الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب النكاح
الفصل الأول
3080 -
عن عبد الله بن مسعود، قال: قال سول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء)) متفق عليه.
ــ
كتاب النكاح
((مح)): هو في اللغة الضم، ويطلق علي العقد وعلي الوطء. نقل الواحدي عن الزجاج هذا، وقال: وتركيب ((ن ك ح)) علي هذا الترتيب لزوم الشيء بالشيء راكباً عليه. قال: قال أبو علي الفارسي: فرقت العرب بينهما فرقاً لطيفاً، فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان أو أخته أرادوا عقد عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجته، لم يريدوا إلا الوطء. حكى القاضي حسين من أصحابنا: أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وصححه القاضي أبو الطيب، وقطع به المتولي وغيره. وقيل بالعكس، وبه قال أبو حنيفة. وقيل للتزويج: نكاح؛ لأنه سبب الوطء، وقيل: حقيقة فيهما بالاشتراك؛ ويتعين المقصود بالقرينة كما سبق عن علي رضي الله عنه. ((غب)): أصل النكاح العقد، ثم استعير للجماع، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد؛ لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشاً اسم ما يستقبحونه لما يستحسنونه. قال الله تعالي:{وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمُ المُؤْمِنَاتِ} {فَانكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أَهْلِهِنَّ} إلي غير ذلك من الآيات.
الفصل الأول
الحديث الأول عن عبد الله: قوله: ((يا معشر الشباب)) ((مح)): المعشر هم الطائفة الذين يشملهم وصف، كالشباب والشيخوخة والبنوة، والشباب جمع شاب، ويجمع علي شبان وشببة، وهو عند أصحابنا من بلغ ولم يجاوز ثلاثين سنة. وأما ((الباءة)) فالفصيحة المشهورة بالمد والهاء، وقيل: بلا مد، وقيل: بالمد ولا هاء، وقيل: بالهائين ولا مد، وهي الجماع مشتقة من المباءة المنزل، ثم قيل لعقد النكاح باءة؛ لأن من تزوج امرأة بوأها منزلا، واختلفوا في المراد بها في الحديث علي وجهين: أرجحهما: أن المراد هو الجماع، والمضاف محذوف، أي أسبابه ومؤنته، فتقديره: من استطاع منكم أسباب الجماع ومؤنته فليتزوج. الثاني: أن المراد
3081 -
وعن سعد بن أبي وقاص، قال: رد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي عثمان بن معظون التبتل ولو أذن له لاختصينا. متفق عليه.
ــ
بها مؤن النكاح، سميت باسم ما يلازمها. ولا بد من أحد التأويلين؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم:((ومن لم يستطع)) عطف علي قوله: ((من استطاع)) ولو حمل ((الباءة)) علي الجماع لم يستقم قوله: ((فإن الصوم له وجاء))؛ لأنه لا يقال للعاجز هذا، وإنما يستقيم إذا قيل: أيها القادر المتمكن من الشهوة! إن حصلت لك مؤن النكاح فتزوج وإلا فصم، ولهذا خص النداء بـ ((الشباب)). والوجاء – بكسر الواو والمد – رض الخصيتين، أي الصوم يقطع الشهوة وشر المني، كما يفعل الوجاء، كان من الظاهر أن يقول: ومن لم يستطع فعليه بالجوع، وقلة ما يزيد في الشهوة وطغيان الماء من الطعام، فعدل إلي الصوم إدماجاً لمعنى عبادة هي برأسها مطلوبة، وليؤذن أن المطلوب من نفس الصوم الجوع وكسر الشهوة، وكم من صائم يمتلئ معي قال أبو عبيدة:((فعليه بالصوم)) إغراء غائب، ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد. تقول: عليك زيداً ودونك عمراً، ولا تقول: عليه زيداً، إلا في هذا الحديث – انتهي كلامه.
ولما كان الضمير الغائب راجعاً إلي لفظة ((من)) وهي عبارة عن المخاطبين في قوله: ((يا معشر الشباب)) وبين بقوله: ((منكم)) جاز؛ لأنه بمنزلة الخطاب، وفي عكسه قول القائل: أنا الذي سمتني أمي حيدرة.
