الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقوله. رواه أحمد، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) وقال: إسناده ضعيف. [2789]
(2) باب المساهلة في المعاملات
الفصل الأول
2790 -
عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى)) رواه البخاري.
2791 -
وعن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن رجلاً كان فيمن قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، فقيل له: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم. قيل له: انظر. قال: ما أعلم شيئًا، غير إني كنت أبايع الناس ئي الدنيا وأجازيهم فأنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر؛ فأدخله الله الجنة)) متفق عليه.
ــ
((سمعته)) نحو زيد ضربته، وزيد انطلق أبوه، وهو من الإسناد السيء؛ لأن الخبر مسند إلي متعلق المبتدأ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، وهو قوله:((صمتا)) وهو أبلغ من لو قيل: إن لم أكن سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول. قال ابن جني: قالوا: زيد ضربته أبلغ من ضربت زيدا؛ فإنهم قدموا المفعول؛ لأن الغرض هنا ليس ذكر الفاعل، وإنما هو ذكر المفعول فقدم عناية بذكره، ثم لم يقنع بذلك حتى أزالوه عن لفظ الفضلة، وجعلوه رب الجملة لفظًا، فرفعوه بالابتداء، وصار قوله: ضربته ذيلاً له وفضلة ملحقة به- انتهي كلامه - وكذلك في الحديث القصد صدور هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم وهو المهتم بشأنه، وسماعه منه تابع له، وعلي عكس هذا لو قيل: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول.
باب المساهلة في المعاملة
الفصل الأول
الحديث الأول عن جابر رضي الله عنه: قوله: ((سمحًا)) أي سهلاً، وهو صفة مشبهة تدل علي الثبوث؛ فلذلك كرر أحوال البيع والشرى والتقاضي. الجوهري: سمح به أي جاد به، وسمح بالضم فهو سمح وامرأة سمحة، والمسامحة المساهلة. ((قض)): رتب الدعاء عليه؛ ليدل علي أن السهولة والتسامح في المعاملة سبب لاستحقاق الدعاء؛ ولكونه أهلا للرحمة. و ((الاقتضاء)) التقاضي وهو طلب قضاء الحق.
الحديث الثاني عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((فقيل له)) ((مظ)): هذا السؤال منه كان في القبر. أقول: يحتمل أن يكون ((فقيل)) مسنداً إلي الله تعالي، وأن يكون في القيامة لقوله بعد
1791 -
وفي رواية لمسلم نحوه عن عقبة بن عامرٍ وأبي مسعودٍ الأنصاري ((فقال الله: أنا أحق بذا منك، تجاوزوا عن عبدي)).
2793 -
وعن أبي قتادة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم وكثرة الحلف في البيع فإنه ينفق ثم يمحق)) رواه مسلم.
2794 -
وعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة)) متفق عليه.
ــ
ذلك: ((أبايع الناس في الدنيا)). وقوله: ((فأدخله الله الجنة)) والفاء في ((فقيل)) عاطفة علي مقدر، أي أتاه الملك ليقبض فقبضه فبعثه الله تعالي، فقال له فأجابه، فأدخله الله الجنة. وعلي التقدير الأول فقبض وأدخل القبر، فتنازع ملائكة الرحمة والعذاب فيه، فقيل له ذلك، وينصر هذا الوجه الرواية الأخرى ((تجاوزوا عن عبدي)). قوله:((وأجازيهم)) الجوهري: جزي عني هذا الأمر أي قضى، وتجازيت ديني علي فلان إذا تقاضيته، والمتجازي المتقاضي. ((مح)): فيه فضل إنظار المعسر والوضع عنه قليلاً أو كثيراً، وفضل المسامحة في الاقتضاء من الموسر، وفيه عدم احتقار أفعال الخير، فلعله يكون سبباً للسعادة والرحمة.
