الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ غَرَسَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ بِبَيْعِ أَرْضٍ وَزَرْعٍ فَيَبِيعُ الْوَكِيلُ الْأَرْضَ دُونَ الزَّرْعِ لِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ يُقْصَدُ بِهِمَا الْقَرَارُ لَا الزَّرْعُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ دَارٍ وَهِيَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ فَبَنَى فِيهَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً فَزَادَ فِيهَا حَائِطًا أَوْ جَصَّصَهَا لَهُ الْبَيْعُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ وَصِيفَةٍ وَهِيَ شَابَّةٌ فَصَارَتْ عَجُوزًا فَالْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ سَوِيقٍ فَلَتَّهُ أَوْ سِمْسِمٍ فَعَصَرَهُ فَصَارَ دُهْنًا حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَفِي الْبَيْعِ لَا اهـ.
وَفِي وَصَايَا الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِهَذَا الْكُفُرَّى الَّذِي فِي نَخْلَتِي فَصَارَ بُسْرًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِهَذَا الرُّطَبِ الَّذِي فِي نَخْلَتِي فَصَارَ تَمْرًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فِي الْقِيَاسِ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَلَا تَبْطُلُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِعِنَبِي هَذَا لِفُلَانٍ فَصَارَ زَبِيبًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ بِزَرْعِي هَذَا لِفُلَانٍ وَهُوَ بَقْلٌ فَصَارَ حِنْطَةً أَوْ شَعِيرًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَفِي الْوَكَالَةِ إذَا تَغَيَّرَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ وَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ إذَا تَغَيَّرَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا الْخِيَارُ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ إذَا بَاعَ الْمُوَكِّلُ مَا وُكِّلَ بِبَيْعِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ فَبَاعَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ وَمَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ رَجَعَ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَكَذَا لَوْ دَبَّرَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ اُسْتُحِقَّ أَوْ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ لِأَنَّهُ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَةٍ وَلَوْ مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوْ جُنَّ لَا يَرْجِعُ لِعَدَمِ الْغُرُورِ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لَوْ قَبَضَهُ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَ مَا وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ لِلْمَدْيُونِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ لَمْ يَضْمَنْ وَتَمَامُهُ فِيهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الدَّعْوَى)
مُنَاسَبَتُهَا ظَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ وَغَيْرِهَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَالْكَلَامُ فِيهَا فِي مَوَاضِعَ. الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهَا لُغَةً فَفِي الْمِصْبَاحِ ادَّعَيْته طَلَبْته لِنَفْسِي وَالِاسْمُ الدَّعْوَى وَدَعْوَى فُلَانٍ كَذَا أَيْ قَوْلُهُ وَالدَّعْوَةُ الْمَرَّةُ وَبَعْضُ الْعَرَبِ يُؤَنِّثُهَا بِالْأَلِفِ فَيَقُولُ الدَّعْوَى، وَقَدْ يَتَضَمَّنُ الِادِّعَاءُ مَعْنَى الْإِخْبَارِ فَتَدْخُلُ الْبَاءُ جَوَازًا فَيُقَالُ فُلَانٌ يُدْعَى بِكَرَمِ فِعَالِهِ أَيْ يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَجَمْعُ الدَّعْوَى الدَّعَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَفَتْحِهَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ الْفَتْحُ أَوْلَى وَبَعْضُهُمْ الْكَسْرُ أَوْلَى، وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَمِثْلُهُ الْفَتْوَى وَالْفَتَاوَى وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَفِي الْقَامُوسِ ادَّعَى بِكَذَا زَعَمَ لَهُ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا وَالِاسْمُ الدَّعْوَةُ وَالدَّعَاوَى وَيُكْسَرَانِ وَالدَّعْوَةُ الْحَلِفُ وَالدُّعَاءُ إلَى الطَّعَامِ وَيُضَمُّ كَالْمُدَّعَاةِ وَبِالْكَسْرِ الِادِّعَاءُ فِي النَّسَبِ. اهـ.
وَفِي الْكَافِي يُقَالُ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مَالًا فَزَيْدٌ الْمُدَّعِي وَعَمْرٌو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَالُ الْمُدَّعَى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ وَالْمَصْدَرُ الِادِّعَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ دَعَا وَالدَّعْوَى عَلَى فَعْلَى اسْمٌ مِنْهُ، وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا تُنَوَّنُ يُقَالُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ وَصَحِيحَةٌ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَلَا غَيْرُ كَفَتْوَى، وَفَتَاوَى وَالدَّعْوَى فِي الْحَرْبِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ يَا فُلَانُ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} [يونس: 10] فَمَعْنَاهَا الدُّعَاءُ وَحَقِيقَتُهَا فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ أَنْ تَدْعُوَ إلَى نَفْسِك أَوْ لِنَفْسِك وَالدَّعْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمُدَّعَاةُ، وَهِيَ الْمَأْدُبَةُ وَبِالْكَسْرِ فِي النَّسَبِ وَالْمُدَّعِي مَنْ يَقْصِدُ إيجَابَ الْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ. اهـ.
الثَّانِي: فِي مَعْنَاهَا شَرْعًا، وَهُوَ مَا أَفَادَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ (هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ) فَخَرَجَ الْإِضَافَةُ حَالَةَ الْمُسَالَمَةِ فَإِنَّهَا دَعْوَى لُغَةً لَا شَرْعًا.
وَنَظِيرُهُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلٍ يَقُولُ هُوَ لَيْسَ لِي وَلَيْسَ هُنَاكَ مُنَازِعٌ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ فَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ فَهُوَ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لِلْمُنَازِعِ فَلَوْ ادَّعَاهُ بَعْدَهُ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لَهُ. اهـ.
وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ خَاصٌّ بِدَعْوَى الْأَعْيَانِ وَالدُّيُونِ فَخَرَجَ عَنْهُ دَعْوَى إيفَاءِ الدَّيْنِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ.
الثَّالِثُ فِي رُكْنِهَا فَفِي الْبَدَائِعِ قَوْلُهُ لِي عَلَيْهِ كَذَا أَوْ قَضِيَّته أَوْ أَبْرَأْتُهُ وَنَحْوُهُ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ رُكْنُهَا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيُّ إضَافَةُ الشَّيْءِ مُطْلَقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي عَاجِزًا عَنْ الدَّعْوَى عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ يَكْتُبُ دَعْوَاهُ فِي صَحِيفَةٍ وَيَدَّعِي مِنْهَا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ. اهـ.
الرَّابِعُ فِي شُرُوطِهَا الْمُصَحِّحَةِ لَهَا فَمِنْهَا عَقْلُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّعَى
ــ
[منحة الخالق]
[كِتَابُ الدَّعْوَى]
(قَوْلُهُ فَخَرَجَ عَنْهُ دَعْوَى إيفَاءِ الدَّيْنِ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَفْعِ الدَّعْوَى أَيْ فَلَيْسَ دَعْوَى، وَأَيْضًا إذَا عُلِمَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَالْإِيفَاءُ دَعْوَى دَيْنٍ وَالْإِبْرَاءُ دَعْوَى تَمْلِيكٍ مَعْنًى اهـ.
كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُدَّعَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَدَعْوَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ بَاطِلَةٌ كَقَوْلِهِ لِمَنْ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ هَذَا ابْنِي أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَعْرُوفِ النَّسَبِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً كَدَعْوَى فَقِيرٍ أَمْوَالًا عَظِيمَةً عَلَى غَنِيٍّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ سَمَاعِهَا ثُمَّ كَتَبْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ التَّحَالُفِ مَا يُفِيدُهُ فَلْيُرَاجَعْ.
وَمِنْهَا كَوْنُهَا بِلِسَانِ الْمُدَّعِي فَلَا تَصِحُّ بِلِسَانِ وَكِيلِهِ إلَّا بِرِضَا خَصْمِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عُذْرٌ، وَمِنْهَا مَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَلَا تُسْمَعُ هِيَ وَالشَّهَادَةُ إلَّا بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ، وَمِنْهَا حَضْرَةُ الْخَصْمِ فَلَا يُسْمَعَانِ إلَّا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَّا إذَا الْتَمَسَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ بِالْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ لِلْقَضَاءِ، وَمِنْهَا عَدَمُ التَّنَاقُضِ فِي الدَّعْوَى إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَسْبِقَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ دَعْوَاهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ قَبْلَهُ لَا بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا، وَهَذِهِ السَّبْعَةُ فِي الْبَدَائِعِ، وَمِنْهَا كَوْنُ الْمُدَّعِي مُلْزَمًا عَلَى الْخَصْمِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى التَّوْكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ الْحَاضِرِ لِإِمْكَانِ عَزْلِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
الْخَامِسُ فِي حُكْمِهَا، وَهُوَ وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي وَزَادَ الشَّارِحُ وُجُوبَ الْحُضُورِ عَلَى الْخَصْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ حُضُورَهُ شَرْطُهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَيْفَ يَكُونُ وُجُوبُهُ حُكْمَهَا الْمُتَأَخِّرَ عَنْهَا، وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي إحْضَارَ الْخَصْمِ أَحْضَرَهُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى إنْ كَانَ فِي الْمِصْرِ أَوْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَوْ أَجَابَ يَبِيتُ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْهُ قِيلَ يَأْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُوَافَقَةِ دَعْوَاهُ لِإِحْضَارِ خَصْمِهِ، وَالْمَسْتُورُ فِي هَذَا يَكْفِي فَإِذَا أَقَامَ يَأْمُرُ إنْسَانًا لِيُحْضِرَ خَصْمَهُ، وَقِيلَ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي فَإِنْ نَكَلَ أَقَامَهُ عَنْ مَجْلِسِهِ، وَإِنْ حَلَفَ يَأْمُرُ بِإِحْضَارِهِ. اهـ.
وَقَدَّمْنَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي حُكْمَ مَا إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ، وَأُجْرَةَ الرَّسُولِ لِإِحْضَارِهِ، وَمَا إذَا اخْتَفَى فِي بَيْتِهِ، وَحُكْمَ الْهُجُومِ عَلَيْهِ.
السَّادِسُ فِي سَبَبِهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهُ تَعَلُّقُ الْبَقَاءِ الْمُقَدَّرُ بِتَعَاطِي الْمُعَامَلَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى النَّوْعِ أَوْ إلَى الشَّخْصِ.
السَّابِعُ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّتِهَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَشَرْعِيَّتُهَا لَيْسَتْ لِذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْقِطَاعُهَا بِالْقَضَاءِ دَفْعًا لِلْفَسَادِ الْمَظْنُونِ بِبَقَائِهَا. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُونَ هُنَا حُكْمَ اسْتِيفَاءِ ذِي الْحَقِّ حَقَّهُ مِنْ الْغَيْرِ بِلَا قَضَاءٍ، وَأَحْبَبْت جَمْعَهُ هُنَا مِنْ مَوَاضِعِهِ تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ وَتَيْسِيرًا عَلَى طَالِبِيهَا فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَدَّ قَذْفٍ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى اتِّفَاقًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّهُ تَعَالَى فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا مَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَكِنْ بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي بَابِهِ، وَإِنْ كَانَ قِصَاصًا فَقَالَ فِي جِنَايَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ قُتِلَ الرَّجُلُ عَمْدًا وَلَهُ وَلِيٌّ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ بِالسَّيْفِ قَضَى بِهِ أَوْ لَا وَيَضْرِبُ عِلَاوَتَهُ وَلَوْ رَامَ قَتْلَهُ بِغَيْرِ سَيْفٍ مُنِعَ، وَإِنْ فَعَلَ عُزِّرَ لَكِنْ لَا يَضْمَنُ لِاسْتِيفَائِهِ حَقَّهُ. اهـ.
وَإِنْ كَانَ تَعْزِيرًا فَفِي حُدُودِ الْقُنْيَةِ ضَرَبَ غَيْرَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَضَرَبَهُ الْمَضْرُوبُ أَيْضًا أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ وَيَبْدَأُ بِإِقَامَةِ التَّعْزِيرِ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَظْلَمُ، وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِ أَسْبَقُ. اهـ.
وَأَمَّا إذَا شَتَمَهُ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ مِثْلَهُ وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ، وَقَالُوا لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَ زَوْجَتَهُ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ التَّحْلِيفِ، وَمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ لَوْ مُكِّنَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُ أَقَامَهُ. اهـ.
وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَفِي إجَارَةِ الْقُنْيَةِ وَلَوْ غَابَ الْمُسْتَأْجِرُ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْمِفْتَاحَ إلَى الْآجِرِ فَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ مِفْتَاحًا آخَرَ، وَلَوْ آجَرَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ جَازَ. اهـ.
وَقَدْ صَارَتْ حَادِثَةُ الْفَتْوَى مَضَتْ الْمُدَّةُ وَغَابَ الْمُسْتَأْجِرُ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِي الدَّارِ فَأَفْتَيْت بِأَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الدَّارَ وَيَسْكُنَ فِيهَا، وَأَمَّا الْمَتَاعُ فَيَجْعَلُهُ فِي نَاحِيَةٍ إلَى حُضُورِ صَاحِبِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَتْحُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي أَخْذًا مِمَّا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي غَصْبِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي أَخَذَتْ أَغْصَانُ شَجَرَةِ إنْسَانٍ هَوَاءَ دَارِ آخَرَ فَقَطَعَ رَبُّ الدَّارِ الْأَغْصَانَ فَإِنْ كَانَتْ الْأَغْصَانُ بِحَالَةٍ يُمْكِنُ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَشُدَّهَا بِحَبْلٍ وَيَفْرُغَ هَوَاءَ دَارِهِ ضَمِنَ الْقَاطِعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا يَضْمَنُ إذَا قَطَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَوْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ أَمَرَ بِالْقَطْعِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. اهـ.
وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فَفِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ رَبُّ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ الْمَدْيُونِ عَلَى صِفَتِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَلَا يَأْخُذُ خِلَافَ جِنْسِهِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَخْذُهُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ لَهُ أَخْذُ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ وَكَذَا أَخْذُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ الْمُسْتَحِيلِ عَادَةً إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْغَرْسِ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ بِأَنْ لَا يَكُونَ مُسْتَحِيلًا عَقْلًا أَوْ عَادَةً فَإِنَّ الدَّعْوَى - وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ - ظَاهِرَةُ الْكَذِبِ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ يَقِينِيَّةُ الْكَذِبِ فِي الْمُسْتَحِيلِ الْعَقْلِيِّ مِثَالُ الدَّعْوَى بِالْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ دَعْوَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ ذَهَبًا نَقْدًا دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا بِنَفْسِهِ وَيُطَالِبُهُ بِرَدِّ بَدَلِهَا فَمِثْلُ هَذِهِ الدَّعْوَى لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا الْقَاضِي وَلَا يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَوَابِهَا. اهـ.
لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي مَنْعِ دَعْوَى الْمُسْتَحِيلِ الْعَادِيِّ إلَى نَقْلٍ عَنْ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْمِنَحِ.
(قَوْلُهُ وَزَادَ الشَّارِحُ وُجُوبَ الْحُضُورِ عَلَى الْخَصْمِ إلَخْ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا صَحَّتْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا وُجُوبُ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ بِلَا أَوْ نَعَمْ، وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ. اهـ.
فَلَيْسَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ جَعَلَ وُجُوبَ الْحُضُورِ حُكْمًا، وَغَايَةُ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُحْضِرُهُ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُدَّعِي بَلْ بَعْدَ سَمَاعِهِ دَعْوَاهُ فَإِنْ رَآهَا صَحِيحَةً أَحْضَرَهُ لِطَلَبِهِ، وَإِلَّا فَلَا فَتَدَبَّرْ أَبُو السُّعُودِ.
وَلَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُهُ وَدَفَعَهُ إلَى الدَّائِنِ قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ هُوَ وَالْغَرِيمُ غَاصِبٌ فَإِنْ ضَمِنَ الْآخِذُ لَمْ يَصِرْ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ الْغَرِيمُ صَارَ قِصَاصًا، وَقَالَ نَصِيرُ بْنُ يَحْيَى صَارَ قِصَاصًا بِدَيْنِهِ وَالْآخِذُ مُعِينٌ لَهُ وَبِهِ يُفْتَى وَلَوْ غَصَبَ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْمَدْيُونُ فَالْمُخْتَارُ هُنَا قَوْلُ ابْنِ سَلَمَةَ. اهـ.
وَظَاهِرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ مِنْ جِنْسِهِ مُقِرًّا كَانَ أَوْ مُنْكِرًا لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَا وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا لَمْ يَتَوَصَّلْ إلَيْهِ إلَّا بِكَسْرِ الْبَابِ وَنَقْبِ الْجِدَارِ وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ بِالْحَاكِمِ، وَإِذَا أَخَذَ غَيْرَ الْجِنْسِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ ضَمَانَ الرَّهْنِ كَمَا فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا ظَفِرَ بِمَالٍ مَدْيُونِ مَدْيُونِهِ وَالْجِنْسُ وَاحِدٌ فِيهِمَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ.
الثَّامِنُ فِي دَلِيلِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، وَهِيَ شَهِيرَةٌ، وَالتَّاسِعُ فِي أَنْوَاعِهَا الْعَاشِرُ فِي وُجُوهِ دَفْعِهَا وَسَيَأْتِيَانِ.
(قَوْلُهُ الْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا، وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِيهِ فَمِنْهَا مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ حَدٌّ عَامٌّ صَحِيحٌ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَذِي الْيَدِ، وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ، وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ، وَالتَّرْجِيحُ بِالْفِقْهِ عِنْدَ الْحُذَّاقِ مِنْ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ فَإِنَّ الْمُودِعَ إذَا قَالَ رَدَدْتُ الْوَدِيعَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا لِلرَّدِّ صُورَةً؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الضَّمَانَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي فَرَاغَ ذِمَّتِهِ عَنْ الضَّمَانِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ اعْتِبَارًا لِلصُّورَةِ، وَيُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ وَيَحْلِفُ اعْتِبَارًا لِلْمَعْنَى كَذَا فِي الْكَافِي، وَفِي الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى أَصْلِ الْخُصُومَةِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الْخِيَارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي تَعْيِينِ الْقَاضِي كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ قَاضِيَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ فَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ مَحَلَّةٍ وَالْآخَرُ مِنْ مَحَلَّةٍ أُخْرَى وَالْمُدَّعِي يُرِيدُ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَالْآخَرُ يَأْبَى ذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلْدَةِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا. اهـ.
وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعِيَ مُنْشِئٌ لِلْخُصُومَةِ فَيُعْتَبَرُ قَاضِيهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهَا، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَاضِيَانِ فِي مِصْرٍ طَلَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَاضٍ فَالْخِيَارُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ.
وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِمَا إذَا أَرَادَ الْمُدَّعِي قَاضِي مَحَلَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَاضِي مَحَلَّةِ الْمُدَّعِي، وَمَا إذَا تَعَدَّدَ الْقُضَاةُ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَكَثُرُوا كَمَا فِي الْقَاهِرَةِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي قَاضِيًا شَافِعِيًّا مَثَلًا، وَأَرَادَ الْآخَرُ مَالِكِيًّا مَثَلًا وَلَمْ يَكُونَا مِنْ مَحَلَّتِهِمَا فَإِنَّ الْخِيَارَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْتُ مِرَارًا كَثِيرَةً
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَخَذَ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُهُ) أَيْ أَخَذَ جِنْسَ الْحَقِّ مِنْ الْغَرِيمِ غَيْرُ رَبِّ الدَّيْنِ وَدَفَعَهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ (قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ هُوَ وَالْغَرِيمُ غَاصِبٌ) عِبَارَةُ الْقُنْيَةِ هُوَ غَاصِبٌ وَالْغَرِيمُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَصَبَ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْمَدْيُونُ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَاَلَّذِي فِي الْقُنْيَةِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الْغَرِيمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرِيمِ الدَّائِنُ لَا الْمَدْيُونُ وَالضَّمِيرُ فِي غَصَبَهُ يَعُودُ إلَى الْغَيْرِ السَّابِقِ فِي كَلَامِهِ أَيْ لَوْ غَصَبَ غَيْرُ الدَّائِنِ جِنْسَ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ فَغَصَبَهُ مِنْهُ الدَّائِنُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَاَلَّذِي فِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ رَفَعَ عِمَامَةَ مَدْيُونِهِ عَنْ رَأْسِهِ حِينَ تَقَاضَاهُ الدَّيْنَ، وَقَالَ لَا أَرُدُّهَا عَلَيْك حَتَّى تَقْضِيَ الدَّيْنَ فَتَلِفَتْ الْعِمَامَةُ فِي يَدِهِ تَهْلَكُ هَلَاكَ الرَّهْنِ بِالدَّيْنِ قَالَ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَمْكَنَهُ اسْتِرْدَادُهَا فَتَرَكَهَا عِنْدَهُ أَمَّا إذَا عَجَزَ فَتَرَكَهَا لِعَجْزِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا هُنَا مُشْكِلٌ إذْ يَقْتَضِي أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الدَّيْنِ أَمَانَةٌ مَعَ كَوْنِهِ غَاصِبًا إذْ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي الرَّهْنِ تَقَاضَى دَيْنَهُ فَلَمْ يَقْضِهِ فَرَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَأَعْطَاهُ مِنْدِيلًا فَلَفَّهُ عَلَى رَأْسِهِ فَالْعِمَامَةُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِتَرْكِهَا عِنْدَهُ رَضِيَ بِكَوْنِهَا رَهْنًا، وَفِي تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ أَخَذَ عِمَامَةَ الْمَدْيُونِ لِتَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ لَمْ تَكُنْ رَهْنًا. اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَخَذَ عِمَامَةَ مَدْيُونٍ لِتَكُونَ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ، وَهَلَكُهُ كَرَهْنٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَوْ رَضِيَ الْمَدْيُونُ بِتَرْكِهِ هُنَا. اهـ.
وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذِهِ النُّقُولِ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَّلَهُ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله الْمُدَّعِي إذَا تَرَكَ تُرِكَ فَهُوَ مُنْشِئٌ فَيَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ أَنْشَأَ الْخُصُومَةَ عِنْدَ قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ أَنْشَأَهَا عِنْدَ مَحَلَّةِ خَصْمِهِ وَمُحَمَّدٌ رحمه الله الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَافِعٌ لَهُ وَالدَّافِعُ يَطْلُبُ سَلَامَةَ نَفْسِهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ فَأَخْذُهُ إلَى مَنْ يَأْبَاهُ لِرِيبَةٍ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ وَتُهْمَةٍ وَقَعَتْ لَهُ رُبَّمَا يُوقِعُهُ فِي إثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي ذِمَّتِهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَاعْتِبَارُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ وَخَصْمُهُ يُرِيدُ أَنْ يُوجِبَ عَلَيْهِ الْأَخْذَ بِالْمُطَالَبَةِ وَمَنْ طَلَبَ السَّلَامَةَ أَوْلَى بِالنَّظَرِ مِمَّنْ طَلَبَ ضِدَّهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ أَفْتَيْت مِرَارًا كَثِيرَةً) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ النُّسَخَ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ سُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الدَّعْوَى بِقَطْعِ النِّزَاعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَأَجَابَ لَا يُجْبَرُ الْمُدَّعِي عَلَى الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. اهـ.
وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نَقَلُوهُ فِي الْفَتَاوَى مِنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى بِدَفْعِ التَّعَرُّضِ، وَهِيَ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ إنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ عَلَيْهِ يَدَّعِيهِ، وَإِلَّا يُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْإِبْرَاءِ، وَفِي الثَّانِي إنَّمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ فِي كَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَيُطَالَبُ بِدَفْعِ التَّعَرُّضِ فَافْهَمْ. اهـ.
وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَنْ يَكُونُ خَصْمًا فِي الدَّعْوَى لِيُعْلَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ أَغْفَلَهُ الشَّارِحُونَ، وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي فَأَقُولُ: فِي دَعْوَى الْخَارِجِ مِلْكًا مُطْلَقًا فِي عَيْنٍ فِي يَدِ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُسْتَعِيرٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ إلَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِجَارَةِ فَالْمَالِكُ وَحْدَهُ يَكُونُ خَصْمًا وَتُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمُزَارِعِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُ أَوْ كَانَ الزَّرْعُ نَابِتًا، وَإِلَّا لَا، وَفِي دَعْوَى الْغَصْبِ عَلَيْهِ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْمَالِكِ، وَفِي الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا بُدَّ فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاقِ وَالشُّفْعَةِ مِنْ حَضْرَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي فَاسِدًا بَعْدَ الْقَبْضِ خَصْمٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْمِلْكَ فِيهِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ الْخَصْمُ هُوَ الْبَائِعُ وَحْدَهُ، وَأَحَدُ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ عَلَى الْكُلِّ وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْجَامِعِ بِكَوْنِ الْكُلِّ فِي يَدِهِ، وَإِنْ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ فَبِقَدْرِهِ، وَالْمُوصَى لَهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ إنَّمَا هُوَ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِ الْوِصَايَةِ أَوْ الْوَكَالَةِ إلَّا إذَا كَانَ مُوصًى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا وَارِثَ فَهُوَ كَالْوَارِثِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ فِي يَدِهِ مَالُ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ بِوَارِثٍ وَلَا وَصِيٍّ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى غَرِيمِ الْمَيِّتِ مَدْيُونًا أَوْ دَائِنًا وَالْخَصْمُ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ خَمْسَةٌ: الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ، وَالْمُوصَى لَهُ وَالْغَرِيمُ لِلْمَيِّتِ، أَوْ عَلَى الْمَيِّتِ وَقْفٌ عَلَى صَغِيرٍ لَهُ وَصِيٌّ وَلِرَجُلٍ فِيهِ دَعْوَى يَدَّعِيهِ عَلَى مُتَوَلِّي الْوَقْفِ لَا عَلَى الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَلِي الْقَبْضَ وَلَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَتَكْفِي حَضْرَةُ وَصِيِّهِ دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بَاشَرَهُ الْوَصِيُّ أَوْ لَا وَلَا يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ عِنْدَ دَعْوَى الْمَوْلَى أَرْشَهُ، وَمَهْرَهَا وَلَوْ ادَّعَى عَلَى صَبِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ اسْتِهْلَاكًا أَوْ غَصْبًا، وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الصَّبِيِّ مَعَ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ، وَإِلَّا نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَتُشْتَرَطُ
ــ
[منحة الخالق]
الْمَشْهُورَةَ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ لَيْسَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ الَّذِي ادَّعَاهُ وَبَنَى عَلَيْهِ فَتْوَاهُ بَلْ عَلَى مَا قَيَّدَهُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يَطْلُبُ الْمُحَاكَمَةَ عِنْدَ قَاضِي مَحَلَّتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ فِي نُسْخَتِهِ إطْلَاقًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْيِيدِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّ الَّذِي وَلَّاهُ خَصَّهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ أَوْ بِتِلْكَ الْمَحَلَّةِ وَلِهَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ اخْتَصَمَ غَرِيبَانِ عِنْدَ قَاضِي بَلْدَةٍ صَحَّ قَضَاؤُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْكِيمِ أَقُولُ: وَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْقُضَاةَ يُفَوَّضُ لَهُمْ الْحُكْمُ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ مَنْ هُوَ فِي بَلَدِهِمْ أَوْ قَرْيَتِهِمْ الَّتِي تَوَلَّوْا الْقَضَاءَ بِهَا.
وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ مُقَيَّدَةً بِمَا ذَكَرْنَا وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ وَالْآخَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَأَرَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا وَلَا وِلَايَةَ لِقَاضِي الْعَسْكَرِ عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ. اهـ.
فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْوِلَايَةُ فَالسُّلْطَانُ لَمَّا وَلَّى قَاضِيًا بِبَلْدَةٍ أَوْ مَحَلَّةٍ مَخْصُوصَةٍ خَصَّهُ بِأَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَاضِيَ مِصْرَ لَمَّا وُلِّيَ لَمْ يَخُصَّ حُكْمُهُ بِأَهْلِ مِصْرَ بَلْ بِمَنْ هُوَ فِيهَا مِنْ مِصْرِيٍّ وَشَامِيٍّ وَحَلَبِيٍّ وَغَيْرِهِمْ فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِمُوَافَقَتِهِ لِتَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَأَخِّرُ يَعْنِي الْعَلَّامَةَ زَيْنًا لَا وَجْهَ لَهُ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَقُولُ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَكَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ قَاضِيَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَحَلَّةٍ، وَقَدْ أُمِرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحُكْمِ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ فَقَطْ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْعِمَادِيِّ وَلَا وِلَايَةَ لِقَاضِي الْعَسْكَرِ عَلَى غَيْرِ الْجُنْدِيِّ أَمَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَأْذُونًا بِالْحُكْمِ عَلَى أَيٍّ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ فَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الَّذِي لَهُ الْخُصُومَةُ فَيَطْلُبُهَا عِنْدَ أَيِّ قَاضٍ أَرَادَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قُضَاةَ مِصْرَ وَالشَّامِ إذْ إذْنُهُمْ عَامٌّ.
وَهَذَا كَلَامٌ مُتَّجَهٌ وَنُقِلَ مِثْلُهُ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ خَطِّ صَاحِبِ التَّنْوِيرِ عَلَى هَامِشِ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ كُلُّ قَاضٍ عَلَى مَحَلَّةٍ عَلَى حِدَةٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ حَنَفِيٌّ وَشَافِعِيٌّ، وَمَالِكِيٌّ وَحَنْبَلِيٌّ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَالْوِلَايَةُ وَاحِدَةٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْخِلَافُ فِي إجَابَةِ الْمُدَّعِي لِمَا أَنَّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ. اهـ.
قُلْت وَذَكَرَ نَحْوَهُ فِي الْمِنَحِ وَلَكِنْ رَدَّهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَيْهَا وَبَالَغَ فِيهِ حَتَّى جَعَلَهُ بِالْهَذَيَانِ أَشْبَهَ وَلَمْ يَأْتِ لِرَدِّهِ بِوَجْهٍ يُقَوِّيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُرَادُ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَاصِلِ فَقَالَ مَا قَالَ وَذَكَرَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيُّ بَعْدَ كَلَامٍ قَالَ فِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ فُوِّضَ قَضَاءُ نَاحِيَةٍ إلَى رَجُلَيْنِ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْقَضَاءَ وَلَوْ قَلَّدَ رَجُلَيْنِ عَلَى أَنْ يَنْفَرِدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْقَضَاءِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبُ السُّلْطَانِ وَيَمْلِكُ التَّفَرُّدَ. اهـ.
فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَوْ لِقَاضِيَيْنِ فَأَكْثَرَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَحَلَّةٍ فَتَفَرُّدُ الْقَاضِي صَحِيحٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى السَّوَاءِ فَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ التَّفَرُّدَ فَلَا فَائِدَةَ فِي اخْتِيَارِ أَحَدِهِمْ، وَإِنْ أُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِالتَّفَرُّدِ جَازَ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ مُجْتَمِعِينَ فَمَا فَهِمَهُ صَاحِبُ التَّنْوِيرِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. اهـ.
وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ بَعْدَ قَوْلِهِ جَازَ وَالْعِبْرَةُ لِلْمُدَّعِي، وَقَدْ اتَّضَحَ الْمَرَامُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. (قَوْلُهُ: أَوْ دَائِنًا) فَائِدَتُهُ إثْبَاتُ الْمُخَاصَمَةِ تَأَمَّلْ
حَضْرَتُهُ عِنْدَ الدَّعْوَى مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْأَطْفَالِ الرُّضَّعِ عِنْدَ الدَّعْوَى.
وَالْمُسْتَأْجِرُ خَصْمٌ لِمَنْ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ فِي غَيْبَةِ الْمَالِكِ عَلَى الْأَقْرَبِ إلَى الصَّوَابِ، وَلَيْسَ بِخَصْمٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَنْ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الشِّرَاءَ وَالْمُشْتَرِي خَصْمٌ لِلْكُلِّ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَفِي دَعْوَى الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ تُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَتَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ فَلِذَا كَانَ لِلْمُسْتَحِقِّ الدَّعْوَى عَلَى الْبَائِعِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ غَاصِبًا وَالْمُودَعُ أَوْ الْغَاصِبُ إذَا كَانَ مُقِرًّا الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُشْتَرِي وَيَنْتَصِبُ خَصْمًا لِوَارِثِ الْمُودِعِ أَوْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِالْخِيَارِ فَادَّعَاهُ آخَرُ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي بَاطِلًا لَا يَكُونُ خَصْمًا لِلْمُسْتَحِقِّ. وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، وَقَضَى بِهِ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى النِّتَاجِ وَبَرْهَنَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي غَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ لِيَدْفَعَ عَنْهُ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْمُخْتَارُ اشْتِرَاطُهَا، وَأَفْتَى السَّرَخْسِيُّ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ الْمُوصَى لَهُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْمُوصَى لَهُ فِيمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَلَكِنْ قُضِيَ لَهُ بِالثُّلُثِ فَخَاصَمَهُ مُوصًى لَهُ آخَرُ فَإِنَّ إلَى الْقَاضِي الَّذِي قَضَى لَهُ كَانَ خَصْمًا، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَلَهَا زَوْجٌ ظَاهِرٌ يُشْتَرَطُ حَضْرَتُهُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَدَعْوَى النِّكَاحِ عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِ أَبِيهَا صَحِيحَةٌ بِدُونِ حَضْرَةِ أَبِيهَا وَدَعْوَى الْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي هِبَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ مَأْذُونًا، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ مَوْلَاهُ وَالْقَوْلُ لِلْوَاهِبِ أَنَّهُ مَأْذُونٌ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْعَبْدِ أَنَّهُ مَحْجُورٌ فَإِنْ غَابَ الْعَبْدُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَى الرُّجُوعِ عَلَى مَوْلَاهُ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْعَبْدِ وَتَمَامُهُ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
(قَوْلُهُ وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا عَلِمَ جِنْسَهُ وَقَدْرَهُ) ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ إقَامَةِ الْحُجَّةِ وَالْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْبِ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى رَهْنِ الْأَصْلِ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَلَمْ يُسَمُّوا الثَّوْبَ، وَلَمْ يَعْرِفُوا عَيْنَهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ وَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَيِّ ثَوْبٍ كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْغَصْبِ. اهـ. فَالدَّعْوَى بِالْأُولَى وَلَمْ أَرَ اشْتِرَاطَ لَفْظٍ مَخْصُوصٍ لِلدَّعْوَى وَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَزْمِ وَالتَّحْقِيقِ، وَلَوْ قَالَ أَشُكُّ أَوْ أَظُنُّ لَمْ تَصِحَّ الدَّعْوَى، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ السَّبَبِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا لَمْ يُشْتَرَطْ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ سَبَبِهِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ لَمْ يُجْبَرْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعَى مَكِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ حَتَّى إنَّ مَنْ سَلَّمَ يَحْتَاجُ إلَى مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَيَمْنَعُ الِاسْتِبْدَالَ قَبْلَ قَبْضِهِ وَثَمَنُ الْمَبِيعِ بِخِلَافِهِ فِيهِمَا، وَإِنْ مِنْ قَرْضٍ لَا يَلْزَمُ التَّأْجِيلُ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ وَفِي دَعْوَى اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ وَكَذَا فِي دَعْوَى الْكَعْكِ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله بِاشْتِرَاطِ مَعْلُومِيَّةِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَزْنِ فِي الْمَوْزُونَاتِ، وَفِي دَعْوَى، وِقْرِ رُمَّانٍ أَوْ سَفَرْجَلٍ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَزْنِ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْوِقْرِ وَيَذْكُرُ أَنَّهُ حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ أَوْ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ، وَفِي دَعْوَى الْكَعْكِ يَذْكُرُ أَنَّهُ مِنْ دَقِيقِ الْمَغْسُولِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ السِّمْسِمِ أَنَّهُ أَبْيَضُ أَوْ أَسْوَدُ، وَقَدْرَ السِّمْسِمِ، وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَى السِّمْسِمِ، وَقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ، وَفِي دَعْوَى الْإِبْرَيْسَمِ بِسَبَبِ السَّلَمِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الشَّرَائِطِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الشَّرَائِطِ، وَفِي الْقُطْنِ يُشْتَرَطُ بَيَانُ أَنَّهُ بُخَارِيٌّ أَوْ خَوَارِزْمِيٌّ، وَفِي الْحِنَّاءِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهُ مَدْقُوقٌ أَوْ وَرَقٌ، وَفِي الدِّيبَاجِ إنْ سَلَمًا يَذْكُرُ الْأَوْصَافَ وَالْوَزْنَ، وَإِنْ عَيْنًا لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْوَزْنِ.
وَيَذْكُرُ الْأَوْصَافَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّوْعِ وَالْوَصْفِ مَعَ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَيَذْكُرُ فِي السَّلَمِ شَرَائِطَهُ مِنْ إعْلَامِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَنَوْعِهِ وَصِفَتِهِ، وَقَدْرِهِ بِالْوَزْنِ إنْ كَانَ وَزْنِيًّا وَانْتِقَادِهِ بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ بِسَبَبِ بَيْعٍ صَحِيحٍ جَرَى بَيْنَهُمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى بِلَا خِلَافٍ وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ بِسَبَبِ كَذَا صَحِيحٍ، وَإِنْ ادَّعَى ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَلَا بُدَّ مِنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فِي هِبَةِ الْعَبْدِ) أَيْ فِي الْهِبَةِ لِلْعَبْدِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ فَسَادِ الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ دَعْوَى الرَّهْنِ وَالْغَصْبِ) أَقُولُ:، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَفَسَادُ الدَّعْوَى إمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَزِمَهُ شَيْءٌ عَلَى الْخَصْمِ أَوْ يَكُونُ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ وَتَصِحُّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ الْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ.
فَبَلَغَتْ الْمُسْتَثْنَيَاتُ خَمْسَةً تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا فِي كُلِّ سَبَبٍ لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ بَدَلَ قَوْلِهِ كَثِيرَةٌ قَلِيلَةٌ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. اهـ.
قُلْت وَعِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ قَالَ بِسَلَمٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّرَائِطَ كَانَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ رحمه الله يُفْتِي بِالصِّحَّةِ وَغَيْرُهُ لَا؛ لِأَنَّ شَرَائِطَهُ مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ وَيَخْتَلِفُ فِيهِ بَعْضُهَا، وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ قَالَ بِبَيْعٍ صَحِيحٍ يَكْفِي وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا لَهُ شَرَائِطُ كَثِيرَةٌ لَا يَكْفِي فِيهِ قَوْلُهُ: بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَإِذَا قَلَّتْ الشَّرَائِطُ يُكْتَفَى بِهِ أَجَابَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ فِيمَنْ قَالَ كَفَلَ كَفَالَةً صَحِيحَةً أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَلَعَلَّهُ صَحِيحٌ عَلَى اعْتِقَادِهِ لَا فِي الْوَاقِعِ، وَلَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْحَنَفِيُّ يَعْتَقِدُ عَدَمَ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِلَا قَبُولٍ فَيَقُولُ كَفَلَ، وَقَبِلَ الْمَكْفُولُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ وَيَذْكُرُ فِي الْقَرْضِ، وَأَقْرَضَهُ مِنْهُ مَالَ نَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا فِي الْإِقْرَاضِ مِنْ غَيْرِهِ وَالْوَكِيلُ سَفِيرٌ فِيهِ فَلَا يَمْلِكُ الطَّلَبَ وَيَذْكُرُ أَيْضًا قَبْضَ الْمُسْتَقْرِضِ
بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ إنْ كَانَ مَضْرُوبًا كَبُخَارِيِّ الضَّرْبِ وَصِفَتِهِ جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَفِي الْعِمَادِيِّ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ، وَأَحَدُهَا أَرَوْجُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى وَكَذَا فِي الشَّهَادَاتِ وَالِاسْتِحْلَافِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهِ حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزُوًّا فِي مَسْأَلَةِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدُوا عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ خِلَافًا لَهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَوْ شُرِطَ لَأُحْضِرَتْ، وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ فِي لَوْنِهَا ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ.
قُلْتُ: لَا تَدُلُّ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهَا وَالْقِيمَةُ كَافِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي دَعْوَى إحْضَارِ الْمُدَّعِي مَجْلِسَ الْحُكْمِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِأُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جَاحِدًا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَا يَلْزَمُ الْإِحْضَارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْأَمْرُ بِالْإِحْضَارِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ مُنْكِرًا أَمَّا لَوْ كَانَ مُودَعًا عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِإِحْضَارِهِ إذْ الْوَاجِبُ فِيهِ التَّخْلِيَةُ لَا نَقْلُهَا فَلَوْ أَنْكَرَ ذُو الْيَدِ الْإِحْضَارَ يَكُونُ مُحِقًّا، ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِهِ، وَأَرَادَ إحْضَارَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ يُقْبَلُ وَيُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إحْضَارِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إذَا ثَبَتَ فِي يَدِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَثْبُتْ خُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَبْقَى، وَلَا تَزُولُ بِشَكٍّ. اهـ.
أَطْلَقَ فِي لُزُومِ إحْضَارِهَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ أَمَّا مَا لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ وَتَفْسِيرُ الْحَمْلِ وَالْمُؤْنَةِ كَوْنُهُ بِحَالٍ يُحْمَلُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي بِأَجْرٍ لَا مَجَّانًا فَهَذَا مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَذَكَرَ بَعْدَهُ بِوَرَقَتَيْنِ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَقِيلَ مَا يَحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى مُؤْنَةٍ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا مَا لَا يَحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى الْمُؤْنَةِ كَمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ قَلِيلٍ، وَقِيلَ مَا اخْتَلَفَ سِعْرُهُ فِي الْبَلَدَانِ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ لَا مَا اتَّفَقَ. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ مَسَائِلَ فِيمَا إذَا وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ، وَإِلَّا فَلَا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ تَسَاهُلًا إذْ فِي دَعْوَى عَيْنٍ وَدِيعَةٍ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهَا إنَّمَا يُكَلَّفُ التَّخْلِيَةَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَكَرَ قِيمَتِهَا) أَيْ بِهَلَاكِهَا أَوْ غَيْبَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا التَّعَذُّرَ بِالْهَلَاكِ أَوْ الْغَيْبَةِ لِئَلَّا يَرِدَ الرَّحَى وَصُبْرَةُ الطَّعَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبْعَثُ أَمِينَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، وَفِي الدَّابَّةِ يُخَبَّرُ الْقَاضِي إنْ شَاءَ خَرَجَ إلَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ إلَيْهَا مَنْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ
ــ
[منحة الخالق]
وَصَرْفَهُ إلَى حَوَائِجِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا عِنْدَ الثَّانِي مَوْقُوفٌ عَلَى صَرْفِهِ وَاسْتِهْلَاكِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ إذَا حَضَرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا مَالِكٌ لَهُ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لِلْمُدَّعِي وَذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِيهِ إنَّمَا الْإِشْكَالُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّيْءِ وَلَمْ يَدَّعِ بِأَنَّهُ مِلْكِي، وَأَقَامَ الشُّهُودَ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يُقْبَلُ، وَهَلْ يُقْضَى بِالْمِلْكِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ نَعَمْ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا أَقَرَّ بِهَذَا الشَّيْءِ لَهُ تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَا لَمْ يَقُلْ أُقِرُّ بِهِ، وَهُوَ مِلْكِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يُوجِبُ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ أَقَرَّ بِهِ لِي يَصِيرُ مُدَّعِيًا بِالْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ فَلَمْ تُوجَدْ دَعْوَى الْمِلْكِ فَلِهَذَا شُرِطَ قَوْلُهُ وَهُوَ مِلْكِي بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ غَائِبَةً) الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ هَالِكَةً (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إذَا ثَبَتَ فِي يَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يَنْبَغِي لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُسَمَّى فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اسْتِصْحَابًا، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتِ قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَمِنْ الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ الِاسْتِصْحَابُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ وُجُودُهُ بِدَلِيلٍ ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَائِهِ، وَعِنْدَنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ إذْ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الدَّابَّةِ يُخَيَّرُ الْقَاضِي إلَخْ) ، وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ دَابَّةٌ وَلَا يَقَعُ بَصَرُ الْقَاضِي وَلَا يَتَأَتَّى الْإِشَارَةَ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي، وَهِيَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَأْمُرُ بِإِدْخَالِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَى «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام طَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَتِهِ» مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَوْقَ حُرْمَةِ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُ الْقَاضِي عَلَيْهَا فَلَا يُدْخِلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَا يَكُونُ مِنْهَا وَالْحَاجَةُ مُنْعَدِمَةٌ. اهـ
بِحَضْرَتِهَا كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِيهِ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً، وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ فَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ التَّفْصِيلِ، وَقِيلَ يُكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ ادَّعَى عَبِيدًا يُبَيِّنُ جِنْسَهُمْ وَسِنَّهُمْ وَصِفَتَهُمْ وَحِلْيَتَهُمْ، وَقِيمَتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي حَاضِرًا كَفَتْ الْإِشَارَةُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَعَذُّرِ إحْضَارِ الْعَيْنِ أَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ التَّعَذُّرِ فَلَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ فِي الدَّعْوَى إذَا كَانَتْ دَعْوَى سَرِقَةٍ لِيَعْلَمَ أَنَّهَا نِصَابٌ أَوْ لَا فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهَا. اهـ.
وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ بَيَانِ الْقِيمَةِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَاسْتَثْنَوْا مِنْهُ دَعْوَى الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ فَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ ادَّعَى عَيْنًا غَائِبًا لَا يُعْرَفُ مَكَانَهُ بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ قِنًّا، وَلَا يَدْرِي قِيَامَهُ، وَهَلَاكَهُ فَلَوْ بَيَّنَ الْجِنْسَ وَالصِّفَةَ وَالْقِيمَةَ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ قِيمَتَهُ أَشَارَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ إلَى أَنَّهَا تُقْبَلُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ دَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا، وَهُوَ يُنْكِرُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ أَمَةً وَبَرْهَنَ تُسْمَعُ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا إنَّمَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا ذَكَرَ الْقِيمَةَ، وَهَذَا تَأْوِيلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ فَيَثْبُتُ غَصْبُ الْقِنِّ بِإِقْرَارِهِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا.
وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْحَبْسِ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى الْحَبْسِ أَنْ يَحْبِسَهُ حَتَّى يُحْضِرَهُ لِيُعِيدَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ فَلَوْ قَالَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ حُبِسَ قَدْرَ مَا لَوْ قَدَرَ أَحْضَرَهُ ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْجِنْسِ وَالْقِيمَةِ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْقِيمَةِ لِلْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْتَفَى بِالْقِيمَةِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ فِيمَا إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ أَمَّا إذَا ادَّعَى قِيمَةَ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ وَجَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَدَعْوَى قِيمَةِ الْأَعْيَانِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا تَصِحُّ بِلَا بَيَانِ الْأَعْيَانِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا وَيُطَالَبُ بِالْقِيمَةِ، وَقَالَ فِي النِّصَابِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُطَالَبَةُ بِالْوَاجِبِ فَلَا تُرَدُّ الدَّعْوَى بِالِاحْتِمَالِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقِيلَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِإِغْنَاءِ الطَّلَبِ عَنْ ذَلِكَ. اهـ.
وَلَمْ يُفَرِّقْ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ دَعْوَى عَيْنٍ وَعَيْنٍ مَعَ أَنَّ دَعْوَى بَعْضِ الْأَعْيَانِ لَهُ شَرْطٌ آخَرُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي دَعْوَى الْإِيدَاعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِ الْإِيدَاعِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ أَوْ لَا، وَفِي الْغَصْبِ إنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ لَا يَصِحُّ بِلَا بَيَانِ الْمَكَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ يَصِحُّ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ) ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّعْرِيفُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ النَّقْلِ فَيُصَارُ إلَى التَّحْدِيدِ وَكَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ، وَإِذَا عَرَفَ الشُّهُودُ الدَّارَ بِعَيْنِهَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا حُدُودَهَا. اهـ.
أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ مَشْهُورًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ لِدَعْوَى الْعَقَارِ غَيْرَ التَّحْدِيدِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ بَلْدَةً فِيهَا الدَّارُ ثُمَّ الْمَحَلَّةَ ثُمَّ السِّكَّةَ فَيَبْدَأُ أَوَّلًا بِذِكْرِ الْكُورَةِ ثُمَّ الْمَحَلَّةِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ يَبْدَأَ أَوَّلًا بِالْأَعَمِّ ثُمَّ بِالْأَخَصِّ فَالْأَخَصِّ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ فَيَقُولُ دَارٌ فِي سِكَّةِ كَذَا فِي مَحَلَّةِ كَذَا فِي كُورَةِ كَذَا، وَقَاسَهُ عَلَى النَّسَبِ فَيُقَالُ فُلَانٌ ثُمَّ يُقَالُ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يَذْكُرُ الْجَدَّ فَبَدَأَ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ فَيَتَرَقَّى إلَى الْأَبْعَدِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَحْسَنُ إذْ الْعَامُّ يُعْرَفُ بِالْخَاصِّ لَا بِالْعَكْسِ، وَفَصْلُ النَّسَبِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ إذْ الْأَعَمُّ اسْمُهُ فَإِنَّ أَحْمَدَ فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ فَإِنْ عُرِفَ، وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْأَخَصِّ فَيَقُولُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي السِّرَاجِيَّةِ ادَّعَى عَبِيدًا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُقَابِلُ الصَّحِيحِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ إلَخْ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَنْ الشَّيْخِ عُمَرَ صَاحِبِ النَّهْرِ أَخِي الْمُؤَلِّفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ حَاضِرَةً لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ قِيمَتِهَا إلَّا فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ. اهـ.
قُلْت: فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُؤَلِّفِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فَلَا بَدَلَ قَوْلِهِ أَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ التَّعَذُّرِ فَلَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ يُقْضَى عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ) لَمْ يُبَيِّنْ الْحُكْمَ فِيمَا إذَا لَمْ يَدْرِ قِيمَتَهُ أَيْضًا، وَفِي الدُّرَرِ قَالَ فِي الْكَافِي، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ، وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا، وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذَكَرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْلَمُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ أَقُولُ: فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ. اهـ.
وَقَوْلُهُ: فَائِدَتُهَا تَوَجُّهُ الْيَمِينِ أَيْ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ، وَإِلَّا فَفَائِدَتُهَا الْحَبْسُ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ يَصِحُّ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَفِي غَصْبِ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ وَإِهْلَاكِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ غَصْبِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ أَخْذَ قِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ أَوْ يَوْمَ هَلَاكِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّهَا قِيمَةٌ أَيْ الْيَوْمَيْنِ وَلَوْ ادَّعَى أَلْفَ دِينَارٍ بِسَبَبِ إهْلَاكِ الْأَعْيَانِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهَا فِي مَوْضِعِ الْإِهْلَاكِ، وَكَذَا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ قِيَمِيٌّ وَمِنْهَا مَا هُوَ مِثْلِيٌّ. اهـ.
وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ مُحَمَّدٍ فَإِنْ عُرِفَ، وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْجَدِّ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ يُكْتَبُ فِي الْحَدِّ ثُمَّ يَنْتَهِي إلَى كَذَا أَوْ يُلَاصِقُ كَذَا أَوْ لَزِيقُ كَذَا، وَلَا يَكْتُبُ أَحَدَ حُدُودِهِ كَذَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ كَتَبَ أَحَدَ حُدُودِهِ دِجْلَةَ أَوْ الطَّرِيقَ أَوْ الْمَسْجِدَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلَا تَدْخُلُ الْحُدُودُ فِي الْبَيْعِ إذْ قَصْدُ النَّاسِ بِهِ إظْهَارُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ لَكِنْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ الْبَيْعُ فَاسِدٌ إذْ الْحُدُودُ فِيهِ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ فَاخْتَرْنَا يَنْتَهِي أَوْ لَزِيقَ أَوْ يُلَاصِقُ تَحَرُّزًا عَنْ الْخِلَافِ؛ وَلِأَنَّ الدَّارَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْبَيْعِ هِيَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ فَأَمَّا ذَلِكَ الْمَوْضِعُ الْمُنْتَهَى إلَيْهِ فَقَدْ جُعِلَ حَدًّا، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَا يَدْخُلُ الْحَدُّ فِي الْبَيْعِ فَالْمُنْتَهَى إلَى الدَّارِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ عِنْدَ ذِكْرِ قَوْلِنَا بِحُدُودِهِ يَدْخُلُ فِي الْمَبِيعِ وِفَاقًا. اهـ.
ثُمَّ قَالَ الطَّرِيقُ يَصْلُحُ حَدًّا، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى بَيَانِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ فَإِنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُبَيِّنَهَا بِالذَّرْعِ، وَالنَّهْرُ لَا يَصْلُحُ حَدًّا عِنْدَ الْبَعْضِ، وَكَذَا السُّورُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصْلُحُ حَدًّا وَالْخَنْدَقُ كَنَهْرٍ، وَلَوْ حُدَّ بِأَنَّهُ لَزِيقُ أَرْضِ فُلَانٍ، وَلِفُلَانٍ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّتِي فِيهَا الْمُدَّعَاةُ أَرَاضٍ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مُخْتَلِفَةٌ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ ثُمَّ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ وَالْحِيَاضِ الْعَامَّةِ لِتَتَمَيَّزَ، وَمَا يَكْتُبُونَ فِي زَمَانِنَا، وَقَدْ عَرَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَأَحَاطَا بِهِ عِلْمًا فَقَدْ اسْتَرْذَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ إذْ الْمَبِيعُ لَا يَصِيرُ بِهِ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي عِنْدَ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ بَيِّنْ حُدُودَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ كَرْمٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَشَهِدَا كَذَلِكَ قِيلَ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى، وَلَا الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ تُسْمَعُ، وَلَوْ بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ ثُمَّ قَالَ ادَّعَى سُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهِ وَبَيِّنْ حُدُودَهُ، وَلَا يَصِحُّ إذْ السُّكْنَى نَقْلِيٌّ فَلَا يُحَدُّ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ السُّكْنَى نَقْلِيًّا لَكِنْ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ كَانَ تَعْرِيفُهُ بِمَا بِهِ تَعْرِيفُ الْأَرْضِ إذْ فِي سَائِرِ النَّقْلِيَّاتِ إنَّمَا لَا يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ لِإِمْكَانِ إحْضَارِهِ فَيُسْتَغْنَى بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ عَنْ الْحَدِّ أَمَّا السُّكْنَى فَنَقْلُهُ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ فِي الْبِنَاءِ تَرْكِيبَ قَرَارٍ فَالْتَحَقَ بِمَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ أَصْلًا شَرَى عُلُوَّ بَيْتٍ لَيْسَ لَهُ سُفْلٌ يَحُدُّ السُّفْلُ لَا الْعُلُوَّ إذْ السُّفْلُ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ الْعُلُوِّ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْدِيدِهِ وَتَحْدِيدُهُ يُغْنِي عَنْ تَحْدِيدِ الْعُلُوِّ إذْ الْعُلُوُّ عُرِفَ بِتَحْدِيدِ السُّفْلِ؛ وَلِأَنَّ السُّفْلَ أَصْلٌ وَالْعُلُوَّ تَبَعٌ فَتَحْدِيدُ الْأَصْلِ أَوْلَى هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْعُلُوِّ حُجْرَةٌ فَلَوْ كَانَتْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ الْعُلُوُّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَبِيعُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ، وَهُوَ يَحُدُّهُ، وَقَدْ أَمْكَنَ. اهـ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الْعَقَارُ كَسَلَامٍ كُلُّ مِلْكٍ ثَابِتٍ لَهُ أَصْلٌ كَالدَّارِ وَالنَّخْلِ وَرُبَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَتَاعِ، وَالْجَمْعُ عَقَارَاتٌ. اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ الْعَقَارُ الضَّيْعَةُ، وَقِيلَ كُلُّ مَالٍ لَهُ أَصْلٌ كَالدَّارِ وَالضَّيْعَةِ. اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ادَّعَى طَاحُونَةً وَحْدَهَا وَذَكَرَ أَدَوَاتِهَا الْعَامَّةَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الْأَدَوَاتِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّتَهَا فَقَدْ قِيلَ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى، وَقِيلَ تَصِحُّ إذَا ذَكَرَ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ الْأَدَوَاتِ الْقَائِمَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ مَشَايِخُنَا فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالنَّخْلَ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إذَا بِيعَا بِلَا عَرْصَةٍ فَإِنْ بِيعَا مَعَهَا وَجَبَتْ تَبَعًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ فَجَعَلَ النَّخِيلَ مِنْ الْعَقَارِ، وَأَفْتَى بِهِ وَنُبِّهَ فَلَمْ يَرْجِعْ كَعَادَتِهِ.
وَقَيَّدَ بِدَعْوَى الْمَحْدُودِ إذْ لَوْ ادَّعَى ثَمَنَ مَحْدُودٍ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ حُدُودِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَلَوْ ادَّعَى ثَمَنَ مَبِيعٍ لَمْ يُقْبَضْ لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِ الْمَبِيعِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى ثَمَنَ مَبِيعٍ قُبِضَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ إحْضَارُهُ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الدَّيْنِ حَقِيقَةً. اهـ.
(قَوْلُهُ وَكَفَتْ ثَلَاثَةٌ) لِوُجُودِ الْأَكْثَرِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكْتَفَى بِاثْنَيْنِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ الْمُدَّعَى بِهِ، وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْغَلَطُ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ إنِّي غَلِطْت فِيهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ، وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى غَلَطِ الشَّاهِدِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَجَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَجَابَ الْمُدَّعِي فَقَدْ صَدَّقَهُ أَنَّ الْمُدَّعِي بِهَذِهِ الْحُدُودِ فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي بِدَعْوَى الْغَلَطِ مُنَاقِضًا بَعْدَهُ أَوْ نَقُولُ
ــ
[منحة الخالق]
الْمُؤَلِّفُ آنِفًا عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ ادَّعَى سُكْنَى دَارٍ) ضَمِيرُ قَالَ لِصَاحِبِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْنَى مَا رُكِّبَ فِي الْأَرْضِ كَمَا يَظْهَرُ مِمَّا بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ: إنْ كَانَ السُّكْنَى نَقْلِيًّا إلَخْ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ رَمَزَ لَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ (فش) بِعَلَامَةِ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ (قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِمَا إلَخْ) يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مُحْتَكَرَةً وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ بِالْأَرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ لِأَنَّهُ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الشُّفْعَةِ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ: وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمَتْنِ، وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا إلَخْ عَنْ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ، وَإِنْ فَاسِقًا أَجَابَهُ وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ لِأَنَّ الثَّمَرَ نَقْلِيٌّ. اهـ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ، وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ هُنَاكَ أَقُولُ: نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ الشَّجَرَ عَقَارٌ. اهـ.
قُلْت وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ الْمِصْبَاحِ نَعَمْ إذَا قِيلَ إنَّهُ عَقَارٌ يُبْتَنَى عَلَيْهِ وُجُوبُ التَّحْدِيدِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَكَيْفَ يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي شَجَرَةِ بُسْتَانٍ بَيْنَ أَشْجَارٍ كَثِيرَةٍ (قَوْلُهُ: فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي بِدَعْوَى الْغَلَطِ مُنَاقِضًا بَعْدَهُ)
تَفْسِيرُ دَعْوَى الْغَلَطِ فِي أَحَدِ الْحُدُودِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ أَوْ يَقُولَ صَاحِبُ الْحَدِّ لَيْسَ بِهَذَا الِاسْمِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ وَكُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ وَالشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ. اهـ.
وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ الْخَصَّافُ إذَا قَضَيْت بِثَلَاثَةِ حُدُودٍ أَجْعَلُ الْحَدَّ الرَّابِعَ يَمْضِي بِإِزَاءِ الْحَدِّ الثَّالِثِ حَتَّى يُحَاذِيَ الْحَدَّ الْأَوَّلَ يَعْنِي عَلَى الِاسْتِقَامَةِ. اهـ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ شَهِدَ عَلَى دَعْوَى أَرْضٍ أَنَّهَا خَمْسَةُ مَكَايِيلَ، وَأَصَابَ فِي بَيَانِ حُدُودِهَا، وَأَخْطَأَ فِي الْمِقْدَارِ قُبِلَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا) أَيْ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ، وَأَسْمَاءَ أَنْسَابِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا) ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا اكْتَفَى بِذِكْرِهِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِشُهْرَةِ الدَّارِ عَنْ تَحْدِيدِهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَدُّ لَزِيقُ أَرْضِ وَقْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْوَاقِفِ وَحْدَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْمَصْرِفَ، وَأَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ. وَلَوْ قَالَ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ كَذِكْرِ الْوَاقِفِ، وَقِيلَ لَا، وَلَوْ قَالَ لَزِيقُ مِلْكِ وَرَثَةِ فُلَانٍ لَا يَكْفِي إذْ الْوَرَثَةُ مَجْهُولُونَ مِنْهُمْ ذُو فَرْضٍ، وَمِنْهُمْ عَصَبَةٌ، وَمِنْهُمْ ذُو رَحِمٍ فَجُهِلَتْ فَاحِشَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ لِجَهَالَتِهِ فِي الْوَارِثِ، وَقِيلَ يَصِحُّ لَوْ كَتَبَ لَزِيقُ أَرْضِ وَرَثَةِ فُلَانٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قِيلَ يَصِحُّ، وَقِيلَ لَا كَتَبَ لَزِيقَ دَارٍ مِنْ تَرِكَةِ فُلَانٍ يَصِحُّ حَدًّا كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْ جَعَلَ أَحَدَ حُدُودِهِ أَرْضًا لَا يَدْرِي مَالِكَهَا لَا يَكْفِي مَا لَمْ يُقَلْ هُوَ فِي يَدِ فُلَانٍ حَتَّى تَحْصُلَ الْمَعْرِفَةُ، وَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضَ الْمَمْلَكَةِ يَصِحُّ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ؛ لِأَنَّ أَرْضَ الْمَمْلَكَةِ فِي يَدِ السُّلْطَانِ بِوَاسِطَةِ يَدِ نَائِبِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ اسْمَ ذِي الْيَدِ يَكْفِي لَوْ كَانَ الْحَدُّ أَرْضًا لَا يَدْرِي مَالِكُهُ. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ ذِكْرَ الْكُنْيَةِ بِالْأَبِ أَوْ الِابْنِ لَا تَكْفِي عَنْ الْحَدِّ إلَّا إذَا كَانَ مَشْهُورًا كَأَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْحِرْفَةِ لَا يَكْفِي عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصِّنَاعَةِ كَفَى، وَإِنْ نَسَبَهَا إلَى زَوْجِهَا يَكْفِي وَالْمَقْصُودُ الْإِعْلَامُ، وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَ الْمَوْلَى وَاسْمَ أَبِيهِ لَا غَيْرُ ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَكْفِي وَبِهِ يُفْتِي لِحُصُولِ التَّعْرِيفِ بِذِكْرِ ثَلَاثَةٍ الْعَبْدُ وَالْمَوْلَى، وَأَبُوهُ. اهـ.
وَقِيَاسُهُ فِي بَيَانِ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ وَرُبَّمَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذِكْرِ الْجَدِّ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ جَدَّهُ لَا يُمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا بِذِكْرِ مَوَالِيهِ أَوْ ذِكْرِ حِرْفَتِهِ أَوْ وَطَنِهِ أَوْ دُكَّانِهِ أَوْ حِلْيَتِهِ فَإِنَّ التَّمْيِيزَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَلْيَحْصُلْ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. اهـ.
