الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب إعلان النكاح والخطبة والشرط
الفصل الأول
3140 -
عن الربيع بنت معوذ بن عفراء، قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حين بني علي، فجلس علي فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويرات لنا يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد.
فقال ((دعي هذه، وقولي بالذي كنت تقولين)) رواه البخاري.
3141 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: زفت امرأة إلي رجل من الأنصار، فقل نبي الله صلى الله عليه وسلم:((ما كان معكم لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو)) رواه البخاري.
3142 -
وعنها، قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟ رواه مسلم.
ــ
باب إعلان النكاح، والخطبة، والشروط
الفصل الأول
الحديث الأول عن الربيع: قوله: ((كمجلسك)) الحطاب لمن يروى عنها الحديث. قوله: ((ويندبن)) ((مظ)): الندب عد خصال الميت ومحاسنه. وفيه دليل علي جواز إنشاد شعر ليس فيه فحش وكذب، وإنما رسول الله صلى الله عليه وسلم القائلة بقولها: وفينا نبي يعلم ما في غد؛ لكراهته أن يسند إليه علم الغيب مطلقا؛ لأن الغيب لا يعلمه إلا الله، أو أن يوصف في أثناء اللعب والهزل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أجل وأشرف من أن يذكر إلا في مجالس الجد.
الحديث الثاني والثالث عن عائشة رضي الله عنها: قاوله: ((ما كان معكم لهو؟)) ((ما)) نافية وهمزة الإنكار مقدرة، أي أما كان؟ وفيه معنى التخصيص، لما في حديث عائشة رضي الله عنها ((ألا أرسلتم معهم من يقول: أتيناكم)) الحديث. ((حس)): إعلان النكاح وضرب الدف فيه مستحب، وقد روي عن [القاسم] * بن محمد عن عائشة بإسناد غريب، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المسجد، واضربوا عليه بالدفوف)) **.
قوله: ((وبنى بي)) الجوهري: بنى علي أهله بناء أي زفها، والعامة تقول: بنى بأهله وهو خطأ، وكان الأصل فيه أن الداخل بأهله كان يضرب عليها قبة ليلة دخوله بها، فقيل لكل داخل.
3143 -
وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)) متفق عليه.
ــ
بأهله: بان، وعليه كلام الشيخ التوربشتي والقاضي، وبالغا في التخطئة حتى تجاوزا إلي تخطئة الراوي. أقوال: إن استعمال ((بنى عليها)) بمعنى زفها في بدأ الأمر كناية، فلما كثر استعماله في الزفاف فهم منه معنى الزفاف، وإن لم يكن ثمة بناء. وأي بعد في أن ينتقل من المعنى الثاني إلي المعنى الثالث، فيكون بمعنى أعرس بي؟ فيوضح هذا ما قال صاحب المغرب: أصله أن المعرس كان يبني علي أهله ليلة الزفاف خباء ثم كثر حتى كني به عن الوطء. وعن أبي دريد: بنيس بامرأته بالباء كأعرس بها.
فوله: ((فأي النساء)) الفاء سببية، أي كذبوا ما قالوا من أن التزوج في الشوال سبب لعدم الحظ من الزوج؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوجني ولم يكن أحظى مني، فوضع الجملة الاستفهامية موضعه مزيدا للتقرير والتأكيد. روى في شرح السنة ((كان أحظى مني)) نظرا إلي ((أي)) ومن حق الظاهر أن يقال: أية امرأة، فاعتبر في الإضافة الجمع وذكره. فإن قلت: فلم قالت: ((فأي النساء)) ولم تقل: فأية امرأة؟ قلت: ليؤذن ابتداء كثرة نسائه المفضلات عليهن، وهي أحظى عنده صلى الله عليه وسلم من كل واحدة منهن، وقريب منه قوله تعالي:{فَإن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} حيث لم يقل: فإن كانت امرأة فوق اثنتين. وفائدته التنبيه علي خلوصهن إناثا لا ذكر فيهن.
قوله: ((أحظى عنده مني)) ((نه)): أي أقرب إليه مني وأسعد به، يقال: حظيت المرأة عند زوجها تحظى حظوة وحظوة بالكسر والضم، أي سعدت به ودنت من قلبه وأحبها. ((مح)): فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا عليه واستدلوا بهذا الحديث، قصدت عائشة رضي الله عنها بهذا رد ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيله بعض العوام اليوم، وكان أهل الجاهلية يتطيرون بذلك؛ لما في اسم شوال من الإشالة والرفع.
