الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يَكُونَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَنَصِيبَ الْآخَرِ لِلْآخَرِ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا كَبِيرَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ دَارًا مِنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ وَالْآخَرُ كَبِيرٌ وَالصَّغِيرُ فِي عِيَالِهِ لَمْ تَجُزْ الْهِبَةُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ صَارَ قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ شَائِعًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ الْبَيَانِ لِأَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ بِأَنْ قَالَ لِهَذَا ثُلُثُهَا وَلِهَذَا ثُلُثَاهَا أَوْ لِهَذَا نِصْفُهَا وَلِهَذَا نِصْفُهَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ قَبَضَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ إنْ قَبَضَهُ وَقَيَّدْنَا بِالدَّارِ وَمُرَادُهُ مِنْهَا مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ لِأَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُهَا كَالْبَيْتِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاحِدًا فَوَكَّلَ اثْنَيْنِ بِقَبْضِهَا فَقَبَضَاهَا جَازَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان
(قَوْلُهُ وَصَحَّ تَصَدُّقُ عَشَرَةٍ وَهِبَتُهَا لِفَقِيرَيْنِ لَا لِغَنِيَّيْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَلَى غَنِيَّيْنِ وَلَا هِبَتُهَا لَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَقَةَ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ فَلَا شُيُوعَ وَالْهِبَةُ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ الْغِنَى وَهُمَا اثْنَانِ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ مَجَازٌ عَنْ الْهِبَةِ كَالْهِبَةِ مِنْ الْفَقِيرِ مَجَازٌ عَنْ الصَّدَقَةِ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا اتِّصَالًا مَعْنَوِيًّا وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَيَجُوزُ اسْتِعَارَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَالْهِبَةُ لِلْفَقِيرِ لَا تُوجِبُ الرُّجُوعَ وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْغَنِيِّ تُجَوِّزُ الرُّجُوعَ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَدْ عُلِمَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الصِّحَّةِ هُنَا نَفْيُ الْمِلْكِ فَلَوْ قَسَّمَهَا وَسَلَّمَهَا لَهُمَا صَحَّتْ وَمَلَكَاهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ
(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)
لَا خَفَاءَ فِي حُسْنِ تَأْخِيرِهِ (قَوْلُهُ صَحَّ الرُّجُوعُ فِيهَا) يَعْنِي صَحَّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ مِنْ الْمَوَانِعِ الْآتِيَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْهِبَةِ الْمَوْهُوبُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ الْأَعْيَانِ لَا فِي حَقِّ الْأَقْوَالِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الصِّحَّةِ دُونَ الْجَوَازِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ وَتَبِعَهُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَمُقْتَضَى دَلِيلِ الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ إلَّا فِيمَا يَهَبُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْمَوْهُوبِ لَهُمَا كَبِيرَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ التَّقْيِيدُ لَا يُفِيدُ إلَّا الْإِشَارَةَ إلَى خِلَافِهِمَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَذْكُرَهُ وَيَقُولُ أَطْلَقَ الِاثْنَيْنِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ أَوْ صَغِيرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا وَالْآخَرُ صَغِيرًا وَفِي الْأُولَيَيْنِ خِلَافُهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَهَبَ دَارًا مِنْ اثْنَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ فِي عِيَالِهِ جَازَ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت وَأَصْلُ الْوَهْمِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْتَقَى ذَكَرَ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَةِ الِاثْنَيْنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ غَيْرَ مُضَافٍ إلَى أَحَدٍ فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ إطْلَاقُ الْمُتُونِ فِي قَوْلِهِ لَا عَكْسُهُ تَأَمَّلْ اهـ.
أَقُولُ: نَصُّ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ هَكَذَا وَلَوْ وَهَبَ دَارًا لِابْنَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فِي عِيَالِهِ كَانَتْ هِبَةً فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ مِنْ كَبِيرَيْنِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا جُمْلَةً فَإِنَّ الْهِبَةَ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ فِي الْكَبِيرَيْنِ لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا فَكَمَا وَهَبَ يَصِيرُ الْأَبُ قَابِضًا حِصَّةَ الصَّغِيرِ فَيَتَمَكَّنُ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ. اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ إظْهَارَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ الْقَائِلَيْنِ بِجَوَازِهَا لِلْكَبِيرَيْنِ مَعَ مُوَافَقَتِهِمَا الْإِمَامَ بِعَدَمِ جَوَازِهَا لِكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَانَتْ الْهِبَةُ فَاسِدَةً عِنْدَ الْكُلِّ فَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ مَبْنِيَّةً عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَطْ فَمَا فَهِمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الْمُنْتَقَى أَنَّهَا قَوْلُ الْكُلِّ صَحِيحٌ لَا وَهْمَ فِيهِ وَعِبَارَةُ الْمُتُونِ لَا تُنَافِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى نَبِيهٍ نَعَمْ إذَا قُلْنَا إذَا كَانَ الْوَلَدَانِ صَغِيرَيْنِ تَجُوزُ الْهِبَةُ يَكُون مُخَالِفًا لِإِطْلَاقِ الْمُتُونِ عَدَمَ جَوَازِ هِبَةِ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَكِنْ إذَا تَأَمَّلَ الْفَقِيهُ فِي عِلَّةِ عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَهِيَ تَحَقُّقُ الشُّيُوعِ يَجْزِمُ بِتَقْيِيدِ كَلَامِ الْمُتُونِ بِغَيْرِ مَا إذَا كَانَا صَغِيرَيْنِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا وَهَبَ مِنْهُمَا تَحَقَّقَ الْقَبْضُ مِنْهُ لَهُمَا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا كَبِيرًا فَإِنَّ قَبْضَ الْكَبِيرِ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعَقْدِ فَيَتَحَقَّقُ الشُّيُوعُ عِنْدَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ أَوْضَحُ فِي إفَادَةِ الْمُرَادِ حَيْثُ قَالَ لِأَنَّ هِبَةَ الصَّغِيرِ مُنْعَقِدَةٌ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ لِقِيَامِ قَبْضِ الْأَبِ مَقَامَ قَبْضِهِ وَهِبَةُ الْكَبِيرِ مُحْتَاجَةٌ إلَى قَبُولٍ فَسَبَقَتْ هِبَةَ الصَّغِيرِ فَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَالْحِيلَةُ أَنْ يُسَلِّمَ الدَّارَ إلَى الْكَبِيرِ وَيَهَبَهَا مِنْهُمَا اهـ.
أَيْ فَإِذَا سَلَّمَهَا إلَى الْكَبِيرِ أَوْ لَا ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْهُمَا تَحَقَّقَ الْقَبْضَانِ مَعًا وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ الشُّيُوعُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَهَا لِلْكَبِيرَيْنِ ثُمَّ وَهَبَهَا مِنْهُمَا تَصِحُّ فَلْيُرَاجَعْ
(قَوْلُهُ فَلَا شُيُوعَ) أَشَارَ بِنَفْيِ الشُّيُوعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَى أَنَّ الشُّيُوعَ إذَا تَحَقَّقَ فِي الصَّدَقَةِ يُفْسِدُهَا لِأَنَّهَا كَالْهِبَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ فَإِذَا تَصَدَّقَ بِبَعْضِ مَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عَلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ لِتَحَقُّقِ الشُّيُوعِ بِخِلَافِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّهِ عَلَى فَقِيرَيْنِ لِمَا عَلِمْته مِنْ عَدَمِ الشُّيُوعِ
[بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ]
(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)(قَوْلُهُ فَإِنَّهُ قَالَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ) قَدْ يُقَالُ أَنَّ مَا كَانَ غَيْرَ مَحْبُوبٍ شَرْعًا كَانَ مَكْرُوهًا فَمَعْنَى غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا وَمُطْلَقُ الْكَرَاهَةِ لِلتَّحْرِيمِ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْبِيرُ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ قَبِيحٌ كَمَا يَأْتِي وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وُجِدَ دَلِيلٌ خَاصٌّ مِنْ السُّنَّةِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَدِيثُ الْآتِي
الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ حَتَّى يَشْبَعَ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ» وَنَقَلَ تَصْحِيحَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ بِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِصِحَّتِهِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مَرْفُوعًا «مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يَنُبْ مِنْهَا» أَيْ لَمْ يُعَوَّضْ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ قَوْلُ الشَّارِحِ إنَّ الرُّجُوعَ قَبِيحٌ وَلَا يُقَالُ لِلْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا قَبِيحٌ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ.
وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْحَدِيثَ الْمُفِيدَ لِعَدَمِ الْحِلِّ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا قَالَ الْوَاهِبُ أَسْقَطْت حَقِّي مِنْ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ لِآخَرَ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَوَهَبَ الْمَأْمُورُ كَمَا أُمِرَ كَانَتْ الْهِبَةُ مِنْ الْآمِرِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَأْمُورُ عَلَى الْآمِرِ وَلَا عَلَى الْقَابِضِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَالدَّافِعُ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ قَالَ هَبْ لِفُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَفَعَلَ جَازَتْ الْهِبَةُ وَيَضْمَنُ الْآمِرُ لِلْمَأْمُورِ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْهِبَةِ وَلَا يَرْجِعَ الدَّافِعُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان مِنْ بَابِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَأَطْلَقَ الْهِبَةَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْأَعْيَانِ فَلَا رُجُوعَ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ لِكَوْنِهَا إسْقَاطًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا وَهَبَا عَبْدًا فَلِأَحَدِهِمْ الرُّجُوعُ فِي نَصِيبِهِ مَعَ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الشُّيُوعَ لَا يَمْنَعُ فَسْخَهَا بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان الْوَاهِبُ إذَا اشْتَرَى الْهِبَةَ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ قَالُوا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَسْتَحْيِ مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ مُشْتَرِيًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ إلَّا الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا لِأَنَّ شَفَقَتَهُ عَلَى وَلَدِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ الشِّرَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ
(قَوْلُهُ وَمُنِعَ الرُّجُوعَ دمع خزقه) أَيْ وَمَنَعَ الرُّجُوعَ فِي الْمَوْهُوبِ الْمَوَانِعُ السَّبْعَةُ الْآتِي تَفْصِيلُهَا (قَوْلُهُ فَالدَّالُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَالسَّمْنِ) أَيْ حَرْفُ الدَّالِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ وَلَوْ زَالَتْ قَبْلَ الرُّجُوعِ كَمَا إذَا شَبَّ الصَّغِيرُ ثُمَّ شَاخَ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى الرُّجُوعِ فِيهَا دُونَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَا مَعَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ قَيَّدَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبَلِ، وَقَطْعُ الثَّوْبِ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوَّلًا غَيْرُ مَانِعٍ وَقَيَّدَ بِالْمُتَّصِلَةِ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَةَ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ غَيْرُ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ فِي الْأَصْلِ وَالزِّيَادَةُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ حَيْثُ يَمْتَنِعُ بِزِيَادَةِ الْوَلَدِ وَمُرَادُهُ الزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الْقِيمَةِ فَدَخَلَ الْجَمَالُ وَالْخِيَاطَةُ وَالصَّبْغُ وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَإِسْلَامُ الْعَبْدِ وَعَفْوُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَنْهُ وَسَمَاعُ الْأَصَمِّ وَإِبْصَارُ الْأَعْمَى وَخَرَجَ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ فَلَهُ الرُّجُوعُ وَالزِّيَادَةُ فِي الْعَيْنِ فَقَطْ كَطُولِ الْغُلَامِ وَفِدَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ جَنَى خَطَأً وَتَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الصَّنْعَةَ وَالْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ إذَا كَانَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْأَرْضِ كَبِنَاءِ تَنُّورِ الْخَبْزِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ فِي قِطْعَةٍ مِنْهَا امْتَنَعَ فِيهَا فَقَطْ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا.
وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مَا يُخَالِفُ بَعْضَهُ فَذَكَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ لَوْ ذَهَبَتْ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَلَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ أَوْ الْكِتَابَةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ أَوْ كَانَتْ أَعْجَمِيَّةً فَعَلَّمَهَا الْكَلَامَ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْحُرُوفِ لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ لِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ فِي الْعَيْنِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِيَةَ عَلَى خِلَافٍ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَذْكُورَةٌ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ وَهَبَ جَارِيَةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَلَا رُجُوعَ فِي هِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدْيُونِ بَعْدَ الْقَبُولِ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي رُجُوعِ الْوَاهِبِ وَهَذَا فِي رَدِّ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ هُنَا مُطْلَقًا قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ
وَوَاهِبُ دَيْنٍ لَيْسَ يَرْجِعُ مُطْلَقًا
(قَوْلُهُ لِأَنَّ النُّقْصَانَ كَالْحَبَلِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَلَوْ وَهَبَ لَهُ جَارِيَةً فَحَبِلَتْ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهَا قَبْلَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِزِيَادَةٍ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْدُثُ جُزْءًا فَجُزْءًا فَلَا يَصِلُ إلَى الرُّجُوعِ فِيمَا وُهِبَ إلَّا بِالرُّجُوعِ فِيمَا لَمْ يُهَبْ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْحَبَلَ لَوْ لَمْ تَزِدْ بِهِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيهَا لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ فَتَأَمَّلْ مَا بَيْنَهُمَا اهـ.
