ لأنَّ صلة الموصول لا تكون إِلَّا جملة كما علم.

(1)

فانصبه: أنصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، والهاء مفعول به. بالواقع: جار ومجرور متعلق بانصب. فيه: جار ومجرور متعلق بالواقع. مظهرا: خبر لكان الآتي مقدم عليه. كان: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى الواقع. وإلا: إن: شرطية، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف: أي وإلا يظهر. فانوه: الفاء واقعة في جواب الشرط، أنو: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت، والهاء مفعول به، والجملة في محل جزم جواب الشرط. مقدار: حال من الهاء في انوه.

ص: 209

والفعل مع فاعله: جملة، وتقول:(يومُ الخميس صمت فيه) برفع (يومُ) علَى الابتداء، فإن نصب علَى الاشتغال. . وجب أيضًا حذف النّاصب كما سبق فِي الاشتغال.

* والثّاني: كما إِذا قيل: (متَى جئت؟ فتقول: يوم الجمعة)؛ أَي: (جئت يوم الجمعة) فحذف النّاصب جوازًا للدلالة، و (متَى سيرك؟ فتقول: يوم الاثنين)، و (كم سرت؟ فتقول فرسخًا).

ونحو ذلك من الظّروف ما حذف عامله سماعًا؛ كـ (قولهم حينئذ)، و (الآن) التّقدير:(كَانَ حينئذ)، أَو (يكون حينئذ)؛ و (اسمع الآن) ونحوه.

والكسائي: يسمّي الظّروف: صفات.

والفراء: يسمِّي الظّرف: محلا.

تنبيه:

قال أبو حيان: تقول: (أنا زيد عند الأزمات)، و (أنا عمرو يوم القتال)؛ فـ (زيد) قد نصب (عند)، و (عمرو) قَدْ نصب (يوم)؛ لأنهما فِي معنَى (أنا المشهور)، أَو (المعروف).

فيلخص من كلامه: أَن الاسم الجامد إِذا أُوِّل بصفة مشتقة. . يجوز أَن يعمل فِي الظّرف، وهو فِي ذلك تابع لمن نصب معروفًا بزيد؛ فِي نحو:(أنا زيد معروفًا) إِذ هو عنده فِي تأويل مسمّى؛ كما سيأتي فِي الحال.

ولَا يعمل عامل في ظرفين مختلفين بدون عطف؛ فَلَا تقول: (جلست أمامك خلفك).

وأما قوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ} فسيأتي فِي الإِضافة.

واللَّه الموفق

ص:

305 -

وَكُلُّ وَقْتٍ قَابِلٌ ذَاكَ وَمَا

يَقْبَلُهُ الْمَكَانُ إِلَّا مُبْهَمَا

(1)

(1)

وكل: مبتدأ، وكل مضاف. ووقت: مضاف إليه. قابل: خبر المبتدأ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه: ذاك: ذا: اسم إشارة مفعول به لقابل، والكاف حرف خطاب.

ص: 210

306 -

نَحْوُ الْجِهَاتِ والْمَقَادِيرِ وَمَا

صِيْغَ مِنَ الْفِعْلِ كَمَرْمَى مِنْ رَمَى

(1)

307 -

وَشَرطُ كَونِ ذَا مَقِيسًا أَنْ يَقَعْ

ظَرْفًا لِمَا فِي أَصْلِهِ مَعَهُ اجْتَمَعْ

(2)

ش:

اسم الزّمان: يقبل النّصب على الظّرفية مطلقًا؛ سواء كَانَ:

- خالص الإِبهام: كـ (مكثت حينًا)، و (زمنًا)، و (دهرًا)، و (ساعة).

- أو مبهمًا محدودًا: كـ (يوم)، و (حول)، و (أسبوع)، و (شهر)، و (يومين).

- أَو معرفًا بالأداة: كـ (سرت اليوم).

- أَو مختصًا بإِضافة: كـ (سرت يوم الجمعة).

- أَو بعدد علَى ما قيل: نحو: (يومين)، و (أسبوع).

- أَو بوصف كذلك؛ نحو: (دهرًا طويلًا).

