الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّنازع فِي العمل
ص:
278 -
إِنْ عَامِلَانِ اقْتَضَيَا فِي اسْمٍ عَمَلْ
…
قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ
(1)
279 -
وَالثَّانِ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ البَصْرَهْ
…
وَاخْتَار عَكْسًا غَيْرُهُمْ ذَا أُسْرَهْ
(2)
ش:
التّنازع: عبارة عن أن يتأخر اسم، ويقدم عليه عاملان، كل منهما طالب لهُ.
وهما:
1.
إما فعلان متصرفان.
2.
أَو اسمان يشبهانهما.
3.
أَو فعل متصرف، واسم يشبهه.
* فالأول: منه فِي القرآن: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} ، وكقولك:(ضربت وأكرمت زيدًا)، فكل من (ضربت)، و (أكرمت) يطلب (زيدًا) مفعولًا.
فيجوز: أَن يعمل الأول ويهمل الثّاني، وعكسه، وهذا هو معنَى قوله:(فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا الْعَمَلْ).
(1)
إن شرطية. عاملان: فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن اقتضى عاملان. اقتضيا: فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الإعراب مفسرة. في اسم: جار ومجرور متعلق باقتضى. عمل: مفعول به لاقتضى، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. قبلُ: ظرف متعلق باقتضى، أو بمحذوف يقع حالًا من قوله عاملان؛ أي: حال كون هذين العاملين واقعين قبل الاسم، وقبل: مبني على الضم في محل نصب. فللواحد: الفاء لربط الجواب بالشرط، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. منهما: جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الواحد العمل: مبتدأ مؤخر.
(2)
والثاني: مبتدأ. أولى: خبر المبتدأ. عند: ظرف متعلق بأولى، وعند: مضاف. وأهل: مضاف إليه، وأهل: مضاف. والبصرة: مضاف إليه. واختار: فعل ماض. عكسًا: مفعول به لاختار. غيرُهم: غير: فاعل اختار، وغير مضاف، وضمير الغائبين: مضاف إليه. ذا: حال من غيرهم، وذا: مضاف. وأُسره: مضاف إليه، وهو بضم الهمزة، والمراد به: ذا قوة، وأصله - بضم الهمزة: الدرع الحصينة، أو قوم الرجل ورهطه الأقربون، ويجوز فتح الهمزة، والأسرة -بالفتح- الجماعة القوية.
وإِذا عمل أحدهما. . أعمل المهمل فِي ضمير المتنازع فيه، علَى ما سيأتي ذكره.
وقال البصريون: إعمال الثّاني أولَى؛ لقربه من المتنازع فيه، ولسلامته من الفصل.
والكوفيون: على عكس ذلك؛ لسبق الأول.
وقوله: (ذا أسره)؛ أَي: (ذا قوة)، يعني به كثرة القائلين: بأن إعمال الأول أولى، و (أسرة الرّجل): رهطه.
واحتج الكوفيون بقول الشّاعر:
فَلَوْ أنَّ ما أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيشَةٍ
…
كفَانِي، ولم أَطْلُبْ قَلِيلٌ من المال
(1)
(1)
التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص 39، والإنصاف 1/ 84، وتذكرة النحاة ص 339، وخزانة الأدب 1/ 327، 462، والدرر 5/ 322، وشرح شواهد المغني 1/ 342، 2/ 642، وشرح قطر الندى ص 199، والكتاب 1/ 79، والمقاصد النحوية 3/ 35، وهمع الهوامع 2/ 110، وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 880، ومغني اللبيب 1/ 256، والمقتضب 4/ 76، والمقرب 1/ 161.
اللغة. أسعى: أجد، أعمل. أدنى معيشة: حياة عادية.
المعنى: يقول: لو أنه يسعى لحياة عادية. . لكفاه قليل من المال، ولكنه يسعى في طلب الملك والسيادة، لذلك يتوجب عليه الجد والسعي المستمر.
الإعراب: ولو: الواو: بحسب ما قبلها، لو: حرف امتناع لامتناع. أن: حرف مشبه بالفعل. ما: حرف مصدري. أسعى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر، والفاعل: أنا، والمصدر المؤول من (ما) وما بعدها: في محل نصب اسم (أنَّ). لأدنى: جار ومجرور متعلقان بخبر أن المحذوف، والمصدر المؤول من أن واسمها وخبرها: في محل رفع فاعل لفعل محذوف، تقديره: لو ثبت كون سعيي. معيشة: مضاف إليه مجرور. كفاني: فعل ماض، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصمب مفعول به. ولم: الواو: حرف اعتراض، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أطلب: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنا، والمفعول به محذوف، تقديره: ولم أطلب الملك. قليل: فاعل كفى مرفوع. من المال: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لقليل.
وجملة (لو أنما أسعى): بحسب ما قبلها. وجملة (كفاني): لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم. وجملة (لم أطلب): لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية.
والشاهد: قوله: (كفاني ولم أطلب قليل)، حيث جاء قوله:(قليل) فاعلًا لكفاني، وليس البيت من باب التنازع، لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى المعمول المتأخر مع بقاء المعنى صحيحًا، والأمر ههنا ليس كذلك، لأن القليل ليس مطلوبًا.
فقالوا: أعمل الأول مع إِمكان إعمال الثّاني.
وأجاب البصريون: بأن هذا ليس من التّنازع؛ لفساد المعنَى، وذلك أَن مدخول (لو) إن وقع مثبتًا. . كَانَ منفيًا، وعكسه، وجوابها كذلك، ولَا شك أَن الشّرط هنا مثبت، والجواب كذلك، فمعناهما النّفي لِمَا ذُكر، والتقدير:(انتفى سعيي لأدنى معيشة، فلم يكفني قليل من المال)، وقوله:(وَلَم أطلب): معطوف علَى الجواب، وهو منفي، فمعناه الإِثبات؛ لما تقدم من القاعدة؛ لأنَّ المعطوف علَى الجواب حكمه حكمِ الجواب فِي القاعدة المذكورة، ومتَى كَانَ مثبتًا. . لزم مخالفته لما عطف عليه؛ لأنَّ المعطوف عليه معناه:(لم يكفني قليل من المال)، والمعطوف هنا معناه:(أطلب قليلًا) وهذا متناقض؛ لأنه لا يطلب مالًا يكفيه، فمفعول الثّاني ليس ضميرًا لقليل، بَل التّقدير:(لم أطلب الملك أَو المجد).
والشلوبين: إن قدرت الواو للحال. . جاز كونه من التّنازع؛ لأنَّ (لم أطلب) يصير منفيًا علَى بابه، فيصير المعنَى:(انتفَى سعيي لأدنَى معيشة، فلم يكفني قليل من المال وَلَم أطلبه).
وكذا: إن جعلت الواو للاستئناف، وفي كليهما نظر؛ لأنَّ الواو الحالية أَو الاستئنافية غير عاطفة، فَلَا يكون بَينَ عاملي التّنازع ارتباط.
ومن إعمال الثّاني: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} ، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ} ، {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} ، ولو أعمل الأول. . لقيل:(وكذبوا بها بآياتنا)، (يستغفر لكم إِلَى رسول اللَّه)، (يفتيكم فيها فِي الكلالة) كما ستعرفه.
