المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) بابالنظر إلي المخطوبة وبيان العورات - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٧

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌(1) باب الكسب وطلب الحلال

- ‌(2) باب المساهلة في المعاملات

- ‌(3) باب الخيار

- ‌(4) باب الربا

- ‌(5) باب المنهي عنها من البيوع

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب السلم والرهن

- ‌(8) باب الاحتكار

- ‌(9) باب الإفلاس والإنظار

- ‌(10) باب الشركة والوكالة

- ‌(11) باب الغصب والعارية

- ‌(12) باب الشفاعة

- ‌(13) باب المساقاة والمزارعة

- ‌(14) باب الإجارة

- ‌(15) باب إحياء الموات والشرب

- ‌(16) باب العطايا

- ‌(17) باب

- ‌(18) باب اللقطة

- ‌[كتاب الفرائض والوصايا]

- ‌باب الفرائض

- ‌(1) باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌(1) بابالنظر إلي المخطوبة وبيان العورات

- ‌(2) بابالولي في النكاح واستئذان المرأة

- ‌(3) باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

- ‌(4) باب المحرمات

- ‌(5) باب المباشرة

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب الصداق

- ‌(8) باب الوليمة

- ‌(9) باب القسم

- ‌(10) بابعشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

- ‌(11) باب الخلع والطلاق

- ‌(12) باب المطلقة ثلاثا

- ‌(13) باب [في كون الرقبة في الكفارة مؤمنة]

- ‌(14) باب اللعان

- ‌(15) باب العدة

- ‌(16) باب الاستبراء

- ‌(17) باب النفقات وحق المملوك

- ‌(18) باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

الفصل: ‌(1) بابالنظر إلي المخطوبة وبيان العورات

(1) باب

النظر إلي المخطوبة وبيان العورات

الفصل الأول

3098 -

عن أبي هريرة، قال: جاء رجل إلي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار. قال: ((فانظر إليها؛ فإن في أعين الأنصار شيئا)) رواه مسلم.

3099 -

وعن ابن مسعود [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تباشر المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها)) متفق عليه.

ــ

باب النظر إلي المخطوبة

((غب)): الخطب والمخاطبة والتخاطب المراجعة في الكلام، ومنه الخطبة والخطبة، والأولي تختص بالموعظة، والثانية بطلب المرأة، وأصلها الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب نحو الجلسة والقعدة. والعورة سوءة الإنسان وذلك كناية، وأصلها من العار، وذلك لما يلحق في ظهورها من العار، أي المذمة ويستحيي منه إذا ظهر، ولذلك سمي النساء عورة، ومن ذلك العوراء للكلمة القبيحة.

الفصل الأول

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إني تزوجت)) ((قض)): لعل المراد بقوله: ((تزوجت)) خطبت؛ ليفيد الأمر بالنظر إليها، وللعلماء خلاف في جواز النظر إلي المرأة التي يريد أن يتزوجها، فجوزه الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق مطلقا، أذنت المرأة أو لم تأذن؛ لحديث جابر والمغيرة المذكورين في [أول الحسان] *، وجوز مالك بإذنها، وروى عنه المنع مطلقا. وقوله:((فإن في أعين الأنصار شيئا)) يعني شيئا ينفر عنه الطبع ولا يستحسنه، وإنما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، إما لأنه رأي في أعين رجالهم فقاس بهم النساء؛ لأنهن شقائقهم؛ ولذلك أطلق الأنصار، أو لتحدث الناس به. ((مح)): قيل: المراد بقوله: ((شيئا)) صفرة أو زرقة، وفي هذا دلالة علي جواز ذكر مثل هذا للنصيحة، وفيه استحباب النظر إليها قبل الخطبة حتى إذا كرهها تركها من غير إيذاء، بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة، وإذا لم يمكنه النظر استحب أن يبعث امرأة تصفها له. وإنما يباح له النظر إلي وجهها وكفها فحسب، لأنهما ليسا بعورة في حقه، فيستدل بالوجه علي الجمال وضده، وبالكفين علي سائر أعضائها باللين والخشونة.

الحديث الثاني عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((لا تباشر)) البشرة ظاهر جلد الإنسان،

ص: 2267

3100 -

وعن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر الرجل إلي عورة الرجل، ولا المرأة إلي عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلي الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلي المرأة في ثوب واحد)) رواه مسلم.