وكِلا هذين لا يخرج عن الإِبهام؛ لكونه نكرة، وإِن حصل لهُ تخصيص بـ (عدد) أو

= وما: نافية: يقبله: يقبل: فعل مضارع، والهاء مفعول به ليقبل. المكان: فاعل يقبل. إلا: حرف استثناء دال على الحصر. مبهما: حال، والتقدير: لا يقبل النصب على الظرفية اسم المكان في حال من الأحوال إلا في حال كونه مبهما.

(1)

نحو: خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك نحو؛ ونحو: مضاف. والجهات: مضاف إليه. والمقادير: معطوف على الجهات. وما: الواو عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على الجهات. صيغ: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو يعود إلى ما، والجملة من الفعل ونائب الفاعل: لا محل لها صلة. من الفعل: جار ومجرور متعلق بصيغ. كمرمى: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف. من رمى: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من مرمى، وتقدير الكلام: وذلك كائن كمرمى حال كونه مأخوذًا من مصدر رمى.

(2)

وشرط: مبتدأ، وشرط مضاف. وكون: مضاف إليه، وكون مضاف. وذا: مضاف إليه، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه. مقيسا: خبر الكون الناقص. أن: مصدرية. يقع: فعل مضارع منصوب بأن، وسكنه للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو يعود إلى ذا الذي هو إشارة للمأخوذ من مصدر الفعل، وأن ومنصوبها في تأويل مصدر خبر المبتدأ. ظرفا: حال من فاعل يقع المستتر فيه. لما: جار ومجرور متعلق بقوله ظرفًا أو بمحذوف صفة له: في أصله، معه: جار ومجرور وظرف، متعلقان باجتمع الآتي. اجتمع: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى ما الموصولة، والجملة من اجتمع وفاعله: لا محل لها صلة ما المجرور محلًا باللام.

ص: 211

(وصف)؛ لأنه لا يدل علَى معين، بخلاف نحو:(اليوم) أَو (يوم الجمعة)، وهذا معنَى قوله:(وكل وقت قابل ذاك).

وأشار بقوله: (وما يقبله المكان إلَّا مبهمًا): إِلَى أَن اسم المكان لا يقبل النّصب على الظّرفية منها إِلَّا المبهم؛ وإنما استأثرتْ أسماء الزّمان بما تقدم؛ لأنَّ دلالة الفعل علَى الزّمان أقوَى من دلالته علَى المكان.

فلما كَانَ الفعل يدل علَى الزّمان المبهم والمعين. . عمل فيه مبهمًا ومعينًا.

ولما كَانَ لا يدل علَى المكان إِلَّا مبهمًا. . امتنع أَن يعمل فِي غير المبهم من اسم المكان.

فمن المبهم:

• الجهات وهى: (أمام)، و (خلف)، و (فوق)، و (تحت)، و (يمين)، و (شمال).

• وكذا ما أشبهها في الشّياع؛ نحو: (تجاه)، و (تاه) مبدلة من واو، و (حذاء)، و (تلقاء)، و (إزاء)، و (حوالي)، و (حول)، و (يمنة)، و (يسرة)، و (شرقي الدّار)، و (غربيها)، و (قبليها)، و (وسط)، و (جانب)، و (أسفل)، و (أعلى)، و (ناحية).

فكلها ظروف يعمل فيها العامل؛ كـ (جلست أمامك)، و (تحت الشّجرة).

قال اللَّه تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} .

وقد تأتي مصدرًا كاللقاء كقوله:

. . . . . . . . . . .

فاليومَ قصَّرَ عن تِلقائِكِ الأمَلُ

(1)

(1)

التخريج: هذا عجز بيت من البسيط صدره: أمَّلْتُ خَيْرَكِ هل تأتي مَواعِدُهُ

الكتاب (4/ 84)، والعيني (2/ 337)، والتذييل (6/ 137)، وانظر البيت في شرح السيرافي (6/ 155)(رسالة)، وابن السيرافي (1/ 295، 296)، وديوان الراعي (ص 113).