وقول الشّاعر:
. . . . . . . . . . .
…
جَرَى فوقَها واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ
(1)
(1)
التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: وَكُمتًا مُدَمّاةً كَأَنَّ مُتُونَها
وهو للطفيل الغنوي في ديوانه ص 23، وأمالي ابن الحاجب ص 443، والرد على النحاة ص 97، وشرح أبيات سيبويه 1/ 183، وشرح المفصل 1/ 78، والكتاب 1/ 77، ولسان العرب 2/ 81 كمت، 4/ 413 شعر، 14/ 270 دمي، والمقاصد النحوية 3/ 24، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص 515، وتذكرة النحاة ص 344، والمقتضب 4/ 75.
ولو أعمل الأول. . رفع (لون).
* ومن إعمال الاسمين قوله:
عُهِدْتَ مُغِيثًا مُغنِيًا مَنْ أَجَرْتَهُ
…
. . . . . . . . . . .
(1)
= اللغة: كُمتا: جمع أكمت وكُمَيت وهو الذي يخالط حمرته سواد. مدماة: شديدة الحمرة كأنها مغطاة بالدم. متونها: ظهورها. المُذْهَب: المموه بالذهب. استشعرت: لبسته شعارًا وهو ما يلي الجسد من الثياب.
المعنى: يصف خيلا بأنها ذات لون أحمر مائل إلى الذهبي بسبب انعكاس أشعة الشمس على عَرَقها.
الإعراب: وكُمتًا: الواو: عاطفة، كُمتا: اسم معطوف على الخيل في بيت سابق نصه:
جَلَبنا مِنَ الأَعرافِ أَعرافِ غَمرَةٍ
…
وَأَعرافِ لُبنى الخَيلَ يا بُعدَ مَجلَبِ
مدماة: صفة لكمتا منصوبة بالفتحة. كأن: حرف مشبه بالفعل. متونها: اسم كأن منصوب بالفتحة، وها ضمير متصل في محل جر بالإضافة. جرى: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل: ضمير مستتر تقديره هو. فوقها: مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة، وها: ضمير متصل في محل جر بالإضافة. واستشعرت: الواو: حرف عطف، استشعرت: فعل ماض مبني على الفتح، والتاء: تاء التأنيث الساكنة، والفاعل: ضمير مستتر، تقديره: هي. لونَ: مفعول به منصوب بالفتحة. مذهب: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة (كأن متونها): في محل نصب صفة لـ (كُمتًا). وجملة (جرى): في محل رفع خبر كأن. وجملة (استشعرت): معطوفة على جملة جرى.
الشاهد: قوله: (جرى واستشعرت لون) حيث تقدم عاملان (جرى) و (استشعرت)، وتأخر عنهما معمول واحد (لون)، الأول يطلبه فاعلًا، والثاني يطلبه مفعولًا، وقد أعمل الثاني.
(1)
التخريج: صدر بيت من الطويل، وعجزه: فَلَمْ أتَّخِذ إلا فَنَاءِك مَوْئِلا
وهو بلا نسبة في تخليص الشواهد ص 513؛ وشرح التصريح 1/ 316؛ والمقاصد النحوية 3/ 2.
اللغة: عُهدتَ: عُلمت. مغيثًا: مساعدًا. أجرتَه: ساعدته وحميته. الفناء: ساحة الدار. الموئل: الملجأ.
المعنى: يقول: لقد علمت أنك تساعد وتجير من يلتجئ إليك، لذلك لن أتخذ إلا دارك ملجأ لي.
الإعراب: عهدت: فعل ماض للمجهول، والتاء ضمير في محل رفع نائب فاعل. مغيثًا: حال من نائب الفاعل، وقيل: مفعول به ثان. مغنيًا: معطوف على مغيثًا بحرف عطف محذوف، أو حال ثانية. مَن: اسم موصول في محل نصب مفعول به لمغنيًا. أجرتَه: فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به. فلم: الفاء: حرف عطف، لم: حرف جزم. أتخذ: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنا. إلا: أداة حصر. فناءك: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محل جر بالإضافة. موئلا: =
ولو أعمل الأول. . لقال: (مغنيًا لهُ).
ويمكن حذفه للضرورة.
* ومن إعمال الفعل والاسم: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} .
و (هاؤم): اسم فعل بمعنَى (خذوا).
ولو أعمل الأول. . لقيل (قرأوه).
وقول الشّاعر:
. . . . . . . . . . .
…
لَحِقتُ فلم أَنْكُلْ عَنِ الضَّربِ مِسْمَعَا
(1)
= مفعول به ثان منصوب بالفتحة.
وجملة (عهدت): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (أجرته): صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة (لم أتخذ): معطوفة على جملة (عهدت).
الشاهد: قوله: (مغيثًا مغنيًا من أجرته)؛ حيث تقدم عاملان، وكلاهما اسم فاعل صالح للعمل في المعمول (من أجرته)، وفي كل منهما ضمير مستتر هو فاعله، وقد أعمل الثاني لقربه، فنصب (مَن) على المفعولية، وأعمل الأول في ضميره، وحذف هذا الضمير، لأن في ذكره إعادة على متأخر لفظًا ورتبة من غير ضرورة، ولو أعمل العامل الأول لقال:(عهدت مغيثًا مغنيه من أجرته).
(1)
التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: لَقَد عَلِمَتْ أُولى المُغيرَةِ أنّني
وهو للمرار الفقعسي في ديوانه ص 464، وشرح أبيات سيبويه 1/ 60، والكتاب 1/ 193، وله أو لزغبة بن مالك في شرح شواهد الإيضاح ص 136، وشرح المفصل 6/ 64، والمقاصد النحوية 3/ 40، 501، ولمالك بن زغبة في خزانة الأدب 8/ 128، 129، والدرر 5/ 255، وبلا نسبة في اللمع ص 271، والمقتضب 1/ 14، وهمع الهوامع 2/ 93.
اللغة: أولى: الأوائل. المُغيرة: الخيل تخرج للغارة، والمقصود هنا: الفرسان. أنكل: أنكص، أرجع من الخوف. مسمع: هو مسمع بن شيبان.
المعنى. يقول: لقد علم أول من لقيت من المغيرين أني هزمتهم، ولحقت عميدهم، فلم أنكل عن ضربه بالسيف.
الإعراب: لقد: اللام رابطة جواب القسم المحذوف، قد: حرف تحقيق. علمت: فعل ماض، والتاء للتأنيث. أُولى: فاعل مرفوع، وهو مضاف. المغيرة: مضاف إليه. أنني: حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، والياء ضمير في محل نصب اسم أن. لحقت: فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. والمصدر المؤول من (أنَّ) وما بعدها: سد مسد مفعولي علم. ولم: الواو: حرف عطف، لم: حرف جزم. أنكل: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر تقديره: أنا.
فتنازع (لحقت) و (الضّرب) في (مِسمع) بكسر أوله: اسم رجل.
ولو أعمل الأول. . لقال: (عن الضّرب لهُ).
ويروى (كررت) بدل (لحقت).
ولو أعمله أيضًا. . لقال: (عن الضّرب لهُ علَى مسمع وَلَم أنكل)؛ أَي: (لم أعجز).