قُلْت وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ فِي بَابِ خِيَارِ الْعَيْبِ أَنَّ الْحَبَلَ عَيْبٌ فِي بَنَاتِ آدَمَ لَا فِي الْبَهَائِمِ (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مَا يُخَالِفُ بَعْضَهُ) وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَلَوْ وُهِبَ عَبْدًا صَغِيرًا فَشَبَّ وَصَارَ رَجُلًا طَوِيلًا لَا يَرْجِعُ الْوَاهِبُ فِيهِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبَدَنِ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَإِنْ كَانَتْ تُنْقِصُ الْقِيمَةَ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّمَهُ الْقُرْآنَ إلَخْ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ أَوْ الْمَشْطَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ هُوَ الْمُخْتَارُ.
(قَوْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مَذْكُورَةٌ فِي الْكَافِي) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَالَ فِي الْكَافِي رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِنَاءً ثُمَّ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي لَيْسَ لَك أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا ثُمَّ هَدَمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي لَمْ يَقَعْ قَضَاءً حَتَّى لَا يُنْقَضَ وَإِنَّمَا وَقَعَ فَتْوَى بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ تَغَيَّرَ الْحُكْمُ. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ
فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخْرَجَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَقِصَارَةُ الثَّوْبِ زِيَادَةٌ بِخِلَافِ غَسْلِهِ وَفَتْلِهِ إنْ لَمْ يَزِدْ فِي الثَّمَنِ وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَأَخَذَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَرْشَهُ كَانَ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَأْخُذَ الْأَرْشَ وَلَوْ مَرِضَ عِنْدَهُ فَدَاوَاهُ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا فَدَاوَاهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزِّيَادَةِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خان تَفْصِيلًا حَسَنًا وَهُوَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ كَكِبَرِ الْجَارِيَةِ الصَّغِيرَةِ إذَا أَنْكَرَ الْوَاهِبُ وُجُودَهَا عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَأَمَّا فِي الْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا إذَا كَانَ لَا يَبْنِي فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ قَالَ وَكَذَلِكَ فِي الصَّبْغِ وَلَتِّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ لِأَنَّهُ امِمَّا يَقْبَلُ الِانْفِكَاكَ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَنَقْطُ الْمُصْحَفِ بِإِعْرَابِهِ زِيَادَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ وَقَطْعُ الشَّجَرَةِ مِنْ مَكَانِهَا غَيْرُ مَانِعٍ كَجَعْلِهَا حَطَبًا بِخِلَافِ جَعْلِهَا أَبْوَابًا وَجُذُوعًا وَذَبْحِهَا عَنْ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَا يَمْنَعُ وَفِي الْمُحِيطِ وَهَبَ ثَوْبًا فَشَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَخَلَطَ نِصْفَهُ قَبَاءً لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَلَوْ وَهَبَ حَلْقَةً فَرَكَّبَ فِيهَا فَصًّا إنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهُ إلَّا بِضَرَرٍ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ يَرْجِعُ وَإِنْ وَهَبَ لَهُ وَرَقَةً فَكَتَبَ فِيهَا سُورَةً أَوْ بَعْضَ سُورَةٍ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ وَإِنْ قَطَعَهُ مُصْحَفًا وَكَتَبَ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ دَفَاتِرَ ثُمَّ كَتَبَ فِيهَا فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ شِعْرًا إنْ كَانَ يَزِيدُ فِي ثَمَنِهِ لَا يَرْجِعُ وَإِنْ نَقَصَ يَرْجِعُ
(قَوْلُهُ وَالْمِيمُ مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ) يَعْنِي حَرْفَ الْمِيمِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَوْتَ أَحَدِهِمَا مَانِعٌ إذَا كَانَ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَى الْوَرَثَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْعَقْدِ إذْ هُوَ مَا أَوْجَبَهُ وَهُوَ مُجَرَّدُ خِيَارٍ فَلَا يُورَثُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا عُرِفَ قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ بَطَلَتْ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْمَنِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مُبْطِلٌ لَهَا كَالْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ أَذِنَ لِلْمُسْلِمِ فِي قَبْضِهِ وَقَبَضَهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ جَازَ اسْتِحْسَانًا بِخِلَافِ قَبْضِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاهِبِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ وَهَبَ لَك وَارِثِي هَذَا الْعَبْدَ فَلَمْ تَقْبِضْهُ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا قَبَضْته بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَلْ قَبَضْت فِي حَيَاتِهِ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَارِثِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ لِأَنَّ الْقَابِضَ قَدْ عَلِمَ السَّاعَةَ وَالْمِيرَاثُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَبْضَ
(قَوْلُهُ وَالْعَيْنُ الْعِوَضُ فَإِنْ قَالَ خُذْهُ عِوَضَ هِبَتِك أَوْ بَدَلَهَا أَوْ بِمُقَابَلَتِهَا فَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ سَقَطَ الرُّجُوعُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَمْ يَثِبْ عَنْهَا وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ خُذْهُ إلَى آخِرِهِ إلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِهِ عِوَضًا أَنْ يَذْكُرَ لَفْظًا يَعْلَمُ الْوَاهِبُ أَنَّهُ عِوَضٌ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لَهُ شَيْئًا أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ عِوَضٌ لَا يَسْقُطُ الرُّجُوعُ بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَقَبَضَهُ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعِوَضِ شَرَائِطُ الْهِبَةِ مِنْ الْقَبْضِ وَالْإِفْرَازِ فَأَفَادَ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ جَدِيدٌ وَإِنْ سُمِّيَ عَوَّضَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ الْمَوْهُوبِ مِنْ جِنْسِهِ فِي الْمُقَدَّرَاتِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُعَوِّضَ عَمَّا وَهَبَ لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ وَهَبَ الْعَبْدَ التَّاجِرُ ثُمَّ عَوَّضَ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَصِحُّ تَعْوِيضُ الْمُسْلِمِ لِلنَّصْرَانِيِّ مِنْ هِبَةٍ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لِمَا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ تَمْلِيكًا مِنْ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَدَلَّ ذِكْرُ الْعِوَضِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ بَعْضُ الْمَوْهُوبِ فَلَوْ عَوَّضَهُ الْبَعْضَ عَنْ الْبَاقِي فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ شَيْئَيْنِ فَعَوَّضَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْجَمِيعِ إنْ كَانَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِوَضًا وَإِنْ كَانَا فِي عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجْلِسَيْنِ فَعَوَّضَهُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فَهُوَ عِوَضٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَقْدِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ وَدَقِيقُ الْحِنْطَةِ يَصْلُحُ عِوَضًا عَنْهَا لِكَوْنِهِ حَادِثًا بِالطَّحْنِ.
وَكَذَا لَوْ صَبَغَ ثَوْبًا مِنْ الثِّيَابِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ خَاطَهُ أَوْ لَتَّ بَعْضَ السَّوِيقِ ثُمَّ عَوَّضَهُ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ قَدْ انْقَطَعَ بِهَذَا الصُّنْعِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْهِبَةِ إذَا ضَمِنَ شُهُودُهُ بِعَدَدِ رُجُوعِهِمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَذَبَحَهَا عَنْ أُضْحِيَّتِهِ إلَخْ) وَفِي الْخَانِيَّةِ أَوْ بَقَرَةً فَذَبَحَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ ضَحَّى بِهَا أَوْ ذَبَحَهَا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْجِعُ وَتَجْزِئَةُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْمُتْعَةِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة
لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِحُصُولِ الْعِوَضِ وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَلَوْ وَهَبَهُ جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فَعَوَّضَهُ الْوَلَدُ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْوَلَدِ فَصَلَحَ عِوَضًا.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ جَازَ الْعِوَضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَقَطَ حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ إذَا قَبَضَهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُعَوِّضِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ كَانَ شَرِيكَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَبَرَّعَ لِإِنْسَانٍ إلَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ أَنْفِقْ فِي بِنَاءِ دَارِي أَوْ أَمَرَ الْأَسِيرُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَهُ وَيُخَلِّصَهُ أَوْ لِيَدْفَعَ الْفِدَاءَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَهُ قَاضِي خان مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَتَمَامُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا أَصْلًا حَسَنًا لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَدَائِهِ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الضَّمَانِ وَكُلَّ مَا لَا يُطَالَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَدَائِهِ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَانِ اهـ.
لَكِنْ رُبَّمَا يَخْرُجُ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْأَمْرِ بِشِرَاءِ الْأَسِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ لَا حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ صَلَحَ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ إلَّا هُوَ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَمُرَادُهُ الْعِوَضُ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ فَأَمَّا الْمَشْرُوطُ فَهُوَ مُبَادَلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَتَوَزَّعَ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعِوَضِ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُعَوِّضْهُ أَصْلًا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَا يُضَمِّنَهُ إنْ كَانَتْ هَالِكَةً وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تُزَادَ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَقَدْ ازْدَادَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَرْجِعْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِمِثْلِهِ إنْ هَلَكَتْ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوِّضْ) لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ خَصَّ النِّصْفَ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الشُّيُوعُ فِي الْهِبَةِ لَكِنَّهُ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
(قَوْلُهُ وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ حَرْفُ الْخَاءِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْوَاهِبِ فَلَا يَنْقُضُهُ وَلِأَنَّهُ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ وَهُوَ كَتَجَدُّدِ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ بَرِيرَةَ رضي الله عنها وَأَطْلَقَ فِي الْخُرُوجِ فَشَمِلَ مَا إذَا وَهَبَ لِإِنْسَانٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا لِاسْتِهْلَاكِهَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا رَجَعَ الثَّانِي فَلِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ سَوَاءٌ كَانَ بِقَبْضٍ أَوْ تَرَاضٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ وَهَبَ لِمُكَاتَبِ إنْسَانٍ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَرْجِعْ الْمَالِكُ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِانْتِقَالِهَا مِنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ إلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمِلْكِ فَلَا يَرْجِعُ اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِفَسْخٍ كَانَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا وَأَطْلَقَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ فَانْصَرَفَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ ضَحَّى الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالشَّاةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَا وَصَارَتْ لَحْمًا فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِامْتِنَاعِهِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ غَيْرِ أُضْحِيَّةٍ يَبْقَى حَقُّ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرُّجُوعُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَبِبَيْعِ نِصْفِهَا رَجَعَ بِالنِّصْفِ كَعَدَمِ بَيْعِ شَيْءٍ) لِأَنَّ الْمَانِعَ وُجِدَ فِي الْبَعْضِ فَيَمْتَنِعُ بِقَدْرِهِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ وَالْعَيْنُ كُلُّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الرُّجُوعِ فِي الْكُلِّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ أَوْ بَعْضَهُ
(قَوْلُهُ وَالزَّايُ الزَّوْجِيَّةُ) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ مَانِعَةٌ مِنْ الرُّجُوعِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الصِّلَةُ أَيْ الْإِحْسَانُ كَمَا فِي الْقَرَابَةِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ الْمَهْرِ بَعَثَ إلَى امْرَأَتِهِ مَتَاعًا وَبَعَثَتْ أَيْضًا ثُمَّ افْتَرَقَا بَعْدَ الزِّفَافِ وَادَّعَى أَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَأَرَادَ الِاسْتِرْدَادَ وَأَرَادَتْ الِاسْتِرْدَادَ أَيْضًا يَسْتَرِدُّ كُلَّ مَا أَعْطَى لِأَنَّ الْمَرْأَةَ زَعَمَتْ أَنَّ الْإِعْطَاءَ كَانَ عِوَضًا عَنْ الْهِبَةِ لَمْ تَثْبُتْ الْهِبَةُ فَلَا يَثْبُتُ الْعِوَضُ. اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَوْ وَهَبَتْ الْمَرْأَةُ شَيْئًا لِزَوْجِهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا فِي الْهِبَةِ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا (قَوْلُهُ فَلَوْ وَهَبَ ثُمَّ نَكَحَ رَجَعَ وَبِالْعَكْسِ لَا) أَيْ لَوْ نَكَحَ ثُمَّ وَهَبَ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالَةُ الْهِبَةِ وَفِي الْأَوَّلِ لَمْ تَكُنْ مَنْكُوحَةً بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِهَذَا لَوْ أَبَانَهَا بَعْدَ الْهِبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الصَّرْفِ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يُخَالِفُ الْهِبَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ كَالشَّهَادَةِ وَالْوَصِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَالْقَافُ الْقَرَابَةُ فَلَوْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَرْجِعُ) لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ مَرْفُوعًا «إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا» وَصَحَّحَهُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمَفْهُومُ شَرْطِهِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِالْمَفَاهِيمِ وَأَئِمَّتُنَا وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرُوهُ لَكِنْ صُرِّحَ بِهِ فِي أَثَرِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إلَّا أَنْ يُثَابَ مِنْهَا خَرَّجَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَلِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَحْرَمَ الْمُسْلِمَ وَالذِّمِّيَّ الْمُسْتَأْمَنَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَيَّدَ بِالرَّحِمِ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ بِلَا رَحِمٍ كَأَخِيهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ وَأَزْوَاجِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ لِأَنَّ الرَّحِمَ بِلَا مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمِّهِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَفِي ذِكْرِ الْقَرَابَةِ ثُمَّ تَفْسِيرِهَا بِالرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ وَهَبَ لِرَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا لَوْ وَهَبَ لِابْنِ عَمِّهِ وَهُوَ أَخُوهُ رَضَاعًا وَخَرَجَ مَا لَوْ وَهَبَ لِعَبْدِ أَخِيهِ أَوْ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِيهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَقَعْ فِيهَا لِلْقَرِيبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْعَبْدَ أَحَقُّ بِمَا وُهِبَ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَقَالَا لَا يَرْجِعُ فِي الْأُولَى وَيَرْجِعُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِأَيِّهِمَا وَقَعَتْ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ عَجَزَ قَرِيبُهُ الْمُكَاتَبُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْجِعُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَإِنْ عَتَقَ لَا رُجُوعَ وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ قَرِيبًا لِلْوَاهِبِ رَجَعَ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ أَوْ عَتَقَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَلَوْ وَهَبَ لِأَخِيهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ شَيْئًا فَقَبَضَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي نَصِيبِ الْأَجْنَبِيِّ
(قَوْلُهُ وَالْهَاءُ الْهَلَاكُ) يَعْنِي: هَلَاكُ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ مَانِعٌ وَأَمَّا هَلَاكُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فَقَدْ قَدَّمَهُ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْهَلَاكِ (قَوْلُهُ فَلَوْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ) أَيْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَاكَ الْمَوْهُوبِ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الرَّدِّ عَلَيْهِ قَيَّدَ بِدَعْوَى الْهَلَاكِ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ وَأَنْكَرَهُ الْوَاهِبُ يُسْتَحْلَفُ الْوَاهِبُ عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ ادَّعَى بِسَبَبِ النَّسَبِ مَالًا لَازِمًا فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَهُ دُونَ النَّسَبِ ذَكَرَهُ قَاضِي خان فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْلَافِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ صُدِّقَ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الْوَاهِبُ هِيَ هَذِهِ حَلَفَ الْمُنْكِرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ هَذِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بِتَرَاضِيهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ) لِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَفِي أَصْلِهِ وَهِيَ وَفِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَدَمِهِ خَفَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفَصْلِ بِالرِّضَا أَوْ بِالْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ نَفَذَ وَلَوْ مَنَعَهُ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ لِقِيَامِ مِلْكِهِ فِيهِ.
وَكَذَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَوَّلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَهَذَا دَوَامٌ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَهُ بَعْدَ طَلَبِهِ لِأَنَّهُ تَعَدِّي وَإِذَا رَجَعَ بِالْقَضَاءِ أَوْ بِالتَّرَاضِي يَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ قَبْضُ الْوَاهِبِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَاهِبِ) كَأَنْ يَكُونَ أَخُوهُ مِنْ أَبِيهِ مَمْلُوكًا لِأَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