الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وارفقوا بها، فإنه كان عند رسول الله ص تسع نسوة كان يقسم منهن لثمان، ولا يقسم لواحدة. قال عطاء: التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقسم لها بلغنا أنها صفية، وكانت آخرهن موتاً، ماتت بالمدينة. متفق عليه.
وقال رزين: قال غير عطاء: هي سودة وهو أصح، وهبت يومها لعائشة حين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم طلاقها، فقالت له: امسكني؛ قد وهبت يومي لعائشة، لعلي أكون من نسائك في الجنة.
(10) باب
عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق
الفصل الأول
3238 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء)) متفق عليه.
ــ
فتزعزع. وقوله: ((فإنه)) تعليل للنهي، أي ارفقوا بجنازتها وعظموا شأنها، فإن صاحبتها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي كان يهتم بشأنهن فيقسم بينهن بالسوية.
باب العشرة
العشرة الصحبة. ((غب)): العشيرة أهل الرجل الذين يتكثر بهم، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، وذلك أن العشيرة هو العدد الكامل، وعاشرته صرت له كعشيرة في المظاهرة، ومنه قوله تعالي:{وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((استوصوا)) ((قض)): الاستيصاء قبول الوصية، والمعنى أوصيكم بهن خيراً، فاقبلوا وصيتي فيهن؛ ((فإنهن خلقن من ضلع))، أي خلقن من خلق فيه اعوجاج، وكأنهن خلقن من أصل معوج، فلا يتهيأ الانتفاع بهن إلا
3239 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك علي طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها)) رواه مسلم.
3240 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً، رضي منها آخر)) رواه مسلم.
3241 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر)) متفق عليه.
ــ
بمداراتهن والصبر علي اعوجاجهن. والضلع – بكسر الضاد وفتح اللام – واحد الأضلاع، استعير للمعوج صورة أو معنى. وقيل: أراد به أن أول النساء خلقت من ضلع؛ فإن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم. أقول: والأظهر أن السين للطلب مبالغة، أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير، كما في قوله تعالي:{وكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ} الكشاف: السين للمبالغة، أي يسألون أنفسهم الفتح عليهم كالسين في استعجب. ويجوز أن يكون من الخطاب العام، أي ليستوص بعضكم بعضاً في حق النساء.
((مح)): فيه الحث علي الرفق بالنساء والإحسان إليهن، والصبر علي عوج أخلاقهن واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة عقولهن بلا سبب، وأنه لا مطمع في استقامتهن.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وكسرها طلاقها)) فيه إشعار باستحالة تقويمها، أي إن كان لابد من الكسر فكسرها طلاقها.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا يفرك)) ((قض)): الفرك بالكسر بغض أحد الزوجين الآخر. وقوله: ((لا يفرك)) نفي في معنى النهي، أي لا ينبغي للرجل أن يبغضها؛ لما يرى منها فيكرهه؛ لأنه إن استكره منها خلقاً، فلعله استحسن منها غيره، فليعارض هذا بذاك.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لم يخنز اللحم)) ((قض)): خنز اللحم بالكسر تغير ونتن، والمعنى لولا أن بني إسرائيل سنوا ادخار اللحم حتى خنز، لما ادخر فلم يخنز، ولولا أن حواء خانت آدم بإغرائه وتحريضه علي مخالفة الأمر بنتناول الشجرة، وسنت هذه السنة، لما سلكتها أنثى مع زوجها؛ فإن البادئ بالشيء كالسبب الحامل لغيره علي الإتيان به والاقتداء عليه. وقيل: لم يكن اللحم يخنز حتى منع بنو إسرائيل عن ادخاره فلم ينتهوا عنه،
3242 -
وعن عبد الله بن زمعة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم وفي رواية: ((يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها في آخر يومه)) ثم وعظهم في ضحكهم من الضرطة، فقال:((لم يضحك أحدكم مما يفعل؟)) متفق عليه.
3243 -
وعن عائشة، قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دخل ينقمعن فيسربهن إلي فيلعبن معي. متفق عليه.
3244 -
وعنها، قالت: والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يقوم علي باب حجرتي،
ــ
فأسرع الخنز إلي ما ادخروه عقوبة لهم. أقول: قوله: ((لما ادخر فلم يخنز)) من باب قوله: ولا ترى الضب بها بنحجر، أي لا ضب هناك ولا الحجاز.
