الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(15) باب إحياء الموات والشرب
الفصل الأول
2991 -
عن عائشة [رضي الله عنها]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((من عمر أرضاً ليست لأحد؛ فهو أحق)). قال عروة: قضى به عمر في خلافته. رواه البخاري.
2992 -
وعن ابن عباس: أن الصعب بن جثامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حمى إلا لله ورسوله)) رواه البخاري.
ــ
باب إحياء الموات والشرب
المغرب: الموات الأرض الخراب، وخلافه العامر، وعن الطحاوي: هو ما ليس بملك لأحد، ولا هي من مرافق البلد، وكانت خارجة البلد سواء قربت منه أو بعدت. والشرب بالكسر النصيب من الماء، وفي الشريعة عبارة عن نوبة الانتفاع بالماء سقياً للمزارع أو الدواب.
الفصل الأول
الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((من عمر)) ((تو)): وفي بعض نسخ المصابيح ((أعمر)) بزيادة الألف وليس بشيء. ((قض)): وقد زيف ما في المصابيح بأن أعمرت الأرض معناه وجدتها عامرة، وما جاء بمعنى عمر، وجوابه أنه قد جاء أعمر الله بك منزلك، بمعنى عمر، وذلك كاف في جواز استعمال أعمرت الأرض بمعنى عمرتها؛ إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة، وفي الحقائق أطرادها، ((شف)): ليس كما قال، فإن الجوهري بعد أن ذكر أعمر الله بك منزلك، وعمر الله بك، ذكر أنه لا يقال: أعمر الرجل منزله بالألف راويا عن أبي زيد. ((قض)): منطوق الحديث يدل علي أن العمارة كافية في التمليك لا تفتقر إلي إذن السلطان، ومفهومه دليل علي أن مجرد التحجر والإعلام لا يملك بل لابد من العمارة، وهي تختلف باختلاف المقاصد.
الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لا حمى إلا الله)) ((قض)): كانت رؤساء الأحياء في الجاهلية يحمون المكان الخصيب لخيلهم وإبلهم وسائر مواشيهم، فأبطله الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنع أن يحمى إلا لله ولرسوله، ((حس)): كان ذلك جائزاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لخاصة نفسه، لكنه لم يفعله، وإنما حمى البقيع لمصالح المسلمين، وللخيل المعدة في سبيل الله. قال الشافعي: وإنما لم يجز في بلد لم يكن واسعاً فيضيق علي أهل المواشي، ولا يجوز لأحد من الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم أن يحمي لخاصة نفسه. واختلفوا في أنه هل يحمي للمصالح؟. منهم من لم يجوز للحديث، ومنهم من جوزه علي نحو ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمصالح المسلمين بحيث لا يتبين ضرره.
2993 -
وعن عروة، قال: خاصم الزبير رجلاً من الأنصار في شراج من الحرة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اسق يا زبير! ثم أرسل الماء إلي جارك)). فقال الأنصاري: أن كل ابن عمتك؟ فتلون وجهه، ثم قال:((اسق يا زبير! ثم احبس الماء حتى يرجع إلي الجدر، ثم أرسل الماء إلي جارك)). فاستوعى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم حين أحفظه الأنصاري، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة. متفق عليه.
ــ
الحديث الثالث عن عروة: قوله: ((في شراج من الحرة)) ((مح)): هو – بكسر الشين المعجمة وبالجيم – مسايل الماء، واحدها شرجة. والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود. و ((أن كان ابن عمتك)) بفتح الهمزة. ((قض)): وهو مقدر بأن أو لأن، وحرف الجر يحذف معها للتخفيف كثيراً، فإن ((أن)) فيها مع صلتها طولا. ومعناه: هذا التقديم والترجيح، لأنه ابن عمتك أو بسببه، نحوه قوله تعالي:{أَن كَانَ ذَا مَالٍ وبَنِينَ} أي لا تطعه مع هذه المثالب لأن كان ذا مال. ولهذا المقال نسب الرجل إلي النفاق.
((تو)): وقد اجترأ جمع من المفسرين بنسبة الرجل تارة إلي النفاق، وأخرى إلي اليهودية، وكلا القولين زائغ عن الحق؛ إذ قد صح أنه كان أنصارياً، ولم يكن الأنصار من جملة اليهود، ولو كان مغموصا عليه في دينه لم يصفوه بهذا الوصف، فإنه وصف مدح، والأنصار وإن وجد فيهم من يرمي بالنفاق، فإن القرن الأول والسلف بعدهم تحرجوا واحترزوا أن يطلقوا علي من ذكر بالنفاق واشتهر به الأنصاري، والأولي بالشحيح بدينه أن يقول: هذا قول أزله الشيطان فيه بتمكنه عند الغضب، وغير مستبدع من الصفات البشرية الابتلاء بأمثال ذلك.
((مح)): قال القاضي عياض: حكي الداودي أن هذا الرجل كان منافقاً. وقوله في الحديث: ((إنه أنصاري)) لا يخالف هذا؛ لأن يكون من قبيلتهم لا من الأنصار المسلمين. وأما قوله في آخر الحديث: ((فقال الزبير: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت فيه: {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} الآية. فلهذا قالت طائفة في سبب نزولها قال الشيخ محيي الدين: قالوا: لو صدر مثل هذا الكلام من إنسان كان كافراً جرت علي قائله أحكام المرتدين من القتل. وأجابوا إنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان في أول الإسلام يتألف الناس، ويدفع بالتي هي أحسن، ويصبر علي أذى المنافقين، ويقول: ((لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)). قوله: ((تلون وجهه)) أي تغير من الغضب لانتهاك النبوة وقبح كلام هذا الإنسان، والجدر – بفتح الجيم وكسرها، وبالدال المهملة – الجدار، والمراد بالجدر أصل الحائط، وقدره العلماء أن يرتفع الماء في الأرض كلها حتى يبلغ كعب رجل الإنسان.
2994 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا فضل الماء، لتمنعوا به فضل الكلأ)) متفق عليه.
2995 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم: رجل حلف علي سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف علي يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم، ورجل منع فضل ماء. فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ماء لم تعمل يداك)) متفق عليه.
وذكر حديث جابر في ((باب المنهي عنها من البيوع)).
ــ
((حس)): قوله صلى الله عليه وسلم أولا ((اسق يا زبير ثم أرسل إلي جارك)) كان أمراً للزبير بالمعروف، وأخذاً بالمسامحة وحسن الجوار بترك بعض حقه، دون أن يكون حكما منه، فلما رأي الأنصاري يجهل موضع حقه أمر صلى الله عليه وسلم الزبير باستيفاء تمام حقه. وفيه دليل علي أنه يجوز العفو عن التعزير، حيث لم يعزر الأنصاري الذي تكلم بما أغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: كان قوله الآخر عقوبة في ماله، وكانت العقوبة إذ ذاك يقع بعضها في الأموال، والأول أصح. وفيه أنه صلى الله عليه وسلم حكم علي الأنصاري في حال غضبه مع نهيه الحاكم أن يحكم وهو غضبان. وذلك لأنه كان معصوماً من أن يقول في السخط والرضا إلا حقا. وفي الحديث أن مياه الأودية والعيون التي لا تملك منابعها ومجاريها علي الإباحة، والناس فيها شرع وسواء، وأن من سبق إلي شيء منها كان أحق به من غيره، وأن أهل الشرب الأعلي مقدمون علي من أسفل منهم، لسبقهم إليه، وليس له حبسه ممن هو أسفل منه بعد ما أخذ منه حاجته. وقوله:((فاستوعى)) أي استوفاه، مأخوذ من الوعاء الذي تجمع فيه الأشياء كأنه جمعه في وعائه.
قوله: ((حين أحفظه)) ((تو)): أي أغضبه، يقال: أحفظته فاحتفظ أي أغضبته فغضب، والحفيظة الغضب والحمية، وكذلك الحفظة بالكسر.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تمنعوا)) مضى شرحه في الفصل الأول من الباب المنهي عنه في البيوع.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لقد أعطى بها أكثر مما أعطى)) كلا الفعلين علي بناء المفعول، هذا معنى ما حلف به الرجل، ولو حكى قوله لقيل: لقد أعطيت بها أكثر مما أعطيته، علي أن الأول بناء للمفعول والثاني للفاعل، أي طلب مني هذا المتاع قبيل هذا بأزيد مما طلبته. وقوله:((بعد العصر)) إنما خص به لأن الإيمان المغلظة تقع فيه. وقوله: ((لم تعمل يداك)) صفة ((ماء)) والراجع محذوف أي فيه. ((مظ)) ((لم تعمل يداك)) أي خرج بقدرتي لا بسعيك، ومجاز قوله:((لا يكلمهم الله)) سبق بيانه.
الفصل الثاني
2996 – * عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((من أحاط حائطاً علي الأرض فهو له)) رواه أبو داود. [2996]
2997 -
وعن أسماء بنت أبي بكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير نخيلاً. رواه أبو داود. [2997]
2998 -
وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع للزبير حضر فرسه، فأجرى فرسه حتى قام، ثم رمى بسوطه، فقال:((أعطوه من حيث بلغ السوط)) رواه أبو داود. [2998]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن الحسن: قوله: ((فهو له)) ((تو)): يستدل به من يرى التمليك بالتحجير. ولا يقوم به حجة؛ لأن التمليك إنما هو بالإحياء، وتحجير الأرض وإحاطته بالحائط ليس من الإحياء في شيء. ثم إن قوله:((علي أرض)) مفتقر إلي البيان، إذ ليس كل أرض تملك بالإحياء. أقول: كفي به بيانا قوله: ((أحاط)) فإنه يدل علي أنه بنى حائطاً مانعاً محيطاً بما يتوسطه من الأشياء نحو أن يبنى حائطاً لحظيرة غنم أو زريبة للدواب. ((مح)): إذا أراد زريبة للدواب أو حظيرة يجفف فيها الثمار أو يجمع فيها الحطب أو الحشيش اشترط التحويط، ولا يكفي نصب سعف أو أحجار من غير بناء.
الحديث الثاني عن أسماء: قوله: ((نخيلاً)) ((خط)): النخل مال ظاهر العين حاضر النفع كالمعادن الظاهرة، فيشبه أن يكون إنما أعطاه ذلك من الخمس الذي سهمه، وأن يكون من الموات الذي لم يملكه أحد، فيتملك بالإحياء.
الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: ((قوله)): ((أقطع للزبير)) ((قض)): الإقطاع تعيين قطعة من الأرض لغيره، يقال أقطعته قطيعة أي طائفة من أرض الخراج، و ((الحضر)) العدو، يقال: أحضر الفرس إحضاراً إذا عدا، ونصب ((حضر)) علي حذف المضاف، أي قدر ما يعدو عدوة واحدة. ((مح)): في هذا دليل لجواز لجواز اقتطاع الإمام. والأرض المملوكة لبيت المال لا يملكها أحد إلا بإقطاع الإمام، ثم تارة يقطع رقبتها ويملكها الإنسان بما يرى فيه مصلحة، فيجوز تمليكها كما يملك ما يعطيه من الدراهم والدنإنير وغيرها، وتارة يقطعها منفعتها فيستحق
2999 -
وعن علقمة بن وائل، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطعه أرضاً بحضر موت، قال: فأرسل معي معاوية، قال:((أعطها إياه)) رواه الترمذي، والدارمي. [2999]
3000 -
وعن أبيض بن حمال المأربي: أنه وفد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطعه الملح الذي بمأرب، فأقطعه إياه، فلما ولي، قال رجل: يا رسول الله! إنما أقطعت له الماء العد قال: فرجعه منه. قال: وسأله: ماذا يحمي من الأراك؟ قال: ((ما لم تنله أخفاف الإبل)) رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي. [3000]
ــ
الانتفاع بها مدة الإقطاع. وأما الموات فيجوز لكل أحد إحياؤه، ولا يفتقر إلي إذن الإمام. هذا مذهب مالك والشافعي والجمهور.
((حس)): الإقطاع نوعان بحسب محله: إقطاع تملك وهو الذي يملك فيه المحل بالإحياء كما مر، وإقطاع إرفاق: وهو الذي لا يمكن تملك ذلك المحل بحال، كإقطاع الإمام مقعداً من مقاعد السوق أحداً ليقعد للمعاملة ونحوها، وكان إقطاع الزبير من القسم الأول.
الحديث الرابع والخامس عن أبيض: قوله: ((فاستقطعه)) ((قض)): ((المأرب)) بالهمز موضع باليمن، نسب إليه أبيض لنزوله به، ويقال: إن أزدى، وكان اسمه أسود، فبدل به رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، وهذا الموضع مملحة يقال له ملح سبأ. ((فاستقطعه)) أي سأله أن يقطعه إياه. فأسعف إلي ملتمسه ظناً بأن القطيعة معدن يحصل منه الملح بعمل وكد، ثم لما تبين له أنه مثل الماء العد أي الدائم الذي لا ينقطع – والعد المهيأ – رجع فيه. ومن ذلك علم أن إقطاع المعادن إنما يجوز إذا كانت باطنة لا ينال منها شيء إلا بتعب ومؤنة. وما كانت ظاهرة يحصل المقصود منها من غير كد وصنعة لا يجوز إقطاعها بل الناس فيها شرع، كالكلأ ومياه الأودية، وأن الحاكم إذا حكم ثم ظهر أن الحق في خلافه ينقض حكمه ويرجع عنه، والرجل الذي قال:((إنما أقطعت له الماء العد)) هو الأقرع بن حابس التميمي.
وقوله: ((ماذا يحمي من الأراك؟)) علي البناء للمفعول، وإسناده إلي ما استكن فيه من الضمير العائد إلي ((ذا)). وقوله:((ما لم تنله أخفاف الإبل)) معناه ما كان بمعزل من المراعي والعمارات. وقيل: يحتمل أن يكون المراد به أنه لا يحمي منه شيء؛ لأنه لا يحمي ما تناله الأخفاف، ولا شيء منها إلا وتناله الأخفاف.
((مظ)): أراد بالحمى هنا الإحياء لا الحمى؛ لما تقرر أن الحمى لا يجوز لأحد أن يخصه. وفيه دليل علي أن الإحياء لا يجوز بقرب العمارة لاحتياج أهل البلد إليه لمرعى مواشيهم، وإليه أشار بقوله صلى الله عليه وسلم:((ما لم تنله أخفاف الإبل)) أي ليكن الإحياء في موضع بعيد. ((فا)): قيل:
3001 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار)) رواه أبو داود، وابن ماجه. [3001]
3002 -
وعن أسمر بن مضرس، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته. فقال: ((من سبق إلي ماء لم يسبقه إليه مسلم فهو له)) رواه أبو داود. [3002]
3003 -
وعن طاووس، مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحيى مواتاً من الأرض فهو له، وعادي الأرض لله ورسوله ثم هي لكم مني)) رواه الشافعي. [3003]
3004 -
وروي في ((شرح السنة)): أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع لعبد الله بن مسعود
ــ
الأخفاف مسان الإبل. قال الأصمعي: الخف الجمل المسن، والمعنى أن ما قرب من المرعى لا يحمى، بل يترك لمسان الإبل؛ وما في معناها من الضعاف التي لا تقوى علي الإمعان في طلب المرعى.
الحديث السادس عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((في ثلاث)) ((قض)): لما كانت الأسماء الثلاثة في معنى الجمع أنثها بهذا الاعتبار وقال: ((في ثلاث)) والمراد بالماء المياه التي لم تحدث باستنباط أحد وسعيه، كماء القني والآبار ولم يحرز في إناء أو بركة أو جدول مأخوذ من النهر. وبالكلأ ما ينبت في الموات، والمراد من الاشتراك في النار، أنه لا يمنع من الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها، لكن للمستوقد أن يمنع أخذ جذوة منها، لأنه ينقصها ويؤدي إلي إطفائها. وقيل: المراد بالنار الحجارة التي توري النار، لا يمنع أخذ شيء منها إذا كانت في موات.
الحديث السابع والثامن عن طاووس: قوله: ((وعادي الأرض)) ((قض)): المراد بـ ((عادي الأرض)) الأبنية والضياع القديمة التي لا يعرف لها مالك، نسبت إلي عاد قوم هود عليه السلام لتقادم زمانهم للمبالغة. وقوله:((لله ورسوله)) معناه أنه فيء يتصرف فيه الرسول علي ما يراه ويستصوبه. أقول: قوله: ((هي لكم مني)) بعد قوله: ((لله ورسوله)) إشعار بأن ذكر الله تميهد لذكر رسوله تعظيماً لشأنه وأن حكمه صلى الله عليه وسلم حكم الله، ولذلك عدل من ((لي)) إلي ((رسوله)) وفيه التفات.
الحديث التاسع عن شرح السنة: قوله: ((الدور بالمدينة)) ((قض)): يريد بالدور المنازل والعرصة التي أقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم له ليبني فيها، وقد جاء في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم أقطع
الدور بالمدينة، وهي بين ظهرإني عمارة الأنصار من المنازل والنخل، فقال بنو عبد بن زهرة: نكب عنا ابن أم عبد. فقال لهم رسول الله: ((فلم ابتعثني الله أذاً؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه)).
3005 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السيل المهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلي علي الأسفل. رواه أبو داود، وابن ماجه. [3005]
ــ
المهاجرين الدور بالمدينة، ويؤول بهذا. والعرب تسمى المنزل داراً وإن لم يبن فيه بعد. وقيل: معناه أنه أقطعها له عارية، وكذا إقطاعه صلى الله عليه وسلم لسائر المهاجرين دورهم وهو ضعيف؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يورث دور المهاجرين نساءهم، وأن زينب زوجة ابن مسعود ورثته داره بالمدينة ولم يكن له دار سواها، والعارية لا تورث.
وقوله: ((وهي بين ظهرإني عمارة الأنصار)) أي بينها ووسطها. وفيه دليل علي أن الموات المحفوفة بالعمارات يجوز إقطاعها للإحياء. وقوله: ((نكب عنا)) معناه أصرفه واعدل به عنا، قال تعالي:{عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} أي عادلون عن القصد. وبنو عبد بن زهرة حي من قريش كانت منهم أم الرسول صلى الله عليه وسلم. وقوله: ((فلم ابتعثني الله إذا)) أي إنما بعثني الله لإقامة العدل والتسوية بين القوى والضعيف، فإذا كان قومي يذبون الضعيف عن حقه ويمنعونه فما الفائدة في ابتعاثي؟ وقوله:((لا يقدس أمة)) أي لا يطهرها ولا يزكيها.
الحديث العاشر عن عمرو: قوله: ((في السيل المهزور)) ((نه)): المهزور بتقديم الزاي المعجمة علي الراء غير المعجمة واد في بنى قريظة بالحجاز، فأما بتقديم الراء علي الزاي فموضع سوق المدينة، تصدق به رسول الله صلى الله عليه وسلم علي المسلمين، كذا في الفائق مع زيادة قوله: وأما مهزول – باللام – فواد إلي أصل جبل يثرب. ((تو)): هذا اللفظ في المصابيح وجدناه مصروفاً عن وجهه، ففي بعض النسخ ((في السيل المهزول)) وهو الأكثر، وفي بعضها ((في سيل المهزور)) بالإضافة، وكلاهما خطأ، وصوابه بغير ألف ولام فيهما بصيغة الإضافة إلي علم. ((قض)): لما كان ((المهزور)) علماً منقولاً من صفة مشتقة من هزره إذا [غمزه] جاز إدخال اللام فيه تارة وتجريده عنه أخرى، والمقصود من الحديث أن النهر الجاري بنفسه من غير عمل ومؤنة يسقي منه الأعلي إلي الكعبين ثم يرسله إلي من هو أسفل منه، نص عليه مطلقاً أو في صورة معينة وقع النزاع فيه ليقاس عليه أمثاله.
3006 -
وعن سمرة بن جندب: أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار، ومع الرجل أهله، فكان سمرة يدخل عليه، فيتأذى به، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليبيعه، فأبي، فطلب أن يناقله، فأبي، قال:((فهبه له ولك كذا)) أمراً رغبة فيه، فأبي، فقال:((أنت مضار)) فقال للأنصاري: ((اذهب فاقطع نخله)). رواه أبو داود. [3006]
وذكر حديث جابر: ((من أحيى أرضاً)) في ((باب الغصب)) برواية سعيد بن زيد. وسنذكر حديث أبي صرمة: ((من ضار أضر الله به)) في ((باب ما ينهي من التهاجر)).
ــ
الحديث الحادي عشر عن سمرة: قوله: ((عضد من نخل)) ((فا)): قالوا للطريقة من النخل عضد لأنها متناظرة في جهة، وروي عضيد قال الأصمعي: إذا صار للنخلة جذع تتناول منه فهي العضيد، والجمع عضدان. وقيل: هي الجبارة البالغة غاية الطول. ((تو)): لفظ الحديث يدل علي أنه كان فرد نخل لتعاقب الضمير بلفظ التذكير في قوله: ((ليبيعه، ويناقله، وفهبه له)). وأيضاً لو كانت طريقة من النخل لم يأمره بقطعها، لدخول الضرر عليه أكثر ما يدخل علي صاحبه من دخوله، وقد ذكر أن صوابه عضيد. ((قض)): إفراد الضمير فيها لإفراد اللفظ. ومعنى ((أن يناقله)) أن يبادله بنخيل من موضع آخر، ولعله إنما أمر الأنصاري بقطع نخله لما بين له أن سمرة يضاره، لما علم أن غرسها كان بالعارية. ((شف)):((ولك كذا أمراً)) أي في الجنة. ((رغبة فيه)) أي في ذلك الأمر.
قوله: ((أنت مضار)) ((مظ)): أي إذا لم تقبل هذه الأشياء فلست تريد إلا إضرار الناس، ومن يريد إضرار الناس جاز دفع ضرره، ودفع ضررك أن تقطع شجرك. أقول: ذكر الأهل والنادي دالان علي تضرر الأنصاري من مروره، وكذا تعدية ((طلب)) بـ ((إلي)) تشعر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أنهي إليه طلب البيع شافعاً، وعلي هذا قوله:((طلب أن يناقله)) وكذا قوله: ((أمراً رغبه فيه)) يدل علي أن الأمر في قوله: ((فهبه له)) كان أمراً علي طريق الشفاعة، فحق من يأبي من مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا التشفيع أن يزجر ويوبخ، فقوله:((أمراً)) نصب علي الاختصاص والتفسير لقوله: ((فهبه له)) يعني هو أمر علي سبيل الترغيب والاستشفاع، ويجوز أن يكون حالا من فاعل ((قال)) أي قال أمراً مرغباً فيه، وأن يكون نصباً علي المصدر؛ لأن الأمر فيه معنى القول أي قال قولاً مرغباً فيه. وهذه الوجوه جارية في قوله تعالي:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا} . قيل: الأنصاري من بني النجار، وقيل: اسمه مالك بن قيس، وقيل: لبابة بن قيس، وقيل: مالك بن أسعد، وكان شاعراً.