المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[يبطل كتاب القاضي إلي القاضي بموت الكاتب وعزله] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٧

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌(بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ)

- ‌[يَبْطُلُ كِتَاب الْقَاضِي إلَيَّ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ

- ‌ الْقَضَاءُ عَلَى خَصْمٍ غَيْرِ حَاضِرٍ

- ‌ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ

- ‌(بَابُ التَّحْكِيمِ)

- ‌[شَرْطُ التَّحْكِيم]

- ‌[حُكْمُ المحكم لِأَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ]

- ‌[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ]

- ‌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتٍ فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ جَحَدَنِيهَا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ فَرَدَّهُ ثُمَّ صَدَّقَهُ

- ‌ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ

- ‌ أَوْصَى إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ

- ‌ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْته إلَى زَيْدٍ قَضَيْت بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْته ظُلْمًا

- ‌(كِتَابُ الشَّهَادَاتِ)

- ‌[سَتْر الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُود]

- ‌[شَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعَةَ رِجَالٍ]

- ‌[شَرَطَ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لَفْظَ أَشْهَدُ بِالْمُضَارِعِ الشَّهَادَة]

- ‌[وَالْوَاحِدُ يَكْفِي لِلتَّزْكِيَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّرْجَمَةِ الشَّهَادَةُ]

- ‌لَا يَعْمَلُ شَاهِدٌ وَقَاضٍ وَرَاوٍ بِالْخَطِّ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوا)

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌[فُرُوعٌ شَهِدَ الْوَصِيُّ بَعْدَ الْعَزْلِ لِلْمَيِّتِ]

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى)

- ‌[شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ]

- ‌[شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانِ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ]

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌[صِيغَة الْإِشْهَادُ عَلَى الشَّهَادَة]

- ‌[لَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ

- ‌[شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ وَآخَرَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَقُضِيَ ثُمَّ رَجَعُوا]

- ‌[شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ]

- ‌[كِتَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[شَرَائِطِ الْوَكَالَةُ]

- ‌[حُكْمِ الْوَكَالَة]

- ‌[صِفَة الْوَكَالَةِ]

- ‌ التَّوْكِيلُ بِإِيفَاءِ جَمِيعِ الْحُقُوقِ وَاسْتِيفَائِهَا

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ)

- ‌[مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ]

- ‌[أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[رَدَّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْعَيْبِ]

- ‌[تَصَرُّفُ أَحَدُ الْوَكِيلَيْنِ وَحْدَهُ]

- ‌ زَوَّجَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ أَوْ كَافِرٌ صَغِيرَتَهُ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ

- ‌(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ)

- ‌ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ مَالِهِ فَادَّعَى الْغَرِيمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَهُ

- ‌[بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ]

- ‌[افْتِرَاقُ الشَّرِيكَيْنِ هَلْ يُبْطِل الْوَكَالَة]

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌[بَابُ التَّحَالُفِ]

- ‌(فَصْلٌ) يَعْنِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى

- ‌(بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ)

- ‌[كِتَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِقْرَارِ]

- ‌(بَابُ إقْرَارِ) (الْمَرِيضِ)

- ‌(كِتَابُ الصُّلْحِ)

- ‌[فَصْلٌ الصُّلْحُ عَنْ دَعْوَى الْمَالِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ فِي الدَّيْنِ]

- ‌(فَصْلٌ فِي الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي صُلْحِ الْوَرَثَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ ادَّعَى أَرْضًا أَنَّهَا وَقْفٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَصَالَحَهُ الْمُنْكِرُ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ]

- ‌(بَابُ " الْمُضَارِبُ يُضَارِبُ

- ‌[فَصْلٌ دَفْعِ مَالِ الْمُضَارَبَةُ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً]

- ‌[كِتَابُ الْوَدِيعَةِ]

- ‌[لِلْمُودَعِ أَنْ يَحْفَظ الْوَدِيعَة بِنَفْسِهِ وَبِعِيَالِهِ]

- ‌[طَلَبَ الْوَدِيعَة رَبُّهَا فَحَبَسَهَا قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا فَمَنَعَهَا]

- ‌[كِتَابُ الْعَارِيَّةِ]

- ‌[هَلَكَتْ الْعَارِيَّة بِلَا تَعَدٍّ]

- ‌[كِتَابُ الْهِبَةِ]

- ‌[مُؤْنَةُ رد الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمَالِكِ]

- ‌[هِبَةُ الْأَبِ لِطِفْلَةِ]

- ‌[قَبْضُ زَوْجِ الصَّغِيرَةِ مَا وُهِبَ بَعْدَ الزِّفَافِ]

- ‌(بَابُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ)

- ‌[فَصْلٌ مَسَائِلَ شَتَّى فِي الْهِبَة]

- ‌[الرُّقْبَى]

- ‌[كِتَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[لِرَبِّ الدَّارِ وَالْأَرْضِ طَلَبُ الْأَجْرِ كُلَّ يَوْمٍ]

- ‌[اسْتَأْجَرَهُ لِيَجِيءَ بِعِيَالِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ فَجَاءَ بِمَا بَقِيَ]

- ‌[بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ وَمَا يَكُونُ خِلَافًا فِيهَا]

- ‌[الزَّرْعُ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إلَى أَنْ يُدْرَكَ إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ]

الفصل: ‌[يبطل كتاب القاضي إلي القاضي بموت الكاتب وعزله]

الشَّهَادَةِ حَتَّى تُعَادَ. اهـ.

وَقَدْ ذَكَرُوا هُنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ كِتَابَهُ فِسْقُهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ عَدْلًا فَفَسَقَ عِنْدَ الْبَعْضِ (قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَبْطُلُ الْكِتَابُ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَهُ إلَّا إذَا عَمَّمَ لِاعْتِمَادِهِ الْكُلَّ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ بَعْدَ اسْمِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَمَّمَ ابْتِدَاءً لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَحَدٌ وَأَجَازَهُ أَبُو يُوسُفَ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ.

(قَوْلُهُ لَا بِمَوْتِ الْخَصْمِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُدَّعِيَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ تَارِيخُ الْكِتَابِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَطْلُوبِ أَوْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ وَارِثَ الْمَطْلُوبِ وَالْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ قَيَّدَ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ حَضْرَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ تُبْطِلُ كِتَابَتَهُ فَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ أُولَئِكَ حَتَّى يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَلَوْ رَدَّدَ بَيْنَ قَاضِيَيْنِ كَتَبَ إلَى فُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ صَحَّ وَشَرَحَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْخَصَّافِ وَسَيَأْتِي بَعْدُ.

(فُرُوعٌ) يَجُوزُ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كَمَا جَازَ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَلَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ الَّذِي وَلَّاهُ أَصْلَحَ اللَّهُ أَمْرَ الْأَمِيرِ ثُمَّ قَصَّ الْقِصَّةَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ فَجَاءَ بِهِ ثِقَةٌ يَعْرِفُهُ الْأَمِيرُ فَالِاسْتِحْسَانُ أَنَّ لِلْأَمِيرِ إمْضَاءَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَلَا يَلِيقُ بِالْقَاضِي أَنْ يَأْتِيَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى الْأَمِيرِ لِيُخْبِرَهُ وَشَرْطُنَا فِيهِ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ سَمِعَ الْخَصْمُ بِوُصُولِ كِتَابِ الْقَاضِي الْبَلْدَةَ فَهَرَبَ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى كَانَ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِمَا يَثْبُتُ عِنْدَهُ مِنْ كِتَابِ الْقَاضِي فَكَمَا جَوَّزْنَا لِلْأَوَّلِ الْكِتَابَةَ جَوَّزْنَا لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهَلُمَّ جَرًّا

لِلْحَاجَةِ

وَلَوْ كَتَبَ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى رَجَعَ الْخَصْمُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ شُهُودِ الْكِتَابِ بَلْ يُعِيدُ الْمُدَّعِي شَهَادَتَهُمْ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ وَالتَّفَاوُتُ هُنَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ بِالْعِلْمِ الْحَاصِلِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا عِنْدَ الْقَاضِي وَسَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ بِذَلِكَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ فَعَلَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ شَاهِدٌ فِي مَحَلِّ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكِتَابَةَ بِعِلْمِهِ كَالْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْخَصَّافِ.

(قَوْلُهُ وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) ؛ لِأَنَّهَا أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ فِي غَيْرِهِمَا فَكَانَتْ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لَكِنْ يَأْثَمُ الْمُوَلِّي لَهَا لِلْحَدِيثِ «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً وَنَاظِرَةً فِي الْأَوْقَافِ وَوَصِيَّةً عَلَى الْيَتَامَى اهـ.

فَظَاهِرُهُ صِحَّةُ تَقْرِيرِهَا فِي النَّظَرِ وَالشَّهَادَةِ فِي الْأَوْقَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ فِي وَقْفِهِ لِفُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ وَظِيفَةَ الشَّهَادَةِ وَاسْتَغْرَبَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا سَلْطَنَتُهَا فَصَحِيحَةٌ وَقَدْ وَلِيَ مِصْرَ امْرَأَةٌ تُسَمَّى شَجَرَةُ الدُّرِّ جَارِيَةُ الْمَلِكِ الصَّالِحِ بْنِ أَيُّوبَ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَضَتْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ لَيْسَ

ــ

[منحة الخالق]

[يَبْطُلُ كِتَاب الْقَاضِي إلَيَّ الْقَاضِي بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ]

(قَوْلُهُ وَشَرْطُنَا فِيهِ شَرْطُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) فِيهِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ فَإِنَّ عِبَارَةَ الْفَتْحِ هَكَذَا وَلَمْ يَجْرِ الرَّسْمُ فِي مِثْلِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فَشَرْطُنَا هُنَاكَ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي اهـ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ غَيْرِ مِصْرِ الْقَاضِي.

(قَوْلُهُ وَقَدْ أَفْتَيْت فِيمَنْ شَرَطَ الشَّهَادَةَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَأَنَّهُ عَلَّقَ فِي الْفَتْحِ قَوْلَهُ فِي الْأَوْقَافِ بِشَهَادَةٍ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْفَتْحِ إنَّمَا اسْتَظْهَرَ بِهَذَا عَلَى عَدَمِ سَلْبِ وِلَايَتِهَا مَعَ نُقْصَانِ عَقْلِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ صَلَاحِيَّتَهَا شَاهِدَةٌ فِي الْأَمْوَالِ اتِّفَاقًا فِيهِ إثْبَاتُ وِلَايَتِهَا وَالْقَضَاءُ أَهْلُهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ وَلَوْ عَلَّقَ فِي الْأَوْقَافِ بِشَاهِدَةٍ لَقَصُرَ عَنْ إفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى وَالْمَقْصُودُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَعُرْفُ الْوَاقِفِينَ مُرَاعًى وَلَمْ يَتَّفِقْ تَقْرِيرُ أُنْثَى شَاهِدَةً فِي وَقْفٍ فِي زَمَنٍ مَا فِيمَا عَلِمْنَا فَوَجَبَ صَرْفُ أَلْفَاظِهِ إلَى مَا تَعَارَفُوهُ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِ وَاقِفٍ وَلَمْ يَسِرْ ذِهْنُهُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْ الشَّاهِدِ الْكَامِلَ فَكَيْفَ يُصْرَفُ لَفْظُهُ إلَى غَيْرِ مُرَادِهِ وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَبْدُ الْبَرِّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ رِوَايَةِ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ؛ لِأَنَّ عُرْفَهُمْ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُونَ غَيْرَهُ وَلَا يَسْرِي إلَى أَذْهَانِهِمْ غَالِبًا سِوَاهُ فَاعْتُبِرَ عُرْفُهُمْ وَقَالَ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُصَحَّحَ رِوَايَةُ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَيْضًا قَطْعًا؛ لِأَنَّ فِيهَا نَصُّ مُحَمَّدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا وَقَدْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَفْهَمُونَ سِوَى ذَلِكَ وَلَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ عَمَلُهُمْ وَعُرْفُهُمْ اهـ.

وَهَذَا بُرْهَانٌ بَيِّنٌ لِمَا ادَّعَيْنَاهُ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَتَقْرِيرُهَا فِي شَهَادَةِ وَقْفٍ ابْتِدَاءً غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ اهـ.

وَذَكَرَ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ مُوَافَقَةَ مَا فِي النَّهْرِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْأَوْقَافِ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا لَا بِنَاظِرَةٍ فَقَطْ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمَقْدِسِيَّ فَالْمُتَعَارَفُ فِي الْأَوْقَافِ خِلَافُ هَذَا فَلَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ شَهَادَتَهَا فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ جَائِزٌ فَكَذَا قَضَاؤُهَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ تَقْرِيرِهَا فِي الْأَوْقَافِ اهـ.

كَذَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ قُلْتُ: كَلَامُ الْأَصْحَابِ يُفِيدُ صِحَّةَ تَقْرِيرِهَا شَاهِدَةً ابْتِدَاءً خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا إفَادَتُهُ لِدُخُولِهَا فِي الْوَاقِعَةِ الْمُسْتَفْتَى عَنْهَا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وَهَذَا هُوَ الْإِنْصَافُ لِمَنْ تَأَمَّلَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 5

لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَهُ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إلَى صَلَاحِيَّتِهَا لِلنَّظَّارَةِ عَلَى الْوَقْفِ وَالْوِصَايَةِ عَلَى الْيَتَامَى بِالْأَوْلَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا قَضَاءُ الْخُنْثَى فَيَصِحُّ بِالْأُولَى وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْأُنُوثَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ) ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءَ دُونَ التَّقْلِيدِ بِهِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ بِلَا إذْنٍ فَحَكَمَ الْخَلِيفَةُ فَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ حَيْثُ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرًا لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا قَضَى بِحَضْرَةِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُضُورُ رَأْيِهِ وَفِي آخِرِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْقَاضِي لَوْ قَضَى فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمَيْنِ بِأَنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ أُسْبُوعٍ لَا غَيْرُ فَقَضَى فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ فَإِذَا جَاءَتْ نَوْبَتُهُ أَجَازَ مَا قَضَى جَازَتْ اهـ فَدَخَلَ الْفُضُولِيُّ فِي الْقَضَاءِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَاضِي وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ إجَازَةَ قَضَاءِ الْفُضُولِيِّ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْفُضُولِيِّ خَلِيفَةً مِنْ قَاضٍ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِخْلَافِ بَلْ لَوْ قَضَى فُضُولِيٌّ بِلَا اسْتِخْلَافٍ أَصْلًا فَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ مَعْنَاهُ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا أَمَّا الْوَكِيلُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إذَا أَجَازَ أَوْ حَضَرَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ عِبَارَتُهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَمِلَ التَّفْوِيضُ إلَيْهِ مَا إذَا كَانَ صَرِيحًا بِأَنْ قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت أَوْ دَلَالَةً كَجَعَلْتُكَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَالدَّلَالَةُ هُنَا أَقْوَى؛ لِأَنَّ فِي الصَّرِيحِ الْمَذْكُورِ يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ لَا الْعَزْلَ وَفِي الدَّلَالَةِ يَمْلِكُهُمَا كَقَوْلِهِ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت فَإِنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا وَعَزْلًا وَإِذَا قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت وَاسْتَخْلِفْ كَانَ نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ فِي التَّوْلِيَةِ فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا وُكِّلَ بِإِذْنٍ وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ حَيْثُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ فِي حَيَاتِهِ لِرِضَى الْمُوصِي بِذَلِكَ دَلَالَةً لَعَجَزَهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمُوَكِّلِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّ لَهُ الْإِعَارَةَ بِشَرْطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ تَمْلِيكَهَا وَفِي الْمُلْتَقَطِ الْقَاضِي إذَا اسْتَخْلَفَ خَلِيفَةً فَقَضَى لِلْقَاضِي لَا يَجُوزُ وَالطَّرِيقُ فِيهِ أَنْ يَتَحَاكَمَا أَوْ يَنْصِبَ الْإِمَامُ قَاضِيًا آخَرَ لِهَذِهِ الْحَادِثَةِ. اهـ.

وَفِي السِّرَاجِيَّةِ الْقَاضِي إذَا وَقَعَتْ لَهُ حَادِثَةٌ أَوْ لِوَلَدِهِ فَأَنَابَ غَيْرَهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِنَابَةِ تَخَاصَمَا عِنْدَهُ وَقَضَى لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ جَازَ الْقَاضِي إذَا قَضَى لِلْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ الْقَضَاءَ أَوْ لِوَلَدِ الْإِمَامِ جَازَ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْخَلِيفَةُ إذَا أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ رَجُلًا وَأَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ جَازَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ثُمَّ وَثُمَّ اهـ.