الحديث الرابع عن عقبة: قوله: ((أحق الشروط)) مبتدأ خبره ((ما استحللتم)) وقوله: ((أن توفوا)) بدل من ((الشروط)). ((قض)): المراد بالشروط ها هنا المهر؛ لأنه المشروط في مقابلة البضع، وقيل: جميع ما تستحقه المرأة بمقتضى الزوجية من المهر والنفقة وحسن المعاشرة، فإن الزوج ألزمها بالعقد فكأنها شرطت فيه. وقيل: كل ما شرط الزوج ترغيبا للمرأة في النكاح ما لم يكن محظورا.
((مح)): قال الشافعي وأكثر العلماء: هذا محمول علي شرط لا ينافي مقتضى النكاح، ويكون من مقاصده كاشتراط العشرة بالمعروف، والإنفاق عليها وكسوتها وسكنها، ويقسم لها
3144 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يخطب الرجل علي خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك)) متفق عليه.
3145 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صفحتها، ولتنكح فإن لها ماقدر لها)) متفق علبه.
ــ
كغيرها، ومن جانب المرأة أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تنشز عليه ولا تصوم تطوعا بغير إذنه، ولا تأذن غيره في بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك. وأما شرط يخالف مقتضاه: كشرط أن لا يقسم لها ولا يتسرى عليها، ولا ينفق عليها ولا يسافر بها ونحو ذلك، فلا يجب الوفاء به؛ بل يكون لغوا، ويصبح النكاح بمهر المثل. وفال أحمد: يجب الوفاء بكل شرط. أقول: فعلي هذا الخطاب في قوله: ((ما استحللتم)) للتغليب فيدخل فيه الرجال والنساء، تدل عله الرواية الأخرى ((ما استحللت به الفروج)).
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((حتى تنكح أو يترك)) ((مظ)): أي إذا طلب أحد تزوج امرأة فأجابه وليها، حيث لا يشترط رضي الزوجة، بأن كانت بكرا ووليها أبوها أو جدها، وحيث شرط رضي الزوجة، فيعتبر أن يجيب الطالب الزوجة ووليها – فحينئذ يحرم أن يتزوج تلك المرأة أحد، حتى يترك الطالب الأول تزوجها، أو يأذن للطالب الثاني في تزوجها، فإن تزوج الثاني تلك المرأة بغير إذن الأول صح النكاح ولكن يأثم. أقول:((حتى)) غاية النهي، فيوهم أن بعد النكاح لا تكون الخطبة منهيا عنها، وبعد النكاح لا تتصور الخطبة، فكيف معنى ((حتى))؟ فيقال: إنه لا يستقيم فلا يجوز، والله أعلم. ويجوز أن تكون ((حتى)) بمعنى ((كي)) و ((أو)) بمعنى ((إلي)) وضمير ((ينكح)) راجع إلي الرجل، وفي ((يترك)) إلي ((أخيه))، المعنى لا يخطب الرجل علي خطبة أحيه لكي ينكحها إلي أن يتركها أخوه.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله ((لا تسأل المرأة)) ((قض)): نهي المخطوبة عن أن تسأل الخاطب طلاق التي في نكاحه، وسماها أختها؛ لأنها أختها في الدين لتميل إليها وتتحنن عليها، واستقباحا للخصلة المنهي عنها. وقوله:((لتستفرغ صحفتها)) أي تجعلها فارغة لتفوز بحظها؛ فإن ما قدر لها منه لا يزيد بذلك. قوله: ((ولتنكح)) عطف علي ((لتستفرغ)) وكلاهما علة للنهي، أي لا تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها وتنكح زوجها، استعارة مستملحة تمثيلية، شبه النصيب والبخت بالصحفة، وحظوظها وتمتعاتها بما يوضع في الصحفة من الأطعمة اللذيذة، وشبه الافتراق المسبب عن الطلاق باستفراغ الصحفة عن تلك الأطعمة، ثم أدخل المشبه في جنس المشبه به، واستعمل في المشبه ما كان مستعملا في
3146 -
وعن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الشغار – والشغار: أن يزوج الرجل ابنته علي أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق. متفق عليه. وفي رواية لمسلم: قال: ((لا شغار في الإسلام))
3147 -
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية. متفق عليه.
3148 -
وعن سلمة بن الأكوع، قال: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهي عنها. رواه مسلم.
ــ
المشبه به من الألفاظ. وقوله: ((ولتنكح)) تجريد للاستعارة لأنه مناسب للمشبه. ولو قيل: لتنال ما وضع في صفحتها، لكان من جملة الاستعارة، أو ترشيحا لها إن حملت الاستعارة علي المصرحة أو المكنية، فحينئذ يناسب النصيب والبخت قوله صلى الله عليه وسلم:((فإن لها ما قدر لها)) ((فا)): الصحفة القصعة التي تشبع الخمسة، وهذا مثل لاختيارها نصيب أختها من زوجها.
الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((نهي عن الشغار)) مضى شرحه في باب الغصب.
الحديث الثامن والتاسع عن علي رضي الله عنه: قوله: ((نهي عن متعة النساء)) ((مح)): قال المازري: نكاح المتعة كان جائزا، ثم نسخ بالأحاديث الواردة في ذلك، وقد ثبت نسخها.
وذكر فيها اختلافات كثيرة وأطنب فيها، فمن أراد فعليه بشرح صحيح مسلم.
قال الشيخ محي الدين: والصحيح المختار أن التحريم والإباحة كانا مرتين، وكانت حلالا قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أوطاس؛ لاتصالهما، ثم حرمت بعد ثلاثة أيام تحريما مؤبدا إلي يوم القيامة. ولا يجوز أن يقال: إن الإباحية مختصة بما قبل خيبر، والتحريم بيوم خيبر للتأييد، وأن الذي كان يوم فتح مكة مجرد توكيد التحريم من غير تقدم إباحة يوم الفتح، كما اختار المازري والقاضي عياض؛ لأن الروايات التي ذكرها مسلم في الإباحية يوم الفتح صريحة في ذلك، فلا يجوز إسقاطها، ولا مانع يمنع تكرير الإباحة.
قال القاضي عياض: أحاديث إباحة المتعة وردت في أسفارهم في الغزو، وعند ضرورتهم وإعدام النساء، مع أن بلادهم حارة وصبرهم عنهن قليل. وقد ذكر في حديث ابن عمر أنها كانت رخصة في أول الإسلام لمن اضطر إليها كالميتة ونحوها، ثم أجمعوا علي أنه متى وقع نكاح المتعة حكم ببطلانه، سواء قبل الدخول أو بعده، إلا ما قال زفر: من نكح متعة تأبد
الفصل الثاني
3149 -
عن عبد الله بن مسعود، قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة، قال: التشهد في الصلاة: ((التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)). والتشهد في الحاجة: إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله)). ويقرأ ثلاث آيات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا
ــ
نكاحه، وكأنه جعل ذكر التأجيل من باب الشروط الفاسدة في النكاح؛ فإنها تلغى ويصح النكاح.