الحديث الثالث عن أبي قتادة رضي الله عنه: قوله: ((إياكم وكثرة الحلف)) ((إياكم)) منصوب علي التحذير أي اتقوا أنفسكم عن إكثار الحلف، وإيثار الحلف عن أنفسكم، كرره للتأكيد والتنفير، والنهي عن كثرة الحلف فيه لا يقتضي جواز قلتها؛ لأن النهي وارد علي أهل السوق، وعادتهم كثرة الحلف، كقوله تعالي:{لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة} .
و ((ثم)) في ((يمحق)) يجوز أن تكون للتراخي في الزمان، يعني وأن أنفق اليمين السلعة حالاً فإنه يذهب بالبركة مآلا، كقول ابن مسعود: الربا وإن كثر إلي قل، وأن تكون للتراخي في الرتبة، يعني أن محقه البركة حينئذ أبلغ من الإنفاق، والمراد من محق البركة عدم انتفاعه به ديناً ودنيا.
الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((منفقة للسلعة ممحقة)) ((مح)): بفتح أولهما وثالثهما، وتسكين ثإنيهما. ((نه)):((منفقة للسلعة)) أي مظنة لنفاقها وموضع له، والمحق النقص والمحو والإبطال، ((وممحقة)) مفعلة منه أي مظنة له أو مجزاة به.
2795 -
وعن أبي ذر [رضي الله عنه]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم)) قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم؟ يا رسول الله! قال: ((المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)) رواه مسلم.
الفصل الثاني
2796 -
عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء)) رواه الترمذي، والدارقطني. [2796]
ــ
الحديث الخامس عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((المسبل)) هو الذي يطول ثوبه ويرسله إلي الأرض إذا مشى، وإنما يفعل ذلك كبراً واختيالا. قوله:((والمنان)) ((نه)): ((المنان)) يؤول علي وجهين، أحدهما: من المنة التي هي الاعتداد بالصنيعة، وهي إن وقعت في الصدقة أبطلت الأجر، وإن وقعت في المعروف كدرت الصنيعة، وقيل: هو من المن وهو النقص، يريد النقص من الحق والخيانة، ومنه قوله تعالي:{وإن لك لأجراً غير ممنون} أي غير منقوص، ومنه سمى الموت منونا؛ لأنه ينقص الأعداد، والمنفق بالتخفيف.
أقول: إنما جمع الثلاثة في قرن واحد؛ لان مسبل الإزار وهو المتكبر الذي يترفع بنفسه علي الناس، ويحط من منزلتهم ويحقر شأنهم، والمنان إنما يمن بعطائه السائل لما رأي من فضله وعلوه علي المعطى له، والحالف البائع يراعى غبطة نفسه، والهضم من حق صاحبه، والحاصل من المجموع عدم المبالاة بالغير وإيثار نفسه عليه، ولذلك يجازيه الله تعالي بعدم المبالاة والالتفات إليه، كنما لوح صلى الله عليه وسلم بقوله:((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة)) إلي آخره. فإن قلت: مرتبة الجزاء أن يؤخر عن الفعل، فلم قدم ذكره في الحديث؟ قلت: ليفخم شأنه ويهول أمر مرتكبيه في خلد السامع، فيذهب بنفسه كل مذهب، ومن ثم قال أبو ذر:((خابوا وخسروا من هم))، ولو قيل: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف لا يكلمهم الله، لم يقع هذا الموقع، ونظيره قول الشاعر:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها
…
شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
الفصل الثاني
الحديث الأول عن أبي سعيد رضي الله عنه: قوله: ((مع النبيين والصديقين)) بعد قوله:
2797 -
ورواه ابن ماجه عن ابن عمر.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب [2797].
2798 -
وعن قيس بن أبي غرزة، قال: كنا نسمى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم السماصرة، فمر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن منه، فقال:((يا معشر التجار! إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة))، رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه [2798].
