الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية مسلم، قال: كانت لي جارية ترعى غنما لي قبل أحد والجوإنية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكن صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم ذلك علي. قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال: ((ائتني بها)) فأتيته بها. فقال لها: ((أين الله؟)) قالت: في السماء قال: ((من أنا؟ قالت: أنت رسول الله. قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)).
(14) باب اللعان
الفصل الأول
3304 -
عن سهل بن سعد الساعدي [رضي الله عنه] قال: إن عويمر العجلإني قال: يا رسول الله! أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونة؟ أم كيف يفعل؟
ــ
قلت: مما يلزم الأسف والغضب من الانتقام الشديد والضرب العنيف، كأنه قيل: أردت أن أضربها ضربا شديدا أوجعها به، لكن صككتها.
قوله: ((أفلا أعتقها)) فإن قلت: ما الفرق بين هذه الهمزة والتي في الرواية السابقة؟ وما الفائدة في كون الجملة هناك مثبتة وهاهنا منفية؟ قلت: الهمزة الأولي مقحمة تأكيدا للاستخبار، والفاء سببية لقوله:((وعلي رقبة)) وعلي الثاني الهمزة غير مقحمة، والفاء مرتبة علي مقدر بعدها، أي أيكون ما فعلت هدرا فلا أعتقها؟
فإن قلت: كيف التوفيق بين الروايتين؟ قلت: الرواية الأولي متضمنة لسؤالين صريحا؛ لأن التقدير: كان علي عتق رقبة كفارة، وقد لزمني من هذه اللطمة إعتاقها، أفيكفيني إعتاقها للأمرين جميعا؟ والرواية الثانية مطلقة تحتمل الأمرين، والمطلق محمول علي المقيد. ومما يدل علي أن السؤال ليس مجرد اللطمة، سؤال النبي صلى الله عليه وسلم الجارية عن إيمانها.
باب اللعان
المغرب: لعنه لعنا ولاعنه ملاعنة ولعانا وتلاعنوا لعن بعضهم بعضا، وأصله الطرد. ((مح)): إنما سمي لعانا؛ لأن كلا من الزوجين يبعد عن صاحبه، ويحرم النكاح بينهما علي التأبيد. واللعان عند جمهور أصحابنا يمين، وقيل: شهادة، وقيل: يمين فيها شوب شهادة. وينبغي أن يكون بحضرة الإمام والقاضي وجمع من الناس. وهو أحد أنواع التغليظ؛ فإنه تغليظ بالزمان والمكان والجمع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها)). قال سهل: فتلاعنا في المسجد، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرعا، قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا فإن جاءت به أسحم، أدعج العينين، عظيم الأليتين، خدلج الساقين، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها. فجاءت به علي النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلي أمه. متفق عليه.
ــ
الفصل الأول
الحديث الأول عن سهل: قوله: ((أم كيف يفعل؟)) ((أم)) يحتمل أن تكون متصلة، يعني إذا رأي الرجل هذا المنكر والأمر الفظيع وثارت عليه الحمية، أيقتله فيقتلونه؟ أم يصبر علي ذلك الشنآن والعار؟ وأن تكون منقطعة، فسأل أولا عن القتل مع القصاص ثم أضرب عنه إلي سؤاله؛ لأن ((أم)) المنقطعة متضمنة لـ ((بل)) والهمزة، فـ ((بل)) يضرب الكلام السابق، والهمزة تستأنف كلاما آخر. المعنى كيف يفعل أيصبر علي العار أو يحدث الله له أمرا آخر؟ فقوله:((قد أنزل فيل وفي صاحبتك)) مطابق لهذا المقدر، فالوجه أن تكون ((أم)) منقطعة، والمنزل قوله تعالي {والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إلَاّ أَنفُسُهُمْ} إلي آخر الآيات.
((مح)): اختلفوا فيمن قتل رجلا وزعم أنه زنى بامرأته، فقال [جمهورهم] *: يقتل إلا أن تقوم بذلك بينة أو يعترف له ورثة القتيل، ويكون القتيل محصنا، والبينة أربعة من العدول من الرجال يشهدون علي يقين الزنا. أما فيما بينه وبين الله تعالي فإن كان صادقا فلا شيء عليه. وقال بعض أصحابنا: يجب علي كل من قتل زإنيا محصنا القصاص، ما لم يأمر السلطان بقتله. والصواب الأول. واختلفوا في الفرقة باللعان، فقال مالك والشافعي: تحصل الفرقة بلعان الزوج وحده، وقال أبو حنيفة: لا تحصل الفرقة إلا بقضاء القاضي بها بعد التلاعن؛ لقوله: ((ثم فرق بينهما)). واحتج الجمهور أنه لا يفتقر إلي قضاء القاضي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا سبيل لك عليها)).
قوله: ((كذبت عليها إن أمسكتها)) كلام مستقل. وقوله: ((فطلقها ثلاثا)) كلام مبتدأ منقطع عما قبله تصديقا لقوله في أنه لا يمسكها، وإنما طلقها لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه، فأراد
3305 -
وعن ابن عمر [رضي الله عنهما] أن النبي صلى الله عليه وسلم لا عن بين رجل وامرأته، فانتفي من ولدها، ففرق بينهما، والحق الولد بالمرأة. متفق عليه وفي حديثه لهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظه، وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، ثم دعاها فوعظها، وذكرها، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
3306 -
وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمتلاعنين:((حسابكما علي الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها)) قال يا رسول الله! مالي. قال: ((لا مال لك، إن كنت
ــ
تحريمها بالطلاق. واستدل أصحابنا بالحديث أن جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد ليس حراما لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ذلك. وقد اعترض عليه بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه؛ لأنه لم يصادف الطلاق محلا مملوكا له. ويجاب عنه بأنه لو كان الثلاث محرما لأنكر عليه إرسال لفظ الطلقات الثلاث وبين تحريمه، وقال بعض أصحاب مالك: إنما طلقها ثلاثا بعد اللعان؛ لأنه يستحب إظهار الطلاق بعد اللعان، مع أنه حصلت الفرقة بنفس اللعان، وهذا فاسد؛ لأنه كيف يستحب الطلاق للأجنبية؟ وقال بعض المالكية: لا تحصل الفرقة بنفس اللعان، واحتج بطلاق عويمر وبقوله:((إن أمسكتها)) والجواب ما سبق.
قوله: ((أسحم أدعج)) ((نه)): الأسحم الأسود، والدعج والدعجة السواد في العين وغيرها. وقيل: الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها. ((وخدلج الساقين)) أي عظيمهما، و ((الوحرة)) بالتحريك دويبة كالقطاة تلزق بالأرض – انتهي كلامه. والضمير في ((فإن جاءت به)) للحمل أو الولد لدلالة السياق عليه، كقوله تعالي:{إن تَرَكَ خَيْرًا} أي الميت.
الحديث الثاني والثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((فانتفي)) الفاء سببية أي الملاعنة لانتفاء الرجل من ولد المرأة وإلحاقه بها. وقوله: ((لا سبيل لك عليها)) أي لا تسلط لك عليها كانت سببا ولا تملك منها حلها. وهذا معنى ((علي)) في ((عليها)) كقوله تعالي: {فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ (41) إنَّمَا السَّبِيلُ عَلي الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} وهذا الكلام بعد قوله: ((حسابكما علي الله)).
((غب)): الملاعنة تدل علي مذهب الشافعي، وهو أن الفرقة تحصل بنفس الملاعنة، فيحمل قوله:((ففرق بينهما)) في الحديث السابق علي هذا، وقوله:((مالي)) فاعل فعل محذوف. فلما قال له: ((لا سبل لك عليها)) قال: أيذهب مالي؟ أي المهر، والباء في قوله:((بما استحللت)) باء البدل والمقابلة. وقوله: ((فذاك)) إشارة إلي قوله: ((مالي)) أي إن صدقت فهذا الطلب بعيد؛ لأنه
صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذاك أبعد وأبعد لك منها)) متفق عليه.
3307 -
وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية، قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سمحاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((البينة أو حدا في ظهرك)). فقال: يا رسول الله! إذا رأي أحدنا علي امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((البينة، وإلا حد في ظهرك)) فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه:{والَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ {إن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يعلم
ــ
بدل البضع، وإن كذبت فأبعد وأبعد لك، اللام في ((لك)) لبيان متعلقة بـ ((أبعد)) الأول كما في قوله تعالي:{هيت لك} وأبعد الثاني مقحم للتأكيد. ((مح)) فيه أن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب أحد منهما، وإن علمنا كذب أحدهما علي الإبهام. وفيه دليل علي استقرار المهر بالدخول، وعلي ثبوت مهر الملاعنة المدخول بها. وفيه أيضا أنه لو صدقته وأقرت بالزنا، لم يسقط مهرها.
الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((قذف امرأته)) ((تو)): هذا من أول لعان كان في الإسلام وفيث نزلت الآية. ((مح)): اختلفوا في نزول آية اللعان، هل هي بسبب عويمر العجلإني أم بسبب هلال بن أمية؟ فقال بعضهم بالأول، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم لعويمر:((نزلت فيك)) كما سبق، وبعضهم اثإني واستدلوا بما ذكر مسلم في قصة هلال: وكان أول رجل لاعن في الإسلام. قال ابن الصباغ من أصحابنا: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم لعويمر: ((نزلت فيك)) أي نزلت في شأنك في قصة هلال؛ لأن ذلك حكم شامل لجميع الناس. قال الشيخ محيي الدين: ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا، فلعلهما سألا في وقتين متقاربين، فنزلت فيهما، وسبق هلال باللعان. وقيل: إن آية اللعان نزلت في شعبان في سنة تسع من الهجرة.
قوله: ((ينطلق)) جواب ((إذا)) وإنما لم يجزم؛ لأن الشرط ماض. ((ويلتمس)) حال من ضمير ((ينطلق)) ويجوز أن تكون ((إذا)) ظرفا مبتدأ، و ((ينطلق)) خبره، و ((يلتمس)) خبر بعد خبر أو حال. وفي الجملة معنى الاستفهمام علي سبيل الاستبعاد. ونظيره إذا قام زيد إذا قام عمرو أي وقت قيام زيد وقت قيام عمرو. قوله:((البينة)) ((تو)): أي أقم البينة ((أو حدا)) نصب علي المصدر، أي تحد حدا. وقوله:((وإلا حد في ظهرك)) التقدير: وإن لم تقم البينة فيثبت حد في ظهرك. قوله: ((فشهد)) أي لا عن.
أن أحد كما كاذب، فهل منكما تائب؟)) ثم قامت، فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبة. فقال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت. وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين، خدلج الساقين؛ فهو لشريك بن سمحاء، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا ما مضى من كتاب الله؛ لكان لي ولها شأن)). رواه البخاري.
ــ
قوله: ((فلما كانت عند الحامسة)) ((قض)): أي عند الخامسة من شهادتها حبسوها ومنعوها عن المضي فيها، وهددوا وقالوا لها: إنها موجبة. وقيل: معنى ((وقفوها)) أطلعوها علي حكم الخامسة، وهو أن اللعان إنما يتم به ويترتب علي آثاره، وأنا موجبة للعن مؤدية إلي العذاب إن كانت كاذبة. ((فتلكأت)) أي توقفت، يقال: تلكأ في الأمر تلكؤ إذا تبطأ عنه وتوقف فيه. ((ونكصت)) في تكذيب الزوج، ودعوى البراءة عما رماها به. ((لا أفضح قومي سائر اليوم)) أي جميع الأيام وأبد الدهر وفيما بقي من الأيام بالإعراض عن اللعان والرجوع إلي تصديق الزوج، وأريد بـ ((اليوم)) الجنس؛ ولذلك أجراه مجرى العام والسائر كما يطلق للباقي يطلق للجميع. ((فمضت)) أي في الخامسة وأتمتها. و ((أكحل العينين)) الذي يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل من غير اكتحال، ويقال: رجل كحيل وامرأة كحلاء. ((سابغ الأليتين)) كبيرهما، يقال للشيء إذا كان تاما وافيا وافرا: إنه سابغ، وفي إتيان الولد علي الوصف الذي ذكره صلى الله عليه وسلم هنا وفي قصة عويمر بأحد الوصفين المذكورين مع جواز أن يكون علي خلاف ذلك معجزة وإخبار بالغيب.
قوله: ((لولا ما مضى من كتاب الله)) أي من حكمه بدرء الحد عن المرأة بلعانها لكان لي ولها شأن في إقامة الحد عليها. وفي ذكر ((شأن)) وتنكيره تهويل وتفخيم لما كان يريد أن يفعل بها، أي لفعلت بها لتضاعف ذنبها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين. وفي الحديث دليل علي أن الحاكم لا يلتفت إلي المظنة والأمارات، وإنما يحكم بظاهر ما تقتضيه الحجج والأيمان.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في مسنده في باب أبطال الاستحسان: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا: ((إن أمره لبين لولا ما قضى الله)) يعني إنه لمن زنا لولا ما قضى الله من أن لا يحكم علي أحد إلا بإقرار أو اعتراف علي نفسه، لا يحل بدلالة غير واحد منهما وإن كانت بينه، فقال:((لولا ما قضى الله لكان لي فيها قضاء غيره))، ولم يعرض لشريك ولا للمرأة. والله أعلم، وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب، ثم علم أن الزوج هو الصادق – انتهي
3308 -
وعن أبي هريرة، قال: قال سعد بن عبادة: لو وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم)). قال: كلا، والذي
ــ
كلام الإمام. وفي الحديث أن لعان الرجل يقدم علي لعان المرأة؛ لأنه مثبت وهذا دارئ، والدرء إنما يحتاج إليه بعد الإثبات.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لم أمسه)) جواب ((لو)) ((مظ)): حرف الاستفهام هنا مقدر. أقول: والوجه أن تكون ((لو)) مع جوابها إخبار علي سبيل الإنكار، وفي كلام الله تعالي مثل هذا غير عزيز، ويدل علي الإنكار قوله:((كلا))، وفي الحديث الثاني ((لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح)). وأما جوابه صلى الله عليه وسلم:((نعم)) فحمل كلامه علي الاستفهام من الأسلوب الحكيم و ((إن)) في قوله: ((إن كنت)) هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وضمير الشأن محذوف، وفي الكلام تأكيد. و ((اسمعوا)) ضمن معنى الإصغاء، وعدي بـ ((إلي)) وفيه اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لسعد وأن ما قاله قاله عن غيرة. وفي ذكر السيد هنا إشارة إلي أن الغيرة من شيم كرام الناس وساداتهم؛ ولذلك أتبعه بقوله:((وأنا أغير منه، والله أغير مني)).
[((مظ))] *: يشبه أن مراجعة سعد النبي صلى الله عليه وسلم كان طمعا في الرخصة لا ردا لقوله صلى الله عليه وسلم، فلما أبي ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت وانقاد. ((مح)): ليس قوله: ((كلا)) ردا لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفة لأمره، وإنما معناه الإخبار عن حال نفسه عند رؤية الرجل مع امرأته واستيلاء الغضب عليه؛ فإنه حيثئذ يعالجه بالسيف. أقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلقى سؤاله بقوله: ((نعم)) علي الأسلوب الحكيم، وأجرى إنكاره مجرى الاستفسار، بين بقوله:((كلا)) أي ما أردت الاستفسار بل أردت الإنكار.
((نه)): الغيرة هي الحمية والأنفة، يقال: رجل غيور وامرأة غيور بناء مبالغة كشكور وكفور؛ لأن فعولا يشترك فيه الذكر والأنثى. ((حس)): الغيرة من الله تعالي الزجر والله غيور أي زجور يزجر عن المعاصي؛ لأن الغيرة تغير يعترى الإنسان عند رؤية ما يكرهه علي الأهل، وهو علي الله محال.
الحديث السادس عن المغيرة: قوله: ((مصفح)) ((مح)): هو بكسر الفاء أي غير ضارب بصفح السيف – وهو جانبه – بل بحده. قوله: ((أتعجبون من غيرة سعد؟)) فإن قلت: كيف التوفيق بين قوله: ((إنه لغيور)) وقوله هنا: أتعجبون من غيرته؟ فإن الجملة الأولي دلت علي أنهم أنكروا غيرته حتى رد إنكارهم ((فإن)) و ((اللام))، وها هنا دل التعجب علي أنهم كانوا مثبتين لغيرته جاهلين بسبها. قلت: قول سعد في الحديث الأول: ((كلا)) إلي آخره حملهم علي التعجب من مثل سعد سيد الأنصار كيف يقول مثل ذلك بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعثه علي ذلك؟ فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تعجبوا منه، وهو إثبات الغرة. وقوله:((أتعجبون من غيرة سعد)) وارد
بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا إلي ما يقول سيدكم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني)). رواه مسلم.
3309 -
وعن المغيرة، قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي
ــ
علي قوله: ((إنه لغيور)) يعني لا تعجبوا من غيرته؛ فإن الله أغير منه. وقوله: ((والله أغير منى)) عطف علي المقسم عليه وهو قوله: ((أنا أغير منه)) وقوله: ((ولا أحد أحب)) ((لا)) هنا بمعنى ليس، وقد ذكر الاسم والخبر معها كأن النحويين غفلوا عن هذا الحديث؛ حيث اكتفوا بقوله:((أنا ابن قيس لا براح)). وقوله: ((العذر)) فاعل لـ ((أحب)) [والمسألة كحلية] *.
قوله: ((ومن أجل غيرة الله حرم الله الفواحش)) يعني أن الله تعالي لما غار علي عباده وإمائه الفواحش، شرح تحريمها ورتب علي مرتكبها العقاب في الدنيا والآخرة؛ لينزجروا عنها. ومعنى ((ما ظهر منها وما بطن)) أي ما أعلن منه وما أسر. وقيل: ما عمل وما نوى وقيل: ظاهرة الزنا في الحوإنيت وباطنه الصديقة في السر.
قوله: ((العذر من الله)) ((مح)): العذر هنا بمعنى الإعذار، أي إزالة العذر، - يعني أن الله تعالي بعث المبشرين والمنذرين لئلا يكون للناس علي الله حجة، كما قال تعالي:{ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} . و ((المدحة)) بكسر الميم المدح، ومعناه أنه تعالي لما وعدها ورغب فيها. كثر سؤال العباد إياها منه والثناء عليه.
أقول: وفيه أن السيد إذا لم يكن غيورا كان مواليه غير مؤدبين، ومن لم يصن عرضه عن اللوم يكون مشقا لأسنة الطاعنين، ومن وعد الناس معروفا ثم وفي بوعده، حسن ثناؤه وكثر حامدون. فإن قلت: أليس النائل إذا كان عن فجاءة كان أكمل من التأخير، والناس لمسرته أمدح؟ قال أبو الطيب:
وأجز الأمير الذي نعماه فاجئة بغير قول ونعمى القوم أقوال
قلت: ليس كذلك؛ لأن الأول حاز كرم الفعال مع صدق المقال، وكان ذلك أقوم لأود المجتدى وأصلح لتهذيب أخلاقه؛ لأنه إذا علق الرجاء به تحرى الأصوب فالأصوب لنيله، ثم إذا قارنه عرف حق النعمة وقام بمواجب الشكر، ولهذا كانت دعواهم في الدنيا: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين، والحمد لله الذي هدانا لهذا. وسأل فقير كبيرا حاجة، فقال: أسوفك اليوم بالوعد، وأسرك غدا بالإنجاز لتذوق حلاوة الأمل، وأتزين بحلية الوفاء.
الحديث السابع عن أبي هريرة: قوله: ((وغيرة الله أن لا يأتى)) مبتدأ وخبر، ولا يستقيم حمل الخبر علي المبتدأ إلا بتقديم اللام، أي غيرة الله ثابتة لأجل أن لا يأتى.
لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الجنة)). متفق عليه.
3310 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ((إن الله تعالي يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرم الله)). متفق عليه.
ــ
الحديث الثامن عن أبي هريرة: قوله: ((هل فيها من أورق؟)) ((قض)): قال الأصمعي: الأورق من الإبل الذي في لونه بياض إلي سواد، وهو أطيب الإبل لحما، وليس بمحمود في سيره وعمله عندهم، من الورقة وهو اللون الرمادي. ومنه قيل للحمامة [والذئية] *: ورقاء، وورق جمعه كحمر جمع أحمر.
وقوله: ((فأنى ترى ذلك جاءها؟)) أي فمن أين جاءها هذا اللون وأبواها ليسا بهذا اللون؟. قال: ((عرق نزعها)) أي قلعها وأخرجها من ألوان فحلها ولقاحها. وفي المثل: العرق نزاع، والعرق [النجار] **. والأصل مأخوذ من عرق الشجر، يقال: أعرق الرجل إذا صار عريقا، وهو الذي له عرق من الكرم، والمعنى أن ورقتها إنما جاء؛ لأنه كان في أصولها البعيدة ما كان بهذا اللون، أو بألوان تحصل الورقة من اختلاطها؛ فإن أمزجة الأصول قد تورث؛ ولذلك تورث الأمراض، والألوان تتبعها. وفائدة الحديث المنع عن نفي الولد بمجرد الأمارات الضعيفة، بل لا بد من تحقق وظهور دليل قوي، كأن لم يكن وطئها، أو أتت بولد قبل ستة أشهر من مبدأ وطئها.
أقول: فإن قلت: لم لم يعتبر وصف اللون في هذا الحديث؟ واعتبر الأوصاف في حديث شريك بن سمحاء؛ حيث قال: ((إن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك))؟ قلت: إنما لم يعتبر وصف اللون هنا ليدفع التهم؛ لأن الأصل براءة ساحة المسلمين، ولم يكن اعتبار الأوصاف هناك لدفع التهمة، بل لينبه علي أن تلك الأمارات الجلية الظاهرة مضمحلة عند وجود نص كتاب الله تعالي، فكيف بالآراء الخفية؟ ولو شئت قلت: إن الصورتين مستويتان؛ لأن لعانها بالحقيقة ادعاء براءة ساحتها عما نسب إليها، وهو قد غلب علي رمي الزوج ولعانه، وحصول ما يقرر ذلك من وجود الولد من ماء السفاح والله أعلم.
((مح)): فيه أن التعريض بنفي الولد ليس نفيا، وأن التعريض بالقذف ليس قذفا. وهو مذهب الشافعي وموافقيه. وفيه إثبات القياس والاعتبار بالأشباه وضرب الأمثل. وفيه الاحتياط للأنساب وإلحاق الولد بمجرد الإمكان والاحتمال.
3311 -
وعنه، أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل لك من إبل؟)) قال: نعم قال: ((فما ألوانها؟)) قال: حمر. قال: ((هل فيها من أورق؟)) قال: إن فيها لورقا. قال: ((فأنى ترى ذلك جاءها))؟ قال: عرق نزعها. قال: ((فلعل هذا عرق نزعة)) ولم يرخص له في الانتفاس منه. متفق عليه.
3312 -
وعن عائشة، قالت: كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أخيه سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة مني، فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعد، فقال: إنه ابن أخي. وقال عبد بن زمعة: أخي، فتساوقا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله! إن أخي كان عهد إلي فيه. وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي، ولد علي فراشه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هو لك يا عبد بن زمعة، الولد
ــ
الحديث التاسع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ابن وليدة)) ((قض)): الوليدة الأمة، وكانت العرب في جاهليتهم يتخذون الولائد ويضربون عليهن الضرائب فيكتسبن بالفجور، وكانت السادة أيضا لا يجتنبونهن فيأتوهن، فإذا أتت الوليدة بولد وقد استفرشها السيد وزنى بها غيره أيضا، فإن استحلقه أهدهما ألحق به ونسب إليه، وإن استحلقه كل واحد منهما وتنازعا فيه عرض علي القافة. وكان عتبة قد صنع هذا الصنيع في جاهليته بوليدة زمعة، وحسب أن الولد له، فعهد إلي أخيه – أي أوصى إليه – بأن يضمه إلي نفسه وينسبه إلي أخيه حيثما احتضر، وكان كافرا، فلما كان عام الفتح أزمع سعد علي أن ينفذ وصيته وينتزعه، فأبي ذلك عبد بن زمعة، وترافعا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم أن الولد للسيد الذي ولد علي فراشه، وليس للزإني من فعله سوى الوبال والنكال. وأبطل ما كانوا عليه في جاهليتهم من إثبات الولد بالزنا.
وفي هذا الحديث أن الدعوى تجري في النسب كما تجري في الأموال، وأن الأمة تصير فراشا بالوطء، وأن السيد إذا أقر بالوطء ثم أتت بولد يمكن أن يكون منه لحقه. وإن وطئها غيره. وأن إقرار الوارث فيه كإقرارة.
قوله: ((الولد للفراش)) ((مح)): ما تصير به المرأة فراشا إن كانت زوجة فمجرد عقد النكاح. ونقلوا في هذا الإجماع، وشرطوا فيه إمكان الوطء، فإن لم يكن بأن نكح المشرقي مغربية، ولم يفارق واحدا منهما وطنه، ثم أتت بولد لستة أشهر أو أكثر لم يلحق. هذا قول مالك والشافعي، إلا أن أبا حنيفة لم يشترط الإمكان، حتى لو طلق عقب العقد وأتت بولد لستة أشهر لحقه الولد. وهذا ضعيف ظاهر الفساد. وإن كانت أمة فعند الشافعي ومالك تصير فراشا
للفراش، وللعاهر الحجر)) ثم لسودة بنت زمعة:((احتجبي منه)) لما رأي من شبهه بعتبة، فما رآها حتى لقي الله. وفي رواية: قال: ((هو أخوك يا عبد بن زمعة من أجل أنه ولد علي فراش أبيه)). متفق عليه.
3313 -
وعنها، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو مسرور، فقال:((أي عائشة! ألم تري أن مجززا المدلجي دخل، فلما رأي أسامة وزيدا وعليهما قطيفة قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامها، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)). متفق عليه.
ــ
للوطء بمجرد الملك. فإذا أتت بولد بعد الوطء بمدة الإمكان ألحقوه. وقال أبو حنيفة: لا تصير فراشا إلا إذا ولدت، وقال: لأنها لو صارت فراشا بالوطء لصارت بعد الملك كالزوجة.
قال أصحابنا: الفرق أن الزوجة تراد للوطء خاصة، فجعل الشرع العقد عليها كالوطء، وأما الأمة فتراد لملك الرقبة وأنواع من المنافع؛ ولهذا يجوز أن يملك أختين وأما وبنتها، بخلاف النكاح، فلم يصر نفس الملك فراشا، فإذا حصل الوطء صارت كالحرة فصارت فراشا.
واحتج بعض الحنفية بهذا الحديث علي أن الوطء بالزنا، له حكم الوطء بالنكاح في حرمة المصاهرة. وقال الشافعي ومالك وغيرهم: لا أثر لوطء الزنا، بل للزإني أن يتزوج أم المزني بها وبنتها. وزاد الشافعي وجوز نكاح البنت المتولدة من مائه بالزنا. قالوا: ووجا الاحتجاج أن سودة أمرت بالاحتجاب. وهذا احتجاج ضعيف؛ لأن هذا علي تقدير كونه من الزنا، فهو أجنبي من سودة لا يحل الظهور له، سواء ألحق بالزإني أو لا، ولا تعلق له بالمسألة المذكورة.
وفيه أن حكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطن، فإذا حكم بشهادة شاهدي زور أو نحو ذلك لم يحل المحكوم به للمحكوم له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حكم به لعبد بن زمعة أنه أخ له، ولسودة بالاحتجاب، واحتمل بسبب الشبه أن يكون من عتبة، فلو كان الحكم يحل الباطن لما أمرها بالاحتجاب. وقوله:((للعاهر الحجر)) مضى شرحه في باب الوصية في الفصل الثاني. والله أعلم.
الحديث العاشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((أن مجزرا)) ((مح)): - بضم الميم – وفتح الجيم والزايين المنقوطتين الأولي منهما مشددة – وهو من بين مدلج، وكان القيافة فيهم وفي بني أسد، تعترف لهم العرب بذلك، وكانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة؛ لكونه أسود شديد السواد، وكان زيد أبيض فأبيض، فلما قضى هذا القائف بإلحاق نسبه مع اختلاف اللون وكانت الجاهلية تعتمد قول القائف، فرح النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكونه زاجرا لهم عن الطعن في نسبه.
3314 -
وعن سعد بن أبي وقاص، وأبي بكرة، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ادعى إلي غير أبيه وهو يعلم [أنه غير أبيه] فالجنة عليه حرام)). متفق عليه.
3315 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فقد كفر)). متفق عليه.
وذكر حديث عائشة ((ما من أحد أغير من الله)) في ((باب صلاة الخسوف)).
ــ
وكانت أم أسامة حبشية سوداء اسمها بركة، وكنيتها أم أيمن. واختلفوا في العمل بقول القائف، واتفق القائلون به علي أن يشترط فيه العدالة، وهل يشترط فيه العدد أم يكتفي بواحد. فالأصح الاكتفاء بواحد.
((قض)): فيه دليل علي اعتبار قول القائف في الأنساب، وأن له مدخلا في إثبات وإلا لما استبشر به ولأنكر عليه؛ إذ لا يجوز أن يقال رجما بالغيب ما يحتمل أن يوافق الحق في بعض الصور وفاقا، وخصوصا ما يكون صوابه غير معتبر، وخطؤه قذف محصنة، ولا الاستدلال بما ليس بدليل، وإليه ذهب عمر وابن عباس وأنس وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وعامة أهل الحديث. وقالوا: إذا ادعى رجلان أو أكثر نسب مولود مجهول النسب، ولم تكن له بينة، أو اشتركوا في وطء امرأة بالشبهة، فأتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهم وتنازعوا فيه حكم القائف؛ فبأيهم ألحقه لحقه. ولم يعتبره أصحاب أبي حنيفة بل قالوا: يلحق الولد بهم جميعا. وقال أبو يوسف: يلحق برجلين وثلاث، ولا يلحق بأكثر ولا بامرأتين. وقال أبو حنيفة: يلحق بهما أيضا. وكل ذلك ضعيف.
قوله: ((قد غطيا رءوسهما)) فيه دليل علي أن أقل الجمع اثنان، وليس هو من وادى قوله تعالي:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} لأنه قد يقال: شخص له قلوب باعتبار دواعيه؛ لأن القلوب مكان الدواعي.
الحديث الحادي عشر والثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من ادعى)) ((نه)): الدعوة بالكسر في النسب، وهو أن ينسب الإنسان إلي غير أبيه وعشيرته، وقد كانوا يفعلونه، فنهي عنه، والادعاء إلي غير الأب مع العلم به حرام، فمن اعتقد إباحته كفر لمخالفة الإجماع، ومن لم يعتقد إباحته، فمعنى كفره وجهان: أحدهما أنه أشبه فعله فعل الكفار، والثاني: أنه كافر نعمة الإسلام. أقول: ومعنى قوله: ((فالجنة عليه حرام)) علي الأول ظاهر، وعلي الثاني تغليظ.
الفصل الثاني
3316 -
وعن أبي هريرة، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لما نزلت آية الملاعنة:((أيما امرأة أدخلت علي قوم من ليس منهم؛ فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله منه وفضحه علي رءوس الخلائق في الأولين والآخرين)). رواه أبو داود، والنسائي، والدارمي. [3316]
3317 -
وعن ابن عباس، قال: جاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي امرأة لا ترد يد لامس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((طلقها)) قال: إني أحبها. قال: ((فأمسكها إذن)).
رواه أبو داود، والنسائي وقال النسائي: رفعه أحد الرواة إلي ابن عباس، وأحدهم لم يرفعه. قال: وهذا الحديث ليس بثابت. [3317]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ولن يدخلها الله جنته)) ((تو)): أي مع من يدخلها من المحسنين بل يؤخرها أو يعذبها ما شاء، إلا أن تكون كافرة فيجب عليها الخلود. وذكر النظر تحقيق لسوء صنيعه وتعظيم للذنب الذي ارتكبه؛ حيث لم يرض بالفرقة حتى أماط جلباب الحياء عن وجهه. أقول: يريد أن قوله: ((وهو ينظر إليه)) تتميم للمعنى ومبالغة فيه. وقوله: ((في الأولين)) يحتمل أن يكون ظرفا لـ ((فضحه)) و ((علي رءوس الخلائق)) حالا من الضمير المنصوب، ويحتمل أن يكون حالا مؤكدة من الخلائق، أي علي رءوس الخلائق أجمعين.
الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لا ترد يد لامس)) ((حس)): معناه أنها مطاوعة لمن أرادها لا ترد يده. [((تو))] *: هذا وإن كان اللفظ يقتضيه احتمالا، فإن قوله صلى الله عليه وسلم:((فأمسكها إذن)) يأباه، ومعاذ الله أن يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمساك من لا تماسك لها عن الفاحشة فضلا من أن يأمر به، وإنما الوجه فيه أن الرجل شكا إليه خرقها وتهاونها بحفظ ما في البيت والتبرع ببذله لمن أراده.
((قض)): هذا الوجه ضعيف؛ لأن إمساك الفاجرة غير محرم حتى لا يؤذن فيه سيما إذا كان الرجل مولعا بها؛ فإنه ربما يخاف علي نفسه أن لا يصطبر عنها لو طلقها، فيقع هو أيضا في الفجور، بل الواجب عليه أن يؤدبها ويجتهد في حفظها. ((حس)). فيه دليل علي جواز نكاح الفاجرة، وإن كان الاختيار غير ذلك، وهو قول أكثر أهل العلم.
3318 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن كل مستلحق استلحق بعد أبيه الذي يدعى له ادعاه ورثته فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره، فإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث، وإن كان الذي يدعى له هو الذي ادعاه فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة. رواه أبو داود. [3318]
3319 -
وعن جابر بن عتيك، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:((من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة، وإن من الخيلاء ما يبغض الله، ومنها ما يحب الله؛ فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل عند القتال، واختياله عند الصدقة، وأما التي يبغض الله فاختياله في الفخر)). وفي رواية: ((في البغي)). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي. [3319]
ــ
الحديث الثالث عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((مستلحق)) هو بفتح الحاء الذي طلب الورثة أن يلحقوه بهم، واستلحقه أي ادعاه. وقوله:((استلحقه)) صفة لقوله: ((مستلحق)) وقوله: ((ادعاه ورثته)) خبر ((أن)) والفاء في ((فقضى)) تفصيلية، أي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى فقضى، كما في قوله تعالي:{فَتُوبُوا إلي بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} . ((مظ)): هذه الأحكام قضى بها الرسول صلى الله عليه وسلم في أوائل الإسلام ومبادئ الشرع، وهي أن الراجل إذا مات واستلحق له ورثته ولدا، فإن كان الرجل الذي يدعى الولد له ورثة قد أنكر أنه منه، لم يلحق به ولم يرث منه. وإن لم يكن أنكره فإن كان من أمته لحقه وورث منه ما لم يقسم بعد ماله، ولم يرث ما قسم قبل الاستلحاق. وإن كان من أمة غيره كابن وليدة زمعة، أو من حرة زنى بها لا يلحق به ولا يرث، بل لو استلجقه الواطئ لم يلحق به؛ فإن الزنا لا يثبت النسب.
الحديث الرابع عن جابر: قوله: ((فالغيرة في الريبة)) أي في مواضع التهم وما تردد فيه النفس فتظهر فائدتها وهي الرهبة والنزجار. وإن لم تكن موقعها فتورث البغض والشنآن والفتن.
قوله: ((وإن من الخيلاء)) ((نه)): الخيلاء – بالضم والكسر – الكبر والعجب، يقال: اختال فهو مختال، وفيه خيلاء ومخيلة وكبر، والخيلاء في الصدقة أن تهزه الأريحية والسخاء فيعطيها طيبة بها نفسه، فلا يستكثر كثيرا ولا يعطى منها شيئا إلا وهو له مستقل، وأما الحرب فأن يتقدم فيها بنشاط وقوة ونخوة وجنان.
الفصل الثالث
3320 -
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قام رجل، فقال: يا رسول الله! إن فلانا ابني؛ هاهرت بأمه في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا دعوة في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولد للفراش، وللعاهر الحجر)). رواه أبو داود.
3321 -
وعنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أربع من النساء لا ملاعنة بينهن: النصرإنية تحت المسلم، واليهودية تحت المسلم، والحرة تحت المملوك، والمملوكة تحت الحر)) رواه ابن ماجة. [3321]
3322 -
وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حين أمر المتلاعنين أن يتلاعنا أن يضع يده عن الخامسة علي فيه، وقال:((إنها موجبة)). رواه النسائي. [3322]
3323 -
وعن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا، قالت: فغرت عليه، فجاء، فرأي ما أصنع. فقال:((مالك يا عائشة! أغرت؟)) فقلت: وما لي لا يغار مثلي علي مثلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد جاءك شيطانك)) قالت: يا رسول الله! أمعي شيطان؟ قال: ((نعم)). قلت: ومعك يا رسول الله؟ قال: ((نعم! ولكن أعانني الله عليه حتى أسلم)). رواه مسلم.
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن عمرو: قوله: ((ابني)) خبر ((إن)). قوله: ((عاهرت)) مستأنف بيان لإثبات الدعوة؛ ولذلك رده صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لا دعوة في الإسلام)).
الحديث الثاني عن عمرو: قوله ((بينهن)) وبين أزواجهن، ولا بد من هذا التقدير؛ لأن قوله:((النصرإنية)) إلي آخره تفصيل له.
الحديث الثالث والرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((لا يغار)) حال من المجرور و ((مثلي)) وضع موضع الضمير الراجع إلي ذي الحال، وهو من قولهم: مثلك يجود أي أنت تجود، يعني كيف لا يغار من هو علي صفتي من المحبة ولها ضرائر علي من هو علي صفتك من النبوة والمنزلة من الله تعالي، وقد خرج في مثل هذا الوقت من عندها؟ وفي قوله:((لقد جاءت شيطانك)) إشارة إلي ما مر في حديث جابر بن عتيك من قوله: ((أما التي يبغضها الله فالغيرة في غير ريبة)) يعني كيف تغيرين علي؟ ترين إني أحيف عليك؟ أي ليس هذا بموضع ريبة، وبقية الحديث مضى شرحه في باب الوسوسة.