قال القاضي عياض: أجمعوا علي أن من نكح مطلقا، ونيته أن لا يمكث معها إلا مدة، فنكاحه صحيح وليس بنكاح متعة، وإنما المتعة ما وقع بالشرط المذكور، وهو يحد الواطيء في نكاح المتعة؟ فمذهبنا أنه لا يحد لشبهة الخلاف. واختلف الأصوليون في أن الإجماع بعد الخلاف هل يدفع الخلاف، ويصير المسألة مجمعا عليها؟ فالأصح عند أصحابنا أنه لا يدفعه.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((إن الحمد لله)) خبر لقوله: ((التشهد في الحاجة)) و ((أن)) هي المخففة من الثقيلة، كقوله تعالي:{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} فالحمد هنا يجب أن يحمل علي الثناء علي الجميل من نعمة وغيرها، من أوصاف الكمال والجلال والإكرام والأفعال العظام، والتعريف فيه علي استغراق الجنس، فيفيد أن كل نعمة من النعم الدنيوية والأخروية ليست إلا منه، وكل صفة من صفات الكمال وفضائل الأعمال له ومنه وإليه؛ ليترتب عليه الأفعال المتناسقة بعده، الاستعانة والاستغفار والاستعاذة، وأضاف الشر إلي الأنفس أولا كسبا، والإضلال إلي الله تعالي ثإنيا خلقا وتقديرا. قوله:((ويقرأ ثلاث آيات)) هذا في رواية النسائي، وهو يقتضي معطوفا عليه، فالتقدير والتشهد في الحاجة أن يقول: الحمد لله كيت وكيت، ويقرأ ثلاث آيات، ولعل قوله: {يَا أَيُّهَا
تَمُوتُنَّ إلَاّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ومَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} . رواه أحمد، والترمذي، وأبو داوود، والنسائي، وابن ماجة، والدارمي، وفي جامع الترمذي فسر الآيات الثلاث سفيان الثوري، وزاد ابن ماجه بعد قوله ((إن الحمد لله)):((نحمده)) وبعد قوله ((من شرور أنفسنا)): ((ومن سيئات أعمالنا)) والدارمي بعد قوله: {عَظِيمًا} : ((ثم يتكلم بحاجته)). وروى في شرح السنة عن ابن مسعود في خطبة الحاجة من النكاح وغيره. [3149]
3150 -
وعن أبي هريرة، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب. [3150]
ــ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إلَاّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ} الآية في مصحف ابن مسعود، أو تأويل لما في [الإمام] *، وإرادة أن التعريف في {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} للعهد والإشارة به إلي المؤمنين. ويؤيده حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه:((جاء قوم عراة مجتابي النمار عامتهم من مضر، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ - إلي قوله: - رَقِيبًا} و {اتَّقُوا اللَّهَ ولْتَنظُرْ نَفْسٌ} الآية. تصدق من ديناره – إلي آخر الحديث)). والله أعلم بحقيقة الحال.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله ((كاليد الجذماء)) ((تو)): أي المقطوعة.
والجذم سرعة القطع، يعني أن كل خطبة لم يؤت فيها بالثناء علي الله، فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة فيها لصاحبها. وأصل التشهد قولك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، ويعبر به عن الثناء في غير هذه الرواية ((كل خطبة ليس فيها شهادة، فهي كاليد الجذماء)). والشهادة الخبر المقطوع به، والثناء علي الله أصدق الشهادات وأعظمها.
3151 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع)) رواه ابن ماجه. [3151]
3152 -
وعن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف)). رواه الترمذي. هذا حديث غرب. [3152]
3153 -
وعن محمد بن حاطب الجمحي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((فصل ما بين الحلال والحرام: الصوت والدف في النكاح)) رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [3153]
ــ
أقول: إنما عبر التشهد عن الحمد لله في هذا الحديث، وحمل في الحديث السابق عليه في قوله:((والتشهد في الحاجة: إن الحمد لله)) لأن القول اللسإني لا يعتبر ولا يعتد به إذا لم يتواطأ اللسان والقلب، ولم يجزم فيه. وليست الشهادة إلا عبارة عن هذه الأمور. والأولي أن يقال: إنما عبر عنه بالتشهد؛ لأنه متضمن للشهادتين بشهادة الحديث السابق، إطلاقا للجزء علي الكل كما في التحيات أيضا.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((كل أمر ذي بال)) ((نه)): البال الحال والشأن، وأمر ذو بال أي شريف يحتفل به ويهتم، والبال في هذا القلب. وقال غيره: إنما قال: ((ذو بال))؛لأنه من حيث إنه يشغل القلب كأنه يملكه، فكان صاحب بال. أقول: ويجوز أن يقال للأمر الخطير: ذو بال، علي الاستعارة المكنية بأن يشبه الأمر برجل شهم، له قلب ثبت وجنان ذو عزم، فينبه عن لازم المشبه به، وهو البال المنكر تنكير تفخيم علي موضوع الاستعارة في ((أمر))،فيكون قوله ((أقطع)) ترشيحا للاستعارة.
الحديث الرابع والخامس عن محمد: قوله ((الصوت والدف)) ((حس)): معناه إعلان النكاح واضطراب الصوت به والذكر في الناس، كما يقال: فلان قد ذهب صوته في الناس، وبعض الناس يذهب به إلي السماع، يعني السماع المتعارف بين الناس الآن، وهذا خطأ.
