الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ شَهِدَا وَفَسَّرَا لِلْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْهُمَا لِعَدَمِ إشْهَادِ الْأُصُولِ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَهُوَ شَرْطٌ اهـ.
وَفِي الْبِنَايَةِ لَوْ حَكَّمَا رَجُلًا فَأَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحُكُومَةِ فَحَكَمَ بَعْدَهُ جَازَ وَلَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّحْكِيمَ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِغَيْرِ رِضَاهُمَا فَأَجَازَ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَلَوْ حَكَّمَا وَاحِدًا فَحَكَمَ لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ بِخِلَافِ حُكْمِ الْقَاضِي يُفِيدُ أَنَّ دَعْوَى الْقَتْلِ خَطَأً عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِثْبَاتَهُ بِغَيْبَةِ الْعَاقِلَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَسَائِلُ شَتَّى)
أَيْ مُتَفَرِّقَاتٌ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْمُؤَلِّفِينَ جَمْعُ شَتِيتٍ كَمَرْضَى جَمْعُ مَرِيضٍ مِنْ أَمْرٍ شَتٍّ أَيْ مُتَفَرِّقٍ وَشَتَّ الْأَمْرُ شَتًّا وَشَتَاتًا تَفَرَّقَ وَاشْتَتَّ مِثْلُهُ وَالشَّتِيتُ الْمُتَفَرِّقُ وَقَوْمٌ شَتَّى وَأَشْيَاءُ شَتَّى وَجَاءُوا أَشْتَاتًا أَيْ مُتَفَرِّقِينَ وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ أَنْ تَقُولَ شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا وَمَا وَرَدَ مِنْهُ فَمُوَلَّدٌ وَتَمَامُهُ فِي الصِّحَاحِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4] أَيْ إنَّ عَمَلَكُمْ لِمُخْتَلِفٍ أَيْ فِي الْجَزَاءِ وَفِي الرَّازِيّ الْكَبِيرِ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي سُفْيَانَ.
(قَوْلُهُ لَا يَتَّدِ ذُو سُفْلٍ وَلَا يَثْقُبْ فِيهِ كُوَّةً بِلَا رِضَا ذِي الْعُلْوِ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْعَلُ مَا لَا يَضُرُّ بِالْعُلْوِ وَقِيلَ مَا حَكَى عَنْهُمَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ فَلَا خِلَافَ وَقِيلَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ فَعِنْدَهُمَا الْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ فَصَارَ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي مَنْعِ الْمَالِكِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْإِطْلَاقُ يُعَارِضُهُ الرِّضَا فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلْوِ مِنْ تَوْهِينِ الْبِنَاءِ أَوْ نَقْصِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ صَاحِبُ السُّفْلِ أَنْ يَهْدِمَ كُلَّ الْجِدَارِ أَوْ السَّقْفِ وَكَذَا بَعْضُهُ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ كَمَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَفِي الْمُغْرِبِ وَتَدَ الْوَتَدَ ضَرَبَهُ بِالْمِيتَدَةِ وَأَثْبَتَهُ وَفِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ كَالْخَازُوقِ وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنْ الْخَشَبِ أَوْ الْحَدِيدِ يُدَقُّ فِي الْحَائِطِ لِيُعَلَّقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَوْ يُرْبَطَ بِهِ شَيْءٌ. اهـ.
وَالْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ ثُقْبُ الْبَيْتِ وَالْجَمْعُ كُوًى وَقَدْ تُضَمُّ الْكَافُ فِي الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وَيُسْتَعَارُ لِمَفَاتِيحِ الْمَاءِ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْجَدَاوِلِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّ الْجَمْعَ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِهِ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ وَوَضْعِ الْجُذُوعِ وَهَدْمِ سُفْلِهِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنْ فَتَحَ الْبَابَ يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ اتِّفَاقًا وَإِنْ وَضَعَ مِسْمَارًا صَغِيرًا أَوْ وَسَطًا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَنْعَ صَاحِبِ الْعُلْوِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلْوِ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عُلْوٌ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ مَا بَدَا لَهُ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالسُّفْلِ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ أَضَرَّ بِالسُّفْلِ أَوْ لَمْ يَضُرَّ هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَمْ لَا لَا يَمْلِكُ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ يَمْلِكُ اهـ.
وَجَعَلَهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْجِدَارِ بِضَرْبِ الْوَتَدِ وَفَتْحِ الطَّاقِ احْتِرَازًا عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي سَاحَةِ السُّفْلِ فَذَكَرَ قَاضِي خَانْ لَوْ حَفَرَ صَاحِبُ السُّفْلِ فِي سَاحَتِهِ بِئْرًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْوِ وَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الضَّرَرِ. اهـ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ هَدْمِ صَاحِبِ السُّفْلِ الْجِدَارَ الْحَامِلَ لِلْعُلْوِ كَمَا
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ حُكْمَ الْحَكَمِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْعَاقِلَةِ) كَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَكْتُوبًا قَبِيلَ مَسَائِلَ شَتَّى وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِهَا وَهُوَ أَحْسَنُ فَإِنَّهُ قَدْ مَرَّ قُبَيْلَ الْمَسَائِلِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا حُكْمَ الْقَاضِي
[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ]
(مَسَائِلُ شَتَّى)(قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَنْعِهِ) أَيْ مَنْعِ صَاحِبِ السُّفْلِ
قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ هَدَمَهُ أُجْبِرَ عَلَى بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ بِهَدْمِ مَا هُوَ قَرَارُ الْعُلْوِ كَالرَّاهِنِ إذَا قَتَلَ الْمَرْهُونَ وَالْمَوْلَى إذَا قَتَلَ عَبْدَهُ الْمَدْيُونَ فَرْقٌ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْنَ حَقِّ التَّسْيِيلِ حَيْثُ لَوْ هَدَمَ فِي الْأَوَّلِ يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ وَلَوْ هَدَمَ فِي الثَّانِي لَا يُجْبَرُ وَفِي الذَّخِيرَةِ السُّفْلُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ وَعُلْوٌ لِآخَرَ فَسَقْفُ السُّفْلِ وَجُذُوعُهُ وَهَرَادِيهِ وَبِوَارِيهِ وَطِينُهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ غَيْرَ أَنَّ صَاحِبَ الْعُلْوِ مَسْكَنُهُ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ أَنَّ الْهَرَادِيَّ مَا يُوضَعُ فَوْقَ السَّقْفِ إمَّا مِنْ قَصَبٍ أَوْ مِنْ عَرِيشٍ وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبَانَ أَنَّهُ الْمُكَعَّبُ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبِ السُّفْلِ وَالْعُلْوِ حَقٌّ فِي مِلْكِ الْآخَرِ لِذِي الْعُلْوِ حَقُّ قَرَارِهِ وَلِذِي السُّفْلِ حَقُّ دَفْعِ الْمَطَرِ وَالشَّمْسِ عَنْ السُّفْلِ فَالْمِلْكُ مُطْلَقٌ وَالْحَقُّ مَانِعٌ وَقَدْ اجْتَمَعَا فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَتَمَامُهُ فِيهِ وَفِي الْحَائِطِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لَوْ كَانَ لَهُمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ فَبَنَى أَحَدُهُمَا لَلَبَّانِي أَنْ يَمْنَعَ الْآخَرَ مِنْ وَضْعِ الْخَشَبِ حَتَّى يُعْطِيَهُ نِصْفَ قِيمَةِ الْبِنَاءِ مَبْنِيًّا وَفِي الْأَقْضِيَةِ حَائِطٌ مُشْتَرَكٌ أَرَادَ أَحَدُهُمَا نَقْضَهُ وَأَبَى الشَّرِيكُ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يُخَافُ سُقُوطُهُ لَا يُجْبَرُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُخَافُ عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ يُجْبَرُ وَإِنْ هَدَمَاهُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ وَأَبِي الْآخَرَانِ كَانَ أَسَاسُ الْحَائِطِ عَرِيضًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ يُجْبَرُ كَذَا عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَتَفْسِيرُ الْجَبْرِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِقْهُ الشَّرِيكُ أَنْفَقَ عَلَى الْعِمَارَةِ وَرَجَعَ عَلَى الشَّرِيكِ بِنِصْفِ مَا أَنْفَقَ وَفِي شَهَادَاتِ الْفَضْلَيْ لَوْ هَدَمَاهُ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ وَلَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ وَلَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِيهِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بِلَا قَضَاءٍ فَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَوْ هَدَمَ ذُو السُّفْلِ سُفْلَهُ وَذُو الْعُلْوِ عُلْوَهُ أُخِذَ ذُو السُّفْلِ بِبِنَاءِ سُفْلِهِ إذْ فَوَّتَ عَلَيْهِ حَقًّا أُلْحِقَ بِالْمِلْكِ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ فَوَّتَ عَلَيْهِ مِلْكًا. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا جَبْرَ عَلَى ذِي الْعُلْوِ وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ خِلَافُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا بَنَى صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ وَطَلَبَ مِنْ ذِي الْعُلْوِ بِنَاءَ عُلْوِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ وَلَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي وَلِصَاحِبِ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ إنْ شَاءَ وَيَبْنِي عَلَيْهِ عُلْوَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ السُّكْنَى حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ مُضْطَرًّا كَمُسْتَعِيرِ الرَّهْنِ إذَا قَضَى الدَّيْنَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ انْهَدَمَ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ فَكَذَلِكَ ثُمَّ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ بِمَا أَنْفَقَ قِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْعُلْوِ مُضْطَرًّا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِ بِقِيمَةِ السُّفْلِ مَبْنِيًّا لَا بِمَا أَنْفَقَ وَقِيلَ إنْ بَنَى بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَإِلَّا رَجَعَ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي قِسْمَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَإِذْنُ الشَّرِيكِ كَإِذْنِ الْقَاضِي فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ كَمَا حَرَّرَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ.
