المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(15) باب العدة - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٧

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌(1) باب الكسب وطلب الحلال

- ‌(2) باب المساهلة في المعاملات

- ‌(3) باب الخيار

- ‌(4) باب الربا

- ‌(5) باب المنهي عنها من البيوع

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب السلم والرهن

- ‌(8) باب الاحتكار

- ‌(9) باب الإفلاس والإنظار

- ‌(10) باب الشركة والوكالة

- ‌(11) باب الغصب والعارية

- ‌(12) باب الشفاعة

- ‌(13) باب المساقاة والمزارعة

- ‌(14) باب الإجارة

- ‌(15) باب إحياء الموات والشرب

- ‌(16) باب العطايا

- ‌(17) باب

- ‌(18) باب اللقطة

- ‌[كتاب الفرائض والوصايا]

- ‌باب الفرائض

- ‌(1) باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌(1) بابالنظر إلي المخطوبة وبيان العورات

- ‌(2) بابالولي في النكاح واستئذان المرأة

- ‌(3) باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

- ‌(4) باب المحرمات

- ‌(5) باب المباشرة

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب الصداق

- ‌(8) باب الوليمة

- ‌(9) باب القسم

- ‌(10) بابعشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

- ‌(11) باب الخلع والطلاق

- ‌(12) باب المطلقة ثلاثا

- ‌(13) باب [في كون الرقبة في الكفارة مؤمنة]

- ‌(14) باب اللعان

- ‌(15) باب العدة

- ‌(16) باب الاستبراء

- ‌(17) باب النفقات وحق المملوك

- ‌(18) باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

الفصل: ‌(15) باب العدة

(15) باب العدة

الفصل الأول

3324 -

عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب، فأرسل إليها وكيله الشعير بسخطته، فقال: والله، مالك علينا من شيء. فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال:((ليس لك نفقة)). فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال:((تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني)). قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطبإني. فقال: ((أما أبو الجهم فلا يضع

ــ

باب العدة

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي سلمة: قوله: ((البتة)) ((قض)): البتة الطلقات الثلاث أو الطلقة الثالثة، فإنها بتة من حيث إنها قاطعة لعلقة النكاح. ((فسخطته)) أي استقلته، يقال: سخط عطاءه، أي استقله ولم يرض به. قوله:((ليس لك نفقة)) ((مح)): اختلفوا في المطلقة البائن الحامل، هل لها السكنى والنفقة؟ فقال عمر رضي الله عنه وأبو حنيفة وآخرون: لها السكنى والنفقة؛ لقوله تعالي: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وجْدِكُمْ} وأما النفقة فلأنها محبوسة عليه. وقد قال عمر رضي الله عنه: ((لا ندع كتاب ربنا بقول امرأة)). وقال ابن عباس وأحمد: لا سكنى لها ولا نفقة، لهذا الحديث. وقال مالك والشافعي وآخرون: لها السكنى، لقوله تعالي:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وجْدِكُمْ} ولا نفقة لها لهذا الحديث؛ ولقوله تعالي: {وإن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} فمفهومه أنهن إذا لم يكن حوامل لا ينفق عليهن. وأجاب هؤلاء عن حديث فاطمة في سقوط السكنى بما قاله سعيد بن المسيب وغيره: إنها كانت امرأة لسنة واستطالت علي أحمائها، فأمرها بالانتقال إلي بيت أم شريك ثم بالانتقال إلي بيت ابن أم مكتوم؛ لأنه لا يبصرها، ولا يتردد إلي بيته من يتردد إلي بيت أم شريك، حتى إذا وضعت ثيابها للتبرز نظروا إليها.

وقد احتج بعض الناس بهذا علي جواز نظر المرأة إلي الأجنبي بخلاف نظره إليها، وهو

ص: 2367

عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له؛ انكحي أسامة بن زيد)) فكرهته، ثم قال:((انكحي أسامة)) فنكحته، فجعل الله فيه خيرا واغتبطت. وفي رواية عنها:((فأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء)). رواه مسلم. وفي رواية: أن زوجها طلقها ثلاثا، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا)).