((مح)): فيه الأمر بالنكاح لمن استطاعه وتاقت إليه نفسه، فهو عندنا علي سبيل الندب؛ فلا يلزمه التزويج ولا التسري سواء خاف العنت أم لا، وأوجبه داود من وافقه من أهل الظاهر رواية عن أحمد. قال الإمام المازري: حجة الجمهور قوله تعالي: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ - إلي قوله - أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية؛ لأن الله سبحانه وتعالي خيره بين النكاح والتسري؛ ولا يجب التسري بالاتفاق، فلو كان النكاح واجباً لما خيره بينه وبين التسري لأنه لا يصح التخيير بين واجب وغيره؛ لأنه يؤدي إلي إبطال حقيقة الواجب وأن تاركه لا يكون آثماً. والناس في النكاح علي أربعة أقسام؛ لأنه لا يخلو من أن يكون تائقاً إليه أم لا، والأول إما أن يجد المؤن والأسباب أم لا، فإن وجد فيستحب له النكاح، وإن لم يجد فعليه الصوم، والثاني إما أن يجد المؤن والأسباب أم لا، فإن وجد فالأولي له ترك النكاح والتخلي للعبادة عند الجمهور، ومذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي ومالك أن النكاح له أفضل، وإن لم يجد فيكره له النكاح.
الحديث الثاني عن سعد: قوله: ((التبتل)) ((حس)): التبتل الانقطاع عن النساء وترك النكاح،
3082 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك)) متفق عليه.
ــ
وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم، وسميت فاطمة البتول؛ لانقطاعها عن نساء الأمة فضلا وديناً وحسباً. وكان التبتل من شريعة النصارى، فنهي النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه؛ ليكثر النسل ويدوم الجهاد. وقال ابن عباس لسعيد بن جبير:((تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً)). أقول: كان من حق الظاهر أن يقال: لو أذن لتبتلنا، فعدل إلي قوله:((اختصينا)) إرادة للمبالغة، أي لو أذن له لبالغنا في التبتل حتى الاختصاء، ولم يرد به حقيقته لأنه غير جائز. ((مح)): كان ذلك ظناً منهم جواز الاختصاء، ولم يكن هذا الظن موافقاً؛ فإن الاختصاء في الآدمي حرام صغيراً أو كبيراً، وكذا يحرم خصاء كل حيوان لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز في صغيره ويحرم في كبيره.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها)) بدل من ((أربع)) بإعادة العامل، وقد جاء اللام مكرراً في الخصال الأربع في ((صحيح مسلم)) وليس في ((صحيح البخاري)) اللام في ((جمالها)). ((قض)): من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى أربع خصال عدوها. واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره، فلذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم بأوكد وجه وأبلغه، فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية، ومنتهي الاختيار، والطلب الدال علي تضمن المطلوب لنعمة عظيمة وفائدة جليلة.
وأما قوله: ((تربت يداك)) فقد سبق غير مرة أن هذا وأمثاله وإن كان دعاء في أصله، إلا أن العرب تستعملها لمعان اخر كالمعاتبة والإنكار والتعجب وتعظيم الأمر والحث علي الشيء، وهو المراد به هاهنا. ((نه)): ترب الرجل إذا افتقر أي لصق بالتراب، وأترب إذا استغنى، ولم ترد العرب وقوع الأمر بها، كما تقول: قاتله الله. وقيل: هو دعاء علي الحقيقة؛ فإنه صلى الله عليه وسلم قد قال لعائشة: ((تربت يمينك))؛ لأنه صلى الله عليه وسلم رأي الحاجة خيراً لها، والأول أوجه. ((حس)): هي كلمة جارية علي ألسنتهم كقولهم: لا أب لك ولا أم لك ولم يرد وقوع الأمر، وقيل: قصد بها وقوع الأمر لتعديه ذوات الدين إلي ذوات الجمال والمال، ومعناه تربت يداك إن لم تفعل ما أمرتك، والأول أولي.
أقول: إنما كان الأول أوجه؛ لأنه من باب العكس تعجباً، وذلك أنهم إذا رأوا مقداماً أبلي في الحرب بلاء حسناً، يقولون: قاتله الله، ما أشجعه! إنما يريدون به ما تزيد به قوته وشجاعته ونصرته، وكذلك ما نحن فيه؛ فإن الرجل إنما يؤثر تلك الثلاثة علي ذات الدين لإعدامها مالاً
3083 -
وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) رواه مسلم.
3084 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه علي ولد في صغره، وأرعاه علي زوج في ذات يده)) متفق عليه.
