المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوهم عند أهل الحديث - الانتباه لما قال الحاكم ولم يخرجاه وهو في أحدهما أو روياه

[محمد محمود عطية]

فهرس الكتاب

- ‌هذا الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌المستخرجات على الصحيحين:

- ‌المستخرجات على صحيح البخاري:

- ‌المستخرجات على صحيح مسلم:

- ‌المستدركات على الصحيحين:

- ‌قصة الكتاب:

- ‌ترجمة الحاكم أبي عبد الله الحافظ

- ‌1 - اسمه وكنيته ولقبه:

- ‌2 - مولده ونشأته:

- ‌3 - ثناء العلماء عليه:

- ‌4 - مصنفاته:

- ‌المستدرك: دراسة ونتائج

- ‌التعليقات على المستدرك

- ‌منهج الحاكم ومصطلحاته في الكتاب

- ‌سكوت الحاكم عن الحديث

- ‌منهج الذهبي في التلخيص

- ‌تعليقات الذهبي على كلام الحاكم

- ‌الوهم عند أهل الحديث

- ‌التصنيف في أوهام بعض المصنفين

- ‌الإنصاف:

- ‌ما وقع من الأوهام في المستدرك

- ‌المستدرك على المستدرك

- ‌إحصائية

- ‌منهجي في الأحاديث المكررة

- ‌فائدة

- ‌تنبيه

- ‌ كتاب الإيمان

- ‌ كتاب العلم

- ‌ كتاب الطهارة

- ‌ كتاب الصلاة

- ‌باب في مواقيت الصلاة

- ‌باب في فضل الصلوات الخمس

- ‌ومن باب التأمين

- ‌ كتاب الجمعة

- ‌ كتاب صلاة العيدين

- ‌ كتاب الوتر

- ‌ كتاب صلاة التطوع

- ‌ كتاب السهو

- ‌ كتاب الكسوف

- ‌ كتاب الجنائز

- ‌ كتاب الزكاة

- ‌ كتاب الصيام

- ‌ كتاب المناسك

- ‌ كتاب الدعاء والتكبير والتهليل والتسبيح والذكر

- ‌ كتاب فضائل القرآن

- ‌ كتاب البيوع

- ‌ كتاب الجهاد

- ‌ كتاب قسم الفيء

- ‌ كتاب قتال أهل البغي

- ‌ كتاب النكاح

- ‌ كتاب الطلاق

- ‌ كتاب العتق

- ‌ كتاب المكاتب

- ‌ كتاب التفسير

- ‌من تفسير سورة البقرة

- ‌ومن تفسير سورة آل عمران

- ‌ومن سورة النساء

- ‌ومن سورة الأعراف

- ‌ومن سورة التوبة

- ‌ومن سورة يونس

- ‌ومن سورة يوسف

- ‌ومن سورة إبراهيم

- ‌ومن سورة الحجر

- ‌ومن سورة بني إسرائيل (الإسراء)

- ‌ومن سورة الكهف

- ‌ومن سورة النور

- ‌ومن سورة الفرقان

- ‌ومن سورة الشعراء

- ‌ومن سورة السجدة

- ‌ومن سورة الأحزاب

- ‌ومن سورة الملائكة (فاطر)

- ‌ومن سورة حم السجدة (فصلت)

- ‌ومن سورة الزخرف

- ‌ومن سورة حم الجاثية، وعند أهل الحرمين: حم الشريعة

- ‌ومن سورة الأحقاف

- ‌ومن سورة محمد

- ‌ومن سورة النجم

- ‌ومن سورة القمر

- ‌ومن سورة الحديد

- ‌ومن سورة ن والقلم

- ‌ومن سورة عم يتساءلون (النبأ)

- ‌ومن سورة الانشقاق

- ‌ومن سورة الغاشية

- ‌ومن سورة ألم نشرح (الشرح)

- ‌ومن سورة التكاثر

- ‌ كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين

- ‌ذكر آدم عليه السلام

- ‌ذكر إبراهيم صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن ذكر يوسف بن يعقوب صلوات الله عليهما

- ‌ومن ذكر النبي الكليم موسى بن عمران

- ‌ومن ذكر أيوب بن أموص نبي الله المبتلى صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن ذكر زكريا بن آدن النبي عليه الصلاة والسلام

- ‌ومن ذكر نبي الله وروحه عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن ذكر أخبار سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم

- ‌ كتاب آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم التي هي دلائل النبوة

- ‌ كتاب الهجرة

- ‌ كتاب المغازي والسير

- ‌ كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌أبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما

- ‌ومن مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌مقتل عمر رضي الله عنه على الاختصار

- ‌ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن فضائل الحسن بن علي رضي الله عنه

- ‌ومنهم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى رضي الله عنها

- ‌ومن مناقب اليمان بن جابر أبي حذيفة وهو ممن شهد أحدا رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌ومن مناقب سعد بن معاذ

- ‌ومن مناقب جعفر بن أبي طالب

- ‌ومن مناقب زيد الحب بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى

- ‌ومن مناقب أبي مرثد الغنوي كناز بن الحصين العدوي

- ‌ومن مناقب سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عكاشة بن محصن

- ‌ومن مناقب أبي دجانة سماك بن خرشة الخزرجي الأنصاري رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب ثابت بن قيس بن الشماس الخزرجي الخطيب رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب أبي قحافة والد أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌ومن مناقب سعد بن عبادة الخزرجي النقيب رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عتبة بن غزوان الذي بصر البصرة

- ‌ومن مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب الفضل بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما

- ‌ومن مناقب بلال بن رباح رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر سويد بن مقرن رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب خالد بن الوليد رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر حاطب بن أبي بلتعة اللخمي رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب أبي بن كعب رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر إسلام العباس رضي الله عنه واختلاف الروايات في وقت إسلامه

- ‌ذكر مناقب أبي ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب المقداد بن عمرو الكندي، وهو الذي قيل له ابن الأسود

- ‌ومن مناقب أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عبادة بن الصامت رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته الزبير بن العوام

- ‌ومن مناقب عمار بن ياسر رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب أويس بن عامر القرني رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عمير بن الحمام بن الجموح رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عثمان بن طلحة

- ‌ومن ذكر مناقب عقبة بن الحارث القرشي رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عاشر العشرة رضي الله عنه

- ‌ذكر مناقب رافع بن عمرو الغفاري أخو الحكم رضي الله عنهما

- ‌ومن مناقب عبد الله بن هشام بن زهرة القرشي رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عمران بن حصين الخزاعي رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما

- ‌ومن مناقب ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب حكيم بن حزام القرشي رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه

- ‌ومن مناقب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر المسور بن مخرمة رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر هند بن حارثة الأسلمي رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر زيد بن أرقم الأنصاري رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما

- ‌ومن ذكر عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما

- ‌ومن ذكر النعمان بن قوقل رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر جابر بن سمرة السوائي رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر عبد الله بن عبد الملك آبي اللحم

- ‌من ذكر سهيل بن بيضاء رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر أبي حبة البدري رضي الله عنه

- ‌ومن ذكر الصديقة بنت الصديق عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما

- ‌ومن ذكر أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية رضي الله عنها

- ‌ومن ذكر أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها

- ‌ومن ذكر زينب بنت جحش رضي الله عنها

- ‌ومن ذكر جويرية بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها

- ‌ومن ذكر أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها

- ‌ومن ذكر أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها

- ‌ذكر الكلابية أو الكندية

- ‌ومن ذكر سراري رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولهن مارية القبطية أم إبراهيم

- ‌ومن ذكر رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌ومن ذكر فاطمة بنت قيس

- ‌ومن ذكر سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة بن عتبة

- ‌ومن ذكر أم حبيبة حمنة بنت جحش رضي الله عنها

- ‌ومن ذكر جذامة بنت وهب الأسدية رضي الله عنها

- ‌ومن ذكر فضل المهاجرين

- ‌ومن ذكر فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌ومن ذكر فضيلة أسلم وغفار ومزينة وغيرهم

- ‌ومن ذكر فضيلة أخرى للأوس والخزرج لم يقدر ذكرها من فضائل الأنصار

- ‌ومن ذكر فضائل هذه الأمة على سائر الأمم

- ‌ومن ذكر فضائل التابعين

- ‌كتاب الأحكام

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌ كتاب (الأشربة)

