المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الِاسْتِثْنَاء ص: 316 - مَا اسْتَثْنَت إِلَّا مَع تَمَامٍ يَنْتَصِبْ … وَبَعْدَ - شرح الفارضي على ألفية ابن مالك - جـ ٢

[الفارضي]

الفصل: ‌ ‌الِاسْتِثْنَاء ص: 316 - مَا اسْتَثْنَت إِلَّا مَع تَمَامٍ يَنْتَصِبْ … وَبَعْدَ

‌الِاسْتِثْنَاء

ص:

316 -

مَا اسْتَثْنَت إِلَّا مَع تَمَامٍ يَنْتَصِبْ

وَبَعْدَ نَفْيٍ أَوْ كَنَفْيٍ انْتُخِبْ

(1)

317 -

إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ

وَعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ

(2)

ش:

الاستثناء:

• إِخراج مذكور من كلام سابق.

• أَو إخراج ما لولا إِخراجه .. لدخل فِي الحكم.

• أَو إِخراج بعضٍ من كلٍّ بـ (إلا) أَو ما فِي معناها.

- وشرطه: الاتصال لفظًا أَو حكمًا.

(1)

ما: اسم موصول مبتدأ. استثنت: استثنى: فعل ماض، والتاء للتأنيث. إلا: قصد لفظه: فاعل استثنت، والجملة من استثنت وفاعله: لا محل لها صلة، والعائد إلى الموصول: محذوف، والتقدير: ما استثنته إلا. مع: ظرف متعلق باستثنت، ومع مضاف. وتمام: مضاف إليه ينتصب: فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو يعود إلى (ما) الموصولة الواقعة مبتدأ، والجملة من ينتصب وفاعله: في محل رفع خبر المبتدأ. وبعد: ظرف متعلق بقوله: انتخب الآتي، وبعد مضاف. ونفى: مضاف إليه. أو: حرف عطف. كنفى: الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على نفي، والكاف مضاف، ونفى: مضاف إليه. انتخب: فعل ماض مبني للمجهول.

(2)

إتباع: نائب فاعل لانتخب في آخر البيت السابق، وإتباع: مضاف. وما: اسم موصول: مضاف إليه، وجملة اتصل وفاعله المستتر العائد إلى (ما): لا محل لها صلة. وانصب: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. ما: اسم موصول: مفعول به لانصب، وجملة انقطع وفاعله المستتر فيه العائد إلى (ما): لا محل لها صلة. وعن تميم: جار ومجرور متعلق بقوله: وقع الآتي. فيه: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. إبدال: مبتدأ مؤخر، وجملة وقع من الفعل الماضي وفاعله المستتر فيه جوازًا تقديره هو يعود إلى إبدال: في محل رفع نعت لإبدال، والتقدير: إبدال كائن في المنقطع وقع عن تميم، ويجوز أن تجعل جملة (وقع) وفاعله المستتر فيه العائد إلى إبدال: خبرًا عن المبتدأ، وعلى هذا يكون قوله:(عن تميم) وقوله: (فيه): جارين ومجرورين يتعلق كل منهما بوقع، والتقدير: وإبدال واقع في المنقطع عن تميم.

ص: 236

وعن ابن عباس: جواز انفصال الاستثناء إِلَى شهر.

وقيل: يمتد ما لم يقم من المجلس.

- ويكون: بـ (إلا) أَو بأحد أخواتها.

- وهو نوعان:

متصل، ومنقطع كما سيأتي.

فإِخراج مذكور:

• يشمل المفرد: كـ (جاء القوم إِلَّا زيدًا)

• والجملة: كـ (قام القوم إِلَّا زيدٌ لم يقم)، برفع (زيد) علَى الابتداء كما سيأتي.

ثم المُخرَج تحقيقًا:

هو المتصل، وهو الّذي يدخل فِي الكلام السّابق إن لم يستثن؛ كـ (قام القوم إِلَّا زيدًا)، وكقوله تعالى:{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ} .

والمخرج تقديرًا:

هو المنقطع، ولَا يدخل فِي الكلام السّابق وإِن لم يستثن؛ كـ (قام القوم إِلَّا حمارًا) أَو (فرسًا) ممَّا هو من مألوفات الآدميين.

• فإن كَانَ الاستثناء بـ (إلا) والكلام تام موجب .. وجب نصب المستثنى، متصلا، أَوَ منقطعًا.

فالأول؛ كقولِهِ تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ، وكقولك:(قام القوم إِلَّا زيدًا).

والثّاني؛ كـ (مررت بالقوم إِلَّا حمارًا).

ولما كانت (إِلَّا) أمَّ الباب .. بدأ بها، وهي حرف.

1.

والنّصب بها نفسها علَى الصّحيح؛ لاختصاصها بالأسماء، وقولهم:(إِلَّا فعلت) مؤول كما سيأتي.

2.

واختاره الشّيخ فِي "التّسهيل".

3.

وقيل: النّصب بما قبلها مستقلًّا، وهو لابن خروف.

4.

وقيل: بواسطتها، وهو للسيرافي.

ص: 237

5.

وقيل: بـ (أستثني) محذوفًا، وهو للمبرد والزّجاج فيما نقله السّيرافي.

6.

وقال ابن بابشاذ: العامل معنَى (إِلَّا)، ومعناها:(أستثني). انتهى.

7.

وقيل: بـ (إنَّ) المشددة بعد (إِلَّا)، وهو للكسائي.

8.

وحكَى البعلي عن الكسائي: أنه منصوب علَى التّشبيه بالمفعول.

9.

ونسب لباقي الكوفيين: أَن (إِلَّا) مركبة عندهم من (إنَّ) المشددة و (لَا)، فإِذا نُصب المستثنَى .. نصب بـ (إن)، وإِذا رفع .. رفع بـ (لا)، وحكي هذا المذهب عن ابن عصفور.

10.

وقيل: انتصب علَى الخلاف، وعُزي أيضًا للكسائي.

11.

وقيل: انتصب علَى تمام الكلام.

واعلم:

أن التّام الموجب هو: الّذي لا يسبقه نفي ولَا شبهه كما سبق فِي الآيتين.

وأما التام غير الموجب: فهو المسبوق بنفي أَو شبهه، وهذا يختار فيه إتباع المتصل، وإِليه أشار بقوله:(وَبَعْدَ نَفْي أَوْ كَنَفْي انْتُخِبْ إِتْبَاعُ مَا اتَّصَلَ)، فتقول:(ما قام أحد إِلَّا زيدٌ) بالرّفع علَى البدلية، وهو المختار.

وتوقف فيه ثعلب؛ كونه مثبتًا ومتبوعه منفي.

وأَجاب السّيرافي: أَن البدلية إِنما هي فِي عمل العامل فقط، فَلَا يضر تخالفهما، ولهذا تقول فِي الصّفة:(مررت برجل لا عالم ولَا شاعر).

وبعضهم: منع الإِبدال فِي نحو: (ما قام إخوتك إِلَّا زيد) قال: لأنَّ الكلام صالح للإِيجاب؛ نحو: (قام إخوتك)، بخلاف الأول، فَلَا يقال:(قام أحد)؛ لأنَّ (أحد) لا يستعمل إِلَّا فِي النّفي المحض أَو شبهه.

وهو محجوج بقوله تعالى: {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} ؛ لأنه صالح للإِيجاب.

ويجوز النّصب علَى الاستثناء، نحو:(ما قام أحدٌ إِلَّا زيدًا).

واشترط الفراء: في جواز النّصب: كون المستثنَى علمًا، فيمنع نحو (ما قام أحد إِلَّا أخاك).

واعلم: أَن البدل فِي نحو: (ما قام أحد إِلَّا زيدٌ) هو (زيد) علَى المشهور.

ص: 238

وعن ابن الصّائغ: أن (إِلَّا زيدٌ) برمته بدل من (أحد)؛ لأنَّ البدل يحل محل الأول، فيقال:(ما قام إِلَّا زيد)، ولَا يقال:(ما قام زيد) وهو ظاهر.

قال رحمه الله: ولو جعل البدل فِي الاستثناء قسمًا علَى حدة .. لكان وجهًا.

واختلف: هل هو (كل) أَو (بعض).

وعلَى الثّاني: يلزم ذكر الضّمير، ولكن استغني عنه؛ لأنَّ (إِلَّا) وما بعدها من تمام الكلام، وقد دلت (إِلَّا) علَى أَن الثّاني كَانَ يتناوله الأول، فمعلوم أنه بدل.

وتقول: (ما مررت بأحد إِلَّا زيدٍ) بالجر علَى البدلية.

ويجوز: النّصب كما ذكر؛ فإِن جر المستثنَى منه بحرفٍ زائدًا .. امتنع الإبدال فَلَا يقال: (ما فيها من أحد إِلَّا زيدٍ) بالجر نص عليه فِي "التسهيل".

ويجوز: الرّفع علَى الموضع.

• وأما شبه النّفي:

- فالنّهي.

- والاستفهام؛ نحو: (هل قام أحد إِلَّا بكرٌ)، و (هل مررت بأحدٍ إِلَّا بكرٍ)، فيختار فِي (بكر) الإِتباع لما قبله كما سبق فِي النّفي.

ويجوز النّصب.

وقوله: (وَانْصِبْ مَا انْقَطَعْ): يشير به إِلَى أَن المستثنَى المنقطع:

يجب نصبه عند الحجازيين مطلقًا؛ كـ (قام القوم إِلَّا حمارًا) ولَا إِبدال فيه؛ لأنه ليس من جنس الآدميين.

وبنو تميم: يجيزونه؛ كـ (ما قام القوم إِلَّا حمار)، و (ما فيها إِنسان إِلَّا وَتِدٌ) كما قال:

(وعَنْ تَمِيمٍ فِيهِ إِبْدَالٌ وَقَعْ).

ومنه قوله:

وبلدَةٍ ليسَ بها أَنِيسُ

إلّا اليَعافِيرُ وإلّا العِيسُ

(1)

(1)

التخريح: الرجز لجران العود في ديوانه ص 97، وخزانة الأدب 10/ 15 - 18، والدرو 3/ 162، وشرح أبيات سيبويه 2/ 140، وشرح التصريح 1/ 353، وشرح المفصل 2/ 117، 3/ 27، 7/ 21، والمقاصد النحوية 3/ 107، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 91، والإنصاف

ص: 239

فـ (اليعافير): بدل من (أنيس).

والمراد بـ (الأنيس): الآدميون.

ومن إتباع المنقطع علَى رأي الزّمخشري: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} فـ (مَن): فِي محل رفع علَى الفاعلية، و (الاسم الكريم): مرفوع علَى البدلية منه، والاستثناء منقطع كما ذكر.

وقيل: متصل.

قال الشّيخ رحمه الله؛ والتّقدير حينئذ: (قل لا يعلم من يذكر فِي السّماوات والأرض الغيب إِلَّا الله) وهو حسن؛ لأنَّ الظّرفية فِي حق الله سبحانه وتعالى مجاز.

1/ 271، وأوضح المسالك 2/ 261، والجنى الداني ص 164، وجواهر الأدب ص 165، وخزانة الأدب 4/ 121، 123، 124، 7/ 363، 9/ 258، 314، ورصف المباني ص 417، وشرح المفصل 2/ 80، والصاحبي في فقه اللغة ص 136، والكتاب 1/ 263، 2/ 322، ولسان العرب 6/ 198 كنس، 15/ 433 إلا، ومجالس ثعلب ص 452، والمقتضب 2/ 319، 347، 414، وهمع الهوامع 1/ 225.

اللغة: الأنيس: الذي يؤنس به. اليعافير: جمع اليعفور، وهو ولد البقرة الوحشية أو الغزال. العيس: الإبل الأبيض.

المعنى: يقول: رب بلدة بَلغتُها، فوجدتها خالية من الناس، وليس فيها إلا الظباء والإبل البيضاء.

الإعراب: وبلدة: الواو: واو (رب) التي هي حرف جر شبيه بالزائد، بلدة: اسم مجرور لفظًا مرفوع محلًّا على أنه مبتدأ، وخبره محذوف تقديره: سكنتها. ليس: فعل ماض ناقص. بها: جار ومجرور متعلقان بخبر ليس المحذوف. أنيس: اسم ليس مرفوع. إلا: حرف حصر. اليعافير: بدل من أنيس مرفوع. وإلا: الواو: حرف عطف، إلا: حرف حصر. العيس: اسم معطوف مرفوع.

وجملة (وبلدة): لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة (ليس بها أنيس): في محل جر أو رفع نعت بلدة.

الشاهد: قوله: (إلا اليعافير)؛ فإن ظاهره أنه استثناء منقطع تقدم فيه المستثنى منه، فكان ينبغي انتصابه على المشهور من لغات العرب وهي لغة أهل الحجاز، وقد وجه سيبويه رفعه بوجهين: الأول: أنه جعل كالاستثناء المفرغ، وجعل ذكر المستثنى منه مساويًا في هذه الحالة لعدم ذكره، من جهة أن المعنى على ذلك، فكأنه قال: ليس بها إلا اليعافير. والوجه الثاني: أنه توسع في معنى الاستثناء حتى جعله نوعًا من المستثنى منه.

ص: 240

وشرطه عند تميم:

• أَن يصح الاستغناء بالمستثنَى عن المستثنَى منه، فيصح أَن يقال:(قام حمار) و (فيها وتد)، و (فيها اليعافير).

و (اليعفور): ولد البقرة الوحشية.

• فإن لم يصح الاستغناء .. تعين النّصب إجماعًا؛ نحو: (ما زاد إِلَّا ما نقص)، و (ما نفع إِلّا ما ضر)؛ تقديرُهُ:(ما زاد المال إِلّا النّقص) و (ما نفع إِلَّا الضّر).

فـ (ما): الأولَى نافية، و (الثّانية): مصدرية، وما بعدها صلتها، وهي وصلتها فِي موضع نصب علَى الاستثناء وجوبًا؛ إِذ لا يصح الاستغناء بالمستثنَى عن المستثنَى منه، فَلَا يقال:(زاد النّقص) و (نفع الضّر)؛ يعني لا يصح تسلط العامل علَى المستثنَى.

بخلاف نحو: (ما قام القوم إِلَّا حمار) .. فيصح أَن يقال: (قام حمار) كما سبق.

وعن السّيرافي: إن (ما) المصدرية وصلتها: فِي موضع رفع بالابتداء، والخبر: محذوف، والمعنَى:(ما زاد المال، لكنِ النّقصان شأنُه).

وعن ابن الطّراوة: أن التّقدير: (ما زاد المال إِلَّا ونقص).

فـ (ما): زائدة، و (الواو): محذوفة.

وقال المازني فِي إِبدال المنقطع عند تميم: إنَّه من تغليب العاقل علَى غيره، وأورد عليه قول الشّاعر:

عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّمَاحُ مَكَانَهَا

ولَا النَّبلُ إلا المَشْرَفِيُّ المُصَمِّمُ

(1)

(1)

التخريج: البيت لضرار بن الأزور في تذكرة النحاة ص 330، وخزانة الأدب 3/ 318، وشرح أبيات سيبويه 2/ 128، والمقاصد النحوية 3/ 109، وللحصين بن الحمام في شرح اختيارات المفضل 1/ 329 وفيه (المصمما) مكان (المصمم)، وبلا نسبة في الكتاب 2/ 325.

اللغة: تغني: تقوم مقام. النبل: السهام. المشرفي: السيف المنسوب إلى مشارف، وهي قرى من أرض العرب قريبة من الريف، في العراق، واليمن، والشام. المصمِّم: القاطع والذي يمضي في العظم.

المعنى: يصف الشاعر شدة الحرب والتقاء الفريقين، والمجالدة بالسيوف التي حلت مكان التراشق بالسهام والنبال.

الإعراب: عشية: بدل من عشية في بيت سابق. لا: حرف نفي. تغني: فعل مضارع مرفوع بالضمة

ص: 241

ففيه إِبدال المنقطع، وليس هنا ذو عقل.

و (المشرفي): هو السّيف.

ويحتمل أَن يكونَ الاستثناء متصلًا؛ فيكون (المشرفي) بعضًا ممَّا قبله باعتبار إِطلاق الآلة علَى الجميع.

والاستثناء منقطع فِي قوله تعالى: 1 - {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} ، 2 - {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} ، 3 - {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ، 4 - {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} .

أما الأول؛ فلأَنَّ اتباع الظّن ليس من معنَى العلم، كما قاله ابن بابشاذ.

وقيل: متصل؛ لأنَّ العلم قَدْ يفسر بالاعتقاد الّذي تسكن إِليه النّفس.

وأما الثاني؛ فلأَنّ المراد بالعباد هنا: الموحدون المخلصون، فالاستثناء من غير الجنس بهذا الاعتبار؛ لأنَّ الغاوي غير الموحد المخلص.

وقيل: متصل، والمراد بالعباد: جميع المكلفين، فهو من الجنس.

وأما الثالث؛ فلأن (عاصم) اسم فاعل علَى بابه، و (إِلا): بمعنَى لكن؛ أَي: (لكن من رحمه الله تعالَى يعصم).

وقيل: متصل، (ومن رحم) بمعنَى (الرّاحم)؛ أَي:(لا عاصم إِلَّا الّذي يرحم وهو الله تعالَى)، فكأنه قيل:(لا عاصم إِلَّا الله).

وقيل: إن (عاصم) بمعنَى (معصوم)، كـ (دافق) بمعنَى (مدفوق)، فهو متصل أيضًا؛ أَي: (لا معصوم إِلَّا من رحمه الله.

وقيل: إن (عاصم) محمول علَى النّسب، فهو بمعنَى (ذي عصمة)، فهو متصل

المقدرة. الرماح: فاعل مرفوع بالضمة. مكانها: ظرف مكان، متعلق بتغني، وهو مضاف: وها: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ولا: الواو: حرف عطف، ولا: زائدة لتوكيد النفي. النبل: معطوف على الرماح مرفوع بالضمة. إلا: حرف استثناء. المشرفي: بدل من الرماح مرفوع. المصمم: نعت المشرفي مرفوع بالضمة.

وجملة (لا تغني): في محل جر بالإضافة.

الشاهد: قوله: (إلا المشرفي المصمم)؛ حيث أبدل (المشرفي) من (الرماح) مع أنه ليس من نوعه، وذلك على لغة بني تميم، بينما أهل الحجاز يوجبون النصب على الاستثناء.

ص: 242

أيضًا؛ أَي: (لا ذا عصمة إِلَّا المرحوم).

وأما الرَّابع. فتقديره؛ (لكن ماتوا الموتة الأولَى) فمعنَى (لا يذوقون فيها الموت): أَي (فِي الجنة)، فـ (الجنة): ظرف للموت المنفي، والموتة الأولَى إِنما كانت فِي الدّنيا فلم تدخل فِي الموت المنفي، فهو منقطع بهذا الاعتبار.

وقيل: إن (لا) بمعنَى (بعد).

وقيل: هو متصل، وأن الموت المنفي يعم جميع الأفراد، الأولَى وغيرها.

• والمراد بالمتصل: أَن يكونَ بعضًا ممَّا قبله:

• والمنقطع: ما ليس كذلك.

وهو أولَى من قول بعضهم: (جنس ما قبله)؛ لأنَّ المستثنى قَدْ يكون جنسًا ممَّا قبله وهو منقطعٌ؛ كـ (مررت ببنيك إِلّا ابنَ زيد) بنصب (ابنَ) قاله الشّيخ فِي "الكافية".

تنبيه:

متَى كَانَ المستثنَى منه مبتدأ وعاد عليه ضمير قبل ذكر المستثنَى .. جاز إتباع الضّمير وإتباع صاحبه.

والثّاني أولَى؛ نحو: (ما أحدٌ أعطيه إِلَّا زيد):

بالرّفع إتباعًا لصاحب الضّمير.

ويجوز نصبه إتباعًا للهاء.

وكذا: لو كَانَ المبتدأ مع ناسخ؛ نحو: (ما حسبت أحدًا يقول ذلك إِلَّا زيدًا): بنصب (زيد) إتباعًا لصاحب الضّمير.

ويجوز الرّفع إتباعًا للضمير فِي (يقول).

فخرج؛ نحو: (ما شكَرَ رجل أكرمته إِلَّا زيدٌ)، برفع (زيد) إتباعًا لـ (رجل).

ولَا يجوز نصبه إتباعًا للهاء .. إِذ ليس هنا مبتدأ.

• ويوصف بـ (إلا) حملًا على (غير)، ويظهر إعرابها فيما بعدها؛ كقولِهِ تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، وكذا قوله تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} .

فهي فِي الموضعين: وصف للنكرة قبلها، لا استثناء.

ص: 243

ويستثنَى بـ (غير) مجرورٌ كما سيأتي؛ لأنَّها مضافة، ويظهر فيها الإِعراب، والوصف بها كثير.

• ولما استعملوا (إِلَّا) فِي الوصف بمعناها وكانت حرفًا لا يظهر فيها إِعراب .. جعل إِعرابها فيما بعدها، وهي حينئذ مضافة لما بعدها وإِن ارتفع أَو انتصب؛ لأنَّ إِعرابها منقول إِليه.

• ويجوز حذف موصوف (غير)؛ نحو: (قام غير زيد).

• ولَا يجوز: (قام إِلَّا زيد)؛ لأنَّ (إِلَّا) غير متمكنة فِي الوصفية فَلَا يحذف موصوفها.

• وشرط الأكثرون أَن يكونَ موصوف (إِلَّا): جمعًا.

أَو شبيهًا به.

وأن يكون نكرة كما فِي الآيتين.

أَو معرفًا بـ (أل) الجنسية؛ كقوله:

. . . . . . . . . . . .

قَلِيلٌ بهَا الأَصْواتُ إِلَّا بُغَامُها

(1)

(1)

التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: أُنيخَت فَأَلقَت بَلدَةً فَوقَ بَلدَةٍ

وهو لذي الرمة في ديوانه ص 104، وخزانة الأدب 3/ 418، 420، والدرر 3/ 168، وشرح شواهد الإيضاح ص 242، والكتاب 2/ 332، ولسان العرب 3/ 95 بلد، 12/ 51 بغم، وبلا نسبة في شواهد المغني 1/ 218، 394، 2/ 729، والمقتضب 4/ 409، وهمع الهوامع 1/ 229.

اللغة: أنيخت الناقة: أُبرِكت. البلدة: الصدر، والأرض: البغام: صوت همهمة غير مفهومة.

المعنى: بركت هذه الناقة وألقت بصدرها فوق الأرض، التي لا يسمع فيها من الأصوات غير همهمة هذه الناقة.

الإعراب: أنيخت: فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح، والتاء: للتأنيث، ونائب الفاعل: ضمير مستتر تقديره هي. فألقت: الفاء: للعطف، ألقت: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة، والتاء: للتأنيث، والفاعل: ضمير مستتر تقديره هي. بلدة: مفعول به منصوب بالفتحة. فوق: مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة متعلق بالفعل ألقت. بلدة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. قليل: خبر الأصوات مقدم مرفوع بالضمة. بها: جار ومجرور متعلقان بقليل. الأصوات: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. إلا: اسم بمعنى غير في محل رفع

ص: 244

بالرّفع، فـ (إلا): وصف للأصوات لم يظهر فيها إِعراب، فجعل الرّفع فيما بعدها.

• ومنعوا أَن يكون موصوفها معرفة؛ لأنَّها لا تتعرف بإِضافتها لمعرفة، كما أَن (غير) كذلك، فَلَا يقال:(قام القوم إِلَّا زيدًا) علَى أَن (إِلَّا) وصف للقوم.

وظاهر كلام أبي الحسن الأُبَّدي شيخ أبي حيان: أنها تتعرف، قال رحمه الله: تقول: (قام القوم إِلَّا زيدٌ إِلَّا عمرو):

بالرفع نعتًا للقوم، وبالنصب علَى الاستثناء.

ويجوز رفع أحدهما علَى الصّفة، ونصب الآخر علَى الاستثناء. انتهى.

ولَا يحسن أَن يحمل كلامه علَى أَن (أل) فِي القوم جنسية؛ لاستبعاده، ولَا يوصف بها إِلَّا إِذا صلح الاستثناء؛ نحو:(عندي درهم إِلَّا دانق) إذ يجوز: (إِلَّا دانقًا).

ويمتنع: (عندي درهم إِلَّا جيد)؛ إِذ لا يجوز: (عندي درهم إِلَّا جيدًا).

• وليست: (إلا) أداة استثناء في قوله تعالى: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ} ؛ إِذ أصلها: (إن)(لا)، وأدغمت.

• وقد أوقعوا الفعل موقع الاسم المستثنَى فِي قولهم: (ناشدتك الله إلَّا فعلت)؛ أَي: (لا أطلب منك شيئًا إِلَّا فعلَك).

• وقد يكون الاسم بعد (إِلَّا) مرفوعًا فِي التّام الموجب علَى أنه مبتدأ مذكور الخبر أَو محذوفه، والمستثنَى حينئذ الجملة كما سبقت الإِشارة به.

فمن الأول: قول بعضهم علَى رواية: (أَحْرَموا كلُّهم إِلَّا أبو قتادة لم يحرم).

ومن الثاني: قوله تعالى: (فشربوا منه إِلَّا قليلٌ منهم) فِي قراءة الرّفع، وحديث:(كل أمتي معافًى إِلّا المجاهرون).

وكقول الشّاعر:

صفة للأصوات. بغامها: مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على الميم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالضم المنقول إليها من إلا، وها: ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

وجملة (أنيخت): في محل رفع صفة لسفينة بر المذكورة سابقًا. وجملة (فألقت): معطوفة عليها في محل رفع صفة. وجملة (الأصوات قليل): في محل جر صفة لبلدة.

الشاهد: قوله: (إلا بغامها)؛ حيث وقعت (إلا) اسمًا بمعنى غير، وظهر إعرابها على ما بعدها، وهي وصف لجمع شبيه بالنكرة لأنه مقترن بأل الجنسية.

ص: 245

وبالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقُ

عافٍ تَغَيَّرَ إلَّا النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ

(1)

فـ (قليلٌ) مبتدأ، و (منهم): فِي موضع الصّفة لهُ، والخبر محذوف؛ أَي: لم يشرب.

وخبر (المجاهرون): محذوف كذلك؛ أَي: (لكن المجاهرون لا يعافون).

قاله المصنف.

والنؤي: مبتدأ، و (الوتد): معطوف عليه، والخبر محذوف؛ أَي:(لم يتغير).

والنؤي: حفرة حول الخباء لئلا يدخله المطر.

و (الصّريمة): كل ما انصرم من معظم الرّمل.

وبعضهم: يحمل هذا النّوع علَى تأويل المثبت بالمنفي، فيؤول (شربوا) بـ (لم يشربوا)، و (تغير) بمعنَى:(لم يبق علَى حاله)؛ لأنه لا يعرف فِي التّام الموجب إِلَّا النصب.

وأغفل وروده مرفوعًا بالابتداء ثابت الخبر أَو محذوفَه كما ذكر، نص علَى ذلك المصنف في توضيحه علَى "البخاري".

وأقره المرادي: فِي "شرح كافيته".

ويجوز أَن يكونَ من المحذوف الخبر أيضًا قوله:

(1)

التخريج: البيت للأخطل في ديوانه ص 114، وشرح التصريح 1/ 349، وشرح شواهد المغني 2/ 670، وشرح عمدة الحافظ ص 380، والمقاصد النحوية 3/ 103، وبلا نسبة في مغني اللبيب 1/ 376.

اللغة: الصريمة: اسم مكان. خَلَقٌ: بالٍ. عافٍ: دارسٌ مهجور. النؤي: الحفرة حول الخيمة، تمنع دخول الماء إليها.

المعنى: يقول: إن البيت الذي كانت تسكنه في الصريمة قد تهدم ولم يبق منه إلا النؤي والوتد.

الإعراب: وبالصريمة: الواو بحسب ما قبلها، وجار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. منهم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من منزل. منزل: مبتدأ مرفوع. خلق: نعت منزل مرفوع. عاف: نعت منزل مرفوع بالضمة المقدرة على الياء المحذوفة لأنه اسم منقوص. تغير: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. إلا: حرف استثناء. النؤي: بدل من الضمير المستتر في تغير. والوتد: الواو حرف عطف، الوتد: معطوف على النؤي مرفوع بالضمة.

وجملة (بالصريمة منزل): بحسب ما قبلها. وجملة (تغير): في محل رفع نعت منزل.

الشاهد: قوله: (إلا النؤي والوتد)؛ حيث رفع المستثنى، والقياس نصبه؛ لأن الاستثناء تام موجب، وخرج على أن الكلام منفي، وقيل: إن (إلا) هنا حرف بمعنى لكن التي للاستدراك.

ص: 246

وكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ

لعَمْرُ أَبيك إِلَّا الفَرْقَدَانِ

(1)

أي: (لم يفترقا).

وقيل: إن (إِلَّا) هنا بمعنَى (حتَّى)، أَو (الواو)، والخبر: محذوف أيضًا؛ أَي: (حتَّى الفرقدان كذلك)، أَو (والفرقدان كذلك).

وقيل: إن (إِلَّا) صفة لقوله: (كل) وظهر إِعرابها فيما بعدها، ذكره مكي فِي آخر القصص

(2)

.