ــ
وجمالاً وحسباً فينبغي أن يحمل الدعاء ما يجنب عنه من الفقر، أي عليك بذات الدين يغنك الله، فيوافق معنى الحديث النص التنزيلي {وأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ والصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وإمَائِكُمْ إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} والصالح هو صاحب الدين.
((مح)): النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون في التزوج هذه الخصال الأربع ويؤخرون ذات الدين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم ما أخروها، يعني فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين وفز بها. وفيه الحث علي مصاحبة أهل الصلاح في كل شيء؛ لأن من صاحبهم استفاد من أخلاقهم وبركتهم وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم. ((حس)): روي أن رجلا جاء إلي الحسن وقال له: إن لي بنتاً أحبها، وقد خطبها غير واحد، فمن تشير علي أن أزوجها. قال: زوجها رجلا يتقي الله؛ فإن إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلهما.
((قوله)): فاظفر جزاء شرط محذوف، أي إذا تحقق ما فصلت لك تفصيلاً بيناً، فاظفر أيها المسترشد بذات الدين؛ فإنها تكسبك منافع الدارين. واللامات المكررة مؤذنة بأن كلا منهن مستقلة في الغرض.
الحديث الرابع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((كلها متاع)) هو من التمتع بالشيء: الانتفاع به، وكل ما ينتفع به من عروض الدنيا قليلها وكثيرها فهو متاع. أقول: الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن الاستمتاعات الدنيوية كلها حقيرة لا يعبأ بها. وكذلك أنه تعالي لما ذكر أصنافها وأنواعها وسائر ملاذها في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ - إلي قوله - والأَنْعَامِ والْحَرْثِ} أتبعه بقوله: {ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} ثم قال بعده: {واللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ} فنبه علي أنها تضاد ما عند الله تعالي من حسن الثواب، وخص منها المرأة وقيدها بالصالحة؛ ليؤذن بأنها شرها لو لم تكن علي هذه الصفة، ومن ثمة قدمها في الآية علي سائرها. وورد في حديث أسامة ((ما تركت بعدي فتنة أضر علي الرجال من النساء)).
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ركبن الإبل)) ((قض)): يريد به خير نساء العرب لأنهن يركبن الإبل. و ((أحناه)) أشفقه، من حنا يحنو حنوا إذا عطف، وتذكير
3085 -
وعن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت بعدي فتنة أضر علي الرجال من النساء)) متفق عليه.
3086 -
وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم.
ــ
الضمير علي تأويل أحنى هذا الصنف، أو من يركب الإبل، أو يتزوج، أو نحوها. ((وأرعاه علي زوج في ذات يده)) أي أحفظ من يتزوجن علي زوجها فيما في يده، أي أمواله التي في يدها، وذكر الضمير إجراء علي لفظ ((أرعاه))، أو في الأموال التي في ملك يد الزوج وتصرفه. ((شف)): تنكير لفظ الولد إشارة إلي أنها تحنو علي أي ولد كان، وإن كان ولد زوجها من غيرها أكثر مما يحنو عليه غيرها. أقول: وفي وصفه الولد بالصغر إشعار بأن حنوها معلل بالصغر، وأن الصغر هو الباعث علي الشفقة، فأينما وجد هذا الوصف وجد حنوهن. ((مح)): فيه فضيلة نساء قريش لشفقتهن وحسن تربيتهن والقيام علي الأولاد إذا كانوا أيتاما، فلا تتزوج بعد يتمهم، فإن تزوجت فليست بحإنية انتهي كلامه.
فإن قلت: أي فرق بين قوله: ((أحناه وأحناهن؟)) قلت: الأول دل علي الجنسية، وهو من يعرف كل أحد أن العرب منهم، فالقصد الأولي فيه المعنى والذات تابعة له، كأنه قيل: خير هذا الجنس الذي فاق الناس في الشرف هذا الجيل، ولذلك عدل من ذكر العرب إلي الصفة المميزة من قوله:((ركبن الإبل)) لزيادة الاختصاص. ولو قيل: أحناهن، كانت الذات مقصودة والمعنى تابعاً لها فلم يكن بذلك. وفي اختصاص العرب من بين سائر الناس واختصاص قريش منها دلالة علي أن العرب أشرف الناس وقريش أشرفها.