وَإِذَا قُلْنَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ فَهَلْ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبِنَاءِ أَوْ وَقْتَ الرُّجُوعِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ وَقْتَ الْبِنَاءِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَبْنَى يُبْنَى عَلَى مِلْكِ الشَّرِيكِ أَوْ عَلَى مِلْكِ الْبَانِي ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْهُ أَيْضًا وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جِدَارٌ بَيْنَهُمَا وَلِكُلٍّ -
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ فَإِنْ هَدَمَهُ أُجْبِرَ عَلَى بِنَائِهِ إلَخْ) قَيَّدَ بِهَدْمِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ لَا يُجْبَرُ بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْهَدَمَ السُّفْلُ بِغَيْرِ صُنْعِ صَاحِبِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبِنَاءِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي إلَخْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ هَدْمُهُ فَلَوْ هَدَمَهُ يُجْبَرُ عَلَى بِنَائِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَدٍّ عَلَى صَاحِبِ الْعُلْوِ وَهَذَا أَصْلٌ كُلِّيٌّ كُلُّ مَنْ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ مَعَ شَرِيكِهِ فَإِذَا فَعَلَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا وَهُوَ الْمُطَالَبَةُ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْفِعْلِ كَنَهْرٍ بَيْنَهُمَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ كَرْيِهِ وَكَرَى الْآخَرُ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي فِي آخِرِ الْقَوْلَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبَرُ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا كَعُلْوٍ لِرَجُلٍ وَسُفْلٍ لِآخَرَ سَقَطَ السُّفْلُ فَبَنَاهُ الْآخَرُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ صَاحِبُ السُّفْلِ عَلَى بِنَائِهِ فَكَانَ فِي بِنَائِهِ إيَّاهُ مُضْطَرًّا لِيَصِلَ إلَى حَقِّهِ إلَخْ فَثَبَتَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَدْمِ وَالِانْهِدَامِ فَتَنَبَّهْ.
(قَوْلُهُ فَسَقْفُ السُّفْلِ وَجُذُوعُهُ وَهَرَادِيهِ إلَخْ) قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ التُّرْكُمَانِيُّ فِي مَجْمُوعَتِهِ الْفِقْهِيَّة وَتَطْيِينُهُ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا ذُو الْعُلْوِ فَلِعَدَمِ وُجُوبِ إصْلَاحِ مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا ذُو السُّفْلِ فَلِعَدَمِ إجْبَارِهِ عَلَى إصْلَاحِ مِلْكِهِ وَإِنْ زَالَ الطِّينُ عَنْهُ بِتَعَدِّي السَّاكِنِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَإِلَّا لَا كَذَا أَفْتَى الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي فَتَاوِيهِ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى مَوْلَانَا حَامِدٌ أَفَنْدِي وَفِيهَا أَيْضًا وَأَجَابَ الشَّيْخُ اللُّطْفِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ سَقْفُ السُّفْلِ لِصَاحِبِ السُّفْلِ غَيْرَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلْوِ حَقُّ السُّكْنَى وَالْمَقَامُ عَلَيْهِ وَمَرَمَّةُ ذَلِكَ السَّقْفِ مِنْ تَطْيِينٍ وَغَيْرِهِ تَلْزَمُهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي) أَرَادَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لِذِكْرِهِ بَعْدَ كَلَامِ الْفَتْحِ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا بَنَى إلَخْ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا فِي الْفَتْحِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ هَدَمَاهُ وَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ وَيُخَالِفُ هَذَا الْحَمْلُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ سَقْفَ السُّفْلِ وَجُذُوعَهُ وَهَرَادِيهُ وَبِوَارِيهِ وَطِينَهُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ وَعَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ صَاحِبُ الْعُلْوِ عَلَى الْبِنَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ فِي تَرْكِهِ بَلْ فِيهِ نَفْعُ التَّخْفِيفِ عَنْ سَقْفِهِ تَأَمَّلْ ثُمَّ ظَهَرَ لِي عَدَمُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ مَا فِي الْفَتْحِ وَبَيْنَ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا فِي الْفَتْحِ فِي الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ وَمَا فِي الْجَامِعِ فِي السُّفْلِ وَالْعُلْوِ وَالْفَرْقُ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى.
مِنْهُمَا حُمُولَةٌ فَوَهِيَ الْحَائِطُ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا رَفْعَهُ لِيُصْلِحَهُ وَأَبَى الْآخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَرِيدُ الْإِصْلَاحِ لِلْآخَرِ ارْفَعْ حُمُولَتَك بِأُسْطُوَانَاتِ وَعُمُدٍ وَيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُرِيدُ رَفْعَهُ فِي وَقْتِ كَذَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُ الْجِدَارِ فَلَوْ سَقَطَ حُمُولَتُهُ لَمْ يَضْمَنْ اهـ.