(1)

التخريج: البيت لعمرو بن معدي كرب في ديوانه ص 178، والكتاب 2/ 334، ولسان العرب 15/ 432 ألا، والممتع في التصريف 1/ 51، ولحضرمي بن عامر في تذكرة النحاة ص 90، وحماسة البحتري ص 151، والحماسة البصرية 2/ 418، وشرح أبيات سيبويه 2/ 46، والمؤتلف والمختلف ص 85، ولعمرو أو لحضرمي في خزانة الأدب 3/ 421، والدرر 3/ 170، وشرح شواهد المغني 1/ 216، وبلا نسبة في الأشباه النظائر 8/ 180، وأمالي المرتضى 2/ 88، والجنى الداني ص 519، وخزانة الأدب 9/ 321، 322، ورصف المباني ص 92، وشرح المفصل 2/ 89، والعقد الفريد 3/ 107، 133، وفصل المقال ص 257، ومغني اللبيب 1/ 72، والمقتضب 4/ 409، وهمع الهوامع 1/ 229.

اللغة: الفرقدان: نجمان يهتدى بهما.

المعنى: أقسم بعمر أبيك أن لابد للأخ أن يفارق أخاه يومًا ما عدا الفرقدين.

الإعراب: وكل: الواو: بحسب ما قبلها، كل: مبتدأ مرفوع بالضمة. أخ: مضاف إليه مجرور بالكسرة. مفارقه: مبتدأ موفوع بالضمة والهاء: ضمير متصل مبني على الضمة في محل جر بالإضافة. أخوه: فاعل لاسم الفاعل مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الستة، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. لعمر: اللام: للقسم، عمر: مبتدأ مرفوع بالضمة، وخبره محذوف وجوبًا تقديره: قسمي. أبيك: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة، والكاف: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. إلا: اسم بمعنى غير صفة لأخ. الفرقدان: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة على الألف على لغة من يلزم المثنى الألف في الأحوال الثلاثة. وللبيت تخريجات أخرى. انظر: خزانة الأدب 3/ 421 - 425.

وجملة (وكل أخ مفارقه أخوه): بحسب ما قبلها. وجملة (لعمر أبيك): اعتراضية لا محل لها.

وجملة (مفارقه أخوه): في محل رفع خبر لكل.

الشاهد: قوله: (إلا الفرقدان)؛ حيث يكون الاسم بعد (إِلَّا) مرفوعًا فِي التّام الموجب علَى أنه مبتدأ مذكور الخبر أَو محذوفه، والمستثنَى حينئذ الجملة كما سبقت الإِشارة به، وهنا جاء الشاهد على المحذوف الخبر.

(2)

انظر مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب القيسي 2/ 549.

ص: 247

وذكر الشّيخ فِي "الكافية" مع أدوات الاستثناء: (لا سيما) مع أَن الواقع بعدها منبه علَى أولويته بما نسب إِلَى ما قبلها.

وقال: المستثنى بها مجرور، ويجوز رفعه.

وإِن كَان ظرفًا .. فالأوجه الثّلاثة.

وروي بها قولُهُ:

. . . . . . . . . .

ولا سِيّمَا يومٌ بدارَةِ جُلْجُلِ

(1)

قال فِي النّظم

(2)

:

(1)

التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالِحٌ

وهو لامرئ القيس في ديوانه ص 10، والجنى الداني ص 334، 443، وخزانة الأدب 3/ 444، 451، والدرر 3/ 183، وشرح شواهد المغني 1/ 412، 2/ 558، وشرح المفصل 2/ 86، والصاحبي في فقه اللغة ص 155، ولسان العرب 14/ 411 سوا، وبلا نسبة في رصف المباني ص 193، وهمع الهوامع 1/ 334.

اللغة: منهما: يقصد عنيزة وصاحبتها في الهودج. دارة جلجل: موضع فيه غدير ماء.

المعنى: هناك أيام كثيرة تصلح للعيش مع هاتين الحلوتين، وخصوصًا إذا كان المكان جميلًا كدارة جلجل، حيث طاب لنا اليوم فيه.

الإعراب: ألا ربَّ: ألا: حرف استفتاح، رب: حرف جر شبيه بالزائد. يومٍ: اسم مجرور لفظًا، مرفوع محلًّا على أنه مبتدأ. صالح: صفة يوم مجرورة على اللفظ بالكسرة. لك: جار ومجرور متعلقان بخبر يوم: منهما: جار ومجرور متعلقان بخبر يوم أيضًا. ولا سيما: الواو: للاستئناف، لا: نافية للجنس، سى: اسمها منصوب بالفتحة؛ وخبرها محذوف.

ما: يجوز أن تكون زائدة فيكون يومٍ: مجرورًا بالإضافة إلى (سي).

ويجوز أن تكون (ما) موصولة في محل جر بالإضافة إلى سي، وعليه يكون (يومٌ) مرفوعًا على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ وتقدير الكلام: ولا مثل الذي هو يوم، والجملة من المبتدأ وخبره: لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

ويجوز أن تكون ما نكرة تامة في محل جر بالإضافة إلى سي أيضًا، وعليه يكون (يومًا): منصوبا على التمييز.

وجملة (ألا رب يوم لك منهما): ابتدائية لا محل لها. وجملة (ولا سيما): استئنافية لا محل لها.

الشاهد قوله: (ولا سيما يوم)، حيث روي بالأوجه الثلاث، وتوجيهها ذكرها الشارح في المتن.

(2)

الشافية الكافية 2/ 720.

ص: 248

وَمَا يَلِي (لَا سِيَّمَا) فَاجْرُرْ وَلَو

رَفَعتَ لَمْ تُمْنَعْ وَعَن نَصبٍ نَهَوْا

فِي غَيرِ ظَرفٍ، وَرَوَوا (لَا سِيَّما

يَوْمٌ) بِالأَحْوَالِ الثَّلاثِ فَاعْلَمَا

فعلَى رواية الجر: تكون (سيَّ) بمعنَى (مثل) وهو مضاف، و (يوم): مضاف إِليه، و (ما): زائدة.

وعلَى رواية الرّفع: تكون (ما): موصولة، و (يوم): خبر المحذوف؛ والتّقدير: (لا مثل الّذي هو يوم بدارة جلجل).

ويجوز: أن تكون (ما) هنا: نكرة موصوفة.

وعلَى رواية النّصب: تكون (ما): موصولة، و (بدارة جُلجُل): صلة، و (يومًا): ظرف، والعامل فيه ما في (بدارة جلجل) من معنَى الاستقرار.

وفتحة (سيَّ) فِي الصّور الثّلاث: فتحة إِعراب؛ لأنَّ (ما):

إن كانت موصولة .. فهي معرفة، واسم (لا) التّبرئة لا يكون معرفة.

وإِن كانت غير موصولة .. فـ (سيَّ) مضافة لما بعد (ما) إن كانت (ما) زائدة، أَو مضافة لـ (ما) إن كانت نكرة موصوفة، واسم (لا) المبني لا يكون مضافًا.

وقيل: إن (يومًا): منصوب علَى التّمييز، و (ما) كافة، وفتحة (سيَّ) فتحة بناءٍ.

وقيل: يجوز النّصب بعدها فِي نحو: (أكرمت القوم لا سيما زيدًا)، واختلف:

فقيل: إن (لا سيما) بمنزلة (إِلَّا) فِي الاستثناء؛ لأنَّ (زيدًا) فِي الحقيقة مخرَجٌ ممَّا قبله باعتبار أنه نُصَّ علَى أولويته بما نسب إِلَى ما قبلها، فلما لم يسبق بما قبله فِي الرّتبة .. جعل كأنه مخرَج.

ولَا تحذف (لا) من (لا سيما)؛ لأنَّ حذف الحرف خارج عن القياس.

أبو حيان فِي "شرح التّسهيل": قال المصنف: وإِذا كانت (ما) موصولة معها .. جاز وصلها بفعل وبظرف؛ نحو: (أعجبني كلامك لا سيما تَعِظ به)، و (يعجبني التهجد لا سيما عندَ زيد).

وقد يقال: (لا سِيَما) بالتّخفيف. المصنف فِي "التّسهيل".

وذكر الزّمخشري والمصنف: جواز حذف المستثنَى فِي نحو: (قبضت عشرة ليس

ص: 249

إِلَّا وليس غيرُ) بالضّم والفتح.

فالضّم: علَى معنَى: (ليس غير ذلك مقبوضًا).

والفتح: علَى معنَى: (ليس المقبوض غير ذلك).

فائدة:

سبق أَن (أحد) لا يستعمل إِلَّا فِي النّفي المحض أَو شبهه مختصًّا بمن يعقل، وهو لازم الإِفراد والتذكير، ومثله:(عريب)، و (ديار)، و (كتيع)، و (كراب)، و (دعوي)، و (داري)، و (دوري)، و (أرم)، و (أريم)، و (وابر)، ونحو ذلك

(1)

.

(1)

قال ابن سيده في "المخصص" في باب النفي في المواضع:

أَبُو عُبَيْد: مَا بالدّار عَرِيبٌ الذّكر وَالأُنْثَى فِي ذَلِك سَوَاء.

غَيره: مَا بهَا مُعرِب كَذَلِك.

أَبُو عُبَيْد: مَا بهَا دِبِّيجٌ، قَالَ أَبُو عَليّ: هُوَ من الدّبْجِ، وَهُوَ أرقُّ مَا يكون من النّقْش، وَقد صحَّف من رَوَاه بالْحَاء.

أَبُو عُبَيْد: مَا بهَا طُوريٌّ.

غَيره: مَا بهَا هَلْبَسيسٌ: أي أحد يُسْتأنس بِهِ.

ابْن دُرَيْد: وَلا طُورانيُّ.

أَبُو عُبَيْد: وَلا دوريٌّ وَلَا دَيّارٌ.

ابْن السّكيت: ولا دَيّور.

اللحياني: مَا بهَا دارِيٌّ، وَحَقِيقَة الدّاريّ: الَّذِي لَا يبرح منزله وَلَا يطْلب معاشًا، فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الدّار.

أَبو عُبَيْد: وَلَا وابِرٌ، ولا نافخ ضَرْمَةٍ، وَلَا صافِرٌ، وَلَا أريمٌ، وَلَا أَرِمٌ مِثَال فَعِلٌ.

ابن السّكيت: ما بهَا آرِمٌ مِثَال فاعِل.

وأيْرَميٌّ وإرَمِيٌّ.

أبُو عُبَيْد: مَا بهَا شَفْرٌ.

ابْن السّكيت: شَفْرٌ وشُفْرٌ لُغَتَانِ، فَأَما شُفر الْعين والفرج .. فبالضّمِّ لَا غير.

أبو عُبَيْد: ما بها تأمورٌ مهموزٌ مثله.

وَيُقَال أَيْضًا: مَا في الرّكِيَّة تامورٌ؛ يَعْنِي: المَاء؛ وَهُوَ قِيَاس على الأول.

ابْن السّكيت: مَا بهَا تُؤْمُريٌّ، وَقَالَ: مَا رَأَيْت تُؤمُرِيًّا أحسن مِنْهَا، للْمَرْأَة الجميلة؛ أَي: لم أرَ خلْقًا.

اللحياني: مَا بهَا عائِنٌ وَمَا بهَا عائِنَةٌ.

أَبُو عُبَيْد: مَا بهَا عائِنٌ وَلَا عَيْنٌ.

ص: 250

وأَجازَ المبرد: وقوع (أحد) فِي الإِيجاب مرادًا به العموم؛ نحو: (يقول ذاك كل أحد).

والله الموفق

ص:

318 -

وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْي قَدْ

يَأْتِي وَلَكِنْ نَصْبَهُ اخْتَرْ إِنْ وَرَدْ

(1)

ش:

إِذا قدم المستثنى علَى المستثنَى منه .. وجب النّصب إن كَانَ الكلام موجبًا؛ نحو: (جاء إِلَّا زيدًا القوم)، و (مررت إِلَّا زيدًا بالقوم).

ابن السّكيت: مَا بهَا عَيَنٌ، والعَيَنُ: أهل الدّار، وأنْشَد:

تَشْرَبُ مَا فِي وَطْبِها قبلَ العَيَنْ

غَيره: مَا بهَا عَيَنٌ وعائنَةٌ.

اللحياني: مَا بهَا عائِرَة عَيْنٍ، وَإِن لَهُ من المَال عائرةَ عينين.

أَبُو عُبَيْد: مَا بهَا دُعْويٌّ ولَا دُبِّيٌّ من الدّعاء والدّبيب.

ابْن السّكيت: مَا بهَا طُوئِيٌّ، وَلَا لاعِي قَرْوٍ وَمَا بهَا طُؤَوِيٌّ وطُوَوِيٌّ.

اللحياني: مَا بهَا طاويٌّ غير مَهْمُوز.

ابْن السّكيت: مَا بهَا كَرَّابٌ وَلَا كَتِيعٌ وَلَا طارِفٌ وَلَا أنيسٌ: أَي مَا بهَا أحد.

وَمَا بهَا صوَّاتٌ وَلَا داعٍ وَلَا مُجيبٌ وَلَا مُعَرَّب وَلَا ناخِرُ وَلَا نابحٌ وَلَا ثاغٍ وَلَا راغٍ.

ابْن دُرَيْد: مَا بهَا نُمِّيٌّ:

قَالَ سِيبَوَيْه: أما أحد وكَرَّابٌ وأرِمٌ وكَتيعٌ وعَريبٌ وَمَا أشبه ذَلِك .. فَلَا يقعنَ واجباتٍ، وَلَا حَالًا وَلَا اسْتِثنَاءَ، وَلَا يسْتَخْرج بهَا نوع من الْأَنْوَاع فيَعملُ مَا قبله فِيهِ عَمَلَ الْعشْرين فِي الدّرهم إِذا قلت: عشرُون درهمًا.

ولكنهن يقعن فِي النّفي مَبْنِيًّا عَلَيْهِنَّ ومبنيةٌ على غَيْرهنَّ؛ فَمن ثمَّ تَقول: مَا فِي النّاس مِثلُهْ أحَدٌ، حملت (أحدا) على مَا حملت عَلَيْهِ مِثْلًا وَكَذَلِكَ مَا مَرَرْت بمِثْلِكَ أحدٍ.

(1)

وغير: مبتدأ، وغير: مضاف. ونصب: مضاف إليه، ونصب: مضاف. وسابق: مضاف إليه. في النفي: جار ومجرور متعلق بقوله: يأتي الآتي. قد: حرف دال على التقليل. وجملة يأتي وفاعله المستتر فيه جوازًا، تقديره: هو يعود إلى غير نصب: في محل رفع خبر المبتدأ. ولكن: حرف استدراك. نصبَه: نصب: مفعول مقدم لاختر، ونصب: مضاف، والهاء: مضاف إليه: اختر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت: إن: شرطية. ورد: فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، وتقديره: إن ورد فاختر نصبه.

ص: 251

وإن كَانَ الكلام منفيًّا .. فالمختار النّصب؛ نحو: (ما جاء إِلَّا زيدًا أحدٌ) بنصب (زيد)؛ لأنَّ الأصل: (ما جاء أحدٌ إِلَّا زيد).

وهنا: يجوز رفعه علَى البدلية، فلما قدم .. بطل البدل.

ومنه علَى إِعراب: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} علَى أَن اللّام صلة فِي (لمن)، وهو: مستثنَى من أحد؛ والتّقدير: (ولَا تصدقوا أَن يؤتَى أحد مثل ما أوتيتم إِلَّا من تبع دينكم)، فـ (مَن): فِي محل نصب علَى أنه مستثنَى من (أحد)، وقدم عليه، وكذا قول الشاعر:

وَمَا لِيَ إِلَّا آلَ أَحمَدَ شِيعَةٌ

وما لِيَ إِلَّا مذْهَبَ الحقِّ مَذهَبُ

(1)

(1)

التخريج: البيت للكميت في شرح هاشميات الكميت ص 50، والإنصاف ص 275، وتخليص الشواهد ص 82، وخزانة الأدب 4/ 314، 319، 9/ 138، والدرر 3/ 161، وشرح أبيات سيبويه 2/ 135، وشرح التصريح 1/ 355، وشرح قطر الندى ص 246، ولسان العرب 1/ 502 شعب، واللمع في العربية ص 152، والمقاصد النحوية 3/ 111 وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 266، وشرح ابن عقيل ص 308، ومجالس ثعلب ص 62، والمقتضب 4/ 398.

اللغة: آل أحمد: أي أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف فيمن هم الآل، وليس هنا مقام ذكره. الشيعة: الأتباع والأنصار. مذهب: طريق.

المعنى: يقول: ليس لي من الأنصار إلا آل محمد صلى الله عليه وسلم وليس لي من طريق إلا طريقهم؛ لأنه قويم وصحيح.

الإعراب: وما: الواو: بحسب ما قبلها، ما: حرف نفي. لي: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. إلا: حرف استثناء. آل: مستثنى منصوب، وهو مضاف. أحمد: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية ووزن الفعل. شيعة: مبتدأ مؤخر مرفوع: وما: الواو: حرف عطف، ما: حرف نفي. لي: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ: إلا: حرف استثناء. مذهب: مستثنى منصوب، وهو مضاف. الحق: مضاف إليه مجرور. مذهب: مبتدأ مؤخر مرفوع.

وجملة (ما لي إلا آل أحمد شيعة): بحسب ما قبلها. وجملة (ما لي إلا مذهب الحق مذهب): معطوفة على جملة ما لي إلا آل أحمد شيعة.

الشاهد: قوله: (آل) وقوله: (مذهبَ) حيث تقدم المستثنى على المستثنى منه، فنصبه، وهذا هو الوجه.

ويروى مشعب مكان مذهب.

ص: 252

بنصب (آلَ) علَى الاستثناء من (شيعة)، والأصل:(فما لي شيعة إِلَّا آل أحمد) وكذا: (مذهب الحق مذهب)؛ أَي: و (ما لي مذهب إِلَّا مذهبَ الحق).

وأَجازَ بعضهم: الرّفع، ولهذا قال:(وَغَيْرُ نَصْبِ سَابِقٍ فِي النَّفْي قَد يَأْتِي).

حكى يونس: أن قومًا من العرب يقولون: (ما لي إلا أخوك ناصر)، فـ (أخوك):

مستثنى، و (ناصر): مستثنَى منه، والأصل:(ما لي ناصر إِلَّا أخوك)، وقال آخر:

لأَنَّهُمُ يَرْجُونَ مِنْكَ شَفاعَةً

إِذا لم يَكنْ إِلَّا النَّبِيُّونَ شافعُ

(1)

والأصل: (إِذا لم يكن شافع إِلَّا النّبيون) فقدم (النّبيون) كما سبق وفُرِّغ لهُ العامل، فأعرب (شافع): بدلَ كلٍّ بعد أَن كَانَ هو المبدل منه، ففي هذا ونحوه: جعل الأول ثانيًا، والثّاني أوَّلًا.

ولهذا قال فِي "التّسهيل": وقد يجعل المستثنَى متبوعًا، والمستثنَى منه تابعًا. انتهى.

ومنه أيضًا: تقديم النّعت وجعله مستقلًّا، والمنعوت بدلا؛ نحو:(مررت بالكريمِ زيد) والأصل: بـ (زيد الكريم).

وإِذا تقدم المستثنَى علَى صفة المستثنَى منه .. فالأولَى الإِتباع عند سيبويه؛ لأنَّ الصّفة فضلة، فَلَا اعتداد بها، فتقول في:(ما فِي الدّار رجل صالح إِلَّا أبوك): (ما فِي

(1)

التخريج: البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ص 241، والدرر 3/ 162، وشرح التصريح 1/ 355، والمقاصد النحوية 3/ 114، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص 309، وهمع الهوامع 1/ 225.

اللغة: يرجون: يأملون. الشفاعة: هي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

المعنى: إن أهل بدر أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفوا بعهدهم له؛ لأنهم يرجون أن يشفع لهم يوم القيامة، حين لا تنفع شفاعة أحد إلا الأنبياء.

الإعراب: لأنهم: اللام: حرف جر، أنهم: حرف مشبه بالفعل، وهم: ضمير متصل في محل نصب اسم أن: يرجون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. منه: جار ومجرور متعلقان بيرجون. شفاعة: مفعول به منصوب. إذا: ظرف زمان متعلق بالفعل يرجون. لم: حرف جزم. يكن: فعل مضارع تام مجزوم. إلا: حرف استثناء بمعنى الحصر. النبيون: فاعل يكن مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. شافع: بدل من النبيون مرفوع بالضمة.

وجملة (يرجون): في محل رفع خبر (أنّ). وجملة: (لم يكن): في محل جر بالإضافة.

الشاهد: قوله: (إلا النبيون)؛ حيث رفع المستثنى مع تقدمه على المستثنى منه، والكلام منفي. والنصب هنا هو الأكثر. وأصل العبارة:(إذا لم يكن شافع إلا النبيون).

ص: 253

الدّار رجل إِلَّا أبوك صالح).

ورجح المازني: النّصب فتقول: (إِلَّا أباك صالح)؛ لأنه يقدم المستثنَى مقدمًا علَى المستثنَى منه، فكأنه قيل:(ما فِي الدار إِلّا أباك رجل صالح).

قال المصنف: وعندي أَن الرّفع والنّصب مستويان.

تنبيه:

نصب المستثنَى المقدم علَى المختار أيضًا فِي قولهِ:

وَمَا مِثْلُهُ في النَّاسِ إلَّا مُمَلكًا

أَبو أُمِّهِ حَيٌّ أَبوهُ يُقَارِبُهْ

(1)

فـ (مملكًا): مستثنَى، و (حيٌّ): مستثنَى منه، و (يقاربه): صفة لـ (حي)، و (أبو أمه): مبتدأ، و (أبوه): خبر؛ والتّقدير: (وما مثله حيٌّ يقاربه فِي الناس إِلَّا مملك أبو أمه أبوه) وفيه تعسف.

وذمَّه أهل المعاني

(2)

.

وحكى الفارسي عن الكوفيين: جواز تقديم حرف الاستثناء أول الكلام؛ نحو: (إِلَّا طعامك ما أكل زيدٌ) والأصل: (ما أكل زيد إِلَّا طعامك).

واحتجوا بقوله:

وَبلَدٌ لَيسَ بهِ طُوريٌّ

وَلَا خَلَا الجِنَّ بهِ إنسيُّ

(3)

(1)

التخريج: البيت من الطويل وهو في: الكامل 1/ 42، الخصائص 1/ 146، 329، 2/ 393، الإفصاح 84، شرح الجمل 2/ 607، ضرائر الشعر لابن عصفور 213، شرح ألفية ابن معطي 2/ 1390.

المعنى: قاله الفرزدق في مدح إبراهيم بن هشام المخزومي خال هشام بن عبد الملك. ويريد بـ (المملّك): هشامًا، لأنه الخليفة. أي: ليس في الدنيا حيٌّ يقارب هذا الممدوح إلا ابن أخته وهو الخليفة.

الشاهد: قوله: (إلا مملكًا

حيٌّ)، حيث قدم المستثنى على المستثنى منه، وذلك جائز.

(2)

لما فيه من التعقيد اللفظي.

(3)

البيت للعجاج في ديوانه 68، والخزانة 3/ 311، 312، 338، تاج العروس (أنس).

الشاهد: قوله: (ولا خلا الجنَّ به إنسيُّ)؛ حيث حكى الفارسي عن الكوفيين: جواز تقديم حرف الاستثناء أول الكلام، وأصل العبارة:(ولا به إنسيٌّ خلا الجنَّ).

ص: 254

أي: و (لا به إنسيٌّ خلا الجن).

والبصريون: إن الأصل: (ولا به إنسي خلا الجن) فحذف المستثنَى منه ودل عليه المذكور.

ولا يستثنى بها اسمان نحو: (أعطيت القوم الذّهب إِلَّا زيدًا الفضة).

وقد يجوز بتأويل؛ نحو: (ما أعطيت أحدًا درهمًا إلا عمرًا دانقًا) علَى أَن (عمرًا): بدل من أحد، و (دانقًا): منصوب بمحذوف.

ولَا النكرة من المعرفة؛ لعدم الفائدة؛ نحو: (جاءني القوم إِلَّا رجلًا).

ذكر ذلك أبو محمد بن السّراج فِي كتاب "الأصول" لهُ.

وحكاه البعلي عن ابن عصفور قال: لا يكون المستثنَى إِلَّا مختصًّا، لو قلت:(قام القوم إِلَّا رجالًا) .. لم يجز.

وقيل: يجوز إن خُصِّص المستثنَى؛ نحو: (إِلَّا رجلًا ظريفًا).

ويجوز استثناء المعرفة من النكرة المخصوصة في الإثبات؛ كـ (جاءني رجال كرام إِلَّا زيدًا منهم).

والله الموفق

ص:

319 -

وَإنْ يُفَرَّغْ سَابِقٌ إلَّا لِمَا

بَعْدُ يَكُنْ كَمَا لَوْ إلَّا عُدِمَا

(1)

(1)

وإن: شرطية. يفرغ: فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط. سابق: نائب فاعل ليفرغ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله: ضمير مستتر فيه. إلا: قصد لفظه: جعله الشيخ خالد مضافًا إليه، وليس هذا الإعراب بشيء، بل هو مفعول به لسابق، لأنه اسم فاعل منون وترك تنوينه يخل بوزن البيت. لما: جار ومجرور متعلق بيفرغ. بعد: ظرف مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة لفظًا في محل نصب، وهو متعلق بمحذوف صلة ما المجرورة محلًّا باللام. يكن: فعل مضارع ناقص مجزوم لأنه جواب الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا. كما: الكاف جارة، ما: زائدة. لو: مصدرية. إلا: قصد لفظه: نائب فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده. عُدما: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا: تقديره: هو، يعود على إلا، ولو ومدخولها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور: متعلق بمحذوف خبر يكن، وتقدير الكلام: يكن هو كائنًا كعدم (إلا) في الكلام.

ص: 255

ش:

متَى فرغ العامل الّذي قبل (إِلَّا) لما بعدها .. كَانَ الاسم الواقع بعد (إِلَّا) كما لو لم تذكر (إِلَّا)؛ نحو: (ما يقوم إِلَّا زيد)، و (لَا تضرب إِلَّا عمرًا)، و (هل يغضب إِلَّا بكر) فَلَا عمل لـ (إلا) فيما بعدها، بَل العامل هو المذكور قبلها كما كَانَ العمل لهُ قبل (إِلَّا)؛ فِي نحو:(ما يقوم زيد)، و (لَا تضرب عمرًا)، و (هل يغضب بكر).

ويكون المستثنَى فِي التّفريع: فاعلًا أَو مفعولا كما مثل، و (لو) بواسطة؛ نحو:(ما مررت إِلَّا بزيد).

ويكون خبرًا؛ نحو: (ما زيد إِلَّا كريم).

وخبر كَانَ؛ نحو: (ما كَانَ زيدًا إلَّا ظريفًا).

وحالا؛ نحو: (ما سافر زيد إِلَّا راكبًا).

وتمييزًا: نحو: (ما طاب زيد إلَّا نفسًا).

ولَا عمل لـ (إلّا) كما ذكر.

ومنع بعضهم: التّفريغ فِي الصّفات، فَلَا يجيز:(ما جاءني رجل إِلَّا ظريف).

ويجيزه مع حذف الموصوف؛ نحو: (ما جاءني إِلَّا ظريف)، علَى تقدير:(ما جاءني إِلَّا رجل ظريف).

وإِنما منع الأول؛ لأنه لا يوصف بما بعد (إِلَّا).

ولهذا قال الأخفش: لا يفصل بَينَ الصّفة والموصوف بـ (إلّا).

وقال الفارسي: تقول: (ما مررت بأحد إِلَّا قائمًا) .. فهو حال من (أحد).

ولَا يجوز: (إِلَّا قائم)؛ لأنَّ (إِلَّا) لا يعترض بَينَ الصّفة والموصوف. انتهى.

وفي "المفصل": سُمِع: (ما مررت بأحد إِلَّا زيدٌ خير منه)، فأَجازَ الزّمخشري: أَن يكونَ (زيد): مبتدأ، و (خيرٌ منه): خبرًا، والجملة صفة لـ (أحدٍ).

• ولَا يكون الاستثناء المفرغ إِلَّا فِي النّفي وشبهه؛ كالنهي والاستفهام.

• وأما قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} ، فهو علَى معنَى: (لا يريد إلا أَن يتم نوره، فالاستثناء مفرغ؛ لأنَّ النّفي مقدر.

• ولَا يصح التّفريغ في المصدر المؤكد، نحو:(ما ضربت إِلَّا ضربًا)؛ لأنه يُجاء

ص: 256

به تقوية لعامله؛ فـ (ما ضربت): مقتض لعدم الضّرب، و (إِلا ضربًا): مقتضٍ لوجوده .. فتنافيا، ولهذا أوَّلوا {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا} .

فالمبرد: تقديرُهُ: (إن نحن إِلَّا نظن ظنًّا).

وقيل غير ذلك.

وأَجازَ الكسائي: (ما قام إِلَّا زيدًا)، علَى أَن التّقدير:(ما قام أحد إِلَّا زيدًا).

قال الشّاعر:

لَم يَبقَ إِلَّا المَجدَ وَالقَصَائِدَا

غَيرَكَ يَا ابْنَ الأَكرَمِينَ وَالِدَا

(1)

وهو ضعيف؛ لأنَّ فيه حذف الفاعل.

وحكَى ابن فلاح: أَن الفراء أَجازَ ذلك أيضًا، وأنشد:

يُطَالِبُنِي عَمّي ثَمَانِينَ نَاقَةً

وَمَا لِيَ يَا عَفرَاءُ إِلّا ثَمَانِيَا

(2)

(1)

التخريج: الرجز بلا نسبة في الدرر 3/ 160؛ وهمع الهوامع 1/ 223.

الشاهد: قوله: (المجدَ)، و (غيرَك)؛ حيث نصبهما على رأي الكسائي وهو ضعيف لأن فيه حذف الفاعل.

