المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(11) باب الخلع والطلاق - شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن - جـ ٧

[الطيبي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب البيوع

- ‌(1) باب الكسب وطلب الحلال

- ‌(2) باب المساهلة في المعاملات

- ‌(3) باب الخيار

- ‌(4) باب الربا

- ‌(5) باب المنهي عنها من البيوع

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب السلم والرهن

- ‌(8) باب الاحتكار

- ‌(9) باب الإفلاس والإنظار

- ‌(10) باب الشركة والوكالة

- ‌(11) باب الغصب والعارية

- ‌(12) باب الشفاعة

- ‌(13) باب المساقاة والمزارعة

- ‌(14) باب الإجارة

- ‌(15) باب إحياء الموات والشرب

- ‌(16) باب العطايا

- ‌(17) باب

- ‌(18) باب اللقطة

- ‌[كتاب الفرائض والوصايا]

- ‌باب الفرائض

- ‌(1) باب الوصايا

- ‌كتاب النكاح

- ‌(1) بابالنظر إلي المخطوبة وبيان العورات

- ‌(2) بابالولي في النكاح واستئذان المرأة

- ‌(3) باب إعلان النكاح والخطبة والشرط

- ‌(4) باب المحرمات

- ‌(5) باب المباشرة

- ‌(6) باب

- ‌(7) باب الصداق

- ‌(8) باب الوليمة

- ‌(9) باب القسم

- ‌(10) بابعشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

- ‌(11) باب الخلع والطلاق

- ‌(12) باب المطلقة ثلاثا

- ‌(13) باب [في كون الرقبة في الكفارة مؤمنة]

- ‌(14) باب اللعان

- ‌(15) باب العدة

- ‌(16) باب الاستبراء

- ‌(17) باب النفقات وحق المملوك

- ‌(18) باب بلوغ الصغير وحضانته في الصغر

الفصل: ‌(11) باب الخلع والطلاق

(11) باب الخلع والطلاق

الفصل الأول

3274 -

عن ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أتردين عليه حديقته؟)) قالت: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقبل الحديقة وطلقها تطليقة)) رواه البخاري.

ــ

أن تكون الإضافة حقيقة والرجل معسر، ومع ذلك لا يتجاوز الحد من أخذ مالها فلا تضيق عليه ما أنفق من ماله، وأن تكون مجازية، نسب مال الزوج إليها لتصرفها فيه، كما في قوله تعالي:{ولا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} ومخالفتها في نفسها الخيانة، وعلي المعنى الثاني ينطبق الحديث الثاني. والله اعلم.

باب الخلع والطلاق

المغرب: خلع الملبوس نزعه، وخالعت المرأة زوجها واختلعت منه إذا افتدت منه بمالها، فإذا أجابها الرجل فطلقها، قيل: خلعها، والاسم الخلع بالضم، وإنما قيل ذلك؛ لأن كلا منهما لباس صاحبه، فإذا فعلا ذلك فكأنكما نزعا لباسهما. والطلاق اسم بمعنى التطليق كالسلام بمعنى التسليم. والتركيب يدل علي الحل والانحلال، ومنه: أطلقت الأسير إذا حللت إساره وخليت عنه، وأطلقت الناقة من العقال.

الفصل الأول

الحديث الأول عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((ما أعتب عليه)) ((نه)): عتبه يعتبه عتباً وعتب عليه يعتب عتباً ومعتباً، والاسم المعتبة بالكسر والفتح، من الموجدة والغضب، والعتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجد. ((قض)): زوجة ثابت هذه، قيل: إنها كانت جميلة بنت أبي أخت عبد الله بن أبي بن سلول، وقيل: إنها حبيبة بنت سهل الأنصاري.