الحديث السادس عن أسامة: قوله: ((فتنة أضر)) وذلك أن المرأة إذا لم تكن يمنعها الصلاح الذي من جبلتها، كانت عين المفسدة، فلا تأمر زوجها إلا بشر ولا تحثه إلا علي فساد، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا كي يتهالك فيها، وأي فساد أضر من هذا! وقد سبق أنه تعالي قدمها في آية ذكر الشهوات علي سائر الأنواع وجعلها نفس الشهوات، حيث بين الشهوات بقوله:{مِّنَ النِّسَاءِ} ثم عقبها بغيرها دلالة علي أنها أصلها ورأسها.
الحديث السابع عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((حلوة خضرة)) ((مظ)): أي طيبة مزينة في عيونكم وقلوبكم، والاستخلاف إقامة الغير مقام نفسه، أي جعل الله الدنيا مزينة لكم ابتلاء واختباراً، فينظر هل تتصرفون فيها كما يحب ويرضي أو تسخطونه وتتصرفون فيها بغير ما يحب ويرضي؟ وقوله:((فاتقوا الدنيا)) أي احذروا من الاغترار بما في الدنيا؛ فإنه في وشك الزوال، واحذروا أن تميلوا إلي النساء بالحرام أو تقبلوا قولهن؛ فإنهم ناقصات عقل، لا خير في
3087 -
وعن ابن عمر. قال: قال رسول الله،:((الشؤم في المرأة، والدار، والفرس)) متفق عليه، وفي رواية:((الشؤم في ثلاثة: في المرأة، والمسكن، والدابة)).
3088 -
وعن جابر، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فلما قفلنا كنا قريباً من المدينة قلت: يا رسول الله! إني حديث عهد بعرس. قال: ((تزوجت؟)) قلت: نعم. قال: ((أبكر أم ثيب؟)) قلت: بل ثيب. قال: ((فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك)). فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال:((أمهلوا حتى ندخل ليلاً – أي عشاء – لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)). متفق عليه.
ــ
كلامهن غالباً، وأول فتنة في بني إسرائيل أن رجلاً منهم اسه عاميل طلب منه ابن أخيه – وقيل: ابن عمه – أن يزوجه ابنته فلم يزوجها منه فقتله؛ لينكح ابنته – وقيل: لينكح زوجته – وهو الذي نزلت فيه قصة البقرة. والله اعلم بصحته.
الحديث الثامن عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((الشؤم)) ((نه)): هو ضد اليمن تشاءمت وتيمنت، والواو في الشؤم همزة، لكنها خففت فصارت واواً غلب عليها التخفيف، حتى لم ينطق بها مهموزة. قيل: شؤم الدار ضيفها وسوء جوها، وشؤم الفرس أن لا يغزي عليها، وشؤم المرأة أن لا تلد، وقيل: شؤم الفرس صعوبته وسوء خلقه، وشؤم المرأة غلاء مهرها وسوء خلقها. وقيل: هذا إرشاد منه إن كانت له دار يكره سكناها وامرأة يكره صحبتها أو فرس لا يعجبه بأن يفارق بالانتقال عن الدار وتطليق المرأة وبيع الفرس، فلا يكون هذا من باب الطيرة المنهي عنها. وهذا كما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:((ذروها ذميمة)) – انتهي كلامه. ومن ثمة جعلها صلى الله عليه وسلم من باب الطيرة علي سبيل الفرض في قوله: ((إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار)).
((خط)): هذه الأشياء الثلاثة ليس لها بأنفسها وطباعها فعل وتأثير، وإنما ذلك كله بمشيئة الله وقضائه، وخصت بالذكر لأنها أعم الأشياء التي يقتنيها الناس، ولما كان الإنسان لا يخلو عن العارض فيها، أضيف إليها اليمن والشؤم إضافة مكان ومحل.
الحديث التاسع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((أبكر أم ثيب؟)) وفي أصل المالكي ((هل تزوجت؟)) قال صاحب المفتاح: و ((هل)) لا يطلب بها إلا حصول النسبة؛ ومن ثم امتنع ((هل عندك عمرو أم بشر؟)) بالاتصال دون الانقطاع، بيانه أن ((أم)) المتصلة تستدعي حصول النسبة عند الطالب، ويسأل بها عن تعيين أحد المنتسبين، و ((هل)) تستدعي أن لا تكون النسبة حاصلة عنده فيسأل بها عنها، فبينهما تناف. وقال المالكي: في هذا الحديث شاهد علي إيقاع ((هل)) موضع الهمزة فتكون أم بعدها متصلة؛ لان استفهام النبي صلى الله عليه وسلم جابراً لم يكن إلا بعد علمه بتزويجه، فطلب منه الإعلام بالتعيين.
