الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3014 -
وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها)) رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود. [3014]
الفصل الثالث
3015 -
عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمسكوا أموالكم عليكم، لا تفسدوها؛ فإنه من أعمر حيا وميتاً ولعقبه)) رواه مسلم.
(17) باب
الفصل الأول
3016 -
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من عرض عليه ريحان
ــ
لورثته من بعده، وقد تعاضدت الروايات علي ذلك. والفقهاء فيها مختلفون، فمنهم من يعمل بظاهر الحديث ويجعلونها تمليكاً، ومنهم من يجعلها كالعارية ويتأول الحديث. والرقبى فعلي من المراقبة، لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، لأنه قال: فإن مت قبلي عاد إلي وإن مت قبلك استقر لك.
أقول: الضمير في ((لورثته)) للمعمر له. وكذلك المراد بـ ((أهلها)) والفاء في ((فمن أرقب)) تسبيب للنهي وتعليل له، يعني: لا تراقبوا ولا تعمروا ظنا منكم واغتراراً أن كلا منهما ليس يتمليك للمعمر له، فيرجع إليكم بعد موته، وليس كذلك؛ فإن من أرقب شيئاً أو أعمر فهو لورثة المعمر له. فعلي هذا يتحقق إصابة ما ذهب إليه الجمهور في أن العمرى للمعمر له، وأنه يملكها ملكاً تاماً يتصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات، وتكون لورثته بعده وينصر هذا التأويل الحديث الذي يليه في الفصل الثالث.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((لا تفسدوها)) هذا النهي تأكيد للأمر. ((مح)): أعلمهم أن العمرى هبة صحيحة ماضية، يملكها الموهوب له ملكاً تاماً لا تعود إلي الواهب أبداً، وإذا علموا ذلك فمن شاء أعمر ودخل فيها علي بصيرة، ومن شاء تركها لأنهم كانوا يتوهمون أنها كالعارية يرجع فيها وهذا دليل الشافعي وموافقيه.
باب
الفصل الأول
الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ريحان)) ((نه)): هو كل نبت طيب
فلا يرده، فإنه خفيف المحمل، طيب الريح)) رواه مسلم.
3017 -
وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب. رواه البخاري.
3018 -
وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء)). رواه البخاري.
3019 -
وعن النعمان بن بشير، أن أباه أتى به إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني
ــ
الريح من أنواع المشموم. قوله: ((فإنه خفيف المحمل)) أي قليل المنة، طيب الريح علة للنهي عن رد الهدية، يعني أن الهدية إذا كانت قليلة وتتضمن نفعاً تاماً فلا تردوها، لئلا يتأذى المهدي.
الحديث الثاني والثالث عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ليس لنا مثل السوء)) ((قض)): أي لا ينبغي لنا – يريد به نفسه والمؤمنين – أن نتصف بصفة ذميمة يساهمنا فيها أخس الحيوانات في أخس أحوالها. وقد يطلق المثل في الصفة الغريبة العجيبة الشأن، سواء كان صفة مدح أو ذم، قال الله تعالي:{لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ ولِلَّهِ المَثَلُ الأَعْلي} واستدل به علي عدم جواز الرجوع في الموهب بعد ما أقبض المتهب.
((مح)): هذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما، وهو محمول علي هبة الأجنبي إلا ما وهب لولده أو ولد ولده كما صرح به في حديث النعمان، هذا مذهب الشافعي ومالك والأوزاعي. وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب إلا الوالد وكل ذي رحم محرم. ((تو)): محمل هذا المثل عند من يرى الرجوع في الهبة عن الأجنبي أنه علي التنزيه وكراهة الرجوع لا علي التحريم، ويستدل بحديث عمر رضي الله عنه حين أراد شراء فرس علي حمل عليه في سبيل الله، فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((لا تبعته وإن أعطاكه بدرهم، ولا تعد في صدقتك، فإن العائد في صدقته [كالكلب يعود] في قيئه)). قال: فلما لم يكن هذا القول موجباً حرمة ابتياع ما تصدق به، فكذلك هذا الحديث لم يكن موجباً حرمة الرجوع في الهبة.
