الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ)
.
هَذَا أَيْضًا مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْوُجُودِ إلَّا بِقَاضِيَيْنِ فَهُوَ كَالْمُرَكَّبِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ لَيْسَ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْلُ شَهَادَةٍ أَوْ نَقْلُ حُكْمٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ فِيهِ أَنْسَبَ اهـ.
وَحَيْثُ كَانَ مِنْ عَمَلِهِمْ فَهُوَ مِنْهُ فَكَيْفَ يَنْفِيهِ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِهِ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ إلَى آخِرِهِ.
(قَوْلُهُ يَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) أَيْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ كِتَابَتَهُ لَا تَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَخْبَرَ الْقَاضِي الْآخَرُ فِي مَحِلِّهِ لَمْ يَعْمَلْ بِخَبَرِهِ فَكِتَابَتُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُزَوَّرُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِأَثَرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه
وَلِلْحَاجَةِ
وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ فِي الْحُدُودِ الْقِصَاصُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ بِزِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ وَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ وَالْمَوْتِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجَبُهُ الْمَالَ وَالنَّسَبِ مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْغَصْبِ وَالْأَمَانَةِ الْمَجْحُودَةِ مِنْ وَدِيعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَالْأَعْيَانِ مَنْقُولًا أَوْ عَقَارًا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَبِهِ يُفْتَى لِلضَّرُورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي تَجْوِيزُهُ فِي الْعَبْدِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ لَا فِي الْأَمَةِ وَعَنْهُ تَجْوِيزُهُ فِي الْكُلِّ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُتَقَدِّمُونَ لَمْ يَأْخُذُوا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الثَّانِي وَعَمَلُ الْفُقَهَاءِ الْيَوْمَ عَلَى التَّجْوِيزِ فِي الْكُلِّ
لِلْحَاجَةِ
قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَلَوْ جَاءَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي بِرَسُولٍ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ عَدْلٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ وَيُخْبِرَ وَهُوَ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا بِخِلَافِ كِتَابِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْخِطَابِ مِنْ مَجْلِسِ قَضَائِهِ دَلَّتْ التَّفْرِقَةُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى بَلْدَةٌ فِيهَا قَاضِيَانِ حَضَرَ أَحَدُهُمَا مَجْلِسَ الْقَاضِي الْآخَرِ وَأَخْبَرَ بِحَادِثَةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِخَبَرِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ كَتَبَ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ وَكَذَا لَوْ حَضَرَ قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ لَيْسَ فِيهِ مَجْلِسُ قَاضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا قَاضٍ فِيهِ وَالْآخَرُ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ لَا يَعْمَلُ بِخَبَرِ مَنْ لَيْسَ بِقَاضٍ فِيهِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ كَقَاضٍ بِبُخَارَى الْتَقَى مَعَ قَاضٍ بِخُوَارِزْمَ وَأَخْبَرَهُ بِحَادِثَةٍ حَكَمَ فِيهَا بِبُخَارَى لَا يَعْمَلُ بِإِخْبَارِهِ قَاضِي خُوَارِزْمَ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مَسَائِلَ الْأُولَى طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ شُهُودَهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ إيفَاءِ الدَّيْنِ وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا بِذَلِكَ خَوْفًا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ إذَا ذَهَبَ إلَيْهِ لَمْ يَكْتُبْ فِي قَوْلِ
ــ
[منحة الخالق]
[بَابٌ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]
(قَوْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ) أَيْ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ إذْ الْمَنْفِيُّ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَوْنُهُ قَضَاءً وَالْمُثْبَتُ فِي الْفَتْحِ كَوْنُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءً نَعَمْ كَوْنُهُ مِنْ أَحْكَامِهِ أَدْخَلُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ لَيْسَ فِيهِ مَجْلِسُ قَاضٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَيْسَا بِقَاضِيَيْنِ فِيهِ
أَبِي يُوسُفَ وَيَكْتُبُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ. الثَّانِيَةُ لَوْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ حَاضِرًا وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ بَرْهَنَ لِيَكْتُبَ لَهُ لَمْ يَسْأَلْهُ إجْمَاعًا وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي السَّابِقَةِ. الثَّالِثَةُ امْرَأَةٌ جَاءَتْ إلَى الْقَاضِي وَقَالَتْ طَلَّقَنِي زَوْجِي فُلَانٌ ثَلَاثًا وَتَزَوَّجْت بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ وَأَخَافُ إنْكَارَهُ فَاسْأَلْهُ فَإِنْ أَنْكَرَ بَرْهَنْت سَأَلَهُ الْقَاضِي إجْمَاعًا وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ. الرَّابِعَةُ ادَّعَى أَنَّهُ مُشْتَرٍ دَارًا لَهَا شَفِيعٌ سَلَّمَهَا وَهِيَ فِي بَلَدِ كَذَا وَطَلَبَ أَنْ يَسْمَعَ شُهُودَهُ وَيَكْتُبَ لَا يَكْتُبُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَكْتُبُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا احْتِيَاطًا احْتِرَازًا عَنْ تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَدْيُونَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ أَوْ الْمَرْأَةَ لَوْ قَالَ إنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ وَالشَّفِيعَ وَالزَّوْجَ قَدْ تَعَرَّضَ لِي فِيمَا ادَّعَى فَاسْمَعْ شُهُودِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ وَيَكْتُبُ. اهـ.
أَطْلَقَ الْقَاضِي فَأَفَادَ أَنَّ قَاضِيَ مِصْرٍ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي مِصْرٍ آخَرَ وَإِلَى قَاضِي السَّوَادِ وَالرُّسْتَاقِ وَلَا يَكْتُبُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إلَى قَاضِي مِصْرٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْيَنَابِيعِ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا يُقْبَلُ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا أَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ قَاضِيَانِ جَازَ كِتَابُهُمَا إلَى بَعْضِهِمَا فِي الْأَحْكَامِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْكِتَابُ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةِ جَازَ الْقَضَاءُ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَافَعُوا إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ كِتَابٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدَا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَشَرْطِ الْحُكْمِ وَهُوَ حُضُورُ الْخَصْمِ وَالْمُرَادُ بِالْخَصْمِ الْحَاضِرِ مَنْ كَانَ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ مُسَخَّرًا وَهُوَ مَنْ نَصَبَهُ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَى الْكِتَابِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ حَاضِرٌ عِنْدَ الْقَاضِي وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَإِذَا حَكَمَ كَتَبَ بِحُكْمِهِ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّتِي فِيهَا الْمُوَكِّلُ لِيَقْتَضِيَ مِنْهُ الْحَقَّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
(قَوْلُهُ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا) لِئَلَّا يَنْسَى الْوَاقِعَةَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ لِحُضُورِ الْخَصْمِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَهُ فَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ لِيُنْفِذَ حُكْمَهُ وَفِي الْمِصْبَاحِ السِّجِلُّ كِتَابُ الْقَاضِي وَالْجَمْعُ سِجِلَّاتٌ وَأَسْجَلْتُ لِلرَّجُلِ إسْجَالًا كَتَبْت لَهُ كِتَابًا وَسَجَّلَ الْقَاضِي بِالتَّشْدِيدِ قَضَى وَحَكَمَ وَأَثْبَتَ حُكْمَهُ فِي السِّجِلِّ اهـ.
فَالسِّجِلُّ الْحُجَّةُ الَّتِي فِيهَا حُكْمُ الْقَاضِي وَلَكِنْ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا السِّجِلُّ كِتَابٌ كَبِيرٌ يُضْبَطُ فِيهِ وَقَائِعُ النَّاسِ وَمَا يَحْكُمُ بِهِ الْقَاضِي وَمَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْكُمْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا لَا يَحْكُمُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ خِلَافُ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَلَزِمَهُ وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ حَنَفِيًّا فَإِنَّ حُكْمَهُ لَا يَنْفُذُ لِقَوْلِهِ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيًّا (قَوْلُهُ وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ) مَنْسُوبٌ إلَى الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ (وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ) ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا وَإِنَّمَا نَقَلَهَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِهَا وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِرَأْيِهِ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَرَدَ كِتَابُ قَاضٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ فِي حَادِثَةٍ لَا يَرَاهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا لَا يُنْفِذُهُ وَإِنْ وَرَدَ فِيهَا سِجِلٌّ نَفَذَهُ؛ لِأَنَّ السِّجِلَّ مَحْكُومٌ بِهِ دُونَ الْكِتَابِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ الْكِتَابَ دُونَ السِّجِلِّ. اهـ.
فَقَدْ أَفَادَ عَدَمَ وُجُوبِ قَبُولِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَفِي كِتَابِ الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ثِقَةُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيُّ صَحِبْت كَثِيرًا مِنْ الْقُضَاةِ الْكِبَارِ فَمَا رَأَيْتهمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَا يَكْتُبُ قَاضِي الرُّسْتَاقِ إلَى قَاضِي مِصْرٍ) قَالَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ بَعْدَ نَقْلِهِ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْمِصْرَ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ أَمْ لَا فَحَكَوْا عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ شَرْطٌ وَعَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَبِهِ يُفْتَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا يُفْتَى بِقَبُولِهِ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ أَمْ رُسْتَاقٍ اهـ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَدْ صَرَّحَ بِابْتِنَاءِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَوْ أَرَادَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ فِي الشَّرْحِ إنَّمَا يَكْتُبُ السِّجِلَّ حَتَّى لَا يَنْسَى الْوَاقِعَةَ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِحُضُورِ الْخَصْمِ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَ الْحُكْمَ فَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ لِيُسَلِّمَ إلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ اهـ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَصْمِ إمَّا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ وَكِيلُهُ وَأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِالْخَصْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ لِلْكِتَابِ إلَى الْآخَرِ مَا قَدْ عَلِمْت مِنْ الْفَوَائِدِ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ عَلَى الْمُسَخَّرِ فَالْمَنْقُولُ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ قَالَ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسَخَّرٌ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِلَّا نَفَذَ
أَجَابُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا فِي الْكِتَابَةِ إلَى الْقَاضِي الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ فَإِنَّ دَلَائِلَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَاضِحَةٌ وَبَرَاهِينُهُمْ فِيهَا لَائِحَةٌ وَالشُّبَّانُ يَتَجَاسَرُونَ إلَى هَذِهِ الْيَمِينِ ثُمَّ يَحْتَاجُونَ إلَى التَّزَوُّجِ فَيُضْطَرُّونَ إلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُجِبْهُمْ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ رُبَّمَا يَقَعُونَ فِي الْفِتْنَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَعْلَمُوا مَا فِيهِ لِيَشْهَدُوا عِنْدَ الثَّانِي وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ وَلِهَذَا قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ نُسْخَةٌ أُخْرَى مَفْتُوحَةً فَيَسْتَعِينُوا مِنْهَا عَلَى الْحِفْظِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّذَكُّرِ مِنْ وَقْتِ الشَّهَادَةِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْعِنْوَانَ وَهُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَكَذَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَيَكْتُبُهُ مِنْ دَاخِلٍ فَلَوْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَمْ يُقْبَلْ وَفِي عُرْفِنَا الْعِنْوَانُ يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيَكْتَفِي بِهِ وَيَكْتُبُ فِيهِ اسْمَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ التَّمْيِيزُ بِذِكْرِ جَدِّهِمَا وَيَذْكُرُ الْحَقَّ فِيهِ وَيَذْكُرُ الشُّهُودَ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الشُّهُودِ إلَّا نَقْلُ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ وَلَا عَلَى الْقَاضِي سِوَى كِتَابَةِ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ لَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ وَشُهُودٍ) ؛ لِأَنَّهُ لِلْحُكْمِ بِهِ فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ كَالشَّهَادَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ إسْلَامِ الشُّهُودِ وَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ لِذِمِّيٍّ عَلَى ذِمِّيٍّ؛ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى فِعْلِ الْمُسْلِمِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ إذَا أَنْكَرَ الْخَصْمُ كَوْنَهُ كِتَابَ الْقَاضِي أَمَّا إذَا أَقَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ كِتَابِ الْأَمَانِ إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ حَيْثُ يُعْمَلُ بِهِ بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزَمٍ وَمَعْنَاهُ إذَا جَاءَ الْكِتَابُ مِنْ مَلِكِهِمْ يَطْلُبُ الْأَمَانَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِالْخَطِّ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْأَمَانِ وَفِي دَفْتَرِ الْبَيَّاعِ وَالصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ قَبُولِهِ بِلَا خَصْمٍ عَدَمُ قِرَاءَتِهِ لَا مُجَرَّدُ قَبُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ قَبُولَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَكِنْ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَعَ كَسْرِ الْخَتْمِ كَذَا عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ كِتَابَ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمَهُ مَا فِيهِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِأَنْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ عَدَالَتَهُمْ أَوْ سَأَلَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ فَزَكَّوْا، وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إلَّا بَعْدِ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ سَلَّمَهُ إلَيْنَا آخِرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا شَهِدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابَ فُلَانٍ الْقَاضِي قُبِلَ وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ حُضُورَ الْخَصْمِ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ لَا لِقَبُولِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ مَعَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ جَازَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ مَسَافَةً بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَجَوَّزَهُمَا مُحَمَّدٌ وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ وَالْكِتَابَةُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ) يَعْنِي قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَبْطُلُ، وَأَمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَجُنُونُ الْكَاتِبِ وَرِدَّتُهُ وَحَدُّهُ لِقَذْفٍ وَعَمَاهُ كَعَزْلِهِ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَإِذَا قَبِلَهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فِيمَا إذَا بَطَلَ وَحَكَمَ بِهِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى آخَرَ فَأَمْضَاهُ جَازَ لِمُصَادَفَتِهِ الِاجْتِهَادَ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ مِنْ قَاضٍ آخَرَ وَلَوْ فَسَقَ الْكَاتِبُ أَوْ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَقْضِي بِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ أَوْ بَعْدَهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّارِحِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ بِحَقٍّ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ وَوُلِّيَ قَاضٍ آخَرُ لَمْ يُنْفِذْ تِلْكَ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .