المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب الربا - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٧

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌(1) باب الكسب وطلب الحلال

- ‌(2) باب المساهلة في المعاملات

- ‌(3) باب الخيار

- ‌(4) باب الربا

- ‌(5) باب المنهي عنها من البيوع

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب السلم والرهن

- ‌(8) باب الاحتكار

- ‌(9) باب الإفلاس والإنظار

- ‌(10) باب الشركة والوكالة

- ‌(11) باب الغصب والعارية

- ‌(12) باب الشفاعة

- ‌(13) باب المساقاة والمزارعة

- ‌(14) باب الإجارة

- ‌(15) باب إحياء الموات والشرب

- ‌(16) باب العطايا

- ‌(17) باب

- ‌(18) باب اللقطة

- ‌[كتاب الفرائض والوصايا]

- ‌باب الفرائض

- ‌(1) باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌(1) بابالنظر إلي المخطوبة وبيان العورات

- ‌(2) بابالولي في النكاح واستئذان المرأة

- ‌(3) باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

- ‌(4) باب المحرمات

- ‌(5) باب المباشرة

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب الصداق

- ‌(8) باب الوليمة

- ‌(9) باب القسم

- ‌(10) بابعشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

- ‌(11) باب الخلع والطلاق

- ‌(12) باب المطلقة ثلاثا

- ‌(13) باب [في كون الرقبة في الكفارة مؤمنة]

- ‌(14) باب اللعان

- ‌(15) باب العدة

- ‌(16) باب الاستبراء

- ‌(17) باب النفقات وحق المملوك

- ‌(18) باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

الفصل: ‌(4) باب الربا

(4) باب الربا

الفصل الأول

2807 -

عن جابر [رضي الله عنه]، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال:((هم سواءٌ)) رواه مسلم.

ــ

باب الربا

الربا الزيادة علي رأس المال، لكن خص في الشريعة بالزيادة علي وجه دون وجه، وباعتبار الزيادة قال:{وما ءاتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عنه الله} ونبه بقوله: {يمحق الله الربا ويربي الصدقات} علي أن الزيادة المعقولة المعبر عنها بالبركة مرتفعة عن الربا. ((مح)): الربا مقصور، وهو من ربا يربو فيكتب بالألف، وتثنيته بالواو، وأجاز الكوفيون كتابته وتثنيته بالياء لكسر أوله، قال العلماء: كتبوه في المصحف بالواو، وقال الفراء: لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربوا، فعملوا صورة الخط علي لغتهم، قال: وكذا قرأها أبو سليمان العدوي، وقرأ حمزة والكسائي بالإمالة لكسرة الراء، والباقون بالتفخيم لفتحة الباء. وقال: فيجوز كتابته بالألف والواو والياء. ((حس)): قال عبد الله بن سلام: للربا اثنان وسبعون حوبًا، أصغرها حوبًا كمن أتى أمه في الإسلام، ودرهم من الربا أشد من بضع وثلاثين زنية، قال: ويأذن الله بالقيام للبر والفاجر يوم القيامة إلا لآكل الربا؛ فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.

الفصل الأول

الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((آكل الربا)) أي الآخذ، وإنما خص بالأكل؛ لأنه أعظم الانتفاع، كما قال تعالي:{الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} . ((شف)): سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين آكل الربا وموكله؛ [إذا] كان لا يتوصل إلي أكله إلا بمعاونته ومشاركته إياه، فهما شريكان في الإثم كما كانا شريكين في الفعل، وإن كان أحدهما مغتبطاً بفعله لما يستفضله من التبع، والآخر منهما لما يلحقه من النقص، ولله عز وجل حدود، فلا تتجاوز في وقت الوجود من الربح والعدم، وعند العسر واليسر، والضرورة لا تلحقه بوجه في أن يؤكله الربا؛ لأنه قد يجد السبيل إلي أن يتوصل إلي حاجته بوجه من وجوه المعاملة والمبايعة ونحوها.

أقول: لعل هذا الإضرار إنما يلحق بالمؤكل، فينبغي أن يتحرز عن صريح الربا، فيتشبث

ص: 2124

2808 -

وعن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، سواءً بسواءٍ، يداً بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد)) رواه مسلم.

ــ 00000000000

بوجه من وجوه المبايعة نحو العينة؛ لقوله تعالي: {وأحل الله البيع وحرم الربا} لكن مع وجلٍ وخوفٍ شديد، عسى الله أن يتجاوز عنه، ولا كذلك الآكل. والله أعلم.

((مح)): فيه تصريح بتحريم كتابة المتبايعين المترابيين والشهادة عليهما، وبتحريم الإعانة علي الباطل كناية.