الحديث الخامس عن عبد الله: قوله: ((يجامعها)) ((ثم)) استبعادية أي مستبعد من العاقل الجمع بين هذا الإفراط والتفريط من الضرب المبرح والمضاجعة. وفيه إشارة إلي جواز ضرب العبيد والإماء للتأديب، إذا لم ينزجروا بالكلام، وحسن المعاشرة مع النساء والرفق بهن. و ((ثم)) في قوله:((ثم وعظهم)) للتراخي في الزمان، يعني بعد ما تكلم بالكلام السابق بزمان رآهم يضحكون من الفعلة المذكورة فوعظهم. وفيه تنبيه علي أنه ينبغي للرجل العاقل إذا أراد أن يعيب علي أخيه المسلم شيئاً، أن ينظر في نفسه أولا هل هو برئ منه أو ملتبس به؟ فإن لم يكن بريئاً فلأن يمسك عنه خير من أن يعيبه، ولقد أحسن من قال:
أرى كل إنسان يرى عيب غيره ويعمي عن العيب الذي هو فيه
الحديث السادس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((بالبنات)) ((قض)): هي جمع بنت، يريد بها اللعب التي تلعب بها الصبية. وقولها:((ينقمعن)) أي يتسترن منه ويتغيبن عنه، والانقماع الدخول في كن ((فيسربهن))، أي يرسلهن ويسرحهن إلي، من سرب إذا ذهب. قال تعالي:{وسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} أو من السرب وهي جماعة النساء، أي يرسلهن إلي سرباً سرباً.
الحديث السابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((بالحراب في المسجد)) ((تو)): يحتمل أنهم كانوا في رحبة المسجد، وكانت تنظر إليهم من باب الحجرة، وذلك من داخل المسجد، فقال:((في المسجد)) لاتصال الرحبة به، أو دخلوا المسجد لتضايق الموضع بهم، وإنما سومحوا
والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، لأنظر إلي لعبهم بين أذنه وعاتقه، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو. متفق عليه.
3245 -
وعنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبي)). فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: ((إذا كنت عني راضية؛ فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبي؛ قلت: لا ورب إبراهيم)). قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك متفق عليه.
3246 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأته إلي فراشه فأبت، فبات غضبان؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح)) متفق عليه. وفي رواية لهما، قال:((والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلي فراشه فتأبي عليه، إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضي عنها)).
3247 -
وعن أسماء، أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي ضرة، فهل علي
ــ
فيه؛ لأن لعبتهم لم يكن من اللعب المكروه، بل كان يعد من عدة الحرب مع أعداء الله، فصار بالقصد من جملة العبادات كالرمي. وأما النظر إليهم فالظاهر أنه كان قبل نزول الحجاب. وقوله:((فاقدروا)) يقال: قدرت الأمر كذا، أقدر وأقدر، إذا نظرت فيه وتدبرته، أي دبروا أمر الجارية مع حداثة سنها وحرصها علي اللهو، وانظروا فيها إذا تركت وما تحب من ذلك كم تلبث وتديم النظر إليه، تريد بذلك طول لبثها، ومصابرة النبي صلى الله عليه وسلم معها علي ذلك.
الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((ما أهجر إلا اسمك)) هذا الحصر من اللطف في الجواب؛ لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره، لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها، وإنما عبرت عن الترك بالهجران؛ لتدل بها علي أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه، وأنشد:
إني لأمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل
الحديث التاسع عن أبي هريرة: قوله: ((الذي في السماء)) اعلم أنه إذا عبر عن رحمة الله أو غضبه، وقرب نزولهما علي الخلق، خص السماء بالذكر، وقد جمع بينهما في قوله تعالي:{وفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ} . وفيه دليل علي أن سخط الزوج يوجب سخط الرب، ورضاه يوجب رضاه، هذا في قضاء الشهوة، فكيف إذا كان في أمر الدين؟
جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال: ((المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)) متفق عليه.
3248 -
وعن أنس، قال: آلي رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه شهراً، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة تسعاً وعشرين ليلة، ثم نزل. فقالوا: يا رسول الله، آليت شهراً. فقال:((إن الشهر يكون تسعاً وعشرين)). رواه البخاري.
3249 -
وعن جابر، قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم. قال: فأذن لأبي بكر، فدخل، ثم أقبل عمر، فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالساً حوله نساؤه،
ــ
الحديث العاشر عن أسماء: قوله: ((المتشبع)) ((فا)): المتشبع علي معنيين: أحدهما التكلف إسرافاً في الأكل وزيادة علي الشبع حتى يمتلئ ويتضلع. والثاني المتشبه بالشبعان وليس به، وبهذا المعنى الثاني استعير للمتحلي بفضيلة لم يرزقها وليس من أهلها. وشبه بلابس ثوبي زور، أي ذي زور وهو الذي يزور علي الناس، بأن يتزي بزي أهل الزهد ويلبس لباس ذوي التقشف رياء. وأضاف الثوبين؛ لأنهما كانا ملبوسين لأجله، فقد اختص به اختصاصاً يسوغ إضافتهما إليه، وأراد أن المتحلي كمن لبس ثوبين من الزور وقد ارتدى بأحدهما وائتزر بالآخر، كقوله: إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا.
الحديث الحادي عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((آلي)) ((نه)) يقال: آلي يولي إيلاء، وتألي يتألي تأليا بالتاء، الاسم الإلية، وفي الحديث ((من يتألي علي الله يكذبه)) أي من حكم عليه وحلف، وإنما عداه هنا بـ ((من)) حملا علي المعنى، وهو الامتناع من الدخول. وللإيلاء في الفقه أحكام مختصة لا يسمى إيلاء دونها. والانفكاك ضرب من الوهن والخلع، وهو أن ينفك بعض أجزائها عن بعض. والمشربة – بالضم والفتح – أي الغرفة وبالفتح الموضع الذي يشرب منه كالمشرعة. ((حس)): هذا إذا عين شهراً فقال: لله علي أن أصوم شهر كذا فخرج ناقصاً لا يلزمه سوى ذلك، فإن لم يعين شهراً، فقال: لله علي صوم شهر يلزمه صوم ثلاثين يوماً.
الحديث الثاني عشر عن جابر: قوله: ((واجما)) ((نه)): أي مهتما، والواجم الذي أسكته الهم وغلبته الكآبة، وقد وجم يجم وجوماً، وقيل: الوجوم الحزن. والوجاء ضرب، يقال: أوجأته بالسكين وغيرها وجاء إذا ضربته بها. والعنت المشقة والفساد والإثم.
((مح)): إنما قال: ((لا تعجلي فيه حتى تستشيري)) شفقة عليها وعلي أبويها، ونصيحة لهم في بقائها عنده؛ فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجاربها علي اختيار الفراق فتضر هي وأبواها وباقي النسوة بالاقتداء بها.
قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} الآية، كان من الظاهر أن يوقع قوله: إن كنتن تردن الدار الآخرة
واجماً ساكتاً، قال: فقلت: لأقولن شيئاً أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:((هن حولي كما ترى، يسألنني النفقة)). فقام أبو بكر إلي عائشة يجأ عنقها وقام عمر إلي حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟! فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً، أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ} حتى بلغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} قال: فبدأ بعائشة، فقال:((يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمراً، أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشري أبويك)). قالت: وما هو
يا رسول الله؟ فتلا عليها الآية. قالت: أفيك يا رسول الله! أستشير أبوي؟ بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال:((لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتاً، ولا متعنتاً، ولكن يعثني معلماً ميسراً)). رواه مسلم.
3250 -
وعن عائشة، قالت: كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله
ــ
مقابلاً لقوله: {إن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزِينَتَهَا} فجعل مقدمته قوله: ((الله ورسوله)) دلالة علي أن رضي الله تعالي ورسوله منوط بإيثار الدار الآخرة علي الدنيا، وجعل جواب الشرط الأول التمتع من الدنيا مع التسريح المفضي إلي الحرمان عن حضرة هي مهبط الوحي السماوي والفيض الإلهي، وجواب الشرط الثاني إعداد الله أجراً عظيماً، والتنكير فيه والوصف بالعظم يدل علي أنه أجر لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه، ووضع المظهر موضع المضمر في ((الله)) و ((المحسنات))؛ لأن {منكن} للبيان لا للتبعيض إشعاراً بتفخيم الثواب، فإن المثيب إذا كان الله، والمثاب عليه المحسنات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فما بال الثواب؟
وكان جواب الصديقة بنت الصديق مناسباً للآية حيث قالت: ((أفيك يا رسول الله أستشير؟ بل أختار الله ورسوله)) فجعلت مقدمة الجواب مقرونة بهمزة الإنكار الداخلة علي الجار والمجرور المزال عن مقره؛ ليدل علي أن الاستشارة في كل الأمور مستحسنة؛ أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا. ثم قالت: ((أختار الله ورسوله))، ولم تقل: أختارك؛ ليطابق قوله تعالي: {وإن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ
صلى الله عليه وسلم، فقلت: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالي: {تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إلَيْكَ مَن تَشَاءُ ومَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} . قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك. متفق عليه.
وحديث جابر: ((اتقوا الله في النساء)) ذكر في ((قصة حجة الوداع)).
ــ
ورَسُولَهُ} فلما تضمن هذا الاختيار القدح المعلي والفوز بالسعادات العظمى أرادت أن تختص بها، قالت ملتمسة أن لا تخبر امرأة من نسائك، وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مظهر الشفقة والرحمة، {ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلَاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} قال:((إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً وميسراً)).
((مح)): فيه جواز احتجاب الإمام والقاضي ونحوهما في بعض الأوقات لحاجاتهم المهمة، والغالب من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتخذ حاجباً، فاتخاذه في ذلك اليوم ضرورة. وفيه وجوب الاستئذان وتأديب الرجل ولده، وإن كبر واستقل. وفيه ما كان صلوات الله عليه من التقليل في الدنيا والزهادة فيها. وفيه جواز سكني الغرفة لذات الزوجة واتخاذ الخزانة. وفيه ما كانوا عليه من حرصهم علي طلب العلم. وفيه أن الإنسان إذا رأي صاحبه مهموماً وأراد إزالة همه وكشف غمه يستحب له أن يحدثه بما يضحكه أو يشغله عنه. وفيه الخطاب بالألفاظ الجميلة، لقوله:((فوجأت)) ولم يقل: ضربت، والعرب تستكره لفظ الضرب. وفيه أن للزوج تخيير زوجته واعتزاله عنهن في بيت آخر. وفيه دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء، أن من خير زوجته واختارته لم يكن ذلك طلاقاً، ولا يقع به فرقة. وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث رضي الله عنهم: أنه يقع الطلاق بنفس التخيير طلقة واحدة بائنة، سواء اختارت زوجها أم لا، ولعل القائلين به لم يبلغهم هذا الحديث. والله أعلم.
الحديث الثالث عشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((كنت أغار من اللاتي)) أعيب عليهن؛ لأن من غار عاب، لئلا يهبن أنفسهن فلا تكثر النساء، ويقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ما تحته، حتى نزل قوله تعالي:{تُرْجِي مَن تَشَاءُ مِنْهُنَّ وتُؤْوِي إلَيْكَ مَن تَشَاءُ} يعني تؤخر وتترك مضاجعة من تشاء منهن، وتضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء أو تترك تزوج من شئت وتتزوج من شئت.
الفصل الثاني
3251 -
عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر. قالت: فسابقته فسبقته علي رجلي، فلما حملت اللحم، سابقته فسبقني. قال:((هذه بتلك السبقة)) رواه أبو داود. [3251]
3252 -
وعنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وإذا مات صاحبكم فدعوه)) رواه الترمذي، والدارمي. [3252]
3253 -
ورواه ابن ماجه عن ابن عباس إلي قوله: ((لأهلي)).
3254 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت)). رواه أبو نعيم في ((الحلية)). [3254]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((علي رجلي)) حال من الفاعل في ((سابقته)) أي عدوا علي رجلي، وفائدته زيادة بيان الملاعبة كما يقال: أخذت بيدي، ومشيت برجلي ونظرت بعيني، وفيه بيان حسن خلقه صلوات الله عليه، وتلطفه بنسائه، ليقتدى به.
الحديث الثاني عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((صاحبكم)) ((قض)): قيل: أراد بالصاحب نفسه، وعني بقوله:((فدعوه)) أن يتركوا التحسر والتلهف عليه؛ فإن في الله تعالي خلفاً عن كل فائت، وكأنه لما قال:((وأنا خيركم لأهلي)) دعاهم إلي التأسف بفقده، فأزاح ذلك وخفف عنهم بهذا الكلام. وقيل: معناه إذا مت فدعوني ولا تؤذوني بإيذاء عشيرتي وأهل بيتي.
((مظ)): ((إذا مات صاحبكم فدعوه)) يعني ليحسن كل واحد منكم علي أهله فإذا مات واحد منكم فاتركوا ذكر مساوئه ولا تذكروا بعده بأخلاقه المذمومة، فإن ترك ذكر مساوئه والعفو عنه من حسن أخلاقكم. ويحتمل أن يكون معناه فاتركوا محبته بعد الموت، ولا تعلقوا قلوبكم به، بأن تجلسوا علي مصيبته والبكاء عليه.
3255 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)) رواه الترمذي. [3255]
3256 -
وعن أم سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض، دخلت الجنة)) رواه الترمذي. [3256]
3257 -
وعن طلق بن علي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا الرجل دعا زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت علي التنور)). رواه الترمذي. [3257]
3258 -
وعن معاذ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا)) رواه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. [3258]
ــ
أقول: والوجه الأول من قول المظهر أظهر؛ لأن في قوله: ((خيركم)) دلالة علي حسن المعاشرة مع الأهل، واحتمال الأذى منهم والصبر علي سوء أخلاقهم في الحياة، وإذا مات فكان الأولي أن تترك الشكاية عنه وعن سوء أخلاقه فيدعه وأفعاله، وقد ورد ((واذكروا موتاكم بالخير)). وينصر هذا التأويل الحديث العاشر من هذا الفصل قوله:((ليس أولئك بخياركم))، لأنه نفي عنهم الخيرية حيث لم يصبروا ولم يحتملوا أذاهن.
الحديث الثالث إلي السادس عن طلق: قوله: ((وإن كانت علي التنور)) ذكره تتميما ومبالغة. ((تو)): وإنما علق الأمر بكونها علي التنور؛ لأن شغلها بالخبز من الأشغال بالخبز من الأشغال الشاغلة التي لا يتفرغ منها إلي غيرها إلا بعد انقضائها والفراغ منها.
الحديث السابع عن معاذ رضي الله عنه: قوله: ((دخيل)) هو الضيف والنزيل، يريد أنه كالضيف والنزيل عليك، وأنت لست بأهل له علي الحقيقة لأنه يفارقك عن قريب، ولا تلتحقين به كرامة به، كما قال تعالي:{والَّذِينَ آمَنُوا واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وإنما نحن أهله فيفارقك ويتركك في النار، ويلحق بنا ويصل إلينا.
3259 -
وعن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت)) رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه. [3259]
3260 -
وعن لقيط بن صبرة، قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة في لسانها شيء – يعني البذاء – قال: ((طلقها)). قلت: إن لي منها ولداً، ولها صحبة. قال:((فمرها)) يقول عظها ((فإن يك فيها خير فستقبل، ولا تضربن ظعينتك ضربك أميتك)) رواه أبو داود. [3260]
3261 -
وعن إياس بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تضربوا إماء الله)) فجاء عمر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئرن النساء علي أزواجهن. فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن. فقال رسول الله
ــ
الحديث الثامن عن حكيم: قوله: ((أن تطعمها إذا طعمت)) التفات من الغيبة إلي الخطاب اهتماماً بشأن ما قصد من الإطعام والكسوة. ((حس)): فيه دلالة علي جواز ضربها علي غير الوجه، وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه نهياً عاماً. ((نه)): معنى قوله: ((لا تقبح)) لا تسمعها المكروه ولا تشتمها بأن تقول: قبحك الله، وما أشبه ذلك من الكلام، ومعنى ((لا تهجر إلا في البيت)) [أي إلا في المضجع و] لا تتحول عنها أو تحولها إلي دار أخرى.
الحديث التاسع عن لقيط: قوله: ((عظها)) حال من فاعل ((قال)) أي قال: فمرها مريداً به، فـ ((عظها)) مفسر لقوله:((فمرها)). ((تو)): الظعينة المرأة التي ما دامت في الهودج، فإذا لم تكن في الهودج فليست بظعينة قال الشاعر:
قفي قبل التفرق يا ظعينا نخبرك اليقين وتخبرينا
فاتسعوا فيها فقالوا للزوجة: ظعينة، وأرى أنهم يكنون بها عن كرائم النساء؛ لأن الهودج إنما يضم الكريم علي أهلها، ولهذا سماها في هذا الموضع ظعينة، أي لا تضرب الحرة التي هي منك بأعز مكان ضربك أميتك التي هي بأوضع مكان منك، وأمية تصغير أمة.
الحديث العاشر عن إياس: قوله: ((ذئرن)) هو من وادي قولهم: أكلوني البراغيث، وقوله
صلى الله عليه وسلم: ((لقد طاف بآل محمد نساء كثير، يشكون أزواجهن. ليس أولئك بخياركم)) رواه أبو داود، وابن ماجه، والدارمي. [3261]
3262 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من خبب امرأة علي زوجها، أو عبداً علي سيده)). رواه أبو داود. [3262]
3263 -
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وألطفهم بأهله)) رواه الترمذي. [3263]
3264 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حديث حسن صحيح، ورواه أبو داود إلي قوله ((خلقاً)). [3264]
3265 -
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة
ــ
تعالي: {وأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . ((نه)): أي نشزن واجترأن، يقال: ذئرت المرأة تذأر فهي ذئر وذائر أي ناشز. ((حس)): فيه من الفقه أن ضرب النساء علي منع حقوق النكاح مباح، إلا أنه يضرب ضرباً غير مبرح. ووجه ترتيب السنة علي الكتاب في الضرب يحتمل أنه نهي صلى الله عليه وسلم عن ضربهن قبل نزول الآية، ثم لما ذئر النساء أذن في ضربهن، ونزل القرآن موافقاً له، ثم لما بالغوا في الضرب أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الضرب وإن كان مباحاً علي شكاية أخلاقهن، فالتحمل والصبر علي سوء أخلاقهن وترك الضرب أفضل وأجمل. ويحكى عن الشافعي هذا المعنى.
قوله: ((لقد طاف)) صح بغير همزة والأول بهمزة. وفي نسخ المصابيح كلاهما بالهمزة. الجوهري: أطاف به أي ألم به وقاربه، وطاف حول الشيء يطوف طوفاً وطوفاناً وتطوف واستطاف كله بمعنى.
الحديث الحادي عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((خبب)) ((نه)): أي خدع وأفسد.
تبوك، أو حنين، وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال:((ما هذا يا عائشة؟)) قالت: بناتي. ورأي بينهن فرساً له جناحان من رقاع، فقال:((ما هذا الذي أرى وسطهن؟)) قالت: فرس. قال: ((وما الذي عليه؟)) قالت: جناحان. قال: ((فرس له جناحان؟)) قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة؟ قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه. رواه أبو داود. [3265]
الفصل الثالث
3266 -
عن قيس بن سعد، قال: أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم. فقلت: لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يسجد له، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أتيت الحيرة، فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت أحق بأن يسجد لك. فقال لي:((أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)) فقلت: لا. فقال: ((لا تفعلوا، لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من حق)) رواه أبو داود. [3266]
3267 -
ورواه أحمد عن معاذ بن جبل. [3267]
ــ
الحديث الثاني عشر إلي آخر الفصل عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((سهوتها)) ((نه)): السهوة بيت صغير منحدر في الأرض قليلا شبيه بالمخدع والخزانة. وقيل: هو كالصفة يكون في البيت، وقيل: شبيه بالرف والطاق يوضع فيه الشيء. قوله: ((من رقاع)) الرقاع جمع الرقعة التي تكتب، والرقعة الخرقة.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن قيس: قوله: ((لمرزبان)) ((نه)): هو بضم الزاي أحد مرازبة الفرس، وهو الفارس الشجاع المقدم علي القوم دون الملك، وهو معرب. و ((الحيرة)) – بكسر الحاء البلد القديم بظهر الكوفة. قوله:((لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)) يعني إنما تسجد لي الآن إكراماً وإجلالاً وهيبة، فإذا كنت رهين رمس وقد زال ذلك امتنعت عنه، فإذا اسجد للحي الذي لا يموت، ولمن ملكه لا يزول. وقيل: لما دنف المأمون أمر حلساً فرش له فجعل يتمرغ فيه، ويقول: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه.
3268 -
وعن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته عليه)) رواه أبو داود، وابن ماجه. [3268]
3269 -
وعن أبي سعيد، قال: جاءت امرأة إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقالت: زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي الفجر حتى تطلع الشمس. قال: وصفوان عنده. قال: فسأله عما قالت. فقال: يا رسول الله! أما قولها: يضربني إذا صليت؛ فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كانت سورة واحدة لكفت الناس)). قال: وأما قولها: يفطرني إذا صمت؛ فإنها تنطلق تصوم وأنا رجل شاب؛ فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا تصوم امرأة إلا بأذن زوجها)) وأما قولها: إني لا أصلي حتى تطلع الشمس؛ فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال:((فإذا استيقظت يا صفوان! فصل)). رواه أبو داود، وابن ماجه. [3269]
ــ
الحديث الثاني عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((فيما ضرب امرأته عليه)) الضمير المجرور راجع إلي ((ما)) وهو عبارة عن النشوز المنصوص عليه في قوله تعالي: {واللَاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ - إلي قوله - واضْرِبُوهُنَّ} وقوله: ((لا يسأل)) عبارة عن عدم التحرج والتأثم؛ لقوله تعالي: {فَإنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} أي أزيلوا عنهن التعرض بالأذى والتوبيخ والتجني، وتوبوا عليهن، واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن.
الحديث الثالث عن أبي سعيد: قوله: ((فإنها تقرأ بسورتين)) يريد طول القراءة في الصلاة كأخذها في الصوم، وانطلاقها فيه وإدامتها عليه. وقوله:((لو كانت)) اسمه ما يعود إلي مصدر ((تقرأ)) أي لو كانت القراءة بسورة واحدة وهي الفاتحة. وقوله: ((قد عرف لنا ذلك)) يعني عادتنا ذاك أو أنا أهل صنعة لا ننام الليل، وإنما قبل عذره مع تقصيره ولم يقبل منها وإن لم تقصر؛ إيذاناً بحق الرجال علي النساء. ((مظ)): في تركه التعنيف أمر عجيب من لطف الله سبحانه بعباده، ولطف نبيه ورفقه بأمته. ويشبه أن يكون ذلك منه علي معنى ملكة الطبع واستيلاء العادة، فصار كالشيء المعجوز عنه، وكان صاحبه في ذلك بمنزلة من يغمى عليه، فعذر فيه فلم يؤنب عليه. ولا يجوز أن يظن به الامتناع من الصلاة في وقتها ذلك، مع زوال العذر بوقوع التنبيه والإيقاظ ممن يحضره ويشاهده.
3270 -
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والأنصار، فجاء بعير فسجد له، فقال أصحابه: يا رسول الله! تسجد لك البهائم والشجر؛ فنحن أحق أن نسجد لك. فقال: ((اعبدوا ربكم، وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلي جبل أسود، ومن جبل أسود إلي جبل أبيض؛ كان ينبغي لها أن تفعله)) رواه أحمد. [3270]
3271 -
وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا تقبل لهم صلاة، ولا تصعد لهم حسنة: العبد الآبق حتى يرجع إلي مواليه فيضع يده في أيديهم، والمرأة الساخط عليها زوجها، والسكران حتى يصحو)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [3271]
3272 -
وعن أبي هريرة، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال ((التي تسر إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره)) رواه النسائي، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [3272]
3273 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من أعطيهن، فقد أعطي خير الدنيا والآخرة: قلب شاكر، ولسان ذاكر، وبدن علي البلاء صابر، وزوجة لا تبغيه خوناً في نفسها ولا ماله)). رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [3273]
ــ
الحديث الرابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((وأكرموا أخاكم)) قاله تواضعاً وهضماً لنفسه صلوات الله عليه، يعني أكرموا من هو بشر مثلكم ومفرع من صلب أبيكم آدم، وأكرموه لما أكرمه الله تعالي واختاره وأوحى إليه، كقوله تعالي:{قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ} قوله: ((من جبل أصفر إلي جبل أسود)) كناية عن الأمر الشاق القادح، وأنشد:
لنقل الصخر من قلل الجبال أحب إلي من [منن] الرجال
ثم تخصيص اللونين تتميم للمبالغة؛ لأنه لا يكاد يوجد أحدهما بقرب الآخر.
الحديث الخامس والسادس والسابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ولا مالها)) يحتمل