(قَوْلُهُ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ يَتَشَعَّبُ عَنْهَا مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى فِيهَا بَابًا بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ) أَيْ سِكَّةٌ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفَسَّرَهَا تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِالسِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِزَيْغِهَا عَنْ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَفَسَّرَهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالْمَحَلَّةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِمَيْلِهَا مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ مِنْ زَاغَتْ الشَّمْسُ إذَا مَالَتْ وَفِي التَّهْذِيبِ الزَّائِغَةُ الطَّرِيقُ الَّذِي حَادَ عَنْ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالْمُسْتَطِيلَةُ الطَّوِيلَةُ مِنْ اسْتَطَالَ بِمَعْنَى طَالَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُؤَلِّفُ الْأُولَى صَرِيحًا بِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ تَبَعًا لِمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَقَيَّدَهَا فِي الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ والتمرتاشي وَيُمْكِنُ أَنْ يُفْهَمَ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ مِثْلُهَا غَيْرُ نَافِذَةٍ فَجَعَلَ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى بِقَيْدِ عَدَمِ النَّفَاذِ وَصُورَةُ الطَّوِيلَةِ هَكَذَا فَاَلَّذِي يُمْكِنُهُ بِأَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الزَّائِغَةِ لِقُصْوَى هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِي رُكْنِ الزَّائِغَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى فِي الْمُرُورِ فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى بَلْ هُوَ لِأَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ وَلِذَا لَوْ بِيعَتْ دَارٌ فِي الْقُصْوَى لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْأُولَى شُفْعَةٌ بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُؤَلِّفُ الْأُولَى صَرِيحًا بِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا وَاحِدٌ إذْ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ الْأُولَى نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ لِامْتِنَاعِ مُرُورِ أَهْلِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُطْلَقًا فَأَطْلَقَهُ الْمُؤَلِّفُ فَشَمِلَ النَّافِذَةَ وَغَيْرَ النَّافِذَةِ وَقَيَّدَ الْمُتَشَعِّبَةَ بِكَوْنِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ نَافِذَةً لَسَاغَ لِلْعَامَّةِ الْمُرُورُ فِيهَا فَلَا يَمْتَنِعُ فَتْحُ بَابٍ لِأَهْلِ الْأُولَى بِهَا وَتَقْيِيدُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ تَبَعًا لِلْفَقِيهَيْنِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَلِذَا صَوَّرَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ التَّحْرِيرِ نَافِذَةٌ وَكَثِيرٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ، وَأَمَّا الْمُتَشَعِّبَةُ عَنْهَا فَأَجْمَعُوا عَلَى تَصْوِيرِهَا غَيْرَ نَافِذَةٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَفْهَمْهُ اهـ.
وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ (قَوْلُهُ فَاَلَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْإِمْكَانِ التَّصَوُّرُ لَا الْجَوَازُ يَعْنِي أَنَّ الَّذِي يُتَصَوَّرُ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الزَّائِغَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ هُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الَّتِي فِي رُكْنِ الْمُتَشَعِّبَةِ؛ لِأَنَّ جِدَارَهُ فِيهَا أَمَّا مِنْ قِبَلِهِ فَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ جِدَارَهُ فِي الْأُولَى وَإِنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ فَتْحُ الْبَابِ فِيهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ الْفَتْحَ وَالْمُرُورَ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَاخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَبِهِ يُفْتَى ثُمَّ رَمَزَ (لض) وَجَعَلَهُ خِلَافَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَقُولُ: وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَشَتْ الْمُتُونُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ حُسَامِ الدِّينِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْمَنْعِ فَتَحَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا فَيُرْجَعُ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَأَمَّلْ رَجُلٌ لَهُ دَارٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لَهَا بَابٌ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ لَهَا بَابًا آخَرَ أَعْلَى مِنْ بَابِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ اهـ.
ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَقُولُ: وَإِطْلَاقُ قَوْلِ قَاضِي خَانْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَسُدَّ الْأَوَّلُ وَرَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَسُدَّهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ الْأَوَّلَ مَعَ الثَّانِي لِمَا فِيهِ مِنْ التَّمَيُّزِ عَنْ بَقِيَّتِهِمْ وَلِتَضَرُّرِهِمْ بِزِيَادَةِ الزَّحْمَةِ بِانْضِمَامِهِ إلَى الْأَوَّلِ وَوُقُوفِ الدَّوَابِّ فِي الدَّرْبِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ فِي الشُّرْبِ وَلَوْ أَنَّ مَنْ لَهُ طَرِيقٌ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ بَابَهُ فِي أَسْفَلِ السِّكَّةِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَزْدَادُ طَرِيقُهُ وَمُرُورُهُ فِي السِّكَّةِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَسَوَّى بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَوَّلًا وَعَلَيْهِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمَنْعُ إذْ الْعِلَّةُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّائِغَةِ تَأَمَّلْ هَذَا وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ مَنْعِ فَتْحِ الْبَابِ لِأَهْلِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ مَا نَصُّهُ وَيُخَافُ أَنْ يَسُدَّ بَابَهُ الْأَصْلِيَّ وَيَكْتَفِيَ بِالْبَابِ الْمَفْتُوحِ وَيَجْعَلَ دَارِهِ مِنْ تِلْكَ السِّكَّةِ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ تَرَهُ يُفِيدُ عَدَمَ وُجُوبِ سَدِّ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَارَّةِ وَإِلَّا لَمَّا عَبَّرَ هُنَا بِالْمَخُوفِ بَلْ كَانَ يُعَبِّرُ بِاللُّزُومِ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى إلَخْ) الَّذِي يَقْتَضِيهِ التَّعْلِيلُ أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِي الْقُصْوَى فِي رُكْنِ الْأُولَى الطَّوِيلَةِ فِي نَاحِيَةِ الْعُبُورِ إذْ لَوْ كَانَتْ فِي رُكْنِ الْأُولَى الطَّوِيلَةِ فِي النَّاحِيَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ فِي الطَّوِيلَةِ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِيهَا وَهَذَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُتَشَعِّبَةُ فِي وَسَطِ الْأُولَى الطَّوِيلَةِ لَا فِي آخِرِهَا كَالصُّورَةِ الَّتِي رُسِمَتْ هُنَا وَلِتَصَوُّرِهَا بِهَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ الَّتِي فِي رُكْنِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْ جِهَةِ الْعُبُورِ بَابُهَا مِنْ الزَّائِغَةِ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا فَتْحُ بَابٍ مِنْ الزَّائِغَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ وَلَوْ كَانَ بَابُهَا مِنْ الزَّائِغَةِ الْمُتَشَعِّبَةِ فَلِصَاحِبِهَا فَتْحُ بَابٍ مِنْ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ، وَأَمَّا الدَّارُ الَّتِي فِي الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرُكْنِ الْمُتَشَعِّبَةِ إذَا كَانَ بَابُهَا مِنْ الزَّائِغَةِ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ فَلَيْسَ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْمُتَشَعِّبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُرُورِ فِيهَا وَكَذَا إذَا كَانَ
فَإِنَّ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْمُرُورِ فِيهَا وَبِخِلَافِ النَّافِذَةِ فَإِنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ وَقَالَ الْبَعْضُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الْفَتْحِ بَلْ مِنْ الْمُرُورِ؛ لِأَنَّ فَتْحَ الْبَابِ رَفْعُ جِدَارِهِ وَلَهُ رَفْعُهُ كُلِّهِ فَلَهُ رَفْعُ بَعْضِهِ.
وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ مِنْ الْفَتْحِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ وَلِأَنَّ الْمَنْعَ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُ لِعُسْرِ الْمُرَاقَبَةِ وَرُبَّمَا عَلَى طُولِ الزَّمَانِ يَدَّعِي حَقَّ الْمُرُورِ مُسْتَدِلًّا بِفَتْحِ الْبَابِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ لِلظَّاهِرِ الَّذِي مَعَهُ وَهُوَ فَتْحُ الْبَابِ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَدِيرَةِ مَعْنَاهُ لَوْ كَانَتْ الْمُتَشَعِّبَةُ مُسْتَدِيرَةً فَلَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَقَّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهَا اعْوِجَاجًا وَلِذَا الْكُلُّ يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ فِيهَا وَهَذِهِ صُورَتُهَا وَهُنَا فُصُولٌ الْأَوَّلُ فِي تَصَرُّفِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِيهَا الثَّانِي فِي تَصَرُّفِ الْجِيرَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ الثَّالِثُ فِي تَعْمِيرِ الْمُشْتَرَكِ إذَا خَرِبَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرَكِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ زُقَاقٌ غَيْرُ نَافِذٍ أَرَادَ إنْسَانٌ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّخِذَ طِينًا إنْ تَرَكَ مِنْ الطَّرِيقِ قَدْرَ الْمَمَرِّ لِلنَّاسِ وَيَرْفَعُهُ سَرِيعًا وَيَفْعَلُ فِي الْأَحَايِينِ مَرَّةً لَا يُمْنَعُ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ آرِيًّا أَوْ دُكَّانًا وَهُوَ الْمِصْطَبَةُ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ لِرَجُلٍ دَارٌ ظَهْرُهَا إلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ.
وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ جَعَلَهَا مَسْجِدًا إنْ كَانَ الْجِدَارُ إلَى الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ جَازَ وَإِلَّا فَهُوَ مَسْجِدُ ضِرَارٍ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْفَتَاوَى سِكَّةٌ غَيْرُ نَافِذَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ عَشَرَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمْ دَارٌ غَيْرَ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ دَارًا فِي سِكَّةٍ أُخْرَى لَا طَرِيقَ لَهَا فِي هَذِهِ السِّكَّةِ وَلَيْسَتْ بِحِيَالِ دَارِهِ الَّتِي فِي هَذِهِ غَيْرَ أَنَّ حَائِطَهَا فِي هَذِهِ السِّكَّةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ السِّكَّةِ شُرَكَاءُ فِيهَا مِنْ أَعْلَاهَا إلَى أَسْفَلِهَا اهـ.
وَفِي التَّتِمَّةِ زُقَاقٌ غَيْرُ نَافِذٍ قَدْ اشْتَرَى رَجُلٌ فِي الْقُصْوَى دَارًا فَأَرَادَ أَنْ يَهْدِمَهَا وَيَجْعَلَهَا طَرِيقًا نَافِذًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ اهـ.
زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا مَسْجِدًا لَهُ ذَلِكَ وَلِمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَهُ وَيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوهُ طَرِيقًا يَمُرُّونَ فِيهِ وَفِي الْعِمَادِيَّةِ جَعَلَ الْخَانَ لِنُزُولِ النَّاسِ فِيهِ كَالْمَسْجِدِ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا طَرِيقًا خَاصًّا لَهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ يَرْفَعُ أَهْلُ السِّكَّةِ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَيُوَجِّهُ عَدْلَيْنِ يُصَوِّرَانِ لَهُ الْأَمْرَ عَلَى كَاغِدَةٍ فَإِنْ كَانَ ضَرَرًا فَاحِشًا مَنَعَهُ وَإِلَّا لَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ فِي مَحَلَّةٍ عَامِرَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يُخَرِّبَهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَأَفْتَى الْكَرْخِيُّ بِالْمَنْعِ اسْتِحْسَانًا وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْفَتْوَى الْيَوْمَ عَلَى الْقِيَاسِ وَإِذَا تَضَرَّرَ الْجِيرَانُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ لَهُمْ جَبْرُهُ عَلَى الْبِنَاءِ فِي غَصْبِ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي التَّتِمَّةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لَيْسَ لِأَصْحَابِهَا بَيْعُهَا وَلَا قِسْمَتُهَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ إذَا كَثُرَ فِيهِ النَّاسُ كَانَ لَهُمْ الدُّخُولُ لِلزِّحَامِ الثَّانِي فِي تَصَرُّفِ الْجِيرَانِ أَرَادَ الْجَارُ أَنْ يُعْلِيَ حِيطَانَهُ فِي هَوَاءٍ مُشْتَرَكٍ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ مَنْعُهُ وَقَالَ السَّعْدِيُّ بِالْمَنْعِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَلِذَا كَانَ الرَّاجِحُ وَلَهُ صُورَتَانِ أَيْضًا مِنْهَا حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَدْرُ قَامَةٍ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ فِي طُولِهِ وَأَبَى الْآخَرُ فَلَهُ مَنْعُهُ وَمِنْهَا نَقَضَ الشَّرِيكَانِ الْجِدَارَ الَّذِي بَيْنَهُمَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرْفَعَهُ أَطْوَلَ مِمَّا كَانَ فَفِي التَّتِمَّةِ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا خَارِجًا عَنْ الرَّسْمِ بِمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذِرَاعَيْنِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ دَارِهِ بُسْتَانًا لَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً وَلَا يَتَعَدَّى ضَرَرُ الْمَاءِ إلَى جَارِهِ وَإِنْ كَانَتْ رَخْوَةً فَلَهُ مَنْعُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا جَعَلَهَا طَاحُونَةً أَوْ لِلْقِصَارَةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهَا حَمَّامًا أَوْ إصْطَبْلًا اهـ.
وَذَكَرَ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً لِلدُّورِ فَأَرَادَ صَاحِبُهَا أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا تَنُّورًا لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ أَوْ رَحًى لِلطَّحِينِ أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ
ــ
[منحة الخالق]
بَابُهَا فِي الْمُتَشَعِّبَةِ لَيْسَ لَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْمُرُورِ أَيْضًا لَكِنْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ أَنَّ الْأُولَى الْمُسْتَطِيلَةَ غَيْرُ نَافِذَةٍ أَيْضًا إذْ لَوْ كَانَتْ نَافِذَةً فَاَلَّذِي بَابُ دَارِهِ فِي الْمُتَشَعِّبَةِ يَكُونُ لَهُ الْمُرُورُ مِنْ الْجِهَتَيْنِ فَلَهُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْمُسْتَطِيلَةِ ثُمَّ رَأَيْت مَنْقُولًا عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ عِنْدَ قَوْلِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْقُصْوَى إلَخْ هَذَا إذَا فَتَحَ فِي جَانِبٍ يَدْخُلُ مِنْهُ إلَيْهَا أَمَّا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ غَيْرِ النَّافِذِ فَلَا. اهـ.