وأنشد ابن فلاح: على إعمال الأول:
أَلَمْ تَسأَلْ فَتُخْبِركَ الدّيَارَا
…
عَنِ الرَّكبِ المُوَجَّهِ أَينَ سَارَا
(1)
وقوله: (عَامِلَانِ اقْتَضَيَا): يخرج ما إِذا اقتضَى العملَ أحدُهما فقط.
كقولِه:
. . . . . . . . . . .
…
أتاكِ أتاكِ اللّاحقونَ احْبسِ احبسِ
(2)
= عن الضرب: جار ومجرور متعلقان بأنكل. مسمعا: مفعول به للمصدر الضرب.
وجملة القسم المحذوفة (أقسم): ابتدائية لا محل لها. وجملة (لقد علمت): جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة (لقيت): في محل خبر أنّ. وجملة (لم أنكل): معطوفة على سابقتها.
الشاهد قوله: (لحقت الضرب مسمعا) حيث تقدم عاملان: الفعل (لحقت)، والاسم (الضرب) وتأخر المعمول عنهما (مسمعا)، وكلا العاملين يطلب المعمول المتأخر مفعولًا به، وقد أعمل الثاني لقربه، فنصب (مسمعا) على المفعولية.
(1)
التخريج: البيت من الوافر، ولم أجده فيما بين يدي من مراجع.
الشاهد: قوله: (تسأل فتخبرك الديارا)؛ حيث تنازع عاملان وهما (تسأل) وتخبرك) معمولًا واحدًا وهو (الديارا)، فطلبه الأول مفعولًا، والثاني فاعلًا، فأعمل الأول ونصبه على المفعولية، وذلك جائز.
(2)
التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: فأينَ إِلَى أَينَ النَّجاءُ ببَغلَتِي
وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 267، وأوضح المسالك 2/ 194، وخزانة الأدب 5/ 185، والخصائص 3/ 103، 109، والدرر 5/ 323، 6/ 44، وشرح ابن عقيل ص 487، والمقاصد النحو 3/ 9، وهمع الهوامع 2/ 111، 125.
المعنى: يخاطب الشاعر من سرق بغلته بقوله: إلى أين تذهب ببغلتي، ولن تنجو لأن القوم أسرعوا في أثرك، فأمسكه أيها اللاحق، ولا تدعه يفر.
الإعراب: فأين: الفاء بحسب ما قبلها، أين: اسم استفهام مبني في محل نصب مفعول فيه، متعلق بمحذوف تقديره: تذهب. وفي رأي بعضهم: أن المحذوف هو حرف الجر، تقديره: إلى أين، وهذا الوجه ضعيف. إلى: حرف جر. أين: اسم استفهام مبني في محل جر بحرف الجر، والجار =
فالثّاني: توكيدٌ للأول.
قال بعضهم: لو كَانَ تنازعًا. . لقال: (أتوك أتاك) علَى إعمال الثّاني، أَو:(أتاك أتوك) علَى إعمال الأول.
وقيل: يحتمل كونه تنازعًا وأضمر فِي الفعل.
حكى سيبويه: (ضربني وضربت قومك)، فأُضمِر فِي الفعل ضميرٌ مفرد وإِن كَانَ ما يعود عليه جمعًا.
وعلم من قوله: (قبلُ) أنه:
• لا تنازع مع تأخير العاملين.
خلافًا لبعض المغاربة: واستقرَ بَهُ أبو حيان.
قل: ومنه قوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
• ولَا مع التّوسط؛ كـ (ضربت زيدًا وأكرمت).
خلافًا للفارسي.
• وكذا لا تنازع مع فعلين جامدي.
خلافًا للمبرد: فِي فعلي التّعجب؛ كـ (ما أحسن وأجمل زيدًا) علَى إعمال الثّاني.
أَو: (ما أحسن وأجمله زيدًا) علَى إعمال الأول، و (أحسن وأجمل به بزيد) علَى إعمال الأول.
= والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. النجاء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. ببغلتي: الباء حرف جر، بغلتي: اسم مجرور بالكسرة المقدرة، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بالنجاء. أتاك: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. أتاك: توكيد لفظي للأولى. اللاحقون: فاعل أتاك الأولى مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم. أحبس: فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر منعًا من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. أحبس: فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسرة مراعاة للروي، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت.
وجملة (احبس): الثانية توكيد للجملة السابقة.
الشاهد: قوله: (أتاك أتاك اللاحقون)؛ حيث لا يعتبر هذا من باب التنازع؛ لأن الفعل الثاني لا يطلب معمولًا؛ إذ هو توكيد للأول.
وأبو حيان فِي "الشّرح": أجازه غير المبرد بشرط إعمال الثّاني، حتَّى لا يفصل بَينَ الأول ومعموله.
• ولَا مع أسمين جامدين.
خلافًا للفارسي والجرجاني فِي قولهِ:
فَهَيهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيقُ وَمَن بِهِ
…
. . . . . . . . . . . .
(1)
وأجيب: بأن الثّاني توكيد.
قال بعضهم: لأنَّ المهمل منهما يحتاج إِلَى ضمير، و (هيهات) لا يرفع ضميرًا. انتهَى.
وقال البعلي: هو من التّنازع، وأعمل الثّاني وأضمر فِي الأول.
وأَجازَ أبو البقاء: أَن يكونَ الفاعل ضميرًا فِي قوله تعالَى: {هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} .
• ولَا مع فعل وحرف.
(1)
التخريج: صدر بيت من الطويل، وعجزه قوله: وهيهات خِلٌّ بالعقيقِ نواصِلُهْ
والبيت من شواهد: التصريح: 1/ 318، 2/ 199، والهمع: 2/ 111، والدرر: 2/ والعيني: 3/ 7، 4/ 311، والمقرب: 26، وشرح المفصل: 4/ 35، والخصائص: 3/ 42، والنقائض لأبي عبيدة: 632، وقطر الندى: 114/ 347، وديوان جرير:479.
اللغة: هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعد. العقيق: مكان بالحجاز. خِلٌّ: خليل وصديق. نواصله: نصله من المواصلة والوصال.
المعنى: بعُدَ عنا كثيرًا ذلك الموضع ومن يقطن به من الأحباب والأصدقاء، وبعُد الصديق الذي كنا نأنس به، ويصلنا ونصله.
الإعراب: هيهات: اسم فعل ماضٍ بمعنى بعُد. هيهات: توكيد للأول. العقيق: فاعل هيهات الأول. وهيهات الثاني لا فاعل له؛ لأنه إنما أتى به لتقوية معنى البعد المسند إلى العقيق. ومَن: الواو عاطفة، مَن: اسم موصول معطوف على العقيق في محل رفع به: متعلق بمحذوف صلة الاسم الموصول. وهيهات: الواو عاطفة. هيهات: اسم فعل ماضٍ. خِلٌّ: فاعل هيهات الأخير مرفوع. بالعقيق: متعلق بمحذوف صفة لـ (خل). نواصله: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: نحن، والهاء: مفعول به.
الشاهد: قوله: (هيهات هيهات العقيق)؛ حيث لا يعتبر هذا من باب التنازع؛ لأن العامل الثاني لا يطلب معمولًا؛ إذ هو توكيد للأول.
ونقله ابن عمرون، لكن فِي (لعل وعسَى)؛ نحو:(لعل وعسَى زيدًا أَن يخرج) علَى إعمال الثّاني، أَو:(لعل وعسَى زيدًا) أَن يخرج علَى إعمال الأول.
• ولَا مع حرفين.
خلافًا لابن العلج: فِي نحو: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} .
قال بعضهم: ورُدَّ بأن الأول يطلب مثبتًا، والثّاني يطلب منفيًا، فَلَا يصح المعنَى. انتهَى.
وللفارسي: أيضًا فِي قول الشّاعر:
حَتَّى تَرَاهَا وكَأَنَّ وكَأَنْ
…
أَعْناقَهَا مُشَدَّداتٌ بِقَرَنْ
(1)
ومنع التّوكيد للعطف بـ (الواو)؛ إِذ التّوكيد لا يكون بالعطف، إِلَّا إِذا كَانَ العاطف (ثم) مع جملة كما سيأتي.
• ولَا فِي السّببي: كـ (زيد قام وقعد أبوه)، أَو (زيد قائم وقاعد أبوه)؛ لأنك تضمر فِي المهمل ضمير المتنازع فيه فقط، فيخلو من ضمير يربطه بالمبتدأ، نص عليه
(1)
التخريج: الرجز لخطام المجاشعي، أو للأغلب العجلي في الدرر 6/ 50، وشرح التصريح 2/ 130، والمقاصد النحوية 4/ 100، وبلا نسبة في أوضح المسالك 3/ 342، وشرح التصريح 1/ 371، وهمع الهوامع 2/ 125.
اللغة: القَرَن: الحبل.
المعنى: يصف الراجز سير إبل تُستحث للإسراع فرفعت أعناقها متساوية في سيرها وكأنها شدت أعناقها بحبل.
الإعراب: حتى: حرف جر وغاية. تراها: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت، وها ضمير في محل نصب مفعول به. والمصدر المؤول من أن وما بعدها في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بـ (نسوقها) في بيت سابق. وكأنَّ: الواو حالية، كأن: حرف مشبه بالفعل. وكأن: توكيد لفظي للأولى. أعناقها: اسم كأن منصوب، وهو مضاف، وها: ضمير في محل جر بالإضافة. مشدداتٌ: خبر كأن مرفوع. بقرن: جار ومجرور متعلقان بمشددات.
وجملة (تراها): صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة (وكأن أعناقها): في محل نصب حال.
الشاهد: قوله: (وكأنّ وكأنْ) حيث أكد (كأن) التي هي حرف تشبيه توكيدًا لفظيًّا بتكرير لفظها مخففة من غير أن يفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد، وذلك لا يعتبر تنازعًا؛ إذ لا توكيد بين حرفين.
ابن خروف.
والسّببي: ما لا ليس فيه ضمير يعود علَى الاسم السّابق كما ذكر، ومنه النّعت السّببي
(1)
؛ كـ (مررت برجل كريم أبوه)، ومن ثم قيل: ليس من التّنازع قولُه:
. . . . . . . . . . .
…
وعزَّةُ مَمْطُولٌ مُعَنَّى غَرِيمُهَا
(2)
(1)
النعت السببي: وهو لا ينعت الاسم السابق عليه على وجه الحقيقة، وإن كان يسمى في الاصطلاح النحوي منعوتًا أيضًا، لكنه ينعمسا اسمًا ظاهرًا يأتي بعده، ويكون مرفوعًا به مشتملًا على ضمير يعود على الاسم السابق، وهذا الاسم الأخير هو الذي يسمى السببي؛ لأنه يتصل بالسابق بسبب ما، فأنت تقول:(هذا رجلٌ مجتهدٌ ابنُه).
فكلمة (مجتهدٌ) وقعت نعتًا، والاسم السابق هو المنعوت، ومن الواضح: أن النعت هنا ينعت الاسم اللاحق المرفوع به، والمتصل به ضمير يعود على المنعوت، وتعرب المثال على الوجه الآتي:
هذا: ها: حرف تنبيه مبني على السكون لا محل له من الإعراب، وذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. رجل: خبر مرفوع بالضمة الظاهرة. مجتهدٌ: نعت مرفوع بالضمة الظاهرة. ابنه: فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه. "التطبيق النحوي"375.
(2)
التخريج: عجز بيت من الطويل، وصدره: قَضَى كُلُّ ذِي دَينٍ فَوَفَّى غَرِيمَهُ
وهو لكثير عزة في ديوانه ص 143، وخزانة الأدب 5/ 233، والدرر 5/ 326، وشرح التصريح 1/ 318، وشرح شواهد الإيضاح ص 90، وشرح المفصل 1/ 8، والمقاصد النحوية 3/ 3، وهمع الهوامع 2/ 111، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 282، 7/ 255، والإنصاف 1/ 90، وأوضح المسالك 2/ 195، ولسان العرب 14/ 334 ركا، ومغني اللبيب 2/ 417.
اللغة: قضى الدين: وفاه. الغريم: الدائن. ممطول: مسوَّف، أي يوعد بالوفاء مرة بعد مرة. معنَّى: معذّب.
المعنى: يقول: لقد وفى كل ذي دين غريمه حقه، إلا عزة فإنها تماطل موعودها وتعذبه فيما وعدته.
الإعراب: قضى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. كل: فاعل مرفوع، وهو مضاف. ذي: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. دين: مضاف إليه مجرور. فوفى: الفاء: حرف عطف، وفى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر، والفاعل: هو غريمه: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محل جر بالإضافة. وعزة: الواو: حالية، عزة: مبتدأ مرفوع. ممطول: خبر المبتدأ مرفوع. معنّى: خبر ثان للمبتدأ مرفوع. غريمُها: نائب فاعل لاسم المفعول (معنَّى) مرفوع، وهو مضاف، وها: ضمير في محل جر بالإضافة.
وجملة (قضى كل ذي): لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة (وفى غريمه): معطوفة على =
سواء رفع (غريمُها) بالأول أو بالثّاني؛ لخلو المهمل منهما من ضمير يعود علَى المبتدأ، وهو (عزة)، فـ (غريمها): مرفوع، بـ (ممطول)، و (مُعنَّى): حال من غريمها.
وقال بعضهم: لا يصح رفع (غريمُها) بـ (ممطول)، وعلل بكونه وصف بقوله (معنَّى)، والوصف إِذا نعت. . لا يعمل، فيكون (غريمها): مبتدأ، و (ممطول) و (معنَى): خبران عنهُ.
وأَجازَ المصنف فِي "توضيحه علَى البخاري": أَن يتنازع فِي منصوبٍ واحدٍ فِعلا فاعلين مختلفين؛ كـ (أطعم زيد وسقى عمرو جعفرًا)، ومنه قول الشّاعر:
أَصْبَتْ سُعَادُ وَأَضْنَتْ زَينبٌ عُمَرَا
…
وَلَم يَنَل مِنهُمَا عَينًا وَلَا أَثَرَا
(1)
تنبيه:
• يجوز أَن يتنازع ثلاثة عوامل.
قيل: وَلَم يسمع أكثر.
• وقد يكون المتنازع فيه متعددًا.
وفي الحديث: (تسبحون، وتكبرون، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين) فنازع الثّلاثة فِي: (دبرَ كل صلاة)، وهو ظرف، وفي:(ثلاثًا وثلاثين)، وهو مفعول مطلق.
• ويجوز التّنازع فِي الضّمير المنفصل.
قال أبو حيان: وهو الأظهر؛ نحو: (زيد ما ضربت وأكرمت إِلَّا إِياه).
• والجلال السّيوطي رحمه الله فِي "المطالع السّعيدة": لا تنازع فِي الحال، ولَا فِي التّمييز، ولَا فِي المفعول لهُ. انتهَى.
= قضى. وجملة (عزة ممطول): في محل نصب حال.
الشاهد: قوله: (ممطول معنى غريمها)؛ حيث لا تنازع فيه، سواء أعمل الأول أو الثاني، وذلك لخلو المهمل منهما من ضمير يعود علَى المبتدأ.
(1)
البيت من البسيط، ولم أجده فيما بين يدي من مراجع.
والشاهد: قوله: (أصبت سعاد وأضنت زينب عمرا)؛ حيث تنازع فعلا فاعلين مختلفين وهما (أصبت) و (أضنت) مفعولًا واحدًا وهو قوله: (عمرا)، وذلك جائز على رأي المصنف، وأكثر النحويين لا يعرفون هذا النوع من التنازع.
• وأجاز يحيى بن معطي: التّنازع فِي الحال؛ نحو: (زرني أزرك واغبًا) علَى إعمال الثّاني.
أَو (زرني أزرك) فِي هذه الحالة (راغبًا) علَى إعمال الأول.
قال ابن هشام: ويشترط فِي صحة التّنازع: أَن يكونَ بَينَ العاملين ارتباط، فَلَا تنازع فِي نحو:(قام قعد زيد) بغير عطف. انتهَى.
فإِن كَانَ المنع من جهة حذف العاطف. . فَلَا أعلم أحدًا ذكر ذلك.
وإن كَانَ من جهة أنه لا يمكن القيام والقعود فِي آن واحد. . فمسلَّم.
واللَّه الموفق
ص:
280 -
وَأَعْمِلِ الْمُهْمَلَ فِي ضَمِيْرِ مَا
…
تَنَازَعَاهُ وَالْتَزِمْ مَا الْتُزِمَا
(1)
281 -
كَيُحْسِنَانِ وَيُسِئُ ابْنَاكَا
…
وَقَدْ بَغَى وَاعْتَدَيَا عَبْدَاكَا
(2)
ش:
إذا أعمل أحد العاملين في الظّاهر. . أعمل المهمل فِي ضمير ذلك الظّاهر ونحوه، كما سبق ذكره.
ويلتزم حينئذ ما التزموه من مطابقته الضّمير للظاهر، أَو من حذف الضّمير من الأول فِي بعض الأحوال ونحو ذلك، علَى ما سيأتي، فتقول:
(قام وقعد زيد)، ويجعل فِي المهمل ضمير زيد، و (قاما وقعد أخواك) إن أعملت
(1)
وأعمل: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. المهمل: مفعول به لأعمل. في ضمير: جار ومجرور متعلق بأعمل، وضمير مضاف. وما: اسم موصول: مضاف إليه. تنازعاه: فعل ماض، وفاعل، ومفعول، والجملة: لا محل لها صلة الموصول. والتزم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. ما: اسم موصول مفعول به لالتزم. التزما: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة.
(2)
كيحسنان: الكاف: جارة لقول محذوف، يحسنان: فعل وفاعل. ويسئ: فعل مضارع. ابناكا: ابنا: فاعل يسيء مرفوع بالألف لأنه مثنى، وابنا: مضاف، وضمير المخاطب: مضاف إليه. وقد: حرف تحقيق. بغى: فعل ماض. واعتديا: فعل وفاعل. عبداكا: فاعل بغى، ومضاف إليه.
الثّاني، ومنه:(يحسنان ويسيءُ ابناكا).
و (قاما وقعدا أخواك) إن أعملت الأول، ومنه:(بَغَا واعتدَيا عَبدَاك).
و (قاموا وقعد الزّيدون) إن أعملت الثاني.
و (قام وقعدوا الزّيدون) إن أعملت الأول.
ولَا يجوز عند البصريين: ترك الإِضمار فِي هذه المواضع؛ لأنَّ الضّمير فيها فاعل، والفاعل: عمدة.
والكسائي، وهشام، والسهيلي: أَن الأول إن كَانَ طالبًا لضمير مرفوع. . فيجب حذفه، فتقول: علَى هذا إن أعملت الثّاني: (قام وضرب الزّيدون) واستدلوا بقولهِ:
تَعَفَّقَ بِالأرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا
…
رِجَالٌ فبذَّتْ نَبْلَهُم وكَلِيبُ
(1)
فتنازع (تعفق) و (أراد) فِي (رجالٌ) وأعمل الثّاني.
(1)
التخريج: البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص 38، والرد على النحاة ص 95، وشرح التصريح 1/ 321، ولسان العرب 10/ 254 عفق، 14/ 353، والمقاصد النحوية 3/ 15، وبلا نسبة في تذكر النحاة ص 357، وجمهرة اللغة ص 6 و 93، والمقرب 1/ 251.
اللغة: تعفق: لجأ واستتر. الأرطى: نوع من الشجر. بذت: فاقت وغلبت. النبل: السهام. الكليب: جماعة من الكلاب.
المعنى: يصف الشاعر صيد البقرة الوحشية بقوله: إن الرجال والكلاب قد استتروا بشجر الأرطى لاصطياد البقرة الوحشية، فاستطاعت بفضل سرعتها وقوتها أن تنجو منهم، فقد فاتت سهامَهم، وعجزت عن اللحاق بها كلابهم.
الإعراب: تعفق: فعل ماض. بالأرطى: جار ومجرور متعلقان بتعفق. لها: جار ومجرور متعلقان بتعفق. وأرادها: الواو حرف عطف، أرادها: فعل ماض، وها ضمير في محل نصب مفعول به. رجال: فاعل أراد مرفوع. فبذت: الفاء حرف عطف، بذت: فعل ماض، والتاء للتأنيث، وفاعله: ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هي. نبلهم: مفعول به منصوب، وهو مضاف، هم: ضمير في محل جر بالإضافة. وكليب: الواو حرف عطف، كليب: معطوف على رجال مرفوع بالضمة.
وجملة: (تعفق): ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة (أرادها): معطوفة على جملة (تعفق). وجملة (بذت): معطوفة على جملة تعفق.
الشاهد: قوله: (تعفق وأرادها رجال)؛ حيث أعمل عاملين هما: تعفق وأرادها في معمول واحد (رجال)، فأعمل الثاني في المعمول، وحذف ضمير الرجال من تعفق، ولو أظهره لقال: تعفقوا وأرادها رجال.
ولو أضمر فِي الأول لقال: (تعفقوا).
وأجيب: بأن الضمير مستتر فِي (تعفق) وهو مفرد فِي النّية، فهو من إِضمار المفرد موضع الجمع.
ومنه حكاية سيبويه: (ضربني وضربت قومَك) بالنّصب كما سبق.
وجعل منه قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ} مع أنه يعود علَى (الأنعام) فهو باعتبار المذكور كما سبق.
وقيل: (الأنعام) تذكر وتؤنث، نقل عن يونس.
وقيل غير ذلك.
ومن مجيء الضّمير باعتبار المذكور أيضًا قولهُ تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} وَلَم يقل: (منها).
ومن الإفراد فِي موضع التّثنية: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} (فجعل الطّعام والشّراب كشيء واحد)؛ لاحتياج أحدهما إِلَى الآخر.
وقيل غير ذلك.
و (تعفق): بالفاء والقاف، معناه: استتروا. و (الأرطى): شجر. و (بذت): بالمعجمتين؛ أَي: غلبت بالبناء للمفعول. و (كليب): اسم جمع، وقيل: جمع كلب.
ويَرِد علَى هؤلاء الجماعة فِي منع إِضمار المرفوع فِي الأول قولُهم: (ضربوني وضربت قومك) علَى إعمال الثّاني.
وقولُ الشّاعر:
جَفَوْني، ولم أَجفُ الأَخِّلاءَ، إِنَّني
…
. . . . . . . . . . .
(1)
(1)
التخريج: صدر بيت من الطويل، وعجزه: لِغَيْرِ جَمِيلٍ مِنْ خَلِيلَيَّ مُهْمل
وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 3/ 77، 5/ 282، وأوضح المسالك 2/ 200، وتخليص الشواهد ص 515، وتذكرة النحاة ص 359، والدرر 1/ 219، 5/ 318، وشرح التصريح 2/ 874، ومغني اللبيب 2/ 489، والمقاصد النحوية 3/ 14، وهمع الهوامع 1/ 66، 2/ 109.
اللغة: جفوني: ابتعدوا عني. الأخلاء: جمع خليل، وهو الصديق.
المعنى: يقول: إن أصدقائي قد ابتعدوا عني في حين أنني لم أبتعد عنهم، ولا أذكر إلا جميلهم وأتناسى كل قبيح صدر عنهم.
وقولُ الآخرِ:
خالَفَانِي، ولَم أُخالِفْ خَليلَيْـ
…
ي فَلا خَيرَ فِي خِلافِ الخَلِيل
(1)
وذهب الفراء: إلى أَن العاملين إِذا استويا فِي طلب المرفوع. . فالعمل لهما معًا، فـ (الزّيدون): فاعل بالفعلين، فِي (قام وقعد الزّيدون).
وإِن اختلفا ومطلوب الأول مرفوع. . أضمر مؤخرًا؛ نحو: (ضربني وضرت زيدًا هو)، (وضربني وضربت الزّيدين هما).
واللَّه الموفق
ص:
282 -
وَلَا تَجِئ مَعْ أَوَّلٍ قَدْ أُهْمِلَا
…
بِمُضْمَرٍ لِغَيْرِ رَفْع أوْهِلَا
(2)
= الإعراب: جفوني: فعل ماض مبني على الضمة المقدرة على الألف المحذوفة للتعذر، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. ولم: الواو حرف عطف، لم: حرف جزم. أجفُ: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة من آخره. وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. الأخلاء: مفعول به منصوب بالفتحة. إنني: حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، والياء ضمير متصل مبني في محل نصب اسم إن. لغير: اللام حرف جر، غير: اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بمهمل، وهو مضاف. جحيل: مضاف إليه مجرور بالكسرة. من: حرف جر. خليلي: اسم مجرور بالكسرة المقدرة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لجميل، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. مهمل: خبر إن مرفوع بالضمة.
الشاهد: قوله: (جفونى ولم أجف الأخلاء)؛ حيث تنازع العاملان (جفوني) و (لم أجف) معمولًا واحدًا هو (الأخلاء)، فأعمل العامل الثاني لقربه منه، وأضمر في العامل الأول. هذا هو مذهب البصريين، أما الكوفيون فيعملون العامل الأول لأسبقيته في الورود، ولكن أكثر النحاة رجحوا مذهب البصريين.
(1)
التخريج: البيت من الخفيف لقائل مجهول، وهو في: التذييل (3/ 152)، ومنهج السالك لأبي حيان (133)، وشرح التسهيل للمرادي (1/ 597)، والهمع (2/ 109)، والدرر (2/ 143).
الشاهد: قوله: "خافاني ولم أخالف خليلي"؛ حيث تنازع العاملان وهما (خالفاني) و (أخالف) معمولًا واحدًا وهو (خليلي)، فأعمل الثاني ونصب المعمول.
(2)
ولا: ناهية. تجئ: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. مع: ظرف متعلق بتجئ، ومع مضاف. وأول: مضاف إليه. قد: حرف تحقيق. أهملا: فعل ماض =
283 -
بَلْ حَذْفَهُ إِنْ يَكُنْ غَيْرَ خَبَرْ
…
وَأَخِّرَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ الْخَبَرْ
(1)
سبق أنه يضمر فِي المهمل ضمير المتنازع فيه؛ نحو: (قام وقعدا أخواك)، و (قاما وقعد أخواك).
والتّنازع: إما أَن يكونَ فِي الفاعلية كما ذكر، أَو غيرها؛ كـ (ضربت وأكرمت زيدًا)، و (مررت به ومر بي زيد)، و (ضربت وضربني زيد).
والحاصل: أنه إذا أهمل الأول وَكَانَ طالبًا لضمير غير مرفوع. . لم يجز الإضمار؛ نحو: (ضربت وضربني زيد) و (مررت ومر عمرو) فَلَا يقال: (ضربته وضربني زيد)، و (لا مررت به ومر بي عمرو)؛ لأنه فضله فَلَا حاجة إِلى الإِضمار قبل الذّكر، وإِنما أضمر الفاعل قبل الذّكر؛ لأنه عمدة.
وشذ إِضمار الفضلة قبل الذّكر فِى قولِه:
إذا كُنْتَ تُرْضِيهِ، وَيُرْضيكَ صاحبٌ
…
. . . . . . . . . . .
(2)
= مبني للمجهول، ونائب الفاعل: ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى أول، والجملة في محل جر صفة لأول. بضمير: جار ومجرور متعلق بتجئ. لغير: جار ومجرور متعلق بأوهل الآتي، وغير مضاف. ورفع: مضاف إليه. أوهلا: فعل ماض مبني للمجهول، والألف للإطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى مضمر، والجملة في محل جر صفة لمضمر.
(1)
بل: حرف عطف، ومعناه -هنا- الانتقال. حذفه: حذف: مفعول مقدم لالزام، وحذف: مضاف، وضمير الغائب: مضاف إليه. الزم: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره أنت. إن: شرطية. يكن: فعل مضارع ناقص، فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى مضمر. غير: خبر يكن، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن يكن مضمر غير الرفع هو الخبر فأخرنه.
(2)
التخريج: صدر بيت وعجزه: جهارًا فكن في الغيب أحفظ للود
وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 218، وأوضح المسالك 2/ 203، وتخليص الشواهد =
فإن كان غير المرفوع عمدةً في الأصل كالخبر. . ذكر مؤخرًا؛ لأنه كَان مطلوبًا للأول كما سبق.
والمراد به: خبر (كَانَ) وثاني مفعولي (ظننت)؛ لأنه خبر فِي الأصل، فتقول:(كنت وَكَانَ زيد صديقًا إِياه)، و (ظنني وظننت زيدًا قائمًا إِياه) فـ (إِياه) الأول: خبر كَانَ الأولى، و (إِياه) الثّاني: مفعول ثاني لظنني.