أقول: والعجب أن ما يدل علي تشديد الشيء والمبالغة في النهي عن رجوع الهبة كيف يجعل ذريعة إلي جوازه، وذلك أتى بقوله:((لا تبتعه)) يريد: احترز عن ذلك السوء كل الاحتراز، ولا تبتع الموهوب بأي طريق كان ولو بعقد شرعي. والله أعلم.
نحلت ابني هذا غلاماً. فقال: ((أكل ولدك نحلت مثله؟)) قال: لا. قال: ((فأرجعه)). وفي رواية: أنه قال: أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟)) قال: بلي. قال: ((فلا إذن)). وفي رواية أنه قال: أعطإني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضي حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله! قال: أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟)) قال: لا. قال: ((فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)). قال: فرجع فرد عطيته. وفي رواية: أنه قال: ((لا أشهد علي جور)). متفق عليه.
ــ
الحديث الرابع عن النعمان: قوله: ((إني نحلت)) ((نه)): النحل العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق. يقال: نحله ينحله نحلا – بالضم – والنحلة – بالكسر – العطية. ((مح)): فيه استحباب التسوية بين الأولاد في الهبة فلا يفضل بعضهم علي بعض، سواء كانوا ذكورا أو إناثاً. قال بعض أصحابنا: ينبغي أن يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، والصحيح الأول؛ لظاهر الحديث. فلو وهب بعضهم دون بعض فمذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة أنه مكروه وليس بحرام والهبة صحيحة. قال أحمد والثوري وإسحاق وغيرهم: هو حرام، واحتجوا بقوله:((لا أشهد علي جور)) وبقوله: ((واعدلوا بين أولادكم)).
واحتج الأولون بما جاء في رواية ((فأشهد علي هذا غيري)) ولو كان حراماً أو باطلا لما قال هذا، وبقوله:((فأرجعه)) ولو لم يكن نافذاً لما احتاج إلي الرجوع. فإن قيل: قال تهديداً. قلنا: الأصل خلافه، ويحمل هذا الإطلاق صيغة أفعل علي الوجوب أو الندب، وإن تعذر ذلك فعلي الإباحة. وأما معنى الجور فليس فيه أنه حرام؛ لأنه هو الميل عن الاستواء والاعتدال، وكل ما خرج عن الاعتدال فهو جور، سواء كان حراماً أو مكروهاً. وفيه جواز رجوع الوالد في هبته عن الولد. أقول: وبقوله: ((فلا إذن)) لأن ((إذن)) جواب وجزاء، فإنه صلى الله عليه وسلم لما قال:((أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء)). أي: يكونوا بارين محسنين إليك لا عاقين، فقال: بلي. فأجابه: ((فلا إذن)) أي إذا كان كذلك فلا تفعل إذن، ولفظ السرور صريح في الاستحباب.
((حس)): في الحديث استحباب التسوية بين الأولاد في النحل وفي غيرها من أنواع البر حتى في القبل، ولو فعل خلاف ذلك نفذ. وقد فضل أبو بكر عائشة رضي الله عنهما بجذاذ عشرين وسقا، نحلها إياها دون سائر أولاده؛ وفضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاصما بشيء أعطاه وفضل عبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم. ((قض)): وقرر ذلك ولم ينكر عليهم، فيكون إجماعا.
الفصل الثاني
3020 -
عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرجع أحد في هبته، إلا الوالد من ولده)). رواه النسائي، وابن ماجه. [3020]
3021 -
وعن ابن عمر، وابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((لا يحل للرجل أن يعطي عطية، ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده. ومثل الذي يعطي العطية، ثم يرجع فيها، كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه)). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وصححه الترمذي. [3021]
ــ
الفصل الثاني
الحديث الأول والثاني عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((لا يحل للرجل)) ((قض)): الحديث – كما ترى – نص صريح علي أن جواز الرجوع مقصور علي ما وهب الوالد من ولده، وإليه ذهب الشافعي، وعكس الثوري وأصحاب أبي حنيفة، وقالوا: لا رجوع للواهب فيما وهب لولده أو لأحد من محارمه، ولا لأحد الزوجين فيما وهب للآخر، وله الرجوع فيما وهب للأجانب. وجوز مالك الرجوع مطلقاً، إلا في هبة أحد الزوجين من الآخر.
وأول بعض الحنفية هذا الحديث بأن قوله: ((لا يحل)) معناه التحذير عن الرجوع، لا نفي الجواز عنه، كما في قولك: لا يحل للواجد رد السائل، وقوله:((إلا الوالد لولده)) معناه أن له أن يأخذ ما وهب لولده، ويصرف في نفقته، وسائر ما يجب له عليه وقت حاجته كسائر أمواله، استيفاء لحقه من ماله، لا استرجاعا لما وهب ونقضا للهبة، وهو مع بعده عدول عن الظاهر بلا دليل.
وما تمسكوا به قول عمر رضي الله عنه: ((من وهب هبة لذي رحم جازت، ومن وهب هبة لغير ذي رحم فهو أحق بها مالم يثب منها))، مع أنه ليس بدليل أمثل تأويلاً، وأولي بأن يأول. مع أن الظاهر منه بيان الفرق بين الهبة من المحارم والأجانب في اقتضاء الثواب، وأن من وهب لأجنبي طمعاً في ثواب فلم يثبه كان له الرجوع، وقد روي ذلك عنه صريحا وللشافعي قول قديم يقرب منه. وأبو حنيفة لا يرى لزوم الثواب أصلا، فكيف يحتج به.
أقول: لما تقرر في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن الرجوع عن الهبة مذموم، وأنه لا يصح ولا يستقيم للمؤمنين أن يتصفوا بهذا المثل السوء، وسبق أن حديث عمر رضي الله عنه: جاء مؤكدا له كان ينبغي أن لا يرجع في الأولاد أيضاً. وإنما جوز لأنه في الحقيقة ليس
3022 -
وعن أبي هريرة: أن أعرابياً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكرة، فعوضه منها ست بكرات، فتسخط، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:((إن فلانا أهدى إلي ناقة، فعوضته منها ست بكرات، فظل ساخطاً، لقد هممت أن لا أقبل هدية إلا من قرشي، أو أنصاري، أو ثقفي، أو دوسي)). رواه الترمذي، وأبو داود، والنسائي. [3022]
3023 -
وعن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من أعطي عطاء فوجد فليجز به،
ــ
برجوع، لأن الولد منه وماله له؛ يدل عليه قوله تعالي:{وعَلي المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} أي الذي ولد له، وكأنه مملوكه. وقوله صلى الله عليه وسلم:((إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم)). وربما تقتضي المصلحة الرجوع تأديباً وسياسة للولد لما يرى منه ما لا يرضاه.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((بكرة)) ((نه)): البكر بالفتح الفتي من الإبل بمنزلة الغلام من الناس، والأنثى بكرة. قوله:((لقد هممت أن لا أقبل)) ((تو)): كره قبول الهدية ممن كان الباعث له عليها طلب الاستكثار، وإنما خص المذكورين فيه بهذه الفضيلة لما عرف منهم من سخاوة النفس وعلو الهمة وقطع النظر عن الأعواض – انتهي كلامه. اعلم أن هذه الخصلة من رذائل الأخلاق وأخبثها، ولذلك عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبائل بحسن أخلاقها، أن قبيلة هذا الأعرابي علي خلافها، ونهي الله سبحانه حبيبه صلى الله عليه وسلم عنها في قوله تعالي:{ولا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} . ((الكشاف)): أي ولا تعط طالباً للتكثير، نهي عن الاستغزار، وهو أن يهب شيئاً وهو يطمع أن يتعرض من الموهوب له أكثر من الموهوب، وهذا جائز، ومنه:((المستغزر يثاب من هبته)). وهذا النهي إما نهي تحريم، فهو يختص برسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نهي تنزيه له ولأمته.