3101 -

وعن جابر [رضي الله عنه]. قال: قال رسول الله،:((ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحا أو ذا محرم)) رواه مسلم.

ــ

والمباشرة الملامسة، وأصله من لمس البشرة البشرة، والمعنى في الحديث النظر مع اللمس، فينظر إلي ظاهرها من الوجه والكفين، ويحس باطنها باللمس، ويقف علي نعومتا وسمنها.

قوله: ((فتنعتها)) عطف علي ((تباشر)) والنفي منصب عليهما معا، فتجوز المباشرة بغير التوصيف.

الحديث الثالث عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((ولا يفضي الرجل)) ((غب)): أفضى بيده إلي كذا. وأفضى إلي امرأته في باب الكناية أبلغ وأقرب، وقال الله تعالي:{وقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلي بَعْضٍ} . ((مظ)): يعني لا يجوز أن يضطجع رجلان في ثوب واحد متجردين وكذلك المرأتان، ومن فعل يعزز ولا يحد، وفيه بيان تحريم النظر إلي ما لا يجوز، وعورة الرجل ما بين سرته وركبته، وكذلك عورة المرأة في حق المرأة، وكذلك في حق محارمها.

وأما المرأة في الرجل الأجنبي فجميع بدنها عورة إلا وجهها وكفيها عند حاجة، كسماع إقرار وخطبة كما مر. ((مح)): نظر الرجل إلي المرأة الأجنبية حرام من كل شيء من بدنها، وكذلك المرأة إلي الرجل، سواء كان بشهوة أو بغيرها، وكذلك يحرم النظر إلي الأمرد إذا كان حسن الصورة أمن من الفتنة أم لا. هذا هو المذهب الصحيح المختار عند المحققين، نص عليه الشافعي وحذاق أصحابه رضي الله عنهم؛ وذلك لأنه في معنى المرأة فإنه يشتهي كما تشتهي، وصورته في الجمال كصورة المرأة، بل ربما كان كثير منهم أحسن صورة من كثير من النساء، بل هم بالتحريم أولي لما يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن من مثله في حق المرأة.

الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((عند امرأة ثيب)) ((قض)): المراد النهي عن البيتونة في مسكن ثمة ثيب، وتخصيص الثيب لأن البكر أغض وأخوف علي نفسها، قوله:((أو ذا محرم)) ((مح)): هو كل من حرم عليه نكاحها علي التأبيد بسبب مباح لحرمتها، فقولنا:((علي التأبيد)) احتراز من أخت امرأته وعمتها وخالتها ونحوهن، ومن بنتها قبل الدخول بالأم،.

وقولنا: ((بسبب مباح)) احتراز من أم الموطوءة بشبهة فإنها حرام علي التأبيد، لكن لا بسبب مباح، فإن وطء الشبهة لا يوصف بأنه مباح ولا محرم ولا بغيرهما؛ لأنه ليس فعل مكلف.

ص: 2268

3102 -

وعن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والدخول علي النساء)) فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت)) متفق عليه.

3103 -

وعن جابر: أن أم سلمة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجامة، فأمر أبا طيبة أن يحجمها، قال: حسبت أنه كان أخاها من الرضاعة، أو غلاما لم يحتلم. رواه مسلم.

ــ

وقولنا: ((لحرمتها)) احتراز عن الملاعنة فهي حرام علي التأبيد، لا لحرمتها بل تغليظ عليهما.

الحديث الخامس عن عقبة: قوله: ((الحمو الموت)) ((قض)): الحمو قريب الزوج كأبيه وأخيه، وفيه لغتان حما كعصا وحمو علي الأصل، وحمو بضم الميم وسكون الواو، وحم كأب، وحمء بالهمز وسكون الميم والجمع أحماء. قوله:((الحمو الموت)) قال أبو عبيد: معناه فليمت ولا يفعل ذلك، وقال ابن الأعرابي: هذه كلمة تقولها العرب للتشبيه في الشدة والفظاعة، فيقال: الأسد الموت، يعني لقاؤه مثل الموت، والسلطان النار أي قربه مثل قرب النار. وقال الشيخ في شرح السنة: معناه الحمو كالموت تحذر منه المرأة كما تحذر من الموت. وهذه الوجوه إنما تصح إذا فسر الحمو بأخي الزوج ومن أشبهه من أقاربه كعمه وابن أخته، ومن فسره بأبي الزوج حمله علي المبالغة؛ فإن رؤيته وهو محرم إذا كان بهذه المثابة فكيف بغيره؟ أو أول الدخول بالخلوة. وقيل: لما ذكر السائل لفظا مجملا محتملا للمحرم وغيره، رد عليه سؤاله لتعميمه رد المغضب المنكر عليه.