ولَا يحذف عند البصريين.
ولَا يقدم عند الجميع.
وكذا اسم (كَانَ) والمفعول الأول فِي (باب ظن).
= ص 514، والدرر 5/ 319، وشرح التصريح 1/ 322، وشرح شواهد المغني 2/ 745، وشرح ابن عقيل ص 279، ومغني اللبيب 1/ 333، والمقاصد النحوية 3/ 21، وهمع الهوامع 2/ 110.
اللغة: في الغيب: في الغياب.
المعنى: يقول: إذا كنت تتصافى الود بينك وبين صديقك، ورضي كل منكما بالآخر علانية. . فعليك أن تكون في غيابه أشد حرصًا على هذه المودة، أو العهد.
الإعراب: إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. كنت: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير في محل رفع اسم كان. ترضيه: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: أنت، والهاء: ضمير في محل نصب مفعول به. ويرضيك: الواو: حرف عطف. يرضيك: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، والكاف: في محل نصب مفعول به: صاحب: فاعل مرفوع بالضمة: جهارًا: أسم منصوب على نزع الخافض، أو مفعول مطلق منصوب، أو ظرف متعلق بيرضيك: فكن: الفاء: رابطة لجواب الشرط، كن: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: أنت. في الغيب: جار ومجرور متعلقان بأحفظ. أحفظ: خبر كن منصوب. للود: جار ومجرور متعلقان بأحفظ.
وجملة (كنت ترضيه): الفعلية في محل جر بالإضافة. وجملة (ترضيه): الفعلية في محل نصب خبر كنت. وجملة (يرضيك): الفعلية معطوفة على جملة ترضيه. وجملة (كن في الغيب أحفظ للود): الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم.
الشاهد: قوله: (ترضيه ويرضيك صاحب) حيث تنازع كل من العاملين: ترضيه ويرضيك الاسم الذي بعدهما، وهو قوله: صاحب، والأول يطلبه مفعولا، والثاني يطلبه فاعلا، وقد أعمل فيه الثاني فرفعه على الفاعلية، وعمل فيه الأول، فنصب ضميره، وعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.
وقوله: (الخَبَرْ) يشمل هذين؛ لأنه محمول علَى ما كَانَ عمدة خبرًا أَو مبتدأ.
مثاله مع كَانَ: أَن تقول: (كَانَ قائمًا وَكَانَ زيد قائمًا أنا)، فـ (أنا): اسم كَانَ الأولَى لم يحذف؛ لأنه مبتدأ فِي الأصل، فجيء به مؤخرًا.
ومثاله مع ظن: أنه تقول: (ظننت منطلقة وظنني منطلقًا هند إِياها)، فـ (إِياها): مفعول أول، وهو مبتدأ فِي الأصل، فَلَا يحذف كما سبق، و (منطلق): مفعوله الثّاني.
فإن كان العامل الثّاني طالبًا للضمير. . أتي به؛ سواء كَانَ فضلة، أَو عمدة.
فالفضله: (ضربني وضربته زيد)،و (مر بي ومررت به زيد).
والعمدة: (ظننت وظنَّنيِه عمرًا قائمًا).
ويجوز فصل الهاء فتقول: (وظنني إِياه)، فتضمر فِي الثّاني إِذا أعملت الأول كما ذكر.
ولَا يضر الإِضمار قبل الذّكر هنا؛ لأنَّ (زيدٌ) فِي المثالين فاعل، فهو فِي نية التّقديم وإِن كَانَ متأخرًا لفظًا؛ إِذ الأصل اتصال الفاعل بفعله، ولما كانت (الهاء): فِي ظننته خبرًا فِي الأصل لا يسوغ حذفها. . اغتفر كذلك عودها علَى المتأخر.
وأَجازَ السّيرافي وجماعة: حذف الضّمير المنصوب والمجرور من الثّاني إِذا أعمل الأول، بشرط كونه فضلة، واستدلوا بقول الشّاعر:
بَعُكاظَ يُعْشِي النَّاظِريـ
…
ـنَ، إذا هُمُ لَمَحُوا، شُعاعُهْ
(1)
(1)
التخريج: البيت لعاتكة بنت عبد المطلب في الدرر 5/ 315، وشرح التصريح 1/ 320، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 743، والمقاصد النحوية 3/ 11، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 284، وأوضح المسالك 2/ 199، وشرح ابن عقيل ص 280، ومغني اللبيب 2/ 611، والمقرب 1/ 251، وهمع الهوامع 2/ 109. وقبله قولها:
سائل بنا في قومنا
…
وليكف من شر سماعه
قيسا وما جمعوا لنا
…
في مجمع باق شناعه
اللغة: عكاظ: سوق تجتمع فيه القبائل العربية فيتفاخرون ويتناشدون الشعر ويتبايعون، وهو بين الطائف ونخلة. يعشي: يضعف البصر. لمحوا: نظروا بسرعة. شعاعه: هنا لمعانه.
المعنى: يقول: إذا نظر القوم إلى سلاح قومي بعكاظ. . لزاغ بصرهم من شدة لمعانه.
الإعراب: بعكاظ: جار ومجرور متعلقان بقولها: (جمعوا) الذي في البيت الذي قبل بيت الشاهد.
يعشي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. الناظرين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. هم: ضمير منفصل =
فتنازع (يعشي) و (لمحوا) فِي: (شعاعه)، فأعمل الأول، ولو أضمر فِي الثّاني. . لقال:(لمحوه).
وقيل: ضرورة.
و (عكاظ): موضع بقرب مكة شرفها اللَّه تعالَى.
وقوله: (هو): ضمير فصل لا محل لهُ، و (الخبر) منصوب علَى أنه خبر، قوله:(يكن).
تنبيه:
سبق أَن الأول إِذا أهمل لا يؤتي معه بضمير نصب فضلة، وهذا محله إن لم يكن لبس؛ فإِن وجد لبس. . جيء بالضّمير مؤخرًا؛ نحو:(استعنت واستعان علَى زيد به)؛ فلو حذف الضّمير هنا. . لتوهم أَن زيدًا استعنت عليه واستعان عليك، والحال أنك استعنت به، وهو استعان عليك.
واعترض المصنف: ابنه في: (بَلْ حذفه الزم إن يكن غير خبر).
وقال: كلامه يوهم أَن ذلك مخصوص بالمفعول الثّاني، ونظم بيتًا علَى ما قيل وهو:
وَاحذِفهُ إِنْ لَم يَكُ مَفعُولَي حَسِبْ
…
وَإِنْ يَكُن ذَاكَ فَأَخِّرهُ تُصِبْ
ويحتمل أَن يكونَ ليس نظمه؛ فقد حكى السّيوطي: فِي "طبقات النّحاة": أنه كَانَ لا يقدر علَى نظم بيت واحد بخلاف أبيه.
وقد رد هذا البيت أيضًا بأنه يفوت اسم (كَانَ) وخبرها، ومسألة اللّبس.
= في محل رفع فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، أو توكيد للضمير المتصل بالفعل المقدر لمحوا الذي يفسره ما بعده. لمحوا: فعل ماض، والواو: فاعل. شعاعه: فاعل يعشي مرفوع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة.
وجملة (يعشي الناظرين): لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة (هم لمحوا): في محل جر بالإضافة. وجملة (لمحوا): لا محل لها من الإعراب لأنها تفسيرية.
