الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) باب المنهي عنها من البيوع
الفصل الأول
2834 -
وعن ابن عمر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة: أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمرٍ كيلاً، وإن كان كرمًا أن يبيعه بزبيبٍ كيلاً، أو كان - وعند مسلمٍ وإن كان - زرعًا، أن يبيعه بكيل طعامٍ، نهي عن ذلك كله. متفق عليه.
وفي رواية لهما: نهي عن المزابنة، قال:((والمزابنة: أن يباع ما رءوس النخل بتمرٍ بكيلٍ مسمى، إن زاد فلي، وإن نقص فعلي)).
2835 -
وعن جابر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، والمحاقلة،
ــ
باب المنهي عنها من البيوع
الفصل الأول
الحديث الأول عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((عن المزابنة)) ((حس)): المزابنة بيع الثمر علي الشجر بجنسه موضوعًا علي الأرض، من الزبن وهو الدفع، وذلك لأن أحد المتبايعين إذا وقف علي غبن فيما اشتراه أراد فسخ العقد وأراد الآخر إمضاءه، فتزابنا أي تدافعا، وكل واحد يدفع صاحبه عن حقه. وخص بيع التمر علي رءوس النخل بجنسه بهذا الاسم؛ لأن المساواة بينهما شرط، وما علي الشجر لا يحصر بكيل ولا وزن، وإنما يكون مقدراً بالخرص، وهو حدس وظن لا يؤمن فيه من التفاوت.
[((نه))]: بيع الرطب بالتمر، والعنب بالزبيب جائز عند أبي حنيفة، ولا يجوز عند الشافعي ومالك وأحمد لا بالكيل ولا بالوزن، إذا لم يكن الرطب علي رأس النخلة، أما إذا كان الرطب علي رأس النخل، ويبيعه بالتمر فهو العرايا، ويأتي بحثه - انتهي كلامه.
قوله: ((أن يبيع)) بدل أو بيان لقوله: ((عن المزابنة)) والشروط كلها تفصيل للبيان، ويقدر جزاء الشرط الثاني ((نهي)) لقرينة السياق؛ لعدم استقامة المذكور أن يكون جزاء، وكذا في الشرط الأول يقدر ((نهي أن يبيعه)) لقرينة الشرط الثاني. وقوله:((مسمى)) صفة لـ ((كيل)) و ((إن زاد فلي)) حال بتقدير القول من البائع الذي يفهم من ((يباع)) أي يبيع قائلاً: إن زاد فلي وإن نقص فعلي.
الحديث الثاني عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((عن المخابرة)) ((حس)) و ((نه)): قيل: هي المزارعة علي نصيب معين كالثلث والربع، وقيل: إن أصل المخابرة من خيبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم
والمزابنة. والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة، والمزابنة: أن يبيع التمر في رءوس النخل بمائة فرقٍ، والمخابرة: كراء الأرض بالثلث والربع. رواه مسلم.
2836 -
وعنه، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة، والمخابرة، والمعاومة، وعن الثنيا، ورخص في العرايا. رواه مسلم.
ــ
أقرها في أيدي أهلها علي النصف من محصولها فقيل: خابرهم أي عاملهم في خيبر، وقيل: من الخبار وهي الأرض اللينة. قوله: ((والمحاقلة)) ((فا)): الحقل القراح من الأرض، وهي الطيبة التربة الخالصة من شائب السبخ الصالحة للزرع، ومنه حقل يحقل إذا زرع، والمحاقلة مفاعلة من ذلك. قوله:((بمائة فرق)) ((نه)): الفرق - بالتحريك - مكيال يسع ستة عشر رطلا، وهي اثنا عشر مدًا وثلاثة أصع عند أهل الحجاز، وقيل: الفرق خمسة أقسط، والقسط نصف صاع، فأما الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلاً. ((تو)): لا أدري من المفسر غير أن قوله: ((بمائة فرق حنطة)) كلام ساقط، وكذلك في بقية التفسير، وكان من حق البلاغة أن يأتي بالمثال من غير تعيين في العدد؛ فإن قوله:((بمائة فرق)) موهم بأنه إذا زاد أو نقص عن المقدار المنصوص عليه، لم يكن ذلك محاقلة. أقول: ربما يأتون في المثال بما يصوره عند السامع زيادة توضيح، نعم، لو قال:((بمائة)) مثلا لم يكن فيه مقال، وهذا القدر مما لا بأس به عند البلغاء.
الحديث الثالث عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((والمعاومة)) ((نه)): هي بيع ثمر النخل أو الشجر سنتين أو ثلاثا فصاعداً، يقال: عاومت النخلة إذا حملت سنة ولم تحمل أخرى، وهي مفاعلة من العام: السنة. قوله: ((وعن الثنيا)) المغرب: يقال: ثناه عن وجهه إذا كفه وصرفه، ومنه استثنيت الشيء إذا زويته لنفسي، والاسم الثنيا بوزن الدنيا، وفي الحديث ((من استثنى فله ثنياه)) أي ما استثناه، وفي اصطلاح النحويين إخراج الشيء مما دخل فيه غيره؛ لأن فيه كفا وردا عن الدخول. ((قض)): المقتضي للنهي فيه إفضاؤه إلي جهالة قدر المبيع، ولهذا قال الفقهاء: لو قال: بعت منك هذه الصبرة إلا صاعًا، وكانت مجهولة الصيعان، فسد العقد؛ لأنه خرج المبيع عن كونه معلوم القدر عياناً وتقديرا، أما لو باعها واستثنى [شيئًا] شائعًا معينًا كالثلث أو الربع صح؛ لحصول العلم بقدره علي الإشاعة.
قوله: ((في العرايا)) ((فا)): العرية النخلة التي يعريها الرجل محتاجًا، أي يجعل له ثمرتها، فرخص للمعرى أن يبتاع ثمرتها لموضع حاجته من المعري، سميت عرية؛ لأنه إذا ذهب ثمرها، فكأنه جردها من الثمرة وعراها منها، ثم اشتق منها الاعراء. ((مح)): العرية أن يخرص الخارص نخلات، فيقول: هذا الرطب إذا يبس يحصل منه ثلاثة أوسق من التمر مثلا، فيبيعه لقيره بثلاثة أوسق تمرًا ويتقابضان في المجلس، فيسلم المشتري التمر ويسلم البائع النخل، وهذا فيما دون خمسة أوسق، ولا يجوز فيما زاد عليه، وفي جوازه في خمسة أوسق قولان
2837 -
وعن سهل بن أبي حثمة، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع التمر بالتمر؛ إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها تمراً، يأكلها أهلها رطبًا. متفق عليه.
2838 -
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في بيع العرايا بخرصها من التمر فيما دون خمسة أوسق، أو في خمسة أوسقٍ. شك داود بن الحصين. متفق عليه.
2839 -
وعن عبد الله بن عمر: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهي البائع والمشتري. متفق عليه.
ــ
للشافعي، أصحهما لايجوز؛ لأن الأصل تحريم بيع التمر بالرطب، وجاء في العرايا رخصة، والأصح جوازه للأغنياء والفقراء، وأنه لا يجوز في غير الرطب والعنب من الثمار، وفي قول ضعيف أنه مختص بالفقراء.