((مح)): والمراد بـ ((الحمو)) هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه؛ لأن الخوف من الأقارب أكثر والفتنة منهم أوقع؛ لتمكنهم من الوصول إليها والخلوة من غير نكير عليهم، بخلاف غيرهم، وعادة الناس المساهلة فيه وتخلي الأخ بامرأة أخيه، فهذا هو الموت. ((فا)): معناه أن حماها الغاية في الشر والفساد، فشبه بالموت؛ لأنه قصارى كل بلاء، وذلك أنه شر من القريب من حيث إنه أمن [مذل] *، والأجنبي متخوف مترقب. ويحتمل أن يكون دعاء عليها أي كان الموت منها بمنزلة الحمو الداخل عليها إن رضيت بذلك – انتهي كلامه. فإن قلت: أي فرق بين الإخبار والدعاء؟ قلت: في الإخبار أداة التشبيه ووجهه مضمران، أي الحمو كالموت في الشر والضرر، وفي الدعاء ادعاء أن الحمو نوعان: متعارف وهو القريب، وغير متعارف وهو الموت، وطلب لها غير المتعارف لما استفتى الرجل المتعارف مبالغة، هذا معنى قول القائل: رد المغضب المنكر عليه.

الحديث السادس عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((حسبت)) إلي آخره، هذا يدل علي أن

ص: 2269

3104 -

وعن جرير بن عبد الله، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري. رواه مسلم.

3105 -

وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلي امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه)) رواه مسلم.

ــ

الحاجة إلي الحجامة لم تكن ضرورية، ولا يجوز للأجنبي أن يحجمها وينظر إلي جميع بدنها للعلاج.

الحديث السابع عن جرير: قوله: ((عن نظر الفجاءة)) ((مح)): وهي أن يقع النظر إلي الأجنبية من غير قصد بغتة فهو معفو، لكن يجب عليه أن يصرف بصره في الحال، وإن استدام النظر يأثم، وعليه قوله تعالي:{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} . قال القاضي عياض: قالوا: فيه حجة علي أنه لا يجب علي المرأة ستر وجهها، وإنما ذلك سنة مستحبة لها، ويجب علي الرجال غض البصر عنها في جميع الأحوال إلا لغرض صحيح شرعي.

الحديث الثامن عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((تقبل في صورة شيطان)) جعل ((صورة شيطان)) ظرفا لإقبالها مبالغة علي سبيل التجريد، كما تقول: رأيت فيك أسدا أي لست غير الأسد؛ لأن إقبالها داء للإنسان إلي استراق النظر إليها، كالشيطان الداعي إلي الشر والوسواس. وعلي هذا إدبارها؛ لأن الطرف رائد القلب، فيتعلق القلب بها عند الإدبار فيتخيل للوصول إليها. قال الحماسي:

وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

قال أبو حامد: النظر مبدأ الزنا فحفظه مهم، وهو عسير من حيث إنه قد يستهان به ولا يعظم الخوف منه، والآفات كلها تنشأ منه. ((مح)): قال العلماء: معناه الإشارة إلي الهوى، والدعاء إلي الفتنة بما جعل الله تعالي في نفوس الرجال من الميل إلي النساء والالتذاذ بالنظر إليهن وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلي الشهوة بوسوسته وتزيينه له. ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج إلا لضرورة، ولا تلبس ثيابا فاخرة، وينبغي للرجل أن لا ينظر إليها ولا إلي ثيابها. وفيه أنه لا بأس للرجل أن يطلب امرأته إلي الوقاع في النهار، وإن كانت مشتغلة بما يمكن تركه؛ لأنه ربما غلبت علي الرجل شهوة فيتضرر بالتأخير في بدنه أو قلبه. قوله:((أعجبته)) أي استحسنها، لأن غاية رؤية المتعجب منه تعظيمه واستحسانه.