ــ
((التاجر الصدوق الأمين)) حكم مرتب علي الوصف المناسب، وهو من قوله تعالي:{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} وذلك أن اسم الإشارة يشعر أن ما بعده جدير بمن قبله؛ لاتصافه بصفة إطاعة الله ورسوله. وإنما قلنا: إن الوصف مناسب للحكم؛ لأن ((الصدوق)) بناء مبالغة من الصدق كالصديق، وإنما يستحق التاجر هذا الوصف إذا كثر تعاطيه الصدق قولاً وفعلاً، وهذا أخص أوصاف النبيين، وكذلك ((الأمين)) بناء مبالغة فحكمه حكم الصدوق؛ لأن الأنبياء ليسوا غير أمناء الله علي عباده، فلا غرو ولا عجب لمن اتصف بهذين الوصفين أن ينخرط في زمرة النبيين والصديقين والشهداء، وقليل ما هم، وقد سبق فضل الكسب الحلال ونفعه لصاحبه، وسرايته إلي عموم الخلق في أول باب الكسب.
الحديث الثاني عن قيس: قوله: ((السماسرة)) ((نه)): هي جمع سمسار وهو القيم بالأمر الحافظ له، وهو في البيع اسم للذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا لإمضاء البيع، والسمسرة البيع والشرى، قوله:((باسم هو أحسن)) وذلك أن التجارة عبارة عن التصرف في رأس المال طلبًا للربح، والسمسار كذلك، لكن الله تعالي ذكر التجارة في كتابه غير مرة علي سبيل المدح، كما قال تعالي:{هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب} وقوله: {تجارة لن تبور} و {تجارة عن تراض} . قوله: ((اللغو)) هو من الكلام مالا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر، فيجري مجرى [اللغا]، وهو صوت العصافير. قوله:((فشوبوه)) ((نه)):
2799 -
وعن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى وبر وصدق)) رواه الترمذي، وابن ماجه، والدارمي. [2799]
2800 -
وروى البيهقي في ((شعب الإيمان)) عن البراء.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح [2800].
[وهذا الباب خالد من الفصل الثالث]
ــ
في الحديث ((لا شوب ولا روب)) أي لا غش ولا تخليط في شرى أو بيع، وأصل الشوب الخلط، والروب من اللبن الرائب لخلطه بالماء، أقول: ربما يحصل من الكلام الساقط وكثرة الحلف كدورة في النفس، فيحتاج إلي إزالتها وصفائها، أمر بالصدقة ليزيل تلك الكدورة ويصفيها، وفيه أشار بكثرة الصدق؛ فإن الماء القليل الصافي لا يكتسب من الكدر إلا كدورة. وقيل: إن اللغو والحلف يوجبان سخط الله تعالي، والصدقة تطفئ غضب الرب، ولفظ الشوب لا يساعد علي هذا المعنى.
الحديث الثالث عن عبيد: قوله: ((التجار)) ((قض)): لما كان من ديدن التجار التدليس في المعاملات، والتهالك علي ترويج السلع بما تيسير لهم من الإيمان الكاذبة ونحوها، حكم عليهم بالفجور، واستثنى منهم إلا من اتقى المحارم وبر في يمينه وصدق في حديثه، وإلي هذا ذهب الشارحون، وحملوا هذا الحديث علي ما قبله، وعللوا الفجور باللغو والحلف، فهلا حملوه علي حديث أبي سعيد ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيين)) لأن الفجار قوبل بالأبرار في قوله تعالي:{إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} وقوله: {إن كتاب الفجار لفي سجين} وقوله: {إن كتاب الأبرار لفي عليين} فمن تحرى الصدق والأمانة في تجارته، كان في زمرة الأبرار من النبيين والصديقين، ومن توخي خلافهما، كان في قرن الفجار من الفسقة والعاصين. ((غب)): أصل الفجر شق الشيء، شقاً واسعًا، قال تعالي:{وفجرنا خلالهما نهراً} والفجور شق ستر الديانة، يقال: فجر فجوراً فهو فاجر وجمعه فجار وفجرة.