وقوله: ((ما أعتب عليه في خلق ولا دين))، أي لا أغضب عليه ولا أريد مفارقته لسوء خلقه، ولا لنقصان في دينه، ولكن أكرهه طبعاً فأخاف علي نفسي في الإسلام ما ينافي حكمه من بغض نشوز وغير ذلك، مما يتوقع من الشابة المبغضة لزوجها، فنسبت ما ينافي مقتضى الإسلام باسم ما بنافيه نفسه.

ص: 2339

3275 -

وعن عبد الله بن عمر: أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:(ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)). وفي رواية: ((مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً)). متفق عليه.

ــ

وقوله لثابت: ((أقبل الحديقة وطلقها تطليقة)) أمر استصلاح وإرشاد إلي ما هو الأصوب لا إيجاب وإلزام بالطلاق. وفيه دليل علي أن الأولي للمطلق أن يقتصر علي طلقة واحدة؛ ليتأتى له العود إليها إن اتفق بداء. ((مظ))؛: اختلف في أنه لو قال: خالعتك علي كذا، فقالت: قبلت وحصلت الفرقة بينهما، هل هو طلاق أم فسخ؟ فمذهب أبي حنيفة ومالك وأصح قولي الشافعي: أنه طلاق بائن، كما لو قال: طلقتك. ومذهب أحمد وأحد قولي الشافعي أنه فسخ.

الحديث الثاني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((إنه طلق امرأة له)) الحديث. ((قض)): لهذا الحديث فوائد: منها: حرمة الطلاق في الحيض لتغيظه صلى الله عليه وسلم فيه، وهو لا يتغيظ إلا في حرام. ومنها: التنبيه علي أن علة الحرمة تطويل العدة عليها؛ فإنه طلقها في زمان لا يحسب من عدتها، وأن عدتها بالأطهار دون الحيض. والمراد بقوله تعالي:{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} ثلاثة أطهار؛ لقوله: ((فليطلقها طاهراً)) إلي آخره. ومنها: أن تداركه بالمراجعة إذ التطويل يزول بها. ومنها: أن المراجع ينبغي أن لا يكون قصده بالمراجعة تطليقها؛ لأنه أمر بإمساكها في الطهر الثاني برأي مستأنف وقصد مجدد يبدو له بعد أن تطهر ثإنياً. ومنها: الدلالة بمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: ((فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها)) أن الطلاق لا يحل أيضاً في طهر جامعها فيه؛ لأن الأمر المقيد بالمنطوق أمر إباحة، فيكون الثابت في المسكوت عنه نفيها؛ وإلا لم يفد التخصيص.

قوله: ((فتلك العدة التي أمر الله)) ((مح)): فيه دليل لمذهب الشافعي ومالك وموافقيهما، أن الأقراء في العدة هي الأطهار؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال:((فليطلقها في الطهر إن شاء، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها)) أي فيها، ومعلوم أن الله تعالي لم يأمر بطلاقهن في الحيض بل حرمه، والمشار إليه بقوله:((فتلك)) الحالة المذكورة، وهي حالة الطهر والعدة. قال أصحابنا: يحرم الطلاق في طهر جامعها فيه حتى يتبين حملها لئلا يندم، ولو كانت الحائض حاملا فالصحيح عندنا أنه لا يحرم طلاقها؛ لأن تحريم الطلاق في الحيض إنما كان لتطويل العدة؛ لكونه لا يحسب قرءاً. فأما الحامل الحائض فعدتها بوضع الحمل، فلا يحصل في حقها تطويل. وفي

ص: 2340

3276 -

وعن عائشة، قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترنا الله ورسوله، فلم يعد ذلك علينا شيئاً. متفق عليه.

3277 -

وعن ابن عباس، قال: في الحرام يكفر: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)). متفق عليه.

3278 -

وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، وشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل علها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل علي إحداهما، فقالت له ذلك.

ــ

قوله: ((فإن بدا له)) دليل علي أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب، وفي قوله:((مره فليراجعها)) دليل علي أن الرجعة لا تفتقر إلي رضي المرأة ولا وليها.

الحديث الثالث عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((فلم يعد ذلك)) ((قض)): كان علي رضي الله عنه يقول: إذا خير الزوج زوجته فاختارت نفسها بانت بواحدة، وإن اختارت زوجها طلقت بتخييره إياها طلقة رجعية. وكان زيد بن ثابت يقول في الصورة الأولي: طلقت ثلاثاً، وفي الثانية: طلقت واحدة بائنة. فأنكرت عائشة قولهما بذلك، أي لم يعد علينا شيئاً لا ثلاثاً ولا واحدة، لا بائنة ولا رجعية. ((مظ)): لو قال الزوج لامرأته: اختاري نفسك أو إياي، فقالت: اخترت نفسي وقع به طلاق رجعي عند الشافعي وأحمد، وطلاق بائن عند أبي حنيفة، وثلاث طلقات عند مالك.

الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((في الحرام يكفر)) ((تو)): أراد ابن عباس أن من حرم علي نفسه شيئاً قد أحله الله له، يلزمه كفارة يمين؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم علي نفسه ما أحل له الله له أمر بالكفارة، قال الله تعالي:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} الآية. و ((الأسوة)) الحالة التي يكون الإنسان عليها من إتباع غيره إن حسناً وإن قبيحاً؛ ولهذا وصفت في الآية بالحسنة. ((حس)): إذا قال لامرأته: أنت علي حرام أو حرمتك، فإن نوى به طلاقها فهو طلاق، وإن نوى به ظهارها فهو ظهار، وإذا أطلق ليس بطلاق ولا ظهار، وعليه كفارة اليمين. وإذا قال لأمته، فإن نوى عتقها عتقت وإلا فعليه كفارة اليمين وليس بيمين. وإن حرم طعاماً علي نفسه لا يحرم، ولا شيء عليه إذا أكله. ولو قال: كل ما أملكه هو علي حرام، فإن لم تكن له زوجة ولا جارية فلا شيء عليه، وإن كان له زوجة أو جارية فعليه كفارة اليمين.

الحديث الخامس عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((مغافير)) ((تو)) المغافير جمع مغفور بضم

ص: 2341

فقال: ((لا بأس، شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، فلن أعود له، وقد حلفت؛ لا تخبري بذلك أحداً)) – يبتغي مرضاة أزواجه، فنزلت:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} الآية متفق عليه.

الفصل الثاني

3279 -

عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة)). رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي. [3279]

3280 -

وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أبغض الحلال إلي الله الطلاق)). رواه أبو داود. [3280]

ــ

الميم، وقيل: جمع مغفر، وهو ثمر العضاة كالعرفط والعنبر، إلا أن الذي في هذا الحديث هو ما يجتني من العرفط؛ لما في الحديث [((جرست نحله العرفط))] وما ينضحه العرفط حلو، وله رائحة كريهة. أقول: قوله: ((وقد حلفت)) حال من ضمير ((فلن أعود)) والجملة جواب قسم محذوف، والحال دال عليه. وقوله: بيتغى مرضاة أزواجه حال من فاعل قوله: ((لا بأس)) أي قال ذلك القول مبتغياً.

الفصل الثاني

الحديث الأول عن ثوبان: قوله: ((في غير ما بأس)) ((قض)): البأس الشدة و ((ما)) مزيدة، أي في غير حال شدة تدعوها وتلجئها إلي المفارقة. وقوله:((فحرام عليها)) أي فممنوع عنها لا تجد رائحة الجنة أول ما يجدها المحسنون، لا أنها لا تجد أصلا. وهذا من المبالغة في التهديد. ونظير هذا كثير.

الحديث الثاني عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أبغض الحلال)) فيه أن أبغض الحلال مشروع وهو عند الله مبغوض، كأداء الصلاة في البيوت لا لعذر، والصلاة في الأرض المغصوبة، وكالبيع في وقت النداء يوم الجمعة. ولأن أحب الأشياء عند الشيطان التفريق بين الزوجين كما مر، فينبغي أن يكون أبغض الأشياء عند الله تعالي.

ص: 2342

3281 -

وعن علي [رضي الله عنه]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ((لا طلاق قبل نكاح، ولا عتاق إلا بعد ملك، ولا وصال في صيام، ولا يتم بعد احتلام، ولا رضاع بعد فطام، ولا صمت يوم إلي الليل)) رواه في ((شرح السنة)). [3281]

3282 -

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك)) رواه الترمذي، وزاد أبو داود:((ولا بيع إلا فيما يملك)). [3282]

3283 -

وعن ركانة بن عبد يزيد، أنه طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((والله ما أردت إلا واحدة؟)) فقال ركانة: والله ما أردت إلي واحدة، فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلقها

ــ

الحديث الثالث والرابع عن علي رضي الله عنه: قوله: ((لا طلاق قبل نكاح)) ((قض)): الطلاق رفع قيد النكاح باختيار الزوج ورؤيته، فحيث لا نكاح فلا طلاق. وظاهره يدل علي أن الطلاق قبل النكاح لغو لا أثر له، كالعتاق قبل الملك وبه قال أصحابنا وغيرهم من أهل العلم، وقال الزهري وأبو حنيفة: يعتبر الطلاق قبل النكاح إذا أضيف إليه عم أو خص، مثل إن كل امرأة أتزوجها فهي طالق، وإن تزوجت هنداً فهي طالق. وقال النخعي والشعبي وربيعة ومالك والأوزاعي وابن أبي ليلي: إن خص الطلاق بامرأة معينة أو قبيلة بعينها، وأضاف إلي النكاح نفذ وإلا لغا، وأولوا الحديث بما إذا خاطب أجنبية بالطلاق، ولم يضفه إلي النكاح، وهو تقييد وتخصيص للنص ومخالفة للقياس بلا دليل، يوجب ذلك. وما روي أن ابن مسعود يرى ذلك فليس بحجة.

قوله: ((لا وصال في صيام)) أي لا جواز له ولا حل. وقوله: ((ولا رضاع بعد فطام)) أي لا أثر له ولا حكم بعد أوان الفطام، يعني أن الرضاع بعد الحولين لا يوجب الحرمة، ويدل عليه أحاديث أخر ذكرناها في باب المحرمات. وقوله:((ولا صمت يوم إلي الليل)) أي لا عبرة به ولا فضيلة له، وليس هو مشروعاً عندنا شرعه في الأمم التي قبلنا. وقيل: يريد به النهي عنه لما فيه من التشبه بالنصرإنية – انتهي كلامه.

فالحاصل أن النفي وإن جرى علي لفظ الطلاق والعتاق وغيرهما، لكن المنفي محذوف، أي لا وقوع طلاق قبل نكاح، ولا تقرير عتاق قبل ملك، ولا جواز وصال في صيام، ولا استحقاق يتم بعد احتلام، ولا أثر رضاع بعد فطام، ولا حل صمت يوم إلي الليل. ((حس)): قال طاوس: من تكلم واتقى الله خير ممن صمت واتقى الله.

ص: 2343

الثانية في زمان عمر، والثالثة في زمان عثمان. رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، إلا أنهم لم يذكروا الثانية. والثالثة.

3284 -

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة)) رواه الترمذي، وأبو داود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. [3284]

ــ

الحديث الخامس عن ركانة: قوله: ((البتة)) ((قض)): المراد بـ ((البتة)) الطلقة المنجزة، يقال: يمين باتة وبتة، أي منقطعة عن علائق التعليق. ومن فوائد هذا الحديث الدلالة علي أن الزوج مصدق باليمين فيما يدعيه ما لم يكذبه ظاهر اللفظ، وأن ((البتة)) مؤثرة في عدد الطلاق؛ إذ لو لم تكن كذلك لما حلفه بأنه لم يرد إلا واحدة، وأن من توجه عليه يمين فحلف قبل أن يحلفه الحاكم لم يعتبر حلفه؛ إذ لو اعتبر لاقتصر علي حلفه الأول ولم يحلفه ثإنياً، وأن ما فيه احتساب للحاكم له أن يحكم فيه من غير مدع. وقوله:((فردها إليه)) أي بالرجعة أو [مكنها] بأن يراجعها.