ص: 2270

الفصل الثاني

3106 -

عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلي ما يدعوه إلي نكاحها فليفعل)). رواه أبو داود. [3106]

3107 -

وعن المغيرة بن شعبة، قال خطبت امرأة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هل نظرت إليها؟)) قلت: لا. قال: ((فانظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)). رواه أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [3107]

3108 -

وعن ابن مسعود، قال: رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته، فأتى

ــ

الفصل الثاني

الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((إلي ما يدعوه إلي نكاحها)) قد مر أن الداعي إلي النكاح إما المال أو الحسب أو الجمال أو الدين، فمن غرضه الجمال فليتحر في النظر إلي ما قصده بأن ينظر إليها بنفسه، أو أن يبعث من ينعتها له، هذا معنى الاستطاعة، وفيه إن لم يكن غرضه الجمال لا يفتقر إلي رؤيتها. ويمكن أن يحمل الداعي علي كسر الشهوة وغض البصر من غير المحارم، فحينئذ يكون الجمال مطلوبا إذ به يحصل التحصين، والطبع لا يكتفي بالذميمة غالبا، كيف والغالب أن حسن الخلق والخلق لا يفترقان؟ وأن ما روى أن المرأة لا تنكح لجمالها، ليس زجرا عن رعاية الجمال، بل هو زجر عن النكاح لأجل الجمال المحض مع الفساد في الدين.

الحديث الثاني عن المغيرة: قوله: ((أن يؤدم بينكما)) ((فا)) الأدم والإيدام الإصلاح والتوفيق، من أدم الطعام وهو إصلاحه بالإدام وجعله موافقا للطاعم، وأصله ((بأن يؤدم)) فحذف الباء وحذفها مع إن وإن كثيرة، والهاء في قوله:((فإنه)) راجع إلي مصدر ((نظرت)) كقولهم: من أحسن كان خيرا له، ويجوز أن يكون الضمير للشأن ((وأخرى أن يؤدم)) جملة في موضع خبر ((إن)) والمعنى: فإن النظر أولي بالإصلاح وإيقاع الألفة والوفاق بينهما. انتهي كلامه. أي ((يؤدم به)) فالجار والمجرور أقيم مقام الفاعل ثم حذف، ويجوز أن يكون النائب ((بينكما)) علي أن يكون مرفوعا، كقوله تعالي:{لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بالرفع.

ص: 2271

سودة وفي تصنع طيبا وعندها نساء، فأخلينه، فقضى حاجته، ثم قال:((أيما رجل رأي امرأة تعجبه فليقم إلي أهله؛ فإن معها مثل الذي معها)) رواه الدارمي. [3108]

3109 -

وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) رواه الترمذي. [3109]

ــ

الحديث الثالث عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((فإن معها مثل الذي معها)) يريد أن غاية ذلك النظر هذا الفعل، ولكن التفاوت أن في تلك الغاية سخطا من الله وغضبا وهذه بخلافه، وكانت تلك الفعلة بمحضر تلك النساء إرشادا لهن ولأزواجهن إلي ما ينبغي أن يفعل.

الحديث الرابع عن ابن مسعود رضي الله عنه: قوله: ((المرأة عورة)) ((تو)): العورة السوءة وكل ما يستحيي منه، وأصلها من العار المذمة ولذلك سمي النساء عورة، أي أن المرأة موصوفة بهذه الصفة، وما كان هذه صفته فمن حقه أن يستر، ويحتمل أن يكون معناه أنها ذات عورة، ولما كان من شأن العورة أن تكون مستورة محجوبة يستحيي من كشفها، ويستنكف من هتك حرمتها، وكان من شأن المرأة في تبرزها وتبرجها شبيها بكشف العورة سماها هنالك عورة. والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلي الشيء، وبسط الكف فوق الحاجب، ومنه قول الحماسي:

فيا عجبا للناس يستشرفونني كأن لم يروا بعدي محبا ولا قبلي

وفي الحديث وجوه: أحدهما: أن ينظر إليها ويطمح ببصر نحوها ليغويها أو يغوى بها.