الحديث الثاني عن عبادة رضي الله عنه: قوله: ((الذهب بالذهب)) ((شف)): هذا الحديث هو العمدة في هذا الباب، عد النبي صلى الله عليه وسلم أصولاً، وصرح بأحكامها وشروطها التي تعتبر في بيع بعضها ببعضها جنسًا واحداً أو أجناسًا، وبين ما هو العلة في كل واحد منها ليتوصل المجتهد بالشاهد إلي الغائب، فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر النقدين والمطعومات الأربع؛ إيذانًا بأن علة الربا هي النقدية أو الطعم، وإشعاراً بأن الربا إنما يكون في النوعين المذكورين، وهما النقد أو المطعوم، وذكر من المطعومات الحبوب وهي البر والشعير والتمر والثمار وهو الثمر، وما يقصد مطعومًا لنفسه وهو البر والشعير والتمر، أو لغيره وهو الملح؛ ليعلم أن الكل سواء في هذا الحكم.

وقسم التعامل في أموال الربا علي ثلاثة أقسام، أحدها: أن يباع شيء منها بجنسه المشارك له في علة الربا كبيع الحنطة بالحنطة، فشرط صلى الله عليه وسلم في هذا القسم ثلاثة أشياء، الأول: التماثل في القدر بقوله: ((مثلاً بمثل)) وأكده بقوله: ((سواء بسواء)) لأن المماثلة أعم من أن تكون في القدر بخلاف المساواة، الثاني والثالث: الحلول والتقابض، بقوله صلى الله عليه وسلم ((يداً بيد)) فإنه دال علي الشرطين جميعاً. وثإنيها: أن يباع شيء منها بما ليس من جنسه، لكن يشاركه في العلة كبيع الحنطة بالشعير، فجوز صلى الله عليه وسلم في هذا القسم التفاضل، بقوله:((فإذا اختلف الجنس فبيعوا كيف شئتم)) وشرط في هذا النوع أيضاً الشرطين الآخرين بقوله: ((إذا كان يداً بيد)). وثالثها: أن يباع شيء منها بما ليس من جنسه، ولا يشرك العوضان في علة الربا كبيع البر بالذهب أو الفضة، وصرح صلى الله عليه وسلم بالقسمين؛ لأنهما المقصود بالبيان لمخالفتهما سائر العقود في الشروط الثلاثة المذكورة، وسكت صلى الله عليه وسلم عن النوع الثالث؛ إما لأنه جار علي قياس سائر البياعات، فلا حاجة إلي البيان، وإما لأن أمره مدلول عليه علي طريق المفهوم، فإن تقييد اعتبار الحلول والتقابض بالمشاركة في علة الربا بين العوضين، وسواء كان مع اتحاد الجنس أو مع عدم اتحاده، بقوله:

ص: 2125

2809 -

وعن أبي سعيد الخدري [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثلٍ، يداً بيدٍ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواءٌ)) رواه مسلم.

ــ

((إذا كان يداً بيد)) وتقييد اعتبار المماثلة مع الشرطين المذكورين بالمشاركة في علة الربا مع اتحاد الجنس بقوله: ((مثلاً بمثل يداً بيد)) يدل علي عدم اعتبار شيء من الشرائط الثلاثة فيما ليس كذلك. وانتصاب ((مثلاً بمثل، يداً بيد)) علي الحال، والعامل متعلق الجار الذي هو قوله:((بالذهب)) وصاحبها الضمير المستكن فيه، أي الذهب يباع بالذهب متماثلين مقبوضين يداً بيد، ونظيره مررت بزيد راكبين، هذا توضيح كلام القاضي.

((مح)): اختلفوا في العلة التي هي سبب تحريم الربا في الستة، قال الشافعي: العلة في الذهب والفضة كونهما جنسا الأثمان، فلا يتعدى الربا منهما إلي غيرهما من الموزونات، كالحديد والنحاس وغيرهما؛ لعدم المشاركة في المعنى، والعلة في الأربعة الباقية كونها مطعومة، فيتعدى الربا منها إلي كل مطعوم سواء كان قوتاً أو تفكها أو تداويا، كالإهليلج والسقمونيا وغيرهما، وما أكل وحده أو مع غيره، فيجري الربا في الزعفران علي الأصح.