الحديث الرابع عن سهل: قوله: ((إلا أنه رخص في العرية)) هذا يشعر بأن العرايا مستثناة من المزابنة؛ لأن قوله: ((بيع التمر بالتمر)) هو المزابنة. ((قض)): العرية فعلية بمعنى مفعولة، والتاء فيها لنقل اللفظ من الوصفية إلي الاسمية، فنقل منها إلي العقد الوارد عليها المتضمن لإعرائها. ((حس)): سميت عرية؛ لأنها عريت من جملة التحريم، أي خرجت فهي فعيلة بمعنى فاعلة، وقيل: لأنها عريت من جملة الحائط بالخرص والبيع فعريت عنها أي خرجت.
وسببها أن رجالاً محتاجين من الأنصار شكوا إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه مع الناس، وعندهم فضول من قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها، من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبًا. قوله:((بخرصها تمراً)) يحتمل أن يكون تمييزًا، ويجوز أن يكون حالاً مقدرة، ويؤيده قوله:((يأكلها أهلها رطباً)) فإن ((رطبًا)) حال، وهذا ينصر مذهب من قال: الحال يجب أن يكون مشتقًا، إما حقيقة أو مؤولاً؛ لأن المطلوب هنا هو الوصف لا الذات، وإلا كان الإبدال عبثاً.
الحديث الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((من التمر)) ((من)) متعلق بـ ((بيع العرايا)) والباء في ((بخرصها)) للسببية، أي أرخص في بيع رطبها من التمر بواسطة خرصها. قوله:((أوسق)) جمع وسق، بفتح الواو وهو ستون صاعًا، والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي. قوله:((أو في خمسة أوسق)) ((مح)): شك من الراوي فوجب الأخذ بالأقل، وهو دون خمسة أوسق فتبقى الخمسة علي التحريم احتياطًا كما سبق.
الحديث السادس والسابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((حتى يبدو صلاحها)) ((حس)):
وفي رواية لمسلم: نهي عن بيع النخل حتى تزهو. وعن السنبل حتى يبيض. ويأمن العاهة.
2840 -
وعن أنسٍ، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى تزهي.
قيل: وما تزهي؟ قال: ((حتى تحمر))، وقال:((أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟)). متفق عليه.
ــ
العمل علي هذا عند أهل العلم أن بيع الثمرة علي الشجرة قبل بدو الصلاح مطلقاً لا يجوز، يروى عن ابن عباس وجابر وأبي هريرة وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وعائشة، وهو قول الشافعي رضي الله عنهم؛ لأنه لا يؤمن من هلاك الثمار بورود العاهة عليها؛ لصغرها وضعفها، وإذا تلفت لا يبقى للمشتري في مقابلة ما دفع من الثمن شيء، وهذا معنى قوله:((نهي عن بيع النخل حتى تزهو، وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة)) ومعنى قوله: ((حتى يحمر ويصفر)). وإنما نهي المشتري من أجل هذه المخاطرة المذكورة والتغرير بماله، ونهي البائع لئلا يكون أخذ مال المشتري لا بمقابلة شىء، سلم له، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:((أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم؟)) أي أخبرني إذا منع الله الثمرة وفي الحديث ((حتى يحمر وحتى يسود)) وفي رواية ابن عمر ((حتى يبيض)) دليل علي أن الاعتبار بحدوث هذه الصفة في الثمرة، لا بإتيان الوقت الذي يكون فيه بدو الصلاح في الثمار غالباً. وذهب بعض أهل العلم إلي أن الاعتبار بالزمان، فإذا جاء ذلك الوقت جاز بيعه.
قوله: ((حتى تزهو)) ((مح)): قال ابن الأعرابي: يقال: زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته، وأزهي يزهي إذا احمر أو اصفر. وقال الأصمعي: لا يقال في النخل: أزهي، وإنما يقال: زها، وحكاهما أبوزيد لغتين. وذلك علامة الصلاح فيها ودليل خلاصها من الآفة. قوله:((قيل: وما تزهي)) يجوز أن يكون ((تزهي)) حكاية قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أي ما معنى قولك: تزهي؟ أو وضع الفعل موضع المصدر، أي قيل: ما الزهو؟ نحوه قول الشاعر:
وقالوا: ما تشاء؟ فقلت: ألهو
…
إلا الإصباح آثر ذي أثير
أي قلت: أريد اللهو، وفي المثل: تسمع بالمعيدي خيراً من أن تراه، أي سماعك خير من رؤيته. وقوله:((بم يأخذ))؟ مثل قولهم: فيم وعلام وختام في حذف الألف عند دخول حرف الجر علي ((ما)) الاستفهامية، ولما كانت ((ما)) الاستفهامية متضمنة للهمزة ولها صدر الكلام، ينبغي أن يقدر أبم تأخذ؟ والهمزة للإنكار، فالمعنى: لا ينبغي أن يأخذ أحدكم مال أخيه عفواً.
2841 -
وعن جابر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السنين، وامر بوضع الجوائح. رواه مسلم.
2842 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو بعت من أخيك ثمرًا، فأصابته جائحة؛ فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا. بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)). رواه مسلم.
ــ
الحديث الثامن عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((بيع السنين)) يريد به بيع ثمارها وهي المعاومة، وقد سبق الكلام فيها. ((والجوائح)) جمع جائحة، وهي الآفة التي تصيب الثمرة من الجوح وهو الاستئصال، ووضعها أن يحط البائع من الثمن ما يوازي نقصان الجائحة بعد القبض، والأمر به أمر استحباب لا وجوب؛ لأن المبيع قد خرج عن عهدة البائع بالتسليم إلي المشتري، فلا يلزمه ضمان ما يعتريه بعده؛ ولما روى أبو سعيد الخدري: أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((تصدقوا عليه)) ولو كانت الجوائح موضوعة لم يصر مديونًا بسببها، ولما أمر بالتصدق عليه لأدائه. ومنهم من قال: إنه للوجوب، والبيع ينفسخ فيما يتلف بالجائحة، كما لو تلف قبل القبض؛ لأن التسليم لم يتم بالتخلية، ولذلك يجب علي البائع سقيها إلي أن تدرك، ويدل عليه قوله في حديث جابر المذكور عقيب هذا:((فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟)) وهو مذهب أحمد وقول قديم للشافعي رضي الله عنهما. ومنهم من خصص الحديثين بما إذا كان المبيع لم يقبض بعد. ومنهم من قال: إن ذلك في الأراضي الخراجية التي أمرها إلي الإمام، أمره بوضع الخراج عنها إذا أصابتها الجوائح.
الحديث التاسع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((فلا يحل)) وقع جواب ((لو)) فإما أن يتمحل، ويقال: إن ((لو)) بمعنى ((إن))، وإما أن يقدر الجواب، و ((فلا يحل)) عطف عليه، أي لو بعت من أخيك ثمرًا فهلك لا تأخذ منه شيئًا فلا يحل لك، والتكرار للتقرير، كما في قوله تعالي:{كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا} . ولما كان هذا النهي نهي تنزيه لا تحريم، حث البائع علي أن يسلك مع المشتري طريق المروعة وتخصيص ذكر ((أخيك)) للتعطف والرحمة عليه، كما في قوله تعالي:{فمن عفي له من أخيه شيء} . ((مظ)): إن كان التلف قبل تسليم الثمار إلي المشتري يكون من ضمان البائع، فلا يحل له أن يأخذ الثمن بلا خلاف، وإن كان بعد التسليم فالكلام محمول علي التهديد عند الشافعي وأحمد، أو معناه فلا يحل لك في الورع والتقوى أن تأخذ الثمن إذا تلف الثمار.