3325 -

وعن عائشة، قالت: إن فاطمة كانت في مكان وحش، فخيف علي ناحيتها، فلذلك رخص لها النبي صلى الله عليه وسلم – تعني في النقلة – وفي رواية: قالت: ما الفاطمة؟ ألا تتقي الله؟ تعني في قولها لا سكنى ولا نفقة. رواه البخاري.

ــ

ضعيف. والصحيح الذي عليه الجمهور أنه يحرم علي المرأة النظر إلي الأجنبي كما يحرم عليه النظر إليها؛ لقوله تعالي: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية، ولحديث أم سلمة:((أفعمياوان أنتما؟)) علي ما سبق. وأيضا ليس في هذا الحديث رخصة لها في النظر إليه، بل في أنها آمنة عنده من نظر غيره، وهي مأمورة بغض بصرها عنه. وفيه جواز التعريض بخطبة البائن. وفي قوله:((فلا يضع العصا عن عاتقه)) كناية عن كثرة الأسفار أو عن كثرة الضرب. وهذا هو الأصح، بدليل الرواية الأخرى أنه ضراب للنساء. وفيه دليل علي جواز ذكر الإنسان بما فيه عند المشاورة وطلب النصيحة، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة.

أبو جهم هذا هو المذكور في حديث الأنبجإنية، غير أبي جهم المذكور في التيمم وفي المرور بين يدي المصلي. وأما إشارته صلى الله عليه وسلم بنكاح أسامة؛ فلما علمه من دينه وفضله وحسن طرائقه وكرم شمائله، فنصحها بذلك، فكرهت لكونه مولي أسود جدا. وكرر عليها للحث علي زواجه لما علم من مصلحتها في ذلك، وكان كذلك، ولهذا قالت:((أغتبطت)) أي صرت بحيث اغتبطني النساء بحظ كان لي منه.

((حس)): فيه دليل علي أن المال معتبر في الكفاءة، وعلي أن الرجل إذا لم يجد نفقة أهله وطلبت المرأة فراقه فرق بينهما، وعلي جواز الخطبة علي خطبة الغير إذا لم تأذن ولم تركن إليه، وعلي جواز تزوج المرأة من غير كفؤ برضاها؛ فإن فاطمة هذه كانت قرشية وأسامة من الموالي.

الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((وحش)) ((نه)): الوحشة الخلوة والهم، وأوحش المكان إذا صار وحشا، وكذلك توحش والمعنى في مكان خلاء لا ساكن فيه. وقوله:

ص: 2368

3326 -

وعن سعيد بن المسيب، قال: إنما نقلت فاطمة لطول لسانها علي أحمائها. رواه في ((شرح السنة)).

3327 -

وعن جابر، قال: طلقت خالتي ثلاثا، فأرادت أن تجد نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((بلي، فجدي نخلك، فإنه عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا)). رواه مسلم،

3328 -

وعن المسور بن مخرمة: أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنته أن تنكح، فأذن لها، فنكحت. رواه البخاري.

3329 -

وعن أم سلمة، قالت: جاءت امرأة إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا)) مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول:((لا)). ثم قال: ((إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة علي رأس الحول)). متفق عليه.

ــ

((في قولها: لا سكنى ولا نفقة)) يعني ألا تخاف الله تعالي فاطمة في هذا القول أن لا سكنى للبائن ولا نفقة لها؟ فكيف تستغني بذلك وهو مثل قول عمر: ((لا ندع كتاب ربنا بقول امرأة))؟ وهو يحتمل وجهين: أحدهما: ما ذهب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لها السكنى والنفقة. وثإنيهما: ما ذهب إليه الشافعي ومالك أن لها السكنى ولا نفقة.

الحديث الثالث والرابع عن جابر: قوله: ((أن تجد)) ((نه)): الجداد – بالفتح والكسر – صرام النخل وهو قطع ثمرتها، يقال: جد الثمرة يجدها جدا – انتهي كلامه. وقوله: ((بلي)) تقرير للنفي أي أتت النبي صلى الله عليه وسلم وسألت: أليس يسوغ لي الخروج للجداد؟ فقال: بلي اخرجي فجدي. وقوله: ((فإنه عسى)) تعليل للخروج، ويعلم منه أنه لولا التصدق لما جاز لها الخروج. و ((أو)) في قوله:((أو تفعلي معروفا)) للتنويع، يعني أن يبلغ مالك نصابا فتؤدي زكاته، وإلا فافعلي معروفا من التصدق والتقرب والتهادي. وفيه أن حفظ المال واقتناءه لفعل المعروف مرخص.

((مح)): فيه دليل علي جواز خروج المعتدة البائنة للحاجة، ولا يجوز لها الخروج في عدة الوفاة، ووافقهم أبو حنيفة في عدة الوفاة.

الحديث الخامس عن أم سلمة: قوله: ((إحداكن ترمي بالبعرة)) ((قض)): كان من عاداتهم في الجاهلية أن المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت بيتا ضيقا، ولبست شر ثيابها، ولم تمس طيبا ولا شيئا في زينة حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير، فتكسر بها ما كانت

ص: 2369

3330 -

وعن أم حبيبة، وزينب بنت جحش، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((لا يحل لامرأة أن تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد علي ميت فوق ثلاث ليال، إلا علي زوج أربعة أشهر وعشرا)) متفق عيه.

3331 -

وعن أم عطية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تحد امرأة علي ميت فوق ثلاث إلا علي زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، ولا تجتحل، ولا تمس طيبا، إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار)) متفق عليه. وزاد أبو داود: ((ولا تختضب)).

ــ

فيه من العدة بأن تمسح بها قبلها، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، وتنقطع بذلك عدتها. فأشار الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك إلي أن ما شرع في الإسلام للمتوفي عنها زوجها من التربص أربعة أشهر وعشرا في مسكنها، وترك التزين والتطيب في تلك المدة يسير في جنب ما تكابده في الجاهلية. ((حس)): كانت عدة المتوفي عنها زوجها في الابتداء حولا كاملا ثم نسخ بأربعة أشهر وعشرا قوله: ((كل ذلك يقول: لا)) صفة مؤكدة لقوله: ((ثلاثا)).

الحديث السادس عن أم حبيبة: قوله: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله)) نفي بمعنى النهي علي سبيل التأكيد، والوصف بالإيمان إشعار بالتعليل، وأن من آمن بالله وبعقابه لا يجترئ علي مثله من العظائم. والسياق بعبارته إن دل علي اختصاص المؤمن به دل بإشارته وكونه من عظائم الشيءون من مخالفة أمر الله ورسوله علي غيره. هذا معنى قول الشيخ محيي الدين في تأويل الحديث الآتي.

الحديث السابع عن أم عطية: قوله: ((لا تحد)) ((نه)): الحد المنع والفصل بين الشيئين، وأحدث المرأة علي زوجها تحد فهي محد وحاد تحد فهي حاد، إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة. والقسط ضرب من الطيب. وقيل: هو العود، والقسط عقار معروف في الأدوية طيب الريح، تبخر به النفساء والأطفال. والأظفار جنس من الطيب لا واحد له من جنسه. وقيل: واحدة ظفر، وقيل: هو شيء من العطر أسود، والقطعة منه شبيهة بالظفر. والعصب برود يمنية يعصب غزلها، أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج، فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب بالتنوين وبالإضافة. وقيل: هي برود مخططة. والعصب الفتل، فيكون النهي للمعتدة بما صبغ بعد النسج. والنبذة بضم النون شيء يسير. ((مح)): القسط والأظفار نوعان من البخور، وليس المقصود بهما الطيب، ورخص في استعمالهما للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريحة يتبع به أثر الدم لا للتطيب.

ص: 2370

الفصل الثاني

3332 -

عن زينب بنت كعب: أن الفريعة بنت مالك بن سنان – وهي أخت أبي سعيد الخدري – أخبرتها أنها جاءت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلي أهلها

ــ

وفي الحديث دليل علي وجوب الإحداد علي المعتدة من وفاة زوجها، وهو مجمع عليه في الجملة، وإن اختلفوا في تفصيله، فذهب الشافعي والجمهور إلي التسوية بين المدخول بها وغيرها، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بكرا أو ثيبا، حرة أو أمة، مسلمة أو كافرة. وقال أبو حنيفة والكوفيون وبعض المالكية: لا يجب علي الكتابية بل يختص بالمسلمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر))، وتأويل الجمهور بأن الاختصاص إنما هو، لأن المؤمن هو الذي يستمر خطاب الشارع عليه وينتفع به وينقاد له.

وقال أبو حنيفة: لا إحداد أيضا علي الصغيرة ولا علي الأمة. وجوابه أن الصغيرة إنما دخلت في الحكم، لكونها نادرة فسلكت في الحكم علي سبيل الغلبة، والتقيد بقوله:((أربعة أشهر وعشرا)) خرج علي غالب المعتدات اللاتي يعتددن بالأشهر، أما إذا كانت حاملا فعدتها بالحمل ويلزمها الإحداد حتى تضع، سواء قصرت المدة أو طالت.

وقالوا: الحكمة في وجوب الاحداد في عدة الوفاة دون الطلاق، أن الزينة والتطيب يستدعيان النكاح فنهت عنه زجرا؛ لأن الميت لا يتمكن من منع معتدته من النكاح، بخلاف المطلق الحي؛ فإنه يستغنى بوجوده عن زاجر آخر. وجعلت أربعة أشهر؛ لأن فيها ينفخ الروح في الولد، وعشرا للاحتياط.

أقول: الاستثناء في قوله: ((إلا علي زوج)) متصل إذا جعل قوله: ((أربعة أشهر)) منصوبا بمقدر بيانا لقوله: ((فوق ثلاث)) أي أعني أو أذكر، فهو من باب قوله: ما اخترت إلا منكم رفيقا؛ لكون ما بعد ((إلا)) شيئين، فيقدم المفسر – أعني أربعة أشهر – علي الاستثناء، تقديره: لا تحد المرأة علي ميت فوق ثلاث – أعني أربعة أشهر – إلا علي زوج، أو من باب قولك: ما ضرب أحد أحدا إلا زيد عمرا، وإذا جعل معمولا لـ ((تحد)) مضمرا كان أو منقطعا. فالتقدير: لا تحد امرأة علي ميت فوق ثلاث، لكن تحد علي زوج أربعة أشهر.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن زينب: قوله: ((امكثي في بيتك)) ((حس)): اختلفوا في السكنى للمعتدة عن الوفاة. وللشافعي فيه قولان: فعلي الأصح لها السكنى، وبه قال عمر وعثمان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود. وقالوا: إذنه صلى الله عليه وسلم لفريعة أولا صار منسوخا بقوله: ((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)). وفيه دليل علي جواز نسخ الحكم قبل الفعل. والقول الثاني أن لا سكنى لها بل تعتد حيث شاءت. وهو قول علي وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لفريعة أن ترجع إلي أهلها. وقوله لها آخرا: ((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)) أمر استحباب – انتهي كلامه. ((حتى يبلغ الكتاب أجله)) أي حتى تنقضي العدة. وإنما سميت العدة

ص: 2371

في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا فقتلوه. قالت: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلي أهلي فإن زوجي لم يتركني في منزل يملكه ولا نفقة. فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم)). فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد، دعإني، فقال:((امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله)) قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا. رواه مالك، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [3332]

3333 -

وعن أم سلمة، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت علي صبرا. فقال: ((ما هذا يا أم سلمة!؟)). فقلت: إنما هو صبر ليس فيه طيب. فقال: إنه يشهب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل، وتنزعيه بالنهار، ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب)). قلت: بأي شيء أمتشط؟ يا رسول الله! قال: ((بالسدر تغلفين به راسك)) رواه أبو داود، والنسائي. [3333]

ــ

كتابا؛ لأنها فريضة من الله سبحانه وتعالي، كما قال تعالي:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ} أي فرض،

الحديث الثاني عن أم سلمة: قوله: ((يشب الوجه)) ((فا)): أي يوقده ويزيد في لونه، من شببت النار إذا أوقدتها، والشبوب ما يوقد به النار. وعلل المنع به؛ لأن فيه تزيينا للوجه وتحسينا له. ((قوله)):((وتنزعيه بالنهار)) عطف علي قوله: ((فلا تجعليه)) علي معنى واجعليه بالليل وانزعيه بالنهار؛ لأن ((إلا)) في الاستثناء المفرغ لغو، والكلام مثبت، وحذف النون في ((تنزعيه)) للتخفيف، وهو خبر في معنى الأمر. والباء في قوله:((بالطيب)) حال من المشط؛ لأن التقدير: لا تستعملي المشط مطيبا. وكذا قوله: ((بالسدر))، وقوله:((تغلفين)) أيضا حال من فاعل ((امتشطي)) أو استئناف بيانا. ((تو)): ((تغلفين)) مفتوحة التاء، والأصل تتغلفين فحذف إحدى التائين، وهو من قولك: تغلف الرجل بالغالية وغلف بها لحيته غلفا من قولك: غلفت القرورة أي جعلتها في الغلاف – انتهي كلامه. وفي جامع الأصول، وفي بعض نسخ المصابيح بضم التاء من التغليف، وهو جعل الشيء غلافا لشيء، والفرق أن التفعيل فيه تكلف. والمعنى لا تكثرين السدر علي شعرك، حتى يصير غلافا له فيحويه، كتغطية الغلاف المغلوف، بخلاف الثاني.

ص: 2372

3334 -

وعنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((المتوفي عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، والا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل)). رواه أبو داود، والنسائي. [3334]

الفصل الثالث

3335 -

عن سليمان بن يسار: أن الأحوص هلك بالشام حين دخلت امرأته في الدم من الحيضة الثالثة، وقد كان طلقها، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلي زيد بن ثابت يسأله عن ذلك. فكتب إليه زيد: إنها إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة فقد برئت منه وبريء منها، لا يرثها ولا ترثه. رواه مالك. [3335]

3336 -

وعن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: إيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعتها حيضتها؛ فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل فذلكن وإلا اعتدت بعد التسعة الأشهر ثلاثة أشهر ثم حلت. رواه مالك. [3336]

ــ

الحديث الثالث عن أم سلمة: قوله: ((المعصفر)) ((قض)): المعصفر المصبوغ بالعصفر، والممشقة المصبوغة بالمشق – بسكر الميم – وهو الطين الأحمر الذي يسمى مغرة. والتإنيث علي إرادة الحلة والثياب.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن سليمان: قوله: ((فقد برئت منه)) فيه تصريح بأن المراد من الأقراء الثلاثة. في قوله تعالي: {والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} الأطهار.

الحديث الثاني عن سعيد: قوله: ((رفعتها حيضتها)) هكذا وجدنا في الموطأ وجامع الأصول. فـ ((حيضتها)) فاعل ((رفعتها)) والضمير في ((رفعتها)) منصوب بنزع الخافض، أي رفعت حيضتها عنها، أي انقطعت. وقوله:((فإنها تنتظر)) جواب للشرط. وقوله: ((فذلك)) مبتدأ وخبره محذوف أي فذلك ظاهر حكمه. و ((إن)) في ((إن لا)) شرطية، أي إن لم يتبين حملها اعتدت بعد التسعة ثلاثة أشهر.

صورة المسألة أن الواجب علي ذوات الأقراء أن يتربصن ثلاثة قروء، وعلي ذوات الأحمال وضع الحمل، فظهرت من انقطاع الدم عنها بعد الحيضتين أنها ليست من ذوات الأقراء، ومن

ص: 2373