3154 -
وعن عائشة، قالت: كانت عندي جارية من الأنصار زوجتها، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يا عائشة! ألا تغنين؟ فإن هذا الحي من الأنصار يحبون الغناء)) رواه ابن حبان في صحيحه.
3155 -
وعن ابن عباس، قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((أهديتم الفتاة؟)) قالوا: نعم. قال: ((أرسلتم معها من تغني؟)) قالت: لا. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول:
أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم)). رواه ابن ماجه.
3156 -
وعن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أيها امرأة زوجها وليان؛ فهي للأول منهما ومن باع بيعا من رجلين؛ فهو للأول منهما)). رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والدارمي.
الفصل الثالث
3157 -
عن ابن مسعود، قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معنا نساء،
ــ
الحديث السادس والسابع والثامن عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ألا تغنين)) ((تو)):تغني وغنى بمعنى، ويحتمل أن يكون علي خطاب الغيبة لجماعة النساء والمراد منهن من يتغانى ذلك من الإماء والسفلة؛ فإن الحرائر يستنكف عن ذلك، وأن يكون علي خطاب الحضور لهن، ويكون من إضافة الفعل إلي الآمر به والآذن فيه. ولا يحسن فيه تفريد الخطاب ها هنا؛ لما فيه من الاحتمال، وقد جل منصب الطيبات الصديقات الصالحات القانتات عن معاناة ذلك بأنفسهن. أقول: ويمكن أن يقال: إن تفعل بمعنى استفعل غير عزيز *، منه قوله تعالي:{فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} أي استعجل، فإذن لا حاجة إلي التكلف، ويؤيد هذا قوله في الحديث الآتي:((فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم)) فإن ((لو)) للتمني فيه الطلب. قوله: ((غزل)) الجوهري: مغازلة النساء محادثتهن ومراودتهن، تقول: غازلتها وغازلتني، والاسم الغزل.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((ثم رخص لنا)) فيه إشارة إلي أنه كان
فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخص لنا أن نستمتع، فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب إلي أجل، ثم قرأ عبد الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} . متفق عليه.
3158 -
وعن ابن عباس، قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيه، حتى إذا نزلت الآية {إلَاّ عَلي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} قال ابن عباس: فكل فرج سواهما فهو حرام. رواه الترمذي. [3158]
3159 -
وعن عامر بن سعد، قال: دخلت علي قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس وإذا جوار يغنين، فلت: أي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بدر! يفعل هذا عندكم؟ فقالا: اجلس إن شئت فاسمع معنا، وإن شئت فاذهب؛ فإنه قد رخص لنا في اللهو عند العرس. رواه النسائي. [3159]
ــ
يعتقد إباحتها كابن عباس رضي الله عنهما، ولم يبلغه في نص، فلما استبان لابن عباس ذلك من قول سعيد بن جبير حين قال ما قال، رجع عن ذلك كما سيأتي. ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك، أو استمر عليه لما يبلغه النص.
الحديث الثاني عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: {إلَاّ عَلي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يريد أن الله تعالي وصفهم بأنهم يحفظون فروجهم عن جميع الفروج إلا عن الأزواج والسراري، والمتمتعة ليس منهما؛ لأن حكم الأزواج من التوريث والإيراث غير جار عليها، ولا هي مملوكة بل هي مستأجرة نفسها أياما معدودة، فلا تدخل تحت الحكم. ذكر الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره: أن المستمتعة ليست زوجة له، فوجب أن لا تحل له، وإنما قلنا: إنها ليست زوجة له؛ لأنهما لا يتوارثان بالإجماع، ولو كانت زوجة له لحصل التوارث؛ لقوله تعالي:{ولَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} ، وإذا ثبت أنها ليست زوجة له وجب أن لا تحل لله، لقوله تعالي:{إلَاّ عَلي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}
الحديث الثالث عن عامر بن سعد: قوله: ((وأهل بدر!)) خصم به؛ لأن أهل بدر هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار. كأنه قيل: كيف يفعل هذا بين أيديكم – وأنتم من أجلة الصحابة – ولم تنكروه وهو بعيد منكم ومناف لحالكم.