المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل) - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٧

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ)

- ‌[يَبْطُلُ كِتَاب الْقَاضِي إلَيَّ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ

- ‌ الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ

- ‌ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ

- ‌(بَابُ التَّحْكِيمِ)

- ‌[شَرْطُ التَّحْكِيم]

- ‌[حُكْمُ المحكم لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ

- ‌ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ

- ‌ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ

- ‌ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌[سَتْر الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُود]

- ‌[شَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ]

- ‌[شَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ الشَّهَادَة]

- ‌[وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ الشَّهَادَةُ]

- ‌لَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا)

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌[فُرُوعٌ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ]

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى)

- ‌[شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ]

- ‌[شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌[صِيغَة الْإِشْهَادُ عَلَى الشَّهَادَة]

- ‌[لَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ

- ‌[شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا]

- ‌[شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شَرَائِطِ الْوَكَالَةُ]

- ‌[حُكْمِ الْوَكَالَة]

- ‌[صِفَة الْوَكَالَةِ]

- ‌ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ)

- ‌[مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ]

- ‌[تَصَرُّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ]

- ‌ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ)

- ‌ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[افْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ هَلْ يُبْطِل الْوَكَالَة]

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى

- ‌(بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ)

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌(بَابُ إقْرَارِ) (الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ ادَّعَى أَرْضًا أَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ]

- ‌(بَابُ " الْمُضَارِبُ يُضَارِبُ

- ‌[فَصْلٌ دَفْعِ مَالِ الْمُضَارَبَةُ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[لِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظ الْوَدِيعَة بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ]

- ‌[طَلَبَ الْوَدِيعَة رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا فَمَنَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[هَلَكَتْ الْعَارِيَّة بِلَا تَعَدٍّ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[مُؤْنَةُ رد الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ]

- ‌[هِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلَةِ]

- ‌[قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وُهِبَ بَعْدَ الزِّفَافِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلَ شَتَّى فِي الْهِبَة]

- ‌[الرُّقْبَى]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[لِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ]

- ‌[اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا]

- ‌[الزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

الفصل: ‌(باب من تقبل شهادته ومن لا تقبل)

يَكُونُ عُمُرُهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةُ سَنَةٍ فَيَتَيَقَّنُ الْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ فَالْإِفْصَاحُ كَالسُّكُوتِ إلَيْهِ أَشَارَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ فُلَانًا مَاتَ وَقَالَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مَنْ تَثِقُ بِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْخَصَّافُ أَيْضًا جَوَّزَ ذَلِكَ وَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ.

وَمَعْنَى التَّفْسِيرِ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ أَنْ يَقُولَا شَهِدْنَا؛ لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ أَمَّا إذَا قَالَا لَمْ نُعَايِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ اشْتَهَرَ عِنْدَنَا جَازَتْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُولَ فِي النِّكَاحِ لَمْ أَحْضُرْ الْعَقْدَ وَفِي غَيْرِهِ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَوْ سَمِعْت وَنَحْوَهُ وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ فَهِيَ مِيرَاثٌ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ أَبَا هَذَا الْمُدَّعِي مَاتَ وَهَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لَهُ يَوْمَ مَاتَ أَوْ شَهْرَ مَاتَ أَوْ سَنَةَ مَاتَ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُ وَلَوْ رَآهُ عَلَى حِمَارٍ يَوْمًا لَمْ يَشْهَدْ أَنَّهُ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَكِبَهُ بِالْعَارِيَّةِ وَلَوْ رَآهُ عَلَى حِمَارٍ خَمْسِينَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً مُدَّةً كَثِيرَةً إلَّا بِالْمِلْكِ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ عَايَنَ الشَّاهِدُ دَابَّةً تَتْبَعُ دَابَّةً وَتَرْضَعُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ شَهِدَا أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا وَلَمْ يُدْرِكَا الْمَيِّتَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ لَمْ يُعَايِنَا سَبَبَهُ وَلَا رَأَيَاهُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

يُقَالُ قَبِلْت الْقَوْلَ إذَا حَمَلْته عَلَى الصِّدْقِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَالْمُرَادُ مَنْ يَجِبُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَى الْقَاضِي وَمَنْ لَا يَجِبُ لَا مَنْ يَصِحُّ قَبُولُهَا وَمَنْ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذَكَرَهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ الْفَاسِقُ وَهُوَ لَوْ قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ صَحَّ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْلِ لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إذَا قُضِيَ بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى أَوْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ أَوْ بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ أَوْ عَكْسِهِ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ اهـ.

فَالْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ حِلِّهِ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي اخْتِلَافًا فِي النَّفَادِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ بَعْدَ التَّوْبَةِ (قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى) ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بِالْإِشَارَةِ بَيْنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ وَالنِّسْبَةُ لِتَعْرِيفِ الْغَائِبِ دُونَ الْحَاضِرِ وَصَارَ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَعْمَى وَقْتَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ وَمَا إذَا عَمَى بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ قَبُولِهَا عَدَمُ الْقَضَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ قِيَامَ أَهْلِيَّتِهَا شَرْطٌ وَقْتَ الْقَضَاءِ لِصَيْرُورَتِهَا حُجَّةً عِنْدَهُ وَصَارَ كَمَا إذَا خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ فَسَقَ بِخِلَافِ مَوْتِ الشَّاهِدِ وَغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَهْلِيَّةَ بِالْمَوْتِ قَدْ انْتَهَتْ وَبِالْغَيْبَةِ مَا بَطَلَتْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَشَمِلَ مَا كَانَ طَرِيقُهُ السَّمَاعَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلِزُفَرَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَعَزَاهُ إلَى النِّصَابِ جَازَ مَا بِهِ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَخْرَسِ بِالْأَوْلَى سَوَاءٌ كَانَتْ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ ابْنِ وَهْبَانَ.

(قَوْلُهُ وَالْمَمْلُوكُ وَالصَّبِيُّ) ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى نَفْسِهِمَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا وِلَايَةٌ وَقَدَّمْنَا وَسَيَأْتِي أَنَّ

ــ

[منحة الخالق]

بِالتَّسَامُعِ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى وَإِنَّمَا أَكْثَرْت النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا لِمُحَرِّرِهِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ التُّرْكُمَانِيِّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمَا وَلِلْمُؤْمِنِينَ اهـ. ذَكَرَهُ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُبْرَى وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت.

[بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ]

(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)(قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) أَقُولُ: لَعَلَّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَرَى ذَلِكَ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إلَخْ) أَيْ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ فِي بَحْثِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ وَنَصُّهُ قَضَى بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ الْمَالَ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ أَوْ كَافِرَانِ أَوْ أَعْمَيَانِ وَقِيلَ يَنْفُذُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ مَحْدُودِينَ قَدْ تَابَا ثُمَّ عُزِلَ أَوْ مَاتَ وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ أَمْضَى الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ اهـ.

أَقُولُ: وَسَيَأْتِي بَعْدَ سَبْعَةِ أَوْرَاقٍ عَدَمُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَهَلْ يُقَالُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ صَارَتْ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى وَلَمْ أَرَهَا؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ التُّهْمَةُ لَا الْفِسْقُ عَلَى مَا يُحَرِّرُهُ الْمُؤَلِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي فِي شَهَادَةِ الْعَدُوِّ وَهَذِهِ مِثْلُهَا (قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْأَعْمَى وَقْتَ الشَّهَادَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ عُمِيَ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَقْضِي بِشَهَادَتِهِ قَالَ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ أَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَشَمِلَ مَا كَانَ طَرِيقُهُ السَّمَاعَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ كَالنَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ فِيمَا طَرِيقُهُ السَّمَاعُ وَمَا لَا يَكْفِي فِيهِ السَّمَاعُ إذَا كَانَ بَصِيرًا وَقْتَ التَّحَمُّلِ أَعْمَى عِنْدَ الْأَدَاءِ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ رَاجَعْنَا الْخُلَاصَةَ فَلَمْ نَجِدْ فِيهَا مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَاخْتِيَارَهُ فَرَاجِعْهَا وَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْوِلَايَة إلَخْ) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ الْوَكَالَةُ وِلَايَةٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ أَوَائِلِ عَزْلِ الْوَكِيلِ وَالْعَبْدُ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا تَجُوزُ وَكَالَتُهُ فَتَأَمَّلْ فِي جَوَابِهِ اهـ.

وَمِثْلُهُ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ يَعْقِلُ وَقَدْ يُقَالُ وِلَايَتُهُمَا

ص: 77

ثُبُوتَ حُرِّيَّةِ الشَّاهِدِ إمَّا بِظَاهِرِ الدَّارِ عِنْدَ عَدَمِ طَعْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ بَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا الشَّاهِدُ عِنْدَ طَعْنِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَعَنَ بِأَنَّهُ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ أَوْ شَرِيكِ الْمُدَّعِي فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فَشَهِدَ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ وَكَذَا الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ وَأَنَّ الْكَافِرَ إذَا عَدَلَ فِي كُفْرِهِ لِشَهَادَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَشَهِدَ فَإِنَّهُ يَكْفِي التَّعْدِيلُ الْأَوَّلُ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مَاتَ وَتَرَكَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ وَلَا يُعْلَمُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ ثُمَّ شَهِدَ الْعَبْدُ شَهَادَاتٍ وَاسْتَقْضَى بِقَضَايَا ثُمَّ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُرَدُّ رَقِيقًا وَبَطَلَ عِتْقُهُ وَمَا شَهِدَ بِهِ فَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ الْمَيِّتَ جَازَ الْعِتْقُ لَا الشَّهَادَةُ وَالْقَضَاءُ وَتَمَامُهُ فِيهِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْقِنَّ وَالْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعْتَقُ فِي الْمَرَضِ كَالْمُكَاتَبِ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُدَبَّرُ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهُ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَحُرٌّ مَدْيُونٌ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي جِنَايَاتِ الْمَجْمَعِ وَالْكَافِي.

وَفِي الْكَافِي مِنْ الشَّهَادَاتِ رَجُلٌ مَاتَ عَنْ عَمٍّ وَأَمَتَيْنِ وَعَبْدَيْنِ فَأَعْتَقَ الْعَمُّ الْعَبْدَيْنِ فَشَهِدَا بِبِنْتِيَّةِ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا لِلْمَيِّتِ أَيْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ فِي قَبُولِهَا ابْتِدَاءً بُطْلَانَهَا انْتِهَاءً؛ لِأَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَلَا شَهَادَةَ لَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ الثَّانِيَةَ أُخْتُ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْأُولَى أَوْ بَعْدَهَا أَوْ مَعَهَا لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ فَيَخْرُجُ الْعَمُّ عَنْ الْوِرَاثَةِ فَيَبْطُلُ الْعِتْقُ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ الْمَجْنُونَ وَلَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ قَبُولِهَا وَفِي الْمُحِيطِ وَمَنْ يُجَنُّ سَاعَةً وَيُفِيقُ سَاعَةً فَشَهِدَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِغْمَاءِ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَقَدَّرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا جُنُونَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى لَوْ جُنَّ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَفَاقَ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ فِي حَالِ الصِّحَّةِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا الْمُغَفَّلَ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي رَجُلٍ أَعْجَمِيٍّ صَوَّامٍ قَوَّامٍ مُغَفَّلٍ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يُلَقَّنَ فَيُؤْخَذَ بِهِ قَالَ هَذَا شَرٌّ مِنْ الْفَاسِقِ فِي الشَّهَادَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أُجِيزُ شَهَادَةَ الْمُغَفَّلِ وَلَا أُجِيزُ تَعْدِيلَهُ؛ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْمُغَفَّلُ لَا يَسْتَقْصِي فِي ذَلِكَ اهـ.

وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ مِنْ حُصُولِ الْحُرِّيَّةِ لِلشَّاهِدِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ ظَهَرُوا عَبِيدًا بَطَلَ الْقَضَاءُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ ظُهُورِ خَطَأِ الْقَاضِي وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ قَضَى الْقَاضِي بِوِصَايَةِ بَيِّنَةٍ وَأَخَذَ مَا عَلَى النَّاسِ مِنْ الدُّيُونِ ثُمَّ وَجَدُوا عَبِيدًا فَقَدْ بَرِئَ الْغُرَمَاءُ وَلَوْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْوَكَالَةِ لَمْ يَبْرَءُوا. اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِهِمْ دَفَعُوا لَهُ دَيْنَ الْمَيِّتِ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْإِيصَاءُ بِمَنْزِلَةِ إذْنِهِ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ إلَى أَمِينِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ إذْ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ لِلْغَرِيمِ بِدَفْعِ دَيْنِ الْحَيِّ إلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَا فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ) ؛ لِأَنَّهُمَا أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالشَّهَادَةِ وَالسَّمَاعِ وَيَبْقَى إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ بِالضَّبْطِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِ ذَلِكَ وَهُمَا أَهْلٌ عِنْدَ الْأَدَاءِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا تَحَمَّلَهَا عَلَى مُسْلِمٍ ثُمَّ أَسْلَمَ فَأَدَّاهَا تُقْبَلُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّهَا إلَّا بَعْدَ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ أَدَّاهَا قَبْلَهَا فَرُدَّتْ ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَأَدَّاهَا ثَانِيًا وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَمَتَى رُدَّتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ الْعِلَّةُ فَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيِّ إذَا شَهِدُوا فَرُدَّتْ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ فَشَهِدُوا فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الزَّوْجِ وَالْأَجِيرِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمُتَّهَمِ وَالْفَاسِقِ بَعْدَ رَدِّهَا وَإِدْخَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَهْوٌ

ــ

[منحة الخالق]

فِي الْوَكَالَةِ غَيْرُ أَصْلِيَّةٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّبِيَّ إلَخْ) قَدَّمَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ وَسَأَلَ عَنْ الشُّهُودِ وَقَدَّمَ أَيْضًا هُنَاكَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالْكَافِرِ وَهُوَ أَنَّ الْكَافِرَ كَانَ لَهُ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ قَبْلَ إسْلَامِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ فَشَهِدَا بِبِنْتِيَّةِ إحْدَاهُمَا) أَيْ شَهِدَا أَنَّ إحْدَى الْأَمَتَيْنِ وَهِيَ فُلَانَةُ بِنْتُ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَا لَصَارَتْ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيُّ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ عِنْدَ سَبْقِ شَهَادَةِ الْأُخْتِيَّةِ بَلْ الْعِلَّةُ فِيهَا هِيَ عِلَّةُ الْبِنْتِيَّةِ فَتَفَقَّهْ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِكَوْنِهِمْ دَفَعُوا إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ السَّائِحَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمَقْدِسِيَّ فَعَلَى هَذَا مَا يَقَعُ الْآنَ كَثِيرًا مِنْ تَوْلِيَةِ شَخْصٍ نَظَرَ وَقْفٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ مِثْلِهِ مِنْ قَبْضٍ وَصَرْفٍ وَشِرَاءٍ وَبَيْعٍ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ يُغَيِّرُ شَرْطَ الْوَاقِفِ أَوْ أَنَّ إنْهَاءَهُ بَاطِلٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَالْوَصِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ مَا يُؤَيِّدُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِدْخَالُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَهْوٌ) وَالْعَجَبُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ ثُمَّ تَابَ ثُمَّ قَالَ فَصَارَ الْحَاصِلُ إلَخْ فَذَكَرَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَعَ مَنْ يُقْبَلُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ لِمُخَالَفَتِهِ صَدْرَ كَلَامِهِ وَلَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ الْخُلَاصَةِ لَا تُقْبَلُ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ وَلِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ الْحُرُّ لِزَوْجَتِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ أَبَانَهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهَا بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَوَصَّلَ بِطَلَاقِهَا إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَتْ لَهُ اهـ.

وَلِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ شَهِدَ الْفَاسِقُ فَرُدَّتْ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَا بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْبَيْنُونَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ الْكَافِرُ فَرُدَّتْ ثُمَّ عَتَقَ وَبَلَغَ وَأَسْلَمَ وَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا تُقْبَلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِقَ وَالزَّوْجَ لَهُمَا شَهَادَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا رُدَّتْ لَا تُقْبَلُ بَعْدُ بِخِلَافِ

ص: 78

وَلَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْقَاضِي بِرَدِّ شَهَادَتِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَطْلَقَ فِي تَحَمُّلِ الْعَبْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا تَحَمَّلَهَا لِمَوْلَاهُ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ الْحُرِّيَّةَ النَّافِذَةَ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ ثُمَّ شَهِدَ هَذَا لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مَوْقُوفٌ اهـ.

وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشُّهُودِ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ فَعَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ وَلَوْ قَالَ هُمَا مَحْدُودَانِ فِي الْقَذْفِ فَعَلَى الطَّاعِنِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَحْدُودُ فِي قَذْفٍ وَلَوْ تَابَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] وَلِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ لِكَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ كَأَصْلِهِ بِخِلَافِ الْمَحْدُودِ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الرَّدَّ لِلْفِسْقِ وَقَدْ ارْتَفَعَ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] أَوْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي التَّحْرِيرِ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ وَقَرَّرَهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِمْ بِالْفِسْقِ إلَّا التَّائِبِينَ، وَأَمَّا رُجُوعُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى الْكُلِّ فِي آيَةِ الْمُحَارَبِينَ فَلِدَلِيلٍ اقْتَضَاهُ وَهُوَ قَوْلُهُ {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْأَخِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُهُ مُطْلَقًا فَفَائِدَتُهُ سُقُوطُ الْحَدِّ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْبَدَائِعِ كُلُّ فَاسِقٍ تَابَ عَنْ فِسْقِهِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَشَهَادَتُهُ إلَّا اثْنَيْنِ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ وَالْمَعْرُوفَ بِالْكَذِبِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَارَ مَعْرُوفًا بِالْكَذِبِ وَاشْتُهِرَ بِهِ لَا يُعْرَفُ صِدْقُهُ مِنْ تَوْبَتِهِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ إذَا تَابَ عَنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله إلَى أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَسْقُطُ مَا لَمْ يُضْرَبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَهُوَ صَرِيحُ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ مَنْ ضُرِبَ الْحَدَّ أَيْ تَمَامًا؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَكُونُ تَعْزِيرًا غَيْرَ مُسْقِطٍ لَهَا وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى صِدْقِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ أَرْبَعَةً بَعْدَمَا حُدَّ عَلَى أَنَّهُ زَنَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَهَا قَبْلَهُ لَمْ يُحَدَّ فَكَذَا لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ وَتَمَامُهُ فِي الْعَتَّابِيَّةِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ زَنَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً لِمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ شَهِدَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا يُدْرَأُ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ إلَى آخِرِهِ فَكَذَا إذَا أَقَامَ رَجُلَيْنِ بَعْدَ حَدِّهِ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا تَعُودُ شَهَادَتُهُ كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لَهُمْ عِنْدَنَا عَائِدٌ إلَى الْمَحْدُودِينَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى الْقَاذِفِينَ الْعَاجِزِينَ عَنْ الْإِثْبَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فَلَوْ لَمْ يُحَدَّ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا قَالَهُ وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا ثُمَّ شَهِدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ عَلَى أَنَّهُ زَنَى فَإِذَا كَانَ حُدَّ لَمْ يُحَدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ حُدَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحَدَّ الْكَافِرُ فِي قَذْفٍ ثُمَّ أَسْلَمَ) يَعْنِي فَتُقْبَلَ وَلَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ؛ لِأَنَّ لِلْكَافِرِ شَهَادَةً فَكَانَ رَدُّهَا مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَبِالْإِسْلَامِ حَدَثَتْ شَهَادَةٌ أُخْرَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تُقْبَلُ بَعْدَ إسْلَامِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْكَافِي فَإِنْ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ ضَرُورَةً وَتَمَامُهُ فِي الْعَتَّابِيَّةِ قَيَّدَ بِالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا حُدَّ حَدَّ الْقَذْفِ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا فِي حَالِ رِقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَمَا ضُرِبَ تَمَامَ الْحَدِّ فَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا ضُرِبَ بَعْضَهُ فَضُرِبَ الْبَاقِي بَعْدَ إسْلَامِهِ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ وَفِي رِوَايَةٍ تَبْطُلُ إنْ ضُرِبَ الْأَكْثَرُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَوْ سَوْطًا كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَوَضْعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَام لَا يُسْقِطُ حَدَّ الْقَذْفِ وَهَلْ يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ قَالَ الشَّيْخُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ إذَا سَرَقَ الذِّمِّيُّ أَوْ زَنَى ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُدْرَأُ عَنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَأَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَذَلِكَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَفِي الْيَتِيمَةِ مِنْ كِتَابِ السَّيْرِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الصَّبِيِّ إذَا وَجَبَ التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ لِلتَّأْدِيبِ فَبَلَغَ وَنَقَلَ

ــ

[منحة الخالق]

الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ إذْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ أَصْلًا اهـ.

كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَفِيهَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةً ثُمَّ قَالَ وَالصَّبِيُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا عَرَفْت يَسْهُلُ عَلَيْك تَخْرِيجُ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَرْدُودَ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَا تَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً تُقْبَلُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الشَّرَائِطِ اهـ.

وَلَكِنْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إذْ لَوْ قَضَى بِهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَةٌ وَقَدْ حَكَمَ بِقَبُولِهَا بِزَوَالِ الْعَمَى. اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا طَعَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الشُّهُودِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَنَّهُ يُقَالُ لِلشَّاهِدَيْنِ أَقِيمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَهُوَ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالْمَمْلُوكُ وَمَا هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعِي وَهُوَ قَوْلُهُ فَعَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى حُرِّيَّتِهِمْ فَتَأَمَّلْ.

ص: 79

الْفَخْرُ الرَّازِيّ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ سُقُوطَهُ لَوْ لِزَجْرِهِ بِالْبُلُوغِ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْيَتِيمَةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ

(قَوْلُهُ وَالْوَلَدِ لِأَبَوَيْهِ وَجَدَّيْهِ وَعَكْسِهِ) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَالْأَصْلِ لِفَرْعِهِ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْآبَاءِ مُتَّصِلَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَيْهِمْ فَتَكُونُ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ وَأَطْلَقَ الْوَلَدَ فَشَمِلَ الْوَلَدَ مِنْ وَجْهٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الْمُلَاعِنِ لِأُصُولِهِ أَوْ هُوَ لَهُ أَوْ لِفَرْعِهِ لِثُبُوتِهِ مِنْ وَجْهٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ دَعْوَتِهِ مِنْهُ وَعَدَمِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَتَحْرُمُ مُنَاكَحَتُهُ وَوَضْعُ الزَّكَاةِ فِيهِ فَأَحْكَامُ الْبُنُوَّةِ ثَابِتَةٌ لَهُ إلَّا الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَوَلَدِ الْعَاهِرِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدَ التَّوْأَمَيْنِ وَقَدْ وُلِدَا فِي مِلْكِهِ وَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فَشَهِدَا لِبَائِعِهِ تُقْبَلُ فَإِنْ ادَّعَى الْبَاقِيَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا وَانْتُقِضَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ وَالْقَضَاءُ وَيَرُدُّ مَا قَبَضَ أَوْ مِثْلَهُ إنْ هَلَكَ لِلِاسْتِنَادِ لِتَحْوِيلِ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ قِصَاصًا فِي طَرَفٍ أَوْ نَفْسٍ فَأَرْشُهُ عَلَيْهِ دُونَ الْعَاقِلَةِ وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ شَهَادَةِ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ الْمَنْفِيِّ مِنْ السَّيِّدِ وَلَا يُعْطِيهِ الزَّكَاةَ كَوَلَدِ الْحُرَّةِ الْمَنْفِيِّ بِاللَّعَّانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِابْنِهِ رَضَاعًا وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ شَهِدَ ابْنَاهُ أَنَّ الطَّالِبَ أَبْرَأَ أَبَاهُمَا وَاحْتَالَ بِدَيْنِهِ عَلَى فُلَانٍ لَمْ تَجُزْ إذَا كَانَ الطَّالِبُ مُنْكِرًا وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَلَى غَيْرِ أَبِيهِمَا فَشَهِدُوا أَنَّ الطَّالِبَ أَحَالَ بِهِ أَبَاهُمَا وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ وَالْمَطْلُوبُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَالْحَوَالَةُ جَازَتْ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ إذَا شَهِدَا عَلَى فِعْلِ أَبِيهِمَا فِعْلًا مُلْزِمًا لَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ لِلْأَبِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تُقْبَلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمَك فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ فَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ كَلَّمَهُ وَشَهِدَ ابْنَاهُ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُمَا وَكَذَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ فِعْلِ الْأَبِ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ بَيْعٍ وَإِنْ شَهِدَ ابْنَا الْوَكِيلِ عَلَى عَقْدِ الْوَكِيلِ فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ بِالْأَمْرِ وَالْعَقْدِ وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْخَصْمُ قَضَى الْقَاضِي بِالتَّصَادُقِ لَا بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا لَا تُقْبَلُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ إلَّا فِي الْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالطَّلَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ لِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِهِ وَهُوَ الْمُوَكِّلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَقْضِي بِالْعَقْدِ إلَّا بِعَقْدٍ تَرْجِعُ حُقُوقُهُ إلَى الْعَاقِدِ كَالْبَيْعِ. الثَّانِي أَنْ يُنْكِرَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فَإِنْ جَحَدَ الْخَصْمُ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ اتِّفَاقًا. الثَّالِثِ أَنْ يُقِرَّ الْوَكِيلُ بِهِمَا وَيَجْحَدَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ فَقَطْ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْخَصْمُ يَقْضِي بِالْعُقُودِ كُلِّهَا إلَّا النِّكَاحَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَقَيَّدَ بِالشَّهَادَةِ لَهُمْ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ عَلَى ابْنِهِ لِابْنِ ابْنِهِ قُلْنَا إنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَجُلٌ شَهِدَ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى أَبِيهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ شَهِدَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِرْ جَدًّا لِوَلَدِهِ بَلْ يَصِيرُ جَدًّا بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ جَدًّا بِمُوجَبِ الشَّهَادَةِ وَالشَّيْءُ لَا يَنْفِي مُوجَبَ نَفْسِهِ اهـ.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَهَادَةِ الْأَبِ عَلَى إقْرَارِ ابْنِهِ بِأَنَّ مَا وَلَدَتْهُ زَوْجَتُهُ ابْنُهُ لَا فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوَّلُ فِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ إذَا لَمْ تَكُنْ لِأُمِّهِ أَوْ لِضَرَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى أَبِيهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَادَّعَى فُلَانٌ أَنَّهُ كَلَّمَهُ وَشَهِدَ ابْنَاهُ بِهِ) أَيْ ابْنَا فُلَانٍ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِدُخُولِهِ لِفُلَانٍ (قَوْلُهُ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ قُلْت وَفِي شَرْحِ النَّظْمِ الْوَهْبَانِيِّ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ ذَكَرَ أَنَّ شَهَادَةَ الْإِنْسَانِ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى ابْنِهِ مَقْبُولَةٌ وَعَزَاهُ إلَى قَاضِي خَانْ وَأَطْلَقَهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَقٍّ دُونَ حَقٍّ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْقَبُولِ أَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ عَلَى وَلَدِهِ وَهُوَ أَعَزُّ عَلَيْهِ مِنْ ابْنِ ابْنِهِ دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِهِ فَتَنْتَفِي التُّهْمَةُ الَّتِي رُدَّتْ لِأَجْلِهَا الشَّهَادَةُ اهـ قُلْت وَنَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ وَلَدَتْ وَلَدًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا هَذَا وَجَحَدَ الزَّوْجُ ذَلِكَ فَشَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ أَبُوهُ وَابْنُهُ أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ شَهِدَ أَبُو الْمَرْأَةِ وَجَدُّهَا عَلَى إقْرَارِ الزَّوْجِ بِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِوَلَدِهِمَا وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَبُوهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ وَأَقَرَّتْ بِذَلِكَ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الرِّوَايَةُ قَالَ فِي الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَتُقْبَلُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ لِابْنِ ابْنِهِ عَلَى ابْنِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ انْتَهَتْ وَنَقَلَهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِحُرُوفِهَا وَسَيَذْكُرُ بَعْضَهَا الْمُؤَلِّفُ آخِرَ هَذِهِ الْقَوْلَةِ مُحَرَّفَةً وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الِابْنِ لِلْمَرْأَةِ صَرِيحًا لِجُحُودِهِ وَادِّعَائِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ وَالْقَبُولُ فِي الْأُولَى يَقْتَضِي الْقَبُولَ فِي الثَّالِثَةِ وَتَرْجِيحُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَلَمْ يَصِرْ الْوَلَدُ الْمَجْحُودُ ابْنَ ابْنٍ إلَّا بَعْدَ الشَّهَادَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَالنَّسَبِ فِي الْقَبُولِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ إلَّا إذَا شَهِدَ الْجَدُّ إلَخْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ تَأَمَّلْ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ شِهَابِ الدِّينِ الشَّلَبِيِّ سُئِلْت عَمَّا لَوْ شَهِدَتْ الْأُمُّ لِبِنْتِهَا عَلَى بِنْتٍ لَهَا أُخْرَى هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فَأَجَبْت بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ شَهَادَةَ الْأُمِّ عَلَى إحْدَى الْبِنْتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْبُولَةً لَكِنْ لَمَّا تَضَمَّنَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأُخْرَى رُدَّتْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا لِلتُّهْمَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَيَشْهَدُ لِمَا أَجَبْت بِهِ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ رحمه الله فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِشَهَادَةِ ابْنَيْهِمَا ثُمَّ تَجَاحَدَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِغَيْرِ الْمُنْكِرِ مِنْهُمَا اهـ.

ثُمَّ أَجَابَ عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ بِمَا نَصُّهُ شَهَادَةُ الْأَبِ عَلَى وَلَدِهِ لِابْنَتِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص: 80

وَإِنْ كَانَ لِأُمِّهِ أَوْ لِضَرَّتِهَا لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِأُمِّهِ ذَكَرَهُ فِي فَصْلِ الشَّهَادَةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ رَجُلٌ شَهِدَ عَلَيْهِ بَنُوهُ أَنَّهُ طَلَّقَ أُمَّهُمْ ثَلَاثًا وَهُوَ يَجْحَدُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ تَدَّعِي فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ تَجْحَدُ فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَدَّعِي فَهُمْ يَشْهَدُونَ لِأُمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ الْأُمَّ فِيمَا تَدَّعِي وَيُعِيدُونَ الْبُضْعَ إلَى مِلْكِهَا بَعْدَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَجْحَدُ فَيَشْهَدُونَ عَلَى أُمِّهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَهَا فِيمَا تَجْحَدُ وَيُبْطِلُونَ عَلَيْهَا مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَى زَوْجِهَا مِنْ الْقَسَمِ وَالنَّفَقَةِ وَمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ مَنْفَعَةِ عَوْدِ بُضْعِهَا إلَى مِلْكِهَا فَتِلْكَ مَنْفَعَةٌ مَجْحُودَةٌ يَشُوبُهَا مَضَرَّةٌ فَلَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ اهـ

وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالطَّلَاقِ شَهَادَةٌ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوُجُودُ دَعْوَى الْأُمِّ وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ حَقُّهَا أَيْضًا لَمْ تُشْتَرَطْ الدَّعْوَى لِلْأَوَّلِ وَاعْتُبِرَتْ إذَا وُجِدَتْ مَانِعَةً مِنْ الْقَبُولِ لِلثَّانِي عَمَلًا بِهِمَا وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيّ أَنَّ الْأُمَّ إذَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا لَغْوٌ قَالَ مَوْلَانَا وَعِنْدِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ أَصَحُّ اهـ.

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ ذَكَرَهَا ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِهِ: الْأُولَى شَهِدَا أَنَّ امْرَأَةَ أَبِيهِمَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ تُنْكِرُ فَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمَا حَيَّةً لَمْ تُقْبَلْ ادَّعَتْ أَوْ أَنْكَرَتْ لِانْتِفَاعِهَا وَإِلَّا فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَتْ. الثَّانِيَةُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَشَهِدَ ابْنَاهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي الْمُدَّةِ الْأُولَى ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِلَا مُحَلِّلٍ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَدَّعِي لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا قُبِلَتْ. الثَّالِثَةُ شَهِدَ ابْنَاهُ عَلَى الْأَبِ أَنَّهُ خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى صَدَاقِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَبُ يَدَّعِي لَا تُقْبَلُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا وَإِلَّا تُقْبَلُ ادَّعَتْ أَوْ لَا. الرَّابِعَةُ شَهِدَ ابْنَا الْجَارِيَةِ الْحُرَّانِ أَنَّ مَوْلَاهَا أَعْتَقَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ تَدَّعِي لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ وَإِنْ شَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى وَهُوَ يَدَّعِي لَمْ تُقْبَلْ وَعَتَقَتْ لِإِقْرَارِهِ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِلَّا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا عَلَى عِتْقِ أَبِيهِمَا بِأَلْفٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ دَعْوَاهُ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَلَوْ شَهِدَ ابْنَا الْمَوْلَى فَإِنْ ادَّعَى الْمَوْلَى لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ جَحَدَ وَادَّعَى الْغُلَامَ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِالْعِتْقِ وَبِوُجُوبِ الْمَالِ وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ تُقْبَلْ.

الْخَامِسَةُ جَارِيَةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ بَاعَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَنَّ فُلَانًا الَّذِي اشْتَرَاهَا أَعْتَقَهَا وَالْمُشْتَرِي يَجْحَدُ فَشَهِدَ ابْنَا ذِي الْيَدِ بِمَا ادَّعَتْ الْجَارِيَةُ فَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا تُقْبَلُ اهـ.

وَهَذِهِ كُلُّهَا مَسَائِلُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ ذَكَرَهَا الصَّدْرُ سُلَيْمَانُ الشَّهِيدُ فِي بَابٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَزَادَ قَالَتْ بِعْتنِي مِنْهُ وَأَعْتَقَنِي وَشَهِدَ ابْنَا الْبَائِعِ إنْ ادَّعَى لَا تُقْبَلُ وَعَتَقَتْ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ كَذَّبَهُ قُبِلَتْ وَثَبَتَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ خَصْمٌ كَالشَّفِيعِ فِي يَدِهِ جَارِيَةٌ قَالَ بِعْتهَا مِنْ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَقَبَضَهَا وَبَاعَهَا مِنِّي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَشَهِدَ ابْنَا الْبَائِعِ يَقْضِي بِالْبَيْعَيْنِ وَبِالثَّمَنَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ وَلَا يُحْبَسُ بِهِ وَإِنْ ادَّعَى الْأَبُ لَا تُقْبَلُ وَيَسْلَمُ لَهُ بِإِقْرَارِهِ إلَى آخِرِ مَا فِيهِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الْمُنْتَقَى شَهِدَا عَلَى أَنَّ أَبَاهُمَا الْقَاضِي قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا لَا تُقْبَلُ وَالْمَأْخُوذُ أَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ قَاضِيًا يَوْمَ شَهِدَ الِابْنُ عَلَى حُكْمِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الِابْنَانِ عَلَى شَهَادَةِ أَبِيهِمَا تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا عَلَى كِتَابِهِ اهـ.

ثُمَّ قَالَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ وَلَدِهِ وَحَافِدِهِ يَجُوزُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا وَادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْ زَوْجِهَا وَجَحَدَ زَوْجُهَا ذَلِكَ فَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا وَلَدُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْأَصْلِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ تَجْحَدُ فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَبُوهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ وَأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهِ الرِّوَايَةُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ مُتَّصِلٌ عَادَةً وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَيَصِيرُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ أَوْ يَصِيرُ مِنْهُمَا وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ شَهِدَ الرَّجُلُ لِامْرَأَةٍ بِحَقٍّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَلَوْ شَهِدَ لِامْرَأَتِهِ وَهُوَ عَدْلٌ وَلَمْ يَرُدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ حَتَّى طَلَّقَهَا بَائِنًا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا رَوَى ابْنُ شُجَاعٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يُنْفِذُ شَهَادَتَهُ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ إنَّمَا تَمْنَعُ مِنْهَا وَقْتَ الْقَضَاءِ لَا وَقْتَ الْأَدَاءِ وَلَا وَقْتَ التَّحَمُّلِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ وَكَّلَتْ امْرَأَةُ الْقَاضِي وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ وَابْنِهِ) الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَشَهِدَ عَلَى الزَّوْجِ أَبُوهُ وَابْنُهُ

ص: 81

عِدَّتُهَا وَقَضَى لِوَكِيلِهَا يَجُوزُ وَكَذَا وَكِيلُ مُكَاتَبِهِ إذَا عَتَقَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ انْتِقَاءِ التُّهْمَةِ وَقْتَ الْقَضَاءِ اهـ.

وَأَمَّا فِي بَابِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْهُ وَقْتَ الْهِبَةِ لَا وَقْتَ الرُّجُوعِ فَلَوْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَفِي بَابِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةً وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَلَوْ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا وَمَاتَ وَهِيَ زَوْجَةٌ صَحَّ وَفِي بَابِ الْوَصِيَّةِ الِاعْتِبَارُ لِكَوْنِهَا زَوْجَةٌ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْأَمَةَ قَالَ فِي الْأَصْلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً؛ لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهَا مَقْبُولَةٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى قَذَفَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهَا بِالزِّنَا مَعَ ثَلَاثَةٍ لَمْ تُقْبَلْ وَهِيَ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ وَقَدَّمْنَاهَا فِي الْحُدُودِ الثَّانِيَةِ شَهِدَ الزَّوْجُ وَآخَرُ بِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِفُلَانٍ وَهُوَ يَدَّعِي ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي أَنَا أَذِنْت لَهَا فِي نِكَاحِهِ إلَّا إذَا كَانَ دَفَعَ لَهَا الْمَهْرَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَذَا فِي النَّوَازِلِ وَشَمِلَ الزَّوْجَةَ مِنْ وَجْهٍ وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ الطَّلَاقِ وَلَوْ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ فَلَا يَقْضِي لِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا لِفَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَلَوْ وَكِيلَ مَنْ ذَكَرْنَا كَمَا فِي قَضَائِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْهَا أَيْضًا اخْتَصَمَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي وَوَكَّلَ أَحَدُهُمَا ابْنَ الْقَاضِي أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَقَضَى الْقَاضِي لِهَذَا الْوَكِيلِ لَا يَجُوزُ فَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ يَجُوزُ وَفِي الْخِزَانَةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ وَلَدُهُ وَصِيًّا فَقَضَى لَهُ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَصِيَّ الْيَتِيمِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ فِي أَمْرِ الْيَتِيمِ وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي وَكِيلًا لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ لِمُوَكِّلِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ

(قَوْلُهُ وَالسَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَمِنْ وَجْهٍ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْحَالَ مَوْقُوفٌ مُرَاعًى وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي شَهِدَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةً وَكَذَا الصَّبِيُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ جَازَتْ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا قَيَّدَ بِمَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لِجَوَازِهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ شَرِكَةَ الْأَمْلَاكِ وَشَرِكَةَ الْعُقُودِ عِنْدَنَا وَمُفَاوَضَةً وَوُجُوهًا وَصَنَائِعَ وَخَصَّصَهُ فِي النِّهَايَةِ بِشَرِيكِ الْعَنَانِ قَالَ وَأَمَّا شَهَادَةُ أَحَدِ الْمُفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَلَا تُقْبَلُ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَتَبِعَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَالْبِنَايَةِ وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَلَى الثَّلَاثَةِ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ وَطَعَامَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُمْ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ سَهْوٌ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَقَارُ وَلَا الْعُرُوض وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ وُهِبَ لِأَحَدِهِمَا مَالٌ غَيْرُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِيهِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَشَهَادَةُ أَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ تِجَارَتِهِمَا مَقْبُولَةٌ لَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْمُفَاوَضَةِ؛ لِأَنَّ الْعَنَانَ قَدْ يَكُونُ خَاصًّا وَقَدْ يَكُونُ عَامًّا، وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فَلَا تَكُونُ إلَّا فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَكُونُ خَاصَّةً يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمُفَاوَضَةُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْعَنَانِ اهـ.

وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَا إذَا شَهِدَا أَنَّ لَهُمَا وَلِفُلَانٍ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ أَنْ يَنُصَّا عَلَى الشَّرِكَةِ فَلَا تُقْبَلُ.

الثَّانِي أَنْ يَنُصَّا عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ بِأَنْ قَالَا نَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى هَذَا خَمْسَمِائَةٍ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَنَا عَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ فَتُقْبَلُ. الثَّالِثِ أَنْ يُطْلِقَا فَلَا تُقْبَلُ لِاحْتِمَالِ الِاشْتِرَاكِ وَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ دَيْنٌ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ الدَّائِنَ أَبْرَأَهُمَا وَفُلَانٌ عَنْ الْأَلْفِ فَإِنْ كَانُوا كُفَلَاءَ لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا فَإِنْ شَهِدُوا بِالْإِبْرَاءِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَذَلِكَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّهُ سَهْوٌ إلَخْ) وَكَذَا قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَا عَدَاهَا مُشْتَرَكًا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَيَشْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ أَيْضًا فَلَا وَجْهَ لِلْإِخْرَاجِ فَتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يَخُصَّ بِالْأَمْلَاكِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ إلَّا الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إلَخْ.

ص: 82

وَإِلَّا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله إلَى قَاعِدَةٍ فِي الشَّهَادَاتِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ جَرَّتْ مَغْنَمًا أَوْ دَفَعَتْ مَغْرَمًا لَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَجِيرِ بِالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُسْتَعِيرِ لِلْمُعِيرِ بِالْمُسْتَعَارِ وَشَهَادَةُ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ كَأَجِيرِ الْمُيَاوَمَةِ وَالْمُشَاهَرَةِ لَا الْعَامِّ كَالْخَيَّاطِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فَتُقْبَلُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذَابِحِ الشَّاةِ الْمَأْمُورِ بِذَبْحِهَا لِمُدَّعِيهَا عَلَى غَاصِبِهَا وَلَا شَهَادَةُ ابْنِ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ الشَّفِيعَ طَلَبَ الشُّفْعَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَا شَهَادَةُ الْمُودِعِ بِهَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ بِالنِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِالْعِتْقِ وَشَهَادَةُ ابْنِ الْبَائِعِ عَلَى الشَّفِيعِ بِتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ إلَى الْمُشْتَرِي وَلَا تُقْبَلُ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَهَا إلَى الشَّفِيعِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ وَلَا شَهَادَةُ الْمُعْتَقِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ إذَا اخْتَلَفَا وَتُقْبَلُ إذَا شَهِدَ بِإِيفَاءِ الثَّمَنِ أَوْ إبْرَاءِ الْبَائِعِ.

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُودِعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ لِلْمُدَّعِي قَبْلَ الرَّدِّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْتَهِنِ وَلَوْ شَهِدَ الْمُودِعُ أَوْ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْعَبْدِ بِإِعْتَاقِ مَوْلَاهُ أَوْ تَدْبِيرِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ عِنْدَ دَعْوَاهُ جَازَتْ لَا بِبَيْعِهِ وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِهِ فِي الْمُحِيطِ وَهُنَا مَسَائِلُ مُتَفَرِّعَةٌ عَلَى عَدَمِ شَهَادَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ: الْأُولَى شَهِدَا أَنَّ زَيْدًا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِقَبِيلَةِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمَا مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ صَحَّتْ وَلَا شَيْءَ لَهُمَا مِنْهَا. الثَّانِيَةُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَهُمَا مِنْهُمْ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ. الثَّالِثَةُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَيْتِهِ أَوْ لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَهُمَا مِنْهُمْ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ كَانَا غَنِيَّيْنِ صَحَّتْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ وَالثَّالِثَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِمَا تَخْصِيصُ الْبَعْضِ مِنْهُمْ بِخِلَافِهِ فِي الثَّالِثَةِ.

الرَّابِعَةُ لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ فَشَهِدَ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ مُحْتَاجُونَ مِنْهُمْ لَمْ تُقْبَلْ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَوْلَادِهِمَا أَنَّ الْمُخَاطَبَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُمُومِ خِطَابِهِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُمَا الْكَلَامُ بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا أَدْخَلْنَا الْمُتَكَلِّمَ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ لِفُقَرَاءِ أَهْلِ بَيْتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ يُحْصَوْنَ بِخِلَافِ فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَبَنِي تَمِيمٍ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ الْوَقْفِ لَوْ شَهِدَا أَنَّهَا صَدَقَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ وَهُمَا مِنْهُمْ جَازَتْ وَلَوْ عَلَى فُقَرَاءِ قَرَابَتِهِ لَا قَالَ النَّاطِفِيُّ فِي الْفَرْقِ إنَّ الْقَرَابَةَ لَا تَزُولُ وَالْجَوَازَ يَزُولُ فَلَمْ يَكُنْ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ لَا مَحَالَةَ اهـ.

وَأَهْلُ بَيْتِ الْإِنْسَانِ لَا يَزُولُ عَنْهُمْ الِاسْمُ؛ لِأَنَّهُمْ أَقَارِبُهُ الَّذِينَ فِي عِيَالِهِ فَلِهَذَا لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا وَلَكِنْ يَشْكُلُ بِمَسْأَلَةِ قَبِيلَةٍ فَإِنَّ الِاسْمَ عَنْهُمْ لَا يَزُولُ مَعَ قَبُولِهَا وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُونَ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ عَقِبَ مَا نَقَلْته عَنْهُ فَعَلَى هَذَا شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ بِوَقْفِهَا جَائِزَةٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ.

وَأَمَّا أَصْحَابُ الْمَدْرَسَةِ إذَا شَهِدُوا بِالْوَقْفِ عَلَى الْمَدْرَسَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ يَطْلُبُ لِنَفْسِهِ حَقًّا مِنْ ذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ لَوْ شَهِدَ بَعْضُ الشُّفَعَاءِ بِالْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ لَا يَطْلُبُهَا تُقْبَلُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعِنْدِي هَذَا يُخَالِفُ الشُّفْعَةَ؛ لِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ أَمَّا الْوَقْفُ عَلَى الْمَدْرَسَةِ مَنْ كَانَ فَقِيرًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَدْرَسَةِ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا لِلْوَقْفِ اسْتِحْقَاقًا لَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ أَبْطَلْت حَقِّي كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَيَأْخُذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُقْبَلَ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ الطَّرَسُوسِيُّ بِقَوْلِهِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفَقِيهَ مِنْ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ فَلَا تَبْقَى لَهُ وَظِيفَةٌ أَصْلًا فَكَيْفَ يَقُولُ لَا يُمْكِنُهُ إبْطَالُهُ وَرَدَّهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْوَاقِفَ إذَا وَقَفَ عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْفِقْهِ وَالْفَقْرِ مَثَلًا وَالْإِقَامَةِ اسْتَحَقَّ مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْوَقْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ بَلْ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ طَلَبَ أَخَذَ كَالْوَقْفِ عَلَى الِابْنِ إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ مِنْ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ وَصَاحِبُ الْفَوَائِدِ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا مِنْ كَلَامِ قَاضِي خَانْ بَلْ جَرَى عَلَى عَادَةِ أَوْقَافِ الْمَدَارِسِ فِي بِلَادِنَا فَإِنَّ الْوَاقِفَ يَجْعَلُ النَّظَرَ فِيهِ إلَى الْحَاكِمِ مَثَلًا أَوْ إلَى النَّاظِرِ وَيَجْعَلُ لَهُ وِلَايَةَ الْعَزْلِ وَالتَّقْرِيرِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْحِرْمَانِ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ فَحِينَئِذٍ إذَا أَبْطَلَ ذَلِكَ حَقَّهُ وَعَزَلَ نَفْسَهُ صَحَّ وَلَيْسَ لَهُ الْعَوْدُ إلَّا أَنْ يُقَرِّرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّقْرِيرِ وَلَيْسَ كَلَامُ قَاضِي خَانْ فِي ذَلِكَ بَلْ كَلَامُهُ فِيمَنْ وَقَفَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَشَهَادَةِ الْأَجِيرِ الْخَاصِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ لِأُسْتَاذِهِ مَرْدُودَةٌ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَالُوا إنْ كَانَ الْأَجِيرُ مُشْتَرَكًا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَمَا ذُكِرَ فِي الدِّيَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ أَجِيرُ وَحْدٍ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً أَوْ مُيَاوَمَةً لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأُسْتَاذِهِ لَا فِي تِجَارَتِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ آخَرَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكَفَالَةِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا كَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ وَالصَّدْرُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الشَّهِيدُ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ أَجِيرَ الْوَحْدِ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَإِذَا كَانَ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ لِزَمَانِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ مُتَّهَمًا فِيمَا شَهِدَ أَمَّا الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ الَّذِي عُقِدَتْ عَلَيْهِ الْإِجَارَةُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْجِبْ بِشَهَادَتِهِ أَجْرًا انْتَفَتْ التُّهْمَةُ عَنْ شَهَادَتِهِ وَلِهَذَا جَازَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ عِنْدَ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَدَالَةُ اهـ.

ص: 83

الْوَاقِفُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يَسْتَحِقُّ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ وَلَا يَبْطُلُ بِإِبْطَالِهِ لَهُ اهـ.

وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ لِي؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إذَا وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ مَثَلًا فَإِنَّ الْفَقِيهَ لَا يَسْتَحِقُّ فِي ذَلِكَ الرَّيْعِ إلَّا بِالتَّقْرِيرِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَتُهُ وَكَذَا عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَنْ كَانَ فَقِيهًا أَوْ فَقِيرًا مُطْلَقًا كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ لِأَنَّ الْفَقِيهَ وَالْفَقِيرَ الطَّالِبَ لَمْ يَتَعَيَّنَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى كُلِّ فَقِيهٍ وَكُلِّ فَقِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ لِلْجِنْسِ وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّقْرِيرِ فَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ وَظِيفَةٍ تَقَرَّرَ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِنْسِ الْفُقَهَاءِ أَوْ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ كَمَا هُوَ فِي أَوْقَافِ الْقَاهِرَةِ وَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ وَقْفٍ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْفُقَرَاءِ بِلَا تَعْيِينٍ وَلَمْ يُقَرِّرْ فِي وَقْفِهِمْ لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ فَلِلنَّاظِرِ أَنْ يُقَرِّرَهُ بَعْدَهُ وَيُعْطِيَهُ مَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ يَطْلُبُ وَيَأْخُذُ بِلَا تَقْرِيرٍ فَمَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِالْإِبْطَالِ فِي كَلَامِ قَاضِي خَانْ جَوَازُ أَنْ يُقَرِّرَ بَعْدَ إبْطَالِهِ وَيُعْطِيَ بَعْدَهُ مَنْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَمَعْنَى قَوْلِ الطَّرَسُوسِيِّ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِعَزْلِهِ نَفْسَهُ إذَا كَانَ بَعْدَ تَقْرِيرِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَالْوَقْفِ عَلَى الِابْنِ كَمَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الِابْنِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَقْرِيرٍ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْفَقِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى بَقِيَ مِنْ جِنْسِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ مَسْأَلَةٌ لَوْ شَهِدَا عَلَى وَقْفٍ فِي مَكْتَبٍ فِيهِ أَوْلَادُهُمْ.

قِيلَ يَصِحُّ وَقِيلَ لَا وَالْأَظْهَرُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ كَوْنَ أَوْلَادِهِمْ فِي الْمَكْتَبِ غَيْرُ لَازِمٍ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ كَشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ وَفِي وَقْفِ الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْمَدْرَسَةِ وَشَهَادَةَ أَهْلِهَا وَشَهَادَةَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفٍ عَلَى الْمَحَلَّةِ مَا نَصُّهُ وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ مَكْتَبٍ وَلِلشَّاهِدِ صَبِيٌّ فِي الْمَكْتَبِ لَا تُقْبَلُ قِيلَ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا تُقْبَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَهَكَذَا صَحَّحَ الْقَبُولَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَكْتَبِ وَشَهَادَةِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ وَشَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَقْفِيَّةٍ وَقْفٍ عَلَى مَدْرَسَةِ كَذَا وَهُمْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَكَذَا أَبْنَاءُ السَّبِيلِ إذَا شَهِدُوا بِوَقْفٍ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ إلَى آخِرِهِ فَالْمُعْتَمَدُ الْقَبُولُ فِي الْكُلِّ وَذَكَرَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَهُ تَنْبِيهًا وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ أَوْ هُوَ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ اهـ.

قُلْتُ (تَنْبِيهٌ) الْكَلَامُ كُلُّهُ فِي شَهَادَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ لِقَوْلِهِمْ شَهَادَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى وَقْفِيَّةٍ وَقْفٍ أَمَّا شَهَادَةُ الْمُسْتَحِقِّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ كَشَهَادَتِهِ بِإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تُقْبَلْ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ فَكَانَ مُتَّهَمًا فَكَانَ دَاخِلًا فِي شَهَادَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فَهُوَ نَظِيرُ شَهَادَةِ أَحَدِ الدَّائِنَيْنِ لِشَرِيكِهِ بِدَيْنٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا وَقَدْ كَتَبْت فِي حَوَاشِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ أَنَّ شَهَادَةَ شُهُودِ الْأَوْقَافِ الْمُقَرَّرِينَ فِي وَظَائِفِ الشَّهَادَةِ بِمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا وَكَوْنُ الْقَاضِي قَرَّرَهُ شَاهِدًا لِلْوَقْفِ مُوَافِقًا لِلشَّرْطِ لَا يُوجِبُ قَبُولَهَا فَإِنْ قُلْت فَحِينَئِذٍ لَا فَائِدَةَ لِوَظِيفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِي الدَّخْلِ وَالْخَرْجِ بِلَا بَيَانٍ وَقَدْ فَرَضَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْغَلَّةِ قُلْت فَائِدَتُهُ إسْقَاطُ التُّهْمَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي إذَا شَهِدَ لَهُ الشَّاهِدُ بِالدَّخْلِ وَالْخَرْجِ فَلَا يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي إذَا اتَّهَمَهُ. اهـ.

وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ فَإِنْ بَرْهَنَ فَلَا يَمِينَ وَإِنَّمَا أَطَلْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فِي زَمَانِنَا وَالْفِقْهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ كُلِّهِ وَلَا يَمَلُّهُ أَهْلُ التَّحْصِيلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ شَهَادَةَ الْأَجِيرِ وَالتِّلْمِيذِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ شَارِحُو الْهِدَايَةِ أَنَّ شَهَادَةَ التِّلْمِيذِ لِأُسْتَاذِهِ لَا تُقْبَلُ وَفَسَّرُوهُ بِمَنْ يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَهُ وَنَفْعَهُ نَفْعَهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِاَلَّذِي يَأْكُلُ مَعَ عِيَالِهِ فِي بَيْتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أُجْرَةٌ خَاصَّةٌ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ فَإِنْ كَانَ خَاصًّا لَمْ تُقْبَلْ وَإِلَّا قُبِلَتْ وَفِي الْمُحِيطِ ادَّعَى دَارًا فَشَهِدَ لَهُ مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْبِنَاءِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ لَهُ بِهَا مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِهَدْمِهَا لَا اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَةَ الدَّائِنِ لِمَدْيُونِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا النَّمَطِ مَسْأَلَةُ قَضَاءِ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ بِهِ جَوَازُ شَهَادَةِ النَّاظِرِ فِي وَقْفٍ تَحْتَ نَظَرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالشَّهَادَةَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي وَاقِعَةِ الْحَالِ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ قَبُولُهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ بِوَقْفِ مَدْرَسَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ وَظِيفَةٍ بِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ قُلْت تَنْبِيهُ الْكَلَامِ كُلِّهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: تَنْبِيهُ أَحْسَنِ الْكَلَامِ كُلِّهِ أَيْضًا عِنْدَ عَدَمِ التُّهْمَةِ فَلَوْ حَصَلَتْ تُهْمَةٌ لَا يُقْبَلُ أَحَدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ وَعَنْهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي أَحَادِيثِ الرَّعِيَّةِ وَقَسْمِ النَّوَائِبِ وَالضَّرَائِبِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَكَتَبَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ أَيْ شَهَادَةُ الرَّعِيَّةِ لَهُ لِلتُّهْمَةِ ثُمَّ قَالَ عَنْهُ يَعْنِي نَجْمَ الْأَئِمَّةِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُزَارِعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا تُقْبَلُ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَعَنْ شَرَفِ الْأَئِمَّةِ الْإِسْفِيدَرِيِّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّعِيَّةِ لِوَكِيلِ الرَّعِيَّةِ وَالشِّحْنَةِ وَالرَّيِّسِ وَالْعَامِلِ لِجَهْلِهِمْ وَمَيْلِهِمْ خَوْفًا مِنْهُ وَكَذَا شَهَادَةُ الْمُزَارِعِ اهـ.

فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ جَوَازِ شَهَادَةِ مَنْ ذُكِرَ لِلتُّهْمَةِ وَفَسَادِ الزَّمَانِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي زَمَانِنَا فَتَدَبَّرْ وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَةَ الْفَلَّاحِينَ لِشَيْخِ قَرْيَتِهِمْ وَشَهَادَتَهُمْ لِلْقَسَّامِ الَّذِي يَقْسِمُ عَلَيْهِمْ وَشَهَادَةَ الرَّعِيَّةِ لِحَاكِمِهِمْ وَعَامِلِهِمْ وَمَنْ لَهُ نَوْعُ وِلَايَةٍ عَلَيْهِمْ لَا تَجُوزُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ شَهَادَةَ الدَّائِنِ لِمَدْيُونِهِ إلَخْ) فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ التُّمُرْتَاشِيِّ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَبِّ الدَّيْنِ لِمَدْيُونِهِ حَالَ حَيَاتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفْلِسًا قَوْلًا وَاحِدًا وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا شَهِدَ لَهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُفْلِسًا فَفِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَالِدُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ قَالَ تُقْبَلُ

ص: 84

وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَإِنْ كَانَ مُفْلِسًا وَفِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ بِدَيْنٍ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُنَا مَسَائِلُ أُخْرَى: الْأُولَى ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا عَنْ الثَّالِثِ تُقْبَلُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. الثَّانِيَةُ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى الدَّائِنِ بِإِبْرَاءِ الثَّالِثِ فَعَلَى الْخِلَافِ إنْ كَانَا لَمْ يَقْبِضَا وَإِلَّا فَلَا اتِّفَاقًا. الثَّالِثَةُ شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الْبَاقِي بِأَنَّ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ تُقْبَلُ. الرَّابِعَةُ شَهِدَ الْكَفِيلَانِ بِالْعُهْدَةِ عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِالْعَفْوِ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ عَفَا عَنَّا قَالَ الْحَسَنُ تُقْبَلُ إذَا قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ فَتُقْبَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَهِيَ فِي الْخَانِيَّةِ وَنَظِيرُ هَذِهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي أَحَدٌ فَعَبْدِي حُرٌّ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ أَنَّهُمْ دَخَلُوهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ قَالُوا دَخَلْنَاهَا جَمِيعًا لَا تُقْبَلُ وَإِنْ قَالُوا دَخَلْنَا وَدَخَلَ هَذَا تُقْبَلُ وَسَأَلَ الْحَسَنُ ابْنُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهَا فَقَالَ إنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِأَنَّا دَخَلْنَاهَا جَمِيعًا تُقْبَلُ وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ لَا تُقْبَلُ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ أَصَبْت وَخَالَفْت أَبَاك اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُخَنَّثِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمُرَادُهُ الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ فَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ فَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْمُخَنَّثُ فِي عُرْفِ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الرَّدِيءَ مِنْ الْأَفْعَالِ أَيْ أَفْعَالِ النِّسَاءِ مِنْ التَّزَيُّنِ بِزِينَتِهِنَّ وَالتَّشَبُّهِ بِهِنَّ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَالْفِعْلُ مِثْلُ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلِّوَاطَةِ وَالْقَوْلُ مِثْلُ تَلْيِينِ كَلَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَبْوَابِ الْإِمَامَةِ الْمُخَنَّثُ بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمُتَكَسِّرِ فِي أَعْضَائِهِ الْمُتَلَيِّنِ فِي كَلَامِهِ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَهُوَ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ لِوَاطَةً. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُغَنِّيَةِ وَالنَّائِحَةُ) لِارْتِكَابِهِمَا مُحَرَّمًا لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ الصَّوْتَيْنِ الْأَحْمَقَيْنِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ أَيْ صَوْتِ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ وَوَصَفَ الصَّوْتَ بِصَوْتِ صَاحِبِهِ أَطْلَقَ الْمُغَنِّيَةَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تُغَنِّي وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ رَفْعَ صَوْتِهَا حَرَامٌ بِخِلَافِ الرَّجُلِ قَيَّدَهُ بِأَنْ يُغَنِّيَ لِلنَّاسِ وَأَطْلَقَ النَّائِحَةَ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِاَلَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا لِارْتِكَابِهَا الْحَرَامَ طَمَعًا فِي الْمَالِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّائِحَةِ فِي مُصِيبَتِهَا وَفِي الْقَامُوسِ نَاحَ الرَّجُلُ بَكَى وَاسْتَبْكَى غَيْرَهُ

(قَوْلُهُ وَالْعَدُوِّ إنْ كَانَتْ عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ لِأَجْلِ الدُّنْيَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ لِأَجْلِهَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا دُنْيَوِيَّةً لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا كَانَتْ دِينِيَّةً فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُعَادَاةَ قَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً بِأَنْ رَأَى فِيهِ مُنْكَرًا شَرْعًا وَلَمْ يَنْتَهِ بِنَهْيِهِ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْمَقْتُولِ وَلِيُّهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْمَجْرُوحِ عَلَى الْجَارِحِ وَالزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالْعَدُوُّ مَنْ يَفْرَحُ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُ لِفَرَحِهِ وَقِيلَ يُعْرَفُ بِالْعُرْفِ اهـ.

وَمِثَالُ الْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَنْ يَشْهَدَ الْمَقْذُوفُ عَلَى الْقَاذِفِ وَالْمَقْطُوعُ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى الْقَاطِعِ وَفِي إدْخَالِ الزَّوْجِ هُنَا نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا إلَّا إذَا قَذَفَهَا أَوَّلًا وَإِنَّمَا الْمَنْعُ مُطْلَقًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَفِي بَعْضِ الْفَتَاوَى وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي غَالِبِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَالْمَشْهُورَ عَلَى أَلْسِنَةِ فُقَهَائِنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبُ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا اخْتِيَارُ

ــ

[منحة الخالق]

وَأَمَّا إذَا شَهِدَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا تُقْبَلُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِالتَّرِكَةِ كَالْمُوصَى لَهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ قَالَ الْحَسَنُ تُقْبَلُ إذَا قَالَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ فَتُقْبَلُ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ الْقَائِلَ اثْنَانِ فَقَطْ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَبُولَ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْقَوَدِ عَنْ الْكُلِّ وَعَلَيْهِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ قَالَا ذَلِكَ أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ قَالَ ذَلِكَ فَتَسْقُطُ الدِّيَةُ عَنْ الْكُلِّ وَانْظُرْ مَا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ هَذَا وَقَدْ جَعَلَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَشْبَاهِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ قَاعِدَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ فَقَالَ مُحَشِّيهَا الْحَمَوِيُّ تَبَعًا لِلرَّمْلِيِّ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا قَبُولُ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَلَا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بَلْ إنَّمَا قُبِلَتْ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الِاثْنَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْ الثَّالِثِ، وَأَمَّا شَهَادَةُ كُلٍّ لِنَفْسِهِ فَلَا قَائِلَ بِهَا وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ لَا تُهْمَةَ فِيهَا لِعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ لِوُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَمُلَا فَلَمْ تَجُرَّ مَنْفَعَةً فَهِيَ كَشَهَادَةِ غَرِيمَيْنِ لِغَرِيمَيْنِ فَتَأَمَّلْ اهـ.

وَفِي حَاشِيَتِهَا لِلْكُفَيْرِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الِاثْنَيْنِ وَيَلْزَمُهُمَا بَقِيَّةُ الدِّيَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ لِأَنْفُسِهِمَا وَقَالَ الْحَسَنُ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ اعْتِبَارِ أَنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ تَكُونُ شَهَادَتُهُمَا لِغَيْرِهِمَا وَإِذَا فُرِضَ ذَلِكَ فَتَحْصُلُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَعْنَى لِكُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْنِ لِلْآخَرِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكُلِّ اهـ.

نَقَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَبُولَ شَهَادَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ.

ص: 85

الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ فَبِخِلَافِهَا وَفِي كَنْزِ الرُّءُوسِ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ إذَا كَانَ عَدْلًا قَالَ أُسْتَاذُنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ بِسَبَبِ أَمْرِ الدُّنْيَا. اهـ.

وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ شَاهِدٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» وَالْغَمْرُ الْحِقْدُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحِقْدَ فِسْقٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ رحمه الله تَنْبِيهَاتٍ حَسَنَةً لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ: الْأَوَّلَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ وَالْمَبْسُوطِ أَنَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْعَدَاوَةَ قَادِحَةٌ فِي الشَّهَادَةِ تَكُونُ قَادِحَةً فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ لَا فِي حَقِّ الْعَدُوِّ فَقَطْ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْفِقْهُ فَإِنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ حَتَّى يَكُونَ فَاسِقًا فِي حَقِّ شَخْصٍ عَدْلًا فِي حَقِّ آخَرَ اهـ.

قُلْت: وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ عَلَى عَدُوِّهِ بَلْ أَطْلَقَهُ.

الثَّانِيَ لَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَدَاوَةَ آخَرَ يَكُونُ مُجَرَّدُ دَعْوَاهُ اعْتِرَافًا مِنْهُ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي عَدَالَةِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ عَدُوٌّ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ عَدُوٌّ لَهُ. الثَّالِثَ لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ عَلَى غَيْرِ عَدُوِّهِ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ إنْ قُلْنَا إنَّ الْمَانِعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ هُوَ الْفِسْقُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ صَحِيحًا نَافِذًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَيَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لِمَعْنًى آخَرَ أَقْوَى مِنْ الْفِسْقِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْعَدُوِّ وَيَصِحُّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ جَائِزَةٌ عَكْسَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ اهـ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ لِلتُّهْمَةِ لَا لِلْفِسْقِ. الرَّابِعَ قَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالشُّهُودِ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَاصَمَ شَخْصًا فِي حَقٍّ وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا أَنَّهُ يَصِيرُ عَدُوَّهُ فَيَشْهَدُ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعَدَاوَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْت نَعَمْ لَوْ خَاصَمَ الشَّخْصُ آخَرَ فِي حَقٍّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ كَالْوَكِيلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ إذَا تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي حَقٍّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَاصَمَةِ. اهـ.

قُلْت وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي رَجُلٌ خَاصَمَ رَجُلًا فِي دَارٍ أَوْ فِي حَقٍّ ثُمَّ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حَقٍّ آخَرَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ آخَرُ فَخَاصَمَهُ فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ كَذَا لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ الرَّدَّ وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فَحِينَئِذٍ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُوَ جَرْحٌ مَقْبُولٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ الْجَرْحِ.

الْخَامِسَ إذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إذَا كَانَتْ دُنْيَوِيَّةً هَلْ الْحُكْمُ فِي الْقَاضِي كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَجُوزَ قَضَاءُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ وَإِنْ كَانَ بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ وَبِمَحْضَرٍ مِنْ النَّاسِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِطَلَبِ خَصْمٍ شَرْعِيٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ وَفَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَسْبَابَ الْحُكْمِ ظَاهِرَةٌ وَأَسْبَابَ الشَّهَادَةِ خَافِيَةٌ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُدَاوِمِ عَلَى شُرْبِ مَا لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَإِنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ إلَخْ) وَهَلْ يُقَاسُ عَلَى هَذَا النَّاظِرُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْظَارُ وَقْفٍ عَدِيدَةٍ وَثَبَتَ فِسْقُهُ بِسَبَبِ خِيَانَتِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا فَهَلْ يَسْرِي فِسْقُهُ فِي كُلِّهَا فَيُعْزَلُ أَقُولُ: مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَجَزَّأُ السَّرَيَانُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَأَيْت وَلِلَّهِ الْحَمْدُ بَعْدَ مُدَّةٍ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْمُفْتَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي السُّعُودِ الْعِمَادِيِّ الْمُفَسِّرِ وَنَصُّهُ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ فِي نَاظِرٍ عَلَى أَوْقَافٍ مُتَعَدِّدَةٍ ظَهَرَتْ خِيَانَتُهُ فِي بَعْضٍ مِنْ الْأَوْقَافِ هَلْ يَلْزَمُ عَزْلُهُ مِنْ الْكُلِّ أَوْ لَا؟

الْجَوَابُ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ اهـ. بِحُرُوفِهِ كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ مُلَّا عَلِيٍّ أَمِينِ الْفَتْوَى بِدِمَشْقَ الشَّامِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ.

وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ هُنَا الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ إنَّمَا هُوَ لِلتُّهْمَةِ لَا لِلْفِسْقِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ وَمَا صَرَّحَ بِهِ يَعْقُوبُ بَاشَا وَكَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا صَرَّحَ بِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ فَالتَّقْيِيدُ بِكَوْنِهَا عَلَى عَدُوِّهِ يَنْفِي مَا عَدَاهُ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ لِلْأَفْهَامِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.

أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِعْلَ الْكَبِيرَةِ وَالْإِصْرَارَ عَلَى الصَّغِيرَةِ قَادِحٌ فِي الْعَدَالَةِ وَقَدْ شَرَطَ فِي الْقُنْيَةِ لِعَدَمِ الْقَبُولِ كَوْنَهُ فَسَقَ بِتِلْكَ الْعَدَاوَةِ وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ قَبُولِهَا مُطْلَقًا ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَتْ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا يَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْوَجْهَ عَدَمُ الْقَبُولِ مُطْلَقًا وَالتَّعْلِيلُ بِالِاتِّهَامِ كَمَا مَرَّ عَنْ كَنْزِ الرُّءُوسِ لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يُقْبَلُ لِلِاتِّهَامِ أَيْضًا وَمَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَفْسُقْ بِهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَيَصِحُّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَأَقُولُ: وَقِيَاسُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَصَبِيَّةَ كَذَلِكَ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَبْغَضُ الرَّجُلَ لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْحَاشِيَةِ قَرِيبًا مَنْقُولًا عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ فَتَأَمَّلْهُ

ص: 86

فَأَطْلَقَ اللَّهْوَ عَلَى الْمَشْرُوبِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ فِي حَقِّ الْخَمْرِ أَيْضًا وَفِي الْخَانِيَّةِ إنَّمَا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ فَإِنَّ مَنْ اُتُّهِمَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فِي بَيْتِهِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ يَسْخَرُ مِنْهُ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي وَفِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ لَا يَجُوزُ بِشَهَادَةِ مُدْمِنِ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ بِشَرْطِ الْإِدْمَانِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مُدْمِنِ السُّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ السُّكْرَ بِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِي سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ السُّكْرُ فَشَرْطُ الْإِدْمَانِ عَلَى السُّكْرِ وَالْمُحَرَّمِ فِي الْخَمْرِ نَفْسُ الشُّرْبِ فَشَرْطُ الْإِدْمَانِ عَلَى الشُّرْبِ اهـ.

وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْإِدْمَانَ بِالْفِعْلِ أَوْ النِّيَّةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ شُرْبَ قَطْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْهَا وَهِيَ مُسْقِطَةٌ لِلْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ إصْرَارٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَشَايِخُ الْإِدْمَانَ لِيَظْهَرَ شُرْبُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لَا أَنَّهُ شَرْطٌ كَقَوْلِهِمْ إنَّ النَّائِحَةَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهَا إلَّا إذَا كَانَتْ نَائِحَةً فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا مَعَ أَنَّ النِّيَاحَةَ كَبِيرَةٌ لِلتَّوَعُّدِ عَلَيْهَا لَكِنْ لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا غَالِبًا وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ لِأَنَّ شُرْبَهُ صَغِيرَةٌ وَالْقَوْلَانِ فِي تَفْسِيرِ الْإِدْمَانِ مَحْكِيَّانِ فِي تَفْسِيرِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ فَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ إلَّا بِالْإِصْرَارِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَلَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ شَارِبِ الْخَمْرِ بِنَفْسِ الشُّرْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَّ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ قَاطِعٍ إلَّا إذَا دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ. اهـ.

وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ ابْنِ الْكَمَالِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَلِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الْكَبَائِرِ أَنَّهَا سَبْعٌ وَذَكَرَ مِنْهَا شُرْبَ الْخَمْرِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الصُّغْرَى أَنَّهَا صَغِيرَةٌ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ فِي تَعْلِيلِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا لَا فِي الْحَدِّ وَحُرْمَتُهَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلِذَا قَالُوا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَسُقُوطُ الْعَدَالَةِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ شُرْبِهَا لَا بِسَبَبِ وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّ الْخَصَّافَ أَسْقَطَ الْعَدَالَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِ إدْمَانٍ وَمُحَمَّدٌ شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِسُقُوطِهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَا تَسْقُطُ عَدَالَةُ أَصْحَابِ الْمُرُوءَاتِ بِالشُّرْبِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ مَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُ فِي قَوْلِ الْخَصَّافِ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ حَرَامٌ عِنْدَ الْكُلِّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ إلَّا إنْ اعْتَادَ ذَلِكَ اهـ.

وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بِحُرْمَةِ قَلِيلِهِ وَلَمْ يُسْقِطْهَا بِكَثِيرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقُولُ بِأَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ صَغِيرَةٌ فَشَرَطَ الِاعْتِيَادَ فَإِنْ قُلْت هَلْ لِشَارِبِ الْخَمْرِ أَنْ يَشْهَدَ إذَا لَمْ يُطَّلَعْ عَلَيْهِ قُلْت نَعَمْ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا كَانَ فِي الظَّاهِرِ عَدْلًا وَفِي السِّرِّ فَاسِقًا فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَذْكُرَ فِسْقَهُ؛ لِأَنَّهُ هَتْكُ السِّرِّ وَإِبْطَالُ حَقِّ الْمُدَّعِي اهـ.

وَلَا فَرْقَ فِي السُّكْرِ الْمُسْقِطِ لَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ لِمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَإِذَا سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي الْمِصْبَاحِ اللَّهْوُ مَعْرُوفٌ وَأَصْلُهُ تَرْوِيحُ النَّفْسِ بِمَا لَا تَقْتَضِيهِ الْحِكْمَةُ اهـ.

وَذَكَرَ الشَّارِحُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْفُجُورِ وَالشُّرْبِ وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَلَا يُحْتَرَزُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ مَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ اهـ.

وَفِي قَوْلِهِ عَلَى اللَّهْوِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَهَا لِلتَّدَاوِي لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ

(قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالْمُغَنِّي وَفِي نُسْخَةٍ أُخْرَى بِالطُّيُورِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَأَطْلَقَ اللَّهْوَ عَلَى الْمَشْرُوبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا أَنَّ مَعْنَى مُدْمِنِ الشُّرْبِ أَيْ مُدَاوِمِ شُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى اللَّهْوِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْ مُدَاوِمُ شُرْبِ الْخَمْرِ لِأَجْلِ اللَّهْوِ؛ لِأَنَّ شُرْبَهَا كَبِيرَةٌ وَقَالَ مُلَّا خُسْرو وَمُدْمِنُ الشُّرْبِ أَيْ شُرْبِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَإِنَّ إدْمَانَ شُرْبِ غَيْرِهَا لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى اللَّهْوِ اهـ.

فَأَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ الشُّرْبَ عَلَى اللَّهْوِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَمَّا فِيهَا فَلَا يُشْتَرَطُ وَهَذَا يُوَافِقُ كَلَامَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي أَحْوَجُهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ اللَّهْوِ فِي كَلَامِ الْكَنْزِ عَلَى الْمَشْرُوبِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي الْخَمْرِ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا سَوَاءٌ شُرِبَتْ عَلَى اللَّهْوِ أَمْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدْمَانِ فِي حَقِّ الْخَمْرِ أَيْضًا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُ كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ لَا يَخْفَى حُسْنُ مَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزُوًّا إلَى الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ يَشْرَبَ ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِقٌ لَمْ يَتُبْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ عَنْهُ فَإِنَّهُ فَاسِقٌ تَابَ وَمِثْلُهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ وَبِهِ يَنْحَلُّ الْإِشْكَالُ تَأَمَّلْ اهـ.

لَكِنْ فِي هَوَامِشِ ابْنِ الْكَمَالِ الْمَعْزُوَّةِ إلَيْهِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَدَارًا لِعَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ الْإِدْمَانَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ شَرْطٌ لِسُقُوطِ الْعَدَالَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَنَّهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِأَنَّ مُجَرَّدَ شُرْبِ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَلَوْ بِدُونِ إدْمَانٍ وَإِسْكَارٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي حَيْثُ اشْتَرَطَ الِاعْتِيَادَ عَلَى السُّكْرِ مِنْ النَّبِيذِ لِلِاحْتِيَاطِ فَمَنَعَ الْقَلِيلَ يَعْنِي مِنْ الْمُسْكِرِ وَلَمْ يُسْقِطْ الْعَدَالَةَ إلَّا إذَا اعْتَادَ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالْكَثْرَةِ اهـ.

فَإِنْ قُلْت لِمَ اشْتَرَطَ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ قُلْت ذَكَرَ الْبُرْجَنْدِيُّ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي الشُّرْبِ أَكْثَرُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي غَيْرِهِ فَلَوْ جَعَلَ مُجَرَّدَ الشُّرْبِ مُسْقِطًا لِلْعَدَالَةِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ. اهـ. أَبُو السُّعُودِ.

ص: 87

لِأَنَّهُ يُورِثُ غَفْلَةً وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ يَقِفُ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ لِصُعُودِهِ سَطْحَهُ لِيُطَيِّرَ طَيْرَهُ فَأَمَّا إمْسَاكُ الْحَمَامِ فِي بَيْتِهِ لِلِاسْتِئْنَاسِ لَا يُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَزَادَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ إمْسَاكَهَا لِحَمْلِ الْكُتُبِ كَمَا فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ مُبَاحٌ إلَّا إنْ كَانَتْ تَجُرُّ حَمَامَاتٍ أُخَرَ مَمْلُوكَةً لِغَيْرِهِ فَتُفَرِّخُ فِي وَكْرِهَا فَيَأْكُلُ وَيَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ فَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْعَوْرَاتِ بِصُعُودِ السَّطْحِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَأَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِالطُّنْبُورِ كُلَّ لَهْوٍ كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ النَّاسِ احْتِرَازًا عَمَّا لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا كَضَرْبِ الْقَضِيبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا إلَّا أَنْ يُتَفَاحَشَ بِأَنْ يَرْقُصُوا بِهِ فَيَدْخُلُ فِي حَدِّ الْكَبَائِرِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَشَايِخُ هُنَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا «مَا أَنَا مِنْ دَدٍ وَلَا الدَّدُ مِنِّي» قَالَ فِي الصِّحَاحِ الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ تَقُولُ هَذَا دَدٌ وَدَدًا مِثْلَ نَقًا وَدَدَنٌ اهـ.

وَذَكَرَ الْقُطْبُ فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ الدَّدُ اللَّهْوُ وَاللَّعِبُ وَالتَّنْكِيرُ فِي دَدٍ لِلشُّيُوعِ أَيْ مَا أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ اللَّهْوِ وَالتَّعْرِيفُ فِي الدَّدِ لِلْعَهْدِ كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنِّي اهـ.

وَذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ مِنْ شَرِكَاتِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مِنْ فِي الْحَدِيثِ تُسَمَّى اتِّصَالِيَّةٌ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ اللَّاعِبُ بِالصَّوْلَجَانِ يُرِيدُ بِهِ الْفُرُوسِيَّةَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْظُورٍ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَعِبَ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَلَاهِي وَلَمْ يَشْغَلْهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ لَا تَبْطُلُ عَدَالَتُهُ وَالْمُلَاعَبَةُ بِالْأَهْلِ وَالْفَرَسِ لَا تُبْطِلُ الْعَدَالَةَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ فَإِنْ كَانَ اللَّعِبُ بِالْمَلَاهِي لَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا إلَّا أَنَّهُ شَنِيعٌ بَيْنَ النَّاسِ كَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَنِيعًا نَحْوَ الْحِدَاءِ وَضَرْبِ الْقَضِيبِ لَا إلَّا إذَا فَحُشَ بِأَنْ كَانُوا يَرْقُصُونَ عِنْدَ ذَلِكَ. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ بَلْ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ بِعُمُومِ الْمَنْعِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ إنَّمَا مَنَعَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِلنَّاسِ فِي عُرْسٍ أَوْ وَلِيمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ دَفْعًا لِلْوَحْشَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ لِيَسْتَقِيدَ بِهِ نَظْمَ الْقَوَافِي وَفَصَاحَةَ اللِّسَانِ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي أَنَّهُ عَلَّلَ بِمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَجَوَّزَهُ إذَا كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ إزَالَةً لِلْوَحْشَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ التَّغَنِّي الْمُحَرَّمُ هُوَ مَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا لَا يَحِلُّ كَصِفَةِ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ الْحَيَّةِ وَوَصْفِ الْخَمْرِ الْمُهَيِّجِ إلَيْهَا وَالدِّيرِيَّاتِ وَالْحَانَاتِ وَالْهِجَاءِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ إذَا أَرَادَ الْمُتَكَلِّمُ هِجَاءَهُ لَا إذَا أَرَادَ إنْشَاءَ الشِّعْرِ لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ أَوْ لِتَعَلُّمِ فَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ إلَى أَنْ قَالَ وَفِي الْأَجْنَاسِ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ عَنْ الَّذِي يَتَرَنَّمُ مَعَ نَفْسِهِ قَالَ لَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِ، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ فَأَبَاحَهَا قَوْمٌ وَحَظَرَهَا قَوْمٌ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَتْ الْأَلْحَانُ لَا تُخْرِجُ الْحُرُوفَ عَنْ نَظْمِهَا وَقُدُورَاتِهَا فَمُبَاحٌ وَإِلَّا فَغَيْرُ مُبَاحٍ كَذَا ذَكَرَ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْآذَانِ مَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلْحِينَ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ تَغْيِيرِ مُقْتَضَيَاتِ الْحُرُوفِ فَلَا مَعْنَى لِهَذَا التَّفْصِيلِ اهـ.

وَفِي الْمِعْرَاجِ الْمَلَاهِي نَوْعَانِ مُحَرَّمٌ وَهُوَ الْآلَاتُ الْمُطْرِبَةُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَاءِ كَالْمِزْمَارِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عُودٍ أَوْ قَصَبٍ كَالشَّبَّابَةِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ الْمَعَازِفِ وَالْمَزَامِيرِ» وَلِأَنَّهُ مُطْرِبٌ مُصِدٌّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّوْعُ الثَّانِي مُبَاحٌ وَهُوَ الدُّفُّ فِي النِّكَاحِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ حَادِثِ سُرُورٍ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الدُّفِّ بَعَثَ فَنَظَرَ فَإِنْ كَانَ فِي وَلِيمَةٍ سَكَتَ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ عَمَدَهُ بِالدِّرَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلرِّجَالِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ اهـ.

وَنَقَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَنَقَلَ الْبَزَّازِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى حُرْمَةِ الْغِنَاءِ إذَا كَانَ عَلَى آلَةٍ كَالْعُودِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بِغَيْرِهَا فَقَدْ عَلِمْت الِاخْتِلَافَ وَلَمْ يُصَرِّحْ الشَّارِحُونَ بِالْمَذْهَبِ وَفِي الْبِنَايَةِ وَالْعِنَايَةِ التَّغَنِّي لِلَّهْوِ مَعْصِيَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا أَوْصَى بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْوَصِيَّةَ لِلْمُغَنِّيِينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْغِنَاءَ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْغِنَاءَ الَّذِي جُمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ كَبِيرَةً وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً بِسَبَبِ الِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكَافِي وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ يُغَنِّي لِلنَّاسِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ فِي الْعِنَايَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا يَأْتِي فِي الْهَامِشِ عَنْ ابْنِ الْكَمَالِ وَالْعَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِنَفْسِهِ لِيُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْهَا لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ فِي الصَّحِيحِ فَهَذَا التَّصْحِيحُ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْمَتْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فَلَا تَغْفُلْ

ص: 88

فَقَدْ ثَبَتَ نَصُّ الْمَذْهَبِ عَلَى حُرْمَتِهِ فَانْقَطَعَ الِاخْتِلَافُ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْغِنَاءُ عَلَى وَزْنِ فِعَالٍ صَوْتُ الْمُغَنِّي وَالْغِنَى كَثْرَةُ الْمَالِ اهـ. فَالْأَوَّلُ مَمْدُودٌ وَالثَّانِي مَقْصُورٌ

(قَوْلُهُ أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ) لِلْفِسْقِ وَلَوْ قَالَ أَوْ يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً لَكَانَ أَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ عَلَى أَقْوَالٍ بَيَّنَّاهَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ فِي قِسْمِ السُّنَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ حَدٌّ بِنَصِّ الْكِتَابِ قَالَ وَأَصْحَابُنَا لَمْ يَأْخُذُوا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا بَنَوْا عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ: أَحَدِهِمَا مَا كَانَ شَنِيعًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ هَتْكُ حُرْمَةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ مُنَابَذَةُ الْمُرُوءَةِ وَالْكَرَمِ فَكُلُّ فِعْلٍ يَرْفُضُ الْمُرُوءَةَ وَالْكَرَمَ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَالثَّالِثِ أَنْ يَكُونَ مُصِرًّا عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَغَيْرُ صَحِيحٍ وَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْعَدْلُ مَنْ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا حَتَّى لَوْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً تُسْقِطُ عَدَالَتَهُ وَفِي الصَّغَائِرِ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ لِتَصِيرَ كَبِيرَةً حَسَنٌ وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِعِصَامٍ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِزَوَالِ الْعَدَالَةِ بِارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ يَحْتَاجُ إلَى الظُّهُورِ فَلِذَا شَرَطَ فِي شُرْبِ الْمُحَرَّمِ الْإِدْمَانَ اهـ.

وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا يُسْقِطُهَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْحَثُّ عَلَيْهَا كَبِيرَةٌ قَالُوا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَائِعِ الْأَكْفَانِ وَقَيَّدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ بِمَا إذَا تَرَصَّدَ لِذَلِكَ الْعَمَلِ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ تَمَنِّيهِ الْمَوْتَ وَالطَّاعُونَ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصَّكَّاكِينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ وَالصَّحِيحُ قَبُولُهَا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الطُّفَيْلِيِّ وَالرَّقَّاصِ وَالْمُجَازِفِ فِي كَلَامِهِ وَالْمَسْخَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَشْتُمُ أَهْلَهُ وَمَمَالِيكَهُ كَثِيرًا لَا أَحْيَانًا.

وَكَذَا الشَّتَّامُ لِلْحَيَوَانِ كَدَابَّتِهِ، وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا فَكَثِيرًا يَشْتُمُونَ بَائِعَ الدَّابَّةِ فَيَقُولُونَ قَطَعَ اللَّهُ يَدَ مَنْ بَاعَك وَلَا مَنْ يَحْلِفُ فِي كَلَامِهِ كَثِيرًا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَخِيلِ الْكُلُّ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاَلَّذِي أَخَّرَ الْفَرْضَ بَعْدَ وُجُوبِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ اخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ فِيهِ وَالْمَشَايِخُ وَذَكَرَ الْخَاصِّيُّ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِهَا فِي تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ تَأْخِيرِ الْحَجِّ اهـ.

وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ إذَا أَخَّرَ الزَّكَاةَ وَالْحَجَّ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.

وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ وَفِي الْقُنْيَةِ رُكُوبُ الْبَحْرِ وَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمْ وَفِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ أَسْبَابُ الْجَرْحِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا رُكُوبُ بَحْرِ الْهِنْدِ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَرَةٌ بِنَفْسِهِ وَدِينِهِ مِنْ سُكْنَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ وَعَدَدِهِمْ لِأَجْلِ الْمَالِ وَمِثْلُهُ لَا يُبَالِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَمِنْهَا التِّجَارَةُ فِي قُرَى فَارِسَ؛ لِأَنَّهُمْ يُطْعِمُونَهُمْ الرِّبَا وَهُمْ يَعْلَمُونَ وَلَوْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ إلَّا إذَا تَرَكَهَا بِتَأْوِيلٍ وَلَا تَارِكِ الْجُمُعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَلَا تَارِكِ الصَّلَاةِ اهـ.

وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَعَنْ خَلَفٍ مَنْ خَرَجَ لِلنَّظَرِ إلَى قُدُومِ الْأَمِيرِ فَلَيْسَ بِعَدْلٍ وَكَذَا مَنْ شَهِدَ عَلَى صَكِّ مُقَاطَعَةِ النَّخَّاسِينَ وَهُوَ مَلْعُونٌ وَكَذَا كُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى بَاطِلٍ إذَا عَرَفُوهُ وَإِلَّا فَتُقْبَلُ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النَّخَّاسِ وَهُوَ الدَّلَّالُ إلَّا إذَا كَانَ عَدْلًا لَمْ يَكْذِبْ وَلَا يَحْلِفُ. اهـ.

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَجْلِسُ مَجَالِسَ الْغِنَاءِ أَوْ يَتْبَعُ صَوْتَ الْمُغَنِّيَةِ وَلَا مَنْ يَسْمَعُ الْغِنَاءَ وَشَهَادَةُ الشَّاعِرِ مَا لَمْ يَقْذِفْ فِي شِعْرِهِ مَقْبُولَةٌ إلَّا إذَا هَجَا اهـ.

وَقَدْ حَرَّرَ ابْنُ وَهْبَانَ مَسْأَلَةَ الشَّتْمِ وَالْخُرُوجِ لِقُدُومِ الْأَمِيرِ تَحْرِيرًا حَسَنًا أَحْبَبْت ذِكْرَهُ هُنَا: الْأُولَى قَالَ وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّتْمَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَا فِيهِ أَوْ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فِي وَجْهِهِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ فَإِنْ كَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ فَيَفْسُقُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَجْهِهِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بِمَا فِيهِ فِي غَيْبَتِهِ فَهُوَ غَيْبَةٌ وَأَنَّهَا تُوجِبُ الْفِسْقَ وَإِنْ كَانَ فِي وَجْهِهِ فَفِيهِ إسَاءَةُ أَدَبٍ وَأَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ رُعَاعَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَقَدْ ثَبَتَ نَصُّ الْمَذْهَبِ عَلَى حُرْمَتِهِ) إنْ أَرَادَ أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي الْبِنَايَةِ وَالْعِنَايَةِ فَإِنَّهُمَا اسْتَدَلَّا بِعِبَارَةِ الزِّيَادَاتِ عَلَى أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لِقَصْدِ اللَّهْوِ فَلَمْ يُجْرِيَاهُ عَلَى عُمُومِهِ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فَكَانَ مُحْتَمِلًا لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ نَعَمْ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَدْ يُقَالُ لَفْظَةُ الْمُغَنِّينَ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ اتَّخَذَهُ حِرْفَةً وَعَادَةً ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتْحِ قَالَ إنَّ اسْمَ مُغَنِّيَةٍ وَمُغَنٍّ إنَّمَا هُوَ فِي الْعُرْفِ لِمَنْ كَانَ الْغِنَاءُ حِرْفَتَهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا الْمَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا قِيلَ مَا حِرْفَةُ فُلَانٍ أَوْ مَا صِنَاعَتُهُ يُقَالُ مُغَنٍّ كَمَا يُقَالُ خَيَّاطٌ وَحَدَّادٌ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَفِي إيضَاحِ الْإِصْلَاحِ إنَّمَا قَالَ يُغَنِّي لِلنَّاسِ أَيْ يُسْمِعُهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِإِسْمَاعِ نَفْسِهِ حَتَّى يُزِيلَ الْوَحْشَةَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ظَنٍّ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ فِي الصَّحِيحِ اهـ.

وَهَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ أَنْشَدَ شِعْرًا فِيهِ وَعْظٌ وَحِكْمَةٌ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ إلَخْ وَنَحْوُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ الْمُحَرَّمُ هُوَ مَا كَانَ إلَخْ فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ هَذَا مَا اشْتَرَى وَسَلَّمَ وَقَبَضَ وَضَمِنَ الدَّرْكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَوْجُودًا فَيَكُونُ كَذِبًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَذِبِ بِالْكِتَابِ وَبَيْنَ الْكَذِبِ بِالْقَوْلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ غَالِبُ حَالِهِ الصَّلَاحَ وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْكَذِبِ عَفْوٌ؛ لِأَنَّهُمْ يُحَقِّقُونَ مَا كَتَبُوا. اهـ.

(قَوْلُهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ بِجَمَاعَةٍ) أَيْ إنْ تَرَكَهَا مَجَّانًا شَهْرًا كَمَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ التَّهْذِيبِ

ص: 89

النَّاسِ وَسُوقَتِهِمْ الَّذِينَ لَا مُرُوءَةَ لَهُمْ وَلَا حَيَاءَ فِيهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا إذَا كَانَ السَّبُّ بِاللَّعْنَةِ وَالْإِبْعَادِ مِمَّا يَفْعَلُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُمْ مِنْ السُّوقَةِ وَغَيْرِهِمْ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ السَّبُّ الشَّتْمُ يُقَالُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا وَسِبَابًا قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَبَّهُ أَوْ قَاتَلَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَقِيلَ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ لَا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ إلَى الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَأَقُولُ: هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ اهـ.

الثَّانِيَةُ قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا قَدِمَ الْأَمِيرُ بَلْدَةً فَخَرَجَ النَّاسُ وَجَلَسُوا عَلَى الطَّرِيقِ يَنْتَظِرُونَ قَالَ خَلَفٌ بَطَلَتْ عَدَالَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَذْهَبُوا لِلِاعْتِبَارِ فَحِينَئِذٍ لَا تَبْطُلُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إلَّا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْظِيمِ وَلَمْ يَخْرُجُوا لِلِاعْتِبَارِ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا لِغَيْرِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ يَكُونُ طُلُوعُهُمْ مِنْ بَابِ الْعَبَثِ وَاللَّعِبِ وَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مِنْ أَجْلِ تَعْظِيمِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا وَالشَّخْصُ إذَا ارْتَكَبَ حَرَامًا مَا قَدَحَ فِي عَدَالَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ فَإِنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ وَلَا يَسْتَخِفُّونَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْدَحَ اهـ.

وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ بَعْدَهُ وَفِي وَاقِعَاتِ عُمَرَ بْنِ مَازَةَ تَعْلِيلُ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بِأَنَّ الطَّرِيقَ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَمْ تُعْمَلْ لِلْجُلُوسِ فَإِذَا جَلَسَ فَقَدْ شَغَلَ حَقَّ الْعَامَّةِ فَصَارَ مُرْتَكِبًا لِلْحَرَامِ فَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ وَقَفَ عَلَى الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ شَغَلَ الطَّرِيقَ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّ الْخُرُوجَ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ شَغْلِ الطَّرِيقِ لَا يَكُونُ قَادِحًا مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِيهِ مَا تَقَدَّمَ إذَا تَأَمَّلْته فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَنْبَغِي إلَى آخِرِهِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي اهـ.

وَشَرَطَ فِي التَّهْذِيبِ لِمَنْعِ شَهَادَةِ الْمُغَنِّي أَنْ يَأْخُذَ جَزَاءً عَلَيْهِ وَلِتَارِكِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَتْرُكَهَا مَجَّانًا شَهْرًا وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا قَدِمَ الْأَمِيرُ بَلْدَةً فَخَرَجَ النَّاسُ وَجَلَسُوا فِي الطَّرِيقِ وَنَظَرُوا إلَيْهِ قَالَ خَلَفٌ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ إلَّا أَنْ يَذْهَبُوا لِلِاعْتِبَارِ وَالْفَتْوَى أَنَّهُمْ إذَا خَرَجُوا لِتَعْظِيمِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ لَا لِلِاعْتِبَارِ تَبْطُلُ عَدَالَتُهُمْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ السِّجْنِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ فِي السِّجْنِ وَكَذَا شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ وَمِنْهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ. اهـ.

وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَشْرَافِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَعَصَّبُونَ فَإِذَا نَابَتْ أَحَدًا مِنْهُمْ نَائِبَةٌ أَتَى سَيِّدُ قَوْمِهِ فَيَشْفَعُ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِزُورٍ اهـ.

وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ الْكَذِبُ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ وَعَنْ شَدَّادٍ أَنَّهُ رَدَّ شَهَادَةَ شَيْخٍ مَعْرُوفٍ بِالصَّلَاحِ لِمُحَاسَبَةِ ابْنِهِ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ مَنْ سَمِعَ الْآذَانَ فَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ اهـ.

وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ بِأَنَّ الْفَرْعَ الْأَخِيرَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ ضَيَّقَ فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ بِأَنَّهُ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ ذَنْبًا وَلَيْسَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَفِي حِفْظِي قَدِيمًا مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لَكِنْ مَا رَأَيْته الْآنَ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مَعْزِيًّا إلَى الْأَقْضِيَةِ إذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَنْبَغِي إلَخْ) أَيْ قَوْلُ ابْنِ وَهْبَانَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَادَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ إلَخْ قَالَ الرَّمْلِيُّ فَتَحَرَّرَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَمِيرُ غَيْرَ صَالِحٍ قَدَحَ فِي الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا وَلَمْ يَشْغَلْ الطَّرِيقَ لَا يَقْدَحُ وَإِنْ شَغَلَهُ قَدَحَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ فِي الْقَدْحِ ارْتِكَابُ مَا هُوَ مَحْظُورٌ وَشَغْلُ الطَّرِيقِ مَحْظُورٌ وَتَعْظِيمُ الْفَاسِقِ كَذَلِكَ فَعَلَى ذَلِكَ يَدُورُ الْحُكْمُ.

(فَائِدَةٌ) شَاهِدٌ تَظْهَرُ عَلَيْهِ كَرَامَةٌ مَعَ فِسْقِهِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا الظَّاهِرُ لَا وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ الشَّافِعِيُّ عَنْهَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا تُقْبَلُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَوْ رَأَيْت صَاحِبَ بِدْعَةٍ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ لَمْ أَقْبَلْهُ حَتَّى يَتُوبَ عَنْ بِدْعَتِهِ ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَقَدْ تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى يَدِ فَاسِقٍ بَلْ كَافِرٍ كَالسَّامِرِيِّ فَإِنَّهُ رَأَى فَرَسَ جِبْرِيلَ عليه السلام حَتَّى أَخَذَ مِنْ تُرَابِ حَافِرِهَا وَجَعَلَهُ فِي الْعِجْلِ فَخَارَ وَنَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْفَاءُ الْكَرَامَةِ اهـ.

وَلَا شَيْءَ مِنْ قَوَاعِدِنَا يَأْبَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مُتَعَصِّبٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ الْغَزِّيِّ قُلْت وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ فَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَحَهُ اثْنَانِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ تَعَصُّبٌ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ جَرْحَهُمْ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْعَصَبِيَّةِ فَالْجَرْح أَوْلَى اهـ.

وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي مَوَانِعِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ قَالَ وَمِنْهُ الْعَصَبِيَّةُ وَهُوَ أَنْ يُبْغِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا اهـ.

أَقُولُ: مِنْ التَّعَصُّبِ أَنْ يُبْغِضَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِزْبِ فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ مَنْسُوبِيهِ اهـ.

(قَوْلُهُ مَنْ سَمِعَ الْآذَانَ فَانْتَظَرَ الْإِقَامَةَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ) نُقِلَ عَنْ الْحَمَوِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ آذَانُ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَفِي حِفْظِي قَدِيمًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي التَّعْزِيرِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَمَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا أَوْ كَافِرًا إلَخْ عَازِيًا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الِاشْتِغَالَ بِالْفِقْهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ اهـ.

وَرَأَيْت بِخَطِّ مُلَّا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ هُنَا عَنْ فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ سُئِلَ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُ الْإِيمَانَ وَلَا الْوَاجِبَ لِلصَّلَاةِ وَالْفَرْضِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا الْمُسْتَحَبِّ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَجَابَ تَعَلُّمُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْعِلْمِ فَرْضُ عَيْنٍ فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّمْ كَانَ مَانِعًا عَنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص: 90

وَهُوَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَا يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ عَدْلٌ مُسْلِمٌ فَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّمْ الْقُرْآنَ لِلْحَالِ لَا يَصِيرُ فَاسِقًا اهـ.

وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ تَرَكَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ

(قَوْلُهُ أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ إزَارٍ) ؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ رَجُلًا فِي الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إزَارٍ فَقَالَ

أَلَا يَا عِبَادَ اللَّهِ خَافُوا إلَهكُمْ

وَلَا تَدْخُلُوا الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ مِئْزَرِ

وَعَلَى هَذَا فَرَّعُوا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمَ قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ مَنْ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِالسَّرَاوِيلِ وَحْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ أَيْ يَأْخُذُ الْقَدْرَ الزَّائِدَ فَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ الْأَخْذُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَبَعًا لِلْآيَةِ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْمَالِ وَلِأَنَّ الرِّبَا شَائِعٌ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالْمُرَادُ بِالرِّبَا الْقَدْرُ الزَّائِدُ لَا الزِّيَادَةُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِهِ وَأَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِكَثِيرٍ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِهِ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَنْجُو عَنْ مُبَاشَرَاتِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبَا اهـ.

وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا قِيلَ؛ لِأَنَّ الرِّبَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ كَسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا مَعَ ذَلِكَ فَكَانَ نَاقِصًا فِي كَوْنِهِ كَبِيرَةً بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَرَّةٍ وَالْأَوْجَهُ مَا قِيلَ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَهِرْ بِهِ كَانَ الْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا تُهْمَةَ أَكْلِ الرِّبَا وَلَا تَسْقُطُ الْعَدَالَةُ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي وَجْهِ تَقْيِيدِ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْإِدْمَانِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ مَحْضٍ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَالْمِلْكُ بِالْقَبْضِ شَيْءٌ آخَرُ، وَأَمَّا أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ فَلَمْ يُقَيِّدْهُ أَحَدٌ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الظُّهُورِ لِلْقَاضِي فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّبَا وَمَالِ الْيَتِيمِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفِسْقَ نَفْسَهُ مَانِعٌ شَرْعًا مِنْ قَبُولِهَا غَيْرَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَرْتَكِبُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِهِ لَهُ فَالْكُلُّ سَوَاءٌ وَفَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ مِلْكِهِ وَمَالُ الرِّبَا دَخَلَ فَلَا يُفِيدُ شَيْئًا كَمَا لَا يَخْفَى

(قَوْلُهُ أَوْ يُقَامِرُ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ أَوْ تَفُوتُهُ الصَّلَاةُ بِسَبَبِهِمَا) ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِمَا ذَكَرَ اسْتِوَاءُ النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ مُبْطِلٌ لِلْعَدَالَةِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِ بِخِلَافِ الشِّطْرَنْجِ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مُسَاغًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ بِإِبَاحَتِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الشِّحْنَةِ إذَا كَانَ لِإِحْضَارِ الذِّهْنِ وَاخْتَارَ أَبُو زَيْدٍ الْحَكِيمُ حِلَّهُ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَفِي النَّوَازِلِ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ يَنْظُرُ إلَى لَاعِبِيهِ مِنْ غَيْرِ لَعِبٍ أَيَجُوزُ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يَصِيرَ فَاسِقًا اهـ.

وَفِيهِ إذَا قَامَرَ بِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ إجْمَاعًا وَفِيهِ الْمَيْسِرُ اسْمٌ لِكُلِّ قِمَارٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَدَالَةَ إنَّمَا تَسْقُطُ بِالشِّطْرَنْجِ إذَا وُجِدَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ خَمْسٍ الْقِمَارِ وَفَوْتِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِهِ وَإِكْثَارِ الْحَلِفِ عَلَيْهِ وَاللَّعِبِ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَوْ يَذْكُرُ عَلَيْهِ فِسْقًا كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَإِلَّا فَلَا بِخِلَافِ النَّرْدِ فَإِنَّهُ مُسْقِطٌ لَهَا مُطْلَقًا وَالنَّرْدُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ لُعْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ اهـ.

وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ وَضَعَهُ أردشير بْنُ بَابَكَ وَلِهَذَا يُقَالُ النَّرْدَشِيرُ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَعِبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرْمَى وَيُطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ وَكُلَّمَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ مُطْلَقًا. اهـ.

، وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ فَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَاضِعِهِ فِي مَحَلِّهِ مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا الْقِمَارُ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ الْمَيْسِرُ وَفِي الْقَامُوسِ قَامَرَهُ مُقَامَرَةً وَقِمَارًا فَقَمَرَهُ كَنَصَرَهُ وَتَقَمَّرَهُ رَاهِنُهُ فَغَلَبَهُ وَهُوَ التَّقَامُرُ اهـ.

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَمَرِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ تَارَةً يَزْدَادُ إذَا غَلَبَ وَيَنْتَقِصُ إذَا غُلِبَ كَالْقَمَرِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَلَا بُدَّ فِي الْقِمَارِ مِنْ الرِّهَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِتَسْقُطَ الْعَدَالَةُ كَالسِّبَاقِ بِالْخَيْلِ وَالْإِقْدَامِ وَالدَّرْسِ وَذَكَرَ فِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ مِنْ الْحُدُودِ أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ مِنْ الْقِمَارِ وَفِي الْقَامُوسِ الشِّطْرَنْجُ وَلَا يُفْتَحُ أَوَّلُهُ لُعْبَةٌ وَالسِّينُ لُغَةٌ فِيهِ اهـ

(قَوْلُهُ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ) ؛ لِأَنَّهُ تَارِكٌ لِلْمُرُوءَةِ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْتَحْيِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 91

عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ فَيُتَّهَمُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ عَلَى الطَّرِيقِ كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْبَوْلِ بِأَنْ يَكُونَ بِمَرْأَى مِنْ النَّاسِ وَمِثْلُهُ الَّذِي يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ لِيَسْتَنْجِيَ مِنْ جَانِبِ الْبِرْكَةِ وَالنَّاسُ حُضُورٌ وَقَدْ كَثُرَ فِي زَمَانِنَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ بِمَا ذَكَرَهُ إلَى أَنَّ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ يَمْنَعُ قَبُولَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا وَلِذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَفْعَلُ الْأَفْعَالَ الْمُسْتَحْقَرَةَ مِثْلَ الْبَوْلِ وَالْأَكْلِ عَلَى الطَّرِيقِ وَالْمُرُوءَةُ أَنْ لَا يَأْتِيَ الْإِنْسَانُ بِمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ مِمَّا يَبْخَسُهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ وَقِيلَ السَّمْتُ الْحَسَنُ وَحِفْظُ اللِّسَانِ وَتَجَنُّبُ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ وَالِارْتِفَاعُ عَنْ كُلِّ خُلُقٍ دَنِيءٍ وَالسُّخْفُ رِقَّةُ الْعَقْلِ مِنْ قَوْلِهِمْ ثَوْبٌ سَخِيفٌ إذَا كَانَ قَلِيلَ الْغَزْلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمِعْرَاجِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ فَصْلِ التَّعْزِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعِنْدِي الْمُرُوءَةُ الدِّينُ وَالصَّلَاحُ وَقَدْ ذَكَرَ مَشَايِخُنَا مِمَّا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ أَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا فَمِنْهَا الْأُمُورُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ وَمِنْهَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَخْذًا مِنْ الْمِعْرَاجِ الْمَشْيُ بِسَرَاوِيلَ فَقَطْ وَمَدُّ رِجْلِهِ عِنْدَ النَّاسِ وَكَشْفُ رَأْسِهِ فِي مَوْضِعٍ يُعَدُّ فِعْلُهُ خِفَّةً وَسُوءَ أَدَبٍ وَقِلَّةَ مُرُوءَةٍ وَحَيَاءٍ وَمُصَارَعَةُ الشَّيْخِ الْأَحْدَاثَ فِي الْجَامِعِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا حُكِيَ أَنَّ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ شَهِدَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَشَكَاهُ إلَى الْخَلِيفَةِ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ إنَّ وَزِيرِي رَجُلُ دِينٍ لَا يَشْهَدُ بِالزُّورِ فَلِمَ رَدَدْت شَهَادَتَهُ قَالَ لِأَنِّي سَمِعْته يَوْمًا قَالَ لِلْخَلِيفَةِ أَنَا عَبْدُك فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذَلِكَ فَعَذَرَهُ الْخَلِيفَةُ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَهُ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ رَدَّ أَبِي يُوسُفَ شَهَادَتَهُ لَيْسَ لِلْكِذْبَةِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْحُرِّ لِلْغَيْرِ أَنَا عَبْدُك إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْقِيَامِ بِخِدْمَتِك وَكَوْنِي تَحْتَ أَمْرِكَ مُمْتَثِلًا لَهُ عَلَى إهَانَةِ نَفْسِي فِي ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ مِنْهَا الصِّنَاعَةُ الدَّنِيَّةُ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْقَبُولُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَمِثْلُهُ النَّخَّاسُونَ وَالدَّلَّالُونَ وَالْعَامَّةُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ وَالْقَرَوِيِّ إذَا كَانَ عَدْلًا. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ أَنَّ مِنْهَا سَرِقَةَ لُقْمَةٍ وَالْإِفْرَاطَ فِي الْمَزْحِ الْمُفْضِي إلَى الِاسْتِخْفَافِ وَصُحْبَةَ الْأَرَاذِلِ وَالِاسْتِخْفَافَ بِالنَّاسِ وَلُبْسَ الْفَقِيهِ قَبَاءً وَلَعِبَ الْحَمَامِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي الصَّغِيرَةِ الْإِدْمَانَ وَمَا شَرَطُوهُ فِي فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ فِيمَا رَأَيْت وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُهُ بِالْأَوْلَى وَإِذَا فَعَلَ مَا يُخِلُّ بِهَا فَقَدْ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاسِقًا بِهِ حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا فَفَاعِلُ الْمُخِلِّ بِهَا لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا فَاسِقٍ فَالْعَدْلُ مَنْ اجْتَنَبَ الثَّلَاثَةَ وَالْفَاسِقُ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً أَوْ أَصَرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يَعْتَادُ الصِّيَاحَ فِي الْأَسْوَاقِ

(قَوْلُهُ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ) لِظُهُورِ فِسْقِهِ قَيَّدَ بِالظُّهُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَمَهُ تُقْبَلُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ تَبَرَّأَ مِنْ الصَّحَابَةِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالسَّبُّ الشَّتْمُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالسَّلَفُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعُونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ اهـ.

وَزَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَذَا الْعُلَمَاءُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ كَغَيْرِهِ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ تَسْقُطُ بِسَبِّ مُسْلِمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّلَفِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُهُمْ هُنَا بِعَدَمِ الْقَبُولِ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ السَّبُّ فِسْقًا أَوْ كُفْرًا فَيَشْمَلُ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ سَبَّهُمَا لِكَوْنِهِ كَافِرًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ الرِّدَّةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنْ التَّابِعِينَ وَالْخَلَفَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالسُّكُونِ فِي الشَّرِّ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ وَعَطْفُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّابِعِينَ إمَّا عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمْ كَمَا فِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ أَوْ لَيْسَ مِنْهُمْ بِنَاءً عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَإِنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الطَّبَقَةِ السَّادِسَةِ مِمَّنْ عَاصَرَ صِغَارَ التَّابِعِينَ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ لِقَاءُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ فِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ

(قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأَبَوَيْهِ رَضَاعًا وَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ) لِانْعِدَامِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ وَمَنَافِعَهَا مُتَبَايِنَةٌ وَلَا بِسَوْطَةٍ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ بَعْضٍ وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَهَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْكُلُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لِأَخِيهِ وَالْأَبُ مَيِّتٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَمَامُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّكَلُّمُ بِالْمَجَازِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجَامِعِ فَإِنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ لَيْسَ كَذِبًا مَحْظُورًا شَرْعًا وَلِذَا وَقَعَ الْمَجَازُ فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنَّهُ رَدَّهُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ خُصُوصُ هَذَا الْمَجَازِ مِنْ إذْلَالِ نَفْسِهِ وَطَاعَتِهِ لِأَجْلِ الدُّنْيَا فَرُبَّمَا يَضُرُّ هَذَا الْكَلَامُ إذَا قِيلَ لِلْخَلِيفَةِ فَعَدَلَ إلَى الِاعْتِذَارِ بِأَمْرٍ يَقْرَبُ مِنْ خَاطِرِهِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْهَا الصِّنَاعَةُ الدَّنِيَّةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَتَحَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْعَدَالَةِ لَا لِلْحِرْفَةِ وَهَذَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَيُفْتَى بِهِ فَأَنَّا نَرَى بَعْضَ أَصْحَابِ الْحِرَفِ الدَّنِيَّةِ عِنْدَهُ مِنْ الدِّينِ وَالتَّقْوَى مَا لَيْسَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَرْبَابِ الْوَجَاهَةِ وَأَصْحَابِ الْمَنَاصِبِ وَذَوِي الْمَرَاتِبِ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] .

ص: 92

وَإِنَّمَا يَشْكُلُ فِيمَا إذَا شَهِدَ لِأَخِيهِ وَالْأَبُ حَيٌّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ أَخِيهِ وَأَبِيهِ مُتَّصِلَةٌ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِأَبِيهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ شَهَادَةَ الْإِنْسَانِ لِأَبِيهِ إنَّمَا لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْأَمْلَاكِ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ مُتَّصِلَةٌ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ لِلْأَبِ شَهَادَةً لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ تُقْبَلْ، وَأَمَّا شَهَادَتُهُ لِأَخِيهِ فَلَيْسَتْ لِنَفْسِهِ أَصْلًا لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ امْتَدَّتْ الْخُصُومَةُ سِنِينَ وَمَعَ الْمُدَّعِي أَخٌ وَابْنُ عَمٍّ يُخَاصِمَانِ لَهُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ شَهِدَا لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْخُصُومَاتِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا اهـ.

وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَطَّرِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ قَرَابَةٍ وَصَاحِبِ تَرَدُّدٍ مَعَ قَرَابَتِهِ أَوْ صَاحِبِهِ إلَى الْمُدَّعِي فِي الْخُصُومَةِ سِنِينَ وَيُخَاصِمُ لَهُ وَمَعَهُ عَلَى الْمُدَّعِي ثُمَّ يَشْهَدُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا طَالَ التَّرَدُّدُ مَعَ الْمُخَاصِمِ وَالْمُخَاصَمَةُ لَهُ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْخَصْمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ إنْ كَانُوا عُدُولًا اهـ.

وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُسَاعِدُوا الْمُدَّعِيَ فِي الْخُصُومَةِ أَوْ لَمْ يَكْثُرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ تَوْفِيقًا

(قَوْلُهُ وَأَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَابِيَّةَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ فِسْقَهُمْ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَمَا أَوْقَعَهُ فِيهِ إلَّا تَدَيُّنُهُ بِهِ وَصَارَ كَمَنْ يَشْرَبُ الْمُثَلَّثَ أَوْ يَأْكُلُ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُسْتَبِيحًا لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْفِسْقِ مِنْ حَيْثُ التَّعَاطِي وَالْهَوَى مَقْصُورًا مَيْلُ النَّفْسِ إلَى مَا تَسْتَلِذُّ بِهِ مِنْ الشَّهَوَاتِ مِنْ غَيْرِ دَاعِيَةِ الشَّرْعِ كَذَا فِي التَّقْرِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الْهَوَى مَقْصُورًا مَصْدَرُ هَوِيَّتُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا أَحْبَبْته وَعَلَقْت بِهِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَيْلِ النَّفْسِ وَانْحِرَافِهَا نَحْوَ الشَّيْءِ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي مَيْلٍ مَذْمُومٍ فَيُقَالُ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْهَوَاءُ مَمْدُودًا الْمُسَخَّرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْجَمْعُ أَهْوِيَةٌ اهـ.

أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِهَوًى لَا يَكْفُرُ بِهِ صَاحِبُهُ وَزَادَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنْ لَا يَكُونَ مَاجِنًا وَيَكُونَ عَدْلًا فِي تَعَاطِيهِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ.

وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ الشَّهِيدَ فِي الْكَافِي قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى شَهَادَةُ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ جَائِزَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَدْ اخْتَلَفُوا وَاقْتَتَلُوا وَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَانَتْ جَائِزَةً فَلَيْسَ بَيْنَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَشَدُّ مِمَّا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْقِتَالِ اهـ.

وَفِي التَّقْرِيرِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ إكْفَارُهُ مِنْهُمْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِهِ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ أُصُولَ الْهَوَى سِتَّةٌ الْجَبْرُ وَالْقَدْرُ وَالرَّفْضُ وَالْخُرُوجُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّعْطِيلُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ يَصِيرُ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقَةً اهـ.

وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً قِيلَ مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ كَانَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي» . اهـ.

وَالْخَطَّابِيَّةُ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ يَدِينُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ وَقِيلَ يَشْهَدُونَ لِمَنْ حَلَفَ لَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا فَتَمَكَّنَتْ شُبْهَةُ الْكَذِبِ فِيهَا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ هُمْ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ يُكَفِّرُونَ بِالصَّغَائِرِ وَفِي الْيَنَابِيعِ أَنَّ الْخَطَّابِيَّةِ انْقَرَضُوا وَفَنُوا لِلْآيَةِ الشَّرِيفَةِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَفِي التَّقْرِيرِ وَيَلْحَقُ بِهِمْ صَاحِبُ الْإِلْهَامِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا رِوَايَتُهُ فَالْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ قَبُولِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى الْمُحَاجَّةِ فَيَحْتَاجُونَ إلَى التَّقَوُّلِ وَالْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ اهـ.

وَالْمَنْقُولُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَةِ الْخَطَابِيَّةِ إلَّا مَنْ صَرَّحَ مِنْهُمْ بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا.

(قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى مِثْلِهِ) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَجَازَ شَهَادَةَ النَّصَارَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى جِنْسِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى إذَا تَخَاصَمَ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقْبَلُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَفْهُومُهُ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَسْتُورِينَ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ تَمْتَدَّ الْخُصُومَةُ لِلتُّهْمَةِ بِالْمُخَاصَمَةِ وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا تُقْبَلُ وَإِنْ امْتَدَّتْ لِارْتِفَاعِ التُّهْمَةِ مَعَ الْعَدَالَةِ فَيُحْمَلُ مَا فِي الْقُنْيَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا؛ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَمَا فِي الْخِزَانَةِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَوْفِيقًا وَمَا قُلْنَاهُ أَشْبَهُ، لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) إنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمُقَيَّدَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ فَلَا مَعْنَى لِرَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ سَيَنْقُلُ تَصْحِيحَهُ وَأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ مَا زَادَهُ فِي السِّرَاجِ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَمَا ظَنُّك فِي غَيْرِهِمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ مُحَمَّدٌ بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْخَوَارِجِ إذَا اعْتَقَدُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَإِذَا قَاتَلُوا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ لِإِظْهَارِ الْفِسْقِ بِالْفِعْلِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مَقْبُولَةٌ وَفِي التَّجْرِيدِ إذَا كَانُوا عُدُولًا فِي دِينِهِمْ اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَتْ وَفِي التَّفْرِيدِ وَعِنْدَ مَالِكٍ تُقْبَلُ إذَا اتَّفَقَتْ مِلَلُهُمْ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا اهـ.

وَكَتَبَ الرَّمْلِيُّ أَيْضًا وَإِنْ اخْتَلَفَا مِلَّةً كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى كَذَا فِي شَرْحِ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ وَمِثْلُهُ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ وَشَرْحَيْ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ مَلَكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ كَالْغِيَاثِيَّةِ وَالْكِفَايَةِ وَدَارَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ اهـ.

قُلْت وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى دِينِيَّةٌ وَإِلَّا لَمْ تُقْبَلْ فَتَأَمَّلْ

ص: 93

وَالْفِسْقُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ غَيْرُ مَانِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ مُحَرَّمَ دِينِهِ وَالْكَذِبُ مَحْظُورُ الْأَدْيَانِ قَيَّدَ بِالذِّمِّيِّ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا شَهَادَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ مُرْتَدٍّ عَلَى مِثْلِهِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُ قَبُولِهَا بِحَالٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ عَلَى مُسْلِمٍ لِلْآيَةِ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَغِيظُهُ قَهْرُهُ إيَّاهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ نَصْرَانِيَّانِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِقَطْعِ يَدٍ أَوْ قِصَاصٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ مِنْ الْقَضَاءِ فِي الْعُقُوبَاتِ اهـ.

وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ سُلَيْمَانَ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ وَمُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ بِمِثْلِهِ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا وَالشَّرِكَةُ لَا تَمْنَعُ؛ لِأَنَّهَا بِإِقْرَارِهِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِوَارِثِهِ وَأَجْنَبِيٌّ نَظِيرُهُ أَقَرَّ لِأَجْنَبِيٍّ فِي مَرَضِهِ فَأَقَرَّ لِوَارِثِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ النِّصْفُ لَهُمَا لِلِاسْتِوَاءِ وَلَوْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ نَصْرَانِيًّا فَالثُّلُثُ لَهُ وَالْبَاقِي لَهُمَا وَيُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ.

وَكَذَا لَوْ كَانَ شُهُودُ الشَّرِيكَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَشُهُودُهُمَا نَصْرَانِيَّانِ أَوْ مُسْلِمَانِ اسْتَوَيَا نَصْرَانِيٌّ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَأَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَأَقَامَ مُسْلِمٌ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقُسِمَتْ تَرِكَتُهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ يُؤْخَذُ مِنْ نَصِيبِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَإِقْرَارِهِ وَلَوْ أَقَامَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيَّيْنِ وَذِمِّيٌّ مِثْلَهُمَا يُقَدَّمُ الْمُسْلِمُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَوِيَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ حَيًّا وَادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِهِ وَعَنْهُ أَنَّهَا لِلْمُسْلِمِ وَفَرَّقَ بِتَعَلُّقِهِ بِالْمَحَلِّ اهـ.

وَفِي الْمَجْمَعِ وَلَوْ اشْتَرَى ذِمِّيٌّ دَارًا مِنْ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا ذِمِّيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ يَقْبَلُهُمَا فِي حَقِّهِ وَرَدَّاهَا اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَهُوَ يَجْحَدُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ وَجَمِيعُ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلَوْ شَهِدَ نَصْرَانِيَّانِ عَلَى نَصْرَانِيَّةٍ أَنَّهَا أَسْلَمَتْ جَازَ وَأَجْبَرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا تُقْتَلُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ لَوْ شَهِدَ عَلَى إسْلَامِ النَّصْرَانِيِّ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَجْحَدُ أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ وَهُوَ يَجْحَدُ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُ مُرْتَدٌّ وَلَا شَهَادَةَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُرْتَدِّ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْعَبْدِ الْكَافِرِ التَّاجِرِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ مُسْلِمًا وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ عَلَى الْعَبْدِ وَاسْتِحْقَاقُ مَالِيَّةِ الْمَوْلَى غَيْرُ مُضَافٍ إلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ اسْتِحْقَاقُ مَالِيَّةِ الْمَوْلَى لَا مَحَالَةَ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْوَكِيلُ مَعَ الْمُوَكِّلِ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ مَعَ الْمَوْلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَغِيظُهُ قَهْرُهُ إيَّاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ وَيَغِيظُهُ رَاجِعٌ لِلذِّمِّيِّ وَفِي قَهْرِهِ رَاجِعٌ لِلْمُسْلِمِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِسَبَبِ قَهْرِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ وَإِذْلَالِهِ لَهُ يَتَقَوَّلُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مِلَلِ الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ مِلَّةَ الْأَحْلَامِ قَاهِرَةٌ لِلْكُلِّ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ غِيرَةٌ يَسْتَظْهِرُونَ بِهَا.

(قَوْلُهُ فَالثُّلُثَانِ لَهُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا) أَيْ الثُّلُثَانِ لِلْمُسْلِمِ الْمُنْفَرِدِ وَالْبَاقِي لِلْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيِّ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ عِبَارَةَ الْجَامِعِ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَةً أُخْرَى وَهِيَ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ شُهُودًا مِنْ النَّصَارَى عَلَى أَلْفٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَصْرَانِيٌّ آخَرِينَ كَذَلِكَ يَدْفَعُ الْأَلْفَ الْمَتْرُوكَةَ لِلْمُسْلِمِ وَلَا يَتَحَاصَّانِ فِيهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتَحَاصَّانِ وَالْخِلَافُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ بَيِّنَةَ النَّصْرَانِيِّ مَقْبُولَةٌ عِنْدَهُ فِي حَقِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا فِي حَقِّ إثْبَاتِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَعَلَى قَوْلِ الثَّانِي مَقْبُولَةٌ فِيهِمَا اهـ.

لَكِنْ يَبْقَى وَجْهُ اخْتِصَاصِ الْمُسْلِمِ الْمُنْفَرِدِ بِالثُّلُثَيْنِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَعَلَّهُ هُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تَقْتَضِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمُدَّعِينَ ثُلُثَ الْمِائَةِ لَكِنَّ الشَّهَادَةَ الثَّانِيَةَ لَا تُثْبِتُ مُشَارَكَةَ النَّصْرَانِيِّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَعُودُ الثُّلُثُ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ لِلْمُسْلِمِ الْمُنْفَرِدِ وَإِنَّمَا لَا يَعُودُ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِ الْآخَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْمَالِ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يَرْجِعُ النَّصْرَانِيُّ وَيُقَاسِمُهُ فِي الثُّلُثِ الَّذِي أَخَذَهُ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ شَرِيكُهُ فِيمَا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَمْ تَكُنْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الرَّمْلِيَّ قَالَ عِبَارَةُ التَّلْخِيصِ كَافِرٌ مَاتَ عَنْ مِائَةٍ فَأَقَامَ مُسْلِمٌ كَافِرَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَقَامَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ كَذَلِكَ فَثُلُثَاهَا لِلْمُنْفَرِدِ وَالثُّلُثُ لِلشَّرِيكَيْنِ عَكْسُ مَا لَوْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ كَافِرًا وَشُهُودًا الشَّرِيكَيْنِ مُسْلِمَانِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ حُجَّةٌ لِلْمُسْلِمِ لَا عَلَيْهِ فَضَرَبَ كُلُّ مُسْلِمٍ فِيهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ أَوَّلًا وَكُلُّ كَافِرٍ فِي الْبَاقِي كَمَا فِي دَيْنِ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَقَاسَمَ الشَّرِيكُ شَرِيكَهُ لَكِنْ بِحُجَّةِ الزَّعْمِ دُونَ الشَّهَادَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ يَقْبَلُهُمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ وَإِذَا قُبِلَتْ يَقْضِي بِهَا عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ وَبَيَانُ إمْكَانِ الْقَضَاءِ بِهَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي بِسَبَبٍ جَدِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُتْرَكُ عَلَى دِينِهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ قُبِلَتْ لَلَزِمَ الْقَتْلُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تَأَمَّلْ وَفِي الْمِنْهَاجِ لِلْعَلَّامَةِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ نَصْرَانِيٌّ مَاتَ فَجَاءَ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا فَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ شُهُودُ النَّصْرَانِيِّ ذِمِّيَّيْنِ بُدِئَ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ صُرِفَ إلَى دَيْنِ النَّصْرَانِيِّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ دَيْنِهِمَا قِيلَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرُ وَإِنْ كَانَ شُهُودُ الْفَرِيقَيْنِ مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الذِّمِّيِّ خَاصَّةً مُسْلِمِينَ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِمْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا تُقْبَلُ) أَيْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ التَّاجِرِ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ كَافِرًا

ص: 94

وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ وَعَلَى الْعَكْسِ تُقْبَلُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيِّ بِدَيْنٍ عَلَى ذِمِّيٍّ مَيِّتٍ وَإِنْ كَانَ وَصِيُّهُ مُسْلِمًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ وَفِي الْخَانِيَّةِ ذِمِّيٌّ مَاتَ فَشَهِدَ عَشَرَةٌ مِنْ النَّصَارَى أَنَّهُ أَسْلَمَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ فُسَّاقٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ لِهَذَا الْمَيِّتِ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ وَبَقِيَّةُ أَوْلِيَائِهِ كُفَّارٌ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ فَادَّعَى الْوَلِيُّ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَنَّهُ أَوْصَى إلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِيرَاثَهُ وَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِذَلِكَ يَأْخُذُ الْمَوْلَى الْمُسْلِمُ مِيرَاثَهُ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ قَامَتْ عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْكُفَّارِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ وَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ إنْ كَانَ عَدْلًا وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى إسْلَامِهِ غَيْرُ الْوَلِيِّ يُصَلَّى عَلَيْهِ بِقَوْلِ وَلِيِّهِ الْمُسْلِمِ وَلَا مِيرَاثَ لَهُ اهـ.

ثُمَّ قَالَ لَوْ شَهِدَ عَلَى نَصْرَانِيٍّ أَرْبَعَةٌ مِنْ النَّصَارَى أَنَّهُ زَنَى بِأَمَةٍ مُسْلِمَةٍ فَإِنْ شَهِدُوا وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا حُدَّ الرَّجُلُ وَإِنْ قَالُوا طَاوَعَتْهُ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَيُعَزَّرُ الشُّهُودُ لِحَقِّ الْمُسْلِمَةِ لِقَذْفِهِمْ الْأَمَةَ. اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ مِنْ النِّكَاحِ لَوْ ادَّعَى مُسْلِمٌ عَبْدًا فِي يَدِ ذِمِّيٍّ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَشَهِدَ كَافِرَانِ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَضَى بِهِ الْقَاضِي فُلَانٌ لَمْ تُقْبَلْ لِكَوْنِهَا شَهَادَةً عَلَى الْقَاضِي الْمُسْلِمِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَلَوْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى شَهَادَةِ مُسْلِمَيْنِ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ لَمْ تَجُزْ وَلَوْ شَهِدَ مُسْلِمَانِ عَلَى شَهَادَةِ كَافِرٍ جَازَتْ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ فِي شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ تَزْكِيَةُ الذِّمِّيِّ أَنْ تُزَكِّيَهُ بِالْأَمَانَةِ فِي دِينِهِ وَلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَأَنَّهُ صَاحِبُ يَقَظَةٍ اهـ.

وَأَفْتَى بِهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ وَأَصْلُهُ فِي النَّوَازِلِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ فَعَدَلَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَأَسْلَمَا يُؤْمَرَانِ أَنْ يُعِيدَا الشَّهَادَةَ وَيَكْفِي تَعْدِيلُهُمَا فِي الْكُفْرِ وَإِنَّمَا تَعْدِيلُ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ تَعْدِيلَ الْكَافِرِ لِلْكَافِرِ لَا يَجُوزُ ثُمَّ يَسْأَلُ أُولَئِكَ عَنْ الشُّهُودِ. اهـ.

وَقَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ التَّعْدِيلِ أَنَّ تَعْدِيلَ الْكَافِرِ بِالْمُسْلِمِينَ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَيَسْأَلُ مِنْ عُدُولِ الْكُفَّارِ وَفِي الْمُلْتَقَطِ إذَا سَكِرَ الذِّمِّيُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى مِثْلِهِ) أَيْ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى مِثْلِهِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ فَهَذَا اسْتِرْقَاقٌ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبِيدِ عَلَى أَحَدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْحَرْبِيِّ عَلَى مِثْلِهِ مَا إذَا كَانَا مِنْ دَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَالْإِفْرِنْجِ وَالْحَبَشِ لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَتَوَارَثَانِ وَالدَّارُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَنَعَةِ وَالْمِلْكِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَلَمَّ بِصَغِيرَةٍ إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ ارْتَكَبَ صَغِيرَةً إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ كُلَّهَا وَقَدْ أَشَارَ هُنَا إلَى الْعَدَالَةِ فَإِنَّهَا شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الِاسْتِقَامَةُ وَهِيَ بِالْإِسْلَامِ وَاعْتِدَالِ الْعَقْلِ وَيُعَارِضُهُ هَوًى يُضِلُّهُ وَيَصُدُّهُ وَلَيْسَ لِكَمَالِهَا حَدٌّ يُدْرَكُ مَدَاهُ وَيَكْتَفِي لِقَبُولِهَا بِأَدْنَاهُ كَيْ لَا يُضَيِّعَ الْحُقُوقَ وَهُوَ رُجْحَانُ جِهَةِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ عَلَى الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْعَدْلُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ غَيْرَ مُصِرٍّ عَلَى الصَّغَائِرِ وَأَنْ تَكُونَ مُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً فَعَدَمُهَا مُفَوِّتٌ لَهَا وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ أَنْ يَعْتَادَ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبَ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَتُهُ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مُسِنًّا عَفِيفًا ذَا مَالٍ ذَا فَضْلٍ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَطْمَعُ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ وَيَسْتَحْيِ مِنْ ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ فِي الشَّرْعِ فَكَانَ أَوْلَى بِالِاسْتِشْهَادِ اهـ.

وَبِهِ يُعْلَمُ مِنْ يَنْصِبُهُ الْقَاضِي شَاهِدًا بَيْنَ النَّاسِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَاسِقُ إذَا تَابَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَانٌ تَظْهَرُ التَّوْبَةُ ثُمَّ بَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ فَشَهِدَ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ مُدَّةٍ اهـ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا كَانَ فَاسِقًا سِرًّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقَّ الْمُدَّعِي وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ أَيْضًا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ مَنْ أَجَّرَ بَيْتَهُ لِمَنْ يَبِيعُ الْخَمْرَ لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ.

(قَوْلُهُ وَالْأَقْلَفِ) أَيْ الْكَبِيرِ الَّذِي لَمْ يُخْتَتَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تُخِلُّ بِتَرْكِ الْخِتَانِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً عِنْدَنَا أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنْ يَتْرُكَهُ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تُقْبَلْ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنْ لَا يَتْرُكَهُ اسْتِخْفَافًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَقَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْ الْجَامِعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْكِتَاب أَجَزْت بَيِّنَةَ الْمُسْلِمِ وَأَعْطَيْت حَقَّهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلْكَافِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ دَيْنِهِمَا اهـ.

مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ النَّصْرَانِيُّ حَيًّا وَفِي يَدِهِ عَبْدٌ ادَّعَاهُ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْعَبْدَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فُلَانٌ) بَدَلٌ مِنْ الْقَاضِي.

(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فَشَهِدَ بِزُورٍ ثُمَّ تَابَ إلَخْ) الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ إذَا شَهِدَ بِزُورٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ لَا تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ خَانِيَّةٌ قُبَيْلَ التَّزْكِيَةِ وَالتَّعْدِيلِ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْبِرَ بِفِسْقِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَحِلُّ وَفِي الْخَانِيَّةِ الشَّاهِدُ إذَا كَانَ فَاسِقًا فِي السِّرِّ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ عَدْلٌ فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَتِهِ فَأَخْبَرَ الشَّاهِدُ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِي الشَّهَادَةِ لَا يَسَعُهُ تَضْمِينُ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُدَّعِي اهـ.

ص: 95

بِالدِّينِ أَمَّا إذَا تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَدْلًا وَكَمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يُقَدِّرْ الْإِمَامُ لِلْخِتَانِ وَقْتًا مَعْلُومًا لِعَدَمِ وُرُودِ النَّصِّ بِهِ وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ وَاخْتَلَفُوا وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ سَبْعُ سِنِينَ وَآخِرَهُ اثْنَتَا عَشَرَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرَمَةٌ لِلنِّسَاءِ إذْ جِمَاعُ الْمَخْتُونَةِ أَلَذُّ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ كَانَ النِّسَاءُ يَخْتَتِنَّ فِي زَمَنِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي النَّوَازِلِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْأَقْلَفِ وَلَا ذَبِيحَتَهُ وَعُلَمَاؤُنَا قَالُوا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ وَإِلَّا لَا تُقْبَلُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.

(فَائِدَةٌ) مِنْ كَرَاهِيَةِ فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَقِيلَ فِي خِتَانِ الْكَبِيرِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَخْتِنَ نَفْسَهُ فَعَلَ وَإِلَّا لَمْ يَفْعَلْ إلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَشْتَرِيَ خَتَّانَةً فَتَخْتِنَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي الْكَبِيرِ يَخْتِنُهُ الْحَمَّامِيُّ وَكَذَا عَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ لَا بَأْسَ لِلْحَمَّامِيِّ أَنْ يَطْلِيَ عَوْرَةَ غَيْرِهِ بِالنُّورَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْخُنْثَى) فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَبِلَ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ قُطِعَ عُضْوٌ مِنْهُ ظُلْمًا فَصَارَ كَمَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَالْخَصِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ مَنْزُوعُ الْخُصَا كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَفِسْقُ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ فِسْقَ الْوَلَدِ كَكُفْرِهِمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَهِدَ بِالزِّنَا أَوْ بِغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ بِالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَهُوَ امْرَأَةٌ فِي الشَّهَادَةِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ

(قَوْلُهُ وَالْعُمَّالِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَالْمُرَادُ بِهِمْ عُمَّالُ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ إلَّا إذَا كَانُوا أَعْوَانًا عَلَى الظُّلْمِ وَقِيلَ الْعَامِلُ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ لَا يُجَازِفُ فِي كَلَامِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّهُ لِوَجَاهَتِهِ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْكَذِبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ عَوْنًا عَلَى الظُّلْمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيُؤَاجِرُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ رَدَّ شَهَادَاتِ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ الْخَسِيسَةِ فَأَفْرَدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِإِظْهَارِ مُخَالَفَتِهِمْ وَكَيْفَ لَا وَكَسْبُهُمْ أَطْيَبُ كَسْبٍ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحِرْفَةُ لَائِقَةً بِهِ بِأَنْ تَكُونَ حِرْفَةَ آبَائِهِ وَأَجْدَادِهِ وَإِلَّا فَلَا مُرُوءَةَ لَهُ إذَا كَانَتْ حِرْفَةً دَنِيَّةً فَلَا شَهَادَةَ لَهُ لِمَا عُرِفَ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ بِأَنْ لَا يُكْثِرَ الْكَذِبَ وَالْخَلْفَ فِي الْوَعْدِ وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالصَّرَّافُ الَّذِي يُجْمَعُ عِنْدَهُ الدَّرَاهِمُ وَيَأْخُذُهَا طَوْعًا لَا تُقْبَلُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخَ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمُعَرِّفُونَ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضَمَانِ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَلَا اهـ.

وَفِي إطْلَاقِ الْعَامِلِ عَلَى الْخَلِيفَةِ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ قَبِلَ عَمَلًا مِنْ الْخَلِيفَةِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى فَشَهِدَ لَهُ عُمَّالُهُ وَدَوَاوِينُهُ وَنُوَّابُهُ وَرَعَايَاهُمْ لَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ الْمُزَارِعِ لِرَبِّ الْأَرْضِ اهـ.

وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الدَّلَّالِ وَمُحْضَرِ قُضَاةِ الْعَهْدِ وَالْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ وَالصَّكَّاكِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَقِ لِلْمُعْتِقِ) أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَعَكْسِهِ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ وَقَدْ قَبِلَ شُرَيْحٌ شَهَادَةَ قَنْبَرٍ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَكَانَ عَتِيقَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ، وَأَمَّا قَنْبَرٌ فَهُوَ جَدُّ سِيبَوَيْهِ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُشْتَبَهِ الْأَسْمَاءِ وَالْأَنْسَابِ وَفِي تَقْرِيبِ التَّهْذِيبِ لِلْحَافِظِ بْنِ حَجَرٍ: شُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ الْكُوفِيُّ النَّخَعِيّ الْقَاضِي أَبُو أُمَيَّةَ ثِقَةٌ وَقِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ مَاتَ قَبْلَ الثَّمَانِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَلَهُ مِائَةٌ وَثَمَانِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرُ يُقَالُ حَكَمَ سَبْعِينَ سَنَةً. اهـ.

قَيَّدْنَا بِعَدَمِ التُّهْمَةِ لِأَنَّ الْعَتِيقَ لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا لَمْ تُقْبَلْ لِمَنْ أَعْتَقَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْقَبُولِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعِنْدِي فِي هَذَا التَّقْيِيدِ نَظَرُ يَظْهَرُ لِمَنْ لَهُ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْت وَجْهُهُ مَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ أَنَّ الصَّحِيحَ قَبُولُ ذِي الْحِرْفَةِ الدَّنِيَّةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فَحَيْثُ كَانَ الْمُعْتَبَرُ الْعَدَالَةَ فَلَا نَظَرَ إلَى الْحِرْفَةِ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ عُدُولُهُ عَنْ حِرْفَةِ آبَائِهِ الشَّرِيفَةِ إلَى الْحِرْفَةِ الْخَسِيسَةِ يَدُلُّ عَلَى رَذَالَتِهِ وَعَدَمِ مُرُوءَتِهِ وَمُبَالَاتِهِ لَكِنْ هَذَا حَيْثُ كَانَ بِلَا دَاعٍ إلَيْهِ مِنْ عَجْزٍ أَوْ عَدَمِ أَسْبَابٍ أَوْ قِلَّةِ يَدٍ تَقْصُرُهُ عَنْ حِرْفَةِ أَبِيهِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَلَّمَهُ فِي صِغَرِهِ هَذِهِ الْحِرْفَةَ الدَّنِيَّةَ فَكَبِرَ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهَا فَإِذَا كَانَ عَدْلًا فَمَا وَجْهُ رَدِّ شَهَادَتِهِ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَمِيرٌ كَبِيرٌ ادَّعَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ شَهَادَةَ خُدَّامِهِ الْمُلَازِمِينَ لَهُ مُلَازَمَةً كَمُلَازَمَةِ الْعَبْدِ لِمَوْلَاهُ كَذَلِكَ لَا تُقْبَلُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا تَأَمَّلْ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهِ مِرَارًا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَمِثْلُهُ فِي شَهَادَاتِ جَامِعِ الْفَتَاوَى بِصِيغَةِ أَعْوَانِ الْحُكَّامِ وَالْوُكَلَاءِ عَلَى بَابِ الْقُضَاةِ لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ سَاعُونَ فِي إبْطَالِ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَهُمْ فُسَّاقٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي إجَارَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ مَحَلُّهُ فِي الْكُلِّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ أَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ فَتُقْبَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا فِي الصَّكَّاكِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ وَلَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّلَّالِ وَالْمُحْضَرِ وَالْوَكِيلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعَلَةِ تَأَمَّلْ.

ص: 96

وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدَانِ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ كَذَا عِنْدَ اخْتِلَافِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَا تُقْبَلُ. اهـ.

؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَتَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ الْمُقْتَضِي لِإِبْطَالِ الْعِتْقِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا مَعْزِيًّا إلَى الْعُيُونِ لَوْ اشْتَرَى غُلَامَيْنِ فَأَعْتَقَهُمَا فَشَهِدَا لِمَوْلَاهُمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا. اهـ.

لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا وَلَا يَدْفَعَانِ مَغْرَمًا وَشَهَادَتُهُمَا بِأَنَّ الْبَائِعَ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الثَّمَنِ كَشَهَادَتِهِمَا بِالْإِيفَاءِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَشَارَ إلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ بِالْأُولَى إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرْنَاهَا عَنْ الْكَافِي عِنْدَ قَوْلِهِ: وَالْمَمْلُوكِ وَالصَّبِيِّ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُعْتَقِينَ الثَّلَاثِ هُنَا تَرَكْنَاهَا لِكَثْرَةِ شُعَبِهَا وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ لَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ فَشَهِدَتْ لَهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ تُقْبَلُ اهـ.

فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ وَمِنْ عِتْقٍ وَفِيهَا لَوْ نَفَى وَلَدَ أُمِّ وَلَدِهِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَشَهِدَ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ عَرَبِيٍّ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَشَهِدَ مَوْلَيَانِ أَعْتَقَهُمَا الرَّجُلُ لِلْمُدَّعِي لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا يُثْبِتَانِ أَنَّ الْعَرَبِيَّ مَوْلَى مَوْلَاهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ هَذَا وَالْبَنَاتُ يَجْحَدُونَ هَذَا. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي جَازَ وَإِنْ أَنْكَرَ لَا كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَوْ أَنْكَرَ) وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْقَبُولِ فِي الْوَصِيِّ أَيْضًا لِكَوْنِهَا شَهَادَةً لِلشَّاهِدِ لِعَوْدِ الْمَنْفَعَةِ إلَيْهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا كَانَ طَالِبًا وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ فَيَكْفِي الْقَاضِيَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ لَا أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ فَصَارَ كَالْقُرْعَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا تَحَقَّقْت مَا ذَكَرَ فِي وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ ظَهَرَ أَنَّ قَبُولَ الشَّهَادَةِ ثَابِتٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا شَيْءٌ وَإِنَّمَا ثَبَتَ عِنْدَهَا نَصْبُ الْقَاضِي وَصِيًّا اخْتَارَهُ وَلَيْسَ هُنَا مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا يُصْرَفُ إلَيْهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ وَلَوْ اعْتَبَرَا فِي نَفْسِ إيصَاءِ الْقَاضِي إلَيْهِ فَالْقِيَاسُ لَا يَأْبَاهُ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِ الْمَشَايِخِ فِيهَا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَالْمَنْقُولُ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ اهـ.

وَقَدْ ذُكِرَ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْحُسَامِيِّ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَصْرِفَا إلَيْهِ أَنَّ ظَاهِرَهَا عَدَمُ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَجُرُّ نَفْعًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَكُونُ الْمَشْهُودُ لَهُ وَصِيًّا عَنْ الْمَيِّتِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَعَلْنَاهُ وَصِيًّا عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ نَفْعَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ النَّصْبِ وَالسَّبَبُ الْحَامِلُ لِاعْتِرَاضِ الْمُحَقِّقِ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّهُ وَصِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنَى لِلْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ

وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي وَصَايَا الْفَوَائِدِ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّ وَصِيَّ الْقَاضِي كَوَصِيِّ الْمَيِّتِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَأَشَارَ بِشَهَادَةِ الِابْنَيْنِ إلَى أَنَّ شَهَادَةَ الْغَرِيمَيْنِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ أَوْ الْوَصِيَّيْنِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ مَعَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ الْمُوصَى لَهُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى فُلَانٍ فَفِي الْخَمْسِ إنْ ادَّعَى قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا وَأَوْرَدَ عَلَى الرَّابِعَةِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِأُمُورِ الْمَيِّتِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمَوْتِ مَعْرُوفًا فِي الْكُلِّ أَيْ ظَاهِرًا إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَعْرُوفًا؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الثُّبُوتِ أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُمَا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لِإِبْرَائِهِمَا عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ مِنْهُمَا وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا كَذَا فِي الْكَافِي.

وَإِنَّمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الِابْنَيْنِ فِي الْوَكَالَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ نَصْبِ الْوَكِيلِ عَنْ الْغَائِبِ إلَّا فِي الْمَفْقُودِ فَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لَكَانَتْ بِشَهَادَتِهِمَا وَفِيهَا تُهْمَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَلِاحْتِمَالِ التَّوَاضُعِ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ وَقَوْلُهُ بِقَبْضِ دُيُونِهِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا فِي غَيْبَةِ أَبِيهِمَا أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفَرَّقَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي) قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَيْ وَالْوَصِيُّ يَرْضَى هَكَذَا سَنَحَ لِلْبَالِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِمَوْلَانَا عَلَاءِ الدِّينِ الْأَسْوَدِ مَا نَصُّهُ وَالْمُرَادُ مِنْ الدَّعْوَى فِي قَوْلِهِ وَالْوَصِيُّ يَدَّعِي هُوَ الرِّضَا إذْ الْجَوْزُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى بَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ وَصِيًّا إذَا رَضِيَ هُوَ بِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ وَصِيٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْهِدَايَةِ الَّذِي قَصَدَ الِانْتِصَارَ لَهُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ وَقَوْلُهُ فَيَكْفِي الْقَاضِيَ مُؤْنَةُ التَّعْيِينِ وَكَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ وَصِيَّانِ فَالْقَاضِي لَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ آخَرَ فَالْحَقُّ مَا فَهِمَهُ الْمُحَقِّقُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي

ص: 97

بَيْنَهُمَا فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ وَإِذَا شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِقَبْضِ دُيُونِهِ بِالْكُوفَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا بِشَهَادَتِهِمَا يُعَيِّنَانِ مَنْ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْأَبِ وَاسْتِيفَائِهِ فَكَانَا شَاهِدَيْنِ لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَكِنْ هَذَا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ يَجْحَدُ الْوَكَالَةَ فَأَمَّا إذَا أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِهَا جَازَتْ الشَّهَادَةُ فَرَّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فِي دَارٍ بِعَيْنِهَا وَقَبَضَهَا وَغَابَ فَشَهِدَ ابْنَا الْمُوَكِّلِ أَنَّ أَبَاهُمَا وَكَّلَ هَذَا الرَّجُلَ بِالْخُصُومَةِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَقَبَضَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ جَحَدَ الْمَطْلُوبُ الْوَكَالَةَ أَوْ أَقَرَّ بِهَا وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ الْمَطْلُوبَ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْوَكَالَةِ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْمَالِ بِإِقْرَارِهِ بِدُونِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّمَا قَامَتْ الشَّهَادَةُ لِإِبْرَاءِ الْمَطْلُوبِ عِنْدَ الدَّفْعِ إلَى الْوَكِيلِ إذَا حَضَرَ الطَّالِبُ وَأَنْكَرَ الْوَكَالَةَ فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى أَبِيهِمَا وَشَهَادَتُهُ عَلَى أَبِيهِ مَقْبُولَةٌ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ الْمَطْلُوبُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الدَّارِ إلَى الْوَكِيلِ بِحُكْمِ إقْرَارِهِ وَإِنَّمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ فَكَانَتْ وَاقِعَةً لِأَبِيهِمَا فَلَا تُقْبَلُ. اهـ.

وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ تَرَكَ قَيْدًا وَهُوَ إنْ جَحَدَ الْمَطْلُوبُ وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ ابْنَيْ الْوَكِيلِ مُطْلَقًا بِالْأَوْلَى وَكَذَا شَهَادَةُ أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَأَحْفَادِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَى هَذَا فَالِابْنَانِ فِي الْكِتَابِ مِثَالٌ وَالْمُرَادُ عَدَمُ قَبُولِهَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِلْمُوَكِّلِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِغَيْبَةِ الْأَبِ فِي شَهَادَتِهِمَا بِالْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَا يُمْكِنُ الدَّعْوَى بِهَا لِيَشْهَدَا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ صُورَةِ شَهَادَتِهِمَا مَا فِي غَيْبَتِهِ مَعَ جَحْدِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى وَلَمْ يَظْهَرْ هُنَا لَهَا وَجْهٌ وَيُمْكِنُ أَنْ تُصَوَّرَ بِأَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُ وَدِيعَةٍ عَلَيْهِ تَسْلِيمَ وَدِيعَتِهِ الْمُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا فَيَجْحَدَ فَيَشْهَدَانِ بِهِ وَيَقْبِضُ دُيُونَ أَبِيهِمَا وَإِنَّمَا صَوَّرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى فِعْلِ مَا وُكِّلَ بِهِ إلَّا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِيهَا.

(فُرُوعٌ) شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ إنْ خَاصَمَ لَا تُقْبَلُ وَإِلَّا تُقْبَلُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ الْقَاضِي فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عِنْدَ الْقَاضِي ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْهَا فَشَهِدَ الْوَكِيلُ أَنَّ لِلْمُوَكِّلِ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِائَةَ دِينَارٍ تُقْبَلُ وَلَوْ وَكَّلَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَشَهِدَ عَلَى الْوَكَالَةِ فَخَاصَمَ الْمَطْلُوبَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَبَرْهَنَ عَلَى الْوَكَالَةِ ثُمَّ عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ مِنْهَا فَشَهِدَ لَهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِمَّا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْوَكَالَةِ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ عَلَى غَيْرِهِ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ الْقَاضِي عَنْ الْوِصَايَةِ قَبْلَ الْخُصُومَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْوَصِيُّ بِحَقٍّ لِلْمَيِّتِ بَعْدَمَا أَدْرَكَتْ الْوَرَثَةُ لَا تُقْبَلُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ يَنْعَزِلُ وَلَوْ شَهِدَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى الْمَيِّتِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ صَغِيرًا لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَلَوْ شَهِدَ لِكَبِيرٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ تُقْبَلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ شَهِدَ لِلْوَارِثِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فِي غَيْرِ مِيرَاثٍ لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَ الْوَصِيَّانِ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ لِوَارِثٍ بَالِغٍ تُقْبَلُ اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا ادَّعَى دَارًا وَبَرْهَنَ وَأَبْطَلَ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَشَهِدَا أَنَّهَا لِآخَرَ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا ثُمَّ شَهِدَ أَنَّهَا لِفُلَانٍ آخَرَ لَا تُقْبَلُ اهـ.

وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ شَهِدَا أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُمَا وَلِهَذَا تُقْبَلُ فِي حَقِّ هَذَا وَيُضَمُّ إلَيْهِ آخَرَانِ اهـ.

وَفِيهَا ادَّعَى الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ دَيْنًا بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءَهُ فَشَهِدَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ لَا تُسْمَعُ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ أَبْطَلَ شَهَادَتَهُ وَكَذَا وَكِيلُهَا ادَّعَى الْمَهْرَ عَلَى الزَّوْجِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلزَّوْجِ بِالْخُلْعِ

(قَوْلُهُ وَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ لُغَةً مِنْ جَرَحَهُ بِلِسَانِهِ جَرْحًا عَابَهُ وَنَقَصَهُ وَمِنْهُ جَرَحْت الشَّاهِدَ إذَا أَظْهَرْت فِيهِ مَا تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ إظْهَارُ فِسْقِ الشَّاهِدِ فَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ ذَلِكَ إثْبَاتُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فَهُوَ جَرْحٌ مُجَرَّدٌ وَإِنْ تَضَمَّنَ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعَبْدِ فَهُوَ غَيْرُ مُجَرَّدٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ إطْلَاقِهِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِثْلَ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ شُهُودَ الْمُدَّعِي فَسَقَةٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ تَسْلِيمُ وَدِيعَتِهِ الْمُوَكِّلَ فِي دَفْعِهَا) أَيْ الَّتِي وَكَّلَهُ الْغَائِبُ بِدَفْعِهَا لِصَاحِبٍ وَقَوْلُهُ فَيَشْهَدَانِ بِهِ أَيْ بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ لِلَّذِي ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَقَوْلُهُ وَبِقَبْضِ دُيُونِ أَبِيهِمَا لَمْ تَجْرِ فِيهِ الدَّعْوَى فَمَا مَعْنَى شَهَادَتِهِمَا بِهِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَرَيَانُهَا فِيهِ مَعَ إجْبَارِ الْوَكِيلِ وَلَا إجْبَارَ هُنَا فَتَأَمَّلْ.

ص: 98