المعنى: يقول مخاطبًا امرأة: أمّلت أن أصل إلى ما كنت تعدينني به، فلما كثُر إخلافك لي. . أقصر أملي؛ أي: كفّ عن أن يتعلق بشيء من جهتك، وبنحوه مَثلٌ يقال في بلادنا:(كثرةُ الدَّلال. . تهرِّب العاشق). وتلقائك: بمعنى: لقائك.

الإعراب: أمَّلْتُ: فعل ماضي والتاء فاعل؛ خَيْرَكِ: مفعول به والكاف في محل جر بالإضافة، هل: أداة استفهام، تأتي: فعل مضارع، مواعدُه: فاعل والهاء في محل جر بالإضافة، فاليومَ: فالفاء: عاطفة، اليوم: ظرف زمان منصوب. قصَّرَ: فعل ماض مبني على الفتح الظاهر. عن تِلقائِكِ: جار ومجرور متعلقان بقصّر. الأمَلُ: فاعل مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.

الشاهد: قوله: (تلقائك)؛ حيث جاء (تلقاء) مصدرًا بمعنى اللقاء.

ص: 212

أي: (عن لقائك) وسبق فِي أبنية المصادر.

ومن المبهم:

• المقادير: كـ (فرسخ)، و (ميل)، و (بريد)، فتقول:(سرت فرسخًا) و (بريدًا).

و (البريد): أربعة فراسخ، و (الفرسخ): اثنا عشر ألف ذراع.

وقال أبو علي عمر الشّلوبين: ليست المقادير من الظروف المبهمة؛ لأنها معلومة المقدار، والمبهم؛ لا نهاية له.

والجمهور: أَن الظّروف المقدرة داخلة تحت حد المبهم؛ لأَنَّها وإِن كانت معلومة المقدار هي مجهولة الصّفة.

قال أبو حيان: وهذا هو الصَّحيح.

ومن المبهمات:

• ما صيغ من مصدر الفعل: كـ (مرمى)، و (مجلس)، و (مذهب).

وهذا النّوع المصوغ من المصدر يشترط فِي نصبه علَى الظّرفية: أَن يكونَ عامله من لفظه؛ كـ (ذهبت مذهب زيد)، و (جلست مجلس عمرو)، و (رميت مرماه) بنصب الثّلاثة علَى الظّرفية، وفي القرآن {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} .

وتقول: (أنا جالس مجلس زيد)، و (رام مرماه) فتنصب كل واحد بعامل من لفظه.

والحاصل:

أَن اسم الزّمان: يقبل النّصب علَى الظّرفية مبهمًا أَو مختصًّا، علَى ما سبق؛ وتقدم ذكر المكان المختص.

وأما اسم المكان المبهم؛ كـ (الجهات)، و (المقادير)، وما صيغ من مصدر الفعل .. فيقبل النّصب علَى الظّرفية.

لكن يشترط فيما صيغ من الفعل: أَن ينتصب بما يجتمع معه فِي الأصل كاجتماع (ذهب، ومذهب)، و (رام، ومرمى)، و (جالس، ومجلس)، فِي الاشتقاق من (الذّهاب)، و (الرّمي)، و (الجلوس).

فإن كَانَ العامل لا يجتمع مع اسم المكان فِي الأصل .. فَلَا ينتصب اسم المكان علَى الظَّرفية، بَلْ يجر بـ (في)؛ كـ (جلست فِي مرمى زيد)، و (بكر قعد فِي مجلس عمرو)،

ص: 213

و (قرأت فِي مكتب بكر).

وشذ: (زيد مزجر الكلب)، و (مقعد القابلة)، و (مناط الثّريا) بنصب (مزجر، ومقعد، ومناط) علَى الظّرفية، والعامل فيها:(كائن)، أَو (مستقر).

والقياس أَن يقال: (فِي مزجر الكلب)، و (في مقعد القابلة)، و (في مناط الثّريا).

ويحتمل أَن لا شذوذ: إِذا قدر العامل فِي الأول (زجر)، وفي الثّاني (قعد)، وفي الثّالث (ناط)؛ لأنه انتصب بما اجتمع معه فِي المصدر، وغاية ما فِي المسألة حذف العامل، والتّقدير:(زجر مزجر الكلب)، أَو (يزجر مزجر الكلب)، و (قعد) أو (يقعد مقعد القابلة) و (ناط مناط الثّريا).