2843 -
وعن ابن عمر، قال: كانوا يبتاعون الطعام في أعلي السوق، فيبيعونه في مكانه، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعه في مكانه حتى ينقلوه. رواه أبو داود، ولم أجده في ((الصحيحين)).
2844 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه)).
2845 -
وفي رواية ابن عباس: ((حتى يكتاله)). متفق عليه.
2846 -
وعن ابن عباس، قال: أما الذي نهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الطعام أن يباع حتى يقبض. قال ابن عباس: ولا أحسب كل شيء إلا مثله. متفق عليه.
2847 -
وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تلقوا الركبان لبيع، ولا
ــ
الحديث العاشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((فيبيعونه في مكانه)) الفاء للتعقيب، فدل علي أنهم يعقبون البيع الابتياع بلا مهلة، فيفيد أنهم يبيعونه قبل النقل؛ لأن القبض في مثله عبارة عن النقل، فلذلك نهوا عن ذلك، ويدل علي هذا التأويل الحديث الآتي.
الحديث الحادي عشر والثاني عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ولا أحسب كل شىء)) أي لا أظن كل شىء إلا مثل الطعام، في أنه لا يجوز للمشتري أن يبيعه حتى يقبضه من البائع الذي اشتراه منه. ((مح)): اختلفوا في بيع المبيع قبل القبض، فقال الشافعي: لا يصح سواء كان طعامًا أو عقارًا، أو منقولا غير الطعام أو نقدًا. وقال عثمان البتي: يجوز في كل بيع. وقال أبو حنيفة: يجوز في العقار. وقال مالك: لا يجوز في الطعام ويجوز فيما سواه.
الحديث الثالث عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تلقوا الركبان)) ((قض)): نهي عن استقبال الركبان لابتياع ما يحملونه إلي البلد قبل أن يقدموا الأسواق ويعرفوا الأسعار، لما يتوقع فيه من التغرير وارتفاع الأسعار. قوله:((ولا يبع بعضكم علي بيع بعض)) ضمن البيع معنى الغلبة والاستعلاء، وعداه بعلي، قال في المغرب: باع عليه إذا كان علي كره منه، وباع له الشيء إذا اشتراه له، ومنه الحديث ((لا يبع بعضكم علي بيع أخيه)) أي لا يشتر بدليل رواية البخاري ((لا يبتاع الرجل علي بيع أخيه)).
((حس)): وهو أن يشتري رجل شيئاً، وهما في مجلس العقد وخيارهما باق، فيأتي الرجل ويعرض علي المشتري سلعة مثل ما اشتراه أو أجود بمثل ثمنها أو أرخص، أو إلي البائع فيطلب ما باعه بأكثر من ثمنه الذي باعه في الأول، حتى يندم فيفسخ العقد فيكون البيع بمعنى الاشتراء، كما قال صلى الله عليه وسلم:((لا يخطب الرجل علي خطبة أخيه))، والمراد منه ما طلبه أخوه، كذلك هذا، ثم هذا الطالب إن كان قصده رد عقدهما، ولا يريد شراه يكون عاصيًا، سواء كان عالمًا بالحديث أو لم يكن، وإن قصد غبطة أحدهما فلا يعصي إلا أن يكون عالمًا بالحديث.
يبع بعضكم علي بيع بعضٍ، ولا تناجشوا. ولا يبع حاضر لبادٍ، ولا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر)). متفق عليه.
ــ
قوله: ((ولا تناجشوا)) [((نه))]: النجش الإثارة يقال: نجش الصيد أثاره. ((قض)): هو تفاعل من النجش، وهو أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، ليغتر به الراغب فيشتري بما ذكره، وأصله الإغراء والتحريض، وإنما نهي عنه لما فيه من التغرير، وإنما ذكر بصيغة التفاعل؛ لأن التجار يتعارضون في ذلك، فيفعل هذا لصاحبه علي أن يكافئه بمثله. وعن بيع الحاضر للبادي: وهو أن يأخذ البلدي من البدوي ما حمله إلي البلد؛ ليبيعه بسعر اليوم حتى يبيع له علي التدريج بثمن أرفع، والعلة فيه تفويت الربح وتضييق الرزق علي الناس، فعلي هذا لو كان المتاع كاسداً في البلد، إما لكثرته أو لندور الحاجة إليه لم يحرم ذلك لفقد المعنى، فإن الحكم المنصوص كما يعم بعموم العلة يخص بخصوصها.
وعن التصرية: وهي أن تشد أخلاف اللبون، ويترك حلابها أياماً؛ ليجتمع اللبن في ضرعها، فيتخيل المشتري غزارة لبنه، من قولهم: صريت الماء في الحوض إذا جمعته وحبسته، وأصل الصر الجمع ومنه الصرة، وأثبت بها الخيار للمشتري إذا اطلع عليها بقوله:((فهو بخير النظرين)). وقال أبو حنيفة: لا خيار له بسبب التصرية، ولا الرد بعيب آخر بعدما حلبها، وفي الحديث حجة عليه في المسألتين. ولا يختص ثبوت الخيار بما بعد الحلب، بل لو اطلع عليها قبله كان له الرد. وإنما قيد به لأن الغالب أنه لا يحصل العلم بها إلا بعد حلبها، وإنما أوجب رد صاع تمر معها بدلاً عن الحليب الموجود في الضرع حالة العقد، وكان القياس رد عينه لو مثله، لكنه لما تعذر اختلاط ما حدت بعد البيع في ملك المشتري بالموجود حال العقد وإفضاؤه إلي الجهل بقدره، عين الشارع له بدلاً يناسبه قطعًا للخصومة، ودفعاً للتنازع في القدر الموجود عند العقد، وهذا الخيار كسائر خيار النقيصة علي الفور عند الأكثر. وما روى أنه قال:((من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعًا من طعام لا سمراء)) إنما قاله بناءً علي الغالب؛ لأن الوقوف عليها قلما يكون في أقل من ثلاثة أيام، فأنه لا يظهر قبله نقصان بين؛ ولأن الذي يجده المشتري في المدة لعله يحمله علي اختلاف اليد وتبدل المحل، لا أن الخيار يمتد ثلاثة أيام، وإن اطلع عليه المشتري.
قوله: ((لا سمراء)) أي لا حنطة، قيل: أراد به أن التمر متعين للبدلية، ولا يجوز أن يعطي غيره إلا برضي البائع، فإن غالب طعام العرب التمر فيكون المراد منه إذا أطلق. وقيل: أراد به أن يرد مع المصراة صاعًا من الطعام أي طعام كان، وأن الحنطة غير واجبة علي التعيين، بل
وفي رواية لمسلم: ((من اشترى شاة مصراةً، فهو بالخيار ثلاثة أيام: فإن ردها رد معها صاعًا من طعامٍ لا سمراء)).
2848 -
وعنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار)). رواه مسلم.
ــ
لو رد معها صاعًا من تمر أو شعير أو غيرهما جاز، ولذلك اختلف العلماء في تعيين التمر، ولعل الأظهر تعيينه للتنصيص به فيما رواه الشيخان، وغيرهما من الأئمة رحمهم الله تعالي.