- ‌كتاب البر والصلة

- ‌كتاب اللباس

- ‌كتاب الطب

- ‌ كتاب الأضاحي

- ‌كتاب الذبائح

- ‌كتاب التوبة والإنابة

- ‌كتاب الأدب

- ‌كتاب الأيمان والنذور

- ‌كتاب الرقاق

- ‌كتاب الفرائض

- ‌كتاب الحدود

- ‌كتاب تعبير الرؤيا

- ‌كتاب الطب

- ‌كتاب الرقى والتمائم

- ‌كتاب الفتن والملاحم

- ‌ كتاب الأهوال

- ‌خاتمة

- ‌نبذة تعريفية في الهيئة القطرية للأوقاف

الفصل: ‌الوهم عند أهل الحديث

‌الوهم عند أهل الحديث

الوهم لغة: قال في اللسان: الوَهْمُ: من خَطَراتِ القلب، والجمع أَوْهامٌ، وللقلب وَهْمٌ. وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه، كانَ في الوجود أَو لم يكن

قال: وأَوْهَمْت الشيء إِذا أَغفَلْته. ويقال: وَهِمْتُ في كذا وكذا أَي: غلِطْتُ. وقال الأَصمعي: أَوْهَمَ إِذا أَسقَطَ، ووَهِمَ إِذا غَلِط. وقال الجوهري: وَهَمْتُ في الشيء بالفتح، أَهِمُ وَهْماً إِذا ذَهَبَ وَهْمُك إِليه وأَنت تريد غيره، وتوهَّمْتُ أَي: ظننت، وأَوْهَمْتُ غيري إِيهاماً، والتَّوْهِيمُ مثلُه. وأَوْهَمْتُ الشيءَ إِذا تركته كلَّه. يقال: أَوْهَمَ من الحساب مائةً أَي أَسقَطَ، وأَوْهَمَ من صلاته ركعةً. ا. هـ. ووَهِمَ، بكسر الهاء: غَلِطَ وسَها. وأَوْهَمَ من الحساب كذا: أَسقط، وكذلك في الكلام والكتاب. وقال ابن الأَعرابي: أَوْهَمَ ووَهِمَ ووَهَمَ سواء؛ وأَنشد:

فإِن أَخْطَأْتُ أَو أَوْهَمْتُ شيئًا

فقد يَهِمُ المُصافي بالحَبيب

وقال أَبو عبيد: أَوْهَمْتُ أَسقطتُ من الحساب شيئًا، فلم يُعَدّ. وأَوْهَمَ الرجلُ في كتابه وكلامه إِذا أَسقَط. ووَهِمْتُ في الحساب وغيره أَوْهَمُ وَهَمًا إِذا غَلِطتُ فيه وسَهَوْت (1).

والوهم عند أهل الحديث هو بمعناه اللغوي، أي: الإسقاط والسهو والغلط دون قصد، وإلا كان كذبا. وهو يقع في الإسناد والمتن؛ ونقل السيوطي في (تدريب الراوي) عن الحافظ أبو الحجاج المزي في (الأطراف) أن الوهم تارة

(1) انظر لسان العرب مادة (وهم).

ص: 31

يكون في الحفظ، وتارة يكون في القول، وتارة في الكتابة (1). وهو موضوع كتب العلل. وللإمام مسلم صاحب الصحيح رحمه الله كتاب (التمييز) وهو عمدة في هذا الباب، فقد ألفه في الرد على من ينكرون على أهل العلم توهيم من يهم في نقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال في مقدمته: أما بعد: فإنك يرحمك الله ذكرت أن قِبَلَك قوما ينكرون قول القائل من أهل العلم إذا قال: هذا حديث خطأ، وهذا حديث صحيح، وفلان يخطئ في روايته حديث كذا، والصواب ما روى فلان بخلافه. وذكرت أنهم استعظموا ذلك من قول من قاله، ونسبوه إلى اغتياب الصالحين من السلف الماضين، وحتى قالوا: إن من ادعى تمييز خطأ روايتهم من صوابها متخرص بما لا علم له به، ومدع علم غيب لا يوصل إليه. واعلم وفقنا الله وإياك أن لولا كثرة جهلة العوام مستنكرى الحق ورأيه بالجهالة لما بان فضل عالم على جاهل، ولا تبين علمٌ من جهلٍ، ولكن الجاهل ينكر العلم لتركيب الجهل فيه، وضد العلم هو الجهل، فكل ضد ناف لضده دافع له لا محالة، فلا يهولنك استنكار الجهال وكثرة الرعاع، لما خص به قوم وحرموه، فإن اعتداد العلم دائر إلى معدنه والجهل واقف على أهله. وسألتَ أن أذكر لك في كتابي رواية أحاديث مما وهم قوم في روايتها، فصارت تلك الأحاديث عند أهل العلم في عداد الغلط والخطأ، ببيان شاف، أبينها لك حتى يتضح لك ولغيرك - ممن سبيله طلب الصواب سبيلك - غلط من غلط وصواب من أصاب منهم فيها، وسأذكر لك إن شاء الله من ذلك ما يرشدك الله وتهجم على أكثر مما أذكره لك في كتابي وبالله التوفيق:

فمنهم الحافظ المتقن الحفظ المتوقي لما يلزم توقيه فيه، ومنهم المتساهل المشيب حفظه بتوهم يتوهمه أو تلقين يلقنه من غيره فيخلطه بحفظه ثم لا يميزه عن أدائه إلى غيره، ومنهم من همه حفظ متون الأحاديث دون أسانيدها فيتهاون بحفظ الأثر يتخرصها من بعد فيحيلها بالتوهم على الذين أدي إليه عنهم، وكل

(1) تدريب الراوي: 1/ 304.

ص: 32

ما قلنا من هذا في رواة الحديث ونقال الأخبار فهو موجود مستفيض، ومما ذكرت لك من منازلهم في الحفظ ومراتبهم فيه، فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا، وإن كان من أحفظ الناس وأشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل، إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله، فكيف بمن وصفت لك ممن طريقه الغفلة والسهولة في ذلك.

ثم أول ما أذكر لك بعد ما وصفت مما يجب عليك معرفته قبل ذكري لك ما سألت من الأحاديث: السمة التي تعرف بها خطأ المخطىء في الحديث وصواب غيره إذا أصاب فيه: فاعلم - أرشدك الله - أن الذي يدور به معرفة الخطأ في رواية ناقل الحديث إذا هم اختلفوا فيه من جهتين: أحدهما أن ينقل الناقل حديثا بإسناد فينسب رجلًا مشهورا بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته، أو يسميه باسم سوى اسمه، فيكون خطأ خفي على أهل العلم حين يرد عليهم: كنعمان بن راشد حيث حدث عن الزهريّ فقال: عن أبي الطفيل عمرو بن واثلة، ومعلوم عند عوام أهل العلم أن اسم أبي الطفيل عامر لا عمرو، وكما حدث مالك بن أنس عن الزهريّ فقال: عن عباد وهو من ولد المغيرة ابن شعبة، وإنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان معروف النسب عند أهل النسب وليس من المغيرة بسبيل، وكرواية معمر حين قال: عن عمر بن محمَّد بن عمرو بن مطعم، وإنما هو عمر بن محمَّد بن جبير بن مطعم، خطأ لا شك عند نساب قريش وغيرهم ممن عرف أنسابهم، ولم يكن لجبير أخ يعرف بعمرو.

وكنحو ما وصفت من هذه الجهة من خطأ الأسانيد فموجود في متون الأحاديث مما يعرف خطأه السامع الفهم حين يرد على سمعه: وكذلك نحو رواية بعضهم حيث صحف فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التحير، أراد:"النجش". وكما روى آخر فقال: إن أبغض الناس إلى الله عز وجل ثلاثة: ملحد في الحرفة وكذا وكذا. أراد: ملحدا في الحرم. وكرواية الآخر إذ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتخذ الروح عرضا، أراد الروح غرضا.

ص: 33

فهذه الجهة التي وصفنا من خطأ الإسناد ومتن الحديث هي أظهر الجهتين خطأ، وعارفوه في الناس أكثر. والجهة الأخرى أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثا عن مثل الزهريّ أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن، فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد، وإن كان حافظاً. على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم، وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم في حفظ الحفاظ وخطأ المحدثين في الروايات ما يستدل به على تحقيق ما فسرت لك إن شاء الله (1). انتهى المراد منه.

وقد صنف الحافظ أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ) كتاب (موضح أوهام الجمع والتفريق) ذكر فيه أسماء وكنى وألقاب وما ينسب إليه كثير من الرواة والتي يقع بسببها أوهام عن الرواة أو المخرجين. كما صنف أيضًا (المتفق والمفترق)، و (المؤتلف والمختلف)، و (المؤتنف) في هذا الباب، وصنف ابن ماكولا علي بن هبة الله (ت: 475 هـ) كتاب (تهذيب مستمر الأوهام) استفاد فيه مما كتب الخطيب البغدادي وزاد عليه، بل وانتقده في بعض المواضع.

وفي كتب العلل والتراجم والتخريج تصحيح لكثير مما ورد من الوهم في هذا الباب.

(1) انظر التمييز ص 168: 172 - تحقيق د محمَّد مصطفى الأعظمي (مكتبة الكوثر - المربع - السعودية).

ص: 34