وثإنيها: أن أهل الريبة إذا رأوها بارزة من خدرها استشرفوها؛ لما بث الشيطان في نفوسهم من الشر وألقى في قلوبهم من الزيغ، فأضاف الفعل إلي الشيطان لكونه الباعث علي استشرافهم إياها. وثالثها: أنه يود أنها علي شرف الأرض لتكون معرضة له. ورابعها: أنه أراد أن الشيطان يصيبها بعينه فتصير من الخبيثات بعد أن كانت من الطيبات. من قولهم: استشرفت إبلهم أي تعينتها. هذا الذي اهتدينا إليه من البيان، والعجب ممن يتصدى لبيان المشكل وتفسير الغريب، ثم يمر علي مثل هذا القول غير مكترث به! ولقد فتشت أمهات الكتب التي صنفت في هذا الفن عن بيان هذا الحديث، فلم أصادف أحدا منهم تعرض له بكلمة.

أقول: المرأة عورة سواء كانت في خدرها أو خارجة عنه، وفي هذا المقام ينبغي أن تحمل العورة علي معنى ما يخالف استشراف الشيطان إياها، يعني ما دامت في خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس بها، فإذا خرجت طمع وأطمع؛ لأنها حبائل الشيطان، فإذا

ص: 2272

3110 -

وعن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولي وليست لك الآخرة)). رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، والدارمي. [3110]

3111 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظرن إلي عورتها)). وفي رواية: ((فلا ينظرن إلي ما دون السرة وفوق الركبة)) رواه أبو داود. [3111]

3112 -

وعن جرهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أما علمت أن الفخذ عورة)) رواه الترمذي، وأبو داود. [3112]

ــ

خرجت جعلها مصيدة يزينها في قلوب الرجال ويغريهم عليها فيورطهم في الزنى، كالصائد الذي يضع الشبكة ليصطاد ويغري الصيد إليها بما يوقعه فيها.

قال الشيخ أبو حامد قدس الله سره: روى عن الفضيل أن إبليس يقول: هي قوسي القديمة وسهمي الذي لا أخطئ به. وعن بعضهم: ما أيس الشيطان من ابن آدم قط إلا أتى من قبل النساء. ولأن الصلاة أفضل العبادات وأفضل موقعها أن تكون مع الجماعة في المساجد، وإنما ورد صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها؛ لهذا السر. والله أعلم.

الحديث الخامس عن بريدة: قوله: ((فإن لك الأولي)) يدل علي أنها نافعة كما أن الثانية ضارة؛ لأن الناظر إذا أمسك عنان نظره ولم يتبع الثانية أجر. ((حس)): فيه دلالة علي أن النظرة الأولي له لا عليه إذا كانت فجأة من غير قصد، فأما القصد فلا يجوز إلا لغرض كالنكاح وغيره.

وقال الحسن والشعبي في المرأة بها الجرح ونحوه: يخرق الثوب علي الجرح، ثم ينظر إليه الطبيب.

الحديث السادس عن عمرو: قوله: ((فلا ينظرن إلي ما دون السرة)) بيان لما يراد من قوله: ((فلا ينظرن إلي عورتها)). ((حس)): الأمة عورتها مثل عورة الرجل ما بين السرة والركبة، وكذلك المحارم بعضهم مع بعض. ويجوز للزوج أن ينظر إلي جميع بدن امرأته وأمته التي

ص: 2273

3113 -

وعن علي [رضي الله عنه]، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:((يا علي! لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلي فخذ حي ولا ميت)). رواه أبو داود، وابن ماجه. [3113]

3114 -

وعن محمد بن جحش، قال: مر رسول لله صلى الله عليه وسلم علي معمر، وفخذاه مكشوفتان، قال:((يا معمر! غط فخذيك؛ فإن الفخذين عورة)). رواه في ((شرح السنة)). [3114]

3115 -

وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والتعري؛ فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط، وحين يفضي الرجل إلي أهله، فاستحيوهم وأكرموهم)). رواه الترمذي. [3115]

3116 -

وعن أم سلمة: أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، إذ أقبل ابن أم مكتوم، فدخل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((احتجبا منه)) فقلت: يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟)) رواه أحمد، والترمذي. وأبو داود. [3116]

ــ

تحل له، وكذلك هي منه إلا نفس الفرج، فإن النظر إليه مكروه، وكذلك فرج نفسه، وإذا زوج أمته حرم النظر إلي ما بين السرة والركبة.

الحديث السابع إلي العاشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((فإن معكم من لا يفارقكم)) هم الحفظة الكرام الكاتبون.