قال الشيخ محمد حسن شراب في شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية 1/ 363: قال الكسائي في نحو "ما قام إلّا زيد" مع الرفع على الفاعلية: النصب على الاستثناء، قال أبو حيّان: وهو مبنيّ على ما أجازه من حذف الفاعل، وجوّز أيضًا بناء عليه: الرفع على البدل من الفاعل المحذوف.

ووافق الكسائي على إجازة النصب طائفةٌ، واستدلوا بقوله:(البيت) يروى بنصب (المجد)، و (غير) أي: لم يبق أحد غيرك.

وأجيب: بأنّ "غير" فاعل مرفوع، والفتحة بناء، لإضافته إلى مبني.

قال أبو أحمد: وقول الكسائي ومن وافقه، مقبول ومعقول، والكسائي عالم فهّامة وذوّاقة، ولكن عميت عنا آراؤه، بسبب التعصب للمذهب البصري، وقد ضلَّلَنا أشياخُنا أيام الطلب، فأوهمونا أن رأي الكوفيين في النحو "كخ" ورأي البصريين هو "الدّح".

(2)

التخريج: البيت من الطويل، وهو لعروة بن حزام العذري، وهو من شواهد التذييل والتكميل (3/ 514)، وأمالي القالي (3/ 160)، وشرح الكافية لابن القواس (ص 387)، والخزانة للبغدادي (2/ 31).

الشاهد: مجيء (ثمانيا) بالنصب جوازًا، كما يجوز رفعها على التفريغ وقد روي البيت:

ص: 257

وكذا أجازه مع (غير)؛ كقولك: (ما قام غيرَ زيد) بالنّصب أيضًا.

وقيل: إن (غير) مبنيه عنده فِي نحو هذا؛ لتضمنها معنَى (إِلَّا).

وقول المصنف: (سابقٌ) بالتّنوين وجوبًا وموصوفه محذوف؛ أَي: (وإن يفرغ عامل سابقٌ إِلَّا)، و (إِلا): مفعول بـ (سابقٌ).

فائدة:

يجوز أَن يعمل الظّرف ونحوه فِي المستثنَى؛ نحو: (ما فِي الدّار إِلَّا زيد).

فـ (زيد): فاعل بالمجرور.

وصح أَن يعمل لتقدم النّفي عليه كما سبق مفصلًّا فِي الفاعل.

والله الموفق

ص:

320 -

وَأَلْغِ إلَّا ذَاتَ تَوْكِيدٍ كَلَا

تَمْرُرْ بِهِمْ إلَّا الفَتَى إلَّا العَلَا

(1)

ش:

إذا قصد التّوكيد بـ (إلا) .. ألغيت فَلَا تعمل فيما دخلت عليه كما سبق في التّفريغ.

ويكون ذلك فِي العطف والبدل.

• فالأول: كـ (قام القوم إِلَّا زيدًا وإِلا عمرًا)، فهي مؤكدة للسابقة فقط، قال الشاعر:

هل الدَّهْر إِلَّا لَيْلَةٌ ونهارُها

وَإِلَّا طلوعُ الشَّمْس ثمَّ غيارها

(2)

يكلفني عمي ثمانين بكرة

ومالي يا عفراء غير ثمانِ

ولا شاهد فيه على هذه الرواية، والبَكرة: الناقة الفتية.

(1)

وألغ: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. إلا: قصد لفظه: مفعول به لألغ. ذات: حال من إلا، وذات: مضاف. وتوكيد: مضاف إليه. كلا: الكاف جارة لقول محذوف. لا: ناهية. تمرر: فعل مضارع مجزوم بلا، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. بهم: جار ومجرور متعلق بتمرر. إلا: حرف استثناء. الفتى: مستثنى، والمستثنى منه: الضمير المجرور محلا بالباء. إلا: توكيد للا السابقة. العلا: بدل من الفتى، بدل كل من كل.

(2)

التخريج: البيت لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين 1/ 70؛ ولسان العرب 5/ 35 (غور)، والمقاصد النحوية 3/ 115؛ وبلا نسبة في شرح الأشموني 1/ 231.

ص: 258

والأصل: (قام القوم إِلَّا زيدًا وعمرًا)، و (هل الدّهر إِلَّا ليلة ونهارها وطلوع الشّمس).

• والثّاني: (ما مررت بأحد إِلَّا زيد إِلَّا أخيك) فـ (أخيك): بدل، و (إِلا) مؤكدة لا عمل لها، فالعامل فِي المعطوف .. هو العامل فِي الأول، والعامل فِي البدل: إما مقدر، أَو المذكور، علَى الخلاف.

ومن البدل قول الشّيخ: (لا تَمُرر بهِم إلَّا الفَتَى إلَّا العَلا)، والأصل:(إِلَّا الفتى العلا)، فـ (الفتَى): مجرور؛ لأنه مستثنَى من المجرور بالباء، ويجوز كونه منصوبًا علَى الاستثناء، و (العلا): بدل من (الفتَى)؛ وهو بدل كُلٍّ من كُلٍّ.

ومن بدل البعض: (ما أعجبني أحد إِلَّا زيد إِلَّا وجهه).

والاشتمال: (ما أعجبني شيء إِلَّا زيد إِلَّا علمه).

ويجوز فِي (زيد) النّصب علَى الاستثناء.

واجتمع العطف والبدل فِي قول الشّاعر:

مَا لَكَ مِنْ شَيْخِكَ إِلَّا عَمَلُهُ

إلَّا رَسِيمُهُ، وَإِلَّا رَمَلُهُ

(1)

والبيت مطلع قصيدة للشاعر، وبعده قوله:

أبى القلب إلا أم عمرو، وأصبحت

تحرق ناري بالشكاة ونارها

وعيرها الواشون أني أحبها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

اللغة: غيارها بزنة قيام -هو مصدر بمعنى الغياب تحرق: بالبناء للمجهول: توقد، وتذكى وتشعل. بالشَّكاة: بفتح الشين أراد ما يكون من كلام الواشين من النمائم. عيرها الواشون: نسبوها إلى العار، وهو كل ما يوجب الذم.

الإعراب: هل: حرف استفهام بمعنى النفي. الدهر: مبتدأ: إلا: أداة استثناء ملغاة. ليلة: خبر المبتدأ. ونهارها: الواو عاطفة، نهار: معطوف على ليلة، ونهار: مضاف، والضمير: مضاف إليه. وإلا: الواو عاطفة، وإلا: زائدة للتوكيد: طلوعُ: معطوف على ما قبله، وطلوع: مضاف، والشمس: مضاف إليه. ثم: عاطفة: غيارها: غيار: معطوف على طلوع، وغيار: مضاف، وها: مضاف إليه.

الشاهد: قوله: (وإلا طلوع الشمس)؛ حيث تكررت (إلا) ولم تفد غير مجرد التوكيد، فألغيت، وعطف ما بعدها على ما قبلها.

(1)

التخريج: الرجز بلا نسبة في الدرر 3/ 167، ورصف المباني ص 89، وشرح التصريح 1/ 356، وشرح ابن عقيل ص 311، والكتاب 2/ 341، والمقاصد النحوية 3/ 117، وهمع الهوامع 1/ 227.

ص: 259

فـ (رسيمه): بدل من (عمله)، و (رمله): معطوف على (رسيمه)، والأصل:(ما لك من شيخك إِلَّا عمله رسيمه ورمله).

وابن خروف: أَن (رسيمة)، و (رملة): بدل تفصيل، وهما كل العمل.

وذكر بعضهم: أنه لا يعطف بِـ (لَا) فِي الاستثناء، فَلَا يقال:(قام القوم ليس زيدًا ولَا عمرًا)، ولَا (قام القوم غير زيد ولَا عمرو).

والظاهر: خلافه.

والله الموفق

ص:

321 -

وَإِنْ تُكَرَّرْ لَا لِتَوْكِيدٍ فَمَعْ

تَفْرِيغٍ التَّأْثِيرَ بِالعَامِلِ دَعْ

(1)

322 -

فِي وَاحِدٍ مِمَّا بِإِلَّا اسْتُثْنِي

وَلَيْسَ عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ مُغْنِي

(2)

اللغة: الرسيم والرمل: نوعان من السير.

المعنى: يقول: لا ينفعك من شيخك إلا عمله، والسير بك سيرًا رفيقًا لبلوغ هدفك.

الإعراب: ما: حرف نفي. لك: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف. من شيخك: جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف، وهو مضاف، والكاف في محل جر بالإضافة. إلا: حرف حصر. عمله: مبتدأ مؤخر، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محل جر بالإضافة. إلا: حرف زائد. رسيمه: بدل من عمله مرفوع، وهو مضاف، والهاء ضمير في محل جر بالإضافة. وإلا: الواو حرف عطف، إلا: زائدة. رمله: معطوف على رسيم مرفوع، وهو مضاف، والهاء في محل جر بالإضافة.

الشاهد: قوله: (إلا عمله إلا رسيمه وإلا رمله)؛ حيث كرر (إلا) مرتين: (إلا رسيمه) جاعلا من (رسيمه) بدلًا من عمل، وفي الثانية:(وإلا رمله) جاعلًا من الواو حرف عطف، (ورمل): معطوفة على (رسيم)، و (إلا) في الموضعين: زائدة؛ فقد اجتمع في هذا التعبير النوعان اللذان تزاد فيهما (إلا)، وهما: العطف والبدل.

(1)

وإن: شرطية. تكرر: فعل مضارع مبني للمجهول، فعل الشرط، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هي يعود على إلا. لا: عاطفة: لتوكيد: معطوف على جار ومجرور محذوف، والتقدير: وإن تكرر (إلا) لتأسيس لا لتوكيد. فمع: الفاء لربط الجواب بالشرط، مع: ظرف متعلق بدع الآتي، ومع: مضاف، وتفريغ: مضاف إليه: التأثير: مفعول به لدع مقدم عليه. بالعامل: جار ومجرور متعلق بالتأثير. دع: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت.

(2)

في واحد: جار ومجرور متعلق بدع في البيت السابق. مما: جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لواحد. بإلا: جار ومجرور متعلق باستثني الآتي. استثني: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود على (ما) الموصولة المجرورة

ص: 260

ش:

سبق تكرار (إِلَّا) للتوكيد.

وذكر هنا تكرارها لا لتوكيد، وهذه يقصد بها ما قصد بما قبلها من الاستثناء؛ فهي عمدة كالتي تذكر قبلها؛ لأنَّها إِذا سقطت .. لا يفهم الكلام.

والحاصل: أن (إِلَّا) هذه؛ أعني المكررة لغير التّوكيد:

إما أَن يكونَ الاستثناء معها مفرغًا، أَو لا.

فإِن كَانَ غير مفرغ .. فسيأتي إن شاء الله تعالَى.

وإِن كَانَ مفرغًا .. شُغِلَ العامل بواحد ونصب الباقي؛ نحو: (ما قام إِلَّا زيد إِلَّا عمرًا إِلَّا بكرًا)، و (هل قام إِلَّا زيد، إِلَّا عمرًا، إِلَّا بكرًا) فجعل تأثير العامل فِي (زيد)، وهو الأولَى؛ لأنه متقدم، فرفع علَى الفاعلية، ونصب ما عداه بـ (إلا).

ويجوز: أَن يجعل التّأثير فِي (عمرو) أَو (بكر).

وكل من جُعِل فيه التّأثير .. يُنصَبُ ما سواه كما قال: (وَلَيْسَ عَنْ نَصْبِ سِوَاهُ مُغْنِي).

وإِذا قلت: (ما رأيت إِلَّا زيدًا، إِلَّا عمرًا، إِلَّا بكرًا) .. فتنصب واحدًا بالعامل، وما عداه منصوب بالأول.

الأولَى أَن يجعل تأثير العامل فِي الأول كما سبق.

وقوله: (التَّأْثيرَ): مفعول بـ (دع)؛ أَي: (اجعل أَو صيِّر التّأثير فِي واحد)، وقوله:(لَا لِتَوْكِيدٍ): فِي موضع الحال من الضّمير فِي (تُكَرَّر)؛ والتّقدير: و (إن تكرر غيرَ مؤكِّدة .. فكذا وكذا)، و (مُغْنِي): اسم (ليس)، و (عن): متعلق به، والخبر: محذوف؛ أَي: (ليس عن نصب سواه مُغْن موجودًا فِي كلامهم).

وسبق أنه قَدْ يحذف خبر ليس.

والله الموفق

محلًّا بمِن، والجملة من استثني ونائب فاعله: لا محل لها صلة الموصول. وليس: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى واحد. عن نصب: جار ومجرور متعلق بمغني الآتي، ونصب: مضاف، وسوى من سواه: مضاف إليه، وسوى: مضاف، وضمير الغائب: مضاف إليه. مغني: خبر ليس، ووقف عليه كلغة ربيعة، ويجوز أن يكون (مغني) اسم ليس، وخبرها محذوف، أي وليس مغن عن نصب سواه موجودًا.

ص: 261

ص:

323 -

وَدُونَ تَفْرِيغٍ مَعَ التَّقَدّمِ

نَصْبَ الجَمِيعِ احْكُم بِهِ وَالْتَزمِ

(1)

324 -

وانْصِبْ لِتَأْخِيرٍ وَجِئ بوَاحِدٍ

مِنهَا كَمَا لَو كَانَ دُونَ زَائِدِ

(2)

325 -

كَلَمْ يَفُوا إلَّا امرُؤٌ إلَّا عَلِي

وَحُكْمُهَا فِي القَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ

(3)

ش:

سبق تكرار (إِلَّا) مع التّفريغ.

وذكر هنا: أنه إِذا كررت بدون التّفريغ .. فَلَا يخلو:

إما أَن يكونَ المستثنَى مقدمًا علَى المستثنَى منه، أو لا.

* فإِن كَانَ مقدمًا .. نصبت المستثنيات كلها:

- موجبًا كَانَ الكلام؛ نحو: (جاء إِلَّا زيدًا، إِلَّا عمرًا، إِلَّا بكرًا، القوم).

- أو غير موجب: كالمسبوق بالنّفي وشبهه؛ نحو: (ما جاء إِلَّا زيدًا، إِلَّا عمرًا، إِلَّا

(1)

ودون: ظرف متعلق باحكم، ودون: مضاف. وتفريغ: مضاف إليه. مع التقدم: مثله: نصب: مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، ونصب مضاف، والجميع: مضاف إليه. احكم: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. به: جار ومجرور متعلق باحكم. والتزم: الواو عاطفة، التزم: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت، ومفعوله محذوف؛ أي: التزم ذلك الحكم.

(2)

وانصب: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. لتأخير: جار ومجرور متعلق بانصب. وجئ: الواو عاطفة، جئ: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. بواحد: جار ومجرور متعلق بجئ. منها: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لواحد. كما: الكاف جارة، وما: زائدة. لو: مصدرية، كان: فعل ماض تام، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى واحد. دون: ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل كان، ولو ومدخولها: في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور: متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجملة من المبتدأ والخبر: في محل جر صفة ثانية لواحد، أو في محل نصب حال منه، لأنه تخصص بالوصف.

(3)

كلم: الكاف: جارة لقول محذوف، لم: نافية جازمة. يفوا: فعل مضارع مجزوم بلم، وواو الجماعة فاعله. إلا: أداة استثناء. امرؤ: بدل من واو الجماعة بدل بعض من كل. إلا: حرف دال على الاستثناء. على: مستثنى منصوب، ووقف عليه بالسكون كلغة ربيعة. وحكمها: الواو عاطفة أو للاستئناف، حكم: مبتدأ، وحكم: مضاف، والضمير: مضاف إليه. في القصد: جار ومجرور متعلق بحكم. حكم: خبر المبتدأ، وحكم مضاف. والأول: مضاف إليه.

ص: 262

بكرًا، القوم) و (هل جاء إِلَّا زيدًا، إِلَّا عمرًا، إِلَّا بكرًا القوم).

* وكذا:

- تنصب إِذا أخرت مع الموجب: كـ (جاء القوم إِلَّا زيدًا إِلَّا عمرًا إِلَّا بكرًا).

- وأما غير الموجب: كالمنفى وشبهه .. فالأَولَى أَن يبدل واحد مما قبله، وينصب ما بقي كما سبق أول الباب: أَن الإتباع أولَى، فتقول:(ما جاء أحد إِلَّا زيدًا، إِلَّا عمرًا، إِلَّا بكرًا)، فيرفع (زيد) بدلًا ممَّا قبله، وينصب ما عداه وإِن شئت أقمت غير (زيد) بدلًا.

ويجوز نصب الجميع على الإستثناء.

لكن المختار: إِبدال واحد ممَّا قبله كما لو كَانَ الواحد مذكورًا من غير زائد عليه؛

كما قال: (وَجِئ بِوَاحِدِ مِنْهَا كَمَا لَوْ كَانَ دُوْنَ زَائِدِ).

ومثَّل بقوله: (لَمْ يَفُوا إِلَّا امْرُؤٌ إلَّا عَلِى)، فقوله:(يفوا): مضارع مجزوم بحذف النّون، و (امرؤ): بدل من الواو، فرفع ونصب ما عداه، ولولا النّظم .. لقال:(عليًّا).

وظاهر كلامه: أنه لا يجوز رفع الجميع علَى البدل.

ونقل الجواز عن الآمدي.

وقوله: (وَحُكْمُهَا فِي الْقَصْدِ حُكْمُ الأَوَّلِ): يشير به إِلَى أَن ما زاد علَى المستثنَى الأول من المستثنيات .. حكمه حكم الأول فِي الإِدخال والإِخراج؛ فنحو: (ما قام أحد إِلَّا زيد، إِلَّا عمرًا، إِلَّا بكرًا) الثّلاثة داخلون.

و (جاء القوم إِلَّا زيدًا إِلَّا عمرًا إِلَّا بكرًا، إِلَّا خالدًا) الأربعة مخرجون.

تنبيه:

إِذا قلت: (قام القوم إِلَّا عمرًا إِلَّا بكرًا، إِلَّا خالدًا):

فـ (زيد): مخرَج من القوم كلهم.

و (عمرو): مخرَج ممَّا بقي بعد إِخراج زيد.

و (بكر): مخرَج مما بقي بعد إِخراج زيد وعمرو.

و (خالد): مخرَج مما بقي بعد إخراج الثّلاثة، هذا مذهب البصريين.

وقيل: الكل مخرجون من الأصل.

وهذا النّوع لا يمكن فيه استثناء بعضه من بعض.

فإِن أمكن استثناء بعضه من بعض؛ نحو: (لهُ عليَّ عشرة إِلَّا أربعة إِلَّا اثنين إِلَّا واحدًا):

ص: 263

• فمذهب الصّيمري: أنه كما تقدم، فيكون المقر به: ثلاثة؛ لأنَّ كلا من الأربعة والاثنين والواحد، قَدْ خرج من الأصل.

• والبصريون والكسائي: أَن كل واحد مستثنَى ممَّا قبله، فلما خرجت الأربعة من الأصل .. تأخر ستة، ولما خرج الاثنان من الأربعة .. جبرت السّتة باثنين فصارت ثمانية، ولما خرج الواحد من الاثنين .. خرج من ثمانية فالمقر به: سبعة.

• والمذهب الثّالث: احتمال الثّلاثة والسّبعة.

ويجوز استثناء النّصف؛ نحو: (لهُ علَيَّ عشرة إِلَّا خمسة)، خلافًا لبعض البصريين.

وقال ابن عصفور: فِي "المقرَّب": والمخرج لا يكون إِلَّا النّصف فما دونه.

وأَجازَ الكوفيون: استثناء أكثر من النّصف؛ نحو: (لهُ علَيَّ عشرة إِلَّا سبعة).

وقال أبو الفتح ابن جني: لو قال: (لهُ علَيَّ عشرة إِلَّا تسعة) لم يكن متكلمًا بالعربية.

وإذا توسط المستثنَى .. فالأولَى أَن يكونَ مستثنَى ممَّا قبله؛ كقولِهِ تعالي: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ} فـ (قليلًا): مستثنَى من اللّيل علَي الأصل.

وإن لم يتوسط .. فالأولَى أَن يكونَ الاستثناء من الثّاني؛ نحو: (استبدلت من أصحابنا أصحابكم إِلَّا زيدًا) نص عليه المصنف.

وقال الزّجاج: إن (قليلًا): استثناء من (نصفه).

والله الموفق

ص:

366 -

وَاسْتَثْنِ مَجْرُورًا بِغَيْرٍ مُعْرَبَا

بِمَا لِمُسْتَثْنًى بِإِلَّا نُسِبَا

(1)

(1)

استثن: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. مجرورا: مفعول به لاستثن. بغيرٍ: جار ومجرور متعلق باستثن. معربا: حال من غير. بما: جار ومجرور متعلق بمعرب. لمستثنى: جار ومجرور متعلق بنسب الآتي. بإلا: جار ومجرور متعلق بمستثنى. نسبا: نسب: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى ما الموصولة، والجملة: لا محل لها صلة ما المجرورة محلًّا بالباء، وتقدير البيت: استثن بلفظ غير اسمًا مجرورًا بإضافة غير إليه حال كون لفظ غير معربًا بالإعراب الذي نسب للمستثنى بإلا.

ص: 264

ش:

الأصل فِي (غير) أَن يوصف بها، منه فِي القرآن:{فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} ، ونحو قول الشّاعر:

عُلِّقْتُهَا عَرَضًا وَعُلِّقَتْ رَجُلا

غَيرِي وعُلِّقَ أُخْرَى ذَلِكَ الرَّجُلُ

(1)

دخله الخبن

(2)

، فوصف بها النّكرة قبلها، وسيأتي فِي أول الإِضافة مفصلًا.

(1)

التخريج: البيت من البسيط، وهو من لامية الأعشى والتي تعد من المعلقات عند من يزيدها على السبع، ومطلعها قوله:

ودِّعْ هريرةَ، إن الركب مرتحلُ

وهل تطيق وداعا أيها الرَّجُلُ؟

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 286، والعيني: 2/ 504، وديوان الأعشى:43.

اللغة: عُلِّقتُها: أحببتها وتعلقتُ بها. عرضا: أي من غير قصد وتعمد، وقال ابن السكيت في قوله: علقتها عرضًا: أي كانت عرضًا من الأعراض اعترضني من غير أن أطلبه.

المعنى: حبب اللهُ إلي هريرة، وعُلِّقتُ بها حين اعترضني من غير قصد ولا تعمد مني لرؤيتها، وحببها في رجل غيري، وحبب إلى ذلك الرجل امرأة أخرى؛ فكل تعلق قلبه بشخص لم يعبأ به، ولم يلتفت إليه، وهو مثل قول الآخر:

جُنِنَّا بليلى، وهيَ جُنَّت بغيرنا

وأُخرى بنا مجنونةٌ لا نريدها

الإعراب: علقتها: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء: نائب فاعل، وهو المفعول الأول، وها: مفعول به ثانٍ. عرضًا: مفعول مطلق؛ لبيان نوع العامل. وعلقت: الواو عاطفة. علقت: فعل ماضٍ مبني للمجهول، والتاء للتأنيث؛ ونائب الفاعل: ضمير مستتر جوازًا، تقديره: هي، يعود إلى هريرة، وهو المفعول الأول. رجلا: مفعول به ثان. غيري: صفة لـ (رجلا)، ومضاف إليه. وعلق: الواو عاطفة، علق: فعل ماضٍ مبني للمجهول، أخرى: مفعول به مقدم. ذلك: ذا اسم إشارة في محل رفع نائب فاعل، وهو المفعول الأول، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب. الرجل: بدل من اسم الإشارة.

الشاهد: (رجلًا غيري)؛ حيث وصف بـ (غير) النكرة.

(2)

الخبن: حذف الثاني الساكن في (مستفعلن) فتصبح (مُتَفعلن)، كالتالي:

عُلِّقْتُهَا - عَرَضًا - وَعُلِّقَتْ - رَجُلا

عُللقتها - عرضن - وعللقت - رجلن

مستفعلن - فعلن - متفعلن - فعلن

ص: 265

وقد استعملت بمعنَى (إلَّا) فِي الدّلالة علَى الاستثناء وهى اسم، والمستثنَى بها مجرور؛ لأَنَّها مضافة لهُ وهي معربة بما يعرب به الاسم الواقع بعد (إِلَّا)، فتنصب فِي:(قام القوم غيرَ زيد)؛ لأنه موجب.

كما تقول: (قام القوم إِلَّا زيدًا).

ويختار الرّفع في: (ما قام غيرُ زيد)، كما في:(ما قام إِلَّا زيدًا).

وأَجازَ الفراء: بناءها علَى الفتح في: (ما قام غيرُك) أَو (غير زيد) وسبق ذكره.

ويجب نصبها: فِي المنقطع عند الحجازيين؛ نحو: (ما قام القوم غيرَ حمار).

ويجوز إتباعها عند تميم كما سبق.

فمعنَى البيت: استثنِ بـ (غير) اسمًا مجرورًا حالة كون (غير) معربًا بالإِعراب الّذي نسب للمستثنَى بـ (إلا).

• وتستعمل بيد فِي الاستثناء المنقطع وهي بمعنَى (غير)، قاله: فِي "الصّحاح" يقال: (إنه كثير المال، بيد أنه بخيل).

وتكون بمعنَى (من أجل).

ويقال: (ميد) بإِبدال الياء ميمًا.

وفي "القاموس": أنها تكون بمعنَى (علَى).

تنبيه:

يجوز فِي المعطوف علَى مجرور (غير) .. أَن يجري مجرَى المستثنَى بـ (إلا).

فيجوز نصب (عمرو) في: (ما قام القوم غير زيدٍ وعَمرًا)، كما تقول:(قام القوم إِلَّا عَمرًا).

ويجوز رفعه في: (ما قام أحد غير زيد وعمرٌو)، كما تقول:(ما قام أحد إِلَّا عمرو) ذكره الشّيخ رحمه الله فِي "الكافية".

وقال الشلوبين: الرّفع هنا من باب عطف التّوهم.

وقال غيره: الكلام محمول علَى المعنَى؛ فمعنَى: (ما قام أحد غيرُ زيد وعمرو)، برفع (عمرو)، (ما قام إِلَّا زيد وعمرو).

والله الموفق

ص: 266

ص:

327 -

وَلِسِوًى سُوًى سَوَاءٍ اجْعَلَا

عَلَى الأَصَحِّ مَا لِغَيْرٍ جُعِلَا

(1)

ش:

سيبويه والخليل والفراء وأكثر البصريين رحمهم الله: إن (سَواء): ظرف لا يتصرف، فهي منصوبة علَى الظّرفية أبدًا، وفيها إِشعار بالاستثناء، ولَا تخرج عن الظّرفية إِلَّا فِي الشِّعر.

وقال البعلي تلميذ المصنف: والحكم عليها بالظّرفية مشكل؛ لأَنَّها ليست دالة علَى الزّمان والمكان، ولَا استفيد كونها ظرفًا إِلَّا من وقوعها صلة فِي قولهم:(رأيت الّذي سِواك)، كما تقول:(رأيت الّذي عندك)، وهذا لا يدل علَى أنها ظرف لا يتصرف.

والزّجاج والمصنف ومن تبعهما: أنها مثل (غير) فِي الاستثناء، فتعرب كإِعرابها المتقدم ذكره.

وأنها تتصرف، فتستعمل مبتدأ ونحو ذلك كما سيذكر.

وفيها لغات:

كسر السّين.

وضمها مع القصر، فتقدر الحركات.

وفتح السّين وكسرها مع المد فتظهر.

فمعنَى البيت: اجعل لـ (سوا وما بعدها ما جعل لغير من كونها اسمًا معربًا والمستثنَى بها مخفوض لا غير)؛ كـ (قام القوم سِوَى زيد).

ومن تصرفها: مجيئتها مبتدأ فِي قوله:

. . . . . . . . . . . . .

فَسِوَاكَ بَائِعُهَا وَأَنْتَ المُشْتَرِي

(2)

(1)

ولسوى: جار ومجرور متعلق باجعل على أنه مفعول ثان له. سُوى، سَواء: معطوفان على سِوى بعاطف مقدر في كل منهما. اجعلا: اجعل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت، والألف منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة. على الأصح: جار ومجرور متعلق بجعل. ما: اسم موصول: مفعول أول لاجعل. لغير: جار ومجرور متعلق بجُعل الآتي على أنه المفعول الثاني. جُعلا: جعل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه، وهو المفعول الأول، والجملة لا محل لها من الإعراب صلة، والألف للإطلاق.

(2)

التخريج: عجز بيت من الكامل، وصدره: وَإِذا تُباعُ كَريمَةٌ أَو تُشتَرى

ص: 267

وفاعلا فِى قوله:

وَلَمْ يَبْقَ سِوَى العُدْوَا

نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

(1)

وهو لمحمد بن عبد الله المدني، يخاطب يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب، وقد روى أبو تمام في الحماسة عدة أبيات من هذه الكلمة، أولها بيت الشاهد، وبعده قوله:

وَإِذَا تَوَعَّرت المَسَالِك لَمْ يَكُن

مِنْها السَّبيل إلى نِدَاك بِأَوْعَرِ

اللغة: تباع: أراد بالبيع ههنا الزهد في الشيء والانصراف عنه، وذهاب الرغبة في تحصيله، كما أراد بالشراء: الحرص على الشيء والكلف به وشدة الرغبة في الحصول عليه، و (أو) ههنا: بمعنى الواو. كريمة: أي خصلة كريمة، أي نفيسة حسنة يتسابق الكرام إليها.

المعنى: إذا رغب قوم في تحصيل المكارم وتأثيل المجد وانصرف آخرون عن ذلك .. فأنت الراغب في المجد المحصل للمكارم، وغيرك المنصرف عنه الزاهد فيه.