وأما مالك فقال في الذهب والفضة كقول الشافعي، وفي الأربعة العلة فيها كونها تدخر للقوت، فعداه إلي الزبيب لأنه كالتمر، وإلي [السلت] لأنها كالبر والشعير، وأما أبو حنيفة فقال: العلة في الذهب والفضة الوزن، فيتعدى إلي كل موزون من نحاس وحديد وغيرهما، وفي الأربعة الكيل، فيتعدى إلي كل مكيل كالجص والأشنان وغيرهما. قال أحمد والشافعي في القديم: العلة في الأربعة الطعم والوزن أو الكيل، فعلي هذا لا ربا في البطيخ والسفرجل ونحوهما. أقول: ويؤيد قول الشافعي رضي الله عنه: أن العلة الطعم فحسب، ما روي في الحديث الخامس عن معمر.

قوله: ((هذه الأصناف)) ((تو)): وجدنا في كثير من نسخ المصابيح قد ضرب علي ((الأصناف))، وأثبت مكانها ((االأجناس))، والحديث أخرجه مسلم، ولفظه ((الأصناف)) لا غير، وأرى ذلك تصرفا عن ظن منه أن الصواب هو ((الأجناس))؛ لأن كل واحد من الأشياء المذكورة علي حدته جنس، والصنف أخص منه، ولم يدر أن ((الأصناف)) أقوم في هذا الموضع؛ لأنه أراد بيان الجنس الذي يجري فيه الربا، فعد أصنافه مع أن العرب تستعمل بعض الألفاظ المتقاربة في المعنى مكان بعضها.

الحديث الثالث عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((فقد أربى)) ((تو)): أي أتى الربا

ص: 2126

2810 -

وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثلٍ، ولا تشفوا بعضها علي بعضٍ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها علي بعض ولا تبيعوا منها غائباً بناجز)). متفق عليه.

وفي رواية: ((لا تبيعوا الذهب [بالذهب]، ولا الورق بالورق، إلا وزنًا بوزنٍ)).

2811 -

وعن معمر بن عبد الله، قال: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الطعام بالطعام مثلاً بمثل)) رواه مسلم.

2812 -

وعن عمر [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الذهب بالذهب رباً إلا هاء وهاء، والورق بالورق رباً إلا هاء وهاء، والبر بالبر رباً إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير رباً إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر رباً إلا هاء وهاء)) متفق عليه.

ــ

وتعاطاه، ومعنى اللفظ أخذ أكثر مما أعطى، من ربا الشيء يربو إذا زاد. أقول: لعل الوجه أن يقال: أتى الفعل المحرم، لأن من اشترى الفضة عشرة مثاقيل بمثقال من ذهب فالمشتري آخذ الزيادة وليس بربا.

الحديث الرابع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((ولا تشفوا)) ((تو)): أي لا تفضلوا، والشف بالكسر الفضل والربح، والشف أيضاً النقصان، وكلمة ((علي)) هي الفارقة في هذا الحديث بين الزيادة والنقصان. ((حس)): قوله: ((بعضها)) الضمير للذهب، الجوهري: الذهب معروف، وربما أنث. ((حس)): في الحديث دليل علي أنه لو باع حلياً من ذهب بذهب، لا يجوز إلا متساويين في الوزن، ولا يجوز طلب الفضل للصنعة؛ لأنه يكون بيع ذهب بذهب مع الفضل. قوله:((بناجز)) ((نه)): أي بحاضر، يقال: نجز ينجز نجزاً إذا حضر وحصل، وأنجز الوعد أحضره.

الحديث الخامس والسادس عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((إلا هاء وهاء)) ((فا)): ((هاء)) صوت بمعنى خذ، ومنه قوله تعالي:{هاؤم اقرءوا كتأبيه} أي كل واحد من متولي عقد الصرف يقول لصاحبه: هاء، فيتقابضان قبل التفرق عن المجلس. ((مح)): فيه لغتان، المد والقصر، والأول أفصح وأشهر، وأصله هاك فأبدلت من الكاف، ومعناه خذ هذا، فيقول صاحبه مثله، والهمزة مفتوحة، ويقال بالكسر، ومعناه التقابض. قال المالكي: وحق ((هاء)) أن لا تقع بعد إلا، كما لا يقع بعدها ((خذ)) وبعد أن وقع يجب تقدير قول قبله يكون به محكيا، فكأنه قيل: ولا الذهب بالذهب إلا مقولا عنده من المتبايعين هاء وهاء. أقول: فإذن محله

ص: 2127

2813 -

وعن أبي سعيد، وأبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً علي خيبر، فجاءه بتمرٍ جنيبٍ، فقال:((أكل تمر خيبر هكذا؟)) قال: لا والله يا رسول الله! إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاث فقال:((لا تفعل! بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا)) وقال: ((في الميزان مثل ذلك)) متفق عليه.

ــ

النصب علي الحال، المستثنى منه مقدر، يعني بيع الذهب بالذهب ربا في جميع الحالات إلا حال الحضور والتقابض، فكني عن التقابض بـ ((هاء)) لأنه لازمه.

الحديث السابع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((جنيب)) ((نه)): الجنيب نوع جيد معروف من أنواع التمر، وكل نوع من التمر لا يعرف اسمه فهو جمع، وقيل: الجمع تمر مختلط من أنواع متفرقة وليس مرغوبا فيه، وما يختلط إلا لرداءته. ((حس)): اتفقوا علي أن من أراد أن يبدل شيئاً من مال الربا بجنسه ويأخذ فضلاً فلا يجوز حتى يغير جنسه ويقبض ما اشتراه تم يبيعه منه بأكثر مما دفعه إليه. قال الشافعي: لا بأس أن يبيع الرجل السلعة إلي أجل، ويشتريها من المشتري بأقل بنقد وعوض إلي أجل.

((مح)): احتج أصحابنا بهذا الحديث، أن الحيلة التي يعملها بعض الناس توصلا إلي مقصود الربا ليس بحرام؛ وذلك أن من أراد أن يعطي صاحبه مائة درهم بمائتين، فيبيعه ثوباً بمائتين ثم يشتريه منه بمائة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال:((بع هذا، واشتر بثمنه من هذا)) وهو ليس بحرام عند الشافعي، وقال مالك وأحمد: هو حرام.

أقول: وينصره ما رواه رزين في كتابه، عن أم يونس أنها قالت: جاءت أم ولد زيد بن أرقم إلي عائشة رضي الله عنها، فقالت: بعت جارية من زيد بثمانمائة درهم إلي العطاء، ثم اشتريتها منه قبل حلول الأجل بستمائة، وكنت شرطت عليه إنك إن بعتها فأنا أشتريها منك. فقالت لها عائشة رضي الله عنها: بئس ما شريت وبئس ما اشتريت، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب منه. قالت: فما نصنع؟ قالت: فتلت عائشة رضي الله عنها: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلي الله} الآية. فلم ينكر أحد علي عائشة، والصحابة متوفرون.

((حس)): قال الشافعي: لو كان هذا ثابتًا، فقد تكون عائشة عابت البيع إلي العطاء؛ لأنه أجل غير معلوم، ثم قال: وزيد صحابي، وإذا اختلفوا فمذهبنا القياس، وهو مع زيد، ويمكن أن يمنع تجهيل الأجل؛ فإن العطاء هو ما يخرج للجندي من بيت المال في السنة مرة أو مرتين، وأكثر ما يكون في أجل مسمى يدل عليه قولها في هذا الحديث:((قبل حلول الأجل)) وما وضع عمر رضي الله عنه التاريخ إلا لهذا، وأما ترجيح فعل زيد بالقياس فمشكل لبعد الجامع، مع أن قول عائشة راجح علي فعله.

ص: 2128

2814 -

وعن أبي سعيد، قال: جاء بلال إلي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر برني، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((من أين هذا؟)) قال: كان عندنا تمرٌ رديءٌ، فبعت منه صاعين بصاعٍ. فقال:((أوه، عين الربا، عين الربا، لا تفعل؛ ولكن إذا أردت أن تشتري، فبع التمر ببيع آخر ثم اشتر به)) متفق عليه.

ــ

ولما روى أحمد وأبو داود عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تبايعتم العينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلي دينكم)). [و ((العينة)) -بفتح العين] المهملة وبسكون الياء تحتها نقطتان وفتح النون- هو أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلي أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها، فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم، وقبضها ثم باعها المشتري من البائع الأول بالنقد بأقل من الثمن، فهذه أيضًا عينة، وهي أهون من الأولي، وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة؛ لأن العين هو المال الحاضر من النقد، والمشتري إنما يشتري ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه معجلة، كذا في النهاية. وفي المغرب: العينة السلف، ويقال: باعه بعينة أي بنسيئة من عين الميزان وهي ميله كذا من الخليل لأنها زيادة، وقيل: لأنها بيع العين بالربح، وقيل: هي شراء ما باع بأقل مما باع. وما تجاسرنا علي ما أوردناه إلا بقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: إذا صح حديث النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي، فاعملوا بالحديث ودعوا قولي، وهو مذهبي، ذكره الشيخ محي الدين في شرح صحيح مسلم، وأمثاله كثيرة.

قوله: ((مثل ذلك)) مبتدأ، و ((في الميزان)) خبره، ويحتمل النصب علي المصدر، أي قال في شأن الميزان قولاً مثل ما قال في شأن الصاع أي المكيال. ((مح)): يستدل به الحنفية علي مذهبهم؛ لأنه ذكر في هذا الحديث الكيل والميزان. أقول: توجيه استدلالهم أن علة الربا في الأصناف المذكورة في حديث عبادة الكيل والوزن لا الطعم والنقد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين حكم التمر وهو المكيل، ألحق به حكم الميزان، ولو كانت العلة النقدية والمطعومية لقال في النقد مثل ذلك. والجواب أن هذا إرشاد لمن ضل السبيل ووقع في الربا، فهداه إلي التخلص منه بطريق العمل، فالمفهوم فيه مسدود وفاقاً، وذلك الحديث أصل تؤسس عليه الفروع.

الحديث الثامن عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((برني)) هو من أجود التمر، قوله:((أوه)) ((نه)): هي كلمة يقولها الرجل عند الشكاية والتوجع، وهي ساكنة الواو مكسورة الهاء، وربما قلبوا الواو ألفاً، فقالوا: آه من كذا، وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء، وبعضهم بفتح الواو والتشديد، فقالوا: آوه. وقوله: ((عين الربا)) أي هذا حقيقة الربا المحرم.

ص: 2129

~

2815 -

وعن جابر، قال: جاء عبدٌ فبايع النبي صلى الله عليه وسلم علي الهجرة، ولم يشعر أنه عبدٌ، فجاء سيده يريده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((بعنيه)). فاشتراه بعبدين أسودين، ولم يبايع أحداً بعده حتى يسأله أعبدٌ هو أو حرٌ. رواه مسلم.

2816 -

وعنه، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم مكيالتها بالكيل المسمى من التمر. رواه مسلم.

ــ

الحديث التاسع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((فبايع النبي صلى الله عليه وسلم علي الهجرة)) ضمن بايع معنى عاهد، وعداه بعلي. ((نه)). في الحديث ((ألا تبايعوني علي الإسلام)) هو عبارة عن المعاقدة عليه والمعاهدة. قوله:((فاشتراه بعبدين أسودين)) ((مح)): فيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق والإحسان العام؛ فإنه كره أن يرد العبد خائباً مما قصد من الهجرة وملازمة الصحبة.

((حس)): العمل علي هذا عند أهل العلم كلهم، أنه يجوز بيع حيوان بحيوإنين نقداً، سواء كان الجنس واحداً أو مختلفاً. اشترى رافع بن خديج بعيراً ببعيرين، فأعطاه أحدهما وقال: آتيك بالآخر غدا إن شاء الله. وعند سعيد بن المسيب: إن كانا مأكولي اللحم لا يجوز إذا كان الشراء للذبح، وإن كان الجنس مختلفا. واختلفوا في بيع الحيوان بالحيوان أو بالحيوإنين نسيئة، فمنعه جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روي فيه عن ابن عباس وهو قول عطاء بن أبي رباح وأصحاب أبي حنيفة؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم ((نهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة). قال الخطابي: وجهه عندي أنه إنما نهي عما كان نسيئة في الطرفين، فيكون من باب الكالئ بالكالئ، بدليل قول عبد الله بن عمرو بن العاص الذي في آخر الباب، وهذا يبين لك أن النهي عن بيع الحيوان نسيئة، إنما هو أن يكون نساء في الطرفين جمعًا بين الحديثين.

ورخص فيه بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، روي ذلك عن علي رضي الله عنه وابن عمر، وهو قول الشافعي، واحتجوا بما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص:((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ علي قلائص الصدقة، وكان يأخذ البعير بالبعيرين إلي إبل الصدقة)) وفيه دليل علي جواز السلم في الحيوان. قوله: ((أو حر)) هذه الزيادة ليست في نسخ مسلم والحميدي وجامع الأصول، لكن في شرح السنة ((او حر)) وفي بعض نسخ المصابيح ((أم حر). أقول: و ((أو)) هنا أوقع؛ لأن ((أم)) يؤتى بها إذا ثبت أحد الأمرين، فيحصل التردد في التعيين، و ((أو)) سؤال عن نفس الثبوت، يعني عبديته ثابتة أو حريته.

الحديث العاشر عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((عن بيع الصبرة)) ((نه)): الصبرة الطعام المجتمع كالكومة، وجمعها صبر. أقول: قوله: ((المسمى)) أي المعلوم وهو صفة الكيل، و ((من التمر)) حال منه، أي نهي عن بيع الصبرة. المجهولة مكيلتها بالصبرة المعلومة مكيلتها من جنس ~م م ي

ص: 2130

2817 -

وعن فضالة بن أبي عبيد، قال: اشتريت يوم خيبر قلادة بأثني عشر ديناراً، فيها ذهبٌ وخرزٌ، ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:((لا تباع حتى تفصل)). رواه مسلم.

الفصل الثاني

2818 -

عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:((ليأتين علي الناس زمانٌ لا يبقى أحدٌ إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من بخاره))، ويروى:((من غباره)). رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. [2818]

ــ

واحد. ((حس)): لا يجوز بيع مال الربا بجنسه جزافا للجهل بالتماثل حالة العقد، فلو قال بعتك صبرتي هذه من الحنطة بما يقابلها من صبرتك، أو ديناري بما يوازيه من دينارك، جاز إذا تقابضا في المجلس، والفضل من الدينار الكبير والصبرة الكبيرة لبائعها، فإذا اختلف الجنس يجوز بيع بعضه ببعض جزافاً؛ لأن الفضل بينهما غير حرام.

الحديث الحادي عشر عن فضالة: قوله: ((لا تباع حتى تفصل)) ((حس)): ويروى ((حتى تميز)) أراد به التمييز بين الخرز والذهب في العقد لا تمييز عين المبيع بعضه عن بعض، وفيه دليل علي أنه لو باع مال الربا بجنسه، ومعهما أو مع أحدهما شيء أخر، مثل أن باع درهماً وثوباً بدرهمين أو بدينارين، أو باع درهماً وثوباً بدرهمين وثوب، لا يجوز؛ لأن اختلاف الجنس في أحد شقي الصفقة يوجب توزيع ما في مقابلتهما عليهما باعتبار القيمة، والتقويم تقدير وجهل لا يفيد معرفة في الربا- انتهي كلامه. وذهب مالك إلي جواز بيع الدرهم بنصفه أو فلوس أو طعام للضرورة، ومنع ما فوق ذلك.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فإن لم يأكله أصابه من بخاره)) ((قض)): أي يحيق به ويصل إليه من أثره، بأن يكون مؤكله أو متوسطاً فيه أو كاتباً أو شهيدًا، أو يعامل المربي أو من عامل معه وخلط ماله بماله. قوله:((إلا أكل)) المستثنى صفة لـ ((أحد)) والمستثنى منه أعم عام الأوصاف، نفي جميع الأوصاف إلا الأكل، ونحن نرى كثيرًا من الناس لم يأكله حقيقة، فينبغي أن يجري علي عموم المجاز، فيشمل الحقيقة والمجاز، ولذلك أتبعه بالفاء التفصيلية بقوله:((فان لم يأكله)) أي فإن لم يأكله حقيقة يأكله مجازا، فالبخار أو الغبار مستعاران مما شبه الربا به من النار أو التراب.

ص: 2131

2819 -

وعن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح إلا سواءً بسواءٍ، عيناً بعينٍ، يداً بيدٍ؛ ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب، والبر بالشعير، والشعير بالبر، والتمر بالملح،،والملح بالتمر، يداً بيدٍ، كيف شئتم)). رواه الشافعي. [2819]

2820 -

وعن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء التمر بالرطب. فقال: ((أينقص الرطب إذا يبس؟)) فقال: نعم، فنهاه عن ذلك.

رواه مالك، والترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة. [2820]

ــ

الحديث الثاني عن عبادة رضي الله عنه: قوله: ((لكن بيعوا)) ((لكن)) حقه أن يقع بين كلامين متغايرين نفيا وإثباتا، أي لا تبيعوا النقدين ولا المطعومات إذا كانا متفقين، ولكن بيعوهما إذا اختلفا، والاستثناء في قوله:((إلا سواء بسواء)) كالاستطراد لبيان الترخيص، وقوله:((يداً بيد)) تأكيد لقوله: ((عينا بعين)) من حيث المعنى، كما كان ((سواء بسواء))، تأكيداً لـ ((مثلا بمثل)) في الحديث السابق.

الحديث الثالث عن سعد رضي الله عنه: قوله: ((أينقص الرطب؟)) ((قض)): ليس المراد من الاستفهام استعلام القضية؛ فإنها جلية مستغنية عن الاستكشاف، بل التنبيه علي أن الشرط تحقق المماثلة حال اليبوسة، فلا يكفي تماثل الرطب والتمر علي رطوبته، ولا علي فرض اليبوسة؛ لأنه تخمين وخرص لا تعيين فيه، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر، وبه قال كثر أهل العلم، وجوز أبو حنيفة بيع الرطب بالتمر إذا تساويا كيلا، وحمل الحديث علي البيع نسيئة؛ لما روي عن هذا الراوي أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الرطب بالتمر نسيئة، هكذا ذكره بعض الشارحين. وضعفه بين؛ لأن النهي عن بيعه نسيئة، لا يستدعي الإذن في بيعه يداً بيد إلا من طريق المفهوم، وهو عنده غير منظور إليه، فضلاً من أن يسلط علي المنطوق ليبطل إطلاقه، ثم إن هذا التقييد يفسد السؤال والجواب وترتيب النهي ويلغيها بالكلية، فإن بيع الرطب بالتمر نسيئة غير صحيح؟ لأنه جرى نسيئة لا لأن الرطب ينقص بالجفاف ولا ينقص. والضمير المستكن في ((فقال)) والبارز في ((نهاه)) للسائل المدلول عليه بقوله:((سألت)).

((حس)): هذا الحديث أصل في أنه لا يجوز بيع شيء من المطعوم بجنسه، وأحدهما رطب والآخر يابس، مثل بيع الرطب بالتمر، وبيع العنب بالزبيب، واللحم الرطب بالقديد، وهو قول أكثر أهل العلم، وإليه ذهب مالك والشافعي رضي الله عنهما.

ص: 2132

2821 -

وعن سعيد بن المسيب مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع اللحم بالحيوان. قال سعيدٌ: كان من ميسر أهل الجاهلية. رواه في ((شرح السنة)). [2821]

2822 -

وعن سمرة بن جندب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الحيوان بالحيون نسيئةً. رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه. والدارمي. [2822]

2827 -

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشاً، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ علي قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلي إبل الصدقة. رواه أبو داود. [2833]

ــ

أقول: لاشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عالماً بهذا الخبر، وعالماً بلازمه؛ لأن المخاطب أيضًا عالم، فإن فائدة الاستخبار راجعة إلي أمر آخر، وهو إلزام السائل بما هو ثابت عنده ومقرر لديه، إفحاماً وتبكيتاً، فينبغي أن يكون مقرراً عنده أن الزيادة في الربويات إذا كانت من جنس واحد غير جائز مطلقاً، ولذلك أجاب بقوله:((نعم)) ثم رتب النهي عليه بالفاء، أي إذا أذعنت واعترفت فلا تفعل، فإن لا وجه لتقيده بالنسيئة.

الحديث الرابع عن سعيد رضي الله عنه: قوله: ((من ميسر)) الميسر القمار، مصدر من يسر، كالموعد والمرجع من فعلهما، يقال: يسرته إذا قمرته، واشتقاقه من اليسر؛ لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب، أو من اليسار؛ لأنه سلب يساره، قالوا: فيه دليل علي حرمة بيع اللحم بالحيوان، سواء كان ذلك اللحم من جنس ذلك الحيوان أو من غير جنسه، وسواء كان الحيوان مما يؤكل لحمه أو مما لايؤكل لحمه، وهذا قول الشافعي رضي الله عنه.

الحديث الخامس عن سمرة: مضى شرحه في الحديث التاسع من الفصل الأول.

الحديث السادس عن عبد الله: قوله: ((أن يأخذ علي قلائص)) أي يأخذ من ليس له ظهر إبلا دينًا علي قلائص الصدقة مؤجلاً إلي أوان حصول قلائص الصدقة، والقلائص جمع قلوص، وهو الفتي من الإبل. وفيه إشكالان: أحدهما: بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وثإنيهما: عدم توقيت الأجل المسمى، وفيه اختلاف سبق في حديث جابر.

ص: 2133

الفصل الثالث

2824 -

عن أسامة بن زيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الربا في النسيئة)). وفي رواية قال: ((لا ربًا فيما كان يدًا بيد)). متفق عليه.

2825 -

وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم؛ أشد من ستةٍ وثلاثين زنيةً)). رواه أحمد، والدارقطني. [2825]

وروى البيهقي في ((شعب الإيمان)) عن ابن عباس وزاد: وقال: ((من نبت لحمه من السحت فالنار أولي به)). [2825]

2826 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الربا سبعون جزءًا؛ أيسرها أن ينكح الرجل أمه)). [2826]

ــ

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أسامة رضي الله عنه: قوله: ((الربا)) التعريف فيه للعهد، أي الربا الذي عرف من كونه في النقدين والمطعوم، أو المكيل والموزون علي اختلاف ثابت في النسيئة. وقوله:((لا ربا فيما كان يدًا بيد)) يعني بشرط المساواة في المتفق، واختلاف الجنسين في التفاضل.

الحديث الثاني عن عبد الله: ((قوله: ((غسيل الملائكة)) فعيل بمعنى مفعول قد مضت قصته، وإنما كان الربا أشد من الزنا؛ لأن من ارتكب أكل الربا، فقد حاول مخالفة الله ورسوله ومحاربتهما بعقله الزائغ، قال الله تعالي:{فأذنوا بحرب من الله ورسوله} أي بحرب عظمى، فتحريمه محض تعبد، ولذلك رد قولهم:{إنما البيع مثل الربا} بقوله: {وأحل الله البيع وحرم الربا} وأما قبح الربا فظاهر شرعًا وعقلا، وله روادع وزواجر سوى الشرع، فآكل الربا يهتك حرمة الله تعالي، والزإني يخرق جلباب الحياء عن نفسه.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الربا)) أي إثم الربا، ولابد من هذا التقدير؛ ليطابق قوله:((أن ينكح الرجل أمه)).