الفصل الثاني
3089 -
عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاثة حق علي الله عونهم: المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله)) رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. [3089]
3090 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)). رواه الترمذي. [3090]
ــ
قوله: ((فهلا بكراً)) أي فهلا تزوجت بكراً، ثم علله بقوله:((تلاعبها وتلاعبك)) وهو عبارة عن الألفة التامة؛ فإن الثيب قد تكون متعلقة القلب بالزوج الأول، فلم تكن محبتها كاملة بخلاف البكر، وعليه ما ورد ((عليكم بالأبكار، فإنهن أشد حباً وأقل خباً)). قوله: ((لكي تمتشط)) ((قض)): لأن تتهيأ وتتزين لزوجها بامتشاط الشعر وتنظيف البدن بالحلق ونحوه. والاستحداد في الأصل الاستفعال من الحديد، أي استعماله. و ((الشعثة)) المنتشرة الشعر من شعث إذا انتشر، و ((المغيبة)) التي غاب زوجها، يقال: أغابت المرأة فهي مغيبة. فإن قلت: كيف أمر هاهنا بالدخول ليلا وقد نهي أن يطرق الرجل أهله وهو أن يأتيه ليلا؟ قلت: المراد من النهي أن يفاجئ الرجل أهله؛ لما ذكر في هذا الحديث من التهيؤ والتزين، أما إذا قدم ليلا بعد إعلام ولبث كما كان في مقدمهم هذا، فلا نهي عنه لانتفاء ما هو المقتضي له – انتهي كلامه. فإن قلت: كيف قيل: ((وتستحد المغيبة)) و ((الشعثة)) هي المغيبة أيضاً؟ قلت: تفاديا عن اللفظ المستهجن، ولما لم يكن لفظ الشعثة مستهجناً صرح به، وكنى بالمغيبة عن طول شعر عانتها لاستهجانه، ومن ثمة عدل عن النتف إلي الاستحداد، لأن النساء لا يرون استعمال الحديد ولا يحسن بهن.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ثلاثة حق علي الله)) إنما آثر هذه الصيغة إيذاناً بأن هذه الأمور من الأمور الشاقة التي [تفدح] الإنسان وتقصم ظهره، ولولا أن الله تعالي يعينه عليها لا يقوم بها، وأصعبها العفاف؛ لأنه قمع الشهوة الجبلية المركوزة فيها، وهي مقتضى البهيمية النازلة في أسفل السافلين، فإذا استعف وتداركه عون الله تعالي، ترقى إلي منزلة الملائكة وأعلي عليين.
الحديث الثاني عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((إن لا تفعلوه)) الفعل هنا كناية عن
3091 -
وعن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأمم)) رواه أبو داود، والنسائي. [3091]
ــ
المجموع، أي إن لم تزوجوا من ترضون دينه وخلقه تحدث فتنة في الأرض وفساد عريض، والفساد خروج الشيء عن حالة استقامته، وكونه منتفعاً به، ونقيضه الصلاح وهو الحصول علي الحالة النافعة. والفساد في الأرض هيج الحروب والفتن؛ لأن في ذلك فساد ما في الأرض وانتفاء الاستقامة عن أحوال الناس والزروع والمنافع الدينية والدنيوية، قال الله تعالي:{وإذَا تَوَلي سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ} .
والحديث يحتمل وجهين: أحدهما: أنكم إن لم ترغبوا فيمن له الدين المرضي والخلق الحسن الموجبان لصلاح الأرض واستقامتها، ورغبتم في مجرد الحسب والمال الجالبين للطغيان المؤدي إلي البغي والفساد في الأرض – تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، وإلي هذا المعنى أشار التنزيل في حق المنافقين:{وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لَاّ يَشْعُرُونَ} . وثإنيهما: ما ذكره المظهر وهو إن لم تزوجوا من ترضون دينه، بل نظرتم إلي صاحب مال وجاه كما هو من شيمة أبناء الدنيا، يبقى أكثر النساء بلا زوج والرجال بلا زوجة، فيكثر الزنا ويلحق العار الأولياء والغيرة، فيقع القتل فيمن نسب إليه هذا العار، فتهيج الفتن.
