الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المستدرك: دراسة ونتائج
كتاب المستدرك على الصحيحين كتاب أراد الحاكم بتأليفه خدمة السنة النبوية بلا شك، فمن المعلوم مما تواتره أهل العلم أن أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى الصحيحان، ولكنهما لم يجمعا كل الصحيح، لذا كانت همة بعض العلماء أن يضيفا إليهما مما ليس فيهما ويساويهما في الصحة مما هو على شرط البخاري ومسلم أو على شرط أحدهما أو يكون صحيحا مقاربا لذلك. ومن هؤلاء أبو عبد الله الحاكم رحمه الله.
بيد أن الحاكم رحمه الله وقع في أوهام في هذا المستدرك، وتبعه الذهبي أيضا في كثير منها في تلخيصه على المستدرك، ولعل ذلك لأن الحاكم صنف المستدرك في نهاية عمره، وكان يملي من حفظه غالبا، ثم لم يتسن له أن يراجع ما كتبه وأملاه، ووافته منيته قبل أن ينقحه، وقد ذكر بعضهم أنه حدث له في نهاية عمره تغيرا وغفلة فوقع بذلك في الأوهام. ونقل السيوطي في (تدريب الراوي) عن الحافظ ابن حجر قوله: وإنما وقع للحاكم التساهل لأنه سوَّد الكتاب لينقحه فأعجلته المنية. قال: وقد وجدت في قريب نصف الجزء الثاني من تجزئة ستة من المستدرك: إلى هنا انتهى إملاء الحاكم. ثم قال: وما عدا ذلك من الكتاب لا يؤخذ عنه إلا بطريق الإجازة، فمن الأكبر أصحابه وأكثر الناس له ملازمة البيهقي، وهو إذا ساق عنه في غير المملى شيئا لا يذكره إلا بالإجازة، قال: والتساهل في القدر المملى قليل جدا بالنسبة لما بعده (1).
(1) انظر: تدريب الراوي ص 62.
وقال ابن حجر في (لسان الميزان): والحاكم أجل قدرا وأعظم خطرا وأكبر ذكرا من أن يذكر في الضعفاء، لكن قيل في الاعتذار عنه: إنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها (1).
قلت: ابتدأ الحاكم إملاء المستدرك في يوم الإثنين السابع من المحرم سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة كما جاء ذلك في مقدمة الكتاب (1/ 2). وفي المطبوع: 2/ 63 (2367) حدثنا الحاكم أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ إملاء في شهر رمضان سنة سبع وتسعين وثلاث مائة، وفيه أيضا: 2/ 132 (2595) قال: حدثنا الحاكم أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ إملاء في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة؛ وآخر ما وجدته في تاريخ الإملاء: 3/ 199 (4900): حدثنا الحاكم أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحافظ إملاء في المحرم سنة ثلاث وأربع مائة.
فهذا يدل على أن الحاكم استغرق في إملاء وتصنيف الكتاب أكثر من ثلاثين سنة، ولعله لكثرة انشغالاته العلمية وغيرها كان إملاؤه لهذا الكتاب متباعدا، وحدث بين إملاءاته توقف طويل لم أقف على سببه، والعلم عند الله تعالى. كما يدل ذلك أيضًا على أن غالب الكتاب كان إملاء.
وإنما قلت: (غالب الكتاب كان إملاء) لأن الحاكم رحمه الله قال: 2/ 229، 230 (2902) أخبرنا أبو جعفر محمَّد البغدادي، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أبنا محمَّد بن جعفر بن أبي كثير، حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فجلست قريبا من
(1) انظر لسان الميزان: 5/ 233 (حيدر أباد).