وَفِيهَا وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا قَضَاءَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْقَاضِي الْأَصْلِيِّ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَثْبَتُوا قَضَاءَ

ــ

[منحة الخالق]

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوَلِّيَ الْقَضَاءَ غَيْرَهُ إلَّا إذَا كَانَ مَكْتُوبًا فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ أَوْ قِيلَ لَهُ مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ وَلَّى غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْأَوَّلِ (م) وَلَوْ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَأَمَرَ رَجُلًا فَحَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَجَازَ ذَلِكَ الْحُكْمَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ بِحَالٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا جَازَ إمْضَاءُ الْقَاضِي حُكْمَهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَوْ كَانَ قَاضِيًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ كَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ جَازَ إمْضَاؤُهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ الْخَلِيفَةُ أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي الِاسْتِخْلَافِ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ جَازَ فَهَذَا الْقَاضِي الثَّانِي يَصِيرُ قَاضِيًا مِنْ جِهَةِ الْخَلِيفَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَنْ يَعْزِلَ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَالَ الْخَلِيفَةُ لِلْأَوَّلِ تَسْتَبْدِلُ مَنْ شِئْت. اهـ.

(قَوْلُهُ فَدَخَلَ الْفُضُولِيُّ فِي الْقَضَاءِ) الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْقَضَاءَ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ وَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا مُجِيزَ لَهُ حَالَ صُدُورِهِ مِنْ الْفُضُولِيِّ لَا يَتَوَقَّفُ فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ الْفُضُولِيِّ إنْ كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَ صُدُورِهِ يَتَوَقَّفُ وَمَا لَا فَلَا كَدَارِ الْحَرْبِ حَيْثُ لَا سُلْطَانَ وَلَا قَاضِي وَلَوْ قَضَى بَعْدَ مَنْعِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا وَفَتْوَى مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ الصِّحَّةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى عَدَمِ النَّفَاذِ حَتَّى يُجَازَ وَبِعَدَمِ صِحَّةِ إجَازَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجَازَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ كَذَا بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِمْ كُلَّمَا صَحَّ التَّوْكِيلُ إذَا بَاشَرَهُ الْفُضُولِيُّ يَتَوَقَّفُ وَفِي قَوْلِهِمْ كُلُّ عَقْدٍ صَدَرَ وَلَهُ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتِهِ وَالْقَضَاءُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ بِشَرْطِهِ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ (قَوْلُهُ الْقَاضِي إذَا قَضَى لِلْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدَهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَجْهُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ الْعَامَّةِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ السُّلْطَانِ فَلَعَلَّ وَجْهَهُ عِنْدَهُ انْحِصَارُ الطَّرِيقِ فِيهِ إذْ الْحُكْمُ مِنْ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى فَلَا طَرِيقَ إلَى التَّحْكِيمِ فَجَازَ ذَلِكَ فَتْحًا لِبَابِ الْقَضَاءِ لَهُ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْحُكْمَ مِنْ الْإِمَامِ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي وَلَمْ أَرَ مَنْ حَرَّرَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَثَبَتَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ وَجْهُ مَا فِي السِّرَاجِيَّةِ أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ السُّلْطَانِ أَوْ الْعَامَّةِ فَانْقَطَعَتْ النِّسْبَةُ لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ أَنَّهُمْ نُوَّابُ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا فِي الْمُلْتَقَطِ لِمَا فِي قَضَائِهِ لَهُ مِنْ التُّهْمَةِ إذْ فِعْلُ النَّائِبِ كَفِعْلِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَضَى لِنَفْسِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص: 6

قَاضٍ آخَرَ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ النَّائِبُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ الْأَصْلِ وَكَذَا الْأَصْلُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ النَّائِبِ اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي مَرَّتَيْنِ فَقَالَ نَائِبُهُ كَانَ قَدْ جَرَى عِنْدِي مَرَّةً أُخْرَى وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْحُرْمَةِ الْغَلِيظَةِ بِكَلَامِ النَّائِبِ أَمَّا النَّائِبُ يَقْضِي بِكَلَامِ الْقَاضِي إذَا أَخْبَرَهُ اهـ.

ثُمَّ قَالَ فِي نَوْعٍ فِي الْإِمْضَاءِ وَالنَّائِبُ يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ الْأَصْلِ وَكَذَا الْقَاضِي يَقْضِي بِمَا شَهِدُوا عِنْدَ النَّائِبِ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَلِيفَةَ أَنْ يَسْمَعَ الْقَضِيَّةَ وَالشَّهَادَةَ وَيَكْتُبَ الْإِقْرَارَ وَلَا يَقْطَعَ الْحُكْمَ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ الْقَاضِي وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِإِخْبَارِ خَلِيفَتِهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاضٍ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِإِقْرَارِ رَجُلٍ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ هُوَ مَعَ آخَرَ وَقَدْ تَنَاطَقَتْ أَجْوِبَةُ أَئِمَّتِنَا بِخُوَارِزْمَ أَنَّ شَهَادَةَ مُسَخَّرَةِ الْقَاضِي وَشَهَادَةَ الْوُكَلَاءِ الْمُفْتَعِلَةِ بِبَابِهِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ نُوَّابِهِمْ إلَّا أَهْلِ الْعَدْلِ وَقَدْ رَأَيْت بِنَوَاحِي خُوَارِزْمَ وَبِهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فُوِّضَ إلَيْهِمْ الْقَضَاءُ وَكَذَا بِبَعْضِ نَوَاحِي دشت. لَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ فَكَيْفَ قَضَاؤُهُمْ وَسُئِلْت عَنْ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ تُقْبَلُ فَقُلْتُ: نَعَمْ تُقْبَلُ مَعَ عَدْلَيْنِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ تَهَاوُنِ أَمَرَ الدشت بِالشَّرْعِ وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْعَجَائِبِ أَنَّ وَاحِدًا مِنْ أُمَرَائِهِ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ مِثْلُهُ دِينًا قَلَّدَ قَضَاءَ مَدِينَةٍ إلَى شَابٍّ جَاهِلٍ لَا يَعْرِفُ قُرْآنًا وَلَا خَطًّا حَتَّى يَقْضِيَ بِأَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ فَقُلْتُ: لَهُ فِيهِ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ. اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَلَّى الْخَلِيفَةَ الْقَضَاءَ عُمِلَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ وَلَّاهُ سَمَاعَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَقَطْ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ فَلَا تَنَاقُضَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِخْلَافِ أَنْ يَنْظُرَ الْخَلِيفَةُ هَلْ لِلْمُدَّعِي شُهُودٌ أَوْ يَكْذِبُ فَلَعَلَّ لَهُ شُهُودًا إلَّا أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ وَقَدْ لَا تَتَّفِقُ أَلْفَاظُهُمْ فَيُفَوِّضُ الْقَاضِي النَّظَرَ إلَى الْخَلِيفَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَدْ سُئِلْت عَنْ صِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَاضِي ابْنَهُ قَاضِيًا حَيْثُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ فَأَجَبْت بِنَعَمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَطْلَقَ فِي الِاسْتِخْلَافِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْخَلِيفَةِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْقَاضِي أَوْ مُخَالِفًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ فَوَّضَ إلَى غَيْرِهِ لِيَقْضِيَ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ نَفَذَا إجْمَاعًا. اهـ.

وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً يَمْلِكُهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ كَمَا يَمْلِكُهُ بِعَهْدِهِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ إذَا وَلَّوْا بِبَلَدِ السُّلْطَانَ قَضَاءَ بَلْدَةٍ بَعِيدَةٍ بِإِرْسَالِ خَلِيفَةٍ يَقُومُ مَقَامَهُمْ إلَى حُضُورِهِمْ وَقَدْ سُئِلْت عَنْهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَجَبْت بِذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ ثُمَّ رَأَيْت الْأَجَلَّ الصَّدْرَ الشَّهِيدَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ قَالَ فِي الْبَابِ السَّادِسَ عَشَرَ الْقَاضِي إنَّمَا يَصِيرُ قَاضِيًا إذَا بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي قُلِّدَ فِيهِ الْقَضَاءَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْ هُوَ الْبَلَدَ الَّذِي قُلِّدَ فِيهِ الْقَضَاءَ فَكَانَ هُوَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِمَنْزِلَةِ وَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا. اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ عَمَلِهِ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ السَّادِسِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ نَائِبَهُ قَبْلِ وُصُولِهِ حَتَّى يَتَعَرَّفَ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ اهـ.

إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ مَأْذُونٌ بِالِاسْتِخْلَافِ قَبْلَ الْوُصُولِ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا كَلَامَ وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ وَقَيَّدَ بِاسْتِخْلَافِهِ قَاضِيًا؛ لِأَنَّ لَهُ التَّوْكِيلَ وَالْإِيصَاءَ بِلَا إذْنِ السُّلْطَانِ وَأَوْرَدَ هَذَا إشْكَالًا عَلَى مَنْعِهِ مِنْ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ فَإِنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يَجْرِي فِيهَا وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُقَلَّدَ يَفْعَلُ مَا لَا يَفْعَلُهُ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ فَيَكُونُ تَوَقُّعُ الْفَسَادِ فِي الْقَضَاءِ أَكْثَرَ. اهـ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ فِي الْجُمُعَةِ) يَعْنِي فَإِنَّ لَهُ الِاسْتِخْلَافَ وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَمَّا فَوَّضَهَا إلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْعَوَارِضَ الْمَانِعَةَ مِنْ إقَامَتِهَا مِنْ الْمَرَضِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَغَيْرِهِمَا تَعْتَرِيهِ وَلَا يُمْكِنُ انْتِظَارُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ عَنْ الْوَقْتِ فَكَانَ إذْنًا لَهُ بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً وَتَأْخِيرُ سَمَاعِ الْخُصُومَةِ إلَى وُجُودِ الْإِذْنِ مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا إذَا مَرِضَ الْخَطِيبُ أَوْ سَافَرَ أَوْ حَصَلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَمَرَ الْقَاضِي الْخَلِيفَةَ) أَيْ خَلِيفَةَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ اهـ) أَيْ: كَلَامُ الْبَزَّازِيَّةِ.

(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْبَابِ السَّادِسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَسْتَخْلِفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَسْتَخْلِفُ فَيُحْمَلُ عَلَى إرْسَالِ النَّائِبِ بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُمْ اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ وَأَقُولُ: جَوَازُ إرْسَالِهِ لِتَعَرُّفِ أَحْوَالِ النَّاسِ لَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ حُكْمِهِ قَبْلَ وُصُولِ الْمُرْسَلِ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ السَّيِّدِ الْحَمَوِيِّ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مَا نَصُّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مَحْضَ الْإِرْسَالِ إنَّمَا الْمُرَادُ الْإِرْسَالُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ جَوَازِ اسْتِخْلَافِهِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَحَلِّ قَضَائِهِ اهـ.

مَا فِي الْحَاشِيَةِ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ نَائِبُهُ يُفِيدُ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوَّلًا فَبَحْثٌ آخَرُ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْبَحْرِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَنَّهُ الْوَاقِعُ الْآنَ وَقَدْ ذَكَرَ أَوَائِلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَإِذَا عَزَلَهُ السُّلْطَانُ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ الْخَبَرُ كَالْوَكِيلِ وَعَنْ الثَّانِي مَا لَمْ يَأْتِ قَاضٍ آخَرُ

صِيَانَةً

لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ تَعْطِيلِ قَضَايَاهُمْ اهـ.

فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَا ذَكَرَ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ وُصُولُ نَائِبِهِ كَوُصُولِهِ فَيُفِيدُ أَنَّ لِنَائِبِهِ الْحُكْمَ تَأَمَّلْ

ص: 7

لَهُ مَانِعٌ فَاسْتَنَابَ خَطِيبًا مَكَانَهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ مَا يُفِيدُهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فُرِّقَ بَيْنَ الْقَاضِي وَالْإِمَامَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَمْلِكُ الِاسْتِخْلَافَ إلَّا بِإِذْنٍ وَالْإِمَامُ لِلْجَامِعِ يَمْلِكُ بِدُونِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الضَّرُورَةَ مُتَحَقِّقَةٌ هَاهُنَا لِجَوَازِ أَنْ يَسْبِقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِذْنِ تَفُوتُ الْجُمُعَةُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ. اهـ.

وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ مِنْ أَنَّ الْخَطِيبَ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ ابْتِدَاءً إلَّا بِإِذْنٍ لَا أَصْلَ لَهُ فَإِنَّمَا هُوَ فَهْمٌ فَهِمَهُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَقَدْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ مُحِبُّ الدِّينِ بْنُ جِرْبَاشٍ شَيْخِ شَيْخِنَا فِي النُّجْعَةِ فِي تَعْدَادِ الْجُمُعَةِ بِأَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَيَكُونُ الْإِذْنُ مُنْسَحِبًا لِتَوَلِّيَةِ النُّظَّارِ الْخُطَبَاءِ وَإِقَامَةِ الْخَطِيبِ نَائِبًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِذْنُ لِكُلِّ خَطِيبٍ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ الْخَطِيبُ بَعْدَمَا خَطَبَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بِدُونِهَا وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهَا لِانْعِقَادِهَا بِالْأَصْلِ فَكَانَ الثَّانِي بَانِيًا وَفِي الْعِنَايَةِ وَاعْتَرَضَ بِمَنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ مُفْتَتِحٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ شُرُوعُهُ فِي الْجُمُعَةِ وَصَارَ خَلِيفَةً لِلْأَوَّلِ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ وَأَرَى أَنَّ إلْحَاقَهُ بِالْبَانِي لِتَقَدُّمِ شُرُوعِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ الْأُولَى فَتَأَمَّلْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ) لِتَرَجُّحِ الِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَنْقُضُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُخَالِفًا لِكَوْنِ لَفْظِ الْحُكْمِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْضِيهِ إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ كَمَا زَعَمَ الشَّارِحُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ وَفِي الْمِعْرَاجِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الْجَامِعِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَيَّدَ بِالْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِي إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَاتَّفَقَ قَضَاؤُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَعَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّانِي تَنْفِيذُهُ كَذَا ذَكَرَهُ فِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيُّ مُحَالًا إلَى الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ فَقَالَ لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ قِيلَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَامَّتُهُمْ لَا يَنْفُذُ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ أَمْضَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا. اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعْنِي كَوْنَهُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ عِلْمَهُ بِكَوْنِ مَا حَكَمَ فِيهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ شَرْطٌ، وَأَمَّا عِلْمُهُ بِكَوْنِ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً فَلَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَشَمِلَ قَوْلُهُ حُكْمُ قَاضٍ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ وَمُخَالِفًا وَمَا إذَا كَانَ الْقَاضِي بَاقِيًا عَلَى قَضَائِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي فُرُوقِ الْكَرَابِيسِيِّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قُلْتُ: كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوقِ إنَّمَا يُفِيدُ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْحَدَثِ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ فَلَا يَنْهَضُ حُجَّةً عَلَى مُنْلَا خُسْرو الْقَائِلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

ذَكَرَهُ الْغَزِّيِّ أَقُولُ: وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَةٍ لَهُ رَدًّا بَلِيغًا فَقَالَ بَقِيَ هُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْرَيْنِ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْإِذْنِ هُوَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّ إذْنَ السُّلْطَانِ بِإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ شَرْطٌ أَوَّلَ مَرَّةٍ لِلْبَانِي إلَخْ) وَهَكَذَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ يُونُسَ الشَّلَبِيُّ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ ثَغْرٍ فِيهِ جَوَامِعُ وَلَهَا خُطَبَاءُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ إذْنٌ صَرِيحٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَأَجَابَ بِأَنَّ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّدَادِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ مَنْ أَنْشَأَ جَامِعًا وَأَرَادَ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَأْذَنَ الْإِمَامَ وَإِذَا وُجِدَ الْإِذْنُ أَوَّلَ إقَامَتِهَا حَصَلَ الْغَرَضُ وَالْإِذْنُ بَعْدَهُ وَلَوْ تَطَاوَلَتْ الْمُدَّةُ وَتَغَيَّرَتْ الْبِلَادُ لَيْسَ بِمُفْتَرَضٍ اهـ. مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ وَاعْتُرِضَ بِمَنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ إلَخْ) أَيْ بِمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ شَخْصًا لَمْ يَشْهَدْ الْخُطْبَةَ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ ثُمَّ افْتَتَحَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ.

(قَوْلُهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ) أَيْ لِرَأْيِ الْقَاضِي الْمَرْفُوعِ إلَيْهِ حُكْمُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ لِكَوْنِ لَفْظِ الْحُكْمِ نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ يَمِينًا مُثْبَتًا مِثْلَ إنْ كَلَّمْت رَجُلًا فَكَذَا فَإِنَّ الْمَعْنَى لَا أُكَلِّمُ رَجُلًا فَتَكُونُ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مَعْنًى فَتَعُمُّ بِخِلَافِ قَوْلِك الْيَمِينُ الْمَنْفِيُّ مِثْلُ إنْ لَمْ أُكَلِّمْ رَجُلًا فَلَا تَعُمُّ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى لَأُكَلِّمَن رَجُلًا فَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَبِخِلَافِ الشَّرْطِ الْوَاقِعِ غَيْرَ يَمِينٍ مِثْلِ إنْ جَاءَك رَجُلٌ فَأَكْرِمْهُ فَإِنَّهُ أَيْضًا غَيْرُ نَصٍّ فِي الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَمَا فِي الْمَتْنِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالتَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ إنْ عَلِمَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ وَهَاهُنَا شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا بِأَنَّ مَا حَكَمَ فِيهِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ عِلْمُهُ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُجْتَهَدٌ فِيهَا كَمَا إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ أُمِّ الْوَلَدِ اجْتِهَادِيَّةٌ ذَكَرَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي. اهـ.

(قَوْلُهُ وَشَمِلَ قَوْلُهُ حُكْمُ قَاضٍ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ) أَيْ لِرَأْيِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ الَّذِي رُفِعَ حُكْمُهُ إلَى الْقَاضِي الثَّانِي ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَا قَبْلَهَا فَإِنَّ مَا قَبْلَهَا هُوَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ وَهَذِهِ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ حَكَمَ عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ لَا إذَا كَانَ نَاسِيًا وَحَكَمَ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ

ص: 8

فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فَفِي الْخَانِيَّةِ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ نَفَاذُ قَضَائِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

وَهَكَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَفِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتَاوَى ظَهِيرِ الدِّينِ اسْتَحَقَّ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْقُضَهُ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَتْوَى وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، وَأَمَّا النَّاسِي فَلِأَنَّ الْمُقَلِّدَ مَا قَلَّدَهُ إلَّا لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَا إذَا قَضَى الْمُقَلِّدُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ مُوَافِقًا لِمَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ فَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ نَفَذَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ كَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الثَّانِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ أَيْضًا. اهـ.

وَهَكَذَا ذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يَنْفُذُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي بَعْضِهَا فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ وَفِي بَعْضِهَا فِي حِلِّ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَضَاءِ اهـ.

وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى الْقَاضِي إذَا قَضَى بِقَوْلٍ مَرْجُوعٍ عَنْهُ جَازَ وَكَذَا لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ اهـ.

وَكَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْفُذُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ اهـ.

فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْفُذُ وَكَذَا إذَا قَضَى بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ يَتَقَوَّى بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمُجْتَهِدِ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ اهـ.

وَيُخَالِفُهُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُهُ الشَّيْخُ عُمَرُ قَارِئُ الْهِدَايَةِ حِينَ سُئِلَ عَنْ وَقْفٍ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ رَجَعَ الْوَاقِفُ عَنْهُ وَوَقَفَهُ عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِهِ قَاضٍ حَنَفِيٌّ فَهَلْ يَصِحُّ الثَّانِي أَمْ الْأَوَّلُ أَجَابَ بِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ تَأَيَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَفِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ فِي وَاقِعَةٍ بِحُكْمٍ بِخِلَافِ مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ بِفَتْحِ اللَّامِ يَعْنِي الْإِمَامَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ كَالْقُضَاةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي زَمَانِنَا مَثَلًا هَلْ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ أَوْ لَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِمَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا اهـ.

وَمِنْ الْعَجِيبِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَيَّدَ الْخِلَافَ بِعَكْسِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ مَا نُقِلَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَمْدًا وَقَعَ بَاطِلًا وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا عِنْدَهُ يَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ وَهَذَا إذَا كَانَ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ فِي الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي الْعَامِدِ رِوَايَتَانِ) كَأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ النَّفَاذِ فَحَكَى الْإِجْمَاعَ حَيْثُ قَالَ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عِنْدَ ذِكْرِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْخِلَافَ فِيمَا إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَقَدْ نَسِيَهُ، وَأَمَّا إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ حَالَ ذِكْرِ مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.

لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ فِي الْعَامِدِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَ وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ عَلَى الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ هَذَا فِي الْبُرْهَانِ عَنْ الْكَمَالِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَرِيحُ الْحَقِّ الَّذِي يُعَضُّ عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ قَدْ اخْتَلَفَتْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كَوْنَهُ عَالِمًا بِالْخِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي الْمُقَلِّدُ إذَا قَضَى بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ لَا يَنْفُذُ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَضَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَوْ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ نَفَذَ وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا وَقَضَى بِالْفَتْوَى إلَخْ وَمَا فِي الْفَتْحِ يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُمَا إذْ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ النَّاسِي لِمَذْهَبِهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْهُمَا فِي الْمُجْتَهِدِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَالْمُقَلِّدُ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ يَعْنِي الْإِمَامَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُقَلِّدُهُ هُوَ بِزِيَادَةِ الضَّمِيرِ الْعَائِدِ إلَى الْقَاضِي.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَذْهَبُ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ مَثَلًا لَا السُّلْطَانُ الْمُقَلِّدُ بِكَسْرِ اللَّامِ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ قَيَّدَ الْخِلَافَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ جَعَلَ الْخِلَافَ فِي نَفَاذِ قَضَائِهِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ وَعَدَمُ نَفَاذِهِ فِي الْقَاضِي غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ عَكْسُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ وَقَوْلُ الرَّمْلِيِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّهُ عَكْسُهُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَتَأَمَّلْ. اهـ. غَيْرُ ظَاهِرٍ.

ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَجِيهٌ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا حَكَمَ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ عَمْدًا كَانَ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ مَذْهَبِهِ الْأَوَّلِ لِتَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِ مَا ظَهَرَ لَهُ ثَانِيًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خَالَفَهُ عَمْدًا يُحْمَلُ عَلَيْهِ لَا عَلَى أَنَّهُ نَسِيَ مَذْهَبَهُ وَحَكَمَ بِخِلَافِهِ إذَا الْأَصْلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْبَدَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى النِّسْيَانِ إلَخْ

ص: 9

؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى النِّسْيَانِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى مَذْهَبِ خَصْمِهِ فَقَضَى بِهِ فَيَكُونُ قَضَاؤُهُ بِاجْتِهَادِهِ فَيَصِحُّ. اهـ.

بِلَفْظِهِ وَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا حَكَمَ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ عَلَى وَفْقِهِ بَاطِلٌ يَجِبُ نَقْضُهُ وَإِنْ وَافَقَ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِدًا مَذْهَبَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُنْقَضُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ مُتَعَيِّنٌ فِي حُكَّامِ زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ فِي أَحْكَامِهِمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا لِكَوْنِهِمْ مُقَلِّدِينَ فَإِذَا جَرَى مِنْهُمْ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِمْ فَهُوَ مَقْطُوعٌ بِكَوْنِهِ مِنْهُ خَطَأً فَيُنْقَضُ وَقَوْلُهُمْ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِمِثْلِهِ لَا مُطْلَقًا فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي مُتَوَهِّمًا أَنَّهُ مَذْهَبُهُ فَأَخْطَأَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فِيهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَمْضَاهُ حَكَمَ بِمُقْتَضَاهُ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمُرَادُ مِنْ الْحَاكِمِ الْقَاضِي وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِمْضَاءِ إلْزَامُ الْحُكْمِ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يُثْبِتُوا حُكْمَ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ الْأَصْلِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ كَمَا لَوْ أَرَادُوا إثْبَاتَ قَضَاءٍ آخَرَ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَرْفُوعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَخُصُومَةٍ صَحِيحَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ وَالْبَزَّازِيُّ فِي الْفَتَاوَى قَالَا وَهُنَا شَرْطٌ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ حَادِثَةً تَجْرِي بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ حَتَّى لَوْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ فَتْوَى اهـ.

فَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ قَضَاءُ مَالِكِيٍّ بِلَا دَعْوَى لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ وَلَا بُدَّ فِي إمْضَاءِ الثَّانِي لِحُكْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الدَّعْوَى أَيْضًا كَمَا سَمِعْت وَلَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُ شُهُودِ الْأَصْلِ بَلْ يَكْفِي عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَاضِي بَلْدَةٍ حَكَمَ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ وَسَجَّلَ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَبَرْهَنَ عَلَى قَضَاءِ الْأَوَّلِ أَجْبَرَهُ الثَّانِي عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ صَحِيحًا وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْبَلَدِ قَضَى بِهَذَا الْمَالِ لَا يُحْكَمُ بِهِ وَفِي كُلِّ فِعْلٍ لَا بُدَّ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ وَنَسَبِهِ فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ إنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ غَيْرُ عَدْلٍ لَا يُمْضِي الْقَاضِي الثَّانِي قَضَاءَهُ اهـ.

وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا ارْتَابَ فِي حُكْمِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ شُهُودَ الْأَصْلِ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ فِي زَمَانِنَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ لِصُدُورِهَا بِلَا دَعْوَى وَحَادِثَةٍ وَإِنَّمَا يُقِيمُ صَاحِبُ الْوَاقِعَةِ بَيِّنَةً يَشْهَدُونَ عَلَى حُكْمِ الْقَاضِي فُلَانٍ لِيَكْتُبَ لَهُ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّهُ اتَّصَلَ بِهِ حُكْمَ الْأَوَّلِ وَنَفَذَهُ فَإِنْ قُلْتُ: الْقَاضِي إذَا قَضَى بِشَيْءٍ فِي حَادِثَةٍ بَعْدَ دَعْوَى هَلْ يَكُونُ قَضَاءً فِيمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْقَاضِي.

قُلْتُ: لَا لِمَا فِي قَضَاءِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي فَصْلِ فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَإِنْ زَوَّجَهُ رَجُلٌ امْرَأَةً بِلَا أَمْرِهِ وَأَجَازَ بِالْفِعْلِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي فَإِنْ أَعْلَمَهُ بِتَقَدُّمِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ صَحَّ وَيَكُونُ قَدْ قَضَى بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَبِبُطْلَانِ نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ وَبِبُطْلَانِ الثَّلَاثِ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِتَقَدُّمِ النِّكَاحِ يُعْلِمْهُ حَتَّى يَقْضِيَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَيُقْصَدُ بِالْقَضَاءِ الْيَمِينُ الْمُضَافَةُ وَنِكَاحُ الْفُضُولِيِّ اهـ.

ثُمَّ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي فِيمَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ لَا يَرَى الْوُقُوفَ فَرَفَعْته امْرَأَتُهُ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى الْوُقُوعَ فَقَضَى بِصِحَّةِ النِّكَاحِ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُ الرَّجُلِ إلَى الْوُقُوعِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يُمْسِكُ الْأُولَى وَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ الْحَادِثِ فِي الْحَادِثَةِ فَيُفَارِقُهَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى بِإِبْطَالِ الطَّلَاقِ فِي الْأُولَى بِالِاجْتِهَادِ فَنَفَذَ قَضَاؤُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ بِتَحَوُّلِ رَأْيِهِ لَا يَمْلِكُ نَقْضَ رَأْيِهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْحَادِثَةُ فَيَثْبُتُ عَلَيْهَا الْحِلُّ الْآنَ وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا حُكْمُ الْقَاضِي فَيَعْمَلُ بِرَأْيِهِ وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ فَسْخٍ وَيَدَّعِي عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِحُكْمِ الْفَسْخِ عَلَى امْرَأَةٍ أُخْرَى وَتَزْعُمُ الْمَرْأَةُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ أَخْذًا بِمَذْهَبِ الثَّانِي فَيَتَرَافَعَانِ إلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَيُحْكَمُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بِمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ اهـ.

فَقَدْ عَلِمْت مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا مِنْ الْمَسَائِلِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمْ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَجِبُ أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يُقَيِّدْهُ السُّلْطَانُ بِمَذْهَبٍ أَمَّا إذَا قَيَّدَهُ بِمَذْهَبٍ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ أَوْ كَتَبَ فِي مَنْشُورِهِ وَلَّيْتُك لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا صَحَّ أَوْ بِالصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ مَثَلًا فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِغَيْرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْحَوَادِثِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُؤَلِّفِ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ أَجِدْهُ لِغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ التَّنَافِيذَ الْوَاقِعَةَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَأَمْضَى الْقَاضِي حُكْمَهُ. اهـ.

قُلْتُ: وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي الْبَحْثِ السَّادِسِ أَوَّلَ كِتَابِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ فَقَضَى بِالنِّكَاحِ) أَيْ الثَّانِي (قَوْلُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ فَسْخٍ) أَيْ بَعْدَ فَسْخِ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ إلَخْ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ وَفِي الْقَاسِمِيَّةِ أَمَّا كَوْنُ الْحُكْمِ حَادِثَةً فَاحْتِرَازٌ عَمَّا لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ إجَارَةٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالْفَسْخِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَآجِرَيْنِ وَكَمَا لَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ بَيْعِ عَقَارٍ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِاسْتِحْقَاقِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ خُصُومَةٌ.

وَأَمَّا الْخُصُومَةُ الصَّحِيحَةُ فَهِيَ الدَّعْوَى الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ اهـ.

وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ اشْتِرَاطَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ فِيهَا وَقَالَ الشَّيْخُ مُحِبُّ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ قَاضِي قُضَاةِ الْحَنَابِلَةِ فِي رِسَالَةٍ لَهُ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَمَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الدَّعْوَى الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا هُوَ مَعْنَى الْمُوجَبِ وَلَا مَعْنَى لَهُ غَيْرُهُ فَيُنْظَرُ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ

ص: 10

فَإِذَا قَضَى شَافِعِيٌّ بِصِحَّةِ بَيْعِ عَقَارٍ وَمُوجِبِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنْ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ لِعَدَمِ حَادِثَتِهَا وَكَذَا إذَا قَضَى حَنَفِيٌّ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ وَإِنْ كَانَتْ الشُّفْعَةُ مِنْ مَوَاجِبِهِ؛ لِأَنَّ حَادِثَتَهَا لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْحُكْمِ وَلَا شُعُورَ لِلْقَاضِي بِهَا وَكَذَا إذَا قَضَى مَالِكِيٌّ بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ فِي الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ لَا يَكُونُ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْفُضُولِيِّ الْمُجَازِ بِالْفِعْلِ لِعَدَمِهِ وَقْتَهُ فَافْهَمْ فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الزَّمَانِ عَنْهُ غَافِلُونَ وَشَرَطَ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ فَإِنْ خَالَفَ وَاحِدًا مِنْهَا لَمْ يُمْضِهِ وَإِنَّمَا يَنْقُضُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ وَهُوَ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ وَمِثَالُ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ الْقَضَاءُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَامِلٌ لِذَبَائِح الْمُسْلِمِينَ كَالْمُشْرِكِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] لِلْعَطْفِ.

وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لِلْحَالِ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ فُسِّرَ بِهِ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلِذَا قَالَ فِي التَّحْرِيرِ إنَّ الْوَاوَ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَالًا فَتَكُونُ قَيْدًا لِلنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِمَا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الْمَيْتَةُ أَوْ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْفِسْقَ هُوَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِثَالُ مَا خَالَفَ السُّنَّةَ أَيْ الْمَشْهُورَةَ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَمِثَالُ الْقَضَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ الْقَضَاءُ بِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْإِجْمَاعِ مَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا فَجَائِزٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ. اهـ.

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ كَمَا فَهِمَهُ ابْنُ الْهُمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ الْحِلِّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَنَا لِنَقْلِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ بِحَيْثُ شَدَّدُوا النَّكِيرَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي الْقَوْلِ بِحِلِّهِ حَتَّى قَالَ الْأُصُولِيُّونَ إنَّهُ جَهْلٌ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا لِمُخَالَفَتِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ وَقَدْ أَلَّفْت فِيهَا رِسَالَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى بَيَانِ الدَّلَائِلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.

وَفِي الْهِدَايَةِ الْمُعْتَبَرُ الِاخْتِلَافُ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الْخَصَّافُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لِمُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ الْخِلَافُ عِنْدَنَا فَقِيلَ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فَعِنْدَهُمَا لَا يَرْفَعُ وَعِنْدَهُ يَرْفَعُ وَفِي التَّقْوِيمِ لِأَبِي زَيْدٍ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْهُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ وَتَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِ الْخِلَافِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ شَرْطًا لِكَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا مَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ مَا قَضَى بِهِ الْمَالِكِيُّ وَالشَّافِعِيُّ بِرَأْيِهِ وَفِي الْأَقْضِيَةِ وَأَصْحَابُنَا لَمْ

ــ

[منحة الخالق]

كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ كَانَ الْحُكْمُ بِمُوجِبِهَا حُكْمًا بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَى مَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُدَّعَى بِهِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَقْدِ لَا حُكْمَ بِالْعَقْدِ اهـ.

وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ الْمُؤَلِّفِ وَرَأَيْت فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُوجَبَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا إذْ الْمُقْتَضَى لَا يَنْفَكُّ وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَالْأَوَّلُ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْمُوجَبُ أَعَمُّ أَيْ لِأَنَّهُ الْأَثَرُ اللَّازِمُ سَوَاءٌ كَانَ يَنْفَكُّ أَوْ لَا وَذَكَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا صِحَّةُ الْعَقْدِ مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْآثَارُ إذْ لَا يَصِحُّ الشَّيْءُ مَعَ تَخَلُّفِ آثَارِهِ عَنْهُ وَكَذَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ فَإِذَا حَكَمَ بِصِحَّةِ الشَّيْءِ فَقَدْ حَكَمَ بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ وَارِدٌ عَلَى الْآثَارِ نَصًّا وَمِنْهَا الصِّحَّةُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ ضِمْنًا لَا صَرِيحًا فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَعْلَى لِتَنَاوُلِهِ جَمِيعَ الْآثَارِ؛ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ مُوجَبٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي عَدَمِ الْحِلِّ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَمِنْ الْغَرِيبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا أَنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ إلَخْ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عَدَمَ الْخِلَافِ عِنْدَ نَافِي عَدَمِ الْحِلِّ قَبْلَ حُكْمِ حَاكِمٍ بِحِلِّهِ أَمَّا بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمٍ يَرَاهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الْفَتْحِ بِإِفَادَتِهِ الْحِلَّ فَإِنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَفَادَ الْقَضَاءَ بِهِ الْحِلَّ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَنَا) ذَكَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ مَنْ بَحْثِ الْجَهْلِ آخَرَ الْكِتَابِ بَحْثًا فِي هَذَا الْمَحَلِّ جَيِّدًا حَيْثُ قَالَ قُلْتُ: ثُمَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ الْمُعَارِضُ لِمَدْلُولِ هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ الْمَحْكُومُ بِعَدَمِ اعْتِبَارِهِ حَتَّى أَنَّ الْقَضَاءَ بِهِ لَا يَنْفُذُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ غَيْرَ مَنْسُوخٍ أَوْ مَا كَانَ مِنْ السُّنَّةِ كَذَلِكَ مُتَوَاتِرَ الثُّبُوتِ أَوْ مَا كَانَ مِنْ الْإِجْمَاعِ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ لَكِنْ فِي صُدُورِ هَذَا مِنْ الْمُجْتَهِدِ بُعْدٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ مُخَالَفَةِ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ كُفْرٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ.

وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِمَا كَانَ مِنْ الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ ظَنِّيَّ الدَّلَالَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ السُّنَّةُ قَطْعِيَّةَ الثُّبُوتِ أَوْ لَا وَمِنْ الْإِجْمَاعِ مَا كَانَ ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ أَوْ الدَّلَالَةِ وَهَذَا فِي عَدَمِ نَفَاذِ الْحُكْمِ بِمُعَارِضِهِ مُطْلَقًا نَظَرٌ ظَاهِرٌ إلَى أَنْ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَضَاءَ بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَبِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَبِبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ مَا لَمْ يُمْضِهِ قَاضٍ آخَرُ

ص: 11

يَعْتَبِرُوا خِلَافَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ مُجْتَهِدُونَ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْمَحَلِّ اجْتِهَادِيًّا وَإِلَّا فَلَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ أَهْلُ اجْتِهَادٍ وَرِفْعَةٍ.

وَلَقَدْ نَرَى فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ جَعْلَ الْمَسْأَلَةِ اجْتِهَادِيَّةً بِخِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ حَتَّى يَنْفُذَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْخِلَافُ إلَّا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْأَبَ إذَا خَالَعَ الصَّغِيرَةَ عَلَى صَدَاقِهَا وَرَآهُ خَيْرًا لَهَا بِأَنْ كَانَتْ لَا تُحْسِنُ الْعِشْرَةَ مَعَ زَوْجِهَا فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَصِحُّ وَيَزُولُ الصَّدَاقُ عَنْ مِلْكِهَا وَيَبْرَأُ الزَّوْجُ عَنْهُ فَإِذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ نَفَذَ وَفِي حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَلَّقَهَا فَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ لَمْ تُرَدَّ مَا فَإِنَّهَا تَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا قَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ نُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَجِبُ حِفْظُهَا فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَضَى فِي الْمَأْذُونِ فِي نَوْعٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا نَفَذَ اهـ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَهُمْ قَدْ اضْطَرَبَ فِي هَذَا الْبَابِ فَتَارَةً اعْتَبِرُوا خِلَافَهُمَا وَأُخْرَى لَمْ يَعْتَبِرُوهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُمْ إنَّمَا قَالُوا بِالنَّفَاذِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِأَجَلِ خِلَافٍ سَابِقٍ عَلَى مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا بِخِلَافِهِمَا خَاصَّةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ نَقَلَ أَوَّلًا عِبَارَةَ الْقُدُورِيِّ وَهِيَ وَإِذَا رَفَعَ إلَيْهِ حُكْمَ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ أَوْ يَكُونَ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَثَانِيًا مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ اهـ.

فَقَالَ الشَّارِحُونَ إنَّمَا ذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ بَعْدَ الْقُدُورِيِّ لِفَائِدَتَيْنِ لَيْسَتَا فِي الْقُدُورِيِّ إحْدَاهُمَا تَقْيِيدُهُ بِالْفُقَهَاءِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْخِلَافِ لَا يَنْفُذُ وَالثَّانِيَةُ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِ الْقَاضِي يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقُدُورِيَّ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ مُوَافِقًا الْحُكْمَ الْأَوَّلَ أَمْضَاهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ لَا يُمْضِيهِ فَأَبَانَتْ رِوَايَةُ الْجَامِعِ أَنَّ الْإِمْضَاءَ عَامٌّ فِيمَا سِوَى الْمُسْتَثْنَيَاتِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ أَوْ لَا وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي عِبَارَةِ الْجَامِعِ عَلَى كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْخِلَافِ وَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ الَّذِي اُخْتُلِفَ فِيهِ عَالِمًا بِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ عَالِمًا ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ هَذَا أَمْضَاهُ فَرُبَّمَا يُفِيدُ أَنَّ الثَّانِيَ عَالِمٌ بِالْخِلَافِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْفَذُ وَالْكَلَامُ فِي الْقَاضِي الْأَوَّلِ الَّذِي يُنْفِذُ هَذَا حُكْمَهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِالْخِلَافِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ الدَّلَالَةِ نَعَمْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّهُ يُنْفِذُهُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ رَأْيِهِ وَكَلَامُ الْقُدُورِيِّ يُفِيدُهُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَهُوَ أَعَمُّ يَنْتَظِمُ مَا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ أَوْ مُوَافِقًا. اهـ.

وَأَقُولُ: لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إنَّمَا ذَكَرَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ بَعْدَ الْقُدُورِيِّ لِيُفِيدَ أَنَّ مَا فِي الْجَامِعِ لَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ بَلْ كُلُّ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَتْ فِيهَا الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَحَلَّ اجْتِهَادٍ فَإِنْ قَضَى قَاضٍ بِقَوْلٍ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ فَاسْتِثْنَاءٌ كَمَا عَلِمْت وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَةِ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مَشْهُورَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى عِبَارَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَهُمْ قَدْ اضْطَرَبَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَعْدَ نَقْلِ مَا يَقْتَضِي الِاضْطِرَابَ فَظَهَرَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ مَشَايِخِنَا (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) مُكَرَّرٌ مَعَ مَا قَبْلَهُ نَعَمْ فِي هَذَا مَبْسُوطَةٌ عَلَى مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا مُفَادُهُ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ إلَخْ) مَا الْمَوْصُولَةُ اسْمُ إنَّ وَاخْتَلَفَ صِلَةُ الْمَوْصُولِ وَقَوْلُهُ فَقَضَى مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ أَعَمُّ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِلتَّعْمِيمِ بِقَوْلِهِ عَالِمًا أَوْ لَا وَقَوْلُهُ ثُمَّ جَاءَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَضَى وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا لِلْقَاضِي الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ أَمَضَاءٌ خَبَرُ إنَّ وَالضَّمِيرُ فِيهِ عَائِدٌ لِلْقَاضِي الْآخَرُ هَذَا وَقَدْ نَقَلَ فِي النَّهْرِ كَلَامَ الْفَتْحِ مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ وَأَقَرَّهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّاعِيَ لِحَمْلِ الْمَشَايِخِ كَلَامَ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ وَلَا يُمْضِيهِ يَعْنِي الثَّانِيَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي حَيْثُ قَالَ قَضَى فِي مُجْتَهَدٌ فِيهِ وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَا يَنْفُذُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَهُ مُدَبَّرُونَ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ فَأَثْبَتَ رَجُلٌ دَيْنًا عَلَيْهِ فَبَاعَهُمْ الْقَاضِي عَلَى ظَنِّ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ وَقَضَى بِجَوَازِهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُمْ مُدَبَّرُونَ بَطَلَ قَضَاؤُهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ عَلِمَ فَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ التَّدْبِيرَ جَازَ اهـ.

فَقَوْلُهُ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي أَيْ بِمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ يَعْنِي عَالِمًا بِاخْتِلَافِهِمْ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ أَمْضَاهُ إذْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مَعَ غَيْرِ الْعِلْمِ لَا يُمْضِيهِ فَإِنْ قُلْتُ: فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا الشَّرْطُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ قُلْتُ: كَلَامُ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ اهـ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَنَّ الَّذِي أَفَادَ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِالْخِلَافِ هُوَ قَوْلُهُ أَمْضَاهُ وَذَلِكَ لَا يَدْفَعُ رَدَّ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى الشَّارِحِينَ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْفُقَهَاءِ نَعَمْ يُدْفَعُ تَعْمِيمُهُ بِقَوْلِهِ عَالِمًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ كَلَامَ مُحَمَّدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَقُولُ: لَمْ يَفْهَمُوا مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ وَأَقَرَّهُ وَعِبَارَةُ الْوَاقِعَاتِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا حَيْثُ حَقَّقَ الْمَقَامَ وَأَبَانَ الْمَرَامَ

ص: 12

الْقُدُورِيِّ، وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فَلَا وَعَلِمْت مِنْ هُنَا أَنَّ مَنْ قَالَ لَا اعْتِبَارَ بِخِلَافِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ اعْتَمَدَ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ قَالَ بِاعْتِبَارِ خِلَافِهِمَا اعْتَمَدَ مَا فِي الْجَامِعِ وَهَذَا لَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ وَإِنَّمَا رَأَيْت فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ مَا يُفِيدُهُ قَالَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ جَازَ قَضَاؤُهُ وَلَمْ يَكُنْ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الِاخْتِلَافَ وَبِهِ نَأْخُذُ.

قُلْتُ: هَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي الْمَنْسُوبُ إلَى الْخَصَّافِ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ يَجُوزُ وَفِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ لَا يَجُوزُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا كَانَ فِيهِ خِلَافٌ مُعْتَبَرٌ كَالْخِلَافِ بَيْنَ السَّلَفِ وَأَرَادَ بِمَوْضِعِ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا وَلَمْ يَعْتَبِرْ بِخِلَافِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أُسْتَاذُنَا الْفَتْوَى عَلَى تَفَاصِيلِ أَدَبِ الْقَاضِي اهـ. فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَزَالَتْ اللَّبْسَ وَأَوْضَحَتْ كُلَّ تَخْمِينٍ وَحَدْسٍ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ وَتَفَاصِيلُ الْخَصَّافِ فَلِهَذَا السِّرِّ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَا فِي الْجَامِعِ بَعْدَ الْقُدُورِيِّ فَالْآنَ نَذْكُرُ الْمَوَاضِعَ الَّتِي نَصَّ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى مَسَائِلَ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْخَصَّافِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي الْفَوَائِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِسَرْدِهَا تَكْمِيلًا لِلْفَائِدَةِ هُنَا قَضَى بِبُطْلَانِ الدَّعْوَى بِمُضِيِّ سِنِينَ أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ حَالَ غَيْبَتِهِ أَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ نِكَاحِ مَزْنِيَّةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ أُمِّ مَزْنِيَّتِهِ أَوْ بِنْتِهَا أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ بِلَا بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَخْذًا بِقَوْلِ الْبَعْضِ إنْ قَدَّمَ النِّكَاحَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْمَهْرِ أَوْ بِعَدَمِ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ أَوْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّجْعَةِ بِلَا رِضَاهَا أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى الْحَامِلِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ أَوْ بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا بَعْدَ قَبْضِ الْمَهْرِ وَالتَّجْهِيزِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ بِمَا فِي دِيوَانِهِ وَقَدْ نَسِيَ وَبِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى صَكٍّ لَمْ يَذْكُرْ مَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَاتَمَهُ أَوْ بِشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَى قَضِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ وَبِقَضَاءِ الْمَرْأَةِ فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ وَبِقَضَاءِ عَبْدٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ.

أَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الرَّضَاعِ أَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ بِشَهَادَةِ الْأَجَانِبِ أَوْ حَكَمَ بِالْحَجْرِ عَلَى مُفْسِدٍ مُسْتَحَقٍّ لَهُ أَوْ بِصِحَّةِ بَيْعِ نَصِيبِ السَّاكِتِ مِنْ قِنٍّ حَرَّرَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مُعْسِرًا وَبِجَوَازِ بَيْعِ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا أَوْ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ بِبُطْلَانِ عَفْوِ الْمَرْأَةِ عَنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ أَوْ بِسُقُوطِ الْمَهْرِ) صُورَتُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَتَى لَمْ تُخَاصِمْ زَوْجَهَا فِي الْمَفْرُوضِ حَتَّى مَضَتْ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ ثُمَّ خَاصَمَتْهُ يَبْطُلُ حَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ وَالْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى خُصُومَتِهَا شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولَةِ) قَالَ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ هَذَا أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْحَائِضِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ إلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا سَقَطٌ مِنْ النَّاسِخِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَوْضَحُ وَهِيَ قَوْلُهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ رَجُلٌ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقَضَى قَاضٍ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ أَوْ أَبْطَلَ بَعْضَهُ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَيَنْفُذُ عَلَى الزَّوْجِ مَا كَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الزَّيْغِ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ وَهِيَ حُبْلَى أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ لَا يَقَعُ أَصْلًا وَعَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ تَقَعُ وَاحِدَةً لَكِنْ كِلَا الْقَوْلَيْنِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} [البقرة: 230] الْآيَةَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ: وَالْمُرَادُ مِنْهُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَمَنْ قَالَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَوْ تَقَعُ وَاحِدَةً فَقَدْ أَثْبَتَ الْحِلَّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِدُونِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ. اهـ.

أَقُولُ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْسُوبَةِ إلَى ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ وُقُوعِ طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ حُبْلَى أَوْ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بَاطِلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ.

(قَوْلُهُ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ) صُورَتُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا مَاتَ فَوَجَدَ ابْنُهُ خَطَّ أَبِيهِ فِي صَكٍّ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُ خَطُّ أَبِيهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ الصَّكِّ؛ لِأَنَّ الِابْنَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ شَرْحُ أَدَبِ الْقَضَاءِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي قَسَامَةٍ بِقَتْلٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ قَضَى بِمَا فِيهِ الْقَسَامَةُ بِالْقَتْلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ حَكَمَ بِالْحَجْرِ عَلَى مُفْسِدٍ) قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا حَجَرَ عَلَى رَجُلٍ فَاسِدٍ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ فَجَاءَ قَاضٍ آخَرُ فَأَطْلَقَ حَجْرَهُ وَأَجَازَ مَا صَنَعَ كَانَ إطْلَاقُهُ جَائِزًا وَمَا صَنَعَ فِي مَالِهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ قَبْلَ إطْلَاقِهِ وَبَعْدَ إطْلَاقِهِ عَنْهُ جَازَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَالْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَلْ فَتْوَى مِنْهُ فَكَانَ لِلثَّانِي أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ فَيُطْلَقَ وَالثَّانِي إنْ كَانَ قَضَاءً فَنَفْسُ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَلَا يَكُونُ حَجْرًا مِنْهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَمْضَاهُ نَفَذَ وَصَارَ الْقَاضِي الثَّانِي بَيَانًا فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ وَالْبَيَانُ مِنْ الثَّانِي فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ وَلَوْ قَضَى فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَكُونُ لِلثَّانِي أَنْ يَرُدَّهُ فَكَذَا إذَا بَيَّنَ الثَّانِيَ لَا يَكُونُ لِلثَّالِثِ أَنْ يَرُدَّهُ فَإِذَا رَدَّ الْقَاضِي الثَّانِي الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ بَطَلَ فَلَا يَكُونُ لِلثَّالِثِ أَنْ يُنَفِّذَهُ وَصَارَ هَذَا نَظِيرَ الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي حَادِثَةٍ وَهُوَ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَإِنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى يَتَّصِلَ بِهِ الْإِمْضَاءُ مِنْ الْقَاضِي الثَّانِي اهـ.

وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ فِيهِ وَالْقَضَاءُ بِالْحَجْرِ لَا يَنْفُذُ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ فَتْوَى لَكِنْ لَوْ نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ نَفَذَ

ص: 13