وفي الحديث دليل لمالك فإنه يقول: لا يراعى في الكفاءة إلا الدين وحده. ومذهب الجمهور أنه يراعى أربعة أشياء: الدين، والحرية، والنسب، والصنعة؛ فلا تزوج المسلمة من كافر، ولا الصالحة من فاسق، ولا الحرة من عبد، ولا المشهورة النسب من الخامل، ولا بنت تاجر أو لمن له حرفة طيبة ممن له حرفة خبيثة أو مكروهة، فإن رضيت المرأة أو وليها بغير كفء صح النكاح، وإن رضي أحدهما بغير كفء دون الآخر فالنكاح باطل، وإن كثرت الأولياء لابد من رضي الكل.
الحديث الثالث عن معقل: قوله: ((فإني مكاثر)) يعني أغالب الأمم السالفة في الكثرة بأمتي، وهو تعليل للأمر بتزويج الودود الولود؛ وإنما أتى بالقيدين، لأن الولود إذا لم تكن ودوداً لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولوداً لم يحصل المطلوب. ((مظ)): وفيه استحباب التزوج وإيثار الولود الودود علي غيرها، وفضيلة كثيرة الأولاد؛ لأن بها يحصل ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من المباهاة، وتظهر فائدة الخلق من العبادة. ويعرف القيدان أعنى الودود الولود في الأبكار من أقاربهن؛ لأن الغالب سراية طباع الأقارب من بعضهن إلي بعض.
3092 -
وعن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالأبكار؛ فإنهن أعذب أفواها، وأنتق أرحاماً، وأرضي باليسير)). رواه ابن ماجه مرسلاً. [3092]
ــ
الحديث الرابع عن عبد الرحمن: قوله: ((فإنهن أعذب)) أفرد الخبر وذكر علي تقدير ((من)) كقوله تعالي: {هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} ((تو)): إنما أضاف العذوبة إلي الأفواه إرادة ما يحويه من الريق، ويقال للريق والخمر: الأعذبان، والعذب الماء الطيب. ((شف)): يمكن أن يكون ((أعذب أفواهاً)) مجازاً عن قلة بذائها وفحشها مع زوجها لبقاء حيائها؛ فإنها ما خالطت زوجاً قبله. قوله: ((وأنتق أرحاماً)) ((نه)): أي أكثر أولاداً يقال للمرأة الكثيرة الولد ناتق؛ لأنها ترمي بالأولاد رمياً والنتق المرمي. وقوله: ((وأرضي باليسير)) ((تو)): أي أرضي باليسير من الأرفاق؛ لأنها لم تتعود في سالف الزمان دون معاشرة الأزواج ما يدعوها إلي استقلال ما تصادفه في المستأنف.
أقول: أمر صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق بتزوج الودود الولود، فينزل هذا الحديث علي ذلك، فقوله:((وأنتق أرحاماً) عبارة عن الولود، فينبغي أن تحمل القرينتان علي ما يزيد المحبة والود؛ فقوله:((أعذب أفواهاً)) كناية عن كونها أعذب ألفاظاً؛ فإن حسن الكلام يدل علي حسن الخلق، وسوء المنطق يدل علي سوء الخلق، ومن رضي باليسير وقنع بالموجود يكن نقي القلب طاهر [الحديث] راضياً عن الله تعالي علي ما رزقه الله وأولاه، فإذا اجتمع طيب اللسان والجنان فقد كمل المقصود من الودود، قال الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
فإن قلت: إذا كان المراد من قوله: ((أعذب أفواهاً)) أعذب ألفاظاً، فلم عدل عنه؟ قلت: قد تقرر عند علماء البيان أن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة، فإنك إذا قلت: فلان طويل النجاد، وأردت طول قامته مع طول نجاده جاز، فكذلك هاهنا يفيد أنها طيبة النكهة لذيذة الريق حسنة المنطق، ولو صرح بهذا لم يفد هذه الفائدة.
قال الشيخ أبو حامد في الإحياء: من فوائد البكارة أن تحب الزوج وتألفه فيؤثر في معنى الود، والطباع مجبولة علي الأنس بأول مألوف، وأما التي اختبرت الرجال ومارست الأحوال فربما لا ترضي بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته فتقلي الزوج، وكذلك الزوج يحبها فإن الطبع ينفر عن التي مسها غير الزوج نفرة ما، وذلك يثقل علي الطبع مهما يذكر، وبعض الطباع في هذا أشد نفوراً. والله أعلم.