قال فِي الكافية الشّافية:

وَنَحْو زَيْدٌ مَزْجَرَ الكَلْبِ نَدَرْ

ولَا نُدُور فِيهِ إنْ تلا زَجَرْ

تنبيه:

اعلم أَن مَفعَل؛ بفتح الميم والعين يكونان للزمان، والمكان، والمصدر.

• مِمَّا عين مضارعه مضمومة، أو مفتوحة؛ كـ (مأكل)، و (مشرب)، و (مذهب)، من (أكل يأكُل)، و (شرب يشرَب)، و (ذهب يذهَب).

وسمع (مطلِع) بالكسر، والفعل (يطلُعُ) بالضّم، وبه قرأ الكسائي (سلام هي حتَّى مطلِعِ الفجر) علَى أنه مصدر أو اسم مكان.

• وأما ما عين مضارعه مكسوره؛ كـ (ضرب يضرِب)، و (كسب يكسِب):

- فالمصدر: علَى مفعَل بفتح العين؛ كـ (مضرَب)، و (مكسَب).

- وسُمع الكسر فِي (مرجِع).

- وأما المكان والزّمان .. فعلَى مفعِل بالكسر.

وهذا الّذي قَدْ مر فِي الفعل الصّحيح.

وأما المعتل:

- فما كَانَ من؛ نحو: (رمى)، و (آوي) ممَّا هو معتل اللّام.

- أَو نحو: (وقى)، و (وعى) ممَّا هو معتل الفاء واللّام .. فالثّلاثة علَى مفعل بفتح

ص: 214

العين كـ (مرمَى)، و (مأوى)، و (موقى)، و (موعى).

- وأما المعتل الفاء فقط؛ كـ (وعد)، و (وقف)، و (ورد) .. فالثّلاثة علَى مفعِل بكسر العين؛ كـ (موعِد) و (موقِف).

- وأما الأجوف كـ (باع)؛ فالثّلاثة فِي (مبيع) والأصل مَبْيع بكسر الياء فدخله النّقل.

وهذا كله فِي الثّلاثي.

وأما الثّلاثة من غير الثّلاثي:

• فاسم المفعول نحو: (مُكرَّم)، و (مُدحرَج) بضم الميم، وفتح الرّاء فيهما.

ومن المصدر: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} ؛ أَي: (إجراؤها، وإرساؤها)، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}؛ أَي:(الاستقرار)، {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}؛ أَي:(كل التّمزيق).

وحكَى الأخفش: أنه قرئ (ومن يهن الله فما لهُ من مكرَم) بفتح الرّاء مصدر بمعنَى (الإِكرام).

ومن المصدر: قوله تعالَى: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} .

وقيل: مكانان.

وقال الشّاعر:

. . . . . . . . . . .

وَعِلْمُ بَيَانِ الْمَرْءِ بَعْدَ المُجَرَّبِ

(1)

(1)

التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: وَقد ذُقتُمُونا مرةً بعدَ مرَّةٍ

وهو بلا نسبة في شرح المفصل 6/ 50.

اللغة: ذقتمونا: أي رأيتم بأسنا وقوتنا. البيان: الكشف.

المعنى: يقول: لقد رأيتم بأسنا وقوتنا مرارًا، وبالتجربة والاختبار يقف الإنسان على حقيقة الأمور، ويكشف مكنوناتها.

الإعراب: وقد: الواو: بحسب ما قبلها، وقد: حرف تحقيق. ذقتمونا: فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل، والميم: لجمع الذكور، ونا: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. مرة: ظرف زمان متعلق بذقتم. بعد: ظرف زمان متعلق بذقتم، وهو مضاف. مرة: مضاف إليه مجرور. وعلمُ. الواو: استئنافية، علم: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. بيان: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف: المرء: مضاف إليه مجرور. بعد: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وهو

ص: 215

أَي: (بعد التجربة) فهو مصدر.