الإعراب: إذا: ظرف تضمن معنى الشرط. تُباع: فعل مضارع مبني للمجهول. كريمة: نائب فاعل تباع، والجملة من تباع ونائب فاعله: في محل جر بإضافة إذا إليها. أو: عاطفة. تشترى: فعل مضارع مبني للمجهول معطوف على تباع، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هي، يعود إلي كريمة. فسواك: الفاء لربط الجواب بالشرط، سوى: مبتدأ، وسوى: مضاف، والكاف: مضاف إليه. بائعها: بائع: خبر المبتدأ، وبائع مضاف، وها: مضاف إليه، وجملة المبتدأ وخبره: لا محل لها من الإعراب، جواب إذا. وأنت: مبتدأ. المشتري: خبر المبتدأ، والجملة معطوفة على الجملة السابقة.

الشاهد: قوله: (فسواك)؛ فإن (سوى) قد خرجت عن الظرفية، ووقعت مبتدأ متأثرًا بالعامل، وهذا العامل معنوي، وهو الابتداء، وهو يرد على ما ذهب إليه سيبويه والجمهور من أن (سوى) لا تخرج عن النصب على الظرفية.

(1)

التخريج: البيت للفِند الزِّماني شهل بن شيبان في أمالي القالي 1/ 260، وحماسة البحتري ص 6، وخزانة الأدب 3/ 431، والدرر 3/ 92، وسمط اللآلي ص 940، وشرح التصريح 1/ 362، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 35، وشرح شواهد المغني 2/ 945، والمقاصد النحوية 3/ 122، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص 316، وهمع الهوامع 1/ 202.

اللغة: العدوان: الظلم. دناهم: جازيناهم.

الإعراب: ولم: الواو بحسب ما قبلها، ولم: حرف جزم. يبق: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة. سوى: فاعل مرفوع بالضمة المقدرة، وهو مضاف. العدوان: مضاف إليه مجرور. دناهم: فعل ماض، ونا: ضمير متصل في محل رفع فاعل، وهم: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. كما: الكاف اسم بمعنى مثل مبني على الفتح في محل نصب مفعول مطلق نائب عن المصدر، وهو مضاف، وما: مصدرية. دانوا: فعل ماض، والواو ضمير في محل رفع فاعل، والألف فارقة. والمصدر المؤول من (ما) وما بعدها: في محل جر بالإضافة.

ص: 268

وهي بمعنَى (عدل) فِي قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} .

وبمعنَى (وسط) قال تعالى: {فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} ؛ أَي: (فِي وسط الجحيم)، فعرت هنا عن الاستثناء.

والله الموفق

ص:

328 -

وَاسْتَثْنِ نَاصِبًا بِلَيْسَ وَخَلَا

وَبِعَدَا وَبِيَكُونُ بَعْدَ لَا

(1)

329 -

وَاجْرُرْ بِسَابِقَيْ يَكُونُ إِنْ تُرِدْ

وَبَعْدَ مَا انْصِبْ وَانْجِرَارٌ قَدْ يَرِدْ

(2)

330 -

وَحَيْثُ جَرَّا فَهُمَا حَرْفَانِ

كَمَا هُمَا إِنْ نَصَبَا فِعْلَانِ

(3)

وجملة (لم يبق): بحسب ما قبلها. وجملة (دناهم): لا محل لها من الإعراب لأنها جواب لما المذكورة في بيت سابق.

الشاهد: قوله: (ولم يبق سوى العدوان) حيث وقعت (سوى) فاعلًا لـ (يبق)، وهذا جائز عند الكوفيين، أما عند البصريين .. فيقع شاذًّا إلا في الشعر.

(1)

واستثن: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. ناصبا: حال من الفاعل المستتر في استثن. بليس: جار ومجرور متعلق باستثن. وخلا: معطوف على ليس. وبعدا، وبيكون: جاران ومجروران معطوفان على بليس. بعد: ظرف متعلق بمحذوف حال من يكون، وبعد: مضاف، ولا: قصد لفظه: مضاف إليه.

(2)

واجرر: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. بسابقَى: جار ومجرور متعلق باجرر، وسابقَي: مضاف. ويكون: قصد لفظه: مضاف إليه. إن: شرطية. ترد: فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بإن، وعلامة جزمه السكون، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن ترد فاجرر إلخ. وبعد: الواو عاطفة، بعد: ظرف متعلق بانصب الآتي، وبعد مضاف. وما: قصد لفظه: مضاف إليه. انصب: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. وانجرار: مبتدأ. قد: حرف تقليل. يرد: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، يعود إلى انجرار، والجملة من يرد وفاعله: في محل رفع خبر المبتدأ.

(3)

وحيث: اسم شرط عند الفراء الذي لا يشترط في المجازاة به اقترانه بما، وعند غيره: هو ظرف يتعلق بقوله: (حرفان) الآتي، لأنه في قوة المشتق. جرا: فعل ماض، وهو فعل الشرط على القول الأول، وألف الاثنين فاعل. فهما حرفان: الفاء لربط الجواب بالشرط، وهي زائدة على

ص: 269

ش:

من أدوات الاستثناء: (ليس)، و (خلا)، و (عدا) و (لَا يكون).

• فالمستثنَى بـ (ليس)، و (لَا يكون) .. يجب نصبه كـ (قام القوم ليس زيدًا)، و (قام القوم لا يكون عمرًا).

فـ (زيدًا): خبر (ليس)، و (عَمرًا) خبر (لا يكون)، والاسم محذوف وجوبًا، وهو لفظة (بعض) مضافًا للضّمير المستثنَى منه؛ أَي:(ليس بعضهم زيدًا)، و (لَا يكون بعضهم عمرًا) ذكره فِي "التّسهيل".

وقيل: إنه ضمير عائد علَى اسم الفاعل المستفاد من الفعل السّابق، فـ (قام القوم ليس زيدًا)؛ تقديرُهُ:(ليس هو زيدًا)؛ أَي: ليس القائم زيدًا.

ولَا يستعمل هنا من لفظ الكون، إِلَّا (يكون) فقط مسبوقًا بِـ (لَا) النّافية، كما قال:(وَبِيَكُونُ بَعْدَ لا) فهو بلفظ واحد مطلقًا؛ كـ (قام القوم لا يكون هند ولَا يكون الزّيدين)؛ لأنه نائب عن (إِلّا)، وهي لا يختلف لفظها.

وإِذا قلت: (قام القوم إِلَّا أَن يكونَ زيد) .. فالاستثناء بـ (إلا)، و (أن يكون): فِي موضع نصب وهو المستثنَى، وكأنك قلت:(قام القوم إِلَّا كون زيد).

ويجوز رفع (زيد) علَى أَن (كَانَ) تامة.

ونصبه علَى أنها (ناقصة).

وقرئ بالوجهين قوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} .

• وأما (خلا)، و (عدا) .. فمعناهما: المجاوزة.

ويجوز نصب المستثنَى بهما؛ كـ (قام القوم خلا زيدًا)، و (مررت بالقوم عدا عمرًا) علَى المفعولية.

ويجوز الجر كما قال: (وَاجْرُرْ بِسَابِقَىْ يَكُوْنُ إِنْ تُرِدْ)، كـ (قام القوم خلا زيدٍ).

فإِن نَصبا .. ففعلان، وإِن جَرَّا .. فحرفان كما قال المصنف رحمه الله.

القول الثاني، وما بعدها جملة من مبتدأ وخبر في محل جزم جواب الشرط. كما: جار ومجرور متعلق بقوله: (فعلان) الآتي، لأنه في قوة المشتق. هما: ضمير منفصل مبتدأ. إن: شرطية. نصبا: فعل ماض، فعل الشرط، وألف الاثنين: فاعل، وجواب الشرط محذوف، وجملة الشرط وجوابه: لا محل لها معترضة بين المبتدأ وخبره. فعلان: خبر المبتدأ.

ص: 270

وَلَم يحفظ سيبويه رحمه الله فيهما سوى النَّصب.

وحكَى الأخفش: الجر.

وإِذا كَانَا فعلين .. ففاعلهما ضمير مستتر علَى ما سبق فِي (ليس) و (لَا يكون)، ومن الجر قولُهُ:

خَلَا اللهِ لَا أَرْجُو سِوَاكَ وَإِنَّمَا

أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا

(1)

وقوله:

أَبَحْنَا حَيَّهُمْ قَتْلًا وَأَسْرًا

عَدَا الشَّمْطَاءِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ

(2)

(1)

التخريج: البيت للأعشى في خزانة الأدب 3/ 314، وبلا نسبة في جواهر الأدب ص 182، وحاشية يس 1/ 355، والدرر 4/ 164، وشرح التصريح 1/ 363، ولسان العرب 14/ 242 خلا، والمقاصد النحوية 3/ 137، وهمع الهوامع 1/ 226، 232.

اللغة: أعد: أحسب. عيالي: أهل بيتي. شعبة: طائفة.

المعنى: يقول: إنني لا أؤمل الخير من سواك بعد الله، لأنك لا تدخر وسعًا في التفضل والإحسان إلي وإلى عيالي الذين أعتبرهم شعبة من عيالك.

الإعراب: خلا: حرف جر. الله: اسم الجلالة مجرور، والجار والمجرور متعلقان بأرجو. لا: حرف نفي. أرجو: فعل مضارع مرفوع، وفاعله: ضمير مستتر تقديره: أنا. سواك: مفعول به، وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. وإنما: الواو استئنافية، إنما: حرف حصر. أعد: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنا. عيالي: مفعول به، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. شعبة: مفعول به ثان. من عيالكا: جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت لشعبة، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محل جر بالإضافة، والألف للإطلاق.

وجملة (أرجو) ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (أعد) استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد قوله: (خلا اللهِ)؛ حيث وقعت (خلا) حرف جر.

(2)

التخريج: البيت بلا نسبة في الدرر 3/ 178، وشرح التصريح 1/ 363، وشرح ابن عقيل ص 318، والمقاصد النحوية 3/ 132، وهمع الهوامع 1/ 232. وقبله:

تَرَكنا فِي الحَضِيضِ بَنَات عوج

عَوَاكِف قَدْ خَضَعْنَ إلى النُّسُورِ

شرح المفردات: أبحنا الحي: جعلناه مباحًا للعبث به. الشمطاء: المرأة التي خالط البياضُ السوادَ في شعرها.

المعنى: يقول إنهم دخلوا حي أعدائهم وعبثوا فيه قتلًا وأَسرًا، ولم يسلم إلا العجزة والأطفال.

الإعراب: أبحنا: فعل ماض، ونا: ضمير في محل رفع فاعل. حيهم: مفعول به منصوب وهو

ص: 271

و (الشمطاء): العجوز.

قال ابن إياز فِي "شرح فصول ابن معط": وإِذا جرا .. تعلقا بالفعل قبلهما.

واختلف فِي الجملة من نحو: (خلا زيدًا)، و (عدا عمرًا):

فالّذي صححه ابن عصفور: أنه لا محل لها.

وقيل: نصب علَى الحال.

ومتَى قرنا بما .. وجب النّصب بهما؛ لأنَّ (ما) حينئذ مصدرية، والمشهور فيها أَن توصل بالفعل.

وإِذا كَانَا فعلين .. نصبا، كما قال:(وَبَعْدَ مَا انْصِبْ)؛ نحو: (قام القوم ما خلا زيدًا)، و (مررت بهم ما عدا عمرًا).

ومنه:

أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ

. . . . . . . . . . . . .

(1)

وموضع (ما) والفعل: نصب علَى الظّرفية؛ أي: (قاموا مدة مجاورتهم زيدًا) ذكر ذلك بعضهم.

وقيل: علَى الحال كما سبق آنفًا؛ أَي: (قاموا مجاوزًا غيرُ زيدٍ منهم زيدًا).

وابن بابشاذ: يحتمل أَن تكونَ (ما): زائدة، وجملة (خلا الله): صفة لشيء .. فَلَا استثناء.

وقد يجر بهما علَى أَن (ما) زائدة، وهما حرفا جر؛ كـ (قام القوم ما خلا زيد)، وإِليه أشار بقوله:(وَانْجِرَارٌ قدْ يَرِدْ)، وهو مذهب الكسائي، والفارسي، وعلي بن عيسَى الرّبعي تلميذه.

مضاف، وهم: ضمير في محل جر بالإضافة. قتلًا: تمييز منصوب. وأسرًا: الواو حرف عطف. أسرًا: معطوف على قتلًا منصوب. عدا: حرف جر. الشمطاء: اسم مجرور بالكسرة. والطفل: الواو حرف عطف، الطفل: معطوف على الشمطاء مجرور. الصغير: نعت الطفل مجرور.

الشاهد قوله: (عدا الشمطاء)؛ حيث جر الاسم الواقع بعد (عدا) على أنه حرف جر.

(1)

تقدم إعرابه وشرحه.

والشاهد فيه هنا: أنه نصب بـ (خلا) الاسم الواقع بعدها.

ص: 272

وضُعِّف بأن (ما) لا تزاد قبل حرف الجر .. بَلْ بعده؛ كما فِي: {عَمَّا قَلِيلٍ} .

ومتَى كانا فعلين. لزمت نون الوقاية مع الياء؛ نحو: (قام القوم خلاني وعداني).

وقول الشّيخ: (بعد لا): حال من (يكون) فقط، و (انجرار): مبتدأ.

والمسوغ: كونه فِي معرض التّقسيم.

والله الموفق

ص:

331 -

وَكَخَلَا حَاشَا وَلَا تَصْحَبُ مَا

وَقِيلَ حَاشَ وَحَشَا فَاحْفَظْهُمَا

(1)

ش:

المشهور من مذهب سيبويه: أن (حاشا) حرف جر، ولذلك لم تقترن بنون الوقاية فِي قولهم:(قام القوم حشاني).

والأخفش، والمبرد، والمصنف رحمهم الله: إنها تستعمل فعلًا وحرفًا علَى ما سبق فِي (خلا) و (عدا).

وحكى ابن إياز: أنها عند الكوفيين فعل أبدًا.

ومن النّصب بها: قول بعض العرب: (اللَّهم اغفر لي ولمن يسمع حاشا الشّيطانَ وأبا الإصبع)، وقول الشّاعر:

حَاشَا قُريْشًا فَإنَّ اللهَ فَضَّلَهُمْ

عَلى البَرِيَّةِ بِالإِسْلامِ والدِّينِ

(2)

(1)

كخلا: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. حاشا: قصد لفظه: مبتدأ مؤخر. ولا: نافية. تصحب: فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هي، يعود إلى حاشا. ما: قصد لفظه: مفعول به لتصحب. وقيل: فعل ماض مبني للمجهول. حاش: قصد لفظه: نائب فاعل قيل. وحشا: معطوف عليه. فاحفظهما: احفظ: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت، وهما: مفعول به لاحفظ.

(2)

التخريج: البيت للفرزدق في ديوانه 1/ 215، والدرر 3/ 175، وبلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 137، وهمع الهوامع 1/ 232. والرواية في الديوان:

إلا قريشا فإن الله فضلها

مع النبوة بالإسلام والخير

اللغة: البرية: الناس.

المعنى: يحاشي الشاعر قريشًا، ويؤكد أن الله فضلهم على غيرهم من الناس بالإسلام والدين.

ص: 273

ولا تقترن بـ (ما)، كما قال:(ولَا تصحبُ مَا)، ورُبَّما صحبتها؛ كقوله:

رَأَيْتُ النَّاسَ مَا حَاشَا قُرَيْشًا

. . . . . . . . . . . . .

(1)

وأجازه بعضهم: مستدلًّا به.

و (حاشَى) و (حشا) لغة فيها، قال الشّاعر:

حَشَى رَهْطَ النَّبِيِّ فَإِنَّ مِنْهُم

بُحُورًا لَا تُكَدِّرُهَا الدِّلَاءُ

(2)

الإعراب: حاشا: فعل ماض، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا على خلاف الأصل تقديره: هو. قريشًا: مفعول به. فإن: الفاء: الفاء حرف استئناف، إن: حرف مشبه بالفعل. اللهَ: لفظ الجلالة، اسم إن منصوب. فضّلَهم: فعل ماض، وهم: ضمير متصل في محل نصب مفعول به، وفاعله: ضمير مستتر تقديره: هو. على البرية: جار ومجرور متعلقان بفضل. بالإسلام: جار ومجرور متعلقان بفضل. والدين: الواو حرف عطف، الدين: معطوف على الإسلام مجرور.

وجملة (حاشا قريشًا): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (إن الله): استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة (فضلهم): في محل رفع خبر إن.

الشاهد: قوله: (حاشا قريشًا)؛ حيث استعمل حاشا فعلًا، فنصب مفعولًا به (قريشًا).

(1)

التخريج: صدر بيت من الوافر، وعجزه: فَإِنَّا نَحْنُ أَكْثَرُهُمْ فَعَالا

وهو للأخطل في خزانة الأدب 3/ 387، والدرر 3/ 180، وشرح التصريح 1/ 365، وشرح شواهد المغني 1/ 368، والمقاصد النحوية 3/ 136، وبلا نسبة في الجنى الداني ص 565، ومغني اللبيب 1/ 121، وهمع الهوامع 1/ 233.

الإعراب: رأيت: فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. الناس: مفعول به منصوب. ما: مصدرية. حاشا: فعل ماض، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا على خلاف الأصل تقديره: هو. والمصدر المؤول من (ما) وما بعدها في محل نصب حال. قريشًا: مفعول به منصوب. فإنا: الفاء حرف تعليل أو زائدة، إن: حرف مشبه بالفعل، ونا: ضمير متصل في محل نصب اسم إن. نحن: ضمير منفصل، توكيد للضمير نا. أفضلُهم: خبر إن مرفوع، وهو مضاف، وهم: ضمير في محل جر بالإضافة. فعالا: تمييز منصوب.

وجملة (رأيت): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (حاشا قريشًا): صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة (إنا نحن أفضلهم): تعليلية لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تكون في محل نصب مفعول به ثان لرأى باعتبار الفاء زائدة.

الشاهد: قوله: (ما حاشا قريشًا)؛ حيث دخلت ما المصدرية على حاشا وهذا قليل.

(2)

التخريج: البيت من الوافر، وهو في توضيح المقاصد 2/ 690، والإنصاف 1/ 228، وتمهيد القواعد 5/ 2210، وهو في جميع المراجع غير منسوب لقائل.

اللغة: رهط الرجل: أهله، والدلاء: جمع دلو.

ص: 274

وأَجازَ الكسائي: دخول (إِلَّا) علَى (حاشا) إِذا جرت، كـ (قام القوم إِلَّا حاشا زيدٍ) فقواها بـ (إلا) لوقوعها فِي غير الاستثناء.

وحكى أيضًا الأخفش: (إِلَّا خلا زيدٍ) علَى جهة التّأكيد.

وأما حاشا الّتي للتبرئة:

فالمبرد والمصنف: أنها فعل، وهذه تصحبها اللّام كثيرًا؛ نحو:{حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} .

وقرأ ابن مسعود: (حاشا اللهِ) بالإِضافة مثل {مَعَاذَ اللهِ} .

وقرأ أبو السّماك: (حاشًا) بالتّنوين؛ أَي: (تنزيهًا لله).

وقيل: هي اسم فعل بمعنَى (تبرَّأَ) و (تبرَّأت).

وَرُدَّ: بإِعرابها فِي بعض اللّغات.

وَلَم تقع فِي القرآن (حاشا) الاستثنائية.

والله الموفق

* * *

الشاهد: قوله: (حشى رهط النبي)؛ حيث استعمل (حاشا) محذوفة الألف للاستثناء، وهو لغة فيها.

ص: 275

الحال

ص:

332 -

الحَالُ وَصْفٌ فَضْلَةٌ مُنْتَصِبٌ

مُفْهِمُ فِي حَالٍ كَفَرْدًا أَذْهَبُ

(1)

ش:

الحال:

لغة: الوقت الّذي أنت فيه، والخط فِي متن القوس والطّين والرّماد.

واصطلاحًا: هو الوصف الدّال علَى هيئة، وصاحبها غير تابع، ولَا عمدة.

والدّلالة علَى الهيئة مفهومة من قوله: (مُفْهِمُ فِي حَالٍ) كذا؛ كما تقول: (جاء زيد راكبًا)؛ التقدير: (فِي حال ركوبه).

والحال: (تذكر)، و (تؤنث)، وحقها النّصب.

والمراد بالوصف: أَن الحال وصف لصاحبها فِي المعنَى.

وقوله: (وصفٌ) لا يحسن جملة، علَى أَن المراد به:(اسم الفاعل) ونحوه؛ لأنَّ الحال يكون غير ذلك فَلَا يكون الحد جامعًا؛ فما دل علَى هيئة .. يشمل غير الحال:

كالمصدر فِي نحو: (رجعت القهقرى).

والنّعت فِي نحو: (جاء رجل راكبٌ)، و (مررت برجل راكبٍ)، و (رأيت رجلًا راكبًا).

والخبر: كـ (زيد مُحتَبِي).

لكن قولنا: (وصاحبها) .. أحرج؛ نحو: (القهقرى)؛ لأنَّ المعنَى (رجعت الرّجوع القهقرى)، فـ (القهقرى): هيئة، ولكنها صفة للرجوع لا للراجع.

• وقولنا غير تابع: يخرج النّعوت المذكورة.

• وقولنا: ولَا عمدة: مخرج للخبر.

(1)

الحال: مبتدأ. وصف: خبره. فضلة، منتصب، مفهم: نعوت لوصف. في حال: جار ومجرور متعلق بمفهم. كفردا: الكاف جارة لقول محذوف كما سبق غير مرة، فردًا: حال من فاعل أذهب الآتي. أذهب: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا.

ص: 276

فكل من النّعوت المذكورة، والخبر المذكورة، وإن كَانَ دالًّا علَى هيئة ومتضمنًا معنَى (فِي) بطريق اللّزوم .. ليس حالًا، وإِنما هو تابع لما قبله فِي إِعرابه الحاصل أَو المتجدد؛ ولأَنَّ النّعت لم يقصد به الدّلالة علَى الهيئة، ولَا بد، وإِنما قصد به تخصيص المنعوت وتقييده به.

وكذا الخبر إِذا لم يقصد به إِلَّا الإخبار بأن (زيدًا) صدر منه احتباء أَو قيام ونحوه.

• وخرج أيضًا ما دل علَى هيئة وصاحبها وليس علَى معنَى (فِي)؛ نحو: (بنيت صومعةً).

• وكالتمييز؛ نحو: (لله دره فارسًا)؛ فإِنه علَى معنَى (مِن)؛ أَي: (من فارس)؛ ولأَنَّ المقصود هنا: التّعجب، لا الدلالة علَى هيئة الفارس كما هو من شرط الحال؛ نحو:(جاء زيد راكبًا)؛ التّقدير: (فِي حال ركوبه) كما سبق.

وهذه تسمّى الحال المؤسسة والمقصودة؛ لأَنَّها أفادت معنَى مستقلًّا، وأسسته بنفسها، فلم تذكر توطئة لشيء كما فِي الحال الموطئة، وسيأتي.

وحق الحال: النّصب؛ لأنه فضلة، والنّصب للفضلات.

وقيل: انتصب لشبهها بالظّرف فإنها علَى تقدير (فِي)، وقد تجر بـ (باءٍ) زائدة بعد النّفي، وجعل منه قوله تعالى:{أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} أَي: (جاهلين).

وكقول الشّاعر:

فما رَجَعَتْ بِخائِبةٍ رِكابٌ

. . . . . . . . . . . . .

(1)

أَي: (فما رجعت خائبة) كما سبق.

و (فردًا): حال من الضّمير فِي (أذهبُ).

(1)

التخريج: صدر بيت من بحر الوافر، وعجزه: حكيم بن المسيب منتهاها

وهو في شرح التسهيل (1/ 385)، وفي التذييل والتكميل (4/ 313)، وفي معجم الشواهد (ص 416).

منسوب للقحيف العقيلي، شاعر إسلامي توفي سنة (130 هـ).

اللغة: بخائبة: أي محرومة من طلبها، ركابٌ: الإبلُ التي يسار عليها، الواحدة راحلة. وللمسيّب: بفتح السين وتشديد الياء.

المعنى: أن كل من يقصد حكيم بن المسيب لا يخيب.

الشاهد: قوله: (فما رجعت بخائبة ركاب)؛ حيث زيدت الباء في الحال التي عاملها منفي.

ص: 277

وفيه إشعار بجواز تقديم الحال، وسيأتي.

والله الموفق

ص:

333 -

وَكَوْنُهُ مُنْتَقِلًا مُشْتَقَّا

يَغلِبُ لَكِنْ لَيْسَ مُسْتَحِقّا

(1)

ش:

الكثير: كون الحال منتقلة مشتقة؛ كـ (جاء زيد راكبًا).

وقد تكون لازمة، وهى الّتي يدل عاملها علَى: تجدد صاحبها، أَو تدل هي علَى تأكيده:

• فالأول قولهُ:

فَجَاءَتْ بهِ سَبْطَ العِظامِ، كأَنما

. . . . . . . . . . . . .

(2)

فـ (سبط): حال من الهاء؛ أي: (حسن القدِّ والاستواء).

(1)

وكونه: الواو للاستئناف، وكون: مبتدأ، وكون: مضاف، والهاء: مضاف إليه، من إضافة المصدر الناقص إلى اسمه. منتقلًا: خبر المصدر الناقص. مشتقا، خبر ثان. يغلب فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى كونه منتقلًا، والجملة من يغلب وفاعله: في محل رفع خبر المبتدأ. لكن: حرف استدراك. ليس: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى كونه منتقلًا. . .إلخ. مستحقا: خبر ليس.

(2)

التخريج: صدر بيت من الطويل، وعجزه: عمامته بين الرجال لواء

وهو لرجل من بني جناب لم يذكر اسمه.

اللغة: سبط العظام: أراد أنه سوي الخلق حسن القامة. لواء: هو ما دون العَلَم، وأراد أنه تام الخلق طويل، فكنى بهذه العبارة عن هذا المعنى.

الإعراب: فجاءت: جاء: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هي. به: جار ومجرور متعلق بجاءت. سبط: حال من الضمير المجرور محلا بالباء، وسبط مضاف. العظام: مضاف إليه. كأنما: كأن: حرف تشبيه ونصب، وما: كافة. عمامته: عمامة: مبتدأ، وعمامة مضاف والضمير مضاف إليه. بين: منصوب على الظرفية، وبين مضاف. الرجال: مضاف إليه. لواء: خبر المبتدأ.

الشاهد: قوله: (سبط العظام)؛ حيث ورد الحال وصفًا ملازمًا، على خلاف الغالب فيه من كونه وصفًا منتقلًا، وإضافة (سبط) لا تفيده تعريفًا ولا تخصيصًا، لأنه صفة مشبهة، وإضافة الصفة المشبهة إلى معمولها لا تفيد التعريف ولا التخصيص، وإنما تفيد رفع القبح.

ص: 278

وقولهم: (خلق الله الزّرافة يديها أطولَ من رجليها)، فـ (أطول): حال من (يديها)، و (يديها): بدل بعض من (الزَّرافة) بفتح الزّاي؛ فهي حال لازمة لصاحبها فِي الخَلق.

• والثّاني: منه فِي القرآن: {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} ، و {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} .

وجاءت لازمة سماعًا فِي قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} ، {قَائِمًا بِالْقِسْطِ} ، و {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} .

وكون الحال لازمة .. لا يخرجها عن كونها فضلة؛ لأنَّ المراد بالفضلة كون الحال يُجاء بها بعد تمام الجملة، لا ما يُستغنَى عنهُ.

وقال بعضهم: اللّازمة: هي الّتي تفسد الكلام إِذا سقطت، ولعله غالبًا.

واعترض علَى ابن المصنف فِي جعل هذه الآية الأخيرة ممَّا دل علَى تجدد صاحبه.

واعتذر عنه: بأن المراد تجدد الصّاحب من حيث النّزول، لا من حيث الذّات؛ لأنَّ القرآن قديم.

والمراد بالمشتق: ما كَانَ مشتقًّا من المصدر؛ كـ (اسم الفاعل، واسم المفعول، والصّفة المشبهة، وأفعل التّفضيل)؛ كـ (جاء زيد راكبًا)، و (ضربت العبد مكتوفًا)، و (جاء زيد حسن الوجه)، و (خطبت هند أحسنَ من أختها).

وقد علم: أَن الحال لا يجب أَن تكون منتقلة ولَا مشتقة .. بَلْ تجيء لازمة كما سبق، وتكون جامدة .. فتؤول، أَو لا تؤول كما سيأتي.

والله الموفق

ص:

334 -

وَيَكْثُرُ الجُمُودُ فِي سِعْرٍ وَفِي

مُبْدِي تَأَوُّلٍ بِلَا تَكَلُّفِ

(1)

335 -

كَبِعْهُ مُدًّا بِكَذَا يَدًا بِيَدْ

وَكَرَّ زَيْدٌ أسَدًا أَيْ كَأَسَدْ

(2)

(1)

يكثر: فعل مضارع. الجمود: فاعل يكثر. في سعر: جار ومجرور متعلق بيكثر. وفي مبدي: جار ومجرور معطوف بالواو على الجار والمجرور الأول، ومبدي مضاف. وتأول: مضاف إليه. بلا تكلف: جار ومجرور متعلق بتأول، ولا: اسم بمعنى غير مضاف، وتكلف: مضاف إليه.

(2)

كبعه: الكاف جارة لقول محذوف، بع: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت، والهاء مفعول به. مدا: حال من المفعول. بكذا: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لمد، وقال سيبويه: هو بيان لمد. وكرَّ زيدٌ: فعل وفاعل. أسدا: حال من الفاعل. أي: حرف تفسير. كأسد: الكاف اسم بمعنى مثل، عطف بيان على قوله أسدًا لواقع حالًا، والكاف الاسمية: مضاف، وأسدٍ: مضاف إليه.

ص: 279

ش:

يكثر مجيء الحال جامدة إِذا دلت:

علَى سعر: كـ (بعه مدًّا [بدرهم])، و (الهاء): واقعة علَى المبيع، و (بعت البر قفيزًا بدرهم).

أَو علَى مفاعلة: كـ (بعته يدًا بيد).

أَو علَى تشبيه: كـ (بَدَتِ الفتاة قمرًا)، و (كر زيد أسدًا)، و (وقع المصطرعان عِدَلي عير)

(1)

.

أَو علَى ترتيب: كـ (تعلمت الحساب بابًا بابًا)، و (دخلوا رجلًا رجلًا).

أَو علَى أصالتها. نحو: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} ، وكقولك:(هذا مالك ذهبًا)، (هذا خاتمك فضة).

أو فرعيتها: كـ (هذا حديدك خاتمًا)، و (هذا حريرك ثوبًا).

أَو علَى طور واقع فيه تفصيل: كـ (هذا بُسرًا أطيبُ منه رطبًا).

أَو تكون موصوفة: نحو: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وهذه تسمَّى الموطئة؛ لأنَّ الحال فِي الحقيقة هو الوصف، فالأول إِنما هو موطئ للثاني.

ومنه: (مررت بزيد رجلًا صالحًا)، فـ (رجلًا): حال موطئة، والأصل:(مررت بزيد صالحًا) فذكر الأول توطئة للثاني الّذي هو المقصود بالذّكر.

ومعنَى (الموطئة) لغة: المهيئة.

أَو علَى عدد: نحو: {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} .

وكلها لا تؤول بمشتق؛ لما فيه من الكلفة.

ومَن أَوَّلَ .. قال: (مُسعّرًا كل قفيز بدرهم) و (متقايضين)، و (جميلة)، و (شجاعًا)،

(1)

هذا مثل قالته العرب، للأمر يتساوى فيه الخصمان، ومعناه: وقعا معًا ولم يصرع أحدهما الآخر. والمصطرعان: تثنية مصطرع. عدلي: تثنية عِدل، وهو نصف الحمل يكون على جنبي الدابة. العير: الحمار، ويغلب على الوحشي.

عدلي: حال جامدة من (المصطرعان)، وهي مؤولة بالمشتق كما بين المصنف.

وقيل: إن (عدلي) مفعول مطلق، أي وقوعًا مثل وقوع عدلي عير؛ لأن النيابة تكون بين متضايفين أو موصوف وصفته. وليس في أمثال الميداني.

ص: 280

و (مصطحبين اصطحاب عدلي عير)؛ أَي: حمار، و (مرتبًا)، و (مرتبتين)، و (متأصلًا من طين)، و (مبشرًا)، و (مرطبًا) و (معدودًا أربعين)، أَو (مقدرًا هذا القدر) ونحو ذلك.

وقيل: إن (طينًا) تمييز.

وقيل: نصب علَى نزع الخافض.

وإِذا قلنا بتأويل الدّالة علَى (سعر) .. يكون قوله: (مُبدِي تأوُّلٍ) من عطف العام علَى الخاص، ويكون الحال للتقسيم؛ كـ (اقسم المال بينهم أثلاثًا)؛ أَي:(مثلثًا).

ومن مجيئها غير مشتقة -أيضًا- قوله تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} .

ونحو قول الشّاعر:

مَشَقَ الهواجِرُ لحَمَنَّ مَعَ السُّرَى

حَتَّى ذَهبْنَ كَلَاكِلًا وصُدُورَا

(1)

أي: (حتَّى ذهبن شيئًا فشيئًا).

والمبرد: تمييز.

وقيل: بدل من الضّمير فِي (لحمهن).

و (الكلاكل): جمع كَلْكَل وهو الصّدر، و (صدورًا): عطف تفسير.

ويجوز عطف الحال، علَى مثلها كما فِي البيت، وفي القرآن:{وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا} ، فـ (مصدقًا): حال معطوفة علَى محل الجملة الّتي قبلها وهي أيضًا حال من الإِنجيل؛ والتّقدير حينئذ: (هاديًا ومصدقًا).

ومجموع الكلمتين حال فِي: (دخل القوم رجلًا رجلًا).

كما أَن مجموع الكلمتين خبر؛ فِي نحو: (الرّمان حلوٌ حامضٌ)، نص عليه ابن إِياز فِي "شرح فصول ابن معط" وغيره، وهو الصّحيح.

(1)

التخريج: البيت من الكامل وهو لجرير من قصيدة يهجو بها الأخطل، وهو في الكتاب:(1/ 162)، والتذييل (3/ 487)، والغرة لابن الدهان (2/ 90)، والبحر المحيط (7/ 301)، والعيني (3/ 144)، واللسان "كلكل".

اللغة: مشق: من المشق وهو السرعة في الطعن والضرب. الهواجر: جمع هاجرة وهي وقت اشتداد الحر في وقت الظهيرة. السُّرى: السير ليلًا. الكلاكل: الصدور، والمراد بها هنا: أعلاها.

الشاهد: قوله: (كلاكلًا وصدورا)؛ حيث عطف الحال (كلاكلًا) علئ مثلها في قوله: (وصدورا).

ص: 281

والزجاج: أن الثّاني توكيد للأول.

وأبو الفتح: صفة لهُ.

والفارسي: منصوب بالأول.

وتقع الحال:

ظرفًا، سوَى ظرف الزّمان، فتقول:(رأيت زيدًا عندك).

ومجرورًا؛ كقولِهِ تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} أَي: (متزينًا)، {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}؛ أَي: محفوظة.

وقيل: لا يقع الظّرف المقطوع عن الإِضافة حالًا، نحو:(قبل)، و (بعد)، وسيأتي ذكره فِي الإِضافة.

وتكون الحال مقدرة؛ لقوله تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ؛ لأنَّ الخلود ليس وقت الدخول، فتسمَّى:(المقدرة والمنتظرة)، ومنه:{وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} .

تنبيه:

فِي كلامهم: (كلَّمته فاهُ إِلى فِي).

فقيل: إن (فاه): حال، أَي: مشافها، و (إلَى فِيَّ) إِنما هو للتبيين، فَلَا يتعلق بشيء عند سيبويه.

وقيل: انتصب علَى حذف الحال، أَي:(من فاه إِلَى فِيَّ) وهو للأخفش قاله أبو حيان.

وبعضهم: أن (فاه إِلَى فِيَّ) جملة فِي موضع الحال، ولما تعذر فِي الجملة ظهور الإِعراب .. جعل النّصب فِي جزئها الأول، وهو:(فاه).

وقيل: حال نائبة مناب (جاعل)؛ أَي: جاعلًا (فاه إِلَي فِيَّ).

ورواية سيبويه: (كلمته فوه إِلَي فِيَّ) حكاه [. . . . .]

(1)

.

وأَجازَ بعض البصريين: تقديم هذه الحال علَى عاملها؛ لأنه فعل متصرف.

وفي "التّسهيل": لا يقاس علَى ما سُمع من نحو هذا.

خلافًا لهشام، فأَجازَ:(ماشيته قدمي إِلَى قدمه).

(1)

كلمة لم أتبينها في المخطوطتين.

ص: 282

وحكَى الفراء: (جاورته بيته إِلَى بيتي).

والله الموفق

ص:

336 -

وَالحَالُ إِنْ عُرِّفَ لَفْظًا فَاعْتَقِدْ

تَنْكِيرَهُ مَعْنًى كَوَحْدَكَ اجْتَهِد

(1)

ش:

حق الحال أَن تكونَ نكرة؛ كـ (جاء زيد راكبًا)، و (ذهب القوم مسرعين)؛ لأَنَّها فضلة مشبهة للتمييز فِي البيان، قاله ابن بابشاذ.

أَو لأنَّ لها شبهًا بالخبر.

والأصل: تنكير الخبر؛ فإِن ورد ما ظهر تعرُّفها فِي اللّفظ .. أُوِّل بنكرة؛ كقولهم: (رجع عودَه علَى بدئه).

وقيل: مفعول به؛ أَي: (رد عوده علَى بدئه).

ويجوز رفعه فاعلًا أَو مبتدأ وكقولهم: (جاؤوا الجمَّ الغفير) بالنّصب؛ أَي: (جاؤوا جميعًا).

ونازع فيه أحمد بن يحيَى ثعلب فقال: (الجمَّ الغفير): منصوب علَى المدح لا علَى الحال؛ ونحو: (افعله جهدك)؛ أَي: (جاهدًا)، و (اجتهد وحدك)، و (جاء زيد وحده)؛ أَي:(منفردًا).

واختلف فِي نحو: (ضربت زيدًا وحده):

فقيل: حال من الفاعل وهو لسيبويه.

(1)

الحال: مبتدأ. إن: شرطية. عرف: فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط. لفظًا: تمييز محول عن نائب الفاعل. فاعتقد: الفاء لربط الجواب بالشرط، اعتقد: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. تنكيرَه: تنكير: مفعول به لاعتقد، وتنكير مضاف، والهاء مضاف إليه. معنى: تمييز. كوحدك: الكاف جارة لقول محذوف، وحْدَ: حال من الضمير المستتر في اجتهد الآتي، ووحد مضاف والكاف مضاف إليه. اجتهد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت، والجملة في محل نصب مقول لقول محذوف، والتقدير: وذلك كائن كقولك: اجتهد وحدك، والحال في تأويل منفردًا.

ص: 283

وقال ابن طلحة: يتعين كونه من المفعول؛ إِذ لو كَانَ من الفاعل .. لقيل: (وحدي). وخيَّر المبرد، وسيأتي الكلام فِي الإِضافة، وقال الشّاعر:

فَأَرْسَلَهَا العِراكَ ولم يَذُدْهَا

. . . . . . . . . . . .

(1)

أي: (يطردها)؛ فـ (العراك): فِي تأويل معتركة.

ونحو: (جاء القوم خمستَهم)؛ أَي: (معدودين)، أَو (خمستُهم) بالرّفع بدلًا.

وحكى الأخفش مجيء المركَّب حالا؛ كـ (جاؤوا خمسةَ عشَرِهم)، وتقول:(جاؤوا بقضهم وقضيضهم)؛ أَي: (قاطبة).

وأَجازَ يونس والبغداديون: تعريف الحال من غير تأويل؛ قياسًا علَى الخبر نحو: (جاء زيدًا الرّاكب).

وأجازه الكوفيون: إن تضمنت معنَى الشّرط؛ نحو: (زيد الرّاكبَ أحسن منه الماشيَ)، بنصب (الرّاكب)، و (الماشي)، علَى الحال.

(1)

التخريج: صدر بيت من الوافر، وعجزه: ولم يُشْفِقْ علَى نَغَصِ الدَّخالِ

البيت للبيد في ديوانه ص 86، وأساس البلاغة (نغص)، وخزانة الأدب 2/ 192، وشرح أبيات سيبويه 1/ 20، وشرح التصريح 1/ 373، والكتاب 1/ 372، ولسان العرب 7/ 99 (نغص)، 10/ 465 (عرك)، 11/ 243 (دخل)، والمعاني الكبير ص 446، والمقاصد النحوية 3/ 219، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 6/ 85، والإنصاف 2/ 822، وجواهر الأدب ص 318، ولسان العرب 10/ 494 (ملك)، والمقتضب 3/ 237.

اللغة: العراك: الازدحام على الماء. لم يذدها: لم يحبسها. لم يشفق على نغص الدخال: لم يخف أمرًا ينغّص عليها دخالها، والدخال: أن يشرب بعضها ثم يرجع فيزاحم الذي على الماء.

الإعراب: فأرسلها: الفاء بحسب ما قبلها، أرسلها فعل ماضٍ، وها: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله: ضمير مستتر تقديره: هو. العراك: حال. ولم: الواو حرف عطف، لم: حرف جزم. يذدها: فعل مضارع مجزوم، وها: ضمير في محلّ نصب مفعول به، وفاعله: ضمير مستتر تقديره: هو. ولم: الواو: حرف عطف، لم: حرف جزم. يشفق: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر تقديره: هو. على نغص: جار ومجرور متعلّقان بـ يشفق، وهو مضاف. الدخال: مضاف إليه.

وجملة (أرسلها): بحسب ما قبلها. وجملة (لم يذدها): معطوفة على سابقتها. وجملة (لم يشفق): معطوفة على الجملة الأولى.

الشاهد: قوله: (العرك)؛ حيث وقع الحال معرفة مؤوّل بنكرة، تقديره:(أرسلها معتركة).

ص: 284

والمعنَى: (زيد إِذا كَانَ راكبًا أحسن منه إِذا كَانَ ماشيًا).

والله الموفق

ص:

337 -

وَمَصْدَرٌ مُنَكَّرٌ حَالًا يَقَعْ

بِكَثْرَةٍ كَبَغْتَةً زَيْدٌ طَلَعْ

(1)

ش:

الأصل: في الحال أَن يكونَ وصفًا كما سبق؛ نحو: (ضارب)، و (مضروب)، و (أفضل) ونحو ذلك.

وكثر وقوعها مصدرًا نكرة كما وقع المصدر خبرًا ونعتًا، ولَا يقاس عليه وإِن كَانَ كثيرًا؛ لأنَّ الحال خبر فِي المعنَى، والمصدر: اسم معنَى، فَلَا يخبر عن اسم العين إِلَّا فِي نحو:(زيد عدلٌ).

ومن مجيء المصدر المنكر حالا: و {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} ، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} ، {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} .

وقول الشّيخ: (زيد طلع بغتةً)، و (جاء الأمير ركضًا)، هذا مذهب سيبويه.

وقيل: تقديرُهُ: (ذا بغتة) فحذف المضاف، وأقيم المضاف إِليه مقامه.

وقيل: النّصب علَى المصدرية، و (جاء): مؤول بـ (ركض)، و (طلع): مؤول بـ (بغتة).

فـ (جاء الأمير ركضًا)؛ تقديرُهُ: (ركض الأمير ركضًا)، و (طلع زيد بغتة) تقديرُهُ:(بغت زيد بغتة).

وحكى الأخفش والمبرد: أن نحو هذا منصوب علَى المصدرية بعامل محذوف، وذلك العامل هو الحال؛ أَي:(جاء الأمير يركض ركضًا)، و (طلع زيد يبغت بغتة).

وعن المبرد: وقوع المصدر حالًا مقيس؛ بشرط: كونه نوعًا من عامله؛

(1)

مصدر: مبتدأ. منكر: نعت. حالًا: منصوب على الحال، وصاحبه: الضمير المستتر في يقع الآتي. يقع: فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو يعود إلى مصدر منكر، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ. بكثرة: جار ومجرور متعلق بيقع. كبغتة: الكاف جارة لقول محذوف، بغتة: حال من الضمير المستتر في طلع الآتي. زيد: مبتدأ. طلع: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره هو يعود إلى زيد، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.

ص: 285

كـ (جاء زيد سرعة)، و (جئتك ركضًا)؛ فإِن (السّرعة) و (الرّكض) نوعان من المجيء.

ومجيء المصدر النكرة حالًا مقيس عند المصنف:

1.

بعد: (أما).

2.

وبعد: (خبر شُبِّه به المبتدأ).

3.

وبعد: (أل) الدّالة علَى الكمال.

فالأول: (أما علمًا فعالم)، فـ (علمًا): حال من الضّمير المرفوع بفعل الشّرط المحذوف؛ والتّقدير: (مهما يذكر شخص فِي حال علم .. فالمذكور عالم)، وإِن قلت:(أما العلم فعالم) فمفعول لأجله عند سيبويه.

والثّاني: (زيد زهيرٌ شعرًا)، و (عمرو حاتمٌ جودًا)

والثّالث: (أنت الرّجل علمًا)، و (زيد اللّيث شجاعةً).

وأَجازَ أبو حيان فِي "الشّرح": أن يكونَ (علمًا)، حالًا من الضّمير فِي (عالم).

واستظهر فِي "الارتشاف" التّمييز فِي (علمًا وشعرًا).

والله الموفق

ص:

338 -

وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِبًا ذُو الحَالِ إنْ

لَمْ يَتَأَخَّرْ أَوْ يُخَصَّصْ أَو يَبِنْ

(1)

339 -

مِنْ بَعْدِ نَفْىٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَلَا

يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَي امْرِئٍ مُسْتَسْهِلَا

(2)

(1)

ولم: نافية جازمة. ينكر: فعل مضارع مبني للمجهول، مجزوم بلم. غالبا: حال من نائب الفاعل. ذو: نائب فاعل ينكر، وذو مضاف. والحال: مضاف إليه. إن: شرطية. لم: نافية جازمة. يتأخر: فعل مضارع مجزوم بلم فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ذو الحال، وجواب الشرط محذوف، والتقدير: إن لم يتأخر ذو الحال. . . إلخ فلا ينكر. أو يخصص، أو يبن: معطوفان على يتأخر.

(2)

من بعد: جار ومجرور متعلق بيبن في البيت السابق، وبعد مضاف. ونفي: مضاف إليه. أو عاطفة. مضاهيه: مضاهي: معطوف على نفي، ومضاهي: مضاف، وضمير الغائب العائد إلى نفي مضاف إليه. كلا: الكاف جارة لقول محذوف، لا: ناهية. يبغ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية. امرؤ: فاعل يبغ. على امرئ: جار ومجرور متعلق بيبغ. مستسهلا: حال من قوله: (امرؤ) الفاعل.

ص: 286

ش:

للحال شبه بالخبر كما سبق، ولصاحبها شبه بالمبتدأ، فلذلك لم يكن صاحب الحال نكرة إِلَّا لمسوغ.

كما أَن المبتدأ لا يكون نكرة إِلَّا لمسوغ.

فمن المسوغات:

تقديم الحال علَى صاحبها النّكرة، كما قال:(إنْ لَمْ يَتَأخَّرْ)؛ أَي: إن لم يتأخر صاحب الحال المنكَّر، كقوله:

وبالجِسْم مِنِّي بَيِّنًا لو علمْتِه

شُحوبٌ وإنْ تَستشهِدِي العينَ تَشْهَدِ

(1)

فـ (بَيِّنًا): حال من (شوب). شحب الجسم: إِذا تغير.

وقول الآخر:

(1)

التخريج: البيت بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص 442، والكتاب 2/ 123، والمقاصد النحوية 3/ 147.

اللغة: الشحوب: تغير اللون.

المعنى: يقول: إن حبي لك قد أثر على جسمي وغير لونه، فلو رأيتِه .. لأخذتك الشفقة علي، واسألي عيني تخبرانك بذلك.

الإعراب: وبالجسم: الواو بحسب ما قبلها، بالجسم: جار ومجرور متعلقان بخبر المبتدأ المحذوف. مني: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من الجسم. بينا: حال من شحوب. لو: حرف تمن. علمته: فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل، والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به. شحوب: مبتدأ مؤخر مرفوع. وإن: الواو حرف عطف، إن: شرطية جازمة. تستشهدي: فعل مضارع مجزوم لأنه فعل الشرط، والياء ضمير في محل رفع فاعل. العين: مفعول به. تشهد: فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط، وفاعله ضمير مستتر تقديره: هي.

وجملة (وبالجسم مني شحوب): بحسب ما قبلها. وجملة (علمته): اعتراضية لا محل لها من الإعراب. وجملة (إن تستشهدي): معطوفة على جملة سابقة. وجملة (تشهد): لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء، أو بإذا.

الشاهد: قوله: (بينا)؛ حيث وردت الحال نكرة من (شحوب)، والذي سوغ ذلك: تقدم الحال على صاحبها.

ص: 287

لِمَيَّةَ مُوحِشًا طَلَلُ

. . . . . . . . . . . .

(1)

فـ (موحشًا): حال من (طلل)، وهو ما شخص من آثار الدّار.

وفي الشّاهدين: مجيء الحال من المبتدأ وهو مذهب سيبويه.

واشتهر: بالضّعف.

ومن منع .. أعربه حالًا من الضّمير فِي المجرور الّذي هو خبر النّكرة.

وقيل: إن (موحشًا) لا يصلح أَن يكونَ حالًا من (طلل) علَى مذهب سيبويه أيضًا،

(1)

التخريج: هذا صدر بيت، وعجزه قوله: يلوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ

وقد روي البيت برواية أخرى هي:

لمية موحشًا طللٌ قديمُ

عفاهُ كلُّ أسحمَ مستديمُ

وهو بالرواية الأولى من شواهد: التصريح: 1/ 375، 2/ 120، والأشموني: 473/ 1/ 247 والكتاب لسيبويه: 1/ 276، ومجالس العلماء للزجاجي: 174، والخصائص: 2/ 492، وأمالي ابن الشجري: 1/ 26، وشرح المفصل: 2/ 50، والخزانة: 1/ 533 عرضا، والعيني: 3/ 163، والمغني: 132/ 118، 802/ 571، 119/ 568 وشرح السيوطي 85، 88، والشذور: 7/ 43.

اللغة: مية: اسم محبوبة الشاعر. موحشًا: اسم فاعل من أوحش المنزل إذا خلا من أهله، والمراد: القفر الذي لا أنيس فيه. طلل: هو ما بقي شاخصًا من آثار الديار. يلوح: يظهر ويلمع. خلل: جمع خلة: وهي بطانة منقوشة بالمعادن تغشى بها أجفان السيوف.

المعنى: لقد أقفرت دار مية من أهلها، ودرست معالمها، ولم يبق منها إلا آثار بسيطة، تظهر للرأي وكأنه نقوش في البطائن التي تغشى بها أجفان السيوف.

الإعراب: لمية: متعلق بمحذوف خبر مقدم؛ ومية: اسم ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. موحشًا: حال متقدم من طلل الواقع مبتدأ مؤخرًا على مذهب سيبويه؛ الذي يجيز مجيء الحال من المبتدأ، والجمهور يرون أن صاحب الحال هو الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرًا. طلل: مبتدأ مؤخر مرفوع، والفاعل: هو؛ وجملة يلوح: في محل رفع صفة لطلل. كأنه: حرف مشبه بالفعل، والهاء: في محل نصب اسمه. خلل: خبر كأن مرفوع، وجملة كأنه خلل: في محل نصب من الضمير المستتر في يلوح، أي: من الفاعل.

الشاهد: قوله: (موحشا)؛ حيث وقع (موحشًا) حالا من طلل وهو نكرة، وسوغ ذلك: تقدم الحال عليها؛ وهذا على رأي سيبويه -كما أسلفنا- وأما الجمهور: فيرون أن موحشًا حال من الضمير المستكن في الخبر؛ وهذا الضمير معرفة -وإن كان مرجعه- المبتدأ؛ وهو نكرة، وعلى هذا، فلا شاهد فيه.

ص: 288

وعُلِّل: بأن معنَى الابتداء بـ (طلل) ليس مقيدًا بـ (موحشًا)، وإِنما المقيد به الضّمير فِي الخبر؛ لأنَّ (الطّلل) بعد أَن ثبت (لمية) وصف بالاستيحاش؛ إِذ المقصود: الإخبار أَن الطلل الثّابت لها موحش، لا أَن الطّلل من حيث هو موحش.

1.

ومنها: أَن يختص النّكرة بوصف أَو بإِضافة أَو تسبق بنفي أَو شبهه.

ومن المخصص بالوصف: قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدقًا) فِى قراءة النّصب، فهو حال من (كتاب)؛ لأنه وصف بالمجرور.

وجعل منه صالح الجرمي: قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} علَى أنه حال من (أمر)؛ لأنه وُصف بـ (حكيم).

وتوقف فيه بعضهم؛ لكونه حالًا من المضاف إِليه بِلَا مسوغ كما سيأتي.

وقيل: فيه المسوغ، وهو أَن المضاف مثل جزء المضاف إِليه هنا.

وقال الزّجاج: مصدر؛ كأنه قال: (يفرق فرقًا)، فهو من باب جلس قعودًا.

وقيل: مفعول به.

وقيل: حال من الضّمير فِي (حكيم)، أَو من (كل)، أَو من (الهاء) فِي (أنزلناه).

ومنه أيضًا قول الشّاعر:

نَجَّيتَ يَارَبِّ نُوحًا فَاسْتَجَبْتَ لَهُ

فِي فُلُكٍ مَاخِرٍ فِي الْيَمِّ مَشْحُونَا

(1)

(1)

التخريج: يروى بعد الشاهد قوله:

وعاش يدعو بآيات مبينة

في قومه ألف عام غير خمسينا

والشاهد من شواهد: التصريح: 1/ 376، والأشموني: 475/ 1/ 247 وابن عقيل: 183/ 2/ 259، والعيني: 3/ 149.

اللغة: نجيت: أنقذت وخلصت من الغرق. نوحًا: هو أبو البَشَر الثاني بعد آدم. فلك: السفينة، للمفرد والجمع. ماخر: شاق عباب الماء، وهو اسم فاعل من مخرت السفينة، إذا شقت الماء فسمع لها صوت. اليم: البحر. مشحونًا: مملوءًا.

الإعراب: يارب: يا حرف نداء، رب: منادى مضاف منصوب، وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة تخفيفًا، اكتفاء بالكسرة؛ والياء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة؛ وجملة النداء: معترضة بين فعل نجيت وبين المفعول نوحًا. في فلك: متعلق بمحذوف حال من نوح؛ أو بـ (نجى). ماخر: صفة لـ (فلك). في اليم: متعلق بـ (ماخر). مشحونا: حال من فلك منصوب.

ص: 289

فـ (مشحونًا): حال من (فلك)؛ لأَنَّها وصفت بـ (ماخر)، والماخر: الّذي يشق الماء، يقال:(فلك ماخر) ومواخر، ودخله القطع

(1)

، وهو غريب.

وقيل: الرّواية بضم لام (فلُك) فيدخله الطّي

(2)

وهو جائز.

• ومن المخصص بالإِضافة: قوله تعالى: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً} ، فـ (سواء): حال من أربعة.

وقرأ الحسن ويعقوب: (سواءٍ) علَى النّعت لـ (أيام).

• ومن المسبوق بالنّفي: قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} ، فجملة (لها كتاب معلوم): فِي موضع نصب علَى الحال من قرية.

والزّمخشري: أنها فِي محل جر صفة لـ (قرية)، وقال: إِنما توسطت الواو لتأكيد لصوق الصّفة بالموصوف.

قال أبو حيان: هذا شيء لا يعرفه النّحويون. انتهى.

ونحا العكبري نحو مذهب الزّمخشري فِي قوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، فقال: إن الجملة صفة لـ (شيء)، والمسوغ لدخول الواو: لما كانت الجملة هنا كصورتها إِذا كانت حالًا. انتهى.

وقيل: الجملة حالًا من (يشاء).

وذهب مكي إِلَى ما ذهب إِليه العكبري، قال فِي قوله تعالى:{ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} : الجملة مبتدأ وخبر فِي موضع النّعت لـ (فريق)، أَو فِي موضع الحال. انتهى.

لكن هذا أسهل؛ لأنَّ المجرور يجوز كونه نعتًا، فتكون المسألة من عطف نعت علَى آخر.

الشاهد: قوله: (مشحونا)؛ حيث جاء (مشحونًا) حالًا من النكرة (فلك)، والذي سوغ مجيئها من النكرة؛ أنها -أي النكرة- وصفت قبل مجيء الحال منها بـ (ماخر)، وحكم مجيء الحال -على هذا النحو- جائز باتفاق؛ لأن النكرة متى وصفت تخصصت ولم تعد مبهمة أو مجهولة كما كانت عليه قبل الوصف.

(1)

القطع: حذف آخر الوتد المجموع مع تسكين ما قبله، فتصبح بذلك مستفعلن متفعلْ وتنقل إلى فعولن لسهولة النطق. وفي هذه الحالة يسمى هذا الوزن باسم معين هو: مخلع البسيط، ويكون وزنه كالآتي:

مستفعلن فاعلن فعولن

مستفعلن فاعلن فعولن

(2)

الطي: وهو حذف الرابع الساكن، ويدخل هذا الزحاف في مستفعلن كذلك، ولكن في موضع آخر؛ حيث تحذف الفاء فتصبح التفعيلة مستعلن، أي تكون سببًا خفيفًا فاصلة صغرى.

ص: 290

ومن المسبوق بالنّفي، قول الشّاعر:

مَا حُمَّ مِن مَوتٍ حِمًى وَاقَيَا

وَلَا تَرَى مِنْ أَحَدٍ بَاقِيَا

(1)

فـ (واقيا): حال من (موت)؛ لتقدم النّفي.

• والمسبوق بالنّهي: قوله:

لَا يَرْكَنَنْ أَحَدٌ إلى الإِحْجَامِ

يَوْمَ الوَغَى مُتَخَوِّفًا لِحِمَامِ

(2)

(1)

التخريج: البيت بلا نسبة في المقاصد النحوية 3/ 214.

اللغة: حم: هيئ. الواقي: الحامي.

الإعراب: ما: حرف نفي. حم: فعل ماض للمجهول. من موت: جار ومجرور متعلقان بواقيا أو حِمى. حمى: نائب فاعل مرفوع. واقيًا: حال منصوب. ولا: الواو: حرف عطف، لا: زائدة لتأكيد النفي. ترى: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. من: حرف جر زائد. أحد: اسم مجرور لفظًا منصوب محلًّا على أنه مفعول به لترى. باقيا: مفعول به ثان لترى إذا كانت علمية، أو حال إذا كانت بصرية.

وجملة (ما حم): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (لا ترى): معطوفة على سابقتها.

الشاهد: قوله: (واقيا)؛ حيث وردت حالًا من النكرة (حمى)؛ لأنها مسبوقة بنفي (ما).

(2)

التخريج: البيت لقطري بن الفجاءة في ديوانه ص 171، وخزانة الأدب 10/ 163، والدرر 4/ 5، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 136، وشرح ابن عقيل ص 330، وشرح عمدة الحافظ ص 423، والمقاصد النحوية 3/ 153، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص 329، وهمع الهوامع 1/ 240.

اللغة: ركن: لجأ. الإحجام: ضد الإقدام. الوغى: الحرب. الحمام: الموت.

المعنى: يقول: لا يلجأن أحد إلى التقاعس والفرار من الحرب خوفًا من الموت لأن في ذلك عار ما بعده عار.

الإعراب: لا: ناهية. يركنن: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، والنون للتوكيد. أحد: فاعل مرفوع. إلى الإحجام: جار ومجرور متعلقان بيركن. يوم: ظرف زمان منصوب متعلق بيركن، وهو مضاف. الوغى: مضاف إليه مجرور بالكسرة المقدرة. متخوفًا: حال من أحد منصوب. لحمام: جار ومجرور متعلقان بـ متخوفًا.

وجملة (لا يركنن): ابتدائية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد: قوله: (متخوفًا)؛ حيث جاءت حالًا من النكرة (أحد)، والذي سوغ ذلك: وقوع هذه النكرة بعد النهي الذي يشبه النفي.

ص: 291

فـ (متخوفًا): حال من أحد، و (الإحجام): النّكوص.

وكقول الشّيخ: (لا يَبغِ امرؤٌ علَى امرئٍ مُستَسهِلا)؛ فـ (مستسهلًا): حال من فاعل (يبغي)؛ أَي: (لا يبغ شخص علَى شخص مستسهلًا البغي).

• والمسبوق بالاستفهام: قوله:

يَا صَاحِ هَلْ حُمَّ عَيْشٌ بَاقِيًا فَتَرى

. . . . . . . . . . . . . .

(1)

فـ (باقيًا): حال من (عيش).

وذكر المصنف رحمه الله أَن من المسوغات:

1.

عطف المعرفة عليها؛ نحو: (جاء رجال وزيد ضاحكين).

2.

ومن المسوغات: عدم صلاحية الحال؛ لأنَّ يوصف بها؛ نحو: (هذا خاتم حديدًا)، وكونه تمييزًا أظهر، وجعل منه قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ

(1)

التخريج: صدر بيت من البسيط، وعجزه: لنفسك العذر في إبعادها الأملا

وهو لرجل من طيئ في الدرر اللوامع 4/ 6، وشرح التصريح 1/ 377، وشرح عمدة الحافظ ص 423، والمقاصد النحوية 3/ 153، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص 329، وهمع الهوامع 1/ 240.

اللغة: صاح: صاحبي. حم: قدر. العيش: هنا الحياة.

المعنى: يقول: يا صاحبي هل تحسب أن الحياة باقية فتجد لنفسك عذرًا في التكالب على حطام الدنيا، أو العيش بلا أمل.

الإعراب: يا: حرف نداء. صاح: منادى مرخم مبني على الضمة في آخره المحذوف، تقديره: يا صاحبُ. هل: حرف استفهام. حم: فعل ماض للمجهول. عيش: نائب فاعل مرفوع لفظًا منصوب محلًّا. فترى: الفاء السببية، ترى: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. والمصدر المؤول من أن ترى: معطوف على مصدر منتزع مما قبله. لنفسك: جار ومجرور متعلقان بترى، وهو مضاف، والكاف ضمير في محل جر بالإضافة. العذر: مفعول به منصوب. في إبعادها: جار ومجرور متعلقان بالعذر، وهو مضاف، وها ضمير في محل جر بالإضافة. الأملا: مفعول به لإبعاد منصوب، والألف للإطلاق.

وجملة (يا صاح): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (هل حم عيش): استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة (ترى): صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب.

الشاهد: قوله: (باقيا)؛ حيث وقعت حالًا من النكرة (عيش)، والذي سوغ ذلك: وقوعها بعد استفهام إنكاري وهو يشبه النفي.

ص: 292

خَاوِيَةٌ}؛ فـ (الجملة): حال من (قرية)، والمسوغ: كون هذه الجملة لا يوصف بها لاقترانها بالواو؛ إِذ الواو لَا تفصل بَينَ الصّفة والموصوف كما سبق.

وبعضهم: يسمي الواو مع تعدد الصّفات المقطوع بعضها: اعتراضية، ومنه قول الشّاعر:

ويَأْوِي إلى نِسْوةٍ عُطَّلٍ

وَشُعْثًا مَرَاضِيعُ مثلُ السَّعَالِي

(1)

وقد يكون صاحب الحال نكرة من غير مسوغ، وهذا الّذي هو احترز منه الشّيخ بقوله:(غَالِبًا)،فمن ذلك:(صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا وصلَّى وراءه رجال قيامًا)، فـ (قيامًا) حال من رجال من غير مسوغ.

وفيه بحث.

وقولهم: (عليه مائة بيضًا) بنصب (بيضًا): حال من (مائة)

(2)

.

(1)

التخريج: البيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي في خزانة الأدب 2/ 42، 432، 5/ 40، وشرح أبيات سيبويه 1/ 146، وشرح أشعار الهذليين 2/ 507، وشرح التصريح 2/ 87، والكتاب 1/ 399، 2/ 66، ولأبي أمية في المقاصد النحوية 4/ 63، وللهذلي في شرح المفصل 2/ 18، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 322، ورصف المباني ص 416، والمقرب 1/ 225.

اللغة: يأوي: ينزل، يلجأ. العطل: جمع العاطل، وهي من النساء: من لا حُلْيَ عليها. الشعث: جمع الأشعث مؤنثها الشعثاء، وهي المرأة السيئة الحال، والمتلبدة الشعر لعدم اعتنائها به. السعالي: جمع السعلاة، وهي أنثى الغول.

المعنى: يقول: إنه يأوي إلى نسوة مهملات، سيئات الحال، متلبدات الشعر، يرضعن أطفالًا لهن، ويشبهن السعالي لقبح منظرهن.

الإعراب: ويأوي: الواو بحسب ما قبلها، يأوي: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو. إلى نسوة: جار ومجرور متعلقان بيأوي. عطل: نعت نسوة مجرور. وشعثًا: الواو حرف عطف. شعثًا: مفعول به لفعل محذوف تقديره: أعني مثلًا. مراضيع: نعت شعثًا منصوب. مثل: نعت ثان لشعثًا منصوب، وهو مضاف. السعالي: مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد: قوله: (وشعثًا)؛ حيث جاءت الواو اعتراضية؛ لوقوعها بين الصّفات المقطوع بعضها عن بعض.

(2)

بيضًا: جمع أبيض، حال من (مائة)، ولا يصح أن يكون تمييزًا؛ لأن تمييز (المائة) لا يكون جمعًا، وهذا المثال رواه سيبويه عن العرب، والمراد: أن المائة دراهم لا دنانير ولا غيرها؛ لأن الدراهم من الفضة، وهي بيضاء. الكتاب لسيبويه: 2/ 112/ 159.

ص: 293

وقولهم: (مررت بماءٍ قِعدةَ

(1)

رجلٍ) بنصب (قِعدة): حالًا من (ماءٍ).

وأَجازَ سيبويه: (فيها رجل قائمًا).

وعن عيسَى: (هذا رجل منطلقًا).

والله الموفق

ص:

340 -

وَسَبْقَ حَالٍ مَا بِحَرْفٍ جُرَّ قَدْ

أَبَوْا وَلَا أَمْنَعُهُ فَقَدْ وَرَدْ

(2)

ش:

منع الأكثرون تقديم حال المجرور بالحرفِ.

واحتجوا: بأن الحال لما كانت صفة لصاحبها وجر بالحرفِ .. لزم أَن تكونَ الحال مجرورة أيضًا فِي المعنَى بالحرفِ الّذي صاحبها به.

وكما لا يتقدم المجرور علَى الجار .. فكذا أيضًا ما هو فِي حكم المجرور.

وخالفهم المصنف والفارسي وابنا برهان وكيسان وأبو إِسحاق بن ملكون.

واحتجوا: بأن العامل فيها الفعل؛ لأنه يعمل النّصب فِي محل صاحبها، والحرف إِنما جيء به لتعدي الفعل فقط؛ ولأَنَّ المجرور بمنزلة المنصوب؛ لأنه مفعول به.

وغالب ما فِي الباب أنه مفعول به بواسطة، فيقدم عليه الحال كما يتقدم حال المنصوب؛ فتقول:(مررتُ ضاحكة بهند)، وجعل منه قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى

(1)

قِعدة رجل -بكسر القاف وسكون العين المهملة-: أي مقدار قعدته.

(2)

وسبق: مفعول به مقدم على عامله، وهو أبوا الآتي، وسبق مضاف. وحال: مضاف إليه من إضافة المصدر لفاعله. ما: اسم موصول: مفعول به للمصدر. بحرف: جار ومجرور متعلق بقوله: جر الآتي. جر: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو، يعود إلى ما الموصولة، والجملة من جر ونائب فاعله: لا محل لها صلة الموصول. قد: حرف تحقيق. أبوا: فعل وفاعل. ولا: الواو عاطفة، لا: نافية. أمنعه: أمنع: فعل مضارع، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا، والهاء مفعول به. فقد: الفاء للتعليل، وقد: حرف تحقيق. ورد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، يعود إلى سبق حال، وتقدير البيت: وقد أبى النحاة أن يسبق الحال صاحبه الذي جر بالحرف، ولا أمنع ذلك، لأنه وارد في كلام العرب.

ص: 294

قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}، فـ (علَى قميصه) حال من المجرور بالحرف.

والمانعون: محله نصب علَى الظّرف؛ أَي: (جاؤوا فوق قميصه).

واستبعده أبو حيان فِي "النّهر": وارتضَى الأول، وكذا قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} ، فـ (كافة): حال من النّاس.

وفيه تقديم الحال المحصورة حملًا علَى المفعول المحصور كما سبق فِي الفاعل.

وقال المانعون: حال من الكاف، والتّاء: للمبالغة؛ كـ (علَّامة)، و (راوية).

وارتضاه الزّمخشري فقال: إن (كافةً)؛ بمعنَى كافٍ، و (الهاء): للمبالغة.

ومن التّقديم أيضًا قول الشّاعر:

إذا الْمَرءُ أَعيَتْهُ المُرُوءَةُ ناشئًا

فَمَطْلَبُها كهْلا عَلَيْهِ شَدِيدُ

(3)

فـ (كهلًا): حال من الهاء فِي (عليه).

وقول الآخر:

(3)

التخريج: البيت للمخبل السعدي في ملحق ديوانه ص 324، وله أو لرجل من بني قريع في خزانة الأدب 3/ 219، 221، ولرجل من بني قريع في شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1148.

اللغة: أعيته: أعجزته. المروءة: أدب النفس. الناشئ: الصغير والحدث. الكهل: الذي جاوز الثلاثين من عمره.

الإعراب: إذا: ظرف زمان يتضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه. المرء: بالرفع فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، تقديره: إذا عيي المرء أعيته؛ وبالنصب: مفعول به لفعل محذوف تقديره: إذا أعيت المروءة المرء أعيته. أعيته: فعل ماض، والتاء: للتأنيث، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به. المروءة: فاعل مرفوع بالضمة، ناشئًا: حال منصوب. فمطلبها: الفاء: رابطة جواب الشرط، ومطلبها: مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف، وها: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. كهلا: حال منصوب. عليه: جار ومجرور متعلقان بشديد. شديد: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة.

وجملة (إذا المرء): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (أعيت المرء): في محل جر بالإضافة.

وجملة (أعيته): تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة (مطلبها كهلا): جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.

الشاهد: قوله: (كهلا)؛ حيث وردت حالًا من الضمير المجرور في عليه، وقد تقدمت على صاحبها، وهذا جائز.

ص: 295

لَئِنْ كَانَ بَردُ المَاءِ هَيمَانَ صَادِيًا

إِلَيَّ حَبِيبًا إِنَّهَا لَحَبِيبُ

(1)

فـ (هيمان صاديًا): حالان من الهاء.

و (الهيمان): العطشان.

وقول الآخر:

. . . . . . . . . . . .

فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ

(2)

فـ (فرغًا): حال من (قَتْل).

(1)

التخريج: البيت لعروة بن حزام العذري، وقبله:

حلفت برب الراكعين لربهم

خشوعا، وفوق الراكعين رقيب

وبعده بيت الشاهد، وبعده قوله:

وقلت لعراف اليمامة: داوني

فإنك إن أبرأتني لطبيب

اللغة: هيمان: مأخوذ من الهُيام بضم الهاء وهو في الأصل: أشد العطش صاديا: اسم فاعل فعله صدى من باب تعب إذا عطش.

الإعراب: لئن: اللام موطئة للقسم، إن: شرطية. كان: فعل ماض ناقص، فعل الشرط. بردُ: اسم كان، وبرد مضاف. الماء: مضاف إليه. هيمان، صاديا: حالان من ياء التكلم المجرورة محلًّا بإلى. إلى: جار ومجرور متعلق بقوله: حبيبًا الآتي. حبيبًا: خبر كان. إنها: إن: حرف توكيد ونصب، وها: اسمه. لحبيب: اللام لام الابتداء، حبيب: خبر إن، والجملة من إن واسمها وخبرها جواب القسم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم.

الشاهد: قوله: (هيمان صاديا)؛ حيث وقعا حالين من الياء المجرورة محلًّا بإلى، وتقدما عليها كما أوضحناه في الإعراب.

(2)

التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: فإن تك أذوادٌ أُصبن ونسوةٌ

وهو مطلع مقطوعة في سيرة ابن هشام 1/ 637، وهي:

فَمَا ظَنُّكُمْ بِالْقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ

أَليْسُوا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا بِرِجَالِ

فَإِنْ تَكُ أَذَاوُدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ

فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ

نَصَبْتُ لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إنَّهَا

مُعَاوِدَةٌ قِيلَ الْكُمَاةُ نَزَالُ

فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجِلَالِ مَصُونَةً

وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ جِلَالِ

عَشِيَّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا

وَعُكَّاشَةُ الْغَنْمِيُّ عِنْدَ حِجَالِ

وانظر بيت الشاهد في: شرح عمدة الحافظ (427)، وشرح الأشموني (2/ 177).

الشاهد: قوله: (فزعًا بقتل)؛ حيث وقع حالًا من (قتل) المجرور بالباء، وتقدم عليه.

ص: 296

يقال: (ذهب دمه فِرغًا) بكسر الفاء؛ أَي: (هدرًا).

وقول الآخر:

تَسَلَّيْتُ طُرًّا عَنْكُمُ بَعْدَ بَيْنِكُمْ

. . . . . . . . . . . . .

(1)

فـ (طرًّا): حال من المجرور لـ (عن)، ومعناه: جميعًا.

وقول الآخر:

غافلا تَعْرِضُ الْمَنِيَّةُ لِلمَرْ

ءِ فَيُدْعَى، ولاتَ حِينَ نِداءِ

(2)

فـ (غافلًا): حال من المرء، (ولات): بمعنَى (ليس)، واسمها: محذوف؛ أَي: (وليس الحين حين النداء)، هذا فيما جر بالحرف.

(1)

التخريج: صدر بيت من الطويل، وصدره: بذِكرَاكمُ حتَّى كأنَّكُمُ عِندِي

وهو بلا نسبة في شرح التصريح 1/ 379، وشرح عمدة الحافظ ص 426، والمقاصد النحوية 3/ 160.

اللغة: طرًّا: جميعًا. البين: الفراق.

المعنى: يقول: لقد كنت أتسلى بعد فراقكم لي بذكراكم المستمر، حتى توهمت بأنكم ما زلتم بقربي.

الإعراب: تسليت: فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. طرًّا: حال منصوب. عنكم: جار ومجرور متعلقان بتسليت. بعد: ظرف زمان منصوب متعلق بتسليت وهو مضاف. بينكم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، وكم: في محل جر بالإضافة. بذكراكم: جار ومجرور متعلقان بتسليت، وهو مضاف، وكم: ضمير في محل جر بالإضافة. حتى: حرف ابتداء. كأنكم: حرف مشبه بالفعل، وكم: ضمير في محل نصب اسم كأن. عندي: ظرف مكان منصوب متعلق بمحذوف خبر كأن، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة.

وجملة (تسليت): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (كأنكم عندي): استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الشاهد: قوله: (طرًّا)، فإنه حال بمعنى: جميعًا، وصاحبه الضمير في عنكم.

(2)

التخريج: البيت من الخفيف: قال العيني 3/ 161 لم أقف على اسم قائله على كثرة دورانه في كتب النحو، وهو من شواهد المصنف في شرح التسهيل 1/ 61، 2/ 125 وشرح عمدة الحافظ 1/ 314.

اللغة: المنية: الموت. إباء: امتناع.

الشاهد: قوله: (غافلا تعرض المنية للمرء)؛ حيث جاء (غافلًا) حال من الاسم المجرور (للمرء).

ص: 297

• وأما المجرور بالمضاف: فيجوز تقديم حاله إن كانت الإِضافة لفظية؛ نحو: (ملتوتا هذا شاربٌ السّويق).

والكلام فِي هذا الموضع علَى الحرف غير الزّائد.

وأما الحرف الزّائد: فيجوز تقديم الحال عليه؛ نحو: (ما جاءني راكبًا من أحد)، ذكره فِي "الارتشاف"، وظاهره أنه لا خلاف فيه.

وقول المصنف: (سَبقَ) مفعول بقوله: (أَبَوْا) كثيرًا ما يقع هذا فِي كلامه.

ونص بعضهم: أن المقرون بـ (قد) لا يعمل فيما قبله كما سبق فِي الفاعل.

ولعل المصنف لم يعتبر هذا.

والله الموفق

ص:

341 -

وَلَا تُجِزْ حَالًا مِنَ المُضَافِ لَهْ

إلَّا إذَا اقْتَضَى المُضَافُ عَمَلَه

(1)

342 -

أوْ كَانَ جُزْءَ مَا لَهُ أُضِيفَا

أوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلَا تَحِيفَا

(2)

(1)

ولا: ناهية. تجز فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. حالًا: مفعول به لتجز. من المضاف: جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقوله: (حالًا). وقوله: له: جار ومجرور متعلق بالمضاف. إلا: أداة استثناء. إذا: ظرف للمستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط. اقتضى: فعل ماض. المضاف: فاعل اقتضى. عمله: عمل: مفعول به لاقتضى، وعمل: مضاف، والهاء: مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول: في محل جر بإضافة (إذا) إليها، والجواب: محذوف يدل عليه سابق الكلام.

(2)

أو: عاطفة. كان: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى المضاف له. جزء: خبر كان، وجزء مضاف. وما: اسم موصول مضاف إليه. له: جار ومجرور متعلق بأضيف الآتي. أضيف: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى ما الموصولة، والجملة من أضيف ونائب فاعله: لا محل لها صلة الموصول. أو: عاطفة. مثل: معطوف على جزء السابق، ومثل مضاف، وجزء من جزئه: مضاف إليه، وجزء مضاف، والهاء: مضاف إليه. فلا: ناهية. تحيفا: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفًا لأجل الوقف في محل جزم، والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت.

ص: 298

ش:

لا يأتي الحال من المضاف إِليه والإِضافة محضة؛ لأنَّ العامل فِي الحال وصاحبها واحد؛ فلو جاءت من المضاف إِليه .. لكان العامل فيها غير العامل فِي صاحبها.

* فإِن كانَ المضاف صالحًا؛ لأنَّ يعمل فِي الحال؛ بأن كانت الإِضافة لفظية كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصّفة المشبهة، والمصدر .. جاز ذلك؛ لأنَّ العامل فيهما حينئذ واحد، فتقول:(أنا ضارب العبد مكتوفًا)، وهي حال من (العبد)؛ لأنَّ المضاف اسم فاعل، وقوله تعالَى:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} ، فـ (جميعًا): حال من الكاف؛ لأنَّ المضاف مصدر.

وكَقَولِ الشَّاعرِ:

إلى الروْعِ يَوْمًا، تاركي لا أَبا لِيَا

(1)

أن يجمعَ العالم في واحد

فـ (واحدًا): حال من الكاف فِي (انطلاقك)؛ لأنَّ المضاف مصدر أيضًا.

• فإِن لم يصلح المضاف للعمل فِي الحال كما إِذا كانت الإِضافة محضة .. امتنعت المسألة، فَلَا يقال:(جاء غلام هند ضاحكة) بالنّصب علَى الحال؛ إِذ لا

(1)

التخريج: البيت لمالك بن الريب في ديوانه ص 43، والمقاصد النحوية 3/ 165، ولسلامة بن جندل في ديوانه ص 198، والشعر والشعراء 1/ 279، وبلا نسبة في عيون الأخبار 1/ 343.

اللغة: الروع: الخوف، وهنا الحرب.

المعنى: إن ابنتي تقول لي: إن ذهابك إلى الحرب منفردًا سيؤدي بك إلى الهلاك، وستتركني يتيمة بلا أب.

الإعراب: تقول: فعل مضارع مرفوع. ابنتى: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير في محل جر بالإضافة. إن: حرف مشبه بالفعل. انطلاقك: اسم إن منصوب، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محل جر بالإضافة. واحدًا: حال منصوب. إلى الروع: جار ومجرور متعلقان بانطلاقك. يومًا: ظرف زمان منصوب، متعلق بانطلاقك. تاركى: خبر إن مرفوع، وهو مضاف، والياء ضمير متصل في محل جر بالإضافة. لا: النافية للجنس. أبا: اسم لا. ليا: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر لا، والألف للإطلاق.

وجملة (تقول ابنتي): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (إن انطلاقك): في محل نصب مفعول به. وجملة (لا أبا ليا): في محل نصب مفعول به ثان لتاركي.

الشاهد: قوله: (واحدا)؛ حيث ورد حالًا من المضاف إليه، وهو الكاف في انطلاقك، وهذا جائز؛ لأن المصدر المضاف إلى فاعله يعمل عمل الفعل، ويصح أن يعمل في المضاف إليه.

ص: 299

يعمل فِي الحال إِلَّا الفعل أَو ما يشبهه كما سبق ذكره.

ونقل ابن الشّجري فِي "أماليه" عن الفارسي: جواز هذه المسألة.

وتقول: (هند مضروبة زيد واقفًا)، فـ (واقفًا): حال من زيد؛ لأنَّ المضاف صفة عاملة، وقس عليه.

وقوله: (أو كَانَ جُزْءَ مَا لَهُ أُضِيفَا

إِلَى آخره) يشير به إِلَى أنه يجوز مجيء الحال من المضاف إليه:

- إن كَانَ المضاف جزءًا لهُ.

- أَو مثل جزئه؛ لصحة الاستغناء عن المضاف؛ إِذ لو حذف .. لتسلط العامل علَى المضاف إِليه بالعمل فيه.

فالأول: كـ (ضربت يد هند قائمة)، فـ (قائمة): حال من هند، ولو حذفت المضاف .. لجاز (ضربت هند قائمة).

ومنه فِي القرآن: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} ، فـ (إخوانا): حال من الضّمير علَى إعراب؛ لأنَّ المضاف بعضٌ لهُ.

وقوله تعالَى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} ، فـ (ميتًا): حال من أخيه، كما سبق.

والثّاني: كقولِهِ تعالَى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ، فـ (حنيفًا): حال من إِبراهيم.

ولو قيل: فِي غير القرآن: (أَن اتبع إِبراهيم حنيفًا) .. يصح كما سبق.

وابن الشّجري: الأحسن أَن يكونَ حالًا من (الملة)، ولَا يضر كونه مذكرًا؛ لأنَّ الملة فِي معنَى الدّين، ولهذا أبدلت من الدّين فِي قوله تعالَى:{دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} .

وقال مكي: حال من الضّمير فِي اتبع.

ومنع المازني: مجيء الحال من المنادى نحو: (يا زيدُ قائمًا)؛ لأنَّ الحال تقييد للهيئة، والنّداء لا يقبل التّقييد، إِذ لا فرق فِي وقوع النّداء عليه بَينَ كونه (قاعدًا) أَو (قائمًا).

وأَجازَ المبرد: ما منعه؛ كقول الشّاعر:

ص: 300

يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَليَاءِ فَالسَّنَدِ

. . . . . . . . . . . . .

(1)

والله الموفق

ص:

343 -

وَالحَالُ إِنْ يُنْصَبْ بِفِعْلٍ صُرِّفَا

أَوْ صِفَةٍ أَشْبَهَتِ المُصَرَّفَا

(2)

344 -

فَجَائِزٌ تَقْدِيمُهُ كَمُسْرِعَا

ذَا رَاحِلٌ وَمُخْلِصًا زَيْدٌ دَعَا

(3)

(1)

التخريج: صدر بيت من البسيط، وعجزه: أقوَتْ وطَالَ عَليهَا سَالفُ الأَبدِ

وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 14، والأغاني 11/ 27، والدرر 1/ 247، 6/ 326، وشرح أبيات سيبويه 2/ 54، والصاحبي في فقه اللغة ص 215، والكتاب 2/ 321، والمحتسب 1/ 251، والمقاصد النحوية 4/ 315، وبلا نسبة في رصف المباني ص 452، وشرح التصريح 1/ 140، ولسان العرب 3/ 223 سند، 3/ 355 قصد، 14/ 141 جرا، 15/ 491 يا.

اللغة: مية: اسم امرأة. العلياء: المكان العالي. السند: بين القمة والوادي، أي السفح، وقد يكون العلياء والسند موضعين. أقوت: أقفرت وخلت.

المعنى: يخاطب الشاعر دار الحبيبة بلهفة قائلًا: إنها خلت من ساكنيها، وانمحت معالمها، وقست عليها الأيام.

الإعراب: يا: حرف نداء. دار: منادى منصوب، وهو مضاف. مية: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. بالعلياء: جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من دار مية. فالسند: معطوف على العلياء. أقوت: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هي، والتاء للتأنيث. وطال: الواو حرف عطف، طال: فعل ماض. عليها: جار ومجرور متعلقان بطال: سالف: فاعل مرفوع، وهو مضاف. الأمد: مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد: قوله: (يا دار ميّة) فإنه جاء الحال من المنادى على رأي المبرد، ومنعه المازني.

(2)

والحال: مبتدأ. إن: شرطية. ينصب: فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى الحال. بفعل: جار ومجرور متعلق بينصب. صُرِّفا: صرف: فعل ماض مبني للمجهول، وفيه ضمير مستتر جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى (فعل) نائب فاعل، والجملة من صرف ونائب فاعله: في محل جر نعت لـ (فعلٍ). أو: عاطفة. صفةً: معطوف على فعل. أشبهت: أشبه: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هي يعود إلى صفة. المصرفا: مفعول به لأشبه، والجملة من أشبهت وفاعله ومفعوله: في محل جر صفة لقوله صفة.

(3)

فجائز: الفاء لربط الجواب بالشرط، جائز: خبر مقدم. تقديمه: تقديم: مبتدأ مؤخر، وتقديم مضاف والهاء: مضاف إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وجملة الشرط وجوابه: في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو الحال في أول البيت السابق. كمسرعا: الكاف جارة لقول محذوف، مسرعا: حال مقدم على عامله وهو راحل

ص: 301

ش:

يجب تقديم الحال:

إِذا كانَ لها صدر الكلام؛ نحو: (كيف جاء زيد؟).

- منه فِي القرآن: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} .

- أو حصر صاحبها؛ نحو: (ما جاء ضاحكًا إلَّا زيد)، وإنما (قام ضاحكًا زيد).

- أو كَانَ مضافًا لضمير عائد علَى ما اشتملت عليه الحال.

قال فِي الكافية؛ نحو: (حلَّ ضيفَ زيد صاحبُه)، و (صار منقادًا لعمرو طالبُه)، فـ (ضيف زيد): حال من صاحبه، و (منقادًا): حال من طالبه.

ولو قيل: (حل صاحبه ضيفَ زيد)، و (سار طالبه منقادًا لعمرو) .. لعاد الضّمير علَى متأخر فِي اللّفظ والرّتبة.

ويجب تأخيرها:

• إذا كَانَ عَاملها فعلًا غير متصرف؛ كفعل التّعجب نحو: (ما أحسن زيدًا ضاحكًا).

• أَو صفة لا تشبه المتصرف؛ كأفعل التّفضيل؛ نحو: (زيد أفصح القوم قارئًا).

• أَو كَانَ عاملها صلة أل؛ نحو: (أنا الذّاهب مسرعًا)؛ لأنَّ معمول صلة أل لا يتقدم عليها كما سبق فِي الموصول.

ولهذا لم تعلق فِي (الخاسرين) ولَا اللّام بـ (القالين) من قوله تعالَى: {وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ، قال:{إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} ؛ لكون الموصول (أل)، فالتّقدير:(خاسر من الخاسرين)، (لقالٍ لعملكم من القالين).

قال مكي: إِلَّا أَن تجعل (أل) للتعريف لا بمعنَى الذين.

فإن جعلت معرفة .. صح تعلق الحرف بما بعد (أل)، أَو قرن عاملها بـ (لام الابتداء)، نحو:(لأصبر محتسبًا)، أَو (لام قسم)؛ نحو:(لأقومن طائعًا)؛ لأنَّ ما فِي حيز هاتين اللّامين لا يتقدم عليهما.

الآتي. ذا: مبتدأ. راحل: خبر المبتدأ، وفيه ضمير مستتر جوازًا، تقديره: هو، فاعل، وهو صاحب الحال. ومخلصا: حال مقدم على عامله، وهو دعا الآتي. زيد: مبتدأ. وجملة دعا وفاعله المستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى زيد: في محل رفع خبر.

ص: 302

بخلاف التّقديم علَى نفس الفعل؛ نحو: (لمحتسبًا أصبر) و (والله لطائعًا أقوم)، ولَا يؤكد حينئذ فعل القسم كما سيأتي فِي نوني التّأكيد.

• وقد يمتنع التّقديم مطلقًا مع لام الابتداء؛ كما إِذا وجدت (إنَّ) نحو: (إن زيدًا لذاهب مسرعًا) فَلَا يقال: (إن زيدًا لمسرعًا ذاهب)؛ لأنَّ اللّام لا تدخل معمول الخبر المتقدم عليه إِذا كَانَ حالًا كما سبق فِي باب (إنَّ)، وهو المشهور.

• خلافًا للرضي فِي إجازته: (إن زيدًا لراكبًا سائر) كما سبق.

• وتؤخر أيضًا إذا كَانَ عاملها اسم فعل؛ كـ (نزال مسرعًا).

• أَو قدر المصدر بفعل وحرف مصدري، نحو:(يعجبنى اعتكاف أخوك صائمًا) فَلَا يجوز (صائمًا اعتكافٌ أخوك)؛ لأنَّ تقديرهُ: (إن اعتكف أخوك)؛ فـ (إِن) المصدرية: موصولة بما بعدها، والموصول الحرفي لا يتقدم معمول صلته.

• فإِن لم يقدَّر المصدر بـ (أنْ) .. جاز؛ نحو: (صائمًا اعتكافك حسن)، و (مسرعًا قيامك حسن).

• ومنع الكسائي وهشام: التقديم .. إن كان المصدر متعديًا؛ نحو: (شربك السّويق ملتوتًا)، و (ضربي العبد مسيئًا).

وكذا اللّازم .. إن كَانَ صاحب الحال ظاهرًا؛ نحو: (قيام زيد مسرعًا)، بخلاف (قيامك مسرعًا).

• ومنع الفراء: تقديم الحال علَى عاملها المصدر مطلقًا.

• وخالفهم البصريون.

• وتؤخر الحال إذا وقعت محصورة؛ نحو: (ما قام زيد إِلَّا ضاحكًا).

• قال الله تعالَى: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} .

ونذر التّقديم فِي قول الشّاعر:

لَا أَشْتَهِي يَا قَوْمِ إِلَّا كَارِهًا

بَابَ الأَمِيرِ وَلَا دِفَاعَ الحَاجِبِ

(1)

(1)

التخريج: البيت من الكامل، وهو لموسى بن جابر الحنفي في خزانة الأدب 1/ 300، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 363، والمعجم المفصل 1/.

ص: 303

والأصل: (لا أشتهي باب الأمير ولَا دفاع الحاجب إِلَّا كارهًا).

• ويمتنع التقديم إِذا أفهمت الحال تشبيها؛ نحو: (زيد زهير شعرًا).

والأحسن: كونه تمييزًا كما سبق ذكره.

وعلَى كونه حالًا قَدْ يتوسط: كـ (زيد شعرًا زهير)، وجعل من التّوسط فيما أفهم التّشبيه قولُ الشّاعرِ:

تُعَيّرُنا أنَّنَا عَالَةٌ

وَنَحنُ صَعَالَيكَ: أَنْتُمْ مُلوكَا

(1)

الشاهد: قوله: (لا أشتهي إلا كارهًا)؛ حيث تقدمت الحال محصورة، وذلك نادر.

قال في شرح الشواهد الشعرية في أمات الكتب النحوية 1/: ونفوا أن يكون (كارها) حال من (أشتهي)، لأن الشهوة والكره لا يجتمعان، ولكنه حال من فعل مقدر، والمعنى: لا أشتهي باب الأمير ولا آتيه إلا كارها.

وليس كما قالوا: فهو يشتهي باب الأمير كارها الذلّ، قال المرزوقي: يصف بهذا الكلام ميله إلى البدو، وتفضيله رجاله على رجال الحضر، فيقول: لا أتمنى ورود باب الأمراء، ومدافعة الحجّاب، ولا أعلّق شهوتي بهما إلا على كره، وعن داعية عارضة، قال: وانتصب كارها على الحال.

هذا: والشاعر موسى: شاعر نصراني جاهلي.

قال أبو العلاء: موسى منقول عن العبرانية، ولم أعلم أن في العرب من سمي موسى زمان الجاهلية، وإنما حدث هذا في الإسلام.

قال محقّقا الحماسة المرزوقية: وهذا معترض بما ذكره المرزباني في معجمه.

قال أبو أحمد: ولا اعتراض على كلام أبي العلاء، فقد ذكر المرزباني عشرة شعراء ممن تسمّوا بـ (موسى) وتتبّعت هؤلاء الشعراء، فوجدتهم إسلاميين ما عدا موسى بن جابر صاحب الشاهد. وموسى بن حكيم العبشمي، لم يذكر المرزباني زمنه. وعلى هذا، فقول أبي العلاء هو الصحيح. والله أعلم.

(1)

التخريج: البيت من المتقارب، ولم يعرف قائله، ونسب للنابغة في شرح شواهد المغني (6/ 329)، وينظر: في شرح المصنف (2/ 346)، وتعليق الفرائد (6/ 214) والمغني (439)، والارتشاف (2/ 354).

الشاهد: أنّ (صعاليك وملوك)، حالان، وعاملهما: كاف التشبيه المحذوفة، أراد: نحن في حال تصعلكنا مثلكم في حال ملككم، فحذف (مثل)، وأقام المضاف إليه مقامه، مضمّنا معناه، وأعمل ما فيه من معنى التشبيه.

والأصل: أنه يمتنع التّقديم إِذا أفهمت الحال تشبيها، وعلَى كونه حالًا قَدْ يتوسط كما في بيت الشاهد.

ص: 304

أي: (نحن فِي حال تصعلكنا: مثلكم فِي حال ملككم).

ويجوز التّقديم والتّأخير إِذا كَانَ عاملها فعلًا متصرفًا، أَو صفة تشبه المتصرف؛ كـ (اسم الفاعل، واسم المفعول، والصّفة المشبهة)؛ لأنَّ كلًّا من هذه قابل للعلامة الفرعية، فيثنى، ويجمع، ويقبل التّأنيث، فيجوز تقديم الحال عليه إن لم يكن صلة (أل).

وهذا القسم هو المشار إِليه بقوله: (وَالْحَالُ إنْ يُنْصَبْ) إِلى قوله: (فَجَائِزٌ تَقْدِيْمُهُ)؛ كـ (ضاحكًا جاء زيد)، و (مخلصًا زيد دعا)، و (مسرورًا أنا ذاهب)، و (مسرعًا ذا راحل)، و (شاهدًا زيدٌ مقبول)، و (زيد ضاحكًا حسن الوجه).

مثله قول الشّاعرِ:

. . . . . . . . . . .

أَمِنْتِ وَهَذَا تحْمِلين طَليقُ

(1)

(1)

التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: عدس ما لعباد عليك إمارة

وهو ليزيد بن مفرغ في ديوانه ص 170، وأدب الكاتب ص 417، والإنصاف 2/ 717، وتخليص الشواهد: 150، وتذكرة النحاة ص 20، وجمهرة اللغة ص 645، وخزانة الأدب 6/ 41، 42، 48، والدرر 1/ 269، وشرح التصريح 1/ 139، 381، وشرح شواهد المغني 2/ 859، وشرح المفصل 4/ 79، والشعر والشعراء 1/ 371، ولسان العرب 6/ 47 حدس، 6/ 133 عدس، والمقاصد النحوية 1/ 442، 3/ 216، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص 362، 447، وأوضح المسالك 1/ 162، وخزانة الأدب 4/ 333، 6/ 388، وشرح قطر الندى ص 106، وشرح المفصل 2/ 16، 4/ 23، ولسان العرب 15/ 460 ذوا، والمحتسب 2/ 94، ومغني اللبيب 2/ 462، وهمع الهوامع 1/ 84.

اللغة: عدس: اسم صوت لزجر البغل. عباد: هو عباد بن زياد والي سجستان لمعاوية.

المعنى: يقول مخاطبًا بغلته: إن عبادًا لم يعد له سلطة عليك وأنت تحملين رجلًا طليقًا بعد أن أفرج عنه.

الإعراب: عدس: اسم صوت مبني على السكون لا محل له من الإعراب، أو منادى إذا كان المقصود البغلة: ما: حرف نفي. لعباد: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. عليك: جار ومجرور متعلقان بإمارة. إمارة: مبتدأ مؤخر مرفوع. أمنت: فعل ماض مبني على السكون، والتاء: فاعل. وهذا: الواو: حالية. هذا: الهاء: للتنبيه، وذا: اسم موصول في محل رفع مبتدأ. تحملين: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون لأنه من الأفعال الخمسة، والياء: فاعل. طليق: خبر المبتدأ مرفوع.

وجملة (ما لعباد): لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية أو استئنافية. وجملة (أمنتِ): لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة (هذا تحملين): في محل نصب حال. وجملة (تحملين): لا محل لها من الإعراب لأنها صلة الموصول.

ص: 305

فجملة (تحملين): حال من الضّمير فِي (طليق) وسبق فِي الموصول.

وعن الأخفش: أنه منع نحو: (مخلصًا زيدٌ دعا)؛ لبعدها عن العامل.

والمشهور: خلافه.

• ومنع بعض المغاربة: تقديم الجملة الحالية المصدرة بالواو؛ نحو: (والشّمس طالعة جاء زيد).

• ومنع بعضهم: تقديم الحال علَى عاملها الوصف أَن كَانَ نعتًا؛ نحو: (مررت برجل ذاهبة فرسه مكسورًا سرجها).

وكلام ابن عقيل فِي "شرح التّسهيل": يقتضي تقييده بهذا المثال ونحوه، وأنه يجوز:(مررت برجل ضاحكًا ذاهبٍ)، قال: لأنَّ تقديم معمول الصّفة عليها جائز، سواء كَانَ مفعولًا، أَو ظرفًا، أَو حالًا ونحو ذلك.

بخلاف تقديم معمولها علَى الموصوف.

قال: وإِنما منعوا التّقديم فِي المسألة السّابقة .. للزوم تقديم ضمير (سرجها) علَى مفسره.

يعني: لم يمنعوا التقديم لكون العامل وقع نعتًا.

وقوله واضح، إِلَّا أَن الظّاهر: جواز التّقديم فِي هذه المسألة أيضًا؛ كـ (مروت برجل مكسورًا سرجها ذاهبة فرسه)؛ لأنَّ (فرسه) مقدم فِي الرّتبة؛ إِذ هو صاحب الحال.

تنبيه:

منع الكوفيون: تقديم حال المنصوب؛ كـ (ضربت راكبًا زيدًا)؛ لأنه يوهم أَن الحال: مفعول به، و (زيدًا): بدل منه.

وكذا تقديم حال الظّاهر المرفوع نحو: (راكبًا جاء زيد).

ويوافقون البصريين: فِي تقديم حال المرفوع إن كَانَ المرفوع ضميرًا كما فِي قوله تعالَى: {خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ} ، فـ (خشعًا): حال من الواو.

والشاهد: قوله: (وهذا تحملين طليق)؛ حيث جاز تقديم وتأخير الحال؛ لأن عاملها صفة تشبه المتصرف.

ص: 306

وأَجازَ البصريون: ما منعوه؛ لقول بعض العرب: (شتى تؤوب الَحَلَبَة)

(1)

؛ أَي: (متفرقين يرجع الحالبون)، فقدم فيه الحال علَى الظّاهر المرفوع.

ومن التّقديم على المنصوب: قولُه:

وَصَلتُ وَلَم أَصْرِم مُسِيئِينَ أُسْرَتِي

وَأَغْنَيْتُهُم حَتَّى يُلاقُوا وَلَائِيَا

(2)

ويجب تأخير الحال المذكورة كما سيأتي.

والله الموفق

ص:

345 -

وَعَامِلٌ ضُمِنَ مَعْنَى الفِعْلِ، لَا

حُرُوفَهُ مُؤخَّرًا لَنْ يَعْمَلَا

(3)

346 -

كَتِلْكَ لَيْتَ وَكأَنَّ وَنَدَرْ

نَحْوُ سَعِيدٌ مُستَقِرًّا في هَجَرْ

(4)

(1)

قال الميداني في مجمع الأمثال 1/ 358: (شَتَّى يَؤُوبُ الحلَبَةُ).

وذلك أنهم يُورِدُون إبلَهم وهم مجتمعون، فإذا صَدَرُوا .. تَفَرَّقوا، واشتغل كلُّ واحدٍ منهم بحلب ناقته، ثم يؤوب الأول فالأول.

يضرب في اختلاف الناس وتفرقهم في الأخلاق.

وشَتَّى: في موضع الحال، أي يَؤوب الحلَبة متفرقين، وشَتَّى: فَعْلَى مِن شَتَّ يشِتُّ إذا تفرق.

(2)

التخريج: من الطويل لم ينسبه أحد ممن استشهدوا به، وهو من شواهد همع الهوامع 1/ 241،

الدرر اللوامع 1/ 201.

اللغة: أغنيتهم: أعطيتهم ما يغنيهم. يريد: أرضيتهم. أصرم: أقطع. الولاء: القرب والدنو. والولي: المحب والصديق والنصير.

الشاهد: قوله: (ولم أصرم مسيئين أسرتي)، حيث جاء (مسيئين) حال من المنصوب، (أسرتي)، وذلك جائز عند البصريين، ممنوع عند الكوفيين.

(3)

وعامل: مبتدأ. ضمن: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه، والجملة من ضمن ونائب فاعله: في محل رفع صفة لعامل. معنى: مفعول ثان لضمن، ومعنى: مضاف. والفعل: مضاف إليه. لا: عاطفة. حروفَه: حروف: معطوف على معنى الفعل، وحروف: مضاف وضمير الغائب: مضاف إليه. مؤخرا: حال من الضمير المستتر في يعمل الآتي. لن: نافية ناصبة. يعملا: يعمل: فعل مضارع منصوب بلن، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى عامل الواقع مبتدأ، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.

(4)

كتلك: الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كتلك. ليت، وكأن: معطوفان على تلك. وندر: فعل ماض. نحو: فاعل ندر. سعيد: مبتدأ. مستقرًّا: حال من

ص: 307

ش:

سبق جواز تقديم الحال علَى الفعل المتصرف ونحوه.

وذكر هنا: أن الحال لا تتقدم علَى عاملها المعنوي، وهو الّذي ضمن معنَى الفعل دونَ حروفه.

• كأسماء الإشارة؛ نحو: (هذا)، و (ذلك)، و (تلك).

• وحرف التّمني؛ كـ (ليت).

• وحرف التشبيه؛ نحو: (كَأنَّ).

• وحرف الترجي؛ وحرف التّنبيه.

• وكذا الظّرف والمجرور.

فتقول: (هذا زيد قائمًا) فهو حال من (زيد)، والعامل فيها ما فِي (الهاء) من معنَى (أنبِّه)، أَو ما فِي (ذا) من معنَى (أشير).

ومنه: {وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا} ، فـ (شيخًا): حال من (بعلي)، والعامل كما سبق.

و (ليت زيدًا أخوك محسنًا)، والعامل فيها ما فِي (ليت) من معنَى (أتمنَّى).

وَ (كَأنَّ زيدًا أخوك كريمًا)، والعامل فيها: ما فِي (كَأنَّ) من معنَى (أشبه).

قال الشّاعر:

كَأَنَّهُ خَارِجًا مِن جَنبِ صَفحَتِهِ

سُفُّودَ شُربٍ نَسُوهُ عِنْد مُفْتَأَدِ

(1)

الضمير المستكن في الجار والمجرور الآتي. في هجر: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ.

(1)

التخريج: البيت من البسيط، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 19؛ والأشباه والنظائر 6/ 243؛ وخزانة الأدب 3/ 185، 187؛ والخصائص 2/ 275؛ ولسان العرب 3/ 328 (فأد)؛ وتهذيب اللغة 14/ 196؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص 211؛ وكتاب العين 8/ 8، المعجم المفصل في شواهد العربية/ ج 2/ م 21.

والبيت من معلقة النابغة التي مطلعها:

يا دارَ مَيَّةَ بِالعَلياءِ فَالسَّنَدِ

أَقوَت وَطالَ عَلَيها سالِفُ الأَبَدِ

ومنها:

ص: 308

فـ (خارجًا): حال من اسم كَأنَّ.

و (زيد فِي الدّار واقفًا)، فـ (واقفًا): حال من الضّمير فِي المجرور، والعامل فيها: ما فِي من معنَى مستقر أو استقر، و (زيد عندك مسرورًا).

والحاصل: أن العامل هنا لا يؤخر عن الحال فَلَا يقال: (قائمًا هذا زيد)، ولَا (محسنًا ليت زيدًا أخوك) ونحوه؛ لئن هذه العوامل ضعيفة فَلَا تقوى قوة الفعل.

نعم، يجوز تقديم الحال علَى صاحبها كما تقول:(هذا قائمًا زيد).

وندر تقديم الحال علَى عاملها الظّرف والمجرور؛ كقولِهِ: (سعيد مستقرًّا فِي هجر)، وجعل منه قراءة عيسَى بنِ عمر:(هُنَّ أطهرَ لكم)، علَى أَن (هُنَّ): مبتدأ، و (لكم): خبره، و (أطهر): حال مقدمة على عاملها المجرور، وسبق ذكرها فِي إن وأخواتها.

وقراءة الحسن البصري: (والسّموات مطوياتٍ بيمينه)، فـ (السّموات): مبتدأ، و (بيمينه): خبر، و (مطويات): حال قدمت علَى المجرور، وصاحبها: الضمير المنتقل إِلَى المجرور من الكون العام المحذوف وجوبًا.

فكل من الظّرف والمجرور: يعمل؛ لما فيه من معنَى (استقر) كما سبق فِي الفاعل.

وتأول المانعون هذه القراءة: علَى أَن (السّموات): عطف علَى الضمير فِي (قبضته)، وهي بمعنَى مقبوضة؛ لأنَّ المصدر يأتي: بمعنَى اسم المفعول؛ نحو: (هذا خلق الله)؛ أَي: مخلوقه وبمعنَى اسم الفاعل.

وَقَفتُ فيها أُصَيلانًا أُسائِلُها

عَيَّت جَوابًا وَما بِالرَّبعِ مِن أَحَدِ

أَمسَت خَلاءً وَأَمسى أَهلُها اِحتَمَلوا

أَخنى عَلَيها الَّذي أَخنى عَلى لُبَدِ

كأَنَّ رَحلي وَقَد زالَ النَّهارُ بِنا

يَومَ الجَليلِ عَلى مُستَأنِسٍ وَحِدِ

مِن وَحشِ وَجرَةَ مَوشِيٍّ أَكارِعُهُ

طاوي المُصَيرِ كَسَيفِ الصَّيقَلِ الفَرَدِ

سَرَت عَلَيهِ مِنَ الجَوزاءِ سارِيةٌ

تُزجي الشَّمالُ عَلَيهِ جامِدَ البَرَدِ

وَكانَ ضُمرانُ مِنهُ حَيثُ يوزِعُهُ

طَعنَ المُعارِكِ عِندَ المُحجَرِ النَّجُدِ

شَكَّ الفَريصَةَ بِالمِدرى فَأَنقَذَها

طَعنَ المُبَيطِرِ إِذ يَشفي مِنَ العَضَدِ

كَأَنَّهُ خارِجًا مِن جَنب صَفحَتِهِ

سَفّودُ شَربٍ نَسوهُ عِندَ مُفتَأَدِ

اللغة: الشَّرْب: جمع شارب. ونسَوه: أي: تركوه حتى نضج ما فيه. شبه قرن الثور النافذ في الكلب بسفّود فيه شواء، والمفتأد: مكان الشواء، والفأد: الطبخ، سواء أكان في قدر أو شواء.

الشاهد: قوله: (خارجًا) فقالوا: إنه حال من الفاعل المعنوي وهو الهاء، لأن المعنى: يشبه خارجا، وعامل الحال: ما في كأنّ من معنى الفعل.

ص: 309

والوجهان فِي قوله تعالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أَي: بالمغيَّب أَو بالغائب.

و (مطويات): حال من السّموات، و (بيمينه): معمول الحال.

وفي هذا أيضًا نظر؛ لأنَّ المصدر إِذا كَانَ بمعنَى مفعول .. لا يكون مؤنثًا، نص عليه السّمين، ويشهد لهُ السّماع، كقوله تعالَى:{لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ؛ أَي: (المصيد)، و {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي:(مبخوس).

وكقولك: (نسج اليمن)؛ أَي: (منسوجَ اليمن) فَلَا يقال: (نسجة اليمن).

وقوله تعالَى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا} ، فـ (خالصة): حال قدم علَى عاملها المجرور.

وأجاب المانعون: أن العامل هو المجرور قبله.

وقال الشّاعر:

رَهْطُ ابنِ كُوزٍ مُحْقِبِي أَدرَاعِهِم

فِيهِمْ وَرَهْطُ رَبيعَةَ بنِ حُذَارِ

(1)

فـ (مُحْقِبِي أَدرَاعِهِم): حال قدمت علَى المجرور.

و (أحقب): الرّجل إِذا جعل زاده خلفه علَى الرّاحلة، و (الأدراع): جمع درع الحديد.

(1)

التخريج: البيت من الكامل، وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 55، وجمهرة اللغة ص 825، وشرح عمدة الحافظ ص 437، 557، والمقاصد النحوية 3/ 170.

اللغة: رهط الرجل: قومه. كوز: اسم رجل من ضبة. المحقب: المتاع الذي يوضع خلف الراكب في مؤخر الرحل. الأدراع: جمع الدرع.

الإعراب: رهط: مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف. ابن: مضاف إليه مجرور بالكسرة، وهو مضاف. كوز: مضاف إليه مجرور بالكسرة. محقبى: حال منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم، وهو مضاف. أدراعهم: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف، وهم: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. فيهم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. ورهط: الواو: حرف عطف، ورهط: معطوف على رهط الأولى مرفوع، وهو مضاف. ربيعة: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف. بن: نعت ربيعة مجرور بالكسرة، وهو مضاف. حذار: مضاف إليه مجرور بالكسرة.

الشاهد: قوله: (محقبي أدراعهم)؛ حيث وردت محقبي حالًا من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرًا، وهو (فيهم)، وهذا الضمير فاعل بالجار والمجرور؛ لأن الجار والمجرور نابا مناب اسم فاعل أو فعل ماض، ولما حذفا وأنيب عنهما الجار والمجرور .. انتقل الضمير الذي كان مستكنًّا في أحدهما إلى الجار والمجرور.

ص: 310

قال المصنف: ومنه فِي القرآن: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} فـ (كلا): حال مقدمة علَى عاملها المجرور.

وأعربه الفراء والزّمخشري: توكيدًا لاسم (إنَّ).

وقيل: بدل منه.

ومن تقديمها علَى الظّرف: قول الشّاعر:

بِنَا عَاذَ عَوفٌ وَهوَ بَادِئَ ذِلَّةٍ

لَدَيكُم فَلَمْ يَعدَمْ وَلَاءً وَلَا نَصْرَا

(1)

فـ (بادئ): حال من الضّمير المستتر فِي (لديكم).

وأَجازَ الأخفش: تقديمها علَى عاملها الظّرف والمجرور قياسًا؛ نحو: (زيد قائمًا فِي الدّار)، ونقل عن الفراء.

وهل يجوز تقديم (قائمًا) علَى (زيد)؟

المشهور: المنع.

خلافًا لابن برهان إن كانت الحال ظرفًا، وجعل منه قوله تعالَى:{هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} ، فـ (الولاية): مبتدأ، و (لله): الخبر، و (هنالك): ظرف فِي موضع الحال.

وعن الكوفيين: إجازة ذلك بِلَا شرط.

ولكن قال ابن بابشاذ فِي "شرح الجمل": (قائمًا زيد فِي الدّار) ممنوع بإِجماع. انتهى.

تنبيه:

المشهور: أَن الحرف المضمن معنَى الفعل يعمل فِى الحال كما سبق.

وتوقف الزمخشري: فِي (كان).

(1)

التخريج: البيت من الطويل، ولم يعرف قائله، وينظر: في شرح الألفية لابن الناظم (ص 330)، والتصريح (1/ 385)، والأشموني (2/ 182).

اللغة: عوف: اسم رجل. وبادئ: من البدء وهو الظهور.

الشاهد. قوله: (بادئَ ذلّة)؛ حيث قدم الحال وهو (بادئ) على صاحبها وهو الضمير في (لديكم).

وقال المانع: بأن البيت ضرورة.

ص: 311

والسّهيلي: فِي (اسم الإِشارة).

وابن أبي العافية: فِي (حرف التّنبيه).

وابن عصفور: فِي (ليت ولعل).

وممَّا ضمن معنَى الفعل أيضًا: حرف النّداء نحو: (يا)، وهي عاملة فِي محل المنادى عند أبي الفتح؛ لأَنَّها نابت عن (أدعو)، وعلَى قوله .. تعمل فِي الحال.

ومنه قوله:

يَا أَيُّهَا الرَّبعُ مَبكِيًّا بِسَاحَتِهِ

. . . . . . . . . . . . .

(1)

ويتعلق الظّرف بها كقولهِ:

يَا دَارُ بَينَ النّقا وَالحَزْنِ مَا صَنَعَتْ

. . . . . . . . . . . . .

(2)

وهذه الشّواهد حجة علَى المازني: فِي منعه مجيء الحال من المنادَى كما سبق.

و (هجر): اسم بلد مذكَّر مصروف، قاله الجوهري.

وقول الشّيخ: (مستقرًّا)؛ أَي: (ثابتًا غير متزلزل)، وليس معناه الكون العام؛ إِذ لو كَانَ كذلك .. لم يبرزه.

والله الموفق

ص:

347 -

وَنَحْوُ زَيْدٌ مُفْرَدًا أنْفَعُ مِنْ

عَمْرٍو مُعَانًا مُسْتَجَازٌ لَنْ يَهِنْ

(3)

(1)

التخريج: صدر بيت من الكامل، وعجزه: كَمْ قَد بَذَلْتَ لِمَنْ وَافَاكَ أَفرَاحَا

الشاهد: قوله: (مبكيًّا بساحته)؛ حيث إن الحرف المضمن معنَى الفعل يعمل فِي الحال، ومما ضمن معنى الفعل النداء كما في هذا الشاهد.

وهذا الشاهد حجة على المازني في منعه مجيء الحال من النكرة.

(2)

التخريج: صدر بيت من البسيط، وعجزه: يدُ النَّوى بالأُلَى كَانُوا أَهَالِيكِ

وهو بلا نسبة في الهمع ج 2/ 173، وأنشده السيوطي شاهدًا لعمل عامل المنادى في الظرف.

(3)

ونحو: مبتدأ أول. زيدٌ. مبتدأ ثان. مفردًا: حال من الضمير المستتر في أنفع الآتي. أنفع: خبر المبتدأ الذي هو زيد. من عمرو جار ومجرور متعلق بأنفع. معانًا: حال من عمرو، وجملة المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة نحو إليها. مستجاز: خبر المبتدأ الذي هو (نحو) في أول

ص: 312

ش:

سبق أن الحال لا يتقدم علَى أفعل التّفضيل.

وذكر هنا أنه إِذا فضل شيء على غيره في حالة أخرَى

جاز التّقديم؛ نحو: (زيد مفردًا أنفع من عمرو معانًا)، يعني:(زيد في حالة كونه مفردًا أنفع من عمرو في حالة كونه معانًا)، أَي: معه من يعينه.

فـ (مفردًا): حال من الضّمير في أنفع، و (معانًا): حال من عمرو، والعامل في الحالين: أفعل التّفضيل.

وكذا: لو فضل الشّيء علَى نفسه في حالة أخرَى؛ كـ (زيد ماشيًا أحسن منه راكبًا)، يعني:(زيد في حالة مشيه أحسن من نفسه في حالة وكوبه).

فـ (ماشيًا): حال من الضّمير في أفعل التّفضيل، و (راكبًا): حال من الهاء، والعامل فيهما: اسم التّفضيل كما سبق؛ لأنه العامل في الضّميرين والعامل في الحال: هو العامل في صاحبها علَى الصّحيح.

وجزم به في "النّهر"، قال: في قوله تعالَى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} : و (مظلمًا): حال من (اللّيل)، والعامل فيها: مستقر، الّذي هو عامل في (اللّيل)؛ لأن العامل في الحال هو العامل في صاحبها؛ أَي: قطعًا مستقرة من اللَّيل في حالة إظلامه.

وعن سيبويه: ليس لازمًا؛ لورود نحو: (أعجبني وجه زيد متبسمًا)، فالعامل في (زيد):(وجه)، والعامل في (متبسمًا):(أعجبني).

ولَا يشكل كون الحال من المضاف إِليه هنا؛ لأن المضاف جزؤه.

وقال في "التّسهيل" أيضًا: وقد يعمل فيها غير عامل صاحبها، خلافًا لمن منع.

ولورود قوله تعالَى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} ، ف (أمة): حال من (أمتكم)، والعامل في (أمتكم):(إن)، والعامل في (أمة): ما في اسم الإِشارة ممن معنَى (أشير).

وعن السيرافي: إنَّ (ماشيًا وراكبًا): خبران لكان المحذوفة، يعني في نحو:(زيد ماشيًا أحسن منه راكبًا)، أَي:(إذا كَانَ ماشيًا أحسن منه إِذا كَان راكبًا).

البيت: لن: نافية ناصبة. يهن: بمعنى يضعف: فعل مضارع منصوب بلن، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، وسكن لأجل الوقف، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى نحو، وجملة يهن وفاعله: في محل رفع خبر ثان، أو صفة للخبر السابق.

ص: 313

وكذا ما كَانَ مثله؛ كـ (هذا بُسْرًا أطيب من نفسه رُطَبًا).

واعترض بأنه يلزم فيه حذف ستة: (إِذا)، وَ (كَانَ)، و (اسمها) قبل أفعل التّفضيل، ومثل ذلك بعده.

ومعنَى: (لَن يَهِنْ): لن يضعف.

واللَّه الموفق

ص:

348 -

وَالْحَالُ قَد يَجِيءُ ذَا تَعدُّدِ

لِمُفرَدٍ فَاعْلَمْ وَغَيْرِ مُفرَدِ

(1)

لما كانت الحال شبيهة بالخبر والنَّعت

جاز تعددها كما يجوز ذلك فيهما، وسواء كَانَى صاحب الحال حينئذ مفردًا أَو غيره.

* فالأول: كـ (جاء زيد راكبًا ضاحكًا).

وفي القرآن قال: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} .

ونحو قول الشّاعر:

عَلَيَّ إذَا مَا جِئتُ لَيلَى بِخِفْيَةٍ

زِيارَةُ بَيتِ اللَّهِ رَجْلَانَ حَافِيَا

(2)

(1)

الحال: مبتدأ. وجملة يجيء وفاعله المستتر فيه: في محل رفع خبر. ذا: حال من الضمير المستتر في يجيء، وذا: مضاف. وتعدد: مضاف إليه. لمفرد: جار ومجرور متعلق بتعدد، أو بمحذوف نعت لتعدد. فاعلم: فعل أمر، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، والجملة لا محل لها اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه. وغير: الواو عاطفة، غير: معطوف على مفرد، وغير مضاف، ومفرد: مضاف إليه.

(2)

التخريج: البيت للمجنون في ديوانه ص 233، وبلا نسبة في شرح التصريح 1/ 385، وشرح شواهد المغني 2/ 859، ولسان العرب 11/ 268 رجل، ومغني اللبيب 2/ 461.

اللغة: الخفية: الاستتار. رَجلان: ماشيًا على رجليه.

المعنى: يقول: لئن زرت ليلى متخفيًا .. فعليَّ أن أزور بيت اللَّه ماشيًا حافيًا.

الإعراب: عليَّ: جار ومجرور متعلقان بخبر مقدم محذوف. إذا: ظرف زمان متعلق بالخبر المقدم المحذوف. ما: زائدة. جئت: فعل ماض، والتاء: ضمير في محل رفع فاعل. ليلى: مفعول به منصوب. بخفية: جار ومجرور متعلقان بجئت. زياة: مبتدأ مؤخر مرفوع، وهو مضاف. بيتِ: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. الله: اسم الجلالة مضاف إليه مجرور. رَجْلَان: حال منصوبة

ص: 314

فـ (رَجْلانَ حافيًا): حالان من ضمير في فعل محذوف؛ وتقدير البيت: (عليَّ إِذا ما جئت لقصد زيارةٍ أجيءُ رَجلانَ حافيًا).

ومنع الفارسي وابن عصفور: تعددها إِذا كَانَ صاحبها مفردًا؛ لأَنَّها بمنزلة الظّرف، والظّرف لا يتعدد لذات واحدة؛ إذ لا يقال:(جلست أمامك خلفك)؛ لاستحالة كون الذّات الواحدة في مكانين أَو زمان ن كما سيأتي في الإِضافة.

ولأنه أيضًا لا يعمل عامل واحد في ظرفين مختلفين بدون عطف، فكذلك الحال قياسًا على الظّرف، فتقدَّر (رَجْلان) عندهما حالًا من الضّمير كما سبق، و (حافيًا) حالًا من الضَمير في (رَجْلان).

وهذه هي الّتي تسمَّى الحال المتداخلة.

* والثَّاني: كقولك (جاء زيد وعمرو ضاحكين)، فـ (ضاحكين): حال من (زيد وعمرو).

وفي القرآن: ولم {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} .

ومنه أيضًا قول الشاعر:

مَتَى ما تَلْقَني فَرْدَيْن تَرْجُف

.........................................

(1)

= أولى. حافيا: حال منصوبة ثانية.

وجملة (علي زيارة): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (جئت): في محل جر بالإضافة.

الشاهد: قوله: (رجلان حافيا)؛ حيث تعدد الحال لواحد، وهو الضَّمير في (عليَّ)، وتقدير البيت:(عليَّ إِذا ما جئت لقصد زيارةٍ أجيءُ رَجلانَ حافيًا).

(1)

التخريج: صدر بيت من الوافر، وعجزه: رَوانِفُ أَليَتَيكَ وَتُستَطارَا

وهو لعنترة في ديوانه ص 234، وخزانة الأدب 4/ 297، 7/ 507، 514، 553، 8/ 22، والدرر 5/ 94 وشرح شواهد الشافية ص 505، وشرح عمدة الحافظ ص 460، ولسان العرب 4/ 513 (طير)، 14/ 43 (ألا)، 231 (خصا)، والمقاصد النحويَّة 3/ 174، وبلا نسبة في أسرار العربية ص 191، وأمالي ابن الحاجب 1/ 451، وشرح الأشموني 3/ 579، وشرح شافية ابن الحاجب 3/ 301، ولسان العرب 9/ 127 (رنف)، وهمع الهوامع 2/ 63.

اللغة: فردين: منفردين. ترجف: تضطرب.

المعنى: يهجو الشاعر عمارة بن زياد، وكان يحسد عنترة ويقول لقومه: إنكم أكثرتم من ذكره، والله لوددت أني لقيته خاليًا حتى أعلمكم أنّه عبد، وكان عمارة جوادًا كثير الإبل، مضيعًا لماله مع

ص: 315

فـ (فردين): حال من فاعل (تلقني) ومن الياء؛ فهي من الفاعل والمفعول؛ كما في قوله تعالى: (أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رُمُزًا) في قراءة ضم الرّاء والميم، فهي حال منه ومن النّاس؛ أي:(مترامزين). وقوله تعالى: {فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} ؛ أي: (مستوين) فهي من الفاعل والمفعول أيضًا.

ونحو قول الشاعر:

لَقِيَ ابْنِي أَخَوَيهِ

خَائِفًا مُنجِدَيهِ فَأَصَابُوا مَغْنَمَا (1)

فـ (منجدَيه): حال من أخويه، و (خائفًا): حال من ابني.

جوده، وكان عنترة لا يكاد يمسك إبلا إِلَّا ويعطيها إخوته، ويقسمها، فبلغه ما قال عمارة، فقال فيه: إذا التقينا منفردين .. ترتعد فرائصك، وترتجف أليتيك، وتكادان تطيرانِ من الخوف.

الإعراب: متى: اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول فيه، متعلق بالجواب. ما: زائدة. تلقني: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلّة، والنون: للوقاية، والياء: ضمير متصل مبني في محلّ نصب مفعول به، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. فردين: حال منصوبة بالياء لأنَّها مثْنَى. ترجفْ: فعل مضارع مجزوم لأنَّه جواب الشرط. روانفُ: فاعل مرفوع، وهو مضاف. أليتيك: مضاف إليه مجرور بالياء لأنَّه مثْنَى، وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني في محلّ جرّ بالإضافة. وتستطارا: الواو: حرف عطف، تستطارا: فعل مضارع مجزوم بحذف النون، مبني للمجهول، والألف: ضمير متصل مبنيٍّ في محلّ رفع نائب فاعل؛ ويجوز أن يكون مبنيًّا على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المنقلبة ألفًا، والأصل: تستطارَنْ.

الشاهد: قوله: (فردين)؛ حيث جاءت الحال متداخلة من الفاعل الذي هو الضَمير المستتر في قوله (تلقني)، والمفعول الذي هو الياء فيها.

(1)

التخريج: البيت بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص 46، والمقاصد النحوية 3/ 215. اللغة: منجديه: مغيثيه. أصابوا: نالوا. المغنم: الغنيمة.

الإعراب: لقي: فعل ماض. ابني: فاعل مرفوع، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل مبني في محلّ جر بالإضافة. أخويه: مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل في محلّ جر بالإضافة. خائفًا: حال من ابني. منجديه: حال من أخويه. فأصابوا: الفاء حرف عطف، أصابوا: فعل ماض، والواو: ضمير في محلّ رفع فاعل، والألف: فارقة. مغنما: مفعول به منصوب.

وجملة (لقي): ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة (أصابوا): معطوفة على (لقي).

الشاهد: قوله: (خائفا منجديه)؛ حيث تعددت الحال وتعدد صاحبها، فـ (خائفًا): حال من (ابني)، و (منجديه): حال من (أخويه).

ص: 316

وتقول: (لقيت هندًا ماشيًا راكبة)؛ كقولِ الشَّاعرِ:

عَهِدْتُ سُعَادَ ذَاتَ هَوًى مُعَنًى ........................

(1)

فـ (ذات هوَى): حال من سعاد، و (مُعَنًّى): حال من التَّاء.

ويلزم تكرار الحال:

بعد (إِمَّا)؛ كقولِهِ تعالَى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} .

وبعد (لا)؛ نحو: (جئتك لا ضاربًا ولَا مهينًا).

وقد تنفرد بعد (لا)؛ كقولِ الشَّاعرِ:

قَهَرْتُ العِدَا لا مُسْتَعِينًا بعُصْبَةٍ

وَلَكِن بأنْواعِ الخَدائعِ والْمَكْرِ

(2)

كما سبق في آخر باب (لا).

إذا كررت الحال وصاحبها:

(1)

التخريج: البيت بلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 337، وشرح ابن الناظم ص 242، وشرح التسهيل 2/ 350، وشرح شواهد المغني 1/ 901، ومغني اللبيب 2/ 556، والمقاصد النحوية 3/ 180.

الشاهد: قوله: (ذاتَ هوى معنّى)؛ حيث تعددت الحال وتعدد صاحبها، فـ (ذاتَ): حال من (سعاد)، و (مُعنَّى): حال من التاء في (عهدت).

(2)

التخريج: البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص 299، والدرر 2/ 235، 4/ 11، وهمع الهوامع 1/ 48، 245.

اللغة: قهرت: غلبت وانتصرت. العدا: الأعداء. العصبة: الجماعة المتعاونة من الناس. الخدائع: جمع الخديعة، وهي إظهار خلاف ما تخفيه. المكر: الخداع بالحيلة.

المعنى: يقول: إنه استطاع بفضل مكره وخداعه أن ينتصر على الأعداء دون أن يستعين بأحد.

الإعراب: قهرت: فعل ماض، والتاء: ضمير متصل مبني في محلّ رفع فاعل. العدا: مفعول به منصوب. لا: حرف نفي. مستعينًا: حال منصوبة. بعصبة: جار ومجرور متعلقان بمستعينا.

ولكن: الواو: حرف استئناف، لكن: حرف استدراك. بأنواع: جار ومجرور متعلقان بفعل محذوف تقديره: ولكن قهرتهم بأنواع، وهو مضاف. الخدائع: مضاف إليه مجرور. والمكر: الواو: حرف عطف، المكر: معطوف على الخدائع، مجرور بالكسرة.

وجملة (قهرت العدا): ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة (ولكن قهرتهم بأنواع): استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.

الشاهد: قوله: (لا مستعينا)؛ حيث دخلت لا النافية على الحال (مستعينًا) ولم تتكرر، وهذا للضرورة.

ص: 317

فتارة يظهر المعني نحو: (لقيت هندٌ والفرسُ ماشيًا ضاحكةً صاهلةً)، فـ (ماشيًا): حال من التّاء، و (ضاحكة): حال من هند، و (صاهلة): حال من الفرس فكل حال لما يليق بها.

وتارة لا يظهر المعنَى، فتكون أول الحالين الثاني الاسمين، وثاني الحالين لأول الاسمين؛ نحو:(لقيت زيدًا صاعدًا منحدرًا)، فـ (صاعدًا): حال من زيد، و (منحدرًا): حال من التّاء؛ لأنَّ العكس يستلزم كثرة الفصل.

ويمتنع العطف هنا فلا يقال: (ومنحدرًا)؛ إذِ لا يعطف حال الفاعل على حال المفعول كما نقله الرّضي.

والله الموفق

ص:

349 -

وَعَامِلُ الحالِ بها قَد أكِّدَا

في نَحوِ لا تَعثَ في الأرضِ مُفسِدَا

(1)

ش:

تأتي الحال مؤكدة لعاملها:

* فتارة توافقه في المعنَى دونَ اللَّفظ؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا في الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} ، وقوله تعالى:{ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} ، {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا} ؛ لأن العثو هو الفساد، والتولية في معنى الإدبار، والتبسم في معنَى الضّحك.

ونحو قول المصنف: (لا تَعثُ في الأرض مُفسِدًا).

ونحو قول الشّاعر:

وَتُضيءُ في وَجْهِ الظَّلامِ مُنيرةً

.................

(2)

(1)

وعامل: مبتدأ، وعامل: مضاف. والحال: مضاف إليه. بها: جار ومجرور متعلق بأُكِّد الآتي. قد: حرف تحقيق. أكدا: أكد: فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى عامل الحال، والألف للإطلاق، والجملة في محلّ رفع خبر المبتدأ. في نحو: جار ومجرور متعلق بأحد. لا: ناهية. تعث: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. في الأرض: جار ومجرور متعلق بتعث. مفسدا: حال من الضمير المستتر في تعث وهو حال مؤكدة للعامل وهو تعث، وجملة تعث في الأرض مفسدا: في محلّ جر بإضافة نحو إليها.

(2)

التخريج: صدر بيت من الكامل، وعجزه: كَجُمانَةِ البَحرِيِّ سُلَّ نِظامُها

ص: 318

فـ (منيرة): حال من الضّمير في (تضيء)، والنّور: هو الضّوء في المعنَى.

* وتارة توافقه في المعنَى واللَّفظ؛ كقولِهِ تعالَى: {وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا} ، {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} ، فـ (رسولًا): حال مؤكدة لعاملها في اللَّفظ والمعنَى، وكذا:(مسخرات).

وقال الشّاعر:

أَصِخْ مُضْيخًا لِمَنْ أَبْدَى نَصيحَتَهُ ........................

(1)

فـ (مضحيًا): حال من فاعل (أصخ)؛ أَي: (استمع).

وقال الشّاعر:

قمْ قَائِمًا قمْ قَائِمًا

صَادَفْتَ عبْدًا نَائِمًا

(2)

= وهو من معلقة لبيد، وهو في شرح ديوانه (ص 309)، وشرح المصنف (2/ 356)، والتذييل (3/ 819)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 334).

اللغة: الجُمانة: اللؤلؤة الصغيرة، والبحري: الغواص، والنظام: الخيط الذي ينظم به اللؤلؤ.

الشاهد: قوله: (منيرة)؛ حيث جاءت حالًا مؤكدة توافق عاملها معنى لا لفظًا.

(1)

التخريج: صدر بيت من البسيط، وعجزه: والزَمْ تَوَقِّيَ خَلْطِ الجِدِّ واللَّعِبِ

وهو بلا نسبة في شرح التصريح 1/ 387، وشرح عمدة الحافظ ص 440، والمقاصد النحوية 3/ 185.

اللغة: أصخ: اسمع. أبدي: أظهر. الجد: الاجتهاد. اللعب: اللَّهو.

المعني: يقول: استمع جيدًا لمن يقدم لك النصيحة، واحترز من أن تخلط بين الجد واللعب.

الإعراب: أصخ: فعل أمر مبني على السكون، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا، تقديره: أنت. مصيخا: حال منصوبة. لمن: جار ومجرور متعلقان بأصخ. أبدى: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. نصيحته: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء ضمير في محلّ جر بالإضافة. والزم: الواو حرف عطف، الزم: معطوف على أصخ. توقي: مفعول به منصوب وهو مضاف. خلط: مضاف إليه مجرور، وهو مضاف. الجد: مضاف إليه مجرور. واللعب: الواو: حرف عطف، اللعب: معطوفة على الجد.

وجملة (أصخ): ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة (أبدى): صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة (الزم): معطوفة على جملة أصخ.

الشاهد: قوله: (مصيخا)؛ حيث وقع حالًا من فاعل (أصخ) مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى.

(2)

التخريج: هذا رجز لم يحدد قائله، وينظر: في أمالي ابن الشجري (1/ 347)، وشرح المصنف

ص: 319

فـ (قائمًا): حال من فاعل (قم) في الأول والثّاني.

وتكون الحال مؤكدة لصاحبها، ومنه في القرآن:{إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ في الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} .

فالأولى: حال من الكاف في (مرجعكم).

والثَّاني: حال من فاعل (آمن).

والله الموفق

ص:

350 -

وَإن تُؤَكِّد جُملَةً فَمُضمَرُ

عَامِلُهَا وَلَفظُها يُؤَخِّرُ (1)

ش:

سبق كون الحال مؤكدة لعاملها ولصاحبها.

وذكر هنا: أنها تكون مؤكدة لمضمون الجملة؛ أي: (لتأكيد خبرها ونفي الشك عنه)، وهذه يجب تأخيرها كما قال:(وَلَفْظُهَا يُؤخَّرُ)، ويجب إضمار عاملها.

وشرطها: أن يكونَ جزآها معرفتين جامدين؛ نحو: (أنا زيد شجاعًا) فحققت ما أنت متصف به، وما هو ثابت لك من الشجاعة، وعاملها:(أحق أو أثبت)؛ أَي: (أحق شجاعًا) أَو (أثبت شجاعًا).

وكذا: (هو زيد مهيبًا)؛ أي: (أحقه مهيبًا).

(2/ 357)، وشرح الألفية لابن الناظم (ص 335)، والتذييل (3/ 820).

الإعراب: قم: جملة من الفعل والفاعل، وهو أنت المستتر فيه. قائمًا: حال مؤكدة لصاحبها لفظًا ومعنى، والتكرير فيه لأجل التأكيد. صادفت: جملة من الفعل والفاعل. عبدًا: مفعوله. نائمًا: صفته.

الشاهد: قوله: (قم قائمًا)؛ حيث جاءت الحال مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى.

(1)

وإن: شرطية. تؤكد: فعل مضارع، فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هي يعود إلى الحال. جملة: مفعول به لتؤكد. فمضمر: الفاء لربط الجواب بالشرط، مضمر: خبر مقدم. عاملها: عامل: مبتدأ مؤخر، وعامل مضاف وها: مضاف إليه، والجملة في محلّ جزم جواب الشرط. ولفظها: الواو عاطفة، لفظ: مبتدأ، ولفظ مضاف، وها: مضاف إليه، وجملة يؤخر: من الفعل المضارع المبني للمجهول ونائب الفاعل المستر فيه: في محلّ رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محلّ جزم معطوفة بالواو على جملة جواب الشرط.

ص: 320

ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} ؛ أي: (أحقه مصدقًا)، نص عليه السمين.

وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} .

قال مكي: هي حال مؤكّدة كما سبق.

ونحو قول الشّاعر:

أَنَا ابنُ دَارَةَ مَعرُوفًا بِهَا نَسَبِي

وَهَل بِدَارَةَ يَا لَلنَّاسِ من عَارِ

(1)

التقدير: (أحق معروفًا) أو (أحقي معروفًا).

وليس منه: (زيد أبوك جالسًا)، ولَا (أنا زيد واقفًا)؛ إذ لا بد من معنَى افتخارٍ في الكلام أَو تعظيمٍ، كما سبق.

قال المصنف: أو تصاغُرٍ؛ نحو: (هو فلان مقهورًا).

وذهب الرَّجاج: إِلَى أَن الحال في هذه المواضع معمولة للخبر؛ لأنه في تأويل الصّفة عنده، فـ (أنا زيدٌ معروفًا) تقديره:(أنا مسمَّى معروفًا).

(1)

التخريج: البيت السالم بن دارة في خزانة الأدب 1/ 468، 3/ 265، 266، والخصائص 2/ 268، 317، 340، 3/ 60، والدرر 4/ 11؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 547، وشرح المفصل 2/ 64 والكتاب 2/ 79؛ والمقاصد النحوية، وبلا نسبة في شرح ابن عقيل ص 33 وهمع الهوامع 1/ 245.

المعنى: يفخر الشّاعر بنسبه إلى دارة، وهي أمه التي يعتز القوم بالانتساب إليها لأنها شريفة، ويتساءل: هل يكون معابًا من أنتمي إليها؟

الإعراب: أنا: ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ. ابن: خبر المبتدأ مرفوع، وهو مضاف. دارة: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث. معروفًا: حال منصوبة. بها: جار ومجرور متعلقان بمعروفًا. نسبي: نائب فاعل لمعروفًا مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء، وهو مضاف، والياء: في محلّ جر بالإضافة. وهل: الواو: حرف عطف، هل: حرف استفهام. بدارة: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم تقديره موجود. يا: حرف نداء للاستغاثة. للناس: اللام: حرف جر زائد. الناس: اسم مجرور لفظًا منصوب محلًا على أنه مفعول به لفعل الاستغاثة المحذوف تقديره: أدعو. من: حرف جر زائد. عار: اسم مجرور لفظًا مرفوع محلًا على أنه مبتدأ مؤخر.

وجملة (أنا ابن دارة): لا محلّ لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة (هل بدارة): معطوفة على جملة لا محلّ لها من الإعراب. وجملة (يا للناس): لا محلّ لها من الإعراب لأنها اعتراضية.

الشاهد: قوله: (معروفًا)، فإنها حال مؤكّدة لمضمون الجملة قبلها.

ص: 321

وأبو الحسن ابن خروف: إن العامل فيها المبتدأ مضما معنى تنبه، وتقدير الكلام:(تنبه لابن دارة معروفًا)، و (تنبه لزيد شجاعًا)، ونحو ذلك.

والصَّحيح: أن العامل فيها محذوف كما سبق ذكره، وإليه أشار بقوله:(فَمُضْمَرُ عَامِلُهَا) وإنما أُخِّرت؛ لأَنَّها مؤكِّدة، والمؤكِّد بعد المؤكَّد.

والله الموفق

ص:

351 -

وَمَوضِعَ الْحَالِ تَجِيءُ جُمْلَه .... كَجَاءَ زَيْدٌ وَهْوَ نَاوٍ رِحْلَه

(1)

ش:

الأصل في الحال: أن تكونَ مفردة؛ لأنها صفة في الأصل.

ويجوز وقوعها جملة غير الطلبية، فشمل الاسمية والفعلية.

والكلام هنا على الاسمية، ولَا بد من ضمير يربطها بصاحبها أو ما يقوم مقام الضّمير؛ كـ (الواو).

والأصل: أن تشتمل عليهما، كـ (جاء زيد وهو ناو رحلة)، فالجملة: في محلّ نصب على الحال من (زيد)؛ لأنَّ الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات.

وتعرف واو الحال بوقوع (إذ) موقعها، فيصح أن تقول:(إذ هو ناوٍ رحلة).

ومن المشتملة علَى الواو والضّمير أيضًا: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} .

ومن المشتملة على الواو فقط: قوله تعالى: {قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} ، والجملة: حال من (الذئب).

ولا يقال: اشتملت علَى الواو والضّمير هنا؛ لأنَّ الضّمير هنا لا يصلح أَن يعود لصاحب الحال وهو (الذّئب)، وليست حالًا من الواو في (قالوا)؛ لأنَّ المعنَى (لئن أكله

(1)

موضع: ظرف مكان متعلق بتجيء، وموضع مضاف. والحال: مضاف إليه. تجيء: فعل مضارع. جملة: فاعل تجيء. كجاء زيد: الكاف جارة لقول محذوف، كما سبق مرارًا، وما بعدها: فعل وفاعل. وهو: الواو: واو الحال، وهو: ضمير منفصل مبتدأ. ناو: خبر المبتدأ، وفيه ضمير مستتر فاعل. رِحلة: مفعول به لناو، والجملة من المبتدأ والخبر: في محلّ نصب حال.

ص: 322

الذّئب في حالة كوننا عصبة).

وكذا قول الشّاعر:

وقد أَغتَدِي وَالطَّيرُ في وُكُنَاتِهَا

.............................

(1)

والجملة حال من فاعل (أغتدي)؛ ونحو: (جاء زيد وعمرو قائم).

والمشتملة على الضّمير فقط: قوله تعالى: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} ؛ أي: (اهبطوا متعادين)، والضمير هو: الكاف، وصاحب الحال: الواو.

وكذا: قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} ، وصاحبها:(الحديد).

{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} ، وصاحبها:(المرسلين).

(1)

التخريج: صدر بيت من الطويل، وصدره: بمنجرد قيدِ الأوابدِ هَيكَلِ

وهو لامرئ القيس في ديوانه ص 19، وإصلاح المنطق ص 377، وخزانة الأدب 3/ 156، 24 ولسان العرب 3/ 372 (قيد)، 11/ 700 (هكل)، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 410، 3/ 41، وخزانة الأدب 4/ 250، والخصائص 2/ 220، ورصف المباني ص 392، وشرح شواهد المغني 2/ 86 وشرح عمدة الحافظ ص 487، والمحتسب 1/ 168، 2/ 243.

اللغة: الغدوة: الرواح صباحًا. الوكنة: عش الطير. منجرد: قصير الشعر. قيد الأوابد: ممسك بالوحوش السائمة. هيكل: ضخم الجثة.

المعنى: غالبًا ما أنهض قبل الطيور صباحا على فرسي الضخم للصيد، فيلحق بالطرائد ولا يترك منها حتى الوحوش الشاردة.

الإعراب: وقد: الواو: بحسب ما قبلها، وقد: حرف تكثير. أغتدي: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. والطير: الواو: حالية، والطير: مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة. في وكناتها: في: حرف جر، وُكُنَاتِهَا: اسم مجرور، وهو مضاف، وها: ضمير متصل مبني في محلّ جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بالخبر المحذوف. بمنجرد: جار ومجرور متعلقان بالفعل أغتدي. قيد: صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة. الأوابد: مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة. هيكل: صفة مجرورة بالكسرة الظاهرة.

وجملة (قد أغتدي): بحسب الواو. وجملة (الطير في وكناتها): في محلّ نصب حال.

الشاهد: قوله: (الطير في وكناتها)؛ حيث جاءت هذه الجملة الاسميّة حالًا، مستغنيةً بالواو عن الضّمير.

ص: 323

ومن المشتملة على الضّمير أيضًا: قول الشّاعر:

ثُمَّ رَاحُوا عَبَقُ المِسْكِ بِهِمْ

...........

(1)

فـ (عبق): مبتدأ، و (بهم): خبر، والجملة حال وصاحبها: الواو.

و (العَبَق): مصدر عَبِقَ بالكسر، كـ (فرح)(فَرَحًا).

وقول الآخر:

ظَعَنَتْ أُمَامَةُ قَلْبُهَا بِكَ هَائِمٌ .................

(2)

وقد يخلو من الواو والضمير مع عدم اللبس: كـ (بعت اللّحم الرّطلُ بدرهم) فجملة

(1)

التخريج: صدر بيت من الرَّمَل، وعجزه: يُلحِفونَ الأَرضَ هُدّابَ الأُزُرْ

وهو لطرفة بن العبد في ديوانه ص 55، وجمهرة اللغة ص 555، ولسان العرب 9/ 314 لحف، 10/ 234 عبق، والمقاصد النحوية 3/ 208، وبلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص 456.

اللغة: عبق المسك بهم: أي تعلق طيب المسك بهم وبقي. يلحقون: يغطون. الأُزُر: جمع الإزار، وهو الثوب. والهداب: جمع الهُدْب، وهو طرف الثوب.

المعنى: يقول: لقد علقت بهم رائحة الخمرة بعد أن أكثروا منها -هي شبيهة برائحة المسك على الطريقة النواسية- ثم راحوا يتبخترون في مشيهم، ويجرون أطراف أثوابهم الطويلة التي تغطي الأرض.

الإعراب: ثم: حرف عطف. راحوا: فعل ماض، والواو: ضمير في محلّ رفع فاعل. عبقُ: مبتدأ مرفوع، وهو مضاف. المسك: مضاف إليه مجرور بالكسرة. بهم: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. يلحفون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والواو: ضمير في محلّ رفع فاعل. الأرض: مفعول به منصوب. هداب: مفعول به ثان، وهو مضاف. الأزر: مضاف إليه مجرور بالكسرة وسكن للروي.

وجملة (راحوا): معطوفة على ما سبق. وجملة (عبقُ المسك): في محلّ نصب حال. وجملة (يلحفون): في محلّ نصب حال.

الشاهد: قوله: (عبق المسك بهم)؛ حيث جاءت الجملة الاسمية حالًا من واو الجماعة في (راحوا)، وقد ربط الشّاعر هذه الجملة بصاحبها بالضمير المجرور في (بهم)، ولم يذكر الواو معها، وهذا شاذ حسب رأي الزمخشري؛ إذ لا يجوز أن يكون الرابط هو الضّمير وحده، ولا بد في ربط الجملة الاسمية إذا وقعت حالًا من الواو إما وحدها وإما مع الضّمير.

(2)

التخريج: صدر بيت من الكامل، وعجزه: فَاعْصِ الذي يُغْرِيكَ بالسُّلْوانِ

وهو بلا نسبة في شرح عمدة الحافظ ص 457، وشرح التسهيل 2/ 365.

الشاهد: قوله: (قلبها بك هائم)؛ حيث جاءت الجملة الاسمية حالًا من (أمامة)، وقد ربط الشّاعر هذه الجملة بصاحبها بالضمير في (بك)، ولم يذكر الواو معها، وهذا شاذ كما في الشاهد السابق.

ص: 324