قال في المغرب: الطعام اسم لما يؤكل ثم غلب علي البر، ومنه حديث أبي سعيد ((كنا نخرج في صدقة الفطر علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من طعام أو صاعا من شعير)). أقول: لما قال صلى الله عليه وسلم: ((صاعا من طعام)) تبادر الذهن إلي ما غلب عليه اسم الطعام من البر، ولما لم يكن المراد بينة بقوله:((لا سمراء)) لإزالة ذلك التوهم، فتعين أن يقيد بما نص عليه في الرواية الأولي.
و ((صاعا من تمر)). ((مح)): الواجب أن يرد مع المصراة بعد أن حلبها صاعا من تمر سواء كان اللبن قليلاً أو كثيراً، والمصراة ناقة أو شاة أو بقرة، به قال الشافعي ومالك والليث وابن أبي ليلي وأبو يوسف، ووافقهم المحدثون، وقال بعض أصحابنا: يرد صاعا من قوت البلد ولا يختص بالتمر، وقال أبو حنيفة وطائفة من أهل العراق ومالك في رواية أخرى: يردها ولا يرد صاعا من تمر، لأن الأصل أنه إذا أتلف شيئًا لغيره، رد مثله إذا كان مثليا، والا فقيمته، وأما جنس آخر من العروض فخلاف الأصول. وأجاب الجمهور بأن السنة إذا وردت لا يعترض عليها بالمعقول، ونظيره الدية، فإنها مائة بعير، ولا تختلف باختلاف حال القتيل قطعا للنزاع، والغرة في الجناية علي الجنين، سواء كان ذكرا أو أنثى تام الخلقة أو ناقصها جميلاً أو قبيحاً وغير ذلك.
((حس)): في حديث المصراة دليل علي أنه لا يجور بيع شاة لبون بلبن شاة ولا بشاة لبون في ضرعها لبن؛ لأن الشرع جعل اللبن في الضرع قسطا من الثمن، فهو كبيع مال الربا بجنسه ومعهما أو مع أحدهما شيء آخر، بخلاف ما لوباع السمسم بالسمسم يجوز، وإن أمكن استخراج الدهن من كل واحد منهما؛ لأن عين الدهن غير موجود فيهما، واللبن هاهنا موجود في الضرع، حتى لو حلب اللبن ثم باعها في الحال قبل اجتماع اللبن في ضرعها باللبن يجوز.
الحديث الرابع عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لا تلقوا الجلب)) جلب الشيء، جاء به من بلد إلي بلد للتجارة جلبا، والجلب المجلوب وعبد جليب، جلب إلي دار الإسلام، كذا في المغرب. وذكر السيد إما لتغليب الإنسان المجلوب علي غيره من السلع، أو استعار للمالك السيد مبالغة في استحقاقة للمجلوب. قوله:((فهو بالخيار)) ((مح)): قال أصحابنا: لا خيار
2849 -
وعن ابن عمر [رضي الله عنهما] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلي السوق)). متفق عليه.
2850 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يبع الرجل علي بيع أخيه، ولا يخطب علي خطبة أخيه إلا أن يأذن له)). رواه مسلم.
2851 -
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا يسم الرجل علي سوم أخيه المسلم)). رواه مسلم.
2152 -
وعن جابر [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لايبع حاضر لبادٍ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعضٍ)). رواه مسلم.
ــ
للبائع قبل أن يقدم ويعلم السعر، فإذا قدم، فإن كان سعره أرخص من سعر البلد ثبت له الخيار، سواء أخبر المشتري بالسعر كاذباً أم لم يخبر، وإن كان السعر أغلي أو كسعر البلد فوجهان: الأصح لا خيار له لعدم الغبن، والثاني: ثبوته لإطلاق الحديث.
الحديث الخامس عشر إلي السابع عشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((لا يبع)) ((مح)): الرواية برفعه، ورفع ((يخطب)) علي سبيل الخبر الذي يراد به النهي فإنه أبلغ. قوله:((علي خطبة أخيه)) ((نه)): هو أن يخطب الرجل المرأة، يقال منه: خطب يخطب خطبة - بالكسر فهو خاطب، فتركن إليه، ويتفقا علي صداق معلوم ويتراضيا، ولم يبق إلا العقد، فأما إذا لم يتراضيا ولم يتفقا ولم يركن أحدهما إلي الآخر، فلا منع من خطبتهما وهو خارج عن النهي. ((حس)): عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: يا رسول الله! إن معاوية وأبا جهم خطبإني، فقال:((انكحي أسامة)).
الحديث الثامن عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((علي سوم أخيه)) ((نه)): المساومة المحادثة بين البائع والمشتري علي السلعة وفصل ثمنها، يقال: سام يسوم سومًا وساوم واستام، والمنهي عنه أن يتساوم المتبايعان في السلعة ويتقارب الانعقاد فيجىء رجل آخر يريد أن يشتري تلك السلعة، ويخرجها من يد المشتري الأول بزيادة علي ما استقر الأمر عليه، ورضيا به قبل الانعقاد. ولعل تخصيص ذكر الأخ ووصفه بالمسلم للتعطف والإيذان بأنه لا يليق بحال المسلم أن يستأثر نفسه علي أخيه المسلم.
الحديث التاسع عشر عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((حاضر)) جنس، ومن ثمة أعاد ضمير الجمع في ((دعوا)) إليه، وفيه التفات، وفائدة الالتفات هنا الزجر والتوبيخ، كما إذا قلت
2853 -
وعن أبي سعيد الخدري، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين وعن بيعتين: نهي عن الملامسة والمنابذة في البيع. والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو النهار، ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلي الرجل
ــ
لصاحبك حاكيا عن ثالث لكما: إن فلانا من قصته كيت وكيت، ثم عدلت إلي الثالث مخاطبا: يا فلان من حقك أن تلزم الطريقة الحميدة في مجاري أمورك، نبهته بالتفاتك نحوه فضل تنبيه، فكذا نهي السمسار أن يقول لأهل البادية: احفظ متاعك حتى أبيعه قليلاً قليلاً بزيادة تمنه، ولاشك أن أهل السوق ينتظرون الجالب ليشتروا منه، فيبيعوا من أهل البلد قليلاً قليلاً فيرزقوا من فضل الله، فإذا فعل السمسار هذا فقد قطع رزقهم، فيستحق الزجر والتوبيخ لذلك. والله أعلم.
الحديث العشرون عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((لبستين)) الجوهري: اللباس ما يلبس، وكذلك الملبس، واللبس بالكسر مثله. ((مظ)): أي نهي عن أن يلبس الرجل علي صورة الصماء، وعلي صورة الاحتباء، ونهي أن يبيع علي صورة الملامسة وعلي صورة المنابذة. ((حس)): معناه أن يجعلا لمس الشيء أو النبذ إليه بيعاً بينهما من غير رؤية وتأمل، ثم لا يكون فيه خيار، وكان ذلك من بيوع الجاهلية، فنهي عنه صلى الله عليه وسلم.
((نه)): ((الملامسة)) هي أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع، وقيل: هو أن يلمس المتاع من وراء ثوب، ولا ينظر إليه تم يوقع البيع عليه. نهي عنه؛ لأنه غرر، ولأنه تعليق أو عدول عن الصيغة الشرعية. وقيل: معناه أن يجعل اللمس بالليل قاطعًا للخيار، ويرجع ذلك إلي تعلق اللزوم وهو غير نافذ. و ((المنابذة)) في البيع هو أن يقول الرجل لصاحبه: انبذ إلي الثوب أو أنبذه إليك ليجب البيع. وقيل: هو أن يقول: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع، فيكون البيع معاطاة من غير عقد، ولا يصح أن يقال: نبذت الشيء أنبذه نبذًا فهو منبوذ، إذا رميته أو أبعدته.
قوله: ((لا يقلبه إلا بذلك)) ((مظ)): يعني لا يلمس ذلك المتاع إلا للبيع، أي لم ير المشتري ذلك المتاع، ولم يجر بينهما إيجاب وقبول. أقول: جعل الملامسة قلباً وليس بذلك، وجعل المشار إليه البيع، ولم يسبق له ذكر. قال في المغرب: قلب الشيء حوله عن وجهه، وروي عن سنن أبي داود: الملامسة أن يمسه بيده ولا ينشره ولا يقلبه، الوجه أن يكون المشار إليه ((بذلك)) اللمس، والاستثناء، من باب قول الشاعر:
وبلدة ليس بها إنيس
…
إلا اليعافير وإلا العيس
وكان يجب عليه أن يقلب الثوب ظهراً لبطن، وينظر فيه ويتأمل فما فعل غير اللمس، وفي الحديث لف ونشر بغير ترتيب.
بثوبه، وينبذ الآخر ثوبه ويكون ذلك بيعهما عن غير نظرٍ ولا تراضٍ. واللبستين: اشتمال الصماء. والصماء: أن يجعل ثوبه علي أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوبٌ. واللبسة الأخرى: احتباؤه بثوبه، وهو جالسٌ ليس علي فرجه منه شيءٌ. متفق عليه.
2854 -
وعن أبي هريرة، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر. رواه مسلم.
ــ
((مح)): لأصحابنا في تفسير حديث الملامسة ثلاثة أوجه، أحدها: ما قال الشافعي رضي الله عنه: هو أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام، فيقول صاحبه: بعتكه بكذا، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته. والثاني: أن يجعل نفس اللمس بيعًا، فيقول: إذا لمسته فهو مبيع لك. والثالث: أن يبيعه شيئًا علي أنه متى يمسه انقطع خيار المجلس وغيره، وهو باطل علي التأويلات. ومعنى قوله:((عن غير نظر ولا تراض)) أي بلا تأمل ورضي بعد التأمل.
قوله: ((واللبستين)) كذا في الجمع بين الصحيحين، وشرح السنة، ونسخ المصابيح، علي الحكاية من قوله:((نهي عن لبستين)) وفي جامح الأصول ((اللبستان))، علي الظاهر. قوله:((الصماء)) ((نه)) هو أن يتجلل الرجل بثوبه ولا يرفع منه جانبًا، وإنما قيل له صماء؛ لأنه يسد علي يديه ورجليه المنافذ كلها، كالصخرة الصماء التي ليس فيها خرق ولا صدع، والفقهاء يقولون: هو أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من جانبيه فيضعه علي منكبيه فتكشف عورته، و ((الاحتباء)) هو أن يضم الإنسان رجليه إلي بطنه بثوب، ويجمعهما مع ظهره ويشده عليهما، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب، وإنما نهي عنه؛ لأنه إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد، ربما تحرك أو زال فتبدو عورته.
الحديث الحادي والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عن بيح الحصاة)) ((قض)): بيع الحصاة من البياعات التي كان يفعلها أهل الجاهلية؛ واختلف في تفسيره، فقيل: هو أن يقول البائع للمشتري في العقد: إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع، والخلل فيه إثبات الخيار وشرطه إلي أمد مجهول، وقيل: هو أن يعقد بأن يرمي بحصاة في قطع غنم، فأي شاة أصابتها كانت المبيعة، والخلل فيه جهالة المعقود عليه. وقيل: هو أن يجعل الرمي بيعًا، والخلل في نفس العقد وصورته، والغرر ما خفي عليك أمره من الغرور، وبيع الغرر كل بيع كان المعقود عليه فيه مجهولاً أو معجوزًا عنه، ومن ذلك بيع ما لم تره، وبيع تراب المعدن، وتراب الصاغة؛ لأن المقصود بالعقد ما فيه من النقد وهو مجهول.
2855 -
وعن ابن عمر، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة، وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلي أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها. متفق عليه.
ــ
((مح)): النهي عن بيع الغرر أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع المعدوم والمجهول، وما لا يقدر علي التسليم، وما لم يتم ملك البائع عليه، وأشباه ذلك مما يلزم منه الغرر من غير حاجة. وقد يحتمل بعض الغرر بيعًا إذا دعت إليه الحاجة، كالجهل بأساس الدار [وكما إذا باع الشاة] مع حملها، ومع اللبن في ضرعها؛ لأن الأساس تابع للظاهر من الدار، والحمل واللبن تابعان للشاة، والحاجة تدعو إليه. وأجمعوا علي جواز غررٍ حقيرٍ كالجبة المحشوة بالقطن، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز، وأجمعوا أيضًا علي جواز إجارة الدار والدابة والثوب، ونحو ذلك شهرًا مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يومًا، وقد يكون تسعة وعشرين يوماً، وعلي جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في صب الماء وفي قدر مكثهم، وعلي جواز الشرب من السقاء بالعوض مع جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشاربين، وتحريره أن مدار البطلان بسبب الغرر بغير حاجة، وإن دعت حاجة إلي ارتكابه، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، أو كان الغرر حقيراً جاز البيع. وأعلم أن بيع الملامسة والمنابذة، وحبل الحبلة، والحصاة، وعسب الفحل، وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص داخلة في الغرر، ولكن أفردت بالذكر لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة .. والله أعلم.
الحديث الثاني والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((حبل الحبلة)) ((فا)): الحبلة مصدر سمي به المحمول، كما سمى بالحمل وإنما أدخلت عليه التاء للإشعار بمعنى الأنوثة؛ لأن معناه أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الذي في بطن الناقة، وقال ابن الأنباري: هو نتاج النتاج، فالحبل يراد به ما في بطون النوق، أدخلت فيها الهاء للمبالغة.
((مح)): ((حبل الحبلة)) بفتح الحاء والباء فيهما، قيل: الحبلة جمع حابل كظالم وظلمة، وفاجر وفجرة، قال الأخفش: حبلت المرأة فهي حابل والجمع حبلة، وقيل: الحبل مختص بالإنسان، والحمل بغيره، قال أبو عبيد: لا يقال لشيء من الحيوان: حبل، إلا ما جاء في هذا الحديث. واختلفوا في المراد بالنهي في هذا الحديث، فقال جماعة: هو البيع بثمن مؤجل إلي أن تلد الناقة ويلد ولدها، وقد ذكر مسلم هذا التفسير عن ابن عمر في هذا الحديث، وبه قال مالك والشافعي ومن تابعهم، وقال آخرون: هو بيع ولد ولد الناقة في الحال، وهذا تفسير أهل اللغة، وبه قال أحمد وإسحاق بن راهويه، وهذا أقرب إلي اللغة، لكن الراوي وهو ابن عمر قد
2856 -
وعنه، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم مية عن عسب الفحل. رواه البخاري.