ولا يعمل من هذه الثّلاثة إلا المصدر.

وأما قولُه:

كأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَهَا

عَلَيهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَّوَانِعُ

(1)

فـ (ذيولها): منصوب بـ (مجر): وهو مصدر، وليس اسم مكان ولا زمان، وفي الكلام حذف؛ والتّقدير:(كَأنَّ موضع مجر الرّامسات قضيم)، ولابد من هذا التّقدير؛ إِذ لولا ذلك .. للزم أَن (قضيم) يكون خبرًا عن المصدر المذكور وهو ممتنع؛ إِذ المصدر لا يخبر عنهُ باسم العين.

مضاف. المجرب: مضاف إليه مجرور.

وجملة (قد ذقتمونا): بحسب ما قبلها. وجملة (علم بيان المرء): استئنافية لا محل لها من الإعراب. الشاهد فيه قوله: (المجرب)؛ حيث ورد على زنة اسم المفعول، والمراد به المصدر، أي التجربة، وهذا جائز.

(1)

التخريج: هذا البيت من الطويل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 31، وجمهرة اللغة ص 977، وخزانة الأدب 2/ 453، وشرح شواهد الإيضاح ص 174، وشرح شواهد الشافعية ص 106، ولسان العرب 10/ 361 (نمق)، 11/ 260 (ذيل)، 12/ 488 (قضم)، وبلا نسبة في شرح شافية ابن الحاجب 2/ 16، وشرح عمدة الحافظ ص 733.

اللغة: المجَرُّ: مصدر بمعنى الجرّ. الرامسات: الرياح التي تثير التراب. القضيم: جلد يُكتب عليه. نمّقته: كتبته. الصوانع: الكتّاب.

المعنى: يصف الشاعرُ ربعًا عفا بعد أهله، فأصبح بفعل الرياح كقطعة جلد عليها آثار كتابة.

الإعراب: كأنّ: حرف مشبه بالفعل. مجرّ: اسم كأن منصوب بالفتحة الظاهرة، وهو مضاف. الرامسات: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. ذيولَها: مفعول به للمصدر مجرّ، منصوب بالفتحة الظاهرة، وها: ضمير متصل مبني في محل جرّ بالإضافة. عليه: جار ومجرور متعلّقان بالمصدر مجرّ. قضيمٌ: خبر كأن مرفوع بالضمة الظاهرة. نمّقته: فعل ماضٍ مبني على الفتح الظاهر، والتاء: للتأنيث، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. الصوانع: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

وجملة (كان مجرّ. . . قضيم): لا محل لها من الإعراب. وجملة (نمّقته الصوانع): في محل رفع صفة لقضيم.

الشاهد: قوله: (مجرّ) حيث جاء مصدرًا بمعنى (الجرّ)، عاملًا عمل فعله، فنصب (ذيولها) على المفعولية، وليس اسم مكان، لأنّه لا يعمل شيئًا.

ص: 216

و (القضيم): طِرْسٌ يكتب فيه، و (الرّامسات): الرّياح، وقد نظمت ما تقدم فِي قولي:

لِمَصْدَرٍ أو لِمَكَانٍ أَوْ زَمَنْ

مِنْ يَأْكُل أوْ يَشْرَبُ مَفْعَلَ اجْعَلَنْ

كمَأكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَالمَصْدَرُ

مِنْ نَحْو: يَضْرِبُ كَذَا ويُكْسَرُ

فِيمَا سِوَاهُ العَيْنُ وَاحْفَظْ مَطْلِعَا

ومَرْجِعًا فِي مَصْدَرٍ قَدْ سُمِعَا

وَلِلثُّلَاثِيْ مَفْعَلٌ مِنْ كَرَمَى

أَو كَوَقَى وَهُوَ المُعَلُّ فَاعْلَمَا

وَمَفْعِلٌ بَالكَسرِ لِلكُلِّ وَرَدْ

مِنَ المُعَلِّ الفَا فَقَطْ نَحْو: وَعَدْ

كَمَوْعِدٍ وَمَوْقِفٍ والْأَجْوَفُ

كنَحْو بَاعَ فَالثَّلَاثُ تُعْرَفُ

فِي قَوْلِكَ المَكِيلُ والمَبِيعُ

وَغَيرُ ذِي الثَّلَاثِ فَالْجَمِيعُ

مَنِ اسْمِ مَفْعُولٍ تَرَى كالْمُجْرَى

وَالْمُسْتَقَرِّ فَاحْفَظِ الْمُسْتَقْرَى

وَأَعْمَلِ الْمَصْدَرَ وَانْوِ مَوضِعَا

لَهُ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ أُتْبِعَا

والله الموفق

ص:

308 -

وَمَا يُرَى ظَرْفًا وَغَيْرَ ظَرْفِ

فَذَاكَ ذُو تَصَرُّفٍ فِي العُرْفِ

(1)

309 -

وَغَيرُ ذِي التَّصَرُّفِ الَّذِي لَزِمْ

ظَرْفِيَّةً أَوْ شِبْهَهَا مِنَ الكَلِمْ

(2)

(1)

وما: اسم موصول مبتدأ أول. يرى: فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى ما، وهو المفعول الأول. ظرفًا: مفعول ثان ليرى، والجملة لا محل لها صلة الموصول. وغير: معطوف على قوله: ظرفًا السابق، وغير: مضاف. وظرف: مضاف إليه. فذاك: الفاء زائدة، واسم الإشارة مبتدأ ثان. ذو: خبر المبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره: في محل رفع خبر المبتدأ الأول، وزيدت الفاء في جملة الخبر لأن المبتدأ موصول يشبه الشرط في عمومه، وذو مضاف. وتصرف مضاف إليه. في العرف: جار ومجرور متعلق بتصرف.

(2)

وغير: مبتدأ، وغير مضاف. وذي: مضاف إليه، وذي مضاف. والتصرفِ: مضاف إليه. الذي: اسم موصول: خبر المبتدأ. لزم: فعل ماض، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو يعود إلى الذي، والجملة من لزم وفاعله: لا محل لها صلة الذي. ظرفيةً: مفعول به للزم. أو شبهها: معطوف على مفعول لفعل محذوف تقديره: أو لزم ظرفية أو شبهها، ولا يجوز أن يكون

ص: 217

ش:

كل ما استعمل من أسماء الزّمان أَو المكان ظرفًا وغير ظرف .. فهو متصرف؛ كـ (يوم)، و (حين)، و (مجلس)، و (مقعد)؛ لأنه يقع:

ظرفًا؛ كـ (سرت يوم الخميس)، و (سرت حينًا)، و (جلست مجلسَك).

وفاعلا: كـ (طاب يومُ الخميس)، و (سما مجلسُك).

وخبرا: كـ (هذا يومُ الخميس)، و (هذا مجلسُك).

وأشار بقوله (وغير ذي التّصرف. . . إِلَى آخره): إِلَى أَن الّذي يلزم الظّرفية أَو شبهها يسمَّى: غير متصرف.

• فمثال ما لزم الظّرفية: (قط)، و (عوض)، و (أَنَّى) و (أَيَّانَ)، ونحوها؛ تقول:(ما فعلته قط)، و (لَا أفعله عَوضُ) بالضّم، وكذا (سَحَر) إِذا أردته من يوم بعينه؛ كـ (جئت سحَرَ) بالنّصب علَى الظّرفية، إِلَّا أنه ممنوع الصّرف كما سيأتي فِي محله.

• ومثال ما لزم الظرفية أَو شبهها: (مع)، و (قبل)، و (بعد)، و (عند)، و (لدن)، و (تحت)، و (فوق)، و (دون)، و (حيث) فهي ظروف أيضًا لا تتصرف.

وقد يخرج كل منها عن الظرفية إلى شبه الظرفية، وهو استعماله مجرورًا بـ (من) فقط، كقولهم:(ذهبت مِن معه)؛ أَي: (من عنده)؛ ونحو: (جئت قبل زيدٍ)، (ومن قبل زيد)، وفي القرآن:{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} ، فهو فِي حالة الجر محكوم عليه بعدم التّصرف أيضًا؛ لأنه لم يخرج عن الظّرفية إِلَّا إِلَى حالة تشبه الظّرفية.

وقد عُلم: أَن الظّرف والمجرور أخوان؛ لأنهما سيان فِي التّعليق بالاستقرار، والوقوع صفة، وخبرًا، وحالًا، وصلة.

معطوفًا على قوله: ظرفية المذكور في البيت، إذ يصير حاصل المعنى: أن من الظرف ما يلزم الظرفية وحدها، ومنه الذي لزم شبه الظرفية وحدها، والقسم الأول صحيح، والقسم الثاني على هذا الذي يفيده ظاهر البيت غير صحيح، وإنما الصحيح: أن الظرف ينقسم إلى قسمين، أحدهما: الذي يلزم الظرفية وحدها ولا يفارقها، وهو نوع من غير المتصرف، وثانيهما: الذي يلزم الأمرين الظرفية وشبهها، يعني أنه إذا فارق الظرفية لم يفارق شبهها، وهو النوع الآخر من غير المتصرف. من الكلم: جار ومجرور متعلقان بلزم، أو بشبه، أو بمحذوف حال من غير ذي التصرف.

ص: 218

وظاهر كلام الأخفش: أَن (دونَ) تتصرف؛ فإِنه أعربها: مبتدأ فِي بعض المواضع، وفي القرآن:{وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} فقال: هي مبتدأ وبني لإِضافته للمبني، و (منا): خبر مقدم.

ويعضده قولُ الشّاعر:

. . . . . . . . . . . . .

وَبَاشَرْتُ حَدَّ الْمَوتِ وَالمَوتُ دُونُهَا

(1)

برفع (دونُها) علَى أنه خبر.

وقيل: تقدير الآية: و (منا قوم دونَ ذلك)، فحذف الموصوف، وأقيمت صفته مقامه؛ لقولهم:(منا أقام، ومنا ظعن)؛ أَي: (فريق أقام، وفريق ظعن).

وقيل: إن (حيث) تتصرف، ومنه قول الشّاعر:

إنَّ حَيْثَ استقَرَّ مَنْ أَنْتَ رَاعِيهِ

حِمًى فِيهِ عِزَّةٌ وَأَمَانُ

(2)

لأنها وقعت اسم إنَّ، وهو قابل للتأويل علَى أَنَّ اسم إنَّ: ضمير الشّأن.

ويجوز فِي: (عندَ) فتح العين والضّم، وقد يكون ظرف زمان؛ نحو:(عند اللّيلة) ذكره النّووي فِي "التحرير".

والله الموفق

ص:

310 -

وَقَدْ يَنُوبُ عَنْ مَكَانٍ مَصْدَرُ

وَذَاكَ فِي ظَرْفِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ

(3)

(1)

التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: ألم تريا أني حميت حقيقتي

وهو في الارتشاف (585)، ومنهج السالك لأبي حيان (123)، والبحر المحيط (1/ 102)، والتذييل (3/ 404)، وشرح التسهيل للمرادي، وديوان الحماسة (1/ 139)، والشذور (116)، والهمع (1/ 210)، والدرر (1/ 178).

الشاهد: قوله: (دونُها)؛ حيث تصرفت (دون) ووقعت خبرًا.

(2)

التخريج: هذا البيت من الخفيف لقائل مجهول.

وهو في شرح التسهيل للمصنف (2/ 232)، وشرح التسهيل للمرادي، والمغني (1/ 132)، والتذييل (3/ 401)، والخزانة (3/ 157)، والهمع (1/ 212)، والدرر (1/ 182).

الشاهد: فيه خروج (حيث) عن الظرفية بوقوعها اسما لإنّ، وردّ ذلك أبو حيان بقوله: وهذا خطأ؛ لأن كونها اسمًا لإنّ فرع عن كونها تكون مبتدأ، ولم يسمع ذلك فيها ولا في لفظ واحد.

(3)

وقد: حرف تقليل. ينوب: فعل مضارع. عن مكان: جار ومجرور متعلق بينوب. مصدر: فاعل

ص: 219

ش:

ينوب المصدر عن ظرف الزمان والمكان، وهو قليل فِي الثّاني.

والنّيابة عنهما من باب حذف المضاف، وإِقامة المضاف إِليه مقامه.

• فالنّيابة عن اسم المكان: (جلست قرب زيد)، الأصل:(مكان قرب زيد) فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فأعطي حكمه فِي النّصب علَى الظّرفية، ولَا يقاس عليه.

ومن المسموع: (زيد قَصْدَك) بنصب (قصدَك) علَى الظّرفية، والأصل:(زيد مكان قصدك).

• ونيابته عن اسم الزمان: (أتيك صلاة العصر)، أَو (خفوق النّجم)، أَو (طلوع الشّمس)، أَو (قدوم الحاج) بالنّصب علَى الظّرفية فِي الجميع، والأصل:(وقت صلاة العصر) إِلَى آخره.

وحكى أبو حيان عن ابن الأنباري: جواز ذلك فِي جميع المصادر، ومن أمثلته:(قام صياحَ الدّيك)، و (خروجَ الأمير)، و (جلوسَ الوزير).

تنبيه:

قَدْ يكون النّائب عن اسم الزّمان:

اسم عين؛ كقولهم: (لا أفعل ذلك مِعزَى الفِزْرِ)، و (لَا أكلم زيدًا القارظين)، و (لَا أسالم عمرًا هبيرة بنَ سعد)

(1)

، و (لَا أفعل ذلك الشّمس والقمر)، و (لَا أكلم فلانًا الفرقدين)

(2)

فجعلت هذه الأسماء ظروفًا، وانتصبت علَى الظّرفية؛ والتّقدير: (لا أفعل

ينوب. وذاك: الواو للاستئناف، واسم الإشارة: مبتدأ، والكاف حرف خطاب. في ظرف: جار ومجرور متعلق بـ (يكثر) الآتي، وظرف: مضاف. والزمان: مضاف إليه. يكثر: فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو يعود إلى ذاك، والجملة من يكثر وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.

(1)

(لَا آتِيكَ حَتَّى يَؤُبَ هُبِيرَةُ بنُ سَعْدٍ)، قال الميداني في مجمع الأمثال 2/ 212: هو رجل فُقِدَ، ومعناه: لا آتيك أبدًا.

(2)

(أطوَلُ صُحْبةً مِنَ الفَرْقَدَيْنِ)، قال الميداني في مجمع الأمثال: 1/ 438: هو من قول الشاعر حيث يقول:

وكُلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ

لَعَمْرُ أبِيكَ إلَّا الْفَرْقَدَانِ

ص: 220

ذلك مدة فرقة معزى الفزر)، (ومدة مغيب القارظين)، (ومدة مغيب هبيرة بن سعد)، (ومدة طلوع الشمس والقمر)، (ومدة بقاء الفرقدين) ونحو ذلك.

فحذف المضاف الّذي هو اسم الزّمان، وهو لفظ (مدة) فِي الأمثلة المذكورة، ثم حذف المضاف إِليه الّذي هو المصدر، وهو لفظة (مغيب)، و (فرقة)، و (طلوع)، و (بقاء)، وانتصبت هذه الأسماء علَى الظّرفية توسعًا.

و (القارظان): رجلان خرجا يجتنيان القُرظ الّذي يدبغ به، فلم يرجعا، فضرب بهما المثل.

و (الفزر): أبو قبيلة من تميم، واسمه سعد بن زيد، أتى الموسم بمعزى، وقال: من أخذ منها واحدة .. فهي لهُ؛ فتخاطفها النّاس، فضُرِبَ بها المثل؛ لأنَّها لا تجتمع.

والله الموفق

* * *

والفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي ثَابت الْموقع تَقْرِيبًا وَلذَا يهتدى بهِ وَهُوَ الْمُسَمّى (النَّجْم القطبي) وبقربه نجم آخر مماثل لَهُ وأصغر مِنْهُ وهما فرقدان. وَقيل: همَا كَوْكَبَانِ فِي بَنَات نَعْشٍ الصغرى.

ص: 221