الحديث الحادي عشر عن أم سلمة رضي الله عنها: قوله: ((وميمونة)) ((قض)): تروى مرفوعة عطفاً علي الضمير في ((كانت)) وإنما جاز لوقوع الفصل بينهما، ومنصوبة عطفاً علي الهاء في ((أنها))، ومجرورة عطفاً علي ((رسول الله)). أقول: الأوجه أن يعطف ((ميمونة)) علي اسم ((أن)) ليشعر بأنه صلى الله عليه وسلم كان في بيت أم سلمة وميمونة داخلة عليها؛ لأن تأخير المعطوف عن المعطوف عليه، وإيقاع الفصل بينهما يدل علي أصالة الأولي وتبعية الثانية، كقوله تعالي: {وإذْ يَرْفَعُ

ص: 2274

3117 -

وعن بهز بن حكيم، عن أبيه. عن جده. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)) فقلت: يا رسول الله! أفرأيت إن كان الرجل خاليا؟ قال: ((فالله أحق أن يستحي منه)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [3117].

ــ

إبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وإسْمَاعِيلُ} أوقع الفصل ليدل علي أن إسماعيل كان تابعا له في الرفع، ولو عطف من غير فصل أوهم الشركة.

((قض)): الحديث بظاهره يدل علي أنه ليس للمرأة النظر إلي الأجانب مطلقا كما ليس لهم أن ينظروا إليها. ومنهم من خصص التحريم بحال خاف فيه الفتنة؛ توفيقا بينه وبين ما روي عن عائشة رضي الله عنها في حديثها المشهور أنها قالت: ((كنت أنظر إلي الحبشة وهم يلعبون بحرابهم في المسجد)). ومن أطلق التحريم أول ذلك بأنها ما كانت يومئذ بالغة، وفيه نظر؛ لأنها وإن تكن بالغة كانت مراهقة وكان من حقها أن تمنع. ((مظ)): عمل بعض الفقهاء بهذا الحديث، وبعضهم عما بحديث عائشة، وحمل هذا علي التقوى والورع، والفتوى علي أنه يجوز للمرأة النظر إلي الرجل الأجنبي فيما فوق السرة وتحت الركبة، بدليل أنهن كن يحضرن الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ولابد أن يقع نظرهن إلي الرجال، فلو لم يجز لم يؤمرن بحضور المسجد والمصلي؛ ولأنه أمرت النساء بالحجاب عن الرجال ولم يؤمر الرجال بالحجاب، وهذا إذا لم بكن النظر عن الشهوة، فأما نظرها بالشهوة إلي الرجل فحرام.

قوله: ((أفعمياوان)) هذا من بليغ الكلام ووجيزة؛ فإن الهمزة الأولي للإنكار والتوبيخ والثانية للتقرير، والفاء عطفت ما بعدها من الجملة الاسمية علي المقدرة قبلها بعد الهمزة، يعني زعمتما أن علة منع الاحتجاب العمى وهي موجودة فيه، أهي موجودة فيكما؟ أفعمياوان أنتما؟ ثم استأنف مقررا بذلك قائلا:((ألستما تبصرانه))؟ وفيه أن علة الاحتجاب الفتنة وهي قائمة، سواء كان من الطرفين أو من أحدهما. روى الشيخ أبو حامد عن سعيد بن المسيب أنه قال وهو ابن أربع وثمإنين سنة، وقد ذهبت إحدى عينيه ويعشو بالأخرى: - ما شيء عندي أخوف من النساء. وفيه أنه لا يجوز للنساء مجالسة العميان كما جرت العادة به في المآتم والولائم، فيحرم علي الأعمى الخلوة بالنساء ويحرم علي المرأة مجالسة الأعمى وتحديق النظر إليه لغير حاجة.

الحديث الثاني عشر عن بهز بن حكيم: قوله: ((أحفظ عورتك)) عدل عن قوله: استر إلي ((أحفظ))؛ ليدل سيق الكلام علي الأمر بستر العورة استحياء ممن ينبغي أن يستحي منه من الله تعالي ومن خلقه، ويشير به إلي معنى قوله تعالي:{والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إلَاّ عَلي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} لأن عدم الستر يؤدي إلي الوقاحة وهي إلي الزنى.