2857 -
وعن جابرٍ: قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ضراب الجمل، وعن بيع الماء والأرض لتحرث. رواه مسلم.
2858 -
وعنه، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء. رواه مسلم.
ــ
فسره بالتفسير الأول وهو أعرف، ومذهب الشافعي ومحققي الأصوليين أن تفسير الراوي مقدم إذا لم يخالفه الظاهر.
اقول: فإن قلت: تفسيره مخالف لظاهر الحديث، فكيف يقال إذا لم يخالف الظاهر؟ قلت: لعل المراد بالظاهر الواقع، فإن هذا البيع في الجاهلية كان لضرب الأجل وتعيينه، وابن عمر كان أعرف بهذا من غيره، كأنه قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا البيع المخصوص، ثم فسره بما فسره، وليس التفسير حل اللفظ بل بيان للواقع.
الحديت الثالث والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((عن عسب الفحل)) ((نه)): عسب الفحل ماؤه، فرسًا كان أو بعيرًا أو غيرهما، وعسبه أيضًا ضرابه، يقال: عسب الفحل الناقة يعسبها عسبًا، ولم ينه عن واحد منهما، وإنما أراد النهي عن الكراء الذي يؤخذ عليه؛ فإن إعارة الفحل مندوب إليها، وقد جاء في الحديث ((ومن حقها إطراق فحلها)) ووجه الحديث أنه نهي عن كراء عسب الفحل، فحذف المضاف. وقيل: يقال لكراء الفحل: عسب، وعسب فحله يعسبه، أي أكراه، وعسبت الرجل إذا أعطيته كراء ضراب فحله، فلا يحتاج إلي حذف مضاف، وإنما نهي عنه للجهالة التي فيه، ولابد في الإجارة من تعيين العمل ومعرفة مقداره.
((حس)): فيه أنه لا يجوز استئجار الفحل للإنزاء؛ لما فيه من الغرر؛ لأن الفحل قد يضرب وقد لا يضرب، وقد تلقح الأنثى وقد لا تلقح، وذهب إلي تحريمه أكثر الصحابة والفقهاء، ورخص فيه جماعة لكراهة انقطاع النسل، وشبهوه بالاستئجار للإرضاع وتأبير النخل، وما نهت السنة عنه فلا يجوز المصير إليه بطريق القياس، وأما إعارة الفحل للإنزاء فلا بأس به، تم لو أكرمه المستعير بشيء، يجوز له قبول كرامته.
أقول: قد سبق عن الشيخ محي الدين جواز الغرر فيما تمس الحاجة إليه، ولما كان بقاء النسل مطلوبا بالذات رخص في العسب.
الحديث الرابع والخامس والسادس والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ضراب الجمل)) ((قض)): ضرب الفحل الناقة ضرابا نزا عليها، وبيع ضرابه أن يأخذ به مالا ويقرر عليه. قوله:((وعن بيع الماء والأرض لتحرث)) هو محمول علي المخابرة كما مر، قوله:((لا يباع فضل الماء)) ((قض)): اختلفت الروايات في هذا الحديث، فروى البخاري رحمه الله
2859 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ)). متفق عليه.
ــ
((لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا فضل الكلأ)) ومعناه: من كان له بئر في موات من الأرض، لا يمنع ماشية غيره أن ترد فضل مائه الذي زاد علي ما احتاجت إليه ماشيته ليمنعها بذلك عن فضل الكلأ، فإنه إذا منعهم عن فضل مائه في أرض لا ماء بها سواه، لم يكن لهم الرعي بها فيصير الكلأ ممنوعًا بمنع الماء، وروى السجستإني ((لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ)) والمعنى: لا يباع فضل الماء ليصير الكلأ ممنوعًا بسبب الضنة علي الماء والمضايقة عليه، وفي المصابيح ((لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ)) والمعنى: لا يباع فضل الماء ليصير البائع له كالبائع للكلأ، فإن من أراد الرعي في حومات مائه وحواليه، إذا منعه من الورود علي مائه إلا بعوض اضطر إلي شرائه، فيكون بيعه للماء بيعًا للكلأ. واختلف العلماء في أن هذا النهي للتحريم أو للتنزيه، وبنوا ذلك علي أن الماء يملك أم لا؟، والأولي حمله علي الكراهة. ((تو)): الكلأ في موضعه هذا من فصيح الكلام الذي تهتز له أعطاف البليغ، لأن العشب يستعمل في الرطب من النبات، والحشيش في اليابس منه، والكلأ يعم النوعين.
أقول: التركيب من باب نهي الفعل المعلل، فيلزم بالمفهوم جواز بيع الماء لا لتلك العلة، كما يبيع فضل الماء لسقي زرع الغير. ((مح)): لا يجب علي صاحب البئر بذل الفاضل عن حاجته لزرع غيره فيما يملكه من الماء، ويجب بذله للماشية، وللوجوب شروط: أحدها: أن لا يجد صاحب الماشية ماء مباحا، والثاني: أن يكون البذل لحاجة الماشية، والثالث: أن يكون هناك مرعى، وأن يكون الماء في مستقره، فالماء الموجود في إناء لا يجب بذل فضله علي الصحيح، ثم عابرو السبيل يبذل لهم ولمواشيهم، وفيمن أراد الإقامة في الموضع وجهان؛ لأنه لا ضرورة إلي الإقامة، والأصح الوجوب، وإذا أوجبنا البذل، هل يجوز أن تأخذ عليه عوضًا كإطعام المضطر؟ فيه وجهان، والصحيح أنه صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع فضل الماء.
اعلم أن البئر يتصور حفرها علي أوجه: أحدها: الحفر في المنازل للمارة، والثاني: في الموات علي قصد الارتفاق، كمن ينزل في الموات فيحفر للشرب وسقي الدواب، والثالث: الحفر بنية الملك، فالمحفورة للمار ماؤها مشترك بينهم، والحافر كأحدهم، والمحفورة للارتفاق الحافر أولي بمائها إلي أن يرتحل، لكن ليس له منع ما فضل منه للشرب لا الزرع، فإذا ارتحل صارت البئر كالمحفورة للمارة، فإن عاد فهو كغيره، وأما المحفورة للتملك فهل يكون ماؤها ملكًا؟ فيه وجهان: أصحهما نعم، وبه قال ابن أبي هريرة، وهو المنصوص في القديم. ويجري الخلاف فيما إذا انفجرت عين في ملكه، فإن قلنا: لا يملك فنبع وخرج منه ملكه من أخذه، وإن قلنا بالأصح لا يملكه الآخذ، أقول: بعض هذه المسائل ملحق بالتعليل، وبعضها بالمعلل في المنع وعدم المنع.
2860 -
وعنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر علي صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً. فقال:((ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء يا رسول الله! قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غش فليس مني)). رواه مسلم.
الفصل الثاني
2861 -
عن جابر، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن الثنيا إلا أن يعلم. رواه الترمذي. [2861]
2862 -
وعن أنس [رضي الله عنه]، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد. هكذا رواه الترمذي، وأبو داود، عن أنس.
ــ
الحديث السابع والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أصابته السماء)) أي المطر؛ لأنها مكانه، وهو نازل منها، قال:
إذا نزل السماء بأرض قوم
…
رعيناه وإن كانوا غضابا
قوله: ((من غش فليس مني)) ((من)) اتصالية، كقوله تعالي:{المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض} . ((حس)): الغش نقيض النصح مأخوذ من الغشش، وهو المشرب الكدر، ولم يرد به نفيه عن دين الإسلام، إنما أراد أنه ترك متابعتنا، هذا كما يقول الرجل لصاحبه: أنا منك، يريد به الموافقة والمتابعة، قال الله تعالي إخبارا عن إبراهيم عليه السلام:{فمن تبعني فإنه مني} .
الفصل الثاني
الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه قوله: ((عن الثنيا إلا أن يعلم)) قد سبق في الحديث الثالث من الفصل الأول معناه.
الحديث الثاني عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((نهي عن بيع النخل حتى يزهو)) أي عن بيع ثمر النخل حتى يزهو، فلما حذف المضاف أسند الفعل إلي المضاف إليه، فأنث و ((حتى)) غاية للنهي المخصوص.
والزيادة التي في ((المصابيح)) وهو قوله: نهي عن بيع التمر حتى تزهو؛ إنما ثبت في روايتهما: عن ابن عمر، قال: نهي عن بيع النخل حتى تزهو، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [2862]
2863 -
وعن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عن بيع الكالئ بالكالئ. رواه الدارقطني. [2863]
2864 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع العربان. رواه مالك، وأبو داود، وابن ماجه. [2864]
2865 -
وعن علي [رضي الله عنه]، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع
ــ
الحديث الثالث عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((عن بيع الكالئ بالكالئ)) ((فا)): كلأ الدين كلاء إذا تأخر، ومنه بلغ الله بك أكلأ العمر أي أطوله وأشده تأخرا. قال ابن الأعرابي:
تعففت عنها في القرون التي خلت
…
فكيف النسا في بعد ما كلأ العمر
وكلأته أنسأته، وكلأت الطعام أسلفت، وهو أن يكون لك علي رجل دين، فإذا حل أجله استباعك ما عليه إلي أجل [وارد عليه في النهاية، والمراد به بيع النسيئة بالنسيئة: وذلك أن يشتري الرجل شيئاً إلي أجل]، فإذا حل الأجل لم يجد ما يقضي، فيقول: بعنيه إلي أجل آخر بزيادة شيء، فيبيعه منه ولا يجري بينهما تقابض، وبعض الرواة لا يهمز ((الكالئ)) تخفيفا.
الحديث الرابع عن عمرو: قوله: ((عن بيع العربان)) أي عن البيع الذي يكون فيه عربان. ((نه)): هو أن يشتري السلعة ويدفع إلي صاحبها شيئاً، علي أنه إن أمضى البيع حسب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة، ولم يرجعه المشتري.
يقال: أعرب في كذا وعرب وعربن وهو عربان وعربون، وعربون كحمدون، قيل: سمي بذلك لأن فيه إعرابا لعقد البيع أي إصلاحا وإزالة فساد؛ لئلا يملكه غيره باشترائه، وهو بيع باطل عند الفقهاء؛ لما فيه من الشرط والغرر، وأجازه أحمد، وروي عن ابن عمر إجازته، وحديث النهي منقطع.
الحديث الخامس عن علي رضي الله عه: قوله: ((عن بيع المضطر)) ((نه)): هذا يكون من
وجهين، أحدهما: أن يضطر إلي العقد من طريق الإكراه، وهذا بيع فاسد لا ينعقد،
المضطر، وعن بيع الغرر، وعن بيع الثمرة قبل أن تدرك. رواه أبو داود. [2865]
2866 -
وعن أنس: أن رجلاً من كلاب، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل، فنهاه،
فقال: يا رسول الله! إنا نطرق الفحل فنكرم. فرخص له في الكرامة. رواه الترمذي. [2866]
2867 -
وعن حكيم بن حزام، قال: نهإني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبيع ما ليس عندي. رواه الترمذي في رواية له، ولأبي داود، والنسائي: قال: قلت: يا رسول الله! يأتيني الرجل فيريد مني البيع وليس عندي، فأبتاع له من السوق. قال:((لا تبع ما ليس عندك)). [2867]
ــ
والثاني: أن يضطر إلي البيع لدين ركبه، أو مؤونة ترهقه فيبيع ما في يديه بالوكس للضرورة، وهذا سبيله في حق الدين فالمروءة أن لا يباع علي هذا الوجه، ولكن يعار ويقرض إلي الميسرة، أو يشتري إلي الميسرة، أو يشتري السلعة بقيمتها، فإن عقد البيع مع الضرورة علي هذا الوجه، صح مع كراهة أهل العلم له. ومعنى البيع هاهنا الشرى أو المبايعة أو قبول البيع. والمضطر مفتعل من الضر، وأصله مضترر، فأدغمت الراء وقلبت التاء طاءً؛ لأجل الضاد. والغرر هو ما كان له ظاهر يغري المشتري وباطن مجهول، وقال الأزهري: الغرر ما كان علي غير عهدة وثقة، وتدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكنهها المتبايعان من كل مجهول.
الحديث السادس عن أنس: قوله: ((إنا نطرق الفحل)) ((نه)): وفي الحديث ((ومن حقها إطراق فحلها)) أي إعارته للضراب، فاستطراق الفحل استعارته لذلك، وكل ناقة طروقة فحلها، وكل امرأة طروقة زوجها، والطرق في الأصل ماء الفحل. وقيل: هو الضراب ثم سمي به الماء. ((شف)): فيه دليل علي أنه لو أعاره الفحل للإنزاء، فأكرمه المستعير بشيء جاز، وله قبوله، وإن لم يجز أخذ الكراء.
الحديث السابع عن حكيم: قوله: ((فيزيد مني البيع)) أي المبيع كالصيد بمعنى المصيد؛
لقوله تعالي: {أحل لكم صيد البحر} أي مصيدة، وقوله:((ليس عندي)) حال منه، وفي
شرح السنة، وفي بعض نسخ المصابيح ثبت بالواو. ((حس)): هذا في بيوع الأعيان دون بيوع
الصفات، فلو قبل السلم في شيء موصوف عام الوجود عند المحل المشروط يجوز، وإن لم
2868 -
وعن أبي هريرة، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة. رواه مالك، والترمذي، والنسائي. [2868]
2869 -
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في صفقة واحدة. رواه في ((شرح السنة)). [2869]
2870 -
وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)). رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. [2870]
ــ
يكن في ملكه حالة العقد، وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع العبد الآبق، وبيع المبيع قبل القبض، وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه؛ لأنه لا يدري هل يجيز مالكه أم لا، وبيع المبيع قبل القبض، وفي معناه بيع مال غيره بغير إذنه؛ لأنه لا يدري هل يجيز مالكه أم لا، وبه قال الشافعي. وقال جماعة: يكون العقد موقوفاً علي إجازة المالك، وهو قول مالك وأصحاب أبي حنيفة وأحمد.
الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عن بيعتين)) ((حس)) و ((مظ)): فسروا البيعتين في بيعة علي وجهين، أحدهما: أن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة نقداً أو بعشرين نسيئة إلي شهر، فهو فاسد عند أكثر أهل العلم؛ لأنه لا يدري أيهما الثمن حين يوجب البيع، وجهالة الثمن تمنع صحة البيع. وثإنيهما: أن يقول: بعتك عبدي بعشرة علي أن تبيعني جارية بكذا، فهو فاسد؛ لأنه جعل ثمن العبد عشرة دنإنير، وشرط بيع الجارية وذلك شرط لا يلزم، وإذا لم يلزم ذلك بطل بعض الثمن، فيصير ما يبقى من المبيع في مقابلة الثاني مجهولاً.
الحديث التاسع والعاشر عن عمرو: قوله: ((لا يحل سلف وبيع)) ((قض)): السلف يطلق علي السلم والقرض، والمراد به هاهنا شرط القرض علي حذف المضاف، أي لا يحل بيع مع شرط سلف، مثل أن يقول: بعتك هذا الثوب بعشرة علي أن تقرضني عشرة، نفي الحل اللازم للصحة؛ ليدل علي الفساد من طريق الملازمة، والعلة فيه وفي كل عقد تضمن شرطاً لا يثبت ويتعلق به غرض ما مر في حديث السالف. وقيل: هو أ، يقرضه قرضاً ويبيع منه شيئاً بأكثر من قيمته، فإنه حرام لأن قرضه روج متاعه بهذا الثمن، وكل قرض جر نفعاً فهو حرام.
وقوله: ((ولا شرطان في بيع)) فسر بالمعنى الذي ذكرناه أولا للبيعتين في بيعة، وقيل: معناه
2871 -
وعن ابن عمر، قال: كنت أبيع الإبل بالنقيع بالدنإنير، فآخذ مكانها الدراهم، وأبيع بالدراهم فآخذ مكانها الدنإنير، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له. فقال:((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)). رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي، والدارمي. [2871]
ــ
أن يبيع شيئاً بشرطين، مثل أن يقول: بعت منك هذا الثوب بكذا علي أن أقصره وأخيطه، وإليه ذهب أحمد، وبنى علي مفهومه جواز الشرط الواحد وهو ضعيف؛ إذ لا فرق بين الشرط الواحد والشرطين في المعنى؛ ولأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهي عن بيع وشرط)) ولعل تخصيص الشرطين للعادة التي كانت لهم. ((وربح ما لم يضمن)) يريد به الحاصل من بيع ما اشتراه قبل أن يقبضه، وينتقل من ضمان البائع إلي ضمانه، فإن بيعه فاسد، وقول القاضي: وقيل: هو أن يقرضه قرضاً ويبيع منه شيئاً بأكثر من قيمته ثمناً، وأحمد علي ما في شرح السنة. وقال أحمد: هو أن يقرضه قرضاً ثم يبايعه عليه بيعاً يزداد عليه، وقال الخطابي: وهذا فاسد؛ لأن كل قرض جر منفعة فهو ربا.
((حس)): قيل: معناه أن الربح في الشيء إنما يحل إن كان الخسران عليه، فإن لم يكن الخسران عليه، كالمبيع قبل القبض إذا تلف، فإن ضمانه علي البائع، فلا يحل للمشتري أن يسترد منافعه التي انتفع بها البائع قبل القبض؛ لأن المبيع لم يدخل بالقبض في ضمان المشتري، فلا يحل له ربح المبيع قبل القبض.
الحديث الحادي عشر عن ابن عمر رضي الله عهما: قوله: ((بالنقيع)) ((نه)) ز ((تو)): هو بالنون موضع قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء أي يجتمع. قوله: ((أن تأخذها)) الضمير المنصوب راجع إلي أحد النقدين من الدراهم والدنإنير علي البدلية، ((وشيء)) عبارة عن التقابض، وإنما نكره وأبهمه للعلم بالمراد، فإن تقابض النقدين في المجلس مما هو مشهور ولا يلتبس علي كل أحد، وقوله صلى الله عليه وسلم:((لا بأس)) في الجواب ثم تقييده بقوله: ((أن تأخذها)) إلي آخره من باب القول بالموجب، كأنه قال: لا بأس أن تأخذ بدل الدنإنير الدراهم وبالعكس، بشرط التقابض في المجلس، والتقييد بقوله:((بسعر اليوم)) علي طريقة الاستحباب عند الشافعي.
((حس)): يشترط قبض ما يستدل في المجلس، سواء استبدل عنه ما يوافقه في علة الربا أو غيره، وكذلك في القرض وبدل الإتلاف؛ لقوله:((ما لم تتفرقا وبينكما شيء)). وقيل: لا يشترط ذلك إلا إذا كانا موافقين في علة الربا، وإنما شرطه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما- أعني الدراهم والدنإنير- مما يوافقان في علة الربا، والتقابض في أحد النقدين بالآخر شرط، ولو استبدل عن الدين شيئاً مؤجلاً لا يجوز؛ لأنه بيع كالئ بكالئ، وقد نهي عنه.
2872 -
وعن العداء بن خالد بن هوذة، أخرج كتابا: هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشترى منه عبدا أو أمة، لا داء، ولا غائلة، ولا خبثة، بيع المسلم المسلم. رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. [2872]
2873 -
وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا، فقال:((من يشتري هذا الحلس والقدح؟)) فقال رجل: آخذهما بدرهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من يزيد علي درهم؟)) فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه. رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. [2873]
ــ
الحديث الثاني عشر عن العداء قوله: العداء ((قض)): هذا العداء من بني ربيعة بن عمرو بن عامر بن صعصعة من أعراب البصرة. و ((عبدا أو أمة)) شك بعض الرواة، والمراد بالداء العيب الموجب للخيار، وبالغائلة ما فيه اغتيال مال المشتري، مثل أن يكون العبد سارقاً أو آبقا، وبالخبثة أن يكون خبيث الأصل، لا يطيب للملاك، أو محرماً كالمسبي من أولاد المعاهدين ومن لا يجوز سبيهم، فعبر عن الحرمة بالخبث، كما عبر عن الحل بالطيب. ((بيع المسلم المسلم)) نصب علي المصدر أي باعه بيع المسلم من المسلم، وأضاف إلي الفاعل ونصب به المفعول. ((تو)): ليس في ذلك ما يدل علي أن المسلم إذا بايع غير أهل ملته، جاز له أن يعامله بما يتضمن غبنا أو غشا، وإنما قال ذلك علي سبيل المبالغة في النظر له، فإن المسلم إذا بايع المسلم يرى له من النصح أكثر مما يرى لغيره، أو أراد بذلك بيان حال المسلمين إذا تعاقدا، فإن من حق الدين وواجب النصيحة أن يصدق كل واحد منهما صاحبه، ويبين له ما خفي عليه، ويكون التقدير باعه بيع المسلم المسلم، واشتراه شرى المسلم المسلم، فاكتفي بذكر أحد طرفي العقد عن الآخر.
الحديث الثالث عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((باع)) أي أراد أن يبيع، كقوله تعالي:{وإذا قرأت القرآن} . قوله: ((حلساً)) ((نه)): الحلس الكساء الذي علي ظهر البعير تحت القتب لا يفارقه. قوله: ((من يزيد علي درهم)) ((مح)): هذا ليس بسوم؛ لأن السوم هو أن يتفق الراغب والبائع علي البيع ولم يعقداه، فيقول الآخر للبائع: أنا أشتريه، وهذا حرام بعد استقرار الثمن، وأما السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد فليس حرام. أقول: في قوله: ((فأعطاه)) أي النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله:((فباعهما)) إيهام أن المعاطاة كافية.