الشاهد: قوله: (يعشي. . . لمحوا شعاعه)؛ حيث تنازع الفعلان (يعشي) و (لمحوا) معمولًا واحدًا هو قوله: (شعاعه)، فأعمل الشاعر العامل الأول، فجعل (شعاعُه) فاعلًا، وأعمل العامل الثاني في ضميره، ثم حذف هذا الضمير ضرورة، والتقدير: يعشي الناظرين شعاعه إذا لمحوه، وهذا التقدير شاذ لأن فيه تهيئة العامل للعمل ثم حذفه بلا سبب.
وقال آخر:
وَاحذِفهُ إِن لَم يكُ جُزأَي ابتِدَا
…
كذا الّذي فِي حَذفِهِ لَبسٌ بَدَا
وقال آخر:
بَلْ حَذفُهُ إِن كَانَ فَضلَةً حُتِم
…
وَغَيرَها تَأخِيرُهُ قَدِ التُزِم
وقال آخر:
وَاحذِفهُ لَا إِنْ خِيفَ لَبسٌ أَو يُرَى
…
ذَا عُمدَةٍ فَجِئْ بهِ مُؤَخَّرَا
وقلت فِي ذلك:
وَاحذِفهُ لَكِن مَعَ لَبسٍ أَو خَبَرْ
…
أَو مُبتَدًا أَخِّرهُ فَهوَ المُعتَبَر
ص:
284 -
وَأَظْهِرِ إِنْ يَكُنْ ضَمِيْرٌ خَبَرَا
…
لِغَيْرِ مَا يُطَابِقُ المُفَسِّرَا
(1)
285 -
نَحْوُ أَظُنُّ وَيَظُنَّانِي أَخَا
…
زَيْدًا وَعَمْرًا أَخَوَيْنِ فِي الرَّخَا
(2)
ش:
سبق أَن المهمل يعمل فِي الضّمير بالشّروط المذكورة، وذكر هنا:
أنه إِذا لزم من الإضمار محذور وجب الإظهار؛ نحو: (أظن ويظناني أخا
(1)
أظهر: فعل أمر مبني على السكون، وكسر للتخلص من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت. إن: شرطية. يكن: فعل مضارع ناقص فعل الشرط. ضمير: اسم يكن. خيرا: خبر يكن. لغير: جار ومجرور متعلق بخبر، وغير مضاف. وما: اسم موصول مضاف إليه. يطابق: فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا، تقديره: هو، يعود إلى (ما) الموصولة. المفسرا: مفعول به ليطابق، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول: لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: إن يكن ضمير خبرًا لغير ما يطابق المفسر فأظهره: أي جئ به اسمًا ظاهرًا.
(2)
نحو: خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك نحو. أظن، فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنا. ويظناني: فعل وفاعل ومفعول أول. أخا: مفعول ثان ليظناني. زيدًا: مفعول أولأطن. وعمرًا: معطوف عليه. أخوين: مفعول ثان لأطن. في الرخا: تنازع فيه كل من أظن ويظناني.
الزّيدين أخوين)؛ فالأصل: (أظن ويظنني الزّيدين أخوين).
فتنازع (أظن ويظنني): (الزّيدين أخوين)، فـ (أظن) يطلب (الزّيدين) مفعولًا أولًا، و (يطلب أخوين): مفعولًا ثانيًا.
و (يظنني) يطلب (الزيدين): فاعلًا، و (يطلب أخوين): مفعولًا، فأعمل الأول فأخذ مفعوليه وهما (الزّيدين أخوين).
وأضمر المهمل ضمير التّثنية، فجعل (يظناني)، وهو يحتاج أيضًا إِلَى مفعولين.
فالأول: هو (الياء) المتصلة به.
وأما الثّاني: فَلَا يجوز حذفه؛ لأنه خبر فِي الأصل كما علم.
بَلْ ولو كَانَ فضلة لم يحذف؛ حيث كَانَ معمولًا للثاني كما سبق.
والحاصل: أنك إن جئت به ضميرًا مفردًا وقلت: (أظن ويظناني إِياه الزّيدين أخوين). . حصلت مطابقة (إِياه) للياء من جهة أَن (الياء): مبتدأ فِي الأصل، و (إِياه): خبره.
وقد اتفقا فِي الإِفراد؛ لكن فاتت مطابقة المفسِّر للمفسَّر؛ فإِن (المفسِّر) بكسر السّين: (أخوين)، وهو مثنى، و (المفسَّر) بفتحها قولك:(إِياه)، وهو مفرد.
وإِن قلت: (يظناني إِياهما). . حصلت مطابقة المفسِّر للمفسَّر؛ إِذ كلاهما مثنى، وفاتت مطابقة (إِياهما) للياء؛ لأنَّ (الياء): مبتدأ فِي الأصل كما علم، وهو مفرد، فَلَا يكون (إِياهما): خبرًا عنه.
فلما تعذر الإِضمار. . وجب الإِظهار؛ نحو: (أظن ويظناني أخا الزّيدين أخوين) فحصلت مطابقة (أخا) للياء؛ إِذ كلاهما مفرد.
وحيث كَانَ (أخًا) اسمًا ظاهرًا. . فَلَا يحتاج إِلَى شيء يفسره، فَلَا يضر مخالفته لـ (الأخوين) فِي كونه مفردًا و (الأخوين) مثنى؛ لأنَّ (الأخوة) تعلم به ولو لم يذكر (الأخوين) مثلًا.
وأَجازَ الكوفيون: الإِضمار؛ نحو: (أظن ويظناني إِياه الزّيدين أخوين)؛ لأنهم يراعون جانب المخبر عنهُ وهو المبتدأ.
وأجازوا أيضًا الحذف؛ نحو: (أظن ويظناني الزّيدين أخوين)، ومثل: (أظن
وأظناني أخا الزّيدين أخوين).
قول الشّيخ رحمه الله: (أظنُّ ويَظُنَّاني أَخَا زَيدًا وَعَمرًا أَخَوَين)؛ فإِن (زيدًا): مفعول أول بـ (أظن)، و (عمرًا): معطوف عليه، و (أخوين): مفعوله الثّاني، و (الياء) في يظناني: مفعول أول، و (أخا): مفعوله الثّاني.
تنبيه:
اختلف فِي الأفعال المتعدية إِلَى ثلاثة مفاعيل، هل تستعمل فِي هذا الباب أو لا؟
فأبو عثمان المازني والأكثرون: علَى الجواز.
ومنعه صالح بن إِسحاق الجرمي وجماعة، قالوا: لأنَّ التّنازع خارج عن القياس، وَلَم يسمع منها شيء فِي هذا الباب، وإِن ورد شيء. . يحفظ ولَا يقاس عليه.
فعلَى القول بالجواز؛ إن أعمل الثّاني. . يقال: (أعلمني وأعلمت زيدًا عمرًا قائمًا إِياه إياهٌ).
وإِن أعمل الأول. . يقال: (أعلمني وأعلمته إِياه إِياه زيد عمرًا قائمًا)، و (أعلمت وأعلمني إِياه إِياه زيدًا عمرًا قائمًا).
حكى ذلك أبو حيان: فِي شرح هذا الكتاب.
واللَّه الموفق
* * *