ص: 2275

3118 -

وعن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يخلون رجل لامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)). رواه الترمذي. [3118]

3119 – (22) وعن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا تلجوا علي المغيبات؛ فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى لدم)) قلنا: ومنك يا رسول الله؟ قال: ((ومني، ولكن الله أعانني عليه؛ فأسلم)). رواه الترمذي. [3119]

3120 -

وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، وعلي فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال:((إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك)). رواه أبو داود. [3120]

الفصل الثالث

3121 -

عن أم سلمة: أن انبي صلى الله عليه وسلم كان عندها، وفي البيت مخنث، فقال:

ــ

الحديث الثالث عشر عن عمر رضي الله عنه: قوله: ((لا يخلون)) جواب للقسم ويشهد له الاستثناء؛ لأنه يمنعه من أن يكون نهيا، والمستثنى منه أعم عام الأحوال، أي والله لا يخلون رجل بامرأة كائنين علي حال من الأحوال إلا علي هذه الحالة، وفيه تحذير عظيم في الباب، ونكر ((رجل)) و ((امرأة)) ليعم ولا يختص منهما إلا الأزواج.

الحديث الرابع عشر عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((يجري من أحدكم مجرى الدم)) مضى شرحه في باب الوسوسة.

الحديث الخامس عشر عن أمس رضي الله عنه: قوله: ((ما تلقى)) أي من تغطية الرأس طورا، والرجل أحرى، حياء وتنزها، والضمير في ((إنما هو)) راجع إلي من استحيت وتنزهت منه، يعني لا بأس أن تستحين منه إلا أباك وغلامك، ذكر الأب ليعطف عليه ((غلامك)) إشعارا بأن غلام المرأة بمنزلة أبيها في المحرمية، فلو قال: إنما هو أنا وغلامك لم يقع هذا الموقع.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أم سلمة رضي الله عنها: قوله ((مخنث)) ((مظ)): هو بكسر النون

ص: 2276

لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمه: يا عبد الله! إن فتح الله لكم غدا الطائف فإني أدلك علي ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخلن هؤلاء عليكم)). متفق عليه.

3122 -

وعن المسور بن مخرمة، قال حملت حجرا ثقيلا، فبينما أنا أمشي سقط عني ثوبي، فلم أستطع أخذه، فرإني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي:((خذ عليك ثوبك؛ ولا تمشوا عراة)) رواه مسلم.

3123 -

وعن عائشة، قالت: ما نظرت – أو ما رأيت – فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رواه ابن ماجه. [3123]

3124 -

وعن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما من مسلم ينظر إلي محاسن

ــ

وفتحها، وهو الذي يشبه النساء في أخلاقه وفي كلامه وحركاته، وتارة يكون هذا خلقه من الأصل، وتارة بتكلف، والأول لا ذم عليه ولا إثم ولا عقوبة؛ لأنه معذور لا صنع له في ذلك، ولهذا لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم أولا دخوله علي النساء، والثاني ملعون؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين بالنساء من الرجال)).

قوله: ((تقبل بأربع)) ((خط)): يريد أربع عكن في البطن من قدامها، فإذا أقبلت رؤيت مواضعها شاخصة منكسرة الغصون، وأراد بالثمإني أطراف هذه العكن من ورائها عند منقطع الجنين. وكذا نقل الشيخ محي الدين أبي عبيدة. وإنما أنث ((ثمان)) ولم يقل ثمإنية؛ لأن المراد الأطراف، وهي مذكر، وإنما جاز حذف الهاء لأنه لم يذكر بلفظ المذكر كقوله صلى الله عليه وسلم:((من صام رمضان وأتبعه بست من شوال)) ، وأما دخول المخنث علي أمهات المؤمنين فلأنهن اعتقدن أنه من غير أولي الإربة، فلما سمع صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، علم أنه من أولي الإربة فمنع، ففيه منع المخنث من الدخول علي النساء، وبيان أن له حكم الرجال الفحول الراغبين في النساء، وكذا حكم الخصى والمجوب. وجمع ((هؤلاء)) والمشار إليه مفرد علي تأويل حذف المضاف، أي لا يدخلن صنف هؤلاء، أو إرادة للجنس، أي من هو علي صفته وهجيراه.

الحديث الثاني عن المسور: قوله: ((ولا تمشوا)) أعلم الخطاب بعد الخصوص في قوله: ((خذ عليك ثوبك)) دلالة علي أن الحكم عام لا يختص بواحد دون واحد.

الحديث الثالث والرابع عن أبي أمامة رضي الله عنه: قوله: ((إلا أحدث الله له عبادة)) لوح

ص: 2277