((حس)): اختلفوا في الهبة المطلقة التي لا يشترط فيها الثواب، فذهب قوم من الفقهاء أنها تقتضي الثواب لهذا الحديث، ومنهم من جعل الناس في الهدايا علي ثلاث طبقات: هبة الرجل لمن هو دونه، فهو إكرام وإلطاف لا يتقضى الثواب. وكذلك هبة النظير من النظير. وأما هبة الأدنى من الأعلي فتقتضي الثواب؛ لأن المعطي يقصد بها الرفد والثواب. ثم قدر الثواب علي العرف والعادة، وقيل: قدر قيمة الموهوب، وقيل: حتى يرضي الواهب. وظاهر مذهب الشافعي أن الهبة المطلقة لا تقتضي الثواب، سواء وهب لنظيره، أو لمن دونه أو فوقه. وكل من أوجب الثواب فإذا لم يثب كان للواهب الرجوع في هبته.
الحديث الرابع عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((فوجد)) أي من أعطي شيئاً، فليكن عارفاً حقه، فإن وجد مالا فليجز به، ومن لم يجد فليشكر، ولا يجوز له كتمان نعمته، ومن كفر فكتم
ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلي بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور)). رواه الترمذي، وأبو داود. [3023]
3024 -
وعن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً؛ فقد أبلغ في الثناء)). رواه الترمذي. [3024]
3025 -
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يشكر الناس لم يشكر الله)). رواه أحمد، والترمذي. [3025]
ــ
نعمته. وفيه من الحمد معنى قوله: ((الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لم يحمد الله)). والفاء في ((فوجد)) عاطفة علي الشرط وفي ((فليجز)) جوابه.
فإن قلت: كان من حق الظاهر العطف بالواو؛ ليفيد أن الجمع بين الإعطاء والوجدان سبب للجزاء، فما معنى الترتيب؟ قلت: هذا الترتيب لا يمنع الجمع، وفائدته أن من أعطى فلا يؤخر الجزاء عن العطاء ريثما وجد اليسار، فيعلم أن من وجد لا ينبغي له التأخير بالطريق الأولي.
قوله: و ((من تحلي بما لم يعط)) ((نه)): الحلي اسم لكل ما يتزين به. قال: أبو عبيدة: هو المرائي يلبس الزهاد ويري أنه زاهد. وقال غيره: هو أن يلبس قميصا، يصل بكميه كمين آخرين، يري أنه لابس قميصين، فكأنه يسخر من نفسه. ومعناه أنه بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن. وقيل: إنما شبه بالثوبين؛ لأن المتحلي كذب كذبين، فوصف نفسه بصفة ليست فيه، ووصف غيره بأنه خصة بصلة، فجمع بهذا القول بين كذبين. ((خط)): كان في العرب رجل يلبس ثوبين كثياب المعاريف؛ ليظنه الناس أنه رجل معروف محترم؛ لأن المعاريف لا يكذبون؛ فإذا رآه الناس علي هذه الهيئة، يعتمدون علي قوله وشهادته بالزور؛ لأجل تشبيهه نفسه بالصادقين.
أقول: إنما أتبع الجازي والمثني بالمتحلي؛ لأنهما أظهرا حق ما وجب عليهما؛ لئلا يكفرا المنعم. وهذا إنما يظهر ما يلبس به الناس ويتلبس عليهم ليجز منهم، وإليه أشار أبو عبيدة بقوله: هو المرائي يلبس ثياب الزاهد ويري أنه زاهد.
الحديث الخامس عن أسامة رضي الله عنه: قوله: ((فقد أبلغ في الثناء)) وذلك أنه اعترف بالتقصير وأنه ممن عجز عن جزائه وثنائه، ففوض جزاءه إلي الله ليجزيه الجزاء الأوفي.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لم يشكر الله)) ((قض)): هذا لأن
3026 -
وعن أنس، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون، فقالوا: يا رسول الله! ما رأينا قوماً أبذل من كثير، ولا أحسن مواساة من قليل؛ من قوم نزلنا بين أظهرهم: لقد كفونا المؤونة. وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله. فقال:((لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم)). رواه الترمذي وصححه. [3026]
3027 -
وعن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((تهادوا؛ فإن الهدية تذهب الضغائن)). رواه. [3027]
ــ
شكره تعالي إنما يتم بمطاوعته وامتثال أمره، وإن مما أمر به شكر الناس الذين هم وسائط في إيصال نعم الله إليه، فمن لم يطاوعه فيه، لم يكون مؤديا شكر أنعمه، أو لأن من أخل بشكر من أسدى إليه نعمة من الناس – مع ما يرى من حرصه علي حب الثناء والشكر علي النعماء، وتأذيه بالإعراض والكفران – كان أولي بأن يتهاون في شكر من يستوي عنه الشكر والكفران.
الحديث السابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((من كثير)) الجاران أعنى قوله ((من كثير، ومن قليل)) متعلقان بالبذل والمواساة، وقوله:((من قوم)) صلة لأبذل وأحسن علي سبيل التنازع، وقوم هو المفضل. والمراد بالقوم الأنصار، وإنما عدل عنه إليه؛ ليدل التنكير علي التفخيم، فيتمكن من إجراء الأوصاف التالية عليه بعد الإبهام؛ ليكون أوقع؛ لأن التبيين بعد الإبهام أوقع في النفس وأبلغ. قوله:((في المهنأ)) هو ما يقوم بكفاية الرجل وإصلاح معاشه.
((قض)): يريد به ما أشركوهم فيه من زروعهم وثمارهم، من قولهم: هنأ في الطعام يهنإني – بالضم والكسر – أي أعطإنيه، والاسم منه الهنوء – بالكسر – وهو العطاء. قوله:((بالأجر كله)) يعني إذا حملوا المشقة والتعب علي أنفسهم، وأشركونا في الراحة والمهنأ، فقد أحرزوا المثوبات، فكيف نجازيهم؟. فأجاب: لا. أي ليس الأمر كما زعمتم؛ فإنكم إذا أثنيتم عليهم شكراً لصنيعهم ودمتم عليه، فقد جازيتموهم.
الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((تذهب الضغائن)) ((نه)): الضغن الحقد والعداوة والبغضاء، وكذلك الضغينة وجمعها الضغائن. أقول: وذلك لأن السخط جالب للضغينة والحقد، والهدية جالبة للرضا، فإذا جاء سبب الرضا ذهب سبب السخط.
3028 -
وعن أبي هريرة [رضي الله عنه]، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدر. ولا تحقرن جارة لجارتها ولو شق فرسن شاة)). رواه الترمذي. [3028]
3029 -
وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث لا ترد؛ الوسائد والدهن، واللبن)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. قيل: أراد بالدهن الطيب. [3029]
3030 -
وعن أبي عثمان النهدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أعطي أحدكم الريحان فلا يرده؛ فإنه خرج من الجنة)). رواه الترمذي مرسلاً. [3030]
ــ
الحديث التاسع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وحر الصدر)) ((نه)): وحر الصدر بالتحريك غشه ووساوسه. وقيل: الحقد والغضب. وقيل: العداوة. وقيل: أشد الغضب. ((قض)): الفرسن من الشاة والبعير بمنزلة الحافر من الدابة، والمعنى لا تحقرن جارة هدية جارتها ولو كانت فرسن شاة، وقد جاء في بعض الروايات ((ولو بشق فرسن شاة)) بزيادة حرف الجر فالتقدير: لو أن تبعث إليها أو تتفقدها ونحو ذلك. أقول: الحديث من رواية الترمذي بغير باء، وكذا في جامع الأصول.
قوله: ((لجارتها)) متعلق بمحذوف، وهو مفعول ((تحقرن)) أي لا تحقرن جارة هدية مهداة لجارتها، وهو تتميم للكلام السابق، كقول الشاعر:
نظرت إليك بعين جارية حوراء حإنية علي طفل
أرشد صلى الله عليه وسلم الناس إلي أن التهادي يزيل الضغائن، ثم بالغ فيه حتى ذكر أحقر الأشياء بين أبغض البغيضين، إذا حمل الجارة علي الضرة، وهو الظاهر لمعنى التتميم. ((نه)): الجارة الضرة من المجاورة بينهما. ومنه حديث أم زرع. ((وغيظ جارتها)) أي أنها ترى حسنها فيغيظها ذلك.
الحديث العاشر والحادي عشر عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((الوسائد)) يريد أن يكرم الضيف بالوسادة والطيب واللبن هدية قليلة المنة، فلا ينبغي أن ترد.