وَأَمَّا حُكْمُ الشَّهَادَةِ بِالْمَحْدُودِ فَفِي دَعْوَى الْخَانِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فِي فَصْلِ دَعْوَى الدُّورِ وَالْأَرَاضِي فَلْيُرَاجِعْ مَنْ أَرَادَهُ فِي شَهَادَةِ الْخِزَانَةِ رَجُلٌ أَشْهَدَ عَلَى مِلْكِ دَارٍ بِعَيْنِهَا
ــ
[منحة الخالق]
قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ الْمُدَّعِي بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ لَك فَلَا يَكُونُ حِينَئِذٍ بِدَعْوَى الْغَلَطِ بَعْدَهُ مُنَاقِضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلَ، وَأَيْضًا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلَطَ بِمُخَالَفَتِهِ لِتَحْدِيدِ الْمُدَّعِي فَلَا تَنَاقُضَ.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ نَفْيٌ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: لَوْ قَالَ بَعْضُ حُدُودِهِ كَذَا لَا مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ وَالْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إثْبَاتُهُ أَنَّ بَعْضَ حُدُودِهِ كَذَا فَيَنْتَفِي مَا ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي ضِمْنًا فَيَكُونُ شَهَادَةً عَلَى الْإِثْبَاتِ لَا عَلَى النَّفْيِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي فَصْلِ التَّنَاقُضِ أَنَّهُ ادَّعَى دَارًا مَحْدُودَةً فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكِي، وَفِي يَدِي ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ غَلِطَ فِي بَعْضِ حُدُودِهِ لَمْ يُسْمَعْ؛ لِأَنَّ جَوَابَهُ إقْرَارٌ بِأَنَّهُ بِهَذِهِ الْحُدُودِ، وَهَذَا إذَا أَجَابَ بِأَنَّهُ مِلْكِي أَمَّا لَوْ أَجَابَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا مِلْكُك وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يُمْكِنُ الدَّفْعُ بَعْدَهُ بِخَطَأِ الْحُدُودِ كَذَا حُكِيَ عَنْ (طَه) أَنَّهُ لَقَّنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّفْعَ بِخَطَأِ الْحُدُودِ أَقُولُ: دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ بَرْهَنَ عَلَى الْغَلَطِ يُقْبَلُ فَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْجَوَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَالْحَقُّ مَا قُلْت مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ فِي هَذَا الْبَحْثِ مَحَلُّ نَظَرٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ وَلَوْ شَهِدَ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ شَهِدَا بِمِلْكِيَّةِ أَرْضٍ وَحَدَّاهُ، وَقَالَا هُوَ بِمِقْدَارِ خَمْسَةِ مَكَايِيلَ بَذْرٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ، وَأَصَابُوا فِي الْحَدِّ لَا الْمِقْدَارِ فَظَهَرَ أَنَّهُ يَسَعُ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَكَايِيلَ بَذْرٍ قِيلَ تُرَدُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ إذْ بَيَانُ الْقَدْرِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَصَارَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً وَنَصَّ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ ذِكْرَ الشَّاهِدِ فِي شَهَادَتِهِ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحُكْمِ بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَلَا ذِكْرَهُ سَوَاءٌ، وَقِيلَ لَوْ شَهِدَ بِحَضْرَةِ الْأَرْضِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ يُقْبَلُ وَيَلْغُو ذِكْرُ الْوَصْفِ وَهُوَ قَدْرُ الْبَذْرِ، وَلَوْ شَهِدَا بِغَيْبَةِ الْأَرْضِ لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا مِلْكِيَّةُ أَرْضٍ يَسَعُ فِيهِ خَمْسَةُ مَكَايِيلَ بَذْرٍ أَقُولُ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الْوَصْفَ فِي الْإِشَارَةِ لَغْوٌ فِي الْبَيْعِ وَالْأَثْمَانِ أَمَّا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ لَوْ شَهِدَا بِوَصْفٍ فَظَهَرَ خِلَافُهُ لَا يُقْبَلُ إلَخْ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ اخْتِلَافًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَدُّ لَزِيقَ أَرْضِ وَقْفٍ إلَخْ) عِبَارَةُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ ذَكَرَ فِي الْحَدِّ لَزِيقَ أَرْضِ الْوَقْفِ لَا يَكْفِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوْ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَنَحْوِهِ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا، وَمَا يَتْلُوهُ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ إلَّا بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ تَضْيِيقٌ بِلَا ضَرُورَةٍ (فش) جَعَلَا أَحَدَ الْحُدُودِ أَرْضَ الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِ كَذَا وَلَمْ يَذْكُرَا أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ لَا يَصِحُّ وَلَوْ ذَكَرَ أَرْضَ الْوَقْفِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا يَجُوزُ وَيَكُونُ كَذِكْرِ الْوَاقِفِ، وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ التَّعْرِيفُ بِذِكْرِ الْوَاقِفِ
إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حُدُودَهَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ الثِّقَاتِ عَنْ حُدُودِهَا لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ يَشْهَدُ بِالدَّارِ عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَا يَشْهَدُ بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَلَى إقْرَارِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ كَاذِبًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِنَّمَا جَعَلْت الضَّمِيرَ عَائِدًا إلَى الْمُدَّعَى الشَّامِلِ لِلْمَنْقُولِ وَالْعَقَارِ، وَلَمْ أَخْصُصْهُ بِالْعَقَارِ كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِيهِمَا، وَفِي الْمَنْقُولِ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ إذْ الشَّيْءُ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ بِحَقٍّ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ غَصَبَ قِنًّا فَبَرْهَنَ آخَرُ أَنَّهُ لَهُ، وَقُضِيَ لَهُ بِهِ ثُمَّ بَرْهَنَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى الْغَاصِبِ أَنَّهُ لَهُ لَا تُقْبَلُ إذْ دَعْوَى الْمِلْكِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ لَكِنْ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ أَنَّك غَصَبْتَ مِنِّي تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ دَعْوَاهُ الضَّمَانَ عَلَى الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ تَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ فِي يَدِ غَاصِبِ الْغَاصِبِ، وَفِي دَعْوَى غَاصِبِ نِصْفِ الدَّارِ شَائِعًا هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ كَوْنَ جَمِيعِ الدَّارِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قِيلَ يُشْتَرَطُ إذْ غَصْبُ نِصْفِهِ شَائِعًا لَا يَكُونُ إلَّا بِكَوْنِ كُلِّهِ بِيَدِهِ، وَقِيلَ غَصْبُ نِصْفِهِ شَائِعًا يُتَصَوَّرُ بِأَنْ تَكُونَ الدَّارُ بَيْنَهُمَا فَغَصَبَ مِنْ أَحَدِهِمَا يَكُونُ غَصْبًا لِنِصْفِهِ شَائِعًا. اهـ.
قَيَّدَ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُمْ إذَا شَهِدُوا بِمَنْقُولٍ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا بِالْمِلْكِ، وَمِلْكُ الْإِنْسَانِ لَا يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِهِ إلَّا بِعَارِضٍ وَالْبَيِّنَةُ تَكُونُ عَلَى مُدَّعِي الْعَارِضِ، وَلَا تَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَصْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا تُقْطَعُ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَفِيمَا سِوَى الْعَقَارِ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَرَاهُ فِي يَدِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيَانِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) نَفْيًا لِتُهْمَةِ الْمُوَاضَعَةِ إذْ الْعَقَارُ عَسَاهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ قَيَّدَ بِالدَّعْوَى لِمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ شَهِدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَمْ يَقُولُوا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يُفْتَى بِالْقَبُولِ قَالَ الصَّدْرُ الْأَجَلُّ الْحَلْوَانِيُّ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَقِيلَ يَقْضِي فِي الْمَنْقُولِ، وَلَا يَقْضِي فِي الْعَقَارِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ.
حَتَّى قَالُوا لَوْ سَأَلَ الْقَاضِي الشَّاهِدَ أَهُوَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَالَ لَا أَدْرِي يُقْبَلُ عَلَى الْمَالِكِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى الصُّغْرَى ادَّعَى عَلَى آخَرَ ضَيْعَةً أَنَّهَا لَهُ فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْمِلْكِ لَهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْيَدَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ يَعْلَمُ الْحَاكِمُ، وَفِيهِ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَيْسَ الْعَقَارُ فِي يَدِي يُحَلِّفُهُ حَتَّى يُقِرَّ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْيَدِ يُحَلِّفُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَهُ حَتَّى يُقِرَّ بِالْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي فَإِذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ يَأْمُرُهُ بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَكِنْ إنْ أَرَادَ أَنْ يُبَرْهِنَ أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يَبْعُدُ عَنْ الْعَقَارِ عَادَةً فَأَمْكَنَ أَنْ يَتَوَاضَعَ اثْنَانِ وَيُقِرَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَيُبَرْهِنُ الْآخَرُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ وَيُسَامِحُ فِي الشُّهُودِ ثُمَّ يَدْفَعُ الْمَالِكُ مُعَلِّلًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَهَذِهِ التُّهْمَةُ فِي الْمَنْقُولِ مُنْتَفٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ الْمَنْقُولِ عَادَةً بَلْ يَكُونُ فِي يَدِهِ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ ثَابِتَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَيَقْضِي فِي الْمَنْقُولِ بِإِقْرَارِهِ بِالْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْكُتُبِ. اهـ.
وَهَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ ثُبُوتَ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْعِلْمِ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا هُوَ لِصِحَّةِ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ بِالْبَيِّنَةِ لَا لِصِحَّةِ الدَّعْوَى كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمُتُونِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا لَمْ يَحْلِفْ قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الدَّعَاوَى الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْعَقَارِ إذَا ادَّعَاهُ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَمَّا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ، وَإِقْرَارَهُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَأَنْكَرَ الشِّرَاءَ، وَأَقَرَّ بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِهِ فِي يَدِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ
ــ
[منحة الخالق]
مَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ فِي يَدِ مَنْ (عَدَّهُ) لَوْ كَانَ الْحَدُّ أَرْضَ الْوَقْفِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْمَصْرِفَ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِ ذِي الْيَدِ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ الْمُدَّعِي كَوْنَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ دَعْوَى الضَّمَانِ وَكَذَا دُونَ دَعْوَى الشِّرَاءِ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَانْدَفَعَ بِهِ مَا قِيلَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ) أَجَابَ فِي الدُّرَرِ عَنْ اعْتِرَاضِ الْوِقَايَةِ وَاعْتَرَضَهُ مُحَشُّوهُ وَلِلْمُحَقِّقِ سَعْدِيٍّ جَلْبِي فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ تَحْقِيقٌ نَفِيسٌ فِي هَذَا الْمَحَلِّ فَرَاجِعْهُ
عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَدَّعِي عِلَّتَهُ التَّمْلِيكَ وَالتَّمَلُّكَ، وَهُوَ كَمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ ذِي الْيَدِ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْضًا فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ بِالْإِقْرَارِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى أَمَّا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَدَعْوَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ بِإِزَالَةِ الْيَدِ، وَطَلَبُ إزَالَتِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ صَاحِبِ الْيَدِ وَبِإِقْرَارِهِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُهُ ذَا يَدٍ لِاحْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ إنَّمَا هُوَ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَمَّا فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ فَلَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ فِي الْعَقَارِ لَا تُسْمَعُ إلَّا عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ وَدَعْوَى الْيَدِ تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِ صَاحِبِ الْيَدِ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ يُنَازِعُهُ فِي الْيَدِ فَيُجْعَلُ مُدَّعِيًا لِلْيَدِ مَقْصُودًا، وَمُدَّعِيًا لِلْمِلْكِ تَبَعًا لِمِلْكِ الْيَدِ. اهـ.
وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَطْلَقَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ أَنَّهُ يَصِحُّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَقَارِ بِلَا بَيَانِ سَبَبِ الْمِلْكِ، وَفِي دَعْوَى الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ التَّنَاقُضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَشَايِخَ فَرْغَانَةَ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّرْطَ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ فِي بِلَادٍ قَدُمَ بِنَاؤُهَا بَيَانُ السَّبَبِ، وَلَا تُسْمَعُ فِيهِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ دَعْوَى الْمِلْكِ مِنْ الْأَصْلِ بِسَبَبِ الْخُطَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ كَذِبًا لَا مَحَالَةَ فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِالْمُطْلَقِ لَمَا قُلْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَذَلِكَ إمَّا سَبَبٌ مَجْهُولٌ أَوْ مَعْلُومٌ فَالْمَجْهُولُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِهِ لِلْجَهَالَةِ وَالْمَعْلُومُ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُدَّعِي إيَّاهُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَوْ فُرِضَ بِسَبَبٍ حَادِثٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السَّبَبُ شِرَاءَ ذِي الْيَدِ مِنْ آخَرَ ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ سَابِقًا عَلَى تَمَلُّكِ ذِي الْيَدِ فَيُمْنَعُ الرُّجُوعُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا فَلَا يُمْنَعُ الرُّجُوعُ فَيَشْتَبِهُ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الْمَنْقُولِ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّمَلُّكِ مِنْ الْأَصْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ) أَيْ وَذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّهُ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِالْمُطَالَبَةِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ، وَهُوَ بِالْوَصْفِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ نَقْدًا وَغَيْرَهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ فِي دَعْوَى الْمِثْلِيَّاتِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الْجِنْسَ وَالنَّوْعَ وَالصِّفَةَ وَالْقَدْرَ وَسَبَبَ الْوُجُوبِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخِزَانَةِ، وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بِأَيِّ سَبَبٍ لَا تُسْمَعُ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِسَبَبِ السَّلَمِ فَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ أَوْ بِسَبَبِ كَوْنِهَا ثَمَنَ الْمَبِيعِ يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْقَرْضِ وَالْبَيْعِ مَكَانَ الْإِيفَاءِ، وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِتَسْلِيمِ الْحِنْطَةِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ. اهـ.
وَفِيهَا، وَفِي دَعْوَى الْقَرْضِ يَذْكُرُ أَنَّ الْمُقْرِضَ أَقْرَضَهُ كَذَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا بِالْإِقْرَاضِ، وَالْوَكِيلُ بِالْإِقْرَاضِ سَفِيرٌ وَمُعِيرٌ لَا يُطَالِبُ بِالْأَدَاءِ وَيَذْكُرُ أَيْضًا وَصَرَفَ الْمُسْتَقْرِضُ ذَلِكَ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْمُسْتَقْرَضُ لَا يَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ إلَّا بِصَرْفِهِ فِي حَوَائِجِ نَفْسِهِ، وَفِي الْقَرْضِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَيَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ. اهـ.
وَأَمَّا الدَّعْوَى بِسَبَبِ الْإِقْرَارِ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ فَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمَشَايِخِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي طَرَفِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا تُسْمَعُ، وَإِنْ فِي طَرَفِ الدَّفْعِ تُسْمَعُ، وَالْبَيَانُ مَعَ التَّمَامِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخِزَانَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا قُلْنَا؛ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الذِّمَّةِ قَدْ حَضَرَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْمُطَالَبَةُ هَكَذَا جُزِمَ بِهِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَفْظَ وَأُطَالِبُهُ بِهِ بَلْ هُوَ أَوْ مَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ مَرَّةً لِيُعْطِنِي حَقِّي كَمَا فِي الْعُمْدَةِ، وَأَمَّا أَصْحَابُ الْفَتَاوَى كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَجَعَلُوا اشْتِرَاطَهُ قَوْلًا ضَعِيفًا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَ لِي عَلَيْهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَقُلْ مَرَّةً لِيُعْطِنِي حَقِّي هَذَا فِي النَّوَازِلِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى. اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا نَبَّهَ عَلَيْهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ فِي كَلَامِ أَصْحَابِ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ فِي الدَّعْوَى قُصُورًا فَإِنَّهُمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ اشْتِرَاطَ إلَخْ) أَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَقَعُ كَثِيرًا وَيَغْفُلُ الْقُضَاةُ عَنْهَا فِي زَمَانِنَا حَيْثُ لَا يَتَعَرَّضُونَ إلَى الْبَيِّنَةِ عَلَى الْيَدِ مُطْلَقًا فَلِذَا نَظَمْتهَا بِقَوْلِي
وَالْيَدُ لَا تَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ
…
مَعَ التَّصَادُقِ فَلَا تُمَارِي
فَيَلْزَمُ الْبُرْهَانُ مَا لَمْ يَدَّعِ
…
عَلَيْهِ غَصْبًا أَوْ شِرَاءً مُدَّعِي
لَمْ يُبَيِّنُوا بَقِيَّةَ شَرَائِطِ دَعْوَى الدَّيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا دَعْوَى الْعَقْدِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي دَعْوَى الْبِضَاعَةِ الْوَدِيعَةِ بِسَبَبِ الْمَوْتِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ مَوْتِهِ إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ مَوْتِهِ، وَفِي دَعْوَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِ الْمُضَارِبِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ يَوْمَ مَوْتِهِ نَقْدٌ أَوْ عَرَضٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَرَضًا فَلَهُ وِلَايَةُ دَعْوَى قِيمَةِ الْعَرَضِ، وَفِي دَعْوَى مَالِ الشَّرِكَةِ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَنَّهُ مَاتَ مُجْهِلًا لِمَالِ الشَّرِكَةِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي بِمَالِ الشَّرِكَةِ إذْ مَالُ الشَّرِكَةِ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ وَالْمُشْتَرَى بِمَالِ الشَّرِكَةِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ.
وَلَوْ ادَّعَى مَالًا بِكَفَالَةٍ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَالِ أَنَّهُ بِأَيِّ سَبَبٍ لِجَوَازِ بُطْلَانِهَا إذْ الْكَفَالَةُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُذْكَرْ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ يَقُولَ مَا عِشْت أَوْ مَا دَامَتْ فِي نِكَاحِهِ، وَالْكَفَالَةُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ لَا تَصِحُّ، وَكَذَا بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ، وَأَجَارَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ مَالًا عَلَى وَرَثَةِ الزَّوْجِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ تُبَيِّنْ السَّبَبَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَيْنَ النَّفَقَةِ، وَهِيَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لَوْ كَتَبَ تُوُفِّيَ بِلَا أَدَائِهِ وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ بِيَدِ هَذَا الْوَارِثِ مَا يَفِي تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَعْيَانَ التَّرِكَةِ وَبِهِ يُفْتَى.
لَكِنْ إنَّمَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْوَارِثَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ لَوْ ثَبَتَ وُصُولُ التَّرِكَةِ إلَيْهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ وُصُولَهَا إلَيْهِ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ، وَلَوْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبِ الْوِرَاثَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ كُلِّ وَرَثَتِهِ، وَفِي دَعْوَى السِّعَايَةِ لَا يَجِبُ ذِكْرُ قَابِضِ الْمَالِ، وَلَكِنْ فِي مَحْضَرِ دَعْوَاهَا لَا بُدَّ أَنْ يُفَسِّرَ السِّعَايَةَ لِنَنْظُرَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ سَعَى بِحَقٍّ فَلَا يَضْمَنُ، وَلَوْ ادَّعَى الضَّمَانَ عَلَى الْآمِرِ أَنَّهُ أَمَرَ فُلَانًا، وَأَخَذَ مِنْهُ كَذَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى الْآمِرِ لَوْ سُلْطَانًا، وَإِلَّا فَلَا، وَأَمَّا دَعْوَى الْعَقْدِ مِنْ بَيْعٍ، وَإِجَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الطَّوْعِ وَالرَّغْبَةِ بِأَنْ يَقُولَ بَاعَ مِنْهُ طَائِعًا وَرَاغِبًا فِي حَالِ نَفَاذِ تَصَرُّفِهِ لِاحْتِمَالِ الْإِكْرَاهِ، وَفِي ذِكْرِ التَّخَارُجِ وَالصُّلْحِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنْوَاعِ التَّرِكَةِ وَتَحْدِيدِ الْعَقَارِ وَبَيَانِ قِيمَةِ كُلِّ نَوْعٍ لِيَعْلَمَ أَنَّ الصُّلْحَ لَمْ يَقَعْ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ قِيمَةِ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَهْلَكُوا التَّرِكَةَ ثُمَّ صَالَحُوا الْمُدَّعِيَ عَلَى أَزْيَدَ مِنْ نَصِيبِهِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُمْ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَفِي دَعْوَى الْبَيْعِ مُكْرَهًا لَا حَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْمُكْرَهِ هَذَا مَا حَرَّرْته مِنْ كَلَامِهِمْ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) لِيَنْكَشِفَ وَجْهُ الْحُكْمِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَصِحَّ لَا يَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنْهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ لَهَا بِخِلَافِ الصَّحِيحَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ جَوَابُهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمُدَّعِي، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ إذَا حَضَرَ الْخَصْمَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ مَالَكُمَا، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ حَتَّى يَبْتَدِئهُ بِالْكَلَامِ، وَإِذَا تَكَلَّمَ الْمُدَّعِي يَسْكُتُ الْآخَرُ وَيَسْمَعُ مَقَالَتَهُ فَإِذَا فَرَغَ يَقُولُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي مَاذَا تَقُولُ، وَقِيلَ إنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ جَاهِلًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدُونِ طَلَبِ الْمُدَّعِي. اهـ.
وَفِي شَهَادَاتِ الْخِزَانَةِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَ رَجُلًا يُعَلِّمُ الْمُدَّعِيَ الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةَ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا، وَلَا يُحْسِنُهَا. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ ذَا الْيَدِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الضَّيْعَةِ بِالدَّعْوَى وَطَلَبِ الْمُدَّعِي ذَلِكَ. اهـ.
وَسَيَأْتِي (قَوْلُهُ فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي قُضِيَ عَلَيْهِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ لِلْقَضَاءِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَفْظُ الْقَضَاءِ فِي الْإِقْرَارِ مَجَازٌ لِلُزُومِهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ حُجَّةً بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ الْحُكْمُ إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجَبِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ وَبِالْقَضَاءِ يَصِيرُ حُجَّةً وَيَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ. اهـ. وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَلَبَ الْخَصْمِ الْقَضَاءَ بَعْدَ الْحُجَّةِ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُعْلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَضَاءَ، وَهَذَا أَدَبٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَكَذَا قَوْلُ الْقَاضِي أَحْكُمُ أَدَبٌ غَيْرُ لَازِمٍ. اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْهِلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا اسْتَمْهَلَهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ قَالَ الْمَطْلُوبُ لِيَدْفَعَ، وَإِنَّمَا يُمْهِلُهُ هَذِهِ الْمُدَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ جُمُعَةٍ فَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَمَعَ هَذَا يُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ جَازَ فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَلَمْ يَأْتِ بِالدَّفْعِ حَكَمَ. اهـ.
وَلِذَا كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى السِّعَايَةِ) أَيْ السِّعَايَةِ بِهِ إلَى الْحَاكِمِ.
شَرَائِطِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُقَامُ إلَّا عَلَى مُنْكِرٍ فَلَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ وَكَتَبْنَا فِي فَوَائِدِ كِتَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهَا تُقَامُ عَلَى الْمُقِرِّ فِي وَارِثٍ مُقِرٍّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَتُقَامُ عَلَيْهِ لِلتَّعَدِّي، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ فَبَرْهَنَ الْوَصِيُّ، وَفِي مُدَّعًى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ فَيُثْبِتُهَا الْوَكِيلُ ثُمَّ زِدْت الْآنَ رَابِعًا مِنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ الْمَرْجُوعُ عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ أَقَرَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَمَعَ ذَلِكَ بَرْهَنَ الرَّاجِعُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى بَائِعِهِ إذْ الْحُكْمُ وَقَعَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُثْبِتَ عَلَيْهِ الِاسْتِحْقَاقَ لِيُمْكِنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى بَائِعِهِ، وَفِيهِ لَوْ بَرْهَنَ الْمُدَّعِي ثُمَّ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ لَهُ يُقْضَى لَهُ بِإِقْرَارٍ لَا بِبَيِّنَةٍ إذْ الْبَيِّنَةُ إنَّمَا تُقْبَلُ عَلَى الْمُنْكِرِ لَا عَلَى الْمُقِرِّ. اهـ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إقَامَتِهَا مَعَ الْإِقْرَارِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَتَوَقَّعُ الضَّرَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُقِرِّ لَوْلَاهَا فَيَكُونُ هَذَا أَصْلًا. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مَا إذَا سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَقْضِيَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَلَزِمَ السُّكُوتَ فَلَمْ يَجِبْ أَصْلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ ثُمَّ سَأَلَ جِيرَانَهُ عَسَى بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ أَوْ سَمْعِهِ فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَإِنْ سَكَتَ، وَلَمْ يُجِبْ يُنْزِلُهُ مُنْكِرًا قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُحْبَسُ إلَى أَنْ يُجِيبَ. اهـ.
وَفِي رَوْضَةِ الْفُقَهَاءِ لَوْ سَكَتَ عَنْ الْجَوَابِ لَا يَكُونُ مُنْكِرًا بِلَا خِلَافٍ. اهـ.
وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَلِذَا أَفْتَيْت بِأَنْ يُحْبَسَ إلَى أَنْ يُجِيبَ، وَفِي الْمَجْمَعِ، وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ فَالْقَاضِي لَا يَسْتَحْلِفُهُ قَالَ الشَّارِحُ بَلْ يُحْبَسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ، وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُ إنْكَارٌ. اهـ.
وَهُوَ تَصْحِيحٌ لِقَوْلِهِمَا كَمَا لَا يَخْفَى فَإِنَّ الْأَشْبَهَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السَّاكِتَ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِالْخُصُومَةِ غَيْرُ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا حَلَفَ بِطَلَبِهِ) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حَلَّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ عليه السلام لِلْمُدَّعِي «أَلَكَ بَيِّنَةٌ فَقَالَ لَا فَقَالَ لَك يَمِينُهُ» سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى فُقْدَانِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ لِيُمْكِنَهُ الِاسْتِحْلَافُ، وَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، قَيَّدَ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَهَذَا لَيْسَ بِتَحْلِيفٍ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ حَقُّ الْقَاضِي كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي وَيَكُونَ بَرِّيًّا فَهُوَ بَاطِلٌ فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ يُقْبَلُ، وَإِلَّا يَحْلِفُ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَأَشَارَ إلَى أَنَّ إبْرَاءَ الْمُدَّعِي عَنْ التَّحْلِيفِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهِ حَقَّ الْقَاضِي كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي حَلَّفَهُ فِي مَجْلِسِ قَاضٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثَانِيًا، وَلَوْ حَلَّفَهُ عِنْدَ قَوْمٍ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ أَرَادَ الْقَاضِي تَحْلِيفَهُ إنَّهُ حَلَّفَنِي عَلَى هَذَا الْمَالِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْهُ إنْ بَرْهَنَ قُبِلَ وَانْدَفَعَ عَنْهُ الدَّعْوَى، وَإِلَّا قَالَ الْإِمَامُ الْبَزْدَوِيُّ: انْقَلَبَ الْمُدَّعِي مُدَّعًى عَلَيْهِ فَإِنْ نَكَلَ انْدَفَعَ الدَّعْوَى، وَإِنْ حَلَفَ لَزِمَ الْمَالُ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ الْمَالِ إقْرَارٌ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي عِنْدَهُمَا فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَحْلِفُ بِلَا طَلَبٍ فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ فِي: الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيتُ بِالْعَيْبِ وَالشَّفِيعُ بِاَللَّهِ مَا أَبْطَلْت شُفْعَتَك وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا خَلَّفَ لَك زَوْجُك الْغَائِبُ شَيْئًا، وَلَا أَعْطَاك النَّفَقَةَ. وَالرَّابِعُ يَحْلِفُ الْمُسْتَحِقُّ بِاَللَّهِ مَا بِعْت، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَلْقِينِ الشَّاهِدِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ مِنْ الْمَدْيُونِ، وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْك عَنْهُ، وَلَا قَبَضَهُ لَك قَابِضٌ بِأَمْرِك، وَلَا أَبْرَأْتَهُ مِنْهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا أَحَلْتَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا، وَلَا عِنْدَك بِهِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ رَهْنٌ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَ وُجُودِ الْبُرْهَانِ قُلْت إلَّا فِي مَسَائِلَ الْأُولَى تَحْلِيفُ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إنْ بَرْهَنَ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ دَعْوَاهُ الْإِبْرَاءَ صَارَ مُدَّعِيًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ) سَيَأْتِي بَيَانُهَا قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ، وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً
الْمَيِّتِ إذَا بَرْهَنَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ كَمَا وَصَفْنَا، وَهِيَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِدَعْوَى الدَّيْنِ بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَةِ، وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَهُوَ مِثْلُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لِلْمَيِّتِ دَيْنَهُ وَبَرْهَنَ هَلْ يَحْلِفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ احْتِيَاطًا الثَّانِيَةُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَبِيعِ بِالْبَيِّنَةِ لِلْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ تَحْلِيفُهُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ، وَلَا وَهَبَهُ، وَلَا تَصَدَّقَ بِهِ، وَلَا خَرَجَتْ الْعَيْنُ عَنْ مِلْكِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ.
الثَّالِثَةُ يَحْلِفُ مُدَّعِي الْآبِقِ مَعَ الْبَيِّنَةِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِك إلَى الْآنَ لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ، وَلَا هِبَةٍ كَمَا فِي آباقِ فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الصَّبِيُّ الْعَاقِلُ الْمَأْذُونُ لَهُ يُسْتَحْلَفُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُتَوَلِّي فِي مَالِ الْوَقْفِ وَتَحْلِيفُ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ، وَمِيثَاقُهُ أَنَّهُ كَانَ كَذَا فَيُشِيرُ بِنَعَمْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ دَيْنًا مُؤَجَّلًا فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ ادَّعَى عَلَى عَبْدٍ مَحْجُورٍ حَقًّا يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَإِنْ أَنْكَرَ يَحْلِفُ. اهـ.
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، وَأَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَنْبَغِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِيَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي نَسِيئَةً أَمْ حَالَّةً فَإِنْ قَالَ حَالَّةً يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي يَدَّعِيهَا وَيَسَعُهُ ذَلِكَ. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ لَوْ قَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ كَانَتْ قِيمَةُ ثَوْبِي مِائَةً، وَقَالَ الْغَاصِبُ مَا أَدْرِي مَا قِيمَتُهُ، وَلَكِنْ عَلِمْت أَنَّ قِيمَتَهُ لَمْ تَكُنْ مِائَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيمَةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِي الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي الزِّيَادَةِ فَإِنْ حَلَفَ يَحْلِفُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قِيمَةَ ثَوْبِهِ مِائَةٌ وَيَأْخُذُ مِنْ الْغَاصِبِ مِائَةً فَإِذَا أَخَذَ ثُمَّ ظَهَرَ الثَّوْبُ فَالْغَاصِبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالثَّوْبِ وَسَلَّمَ الْقِيمَةَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الثَّوْبَ، وَأَخَذَ الْقِيمَةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الْكِتَابِ وَغَرَائِبِ مَسَائِلِهِ فَيَجِبُ حِفْظُهَا. اهـ. بِلَفْظِهِ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَسَمَ وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَجَعَلَ جِنْسَ الْأَيْمَانِ عَلَى الْمُنْكِرِينَ، وَلَيْسَ وَرَاءَ الْجِنْسِ شَيْءٌ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ بَرْهَنَ عَلَى دَعْوَاهُ فَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ الْمُدَّعِيَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي الدَّعْوَى أَوْ عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ صَادِقُونَ أَوْ مُحِقُّونَ فِي الشَّهَادَةِ لَا يُجِيبُهُ قَالَ عَلَّامَةُ خُوَارِزْمَ الْخَصْمُ لَا يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ فَكَيْفَ الشَّاهِدُ فَإِنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ أَشْهَدُ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ أَشْهَدُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ يَمِينٌ فَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَالَ أَشْهَدُ فَقَدْ حَلَفَ، وَلَا يُكَرِّرُ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ، وَفِي التَّحْلِيفِ تَعْطِيلُ الْحُقُوقِ، وَأَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِالْمَنْسُوخِ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ يُقْدِمُ عَلَى الْحَلِفِ أَيْضًا غَالِبًا لِتَرْوِيجِ الْبَاطِلِ، وَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ وَرَدَّ شَهَادَتَهُ فَقَدْ ظَلَمَ بِخِلَافِ الْيَمِينِ فِي بَابِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْحَدِّ فَنَاسَبَ التَّغْلِيظَ. اهـ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ قُبَيْلَ الرَّهْنِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَنْ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ إنْ حَلَفْت أَنَّهَا لَكَ عَلَيَّ أَدَّيْتهَا إلَيْك فَحَلَفَ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَدَّاهَا إلَيْهِ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلِلْمُؤَدِّي أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَدَّى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ دُونَ الْمُدَّعِي. اهـ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَنَّ ذَا الْيَدِ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعِي مَا تَعْلَمُ أَنِّي بَنَيْت بِنَاءَ هَذِهِ الدَّارِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَحَقُّ) ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ لِاعْتِضَادِهَا بِالْيَدِ فَيَتَقَوَّى الظُّهُورُ فَصَارَ كَالنِّتَاجِ وَالنِّكَاحِ وَذِي الْمِلْكِ مَعَ الْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ أَوْ التَّدْبِيرِ، وَلَنَا أَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا، وَإِظْهَارًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ مَا أَثْبَتَهُ الْيَدُ لَا يُثْبِتُهُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ إذْ الْيَدُ دَلِيلُ مُطْلَقِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ النِّتَاجِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَكَذَا عَلَى الْإِعْتَاقِ وَأُخْتَيْهِ وَعَلَى الْوَلَاءِ الثَّابِتِ بِهَا قَيَّدَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِمَا سَيَأْتِي، وَأَطْلَقَهُ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ الْخَارِجِ مُسَاوٍ أَوْ أَسْبَقُ أَمَّا إذَا كَانَ تَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكِتَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ وَذُو الْيَدِ الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ وَبَرْهَنَا، وَأَرَّخَا وَتَارِيخُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقُ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلْخَارِجِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ الْمُتَوَجِّهَةِ عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ وَكَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْمَقُولَةِ قَبْلَ هَذِهِ مِنْ كَوْنِ الْإِقْرَارِ حُجَّةً بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ تَأَمَّلْ لَكِنْ ذَكَرَ فِي خِزَانَةِ أَبِي اللَّيْثِ خَمْسَةَ نَفَرٍ جَائِزٌ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُهُمْ ثُمَّ قَالَ وَرَجُلٌ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَا قَبَضْته. اهـ.
فَهَذَا مُطْلَقٌ، وَمَا هُنَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَتَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ رُبَّمَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ يُقَالُ التَّرِكَةُ مِلْكُهُمْ خُصُوصًا عِنْدَ عَدَمِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَدْ صَادَفَ إقْرَارُهُمْ مِلْكَهُمْ فَأَنَّى يُرَدُّ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهَا حُجَّةٌ قَائِمَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ فَيُحْتَاطُ فِيهَا، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَهُوَ حُجَّةٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحَلِّفَهُ الْقَاضِي مَعَ الْإِقْرَارِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِهِمْ فِيهَا وَالْحَالُ هَذِهِ فَيُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْغُرَمَاءِ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً وَبِغَيْرِ طَلَبِهِمْ لَكِنْ إذَا صَدَّقُوهُ شَارَكَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَقَرُّوا بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ الَّذِي هُوَ بَيْنَهُمْ خَاصٌّ بِهِمْ لِهَذَا فِيهِ شَرِكَةٌ مَعَنَا بِقَدْرِ دَيْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ، وَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ حَقُّ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفَ احْتِيَاطًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي التَّحْلِيفِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ قَدْ ادَّعَى حَقًّا لِلْمَيِّتِ. اهـ.
ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بَدَلَ اللَّامِ عَلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّمَا يَحْلِفُ فِي مَسْأَلَةِ مُدَّعِي الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَقَدْ اسْتَوْفَى فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الدَّيْنِ فَقَدْ شَهِدُوا عَلَى حَقِيقَةِ الدَّفْعِ فَانْتَفَى الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ فَكَيْفَ يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَرَدَّدَ فِي التَّحْلِيفِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: فَكَيْفَ الشَّاهِدُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّحْلِيفَ لِلشَّاهِدِ وَظَاهِرُ مَا قَبْلَهُ
(قَوْلُهُ: وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً بِلَا أَحْلِفُ أَوْ سَكَتَ) ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ، وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاللَّامُ فِي لَهُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالسُّكُوتُ لِغَيْرِ آفَةٍ دَلَالَةُ النُّكُولِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ مِنْ بَابِ التَّحَالُفِ أَنَّ النُّكُولَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إلَّا إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ وَبِدُونِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا أَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْبَدَلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَدَلِ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا بِانْفِرَادِهِ. اهـ. وَذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا نَكَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ. اهـ.
أَيْ إذَا نَكَلَ عَنْ دَعْوَى السَّيِّدِ الْكِتَابَةَ وَذَكَرَ هُنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ خِلَافٌ. اهـ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَوْرَ بِمَاذَا يَكُونُ، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِيهَا، وَلَوْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَمَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مَرَّتَيْنِ اسْتَمْهَلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مَضَتْ، وَقَالَ لَا أَحْلِفُ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ حَتَّى يَنْكُلَ ثَلَاثًا وَيَسْتَقْبِلُ عَلَيْهِ الْيَمِينَ ثَلَاثًا، وَلَا يُعْتَبَرُ نُكُولُهُ قَبْلَ الِاسْتِمْهَالِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ طُرُقَ الْقَضَاءِ ثَلَاثَةٌ بَيِّنَةٌ، وَإِقْرَارٌ وَنُكُولٌ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْهَا عِلْمَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ يُنْفِذُ الْقَضَاءَ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَلَهُ الْقَضَاءُ بِهِ بِعِلْمِهِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ لِلِاخْتِلَافِ، وَظَاهِرُ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ لِفَسَادِ قُضَاةِ الزَّمَانِ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْقَسَامَةَ مِنْ طُرُقِ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ فَهِيَ خَمْسٌ وَزَادَ ابْنُ الْغَرْسِ سَادِسًا لَمْ أَرَهُ إلَى الْآنَ لِغَيْرِهِ فَقَالَ: وَالْحُجَّةُ إمَّا الْبَيِّنَةُ أَوْ الْإِقْرَارُ أَوْ الْيَمِينُ أَوْ النُّكُولُ عَنْهُ أَوْ الْقَسَامَةُ أَوْ عِلْمُ الْقَاضِي بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَوْ الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ عَلَى مَا يُطْلَبُ الْحُكْمُ بِهِ دَلَالَةً وَاضِحَةً بِحَيْثُ تُصَيِّرُهُ فِي حَيِّزِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ ظَهَرَ إنْسَانٌ مِنْ دَارٍ، وَمَعَهُ سِكِّينٌ فِي يَدِهِ، وَهُوَ مُتَلَوِّثٌ بِالدِّمَاءِ سَرِيعُ الْحَرَكَةِ عَلَيْهِ أَثَرُ الْخَوْفِ فَدَخَلُوا الدَّارَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الْفَوْرِ فَوَجَدُوا بِهَا إنْسَانًا مُذْ بُوحًا لِذَلِكَ الْحِينِ، وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِدِمَائِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ غَيْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي وُجِدَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الدَّارِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ إذْ لَا يَمْتَرِي أَحَدٌ فِي أَنَّهُ قَاتِلُهُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ ذَبَحَ نَفْسَهُ أَوْ أَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ الرَّجُلِ قَتَلَهُ ثُمَّ تَسَوَّرَ الْحَائِطَ فَذَهَبَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إذْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْ دَلِيلٍ. اهـ.
قَيَّدْنَا السُّكُوتَ لِغَيْرِ آفَةٍ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ لِخَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ عُذْرٌ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا يُبْطِلُهُ لِمَا
ــ
[منحة الخالق]
أَنَّ التَّحْلِيفَ لِلْمُدَّعِي عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ إشَارَةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» إلَخْ كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ النُّكُولَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إلَّا إذَا اتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ) أَمَّا الْإِقْرَارُ فَهُوَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَفْظُ فِيهِ مَجَازٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عِنْدَ قَوْلِهِ فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُبَيِّنْ الْفَوْرَ بِمَاذَا يَكُونُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هُوَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنْ يَقْضِيَ عَقِبَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ قَبْلَ تَكْرَارِهِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْهَا عِلْمَ الْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ عِلْمَهُ الْحَادِثَ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ الْقَضَاءَ فَلَا يُقْضَى إلَّا بِعِلْمِهِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لَمْ أَرَهُ إلَى الْآنَ لِغَيْرِهِ) صَرِيحُ قَوْلِ ابْنِ الْغَرْسِ فَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْهُمْ لَا أَنَّهُ قَالَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَعَدَمُ رُؤْيَةِ الْمُؤَلِّفِ لَهُ لَا تَقْتَضِي عَدَمَ وُجُودِهِ فِي كَلَامِهِمْ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا زَادَهُ ابْنُ الْغَرْسِ غَرِيبٌ خَارِجٌ عَنْ الْجَادَّةِ فَلَا يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعَضِّدْهُ نَقْلٌ مِنْ كِتَابٍ مُعْتَمَدٍ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ لَا يَمْنَعُ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ) عِبَارَتُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ مُحَشِّيهَا الْحَمَوِيُّ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ وَعِبَارَتُهُ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ فَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ ثُمَّ إنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَى هَذَا الْعَبْدَ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَ دَعْوَاهُ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ قَالَ كُنْت اشْتَرَيْته مِنْهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَيُقْضَى لَهُ. اهـ.
قُلْت: وَسَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي فَصْلِ دَفْعِ الدَّعْوَى عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَكَمَا يَصِحُّ الدَّفْعُ قَبْلَ الْبُرْهَانِ يَصِحُّ بَعْدَ إقَامَتِهِ أَيْضًا وَكَذَا يَصِحُّ قَبْلَ الْحُكْمِ كَمَا يَصِحُّ بَعْدَهُ
فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي رَجُلٌ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَ الْبَائِعُ فَأَنْكَرَ الْبَائِعُ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ عِنْدَهُ فَاسْتَحْلَفَ فَنَكَلَ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَأَلْزَمَهُ الْعَبْدَ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ كُنْت تَبَرَّأْتُ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْعَيْبِ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ. اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا شَكَّ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَرْضَى خَصْمُهُ، وَلَا يَحْلِفُ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَإِنْ أَبَى خَصْمُهُ إلَّا حَلِفَهُ إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُحِقٌّ لَا يُحَلِّفُهُ، وَإِنْ أَنَّهُ مُبْطِلٌ سَاغَ لَهُ الْحَلِفُ ادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي مَالًا فَلَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يُنْكِرْ، وَقَالَ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى وَعَنْ حَلِفِهِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَرْهَنَ عَلَى دَعْوَاهُ حَلَفَ هُوَ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَخَالَفَهُمْ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْسَنُ، وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ أَبْرَأَنِي الْمُدَّعِي وَطَلَبَ حَلِفَهُ عَلَى عَدَمِ الْإِبْرَاءِ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا فَإِنْ نَكَلَ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي ذَكَرَهُمَا الْفَضْلِيُّ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ أَدَاءِ الْيَمِينِ انْقِطَاعُ الْخُصُومَةِ لِلْحَالِ مُؤَقَّتًا إلَى غَايَةِ إحْضَارِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَقِيلَ انْقِطَاعُهَا مُطْلَقًا فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ بَعْدَ يَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قُبِلَتْ عِنْدَ الْعَامَّةِ لَا عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هِيَ الْحُجَّةُ فِي الْأَصْلِ فَأَمَّا الْيَمِينُ فَكَالْخُلْفِ عَنْ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا كَلَامُ الْخَصْمِ صُيِّرَ إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا جَاءَ الْأَصْلُ انْتَهَى حُكْمُ الْخُلْفِ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا، وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ احْلِفْ، وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْحَقِّ الَّذِي ادَّعَيْتُ أَوْ أَنْت بَرِيءٌ مِنْ هَذَا الْحَقِّ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ بَرِيءٌ يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ لِلْحَالِ أَيْ بَرِيءٌ عَنْ دَعْوَاهُ وَخُصُومَتِهِ لِلْحَالِ وَيَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الْحَقِّ فَلَا يُجْعَلُ إبْرَاءً بِالشَّكِّ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَذَكَرَ الشَّارِحُ، وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ، وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْإِقْرَارِ بِالطَّلَاقِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ فَقَالَ الْمُدَّعِي امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْك أَلْفٌ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ، وَقَضَى الْقَاضِي فُرِّقَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُفَرَّقُ وَيُفْتَى بِأَنَّهُ يُفَرَّقُ، وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ قَدْ أَوْفَاهُ أَلْفًا قَبْلَ دَعْوَاهُ وَكَانَ تَفْرِيقُ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ وَتَطْلُقُ امْرَأَةُ الْمُدَّعِي إنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا هَذَا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَانِثٌ هَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَلْفِ أَمَّا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ لَمْ يُفَرِّقْ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ كَوْنُ الْأَلْفِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْإِقْرَارِ بِالْأَلْفِ، وَالْإِقْرَارُ مُحْتَمَلٌ هَكَذَا ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ
ــ
[منحة الخالق]
وَدَفْعُ الدَّفْعِ وَدَفْعُهُ وَالْأَكْثَرُ صَحِيحٌ فِي الْمُخْتَارِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ هُنَاكَ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ فَصْلِ دَعْوَى الْخَارِجِينَ عَنْ النِّهَايَةِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ لَمْ يُبَرْهِنَا حَلَفَ صَاحِبُ الْيَدِ فَإِنْ حَلَفَ لَهُمَا تُتْرَكُ فِي يَدِهِ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا قَضَاءَ اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى بِهَا وَإِنْ نَكَلَ لَهُمَا جَمِيعًا يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ بَعْدَهُ إذَا أَقَامَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَا يُقْبَلُ وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ لَا تُقْبَلُ لِكَوْنِهِ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ. اهـ.
وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لِلْقَوْلِ الْمُخْتَارِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ حَلَفَ أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَيْهِ الْمُدَّعِي فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ إذْ الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ فَيَحْنَثُ وَالْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَيْهِ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنْ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ (قت) حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لَهُ، وَأَلْزَمَهُ الْقَاضِي، وَهُوَ يُنْكِرُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَحْنَثُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ صَادِقٌ وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي (ح) قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَشَهِدَا أَنَّ فُلَانًا أَقْرَضَهُ كَذَا قَبْلَ يَمِينِهِ وَحَكَمَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ شَيْئًا وَحَكَمَ بِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجُوبَ شَيْءٍ مِنْ الْمَالِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَحِينَ شَهِدَا بِالْقَرْضِ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُ الْمَالِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ يَقُولُ الْحَقِيرُ قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا شَهِدَا مَحَلُّ نَظَرٍ إذْ كَيْفَ يَظْهَرُ كَوْنُ الْمَالِ عَلَيْهِ إذَا شَهِدَا بِأَنَّ الْمَالَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ مَرَّ آنِفًا أَنَّ الْبَيِّنَةَ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَلَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ فِي يَمِينِهِ، وَأَيْضًا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ فَعَلَى مَا ذُكِرَ ثَمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَيْضًا إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَلِفَ عَلَيْهِمَا لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الشَّرْطِ أَيْضًا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُ الْمَسْأَلَتَيْنِ نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا وَالْفَرْقُ تَحَكُّمٌ فَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ التَّنَاقُضِ بَيْنَ كَلَامَيْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ أَنَّهُ إمَامُ ذَوِي الْأَدَبِ
أَنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ بِلَا سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ بَرْهَنَ ظَهَرَ كَذِبُهُ، وَلَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَرْهَنَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ وَالْإِيفَاءَ. اهـ.
فَإِنْ قُلْت هَلْ يُقْضَى بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ كَالْأَمِينِ إذَا ادَّعَى الرَّدَّ أَوْ الْهَلَاكَ فَحَلَفَ فَنَكَلَ وَعَنْ الْيَمِينِ الَّتِي لِلِاحْتِيَاطِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُلْت أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَعَمْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ أَرَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَعَرَضَ الْيَمِينَ ثَلَاثًا نَدْبًا) أَيْ وَعَرَضَ الْقَاضِي عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك ثَلَاثًا فَإِنْ حَلَفْت، وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ، وَهَذَا الْإِنْذَارُ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ إذْ هُوَ مَوْضِعُ الْخَفَاءِ وَتَكْرَارُ الْعَرْضِ لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي إبْدَاءِ الْعُذْرِ، وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ لَوْ قَضَى بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً جَازَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَفَيْءٍ وَاسْتِيلَادٍ وَرِقٍّ وَنَسَبٍ وَوَلَاءٍ وَحَدٍّ وَلِعَانٍ) وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْكُلِّ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَكَانَ إقْرَارًا أَوْ بَدَلًا عَنْهُ وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَاللِّعَانُ فِي مَعْنَى الْحَدِّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ بَدَلٌ؛ لِأَنَّ مَعَهُ لَا تَبْقَى الْيَمِينُ وَاجِبَةً لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَإِنْزَالُهُ بَاذِلًا أَوْلَى كَيْ لَا يَصِيرَ كَاذِبًا فِي الْإِنْكَارِ وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَفَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا أَنَّ هَذَا بَذْلٌ لِدَفْعِ الْخُصُومَةِ فَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ، وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ بِمَنْزِلَةِ الضِّيَافَةِ الْيَسِيرَةِ وَصِحَّتُهُ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي، وَهُوَ يَقْبِضُهُ حَقًّا لِنَفْسِهِ وَالْبَذْلُ مَعْنَاهُ هَا هُنَا تَرْكُ الْمَنْعِ، وَأَمْرُ الْمَالِ هَيِّنٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ يُسْتَحْلَفُ فِي دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالنِّكَاحِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ بِأَنَّهُ اتِّفَاقٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ تَفْسِيرُ الْبَذْلِ عِنْدَهُ تَرْكُ الْمُنَازَعَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا ثُمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تُتَصَوَّرُ مِنْ إحْدَى الْخَصْمَيْنِ أَيَّهُمَا كَانَ إلَّا بِالْحَدِّ وَاللِّعَانِ وَالِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِيهَا إلَّا الْمَقْذُوفَ وَالْمَوْلَى كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَالصَّوَابُ وَالْأَمَةُ دُونَ الْمَوْلَى، وَفِي الْهِدَايَةِ وَصُورَةُ الِاسْتِيلَادِ أَنْ تَقُولَ الْجَارِيَةُ أَنَا أُمُّ وَلَدٍ لِمَوْلَايَ، وَهَذَا ابْنِي مِنْهُ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا. اهـ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَصُورَةُ النِّكَاحِ أَنْكَرَ هُوَ أَوْ هِيَ نِكَاحًا وَالرَّجْعَةُ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ رَجْعَةً فَفِي الْعِدَّةِ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَذَّبَتْهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَمْرًا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ لِلْحَالِ وَبَعْدَهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا، وَلَوْ كَذَّبَتْهُ، وَلَا بَيِّنَةَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَحْلِفُ لَا عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ رَاجَعَهَا وَكَذَّبَهَا وَصُورَةُ الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ قَالَ فِئْتُ، وَأَنْكَرَتْ فَلَوْ ادَّعَاهُ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ، وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّهَا فَإِنْ صَدَّقَتْهُ ثَبَتَ، وَإِلَّا وَلَا بَيِّنَةَ أَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ فَاءَ إلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ.
وَصُورَةُ الرِّقِّ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ قِنُّهُ أَوْ ادَّعَى مَجْهُولُ الْحَالِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَصُورَةُ النَّسَبِ ادَّعَى مَجْهُولُ النَّسَبِ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَصُورَةُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ أَنْ تَدَّعِيَ أُمُّ الْوَلَدِ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ مِنْ سَيِّدِهَا، وَصُورَةُ الْوَلَاءِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مَوْلَاهُ الْأَسْفَلُ أَوْ الْأَعْلَى. اهـ.
أُطْلِقَ فِي الْوَلَاءِ فَشَمِلَ وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ وَوَلَاءَ الْمُوَالَاةِ كَمَا فِي الْكَافِي، وَفِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْإِبَاحَةَ بِالْإِذْنِ ابْتِدَاءً يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ، وَمَا لَا فَلَا. اهـ.
وَإِذَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ فِي النِّكَاحِ عِنْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي لَهُ الزَّوْجَ أَوْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ، وَقَالَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ امْرَأَتُهُ فَيَقُولُ لَهُ
ــ
[منحة الخالق]
وَالْأَرَبِ إلَّا أَنْ تَكُونَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ. اهـ. مَا قَالَهُ فِي أَوَاخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ أَرَهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِيهَا أَيْضًا إذْ فَائِدَةُ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ لَوْ قَضَى إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا فِي الْمَتْنِ مَعَ أَنَّهُ عَيَّنَهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَالْعَرْضُ ثَلَاثًا مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْإِنْذَارِ. اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ
(قَوْلُهُ: وَالصَّوَابُ وَالْأَمَةُ دُونَ الْمَوْلَى) بَقِيَ أَنْ يُقَالَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ كَغَيْرِهِ أَنَّهَا ادَّعَتْ الِاسْتِيلَادَ مُجَرَّدًا عَنْ دَعْوَى اعْتِرَافِهِ وَاَلَّذِي فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ ادَّعَتْ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ وَادَّعَاهُ أَيْ ادَّعَتْ أَنَّهُ ادَّعَاهُ فَهُوَ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِهَا كَمَا ذَكَرَهُ أَخِي جَلْبِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا بَلْ يُبْتَنَى عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِ الْأَمَةِ وُجُودُ الدَّعْوَةِ مِنْ السَّيِّدِ وَعَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي عَدَمُ نَفْيِهِ وَكَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ ادَّعَتْ أَمَةٌ يُفِيدُ الِاحْتِرَازَ عَنْ دَعْوَى الزَّوْجَةِ، وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَاسْتِيلَادٍ بِأَنْ ادَّعَى أَحَدٌ مِنْ الْأَمَةِ وَالْمَوْلَى أَوْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَلَكِنْ فِي الْمَشَاهِيرِ أَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا تُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِإِنْكَارِهَا بَعْدَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَمْ يَدَّعِ النَّسَبَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْوِيرُهُمْ. اهـ. كَذَا فِي حَاشِيَةِ السَّيِّدِ أَبِي السُّعُودِ.
إنْ كُنْت تُرِيدُ ذَلِكَ فَطَلِّقْ هَذِهِ ثُمَّ تَزَوَّجْ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْمَرْأَةِ فَعِنْدَهُ لَوْ قَالَتْ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمَكِّنُهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ أَقَرَّتْ أَنَّ لَهَا زَوْجًا فَلَا يُمْكِنُهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ فَإِنْ قَالَتْ: مَا الْخَلَاصُ عَنْ هَذَا، وَقَدْ بَقِيت فِي عُهْدَتِهِ الدَّهْرَ، وَلَا بَيِّنَةَ لِي، وَهَذِهِ تُسَمَّى عُهْدَةَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ الْقَاضِي لِلزَّوْجِ طَلِّقْهَا فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لَوْ طَلَّقْتهَا لَزِمَنِي الْمَهْرُ فَلَا أَفْعَلُ ذَلِكَ يَقُولُ الْقَاضِي لَهُ قُلْ لَهَا إنْ كُنْتِ امْرَأَتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ لَوْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْقَاضِي فَإِنْ فَعَلَ تَخَلَّصَ عَنْ تِلْكَ الْعُهْدَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إذَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ الْمُنْكِرُ عِنْدَهُ فِي النَّسَبِ هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ بَيَّنْتُهُ مِثْلُ الْجَدِّ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ، وَأَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ حَيْثُ يُقْبَلُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُعْتَقُ جَدِّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَوْلُهُ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ. الْمُرَادُ بِهِ مَوْلَانَا قَاضِي خَانْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مِسْكِينٌ وَعَزَاهُ الْمُصَنِّفُ لَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَعَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوَاهُ أَيْضًا وَصَرَّحَ الشَّارِحُ بِأَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ عَلِيًّا الْبَزْدَوِيَّ اخْتَارَ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ.
وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ رَآهُ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَصُورَةُ الِاسْتِحْلَافِ عَلَى قَوْلِهِمَا مَا هِيَ بِزَوْجَةٍ لِي، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِي فَهِيَ طَالِقٌ بَائِنٌ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ صَادِقَةً لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ بِجُحُودِهِ فَإِذَا حَلَفَ تَبْقَى مُعَطَّلَةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النِّكَاحِ فَإِنْ حَلَفَ يَقُولُ الْقَاضِي فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ ثُمَّ عِنْدَهُمَا كُلُّ نَسَبٍ يَثْبُتُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمَالِ كَالْبُنُوَّةِ وَالزَّوْجِيَّةِ، وَالْمَالُ يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهِ وَكُلُّ نَسَبٍ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَعْوَى الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ لَا يُسْتَحْلَفُ إلَّا إذَا ادَّعَى بِسَبَبِهِ مَالًا أَوْ حَقًّا كَدَعْوَى الْإِرْثِ وَدَعْوَى عَدَمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَنَحْوِهِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ الدَّعْوَى بِنَسَبِ الْأَخِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَالَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَفَى الِاسْتِحْلَافَ فَقَطْ وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْعَاشِرِ فِي النَّسَبِ وَالْإِرْثِ عَدَمُ صِحَّةِ الدَّعْوَى بِالْأُخُوَّةِ الْمُجَرَّدَةِ، وَلِهَذَا لَوْ بَرْهَنَ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتُ الْبُنُوَّةِ عَلَى أَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْخَصْمُ فِيهِ هُوَ الْأَبُ لَا الْأَخُ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ مِسْكِينٍ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ سِتَّةً، وَهِيَ سَبْعَةٌ قُلْنَا أُمُومِيَّةُ الْوَلِيدِ تَابِعَةٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ. اهـ.
وَعَبَّرَ عَنْهَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِالْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ، وَفِيهِ ادَّعَى نِكَاحَهَا فَحِيلَةُ دَفْعِ الْيَمِينِ عَنْهَا عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فَلَا تَحْلِفَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ نَكَلَتْ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بَعْدَمَا تَزَوَّجَتْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهَا وَكَذَا لَوْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحٍ لِغَائِبٍ قِيلَ صَحَّ إقْرَارُهَا لَكِنْ يَبْطُلُ بِالتَّكْذِيبِ وَيَنْدَفِعُ عَنْهَا الْيَمِينُ، وَقِيلَ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهَا فَلَا تَنْدَفِعُ عَنْهَا الْيَمِينُ. اهـ.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ أَنْكَرَتْ وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَمَاتَ شُهُودُ الْأَوَّلِ لَيْسَ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَنْ يُخَاصِمَهَا؛ لِأَنَّهَا لِلتَّحْلِيفِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النُّكُولُ، وَلَوْ أَقَرَّتْ صَرِيحًا لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهَا لَكِنْ يُخَاصِمُ الزَّوْجَ الثَّانِي وَيُحَلِّفُهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ فَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَهَا وَيُحَلِّفَهَا فَإِنْ نَكَلَتْ يُقْضَى بِهَا لِلْمُدَّعِي، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ، وَلَمْ يُقْطَعْ) ؛ لِأَنَّ الْمَنُوطَ بِفِعْلِهِ شَيْئَانِ الضَّمَانُ وَيَعْمَلُ فِيهِ النُّكُولُ وَالْقَطْعُ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ عَلَيْهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَيَّدَ بِحَدِّ السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْحُدُودِ إجْمَاعًا، وَلَوْ كَانَ حَدُّ الْقَذْفِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا، وَقَالَ إنْ زَنَيْتُ فَأَنْت حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى، وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ ثَبَتَ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا كَذَا فِي الشَّرْحِ وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ، وَهِيَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالضَّمِيرُ فِي زَنَيْت لِلْمُتَكَلِّمِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ، وَهَلْ يَصِيرُ الْعَبْدُ قَاذِفًا لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْكَلَامِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَصِيرُ قَاذِفًا فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَدْ أَتَى الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ زَنَى تَحَرُّزًا عَنْ ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْحُدُودِ رَجُلٌ قَذَفَ غَيْرَهُ فَقَالَ رَجُلٌ آخَرُ لِلْقَاذِفِ هُوَ كَمَا قُلَته يَصِيرُ الثَّانِي قَاذِفًا ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمَوْلَى هَا هُنَا كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا زَنَيْتَ بَعْدَمَا حَلَفْتَ بِعِتْقِ عَبْدِكَ هَذَا. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِحْلَافِ عِنْدَهُ فِي الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا اسْتِحْلَافَ فِي أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ خَصْلَةً بَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَنَذْكُرُهَا سَرْدًا اخْتِصَارًا السَّبْعَةَ، وَفِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ، وَفِي تَزْوِيجِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ فَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ، وَفِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيِّ، وَفِي الدَّعْوَى عَلَى الْوَكِيلِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَالْوَصِيِّ، وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَيْءٌ فَادَّعَاهُ رَجُلَانِ كُلٌّ الشِّرَاءِ مِنْهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ لَا يُحَلِّفُهُ وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَهُمَا فَحَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ لَهُ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْلِفْ لِلْآخَرِ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَيَا الْهِبَةَ مَعَ التَّسْلِيمِ مِنْ ذِي الْيَدِ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ وَكَذَا لَوْ نَكَلَ لِأَحَدِهِمَا لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ رَهَنَهُ، وَقَبَضَهُ فَأَقَرَّ بِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرَّهْنَ وَالتَّسْلِيمَ وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِالرَّهْنِ، وَأَنْكَرَ الْبَيْعَ لَا يَحْلِفُ لِلْمُشْتَرِي،، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُ رَجُلَيْنِ الْإِجَارَةَ، وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ بِهَا، وَأَنْكَرَهُ لَا يَحْلِفُ لِمُدَّعِيهِ وَيُقَالُ لِمُدَّعِيهِ إنْ شِئْت فَانْتَظِرْ انْقِضَاءَ الْمُدَّةِ وَفَكَّ الرَّهْنِ، وَإِنْ شِئْت فَافْسَخْ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا الصَّدَقَةَ وَالْقَبْضَ، وَالْآخَرُ الشِّرَاءَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا لَا يُسْتَحْلَفُ لِلثَّانِي، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِجَارَةَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ نَكَلَ لَا يَحْلِفُ لِلْآخَرِ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى ذِي الْيَدِ الْغَصْبَ مِنْهُ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا أَوْ حَلَفَ لِأَحَدِهِمَا فَنَكَلَ يَحْلِفُ لِلثَّانِي كَمَا لَوْ ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا الْإِيدَاعَ فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا يَحْلِفُ لِلثَّانِي وَكَذَا الْإِعَارَةُ وَيَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك كَذَا، وَلَا قِيمَةَ، وَهِيَ كَذَا وَكَذَا، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ رِضَا الْمُوَكِّلِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَحْلِفْ وَكِيلُهُ، وَفِيمَا إذَا أَنْكَرَ تَوْكِيلَهُ لَهُ فِي النِّكَاحِ، وَفِيمَا إذَا اخْتَلَفَ الصَّانِعُ وَالْمُسْتَصْنِعُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ اسْتَصْنَعَهُ فِي كَذَا فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ.
الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْ الْغَائِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ وَبِالْخُصُومَةِ فَأَنْكَرَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمَدْيُونُ عَلَى قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُسْتَحْلَفُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ تَسَاهُلٌ، وَقُصُورٌ حَيْثُ قَالَ كُلُّ مَوْضِعٍ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَهُ يُسْتَحْلَفُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ مِنْهَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا وَجَدَ بِالْمُشْتَرَى عَيْبًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ فَإِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ. الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْآمِرِ رِضَاهُ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ لَزِمَهُ. الثَّالِثَةُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَطَلَبَ يَمِينَ الْوَكِيلِ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَحْلِفُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ. اهـ.
وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِينَ السَّابِقَةِ الْبَائِعَ إذَا أَنْكَرَ قِيَامَ الْعَيْبِ لِلْحَالِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّاهِدُ إذَا أَنْكَرَ رُجُوعَهُ لَا يُسْتَحْلَفُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا وَالسَّارِقُ إذَا أَنْكَرَهَا لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهَا قُطِعَ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ، وَلَا الْوَصِيُّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَلَا الْمُتَوَلِّي لِلْمَسْجِدِ وَالْأَوْقَافِ إلَّا إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ الْعَقْدُ يُسْتَحْلَفُونَ حِينَئِذٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَالزَّوْجُ إنْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ أَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ فِي الْمَوَاضِعِ السَّابِقَةِ يَجْرِي عِنْدَ دَعْوَى الْمَالِ فَيَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ ثَمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ، وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْيِيدِ الْمُؤَلِّفِ الْمَسْأَلَةَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ فِي الِاسْتِحْلَافِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَهْرَ أَوْ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَا فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحَجْرِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي دَعْوَى الدَّائِنِ الْإِيصَاءَ) أَيْ أَنَّ فُلَانًا وَصِيٌّ عَنْ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ: رَضِيَ الْمُوَكِّلُ) أَيْ مُوَكِّلُ الْمُشْتَرِي (قَوْلُهُ: الثَّانِيَةُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْآمِرُ رِضَاهُ إلَخْ) صُورَتُهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِالْوَكَالَةِ فَظَهَرَ بِهِ عَيْبٌ فَأَرَادَ الْآمِرُ أَيْ الْمُوَكِّلُ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ فَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْآمِرِ إنَّك رَضِيت بِالْعَيْبِ لَا يَحْلِفُ الْآمِرُ وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ: الثَّالِثَةُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْمُقَرُّ بِهِ هُوَ الْإِبْرَاءُ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمَدْيُونُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ لُزُومُهُ عَلَى الْوَكِيلِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ مِنْ لُزُومِ الْإِبْرَاءِ لُزُومُ حُكْمِهِ، وَهُوَ الْفَرَاغُ عَنْ مُطَالَبَةِ الْمَدْيُونِ، وَأَمَّا احْتِمَالُ بَرَاءَةِ الْمَدْيُونِ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ وَانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الْوَكِيلِ جَزَاءً عَلَى إقْرَارِهِ فَبَعِيدٌ بَلْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ: وَزِدْت عَلَى الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِينَ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَرْبَعِ وَالثَّلَاثِينَ بِضَمِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَكِنْ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْخُلَاصَةِ تَقَدَّمَتْ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ فَبَقِيَ مِنْهَا ثِنْتَانِ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا ادُّعِيَ عَلَيْهِمْ الْعَقْدُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُرِيدُ غَيْرَ عَقْدِ النِّكَاحِ إذْ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ الْأَبُ فِي الصَّغِيرَةِ تَأَمَّلْ.
فِي اللَّقِيطِ وَالنَّفَقَةِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ هُوَ الْمَالُ وَبَيَانُ صُورَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَجَاحِدُ الْقَوَدِ فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ، وَفِيمَا دُونَهُ يُقْتَصُّ) ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَزِمَهُ الْأَرْشُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الْقِصَاصُ وَيَجِبُ بِهِ الْمَالِ خُصُوصًا إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ، وَلَهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَدَلُ بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ، وَهَذَا إعْمَالٌ لِلْبَذْلِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِانْدِفَاعِ الْخُصُومَةِ بِهِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكِلَةِ، وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ يُحْبَسُ بِهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ التَّحْلِيفِ فِي الْقَتْلِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك دَمُ ابْنِهِ فُلَانٍ، وَلَا دَمُ عَبْدِهِ فُلَانٍ، وَلَا دَمُ وَلِيِّهِ فُلَانٍ، وَلَا قِبَلَك حَقٌّ بِسَبَبِ هَذَا الدَّمِ الَّذِي يَدَّعِي، وَفِي رِوَايَةٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَلِيَّ هَذَا عَمْدًا، وَفِيمَا سِوَى الْقَتْلِ مِنْ الْقَطْعِ وَالشَّجَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك قَطْعُ هَذِهِ الْيَدِ، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ بِسَبَبِهَا وَكَذَلِكَ فِي الشِّجَاجِ وَالْجِرَاحَاتِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ.
وَإِذَا ادَّعَى قَتْلَ أَبِيهِ خَطَأً أَوْ وَلِيًّا لَهُ أَوْ قَطْعَ يَدَهِ أَوْ شَجِّهِ خَطَأً إذَا ادَّعَى شَيْئًا فِيهِ دِيَةٌ أَوْ أَرْشٌ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لِفُلَانٍ عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَيُسَمِّي الدِّيَةَ وَالْأَرْشَ عِنْدَ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مَالًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّ حَقٍّ يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَالدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت ابْنَ فُلَانٍ هَذَا، وَفِي الشَّجَّةِ بِاَللَّهِ مَا شَجَجْت هَذَا هَذِهِ الشَّجَّةَ الَّتِي يَدَّعِي، وَكُلُّ جِنَايَةٍ يَجِبُ فِيهَا الْأَرْشُ أَوْ الدِّيَةُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ كَمَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ فَإِذَا طَالَبَهُ بِهِ يُجِيبُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا رَوَيْنَاهُ فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ أَطْلَقَ فِي حُضُورِهَا فَشَمِلَ حُضُورَهَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَحُضُورُهَا فِي الْمِصْرِ، وَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَحُضُورُهَا فِي الْمِصْرِ بِصِفَةِ الْمَرَضِ، وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ الْمُدَّعِي لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ أَوْ مَرْضَى. اهـ.
وَقَيَّدَ بِحُضُورِهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْمُجْتَبَى: وَقُدِّرَتْ الْغَيْبَةُ بِمَسِيرَةِ السَّفَرِ. اهـ.
وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ حَاضِرَةٌ، وَلَمْ يُخْبِرْ الْقَاضِيَ بِهَا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِحْلَافِ وَبَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ رَقَّمَ بَعْدَهُ لِآخَرَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَنْكُلُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ كَاذِبًا لَا يُعْذَرُ فِي التَّحْلِيفِ، وَفِيهَا أَيْضًا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَطَلَبَ يَمِينَهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْمِ ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي فَلَهُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا. اهـ.
وَلَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقِيلَ لَا يَقْبَلُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَقَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ، وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) كَيْ لَا يُغَيِّبَ نَفْسَهُ فَيَضِيعَ حَقُّهُ، وَأَخْذُ الْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لِلْمُدَّعِي، وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى حَتَّى يُعَدَّى عَلَيْهِ وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَصَحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْكَافِي وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إلَى جُلُوسِ الْقَاضِي مَجْلِسًا آخَرَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الثَّانِي، وَفَاعِلُهُ قِيلَ الْقَاضِي بِطَلَبِ الْمُدَّعِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا يَطْلُبُ الْقَاضِي مِنْهُ كَفِيلًا، وَفِي الصُّغْرَى هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
عَالِمًا بِذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَالْقَاضِي يَطْلُبُ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ. اهـ.
أَطْلَقَ فِي الْخَصْمِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ خَامِلًا أَوْ وَجِيهًا، وَمَا إذَا كَانَ مَا عَلَيْهِ حَقِيرًا أَوْ خَطِيرًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ خَمَلَ الرَّجُلُ خُمُولًا مِنْ بَابِ قَعَدَ فَهُوَ خَامِلٌ أَيْ سَاقِطُ النَّبَاهَةِ لَا حَظَّ لَهُ. اهـ.
وَالْوَجِيهُ إذَا كَانَ لَهُ حَظٌّ وَرُتْبَةٌ مِنْهُ أَيْضًا، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِي بَيِّنَةَ عَلَى الْإِيفَاءِ لَا يُجْبِرُهُ عَلَى الْإِيفَاءِ بَلْ يُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِشَرْطِ أَنْ يَدَّعِيَ حُضُورَ الشُّهُودِ، وَلَوْ قَالَ شُهُودِي غُيَّبٌ يُقْضَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ إمْهَالٍ، وَلَوْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ، وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ يُمْهِلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ الطَّوَاوِيسِيُّ يُؤَجِّلُهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِّلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ مَضَتْ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يُقْضَى بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُؤَجَّلُ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ. اهـ.
وَأَطْلَقَ الْكَفِيلُ، وَقَيَّدَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالثِّقَةِ، وَفَسَّرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ وَحَانُوتٌ مِلْكًا لَهُ. اهـ.
وَفَسَّرَهُ فِي الصُّغْرَى بِأَنْ لَا يُخْفِيَ نَفْسَهُ، وَلَا يَهْرُبَ مِنْ الْبَلَدِ بِأَنْ تَكُونَ لَهُ دَارٌ مَعْرُوفَةٌ وَحَانُوتٌ مَعْرُوفٌ لَا يَسْكُنُ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ يَتْرُكُهُ وَيَهْرُبُ، وَهَذَا شَيْءٌ يُحْفَظُ جِدًّا. اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْفَقِيهُ ثِقَةً بِوَظَائِفِهِ بِالْأَوْقَافِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ فِي دَارٍ وَحَانُوتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهَا وَيَهْرُبُ، وَفَسَّرَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ بِأَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ الدَّارِ مَعْرُوفَ التِّجَارَةِ، وَلَا يَكُونُ لَحُوحًا مَعْرُوفًا بِالْخُصُومَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ لَا غَرِيبٌ. اهـ.
وَفِي كَفَالَةِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْقَاضِي إذَا أَخَذَ كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ بِأَمْرِ الْمُدَّعِي أَوَّلًا بِأَمْرِهِ فَالْكَفِيلُ إذَا سَلَّمَ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى رَسُولِهِ يَبْرَأُ، وَإِنْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي لَا يَبْرَأُ هَذَا إذَا لَمْ يُضِفْ الْكَفَالَةَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ الْقَاضِي أَوْ رَسُولُهُ أَعْطِ كَفِيلًا بِنَفْسِك، وَلَمْ يَقُلْ لِلطَّالِبِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَى الْقَاضِي أَوْ إلَى رَسُولِهِ الَّذِي أَخَذَ الْكَفِيلُ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ إلَيْهِ الْكَفِيلُ يَبْرَأُ، وَلَوْ سَلَّمَ إلَى الْمُدَّعِي لَا يَبْرَأُ، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْمُدَّعِي بِأَنْ قَالَ أَعْطِ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ لِلطَّالِبِ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى الْعَكْسِ. اهـ.
وَفِي قَضَائِهَا ثَمَّ تَأْقِيتُ الْكَفَالَةِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوِهَا لَيْسَ لِأَجْلِ أَنْ يَبْرَأَ الْكَفِيلُ عَنْ الْكَفَالَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ إلَى شَهْرٍ لَا يَبْرَأُ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَكِنْ التَّكْفِيلُ إلَى شَهْرٍ لِتَوْسِعَةِ الْأَمْرِ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى لَا يُطَالَبَ الْكَفِيلُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَكِنْ لَوْ عَجَّلَ الْكَفِيلُ يَصِحُّ، وَهَذَا لِتَوْسِعَةِ الْمُدَّعِي حَتَّى لَا يُسَلِّمَ الْكَفِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْحَالِ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ فَيَعْجِزُ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مَتَى أَحْضَرَ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّمَا يُسَلِّمُ إلَى الْمُدَّعِي بَعْدَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى لَوْ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ الْوَقْتِ يَجِبُ أَنْ يُطَالَبَ الْكَفِيلُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ يُنْظَرُ فِي بَابِ كَفَالَةِ الْقَاضِي مِنْ كَفَالَةِ عِصَامٍ. اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - طَلَبَ الْمُدَّعِي وَكِيلًا مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فَقَالَ: وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَكِيلًا بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ، وَإِذَا أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُسْتَوْفَى مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ فَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ الْأَصِيلِ قَدْ يَكُونُ أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا، وَلَا يُغَيِّبُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّغْيِيبَ وَصَحَّ أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ وَوَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِهِمَا فَلَوْ أَقَرَّ وَغَابَ يُقْضَى؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ إعَانَةٍ، وَلَوْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ فَلَمْ تُزَكَّ فَغَابَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَزُكِّيَتْ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ حَالَ غَيْبَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْجَرْحِ فِي الشُّهُودِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْضَى. اهـ. بِلَفْظِهِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَوْ طَلَبَ الْمُدَّعِي الْحَيْلُولَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الصُّغْرَى طَلَبَ الْمُدَّعِي بِنَفْسِ الدَّعْوَى مِنْ الْقَاضِي وَضْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ، وَلَمْ يَكْتَفِ بِكَفِيلِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى ادَّعَى الْمُشْتَرِي إيفَاءَ الثَّمَنِ إلَى الْبَائِعِ فَأَنْكَرَ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِطَلَبِ الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ قَبْلَهُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ ثَانِيًا فَإِذَا حَلَفَ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي إلَخْ (قَوْلُهُ: ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَمُقْتَضَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ دَعْوَى الطَّلَاقِ كَدَعْوَى الْأَمْوَالِ، وَإِنْ احْتَاطُوا فِي الْفُرُوجِ لَا تَبْلُغُ اسْتِعْظَامَ أَمْرِ الدِّمَاءِ وَلِذَلِكَ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ
النَّفْسِ وَالْمُدَّعِي فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَدْلًا لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا يُجِيبُهُ، وَفِي الْعَقَارِ لَا يُجِيبُهُ إلَّا فِي الشَّجَرِ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّمَرُ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَ نَقْلِيٌّ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الشَّجَرَ مِنْ الْعَقَارِ، وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فِيمَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ تُزَكَّ فِي الْجَارِيَةِ قَالَ يَضَعُهَا الْقَاضِي عَلَى يَدِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ مَأْمُونَةٍ تَحْفَظُهَا حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَا يَتْرُكُهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ لَا، وَهَذَا إذَا سَأَلَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَضَعَهَا. اهـ.
وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ تُزَكَّ فَالْحُكْمُ بِالْأُولَى كَمَا لَا يَخْفَى وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ فَإِنْ أَبَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَخْذَ الْكَفِيلِ وَالْوَكِيلِ إنَّمَا هُوَ بِرِضَا الْخَصْمِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ) أَيْ بِمِقْدَارِ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ الْمَذْكُورَةِ أَشَارَ إلَى تَفْسِيرِ الْمُلَازَمَةِ بِالدَّوَرَانِ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي مَكَان مُعَيَّنٍ، وَفِي الصُّغْرَى الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ أَنْ يَدُورَ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ وَيَبْعَثُ مَعَهُ أَمِينًا حَتَّى يَدُورَ مَعَهُ وَرَأَيْت فِي زِيَادَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِمُلَازَمَةِ مَدْيُونِهِ فَلِلْمَدْيُونِ أَنْ لَا يَرْضَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَجَعَلَهُ فَرْعًا لِمَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَكِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الدَّعْوَى، وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ يَتَصَرَّفُ وَالْمُدَّعِي يَدُورُ مَعَهُ، وَإِذَا انْتَهَى الْمَطْلُوبُ إلَى دَارِهِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَهْلِهِ بَلْ يَدْخُلُ الْمَطْلُوبُ إلَى أَهْلِهِ، وَالْمُلَازِمُ يَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ هَكَذَا ذُكِرَ هُنَا، وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَإِمَّا أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُدَّعِي فِي الدُّخُولِ مَعَهُ أَوْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى بَابِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ وَحْدَهُ فَرُبَّمَا يَهْرُبُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَيُفَوِّتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا، وَفِي تَعْلِيقِ أُسْتَاذِنَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ امْرَأَةً فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يُلَازِمُهَا بِنَفْسِهِ بَلْ يَسْتَأْجِرُ امْرَأَةً فَتُلَازِمُهَا، وَفِي أَوَّلِ كَرَاهِيَةِ الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يُلَازِمَهَا وَيَجْلِسَ مَعَهَا وَيَقْبِضَ عَلَى ثِيَابِهَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ فَإِنْ هَرَبَتْ وَدَخَلَتْ خَرِبَةً فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَكُونُ بَعِيدًا مِنْهَا يَحْفَظُهَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْخَلْوَةِ ضَرُورَةً. اهـ.
وَأَشَارَ بِمُلَازَمَتِهِ إلَى مُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى لِمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِتْلَافًا، وَأَبَى إعْطَاءَ الْكَفِيلِ بِالْمُدَّعِي فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُلَازِمَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي ضَعِيفًا عَنْ مُلَازَمَتِهِ يَضَعُ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ. اهـ.
وَظَاهِرُ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ لَا يُلَازِمُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ يَسْكُنَ حَيْثُ سَكَنَ، وَفِي الْمِصْبَاحِ دَارَ حَوْلَ الْبَيْتِ يَدُورُ دَوْرًا وَدَوَرَانًا طَافَ بِهِ وَدَوَرَانُ الْفَلَكِ تَوَاتُرُ حَرَكَاتِهِ بَعْضُهَا إثْرَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتٍ، وَلَا اسْتِقْرَارٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ دَارَتْ الْمَسْأَلَةُ أَيْ كُلَّمَا تَعَلَّقَتْ بِمَحَلٍّ تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ عَلَى غَيْرِهِ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا لَازَمَهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) وَكَذَا لَا يَكْفُلُ إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَرِيبًا فَإِلَى انْتِهَاءِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَرْجِعَ إلَى الْمُلَازَمَةِ وَالتَّكْفِيلِ وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ بِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ، وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا، أَطْلَقَ فِي مِقْدَارِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَرَّةً كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْغَرِيبِ الْمُسَافِرُ لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُسَافِرًا وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ، وَأَجَّلَهُ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فَإِنْ بَرْهَنَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِلَّا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنَا أَخْرُجُ غَدًا أَوْ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَكْفُلُهُ إلَى وَقْتِ الْخُرُوجِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ خُرُوجَهُ نَظَرَ إلَى زِيِّهِ أَوْ بَعَثَ مَنْ يَثِقُ بِهِ إلَى رُفَقَائِهِ فَإِنْ قَالُوا أُعَدَّ لِلْخُرُوجِ مَعَنَا يَكْفُلُهُ إلَى وَقْتِ الْخُرُوجِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ كَانَ حَالِفًا مِنْكُمْ فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ» ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُ اسْمِهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ بِغَيْرِ هَذَا الِاسْمِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَقَدَّمْنَا خِلَافَهُ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ.
فَلَوْ حَلَّفَهُ بِالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا فَلَا يَحْلِفُ بِغَيْرِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ، وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِذَلِكَ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُؤَلِّفِ ذِكْرُهُ فِي الْمَتْنِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ حَرَامٌ، وَمِنْهُمْ جَوَّزَهُ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ.
وَفِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. اهـ.
وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي لَمْ يُجِزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا، وَإِنْ مَسَّتْ إلَيْهِ الضَّرُورَةُ يُفْتَى أَنَّ الرَّأْيَ فِيهِ لِلْقَاضِي اتِّبَاعًا لِلْبَعْضِ. اهـ.
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَزَادَ فَلَوْ حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ فَنَكَلَ، وَقَضَى بِالْمَالِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَحْلِيفَ بِهِمَا فَلَا اعْتِبَارَ بِنُكُولِهِ عَنْهُمَا، وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالتَّحْلِيفِ بِهِمَا فَيَعْتَبِرُ نُكُولَهُ وَيَقْضِي بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِهِمَا لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَيُقْضَى بِهِ، وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ خِلَافُهُ قَيَّدَ بِالْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَوْ طَلَبَ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي مَا يَعْلَمُ أَنَّ الشُّهُودَ كَذَبَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَيُغَلَّظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك، وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ كَذَا وَكَذَا، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَيُنْقِصَ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ كَيْ لَا تَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي لَمْ يُغَلِّظْ وَيَقْتَصِرُ عَلَى بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ، وَقِيلَ لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ، وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ التَّغْلِيظَ لَمْ يُجَوِّزْهُ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ وَنَكَلَ عَنْ التَّغْلِيظِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ حَصَلَ، وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَالِاخْتِيَارِ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ أَنَّ الْقُضَاةَ يَزِيدُونَ فِيهِ مَا شَاءُوا وَيُنْقِصُونَ مَا شَاءُوا. اهـ.
(قَوْلُهُ لَا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ) أَيْ لَا يُغَلِّظُ الْقَاضِي بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَفِي إيجَابِ ذَلِكَ حَرَجٌ عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورَهَا، وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمَنْفِيَّ وُجُوبُ التَّغْلِيظِ بِهِمَا فَيَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَظَاهِرُ مَا فِي الْكِتَابِ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ فِي التَّغْلِيظِ بِالزَّمَانِ تَأْخِيرَ حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الْيَمِينِ إلَى ذَلِكَ الزَّمَانِ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ فَلَا يُشْرَعُ وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ التَّغْلِيظَ بِهِ لَيْسَ بِحَسَنٍ عِنْدَنَا أَصْلًا فَيُفِيدُ الْإِبَاحَةَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ.
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عليه السلام وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى عليه السلام وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَالْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى)«لِقَوْلِهِ عليه السلام لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» ؛ وَلِأَنَّ الْيَهُودِيَّ يَعْتَقِدُ نُبُوَّةَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَلَوْ حَلَّفَهُ بِالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَمْ أَرَهُ) رَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُ الْحَمَوِيُّ بِأَنَّهُ قُصُورٌ لِوُجُودِ النَّصِّ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ أَوْ الْقَادِرِ فَكُلُّ ذَلِكَ يَمِينٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا غَلَّظَ بِذِكْرِ الصِّفَةِ يُحْتَرَزُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ لِئَلَّا تَتَكَرَّرُ الْيَمِينُ وَنَصُّوا هُنَا فِي تَحْلِيفِ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَهْدُ اللَّهِ عَلَيْك وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ بَلْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَ فِي رَوْضَةِ الْقُضَاةِ بِأَنَّ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ وَسَائِرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى تَكُونُ يَمِينًا. اهـ.
كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: نُكُولُهُ) وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ هُمْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِهِمَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ. اهـ.
وَفِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ مِثْلُهُ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِامْتِنَاعِهِ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ، وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ، وَفِي الدُّرِّ عَنْ مُصَنَّفِ التَّنْوِيرِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا فِي الْبَحْرِ لَكِنْ نَقَلَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ مَا مُحَصَّلُهُ أَنَّ فَائِدَةَ التَّحْلِيفِ بِهِمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ اطْمِئْنَانُ خَاطِرِ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ فَرُبَّمَا كَانَ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ فَإِذَا حَلَفَ لَهُ بِهِمَا صَدَّقَهُ. اهـ.
قُلْت بَلْ فِي الْغَالِبِ يَمْتَنِعُ عَنْهُ إذَا كَانَ كَاذِبًا خَوْفًا مِنْ طَلَاقِ زَوْجَتِهِ وَعِتْقِ عَبْدِهِ فَلَهُ فَائِدَةٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ إلَخْ) أَيْ يُحْتَاطُ عَنْ الْعَطْفِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَتَى بِهَا.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى مُصْحَفٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا التَّوْرَاةَ أَوْ هَذَا الْإِنْجِيلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْرِيفُ بَعْضِهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَقَعَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَرْفِ الْمُحَرَّفِ فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ بِهِ تَعْظِيمًا لِمَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الشرنبلالية
مُوسَى عليه السلام وَالنَّصْرَانِيّ نُبُوَّةَ عِيسَى فَيُغَلِّظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ صُورَةِ تَحْلِيفِ الْمَجُوسِيِّ مَذْكُورٌ فِي الْأَصْلِ وَيُرْوَى عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ اسْمِهِ تَعَالَى تَعْظِيمٌ لَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ تُعَظَّمَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَظَّمَة، وَالْوَثَنِيُّ لَا يَحْلِفُ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] .
وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ قَوْلُهُمَا فَإِنْ قُلْت إذَا حَلَفَ الْكَافِرُ بِاَللَّهِ فَقَطْ وَنَكَلَ عَمَّا ذَكَرَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا؟ . قُلْتُ: لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُغَلِّظُ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ فَيُكْتَفَى بِاَللَّهِ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ، وَفِي الْعِنَايَةِ ابْنِ صُورِيَّا بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَأَنْشُدُك أَيْ أُحَلِّفُك بِاَللَّهِ. اهـ.
وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ لَا يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّ الدَّهْرِيَّةَ مِنْهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [لقمان: 25] الْآيَةَ، عَلَى ذَلِكَ بَلْ؛ لِأَنَّ الْوَثَنِيَّ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ. اهـ.
وَالْيَهُودِيُّ نِسْبَةٌ إلَى هُودٍ، وَهُوَ اسْمُ نَبِيٍّ عَرَبِيٍّ وَسُمِّيَ بِالْجَمْعِ وَبِالْمُضَارِعِ مِنْ هَادَ إذَا رَجَعَ وَيُقَالُ هُمْ يَهُودُ، وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ وَجَازَ تَنْوِينُهُ، وَقِيلَ نِسْبَةً إلَى يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ عليهما السلام وَتَمَامُهُ فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِيهِ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ بِفَتْحِ النُّونِ وَامْرَأَةٌ نَصْرَانِيَّةٌ وَرُبَّمَا قِيلَ نَصْرَانٌ وَنَصْرَانِيَّةٌ وَيُقَالُ هُوَ نِسْبَةٌ إلَى قَرْيَةٍ اسْمُهُمَا نَصْرَةُ قَالَهُ الْوَاحِدِيُّ: وَلِهَذَا قِيلَ فِي الْوَاحِدِ نَصْرِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ وَالنَّصَارَى جَمْعُهُ مِثْلُ مَهْرِيٌّ، وَمَهَارَى ثُمَّ أَطْلَقَ النَّصْرَانِيَّ عَلَى كُلِّ مَنْ تَعَبَّدَ بِهَذَا الدِّينِ. اهـ.
وَفِيهِ الْمَجُوسُ أُمَّةٌ مِنْ النَّاسِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ وَتَمَجَّسَ دَخَلَ فِي دِينِ الْمَجُوسِ كَمَا يُقَالُ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ إذَا دَخَلَ فِي دِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. اهـ.
وَفِيهِ الْوَثَنُ الصَّنَمُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَالْجَمْعُ وُثْنٌ مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسْدٌ، وَأَوْثَانٌ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ مَنْ يَتَدَيَّنُ بِعِبَادَتِهِ عَلَى لَفْظِهِ فَيُقَالُ رَجُلٌ وَثَنِيٌّ. اهـ.
(قَوْلُهُ، وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَتِهِمْ) ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ عَنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْضُرُهَا لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُودِ.
(قَوْلُهُ: وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَبَيْعٌ قَائِمٌ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ، وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ) يَعْنِي، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُبَاعُ الْعَيْنُ ثُمَّ يُقَالُ فِيهَا، وَلَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ مَا نَكَحْت؛ لِأَنَّهُ يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْخُلْعُ، وَلَا فِي الْغَصْبِ مَا غَصَبْت؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا رَدَّهُ، وَفِي الطَّلَاقِ مَا طَلَّقْت؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ يُجَدَّدُ بَعْدَ الْإِبَانَةِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَلَهُ مَعْنَيَانِ لُغَوِيٌّ وَاصْطِلَاحِيٌّ هُنَا فَالْأَوَّلُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ الْحَاصِلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا بَقِيَ وَثَبَتَ وَذَهَبَ مَا سِوَاهُ حَصَلَ حُصُولًا، وَمَحْصُولًا. اهـ.
وَالثَّانِي: تَحْلِيفُهُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ صُورَةُ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَبَيَانُهُ إذَا ادَّعَى عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ قَرْضًا أَوْ غَصْبًا أَوْ بَيْعًا فَهُوَ يُنْكِرُ وَيَقُولُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فَعَلَى قَوْلِهِمَا يَحْلِفُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِهِ بِاَللَّهِ لَيْسَ لَهُ عِنْدَك شَيْءٌ، وَلَا عَلَيْك دَيْنٌ وَعِنْدَهُ بِاَللَّهِ مَا أَوْدَعَهُ، وَلَا بَاعَهُ، وَلَا أَقْرَضَهُ ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ.
وَقَوْلُهُ الْآنَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمْعِ كَمَا أَفَادَهُ مِسْكِينٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَنَّ الْأَصْلَ هَذَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ تَرْكُ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةَ الْعِدَّةِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ إلَخْ) عِبَارَةُ ابْنِ الْكَمَالِ لَا؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّ الدَّهْرِيَّةَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْهُ عَلَى السَّبَبِ إنَّ الشَّخْصَ قَدْ يَبِيعُ ثُمَّ يُقْبِلُ
أَوْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي لَا يَرَاهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ يُكَرِّرُ الرِّقَّ عَلَيْهَا بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَعَلَيْهِ يُنْقَضُ الْعَهْدُ وَاللِّحَاقُ، وَلَا يُكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ بِالْغَصْبِ، وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ قُصُورٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ، وَلَا مِثْلُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.
وَكَذَا فِي قَوْلِهِ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالْبَائِنِ، وَأَمَّا الرَّجْعِيُّ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هِيَ طَالِقٌ فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الَّذِي بَيْنَكُمَا. اهـ.
كَمَا أَنَّ إدْخَالَ النِّكَاحِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي يَحْلِفُ فِيهَا عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَهُمَا غَفْلَةٌ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالشَّارِحِينَ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقُولُ بِالتَّحْلِيفِ فِي النِّكَاحِ، وَلِذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنَّهُ يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْلِفُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى صُورَةِ دَعْوَى الْمُدَّعِي. اهـ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُولُ بِهِ كَتَفْرِيعِهِ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَالْمَذْهَبُ فِي التَّحْلِيفِ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَلِذَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ لَكِنْ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ، وَلَمْ يَسْتَوْفِ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَسَائِلَ الْمُفَرَّعَةَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَمِنْهَا الْأَمَانَةُ وَالدَّيْنُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا، وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَلْفُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك مَا يَدَّعِي، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْأَلْفُ إلَّا دِرْهَمًا فَيَكُونُ صَادِقًا. اهـ.
وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى الْوَدِيعَةِ قُصُورٌ وَالصَّوَابُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَفِي دَعْوَى الْوَدِيعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ فِي يَدَيْك وَدِيعَةً، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى اسْتَهْلَكَهَا أَوْ دَلَّ إنْسَانًا عَلَيْهَا لَا تَكُونُ فِي يَدَيْهِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ فِي يَدَيْك بَلْ يُضَمُّ إلَيْهِ، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ مِنْهُ احْتِيَاطًا. اهـ.
وَمِنْهَا دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فَإِنْ كَانَ فِي مِلْكٍ مَنْقُولٍ حَاضِرٍ فِي الْمَجْلِسِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْعَيْنُ مِلْكُ الْمُدَّعِي مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ الْمَجْلِسِ إنْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَأَنْكَرَ كَوْنَهُ مِلْكَ الْمُدَّعِي كُلِّفَ إحْضَارَهُ لِيُشِيرَ إلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ بَعْدَ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَا لِهَذَا فِي يَدَيْك كَذَا، وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْك، وَلَا قِبَلَك، وَلَا قِيمَتَهُ، وَهِيَ كَذَا، وَلَا شَيْءَ مِنْهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَمِنْهَا دَعْوَى إجَارَةِ الضَّيْعَةِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الْحَانُوتِ أَوْ الْعَبْدِ أَوْ دَعْوَى مُزَارَعَةٍ فِي أَرْضٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ فِي نَخْلٍ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا الْمُدَّعِي إجَارَةٌ قَائِمَةٌ تَامَّةٌ لَازِمَةٌ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْعَيْنِ الْمُدَّعَى، وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ بِالْإِجَارَةِ الَّتِي وُصِفَتْ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا، وَأَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يُنْكِرَ الزَّوْجُ الْأَمْرَ وَالِاخْتِيَارَ جَمِيعًا، وَفِيهِ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك السَّاعَةَ رُبَّمَا تَأَوَّلَ قَوْلَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوَاقِعَ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ رَجْعِيٌّ فَيَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ، وَلَكِنْ يُحْتَاطُ فِيهِ لِلزَّوْجِ بِاَللَّهِ مَا قُلْت لَهَا مُنْذُ آخِرِ تَزَوُّجٍ تَزَوَّجْتهَا أَمْرُك بِيَدِك، وَمَا تَعْلَمُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِحُكْمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْأَمْرِ، وَأَنْكَرَ اخْتِيَارَهَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّهَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاخْتِيَارِ وَأَنْكَرَ الْأَمْرَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا جَعَلْت أَمْرَ امْرَأَتِك هَذِهِ بِيَدِهَا قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَكَذَا إنْ ادَّعَتْ أَنَّ الزَّوْجَ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا، وَقَدْ فَعَلَ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَمِنْهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي حَلِفِ الْبَيْعِ قَاصِرٌ وَالْحَقُّ مَا فِي الْخِزَانَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ فَإِنْ ذَكَرَ نَقْدَ الثَّمَنِ فَادَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا هَذَا الْعَبْدُ مِلْكُ الْمُدَّعِي، وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ بِالسَّبَبِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْإِمَامَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِمَا) أَوْ يُقَالُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاحِ دَعْوَى الْمَالِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيَّ وَلَكِنْ ذَكَرَهُ فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَحْلِفُ عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمَالِ لَا عَلَى عَدَمِ النِّكَاحِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَفِيمَا ذَكَرَهُ) أَيْ فِي أَوَّلِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ
الَّذِي ادَّعَى، وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْته، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُشْتَرِي نَقْدَ الثَّمَنِ يُقَالُ لَهُ أَحْضِرْ الثَّمَنَ فَإِذَا حَضَرَ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك قَبْضُ هَذَا الثَّمَنِ وَتَسْلِيمُ هَذَا الْعَبْدِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ادَّعَى، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَك وَبَيْنَ هَذَا شِرَاءٌ قَائِمٌ السَّاعَةَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَعْوَى الشِّرَاءِ مَعَ نَقْدِ الثَّمَنِ دَعْوَى الْمَبِيعِ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الثَّمَنِ فَيَحْلِفُ عَلَى مِلْكِ الْمَبِيعِ وَدَعْوَى الْبَيْعِ مَعَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ دَعْوَى الثَّمَنِ مَعْنًى، وَلَيْسَتْ بِدَعْوَى الْعَقْدِ، وَلِهَذَا تَصِحُّ مَعَ جَهَالَةِ الْمَبِيعِ فَيَحْلِفُ عَلَى مِلْكِ الثَّمَنِ. اهـ.
وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ إذَا كَانَتْ صَحِيحَةً بِأَنْ ذَكَرَ أَنَّهَا مُنْجَزَةٌ أَوْ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ، وَأَنَّهَا كَانَتْ بِإِذْنِهِ أَوْ أَجَازَهَا فِي الْمَجْلِسِ، وَإِذَا حَلَّفَهُ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك هَذِهِ الْأَلْفُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا حَتَّى لَا يَتَنَاوَلَ كَفَالَةً أُخْرَى وَكَذَا إذَا كَانَتْ كَفَالَةٌ يَعْرِضُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك هَذَا الثَّوْبُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ، وَفِي النَّفْسِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَك تَسْلِيمُ نَفْسِ فُلَانٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الْكَفَالَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَمِنْهَا تَحْلِيفُ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ رَجُلٌ أَعَارَ دَابَّةً أَوْ آجَرَهَا أَوْ أَوْدَعَهَا فَجَاءَ مُدَّعٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا بِعْت، وَلَا وَهَبْت، وَلَا أَذِنْت فِيهَا، وَلَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ مِلْكِك لِلْحَالِ، وَمِنْهَا إذَا ادَّعَى غَرِيمُ الْمَيِّتِ إيفَاءَ الدَّيْنِ لَهُ، وَأَنْكَرَ الْوَارِثُ يَحْلِفُ مَا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَهُ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَا بَرِئَ إلَيْهِ مِنْهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَقَدَّمْنَا كَيْفِيَّةَ تَحْلِيفِ مُدَّعِيهِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَقُولُ: قَوْلُهُ: وَلَا بَرِئَ إلَى آخِرِهِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْإِيفَاءَ لَا الْبَرَاءَةَ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ فِي التَّحْلِيفِ. اهـ.
وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ بِجَوَازِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَبْرَأَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَدْيُونُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِهِ، وَمِنْهَا فِي دَعْوَى الْإِتْلَافِ قَالَ فِي الْخِزَانَةِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ خَرَقَ ثَوْبَهُ، وَأَحْضَرَ الثَّوْبَ مَعَهُ إلَى الْقَاضِي لَا يُحَلِّفُهُ مَا خَرَقْت ثُمَّ يَنْظُرُ فِي الْخَرْقِ إنْ كَانَ يَسِيرًا وَضَمِنَ النُّقْصَانَ يَحْلِفُ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَدَّعِي، وَلَا أَقَلُّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ حَاضِرًا كَلَّفَهُ الْقَاضِي بَيَانَ قِيمَتِهِ، وَمِقْدَارِ النُّقْصَانِ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي هَدْمِ الْحَائِطِ أَوْ فَسَادِ مَتَاعٍ أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ أَوْ نَحْوِهِ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ صُوَرِ التَّحْلِيفِ تَكْرَارُ لَا فِي لَفْظِ الْيَمِينِ خُصُوصًا فِي تَحْلِيفِ مُدَّعِي دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا تَصِلُ إلَى خَمْسَةٍ، وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَرْبَعَةٍ مَعَ قَوْلِهِمْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ إنَّ الْيَمِينَ تَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ قَوْلِهِ لَا كَقَوْلِهِ لَا آكُلُ طَعَامًا، وَلَا شَرَابًا، وَمَعَ قَوْلِهِمْ هُنَا فِي تَغْلِيظِ الْيَمِينِ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْعَطْفِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا عُطِفَ صَارَتْ أَيْمَانًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا بَلْ، وَلَا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ أَوْ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَافِعِيًّا مَثَلًا لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي مُعْتَقَدِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي، وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِمَذْهَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُدَّعِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ إنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا الِاعْتِبَارُ لِمَذْهَبِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى شَافِعِيٌّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ عِنْدَ حَنَفِيٍّ سَمِعَهَا، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ يَسْأَلُهُ الْقَاضِي هَلْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا أَوْ لَا، وَفِي شَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّ الْأَخِيرَ أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ، وَأَحْسَنُهَا. اهـ.
وَهَذَا تَصْحِيحٌ فَكَانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَذَكَرَ الصَّدْرُ حِكَايَةً عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ كَانَ يُدَرِّسُ وَالْخَلِيفَةُ يَحْكُمُ فَاتَّفَقَ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْعِدَّةِ فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَحَلَّفَهُ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَدَّعِي فَلَمَّا تَهَيَّأَ لِيَحْلِفَ نَظَرَتْ الْمَرْأَةُ إلَيْهِ فَعَلِمَ لِمَاذَا نَظَرَتْ إلَيْهِ فَنَادَى خَلِيفَتَهُ سَلْ الرَّجُلَ مِنْ أَيِّ الْمَحَلَّةِ هُوَ حَتَّى إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ مَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْك؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَرَى النَّفَقَةَ لِلْمَبْتُوتَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا حَلِّفْهُ بِاَللَّهِ مَا عَلَيْك تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي تَدَّعِي نَظَرًا لَهَا. اهـ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ رَاعَيْتُمْ جَانِبَ الْمُدَّعِي وَتَرَكْتُمْ النَّظَرَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَى، وَلَا شُفْعَةَ لَهُ بِأَنْ سَلَّمَ أَوْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ قُلْتُ أَشَارَ الصَّدْرُ إلَى جَوَابِهِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا فَكَانَ مُرَاعَاةُ جَانِبِ الْمُدَّعِي أَوْلَى، وَأَوْجَبَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَأَجَبْت عَنْهُ فِيمَا كَتَبْنَاهُ عَلَيْهِ إلَخْ) وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا فِي نُورِ الْعَيْنِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ: لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى هُوَ إيفَاءُ مَجْمُوعِ الدَّيْنِ فَلَوْ أُرِيدَ تَسْوِيَتُهُ بِالْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ لَاكْتَفَى فِي الْحَلِفِ بِلَفْظِ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَبَاكُمْ قَبَضَهُ فَزِيَادَةُ لَفْظِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ تَدُلُّ قَطْعًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إنَّمَا هُوَ دَفْعُ جَمِيعِ الْوُجُوهِ الْمُحْتَمَلَةِ فِي جَانِبِ الْمُوَرِّثِ نَظَرًا لِلْغَرِيمِ وَشَفَقَةً عَلَيْهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ زِيَادَةٍ وَلَا بَرِئَ إلَيْهِ احْتِمَالُ أَنَّ الْغَرِيمَ تَجُوزَ فَأَرَادَ بِالْإِيفَاءِ الْإِبْرَاءَ نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ مَآلِهَا، وَهُوَ خَلَاصُ الذِّمَّةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يُحَلِّفُهُ مَا خَرَقْت) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَرَقَهُ، وَأَدَّى ضَمَانَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ ظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَكَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي كَتَبْت مِنْهَا، وَهُنَا كَلَامٌ سَاقِطٌ وَأَقُولُ: إذَا تَأَمَّلْ الْمُتَأَمِّلُ وَجَدَ التَّكْرَارَ لِتَكْرِيرِ الْمُدَّعَى فَلْيُتَأَمَّلْ. اهـ.
يَعْنِي: أَنَّ الْمُدَّعِيَ، وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا وَاحِدًا فِي اللَّفْظِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ضِمْنًا.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَذْهَبُ الْمُدَّعِي فَفِيهِ اخْتِلَافٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي غَيْرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا الْمَأْمُورِينَ بِالْحُكْمِ عَلَى مَذْهَبِ مُوَلِّيهِمْ عَزَّ نَصْرُهُ.
؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْحَقِّ لَهُ، وَهُوَ الشِّرَاءُ إذَا أُثْبِتَ ثَبَتَ الْحَقُّ لَهُ وَسُقُوطُهُ إنَّمَا يَكُونُ بِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ فَيَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَارِضِ. اهـ.
وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَسْأَلَتَيْ الْكِتَابِ فَمَسْأَلَةُ الْإِيلَاءِ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْسِ الْإِيلَاءِ إذَا قَالَتْ إنَّهُ لَا يَرَى الْوُقُوعَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَنَّ مَعْرِفَةَ كَوْنِ الْمُدَّعِي شَافِعِيًّا وَنَحْوَهُ إنَّمَا هِيَ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا تَنَازَعَا فِي ذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَى الْعِلْمِ لَوْ وَرِثَ عَبْدًا فَادَّعَاهُ آخَرُ) ؛ لِأَنَّهُ لَا عِلْمَ لَهُ بِمَا صَنَعَ الْمُوَرِّثُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَاهُ مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِسَبَبٍ مِنْ الْمُوَرِّثِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْبَتَاتِ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ) لِوُجُودِ الْمُطْلِقِ لِلْيَمِينِ إذْ الشِّرَاءُ سَبَبٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ وَضْعًا وَكَذَا الْهِبَةُ، وَمُرَادُهُ وُصُولُهُ إلَيْهِ بِسَبَبٍ اخْتِيَارِيٍّ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ لَوْ ادَّعَى عَلَى الْوَارِثِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ عَلَى الْوَارِثِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُهُ أَوَّلًا عَنْ مَوْتِ أَبِيهِ لِيَكُونَ خَصْمًا فَإِنْ أَقَرَّ بِمَوْتِهِ سَأَلَهُ عَنْ الدَّيْنِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ يَسْتَوْفِيهِ الْمُدَّعِي مِنْ نَصِيبِهِ فَقَطْ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي اسْتَوْفَاهُ مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِلَّا وَطَلَبَ يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي عَلَى الْعِلْمِ فَإِنْ حَلَفَ انْتَهَتْ، وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ فَيَسْتَوْفِي مِنْ نَصِيبِهِ إنْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اُسْتُحْلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ قَدْرُ الْمَالِ الْمُدَّعَى، وَلَا بَعْضُهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِلَّا لَا هَذَا إذَا حَلَفَ عَلَى الدَّيْنِ أَوَ لَا فَإِنْ حَلَّفَهُ عَلَى الْوُصُولِ أَوَّلًا فَحَلَفَ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الدَّيْنِ ثَانِيًا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ فَكَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ مُنْتَظَرَةٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُدَّعِي اسْتِحْلَافَهُ عَلَى الدَّيْنِ وَالْوُصُولِ مَعًا فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا يَجْمَعُ، وَإِنْ أَنْكَرَ مَوْتَهُ حَلَّفَهُ عَلَى الْعِلْمِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَّفَهُ عَلَى الدَّيْنِ. اهـ. مُخْتَصَرًا.
وَدَعْوَى الْوَصِيَّةِ عَلَى الْوَارِثِ كَدَعْوَى الدَّيْنِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لَوْ أَنْكَرَهَا، وَإِذَا تَنَازَعَا فِي كَوْنِهَا مِيرَاثًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرِثْتُهَا فَاحْلِفْ عَلَى الْعِلْمِ وَكَذَّبَهُ الْمُدَّعِي حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ، وَهُوَ ظُهُورُ الدَّارِ فِي يَدِهِ، وَهُوَ يُرِيدُ إسْقَاطَ يَمِينِ الْبَتَاتِ فَالْقَوْلُ لِلْمُدَّعِي فَإِذَا أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا وَصَلَتْ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ فَلَهُ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْبَتَاتِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الصَّدْرِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُدَّعِيَ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ بِهِ وَحَلَّفَهُ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْيَمِينِ وَرُبَّمَا لَا يَعْلَمُ الْأَوَّلُ بِهِ وَيَعْلَمُ بِهِ الثَّانِي، وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ الْوَرَثَةِ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ وَحَلَّفَهُ لَيْسَ لِلْبَاقِي تَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، وَهُوَ لَا يُحَلِّفُهُ إلَّا مَرَّةً كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله إلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي فِعْلِ الْغَيْرِ وَعَلَى الْبَتَاتِ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا «حَلَّفَ عليه السلام الْيَهُودَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ، وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا» قَالَ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا ادَّعَى الْإِبَاقَ وَنَحْوَهُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ لَهُ الْمَبِيعَ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودِعَ إذَا قَالَ إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ لِادِّعَائِهِ الْعِلْمَ بِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ الدَّارَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ دَخَلَ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ الْيَوْمَ. اهـ.
مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ لِكَوْنِهِ ادَّعَى عِلْمًا بِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ بَاعَ الْوَصِيُّ عَبْدًا فَادَّعَى الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَحْلِفُ الْوَصِيُّ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْوَكِيلُ عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ فَيَعْلَمُ بِالْعَيْبِ ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْوَكِيلِ. اهـ.
وَمِمَّا يَحْلِفُ فِيهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ مَا فِي الْقُنْيَةِ، وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَتْ امْرَأَتُهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا قَبْلَ هَذَا، وَلَا بَيِّنَةَ فَلَهَا أَنْ تُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الْعِلْمِ. اهـ.
وَمِنْهُ مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَ فِي حَالِ مَرَضِهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا ثُمَّ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ وَبِنْتٍ وَوَرَثَةٍ فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُحَلِّفُوا زَوْجَتَهُ وَابْنَتَهُ عَلَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: يَسْتَوْفِيهِ الْمُدَّعِي مِنْ حِصَّتِهِ فَقَطْ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَيَبْقَى إقْرَارًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ: اسْتَوْفَاهُ مِنْ التَّرِكَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَدَّعِي عَلَى الْمَيِّتِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا وَطَلَبَ يَمِينَهُ أَيْ، وَإِلَّا يُبَرْهِنَ الْمُدَّعِي وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اسْتَحْلَفَهُ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ هَذَا عَلَى أَبِيك هَذَا الْمَالَ الَّذِي ادَّعَاهُ، وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: إنْ أَقَرَّ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ أَيْ بِوُصُولِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا أَيْ، وَأَلَّا يُقِرَّ بِوُصُولِهِ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ: فَلَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى الدَّيْنِ ثَانِيًا أَيْ عَلَى الْعِلْمِ.
وَقَوْلُهُ: لِاحْتِمَالِ إلَخْ أَيْ أَنَّ فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ فَائِدَةً، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَالُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مَتَى اسْتَحْلَفَهُ، وَأَقَرَّ أَوْ نَكَلَ وَثَبَتَ الدَّيْنُ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْأَبِ مَالٌ مِنْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْبِضَاعَةِ عِنْدَ إنْسَانٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ فَفِيهِ فَائِدَةٌ مُنْتَظَرَةٌ، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ عَلَى الدَّيْنِ أَيْ عَلَى الْعِلْمِ أَيْضًا