((حس)): استدل به الشافعي علي أن الجمع بين الطلقات الثلاث مباح ولا يكون بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ركانة ما أردت بها؟ ولم ينهه أن يريد أكثر من واحدة، وهو قول الشافعي. ومنها أن طلاق البتة واحدة إذا لم يرد أكثر منها، وأنها رجعية. وإليه ذهب الشافعي. وروي عن علي رضي الله عنه: أنه كان يجعل الخلية والبرية والبائنة والبتة والحرام ثلاثاً.

أقول قوله: ((قال: والله)) عطف علي محذوف، أي أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأبي وقال: والله ما أردت. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله ما أردت إلا واحدة؟)). طلب لتحقيق القسم، كأنه صلى الله عليه وسلم يقول: أخبرني عن قسمك هذا، أمن اللغو في الإيمان هو أم مما يعقد به؟

الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((جدهن جد)) ((قض)): اتفق أهل العلم علي أن طلاق الهازل يقع، وإذا جرى صريح لفظ الطلاق علي لسان العاقل البالغ، لا ينفعه أن يقول: كنت فيه لاعبا أو هازلا، لأنه لو قبل ذلك منه لتعطلت الأحكام، وقال كل مطلق أو ناكح: إني كنت في قولي هازلا، فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالي؛ فمن تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث لزمه حكمه. وخص هذه الثلاث بالذكر؛ لتأكيد أمر الفرج.

ص: 2344

3285 -

وعن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)). رواه أبو داود، وابن ماجه قيل: معنى الإغلاق: الإكراه. [3285]

3286 -

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه، والمغلوب علي عقله)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب، وعطاء بن عجلان الراوي ضعيف، ذاهب الحديث. [3286]

3287 -

وعن علي [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المعتوه حتى يعقل)). رواه الترمذي، وأبو داود. [3287]

3288 -

ورواه الدارمي عن عائشة. وابن ماجه عنهما.

3289 -

وعن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان)). رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي. [3289]

ــ

الحديث السابع عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((في إغلاق)) ((حس)): أي في إكراه؛ لأن المكره مغلق عليه في أمره، ومضيق عليه في تصرفه، كما يغلق الباب علي الإنسان، كذا في النهاية والفائق. وزاد في الغريبين: وقيل: معناه لا تغلق التطليقات في دفعة واحدة، حتى لا يبقى فيها شيء، ولكن تطلق طلاق السنة.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((المعتوه)) ((نه)): المعتوه هو المجنون المصاب بعقله وقد عته فهو معتوه. ((حس)): اختلفوا في طلاق السكران، فذهب بعضهم إلي أن طلاقه لا يقع؛ لأنه لا عقل له كالمجنون، وهو قول عثمان وابن عباس رضي الله عنهم، وآخرون إلي أن طلاقه واقع؛ لأنه عاص لم يزل عنه به الخطاب ولا الإثم بدليل أنه يؤمر بقضاء الصلوات، ويأثم بإخراجها عن وقتها، وبه قال علي رضي الله عنه. وهو قول الأوزاعي والثوري ومالك وظاهر مذهب الشافعي وأبي حنيفة.

الحديث التاسع والعاشر عن عائشة رضي الله عنها: قوله: ((طلاق الأمة)) ((مظ)): بهذا الحديث

ص: 2345

الفصل الثالث

3290 -

عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((المنتزعات والمختلعات هن المنافقات)). رواه النسائي. [3290]

3291 -

وعن نافع، عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد، أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر. رواه مالك. [3291]

3292 -

وعن محمود بن لبيد، قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً، فقام غضبان، ثم قال:((أيلعب بكتاب الله. عز وجل وأنا بين أظهركم!؟)) حتى قام رجل، فقال: يا رسول الله! ألا أقتله؟. رواه النسائي. [3292]

ــ

أو عبداً. وإن كانت المرأة حرة يكون طلاقها ثلاثاً، سواء كان زوجها حراً أو عبداً. وقال مالك والشافعي وأحمد: الطلاق يتعلق بالرجل، فطلاق العبد اثنان، وطلاق الحر ثلاث، وعدة الأمة علي نصف عدة الحرة فيما له نصف، فعدة الحرة ثلاث حيض وعدة الأمة حيضتان؛ لأنه لا نصف للحيض، وإن كانت تعتد بالأشهر فعدة الأمة شهر ونصف، وعدة الحرة ثلاثة أشهر – انتهي كلامه. يستدل أصحاب أبي حنيفة بهذا الحديث علي أن المراد من قوله تعالي:{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} الحيض لا الأطهار.

الفصل الثالث

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((المنتزعات)) لعل المراد اللاتي ينتزعن أنفسهن من أزواجهن وينشزن عليهم. و ((المختلعات)) اللواتي يلتمسن الخلع. وجعلهن منافقات تغليظاً وتشديداً.

الحديث الثاني إلي الخامس عن محمود: قوله: ((أيلعب بكتاب الله؟)) أي أيستهزأ به؟ يريد به قوله تعالي: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ - إلي قوله - ولا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا} أي التطليق الشرعي تطليقة بعد تطليقة علي التفريق دون الجمع والإرسال دفعة واحدة، ولم يرد بالمرتين التثنية،

ص: 2346

3293 -

وعن مالك، بلغه أن رجلاً قال: لعبد الله بن عباس: إني طلقت امرأتي مائة تطليقة، فماذا ترى علي؟ فقال ابن عباس: طلقت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزواً. رواه في ((الموطأ)).

3294 -

وعن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معاذ! ما خلق الله شيئاً علي وجه الأرض أحب إليه من العتاق، ولا خلق الله شيئاً علي وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق)) رواه الدارقطني. [3294]

ــ

كقوله تعالي: {ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ} أي كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين. ومعنى قوله تعالي: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} تخيير لهم – بعد أن علمهم كيف يطلقون – بين أن يمسكوا النساء بحسن العشرة والقيام بواجبهن، وبين أن يسرحوهن السراح الجميل الذي علمهم. والحكمة في التفريق دون الجمع ما ثبت في قوله تعالي:{لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} وأن الزوج إذا فرق يقلب الله قلبه من بغضها إلي محبتها، ومن الرغبة عنها إلي الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلي الندم عليه، فيراجعها.

((مح)): اختلفوا فيمن قال لامرأته: أنت طالق ثلاثاً، فقال مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف: تقع الثلاث. وقال طاوس وبعض أهل الظاهر: لا تقع إلا واحدة. وقال ابن مقاتل وفي رواية عن محمد بن إسحاق: إنه لا يقع شيء. واحتج الجمهور بقوله تعالي: {ومَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} يعني أن المطلق قد يحدث له ندم فلا يمكنه التدارك لوقوع البينونة، فلو كانت الثلاث لا تقع لم يقع هذا إلا رجعياً، فلا يتوجه هذا التهديد، وبحديث ركانة أنه طلق امرأته البتة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:((والله ما أردت إلا واحدة؟ قال: والله ما أردت إلا واحدة))، فهذا دليل علي أنه لو أراد الثلاث لواقعن، وإلا لم يكن لتحليفه معنى. وأما الجمع بين التطليقات الثلاث دفعة فليس بحرام عندنا، لكن الأولي تفريقها، وبه قال أحمد وأبو ثور. وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والليث: هو بدعة.

ص: 2347