الفصل الثالث
3093 -
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم تر للمتحابين مثل النكاح)). [3093]
3094 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد أن يلقي الله طاهراً مطهراً؛ فليزوج الحرائر)). [3094]
ــ
الفصل الثالث
الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((لم تر)) من الخطاب العام ومفعوله الأول محذوف، أي لم تر أيها السامع ما تزيد به المحبة للمتحابين مثل النكاح، وهو يحتمل وجهين: إذا جرى بين المتحابين وصلة خارجية بعد التحاب تزيد الوصلة الظاهرة في الباطنة. وثإنيهما: إذا نظر الرجل إلي المرأة الأجنبية وأخذت بمجامع قلبه. فنكاحها يورث مزيد المحبة، وسفاحها البغض والشنآن.
الحديث الثاني عن انس رضي الله عنه: قوله: ((الحرائر)) إنما خصهن؛ لأن الإماء مبتذلة غير مؤدبة، وتكون خراجة ولاجة غير ملازمة للخدر، فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن تأديب أولادها وتربيتهم بخلاف الحرائر؛ ولأن الغرض بالتزوج التوالد والتناسل بخلاف التسري، ولذلك جاز العزل عن السراري بغير إذنهن، وكان التزوج مظنة لكثرة الأولاد وهو المطلوب، ويمكن أن يحمل ((الحرائر)) علي المعنى، قال الحماسي:
ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها
((غب)): الحرية ضربان: الأول: من لم يجر عليه حكم السبي، والثاني: من تتملكه قواه الذميمة فيصير عبداً لها، كما قال صلى الله عليه وسلم:((تعس عبد الدرهم وعبد الدينار)) وقول الشاعر: ورق ذوي الأطماع رق مخلد
وقيل: عبد الشهوة أذل من عبد الرق.
3095 -
وعن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول:((ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله)) روى ابن ماجه الأحاديث الثلاثة. [3095]
3096 -
وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي)). [3096]
3097 -
وعن عائشة، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة)) رواهما البيهقي في ((شعب الإيمان)). [3097]
ــ
الحديث الثالث عن أبي أمامة: قوله: ((بعد تقوى الله)) جعل التقوى نصفين نصفا تزوجا ونصفا غيره، وهو المعنى بالحديث الآتي. قال الشيخ أبو حامد: المفسد لدين المرء في الأغلب فرجه وبطنه، وقد كفي بالتزويج أحدهما، ولأن التزوج التحصين من الشيطان وكسر التوقان، ورفع غوائل الشهوة، وغض البصر وحفظ الفرج.
قوله: ((إن أمرها أطاعته)) بيان لصلاحها علي سبيل التقسيم؛ لأنه لا يخلو من أن يكون الزوج حاضرا فافتقاره إليها إما في الخدمة بمهن البيت أو الملاعبة أو المباشرة، فتكون مطيعة فيما أمرها، وذات جمال ودلال فيلاعبها، ومنقادة إذا أراد مباشرتها، أو غائبا فتحفظ ما يملك الزوج من نفسها بأن لا تخون في نفسها وماله، وإذا كانت حالها في الغيبة علي هذا، ففي الحضور أولي، وهذه ثمرة صلاحها. وإن كانت ضعيفة الدين قصرت في صيانة نفسها وفرجها وأزرت بزوجها، وسودت بين الناس وجهه وشوشت بالغيرة قلبه، ونغص بذلك عيشه، فإن سلك فيه سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة، وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه، وإن كانت مع الفساد جميلة كان البلاء أشد، إذ يشق عليه مفارقتها فلا يصبر عنها.
الحديث الرابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فقد استكمل)) يحتمل أن يكون جوابا للشرط و ((فليتق الله)) عطف عليه، ويجوز أن يكون الجواب الثاني، والأول عطف علي الشرط، فعلي هذا السبب مركب والمسبب مفرد، فالمعنى أنه معلوم أن التزوج نصف الدين، فمن حصل هذا فعليه بالنصف الباقي، وهذا أبلغ لما يؤذن أنه مقرر ومعلوم أن التزوج تحصين بنصف الدين، وعلي الوجه الآخر إعلام بذلك فلا يكون مقررا، وعلي الأول السبب مفرد والمسبب مركب، وفيه إعلام أن التزوج سبب لاستكمال نصف الدين المرتب عليه تقوى الله تعالي.
الحديث الخامس ظاهر.