ص: 2134

2827 -

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلي قلٍ: رواهما ابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان))، وروى أحمد الأخير.

2828 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيت ليلة أسري بي علي قوم، بطونهم كالبيوت، فيها الحيات، ترى من خارج بطونهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء آكلة الربا)). رواه أحمد، وابن ماجه. [2828]

2829 -

وعن علي [رضي الله عنه]، أنه سمع رسول الله، لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، ومانع الصدقة، وكان ينهي عن النوح. رواه النسائي. [2829]

2830 -

وعن عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] إن آخر ما نزلت آية الربا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض ولم يفسرها لنا، فدعوا الربا والريبة. رواه ابن ماجه، والدارمي.

ــ

الحديث الرابع عن ابن مسعود: قوله: ((إلي قل)) ((فا)) القل والقلة كالذل والذلة، يعني أنه ممحوق البركة. أقول: أوقع قوله: ممحوق البركة موضع الشرط والجزاء، فيكون من باب سد الجملة الشرطية مسد الخبر، فيلزم أن يؤول المبتدأ بالمصدر، ولاشك أن الكثرة والقلة صفتان للمال لا للربا، فيجب أن يقدر: مال الربا ممحوق؛ لأن مال الربا ربًا، وأنشد ابن مالك:

خير اقترابي من المولي حليف رضي

وشر بعدي منه وهو غضبان

وقال: لأن خير الاقتراب اقتراب. ولابد من هذا التمحل؛ لأن الواو مانع من حمله علي الخبر، ولولاه كانت الجملة الشرطية خبراً لا محالة.

الحديث الخامس والسادس والسابع عن عمر بن الخطاب: قوله: ((آية الربا)) أي الآية التي نزلت في تحريم الربا، وهو قوله تعالي:{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس - إلي قوله - وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} ثابتة غير منسوخة، صريحة غير مشتبهة، فلذلك لم يفسرها النبي صلى الله عليه وسلم فأجروها

ص: 2135

2831 -

وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقرض أحدكم قرضًا فأهدى إليه، أو حمله علي الدابة، فلا يركبه ولا يقبلها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك)). رواه ابن ماجه، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [2831]

2832 -

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا أقرض الرجل الرجل فلا يأخذ هدية)). رواه البخاري في ((تاريخه)) هكذا في ((المنتقى)).

2833 -

وعن أبي بردة بن أبي موسى، قال: قدمت المدينة، فلقيت عبد الله ابن سلامٍ، فقال: إنك بأرضٍ فيها الربا فاشٍ، فإذا كان لك علي رجلٍ حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعيرٍ، أو حبل قت فلا تأخذه فإنه رباً. رواه البخاري.

ــ

علي ماهي عليه، فلا ترتابوا فيها، واتركوا الحيلة في حلها، وهو المراد من قوله:((فدعوا الربا والريبة)).

الحديث الثامن عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((قرضًا)) هو اسم للمصدر، والمصدر في الحقيقة الإقراض، ويجوز أن يكون هاهنا بمعنى المقروض، فيكون مفعولا ثإنيا: لـ ((أقرض)) والأول مقدر كقوله تعالي: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنا} والضمير الفاعل في ((فأهدى)) عائد إلي المفعول المقدر، والضمير في ((لا يقبلها)) راجع إلي مصدر ((أهدى)) وقوله:((فأهدى)) عطف علي الشرط، وجوابه ((فلا يركبه)). قوله:((إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك)) قال مالك: لا تقبل هدية المديون ما لم يكن مثلها قبل، أو حدث موجب لها.

الحديث التاسع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((في المنتقى)) هو بالميم والنون والتاء المنقوطة من فوق بنقطتين والقاف، كتاب ألفه بعض أصحاب أحمد في الأحاديث علي ترتيب الفقه.

الحديث العاشر عن أبي بردة: قوله: ((أو حبل قت)) فعل بمعنى مفعول، أي مشدود بالحبل، ((الحبل)) - بالتحريك - مصدر يسمى به المحمول، كما سمى بالحمل، وألقت الرطبة من علف الدواب، وإنما خص الهدية بما يعلف الدواب مبالغة في الامتناع من قبول الهدية، لما يجوز أن تعلف الدواب بالحرام.

ص: 2136