وَهَذَا عَيْنُ مَا قُلْنَا وَبِهِ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ الْأُولَى نَافِذَةً أَوْ غَيْرَ نَافِذَةٍ خِلَافًا لِمَا يُفْهِمُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ آرِيًّا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَهُوَ الْمَعْلَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْآرِي فِي اللُّغَةِ مَحْبِسُ الدَّابَّةِ وَهُوَ فِي التَّقْدِيرِ فَاعُولٌ وَالْجَمْعُ الْأَوَارِي مُخَفَّفٌ وَمُشَدَّدٌ نُقِلَ عَنْ هِبَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ هَكَذَا الرَّسْمُ بِالْأَصْلِ وَلْيُنْظَرْ فِيهِ فَإِنَّهُ عَيْنُ الْأُولَى وَلَيْسَتْ مُسْتَدِيرَةً اهـ. مُصَحِّحٌ.
يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي مِنْهُ الدُّخَانُ الْكَثِيرُ الشَّدِيدُ وَرَحَى الطَّحْنِ وَدَقُّ الْقَصَّارِينَ يُوهِنُ الْبِنَاءَ بِخِلَافِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا بِالنَّدَاوَةِ وَيُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِأَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَارِهِ وَبِخِلَافِ التَّنُّورِ الصَّغِيرِ الْمُعْتَادِ فِي الْبُيُوتِ قَالَ الْحُسَامُ الشَّهِيدُ وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ تَارَةً يُفْتِي بِمَنْعِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فِي مِلْكِهِ لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ فِي وَسَطِ الْبَزَّازِينَ وَتَارَةً يُفْتِي بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ فِي الْكُلِّ لَكِنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ وَأَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ
لِأَجْلِ
الْمَصْلَحَة وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُفَصِّلْ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ.
قَالَ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ يُفْتِي بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا يُمْنَعُ وَبِهِ يُفْتَى هَكَذَا ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْحِيطَانِ لِلْحُسَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ بُرْهَانَ الْأَئِمَّةِ هُوَ وَالِدُهُ فَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ ذَلِكَ الْبَزَّازِيُّ وَأَنَّ وَالِدَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى قَالَ وَهَذَا جَوَابُ الْمَشَايِخِ وَجَوَابُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْمَنْعِ ثُمَّ قَالَ أَصَابَهُ سَاحَةٌ فِي الْقِسْمَةِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا وَيَرْفَعَ لَهُ الْبِنَاءَ وَمَنَعَهُ الْآخَرُ فَقَالَ يَسُدُّ عَلَيَّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ لَهُ الرَّفْعُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَهُ حَمَّامًا أَوْ تَنُّورًا فَإِنْ كَفَّ عَمَّا يُؤْذِي جَارَهُ فَهُوَ أَحْسَنُ فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ «مَنْ أَذَى جَارَهُ وَرَّثَهُ اللَّهُ تَعَالَى دَارِهِ» وَقَدْ جُرِّبَ فَوُجِدَ كَذَلِكَ وَقَالَ نُصَيْرٌ وَالصَّفَّارُ لَهُ الْمَنْعُ وَلَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي عُلْوِ بِنَائِهِ بَابًا أَوْ كَوَّةً لَا يَلِي صَاحِبُ السَّاحَةِ مَنْعَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ مَا يَسْتُرُ جِهَتَهُ وَلَوْ اتَّخَذَ فِي مِلْكِهِ بِئْرًا أَوْ بَالُوعَةً تَنِزُّ إلَى حَائِطِ جَارِهِ وَطَلَبَ مِنْهُ تَحْوِيلَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا انْهَدَمَ مِنْ النَّزِّ وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ كَانَ يُفْتِي بِجَوَابِ الرِّوَايَةِ وَفِيهَا وَعَنْ أُسْتَاذِنَا أَنَّهُ يُفْتَى بِقَبُولِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَ النَّسَفِيُّ فِي الْحَمَّامِ أَنَّ الضَّرَرَ إنْ كَانَ فَاحِشًا يُمْنَعُ وَإِلَّا فَلَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ غَالِبُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاسْتِحْسَانُ فِي أَجْنَاسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَفْتَى طَائِفَةٌ بِجَوَابِ الْقِيَاسِ الْمَرْوِيِّ وَاخْتَارَ فِي الْعِمَادِيَّةِ الْمَنْعَ إذَا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ خِلَافُهُ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَنَّ فِي حِفْظِهِ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَئِمَّتِنَا الْخَمْسَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ أَضَرَّ بِجَارِهِ قَالَ وَهُوَ الَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ وَأَعْتَمِدُهُ وَأُفْتِي بِهِ تَبَعًا لِوَالِدِي شَيْخِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ.
وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَيْضًا جَوَابَ الرِّوَايَةِ وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إلَيْهِ مِنْ بِئْرٍ حَفَرَهَا جَارُهُ فِي دَارِهِ فَقَالَ احْفِرْ فِي دَارِك بِقُرْبِ تِلْكَ الْبِئْرِ بَالُوعَةً فَفَعَلَ فَتَنَجَّسَتْ الْبِئْرُ فَكَبَسَهَا صَاحِبُهَا وَلَمْ يُفْتِهِ بِمَنْعِ الْحَافِرِ بَلْ هَدَاهُ إلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَلَا شَكَّ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِلْقَطْعِ بِعَدَمِ امْتِنَاعِ كَثِيرٍ مِنْ الضَّرَرِ كَالتَّعَازِيرِ وَالْحُدُودِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَفِي غَصْبِ الْبَزَّازِيَّةِ هَدَمَ بَيْتَهُ وَأَلْقَى تُرَابًا كَثِيرًا لَزِيقَ جِدَارِ جَارِهِ وَوَضَعَ فَوْقَهُ لَبَنًا كَثِيرًا حَتَّى انْهَدَمَ جِدَارُ جَارِهِ إنْ دَخَلَ الْوَهْنُ بِسَبَبِ مَا أَلْقَى وَحَمَلَ ضَمِنَ هَدْمَ دَارِهِ فَانْهَدَمَ مِنْ ذَلِكَ بِنَاءَ جَارِهِ لَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُشْتَرَكِ وَفِيهِ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ فِيمَا لِأَحَدِهِمَا فِعْلُهُ وَالثَّانِي فِي تَعْمِيرِهِ إذَا خَرِبَ أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي وَقْفِ النَّوَازِلِ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يَرْبِطُوا الدَّابَّةَ فِيهَا وَأَنْ يَضَعُوا الْخَشَبَةَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ وَأَنْ يَتَوَضَّئُوا بِحَيْثُ لَا تَضِيقُ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقُ لِمُرُورِهِمْ وَلَوْ عَطِبَ بِهَا أَحَدٌ لَا يُضْمَنُ وَلَوْ حَفَرَ الْأَرْضَ يُؤْمَرُ أَنْ يُسَوِّيَهَا فَإِنْ نَقَصَ الْحَفْرُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ قَوْمٍ وَهُوَ غَيْرُ نَافِذٍ غَيْرَ أَنَّ فِي الطَّرِيقِ لَا يَضْمَنُ نُقْصَانَ الْحَفْرِ. اهـ.
وَلَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ حَائِطًا وَوَجْهُهُ فِي دَارِ رَجُلٍ فَأَرَادَ أَنْ يُطَيِّنَ حَائِطَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ إلَّا بِدُخُولِهِ دَارَ الرَّجُلِ أَوْ انْهَدَمَ الْحَائِطُ فَوَقَعَ نَقْضُهُ فِي دَارِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ لِيَشِيلَ الطِّينَ وَغَيْرَهُ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الدَّارِ أَوْ لَهُ مَجْرَى مَاءِ فِي دَارِهِ فَأَرَادَ حَفْرَهُ وَإِصْلَاحَهُ وَلَا يُمَكَّنُ إلَّا بِدُخُولِ دَارِ الرَّجُلِ وَهُوَ يَمْنَعُهُ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ يَدْخُلُ وَيُصْلِحُ وَيَفْعَلُ أَوْ تَفْعَلَ بِمَالِك كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ فَصْلِ الْحِيطَانِ لَوْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خَشَبَةٌ فَلِلْآخِرِ وَضْعُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَمِلُ وَإِلَّا يُؤْمَرُ شَرِيكُهُ بِرَفْعِ بَعْضِ الْخَشَبَةِ إلَى آخِرِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا جَبْرَ عَلَى الْآبِي؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَلَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الْبِنَاءِ فِي عُلْوِ بِنَائِهِ بَابًا أَوْ كَوَّةً إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: قَالَ الْغَزِّيِّ وَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ لَمَّا سُئِلَ هَلْ يُمْنَعُ الْجَارُ أَنْ يَفْتَحَ كَوَّةً يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ وَعِيَالِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَفِي الْمُضْمَرَاتِ قَالَ إذَا كَانَتْ الْكَوَّةُ لِلنَّظَرِ وَكَانَتْ السَّاحَةُ مَحَلَّ الْجُلُوسِ لِلنِّسَاءِ يُمْنَعُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
أَقُولُ: لِكَوْنِ الضَّرَرِ بَيِّنًا وَأَقُولُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ حَيْثُ كَانَتْ الْعِلَّةُ الضَّرَرَ الْبَيِّنَ لِوُجُودِهَا فِيهَا تَأَمَّلْ اهـ. كَلَامُ الرَّمْلِيِّ.
(قَوْلُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ غَالِبُ الْمَشَايِخِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الِاسْتِحْسَانُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَهُوَ الْمَنْعُ إذَا كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا